أقدم أحر التعازي لقدوم شهر محمرم الحرام محملا بالحزن والأسى.....
طلع فجر اليوم العاشرمن المحرم صلى الحسين(عليه السلام) بأصحابه صلاة الفجر ثم قال لهم: (ان الله تعالى اذن في قتلكم وقتلي في هذا اليوم فعليكم بالصبر والقتال)(1) فنظم الحسين(عليه السلام) جيشه الصغير وعدهم للحرب ثم نظر الى العدو فرآهم كالسيل فأخذ يبكي وعندما سئل عن سبب البكاء قال: (اني أبكي لجيش يدخل النار بسببي وهكذا أخذ الحسين(عليه السلام) يستعد للقاء عدوه ولكنه اخذ على نفسه ان لا يبدأهم القتال زفرفع الحسين(عليه السلام) يده متضرعا الى الله قائلاً
اللهم انت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدة. انت لي في كل امر نزل بي ثقة وعدة كم من هم يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو. أنزلته بك وشكوته اليك رغبة لي اليك عمن سواك فكشفته وفرجته فأنت ولي كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة)(2).. ثم راح بعدها يكلم الجيش الزاحف نحوه ويعظهم ويرشدهم ويحاول ان يؤثر في انفسهم ولكن لا مجيب منهم كأنما ختم الله على قلوبهم فلم تدخل الموعظة قلوبهم، حتى قال لهم(عليه السلام): (يا شبث بن ربعي ويا حجار بن ابجر ويا قيس بن الاشعث ويا يزيد بن الحارث الم تكتبوا اليّ ان اقدم قد اينعت الثمار واخضر الجناب وانما تقدم على جند لك مجندة)؟
فقالوا: لم نفعل، قال الحسين(عليه السلام): سبحان الله بلى والله لقد فعلتم. ثم قال: ايها الناس اذا كرهتموني فدعوني انصرف عنكم الى مأمن من الأرض، فقال قيس بن الأشعث: أولا تنزل على حكم بني عمك؟ فانهم لن يروك الاما تحب ولن يصل اليك منهم مكروه . فقال الحسين(عليه السلام): أنت أخو أخيك أتريد ان يطلبك بنو هاشم اكثر من دم مسلم ابن عقيل؟ لا والله لا أعطيهم بيدي اعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد عباد الله اني عذت بربي وربكم ان ترجمون أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب)(3).
ثم بدأ اصحاب الحسين(عليه السلام) يعظون القوم واحداً تلو الاخر فبدأ زهير بن القين وتلاه برير بن خضير ولكن دون جدوى وكأنهم قوم ق داتخذوا قرارهم ولن يتراجعوا عنه. وعندما راى الحسين(عليه السلام) هذا الصد من القوم وكأنهم يضعون اصابعهم في اذانهم لئلا يسمعوا صوت الحق قال لهم وكانه ينقل اليهم الصورة المعاكسة لتصرفاتهم وسلوكهم، صورته هو واصحابه الثابته على الحق والفضيلة والبعيدة عن كل صور الطمع والانحراف عن الدين وكان ردا قطع السنتهم واوضح منهجه القويم امامهم فقال (عليه السلام): (الا وان الدعي إبن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة، يابى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت، وانوف حمية، ونفوس ابية، من ان تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، أل وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وخذلان الناصر)
موقف الحر بن يزيد الرياحي
عندما سمع الحر خطبة الحسين(عليه السلام) مع ذلك الجيش الضال إنشرح قلبه الى الإيمان والخير وأشرقت نفسه بالنور والهداية فأسرع الى قائد الجيش الأموي( عمر بن سعد) قائلاً:
أمقاتل أنت هذا الرجل؟
فأجابه عمر: إي والله قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي.
فأقبل الحر يرتعد من موقفه المشين تجاه الحسين(عليه السلام) حتى سأله صاحبه المهاجرين الأوس: ياابن يزيد والله إن أمرك لمريب ولو قيل مَن أشجع أهل الكوفة لما عدوتك، فما هذا الذي أراه منك؟ فقال له الحر(إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار ووالله لاأختار على الجنة شيئاً ولوقطعت وحرقت ثم ضرب فرسه ولحق بالحسين(عليه السلام). ولما قرب من الحسين(عليه السلام) أعلن توبته فغفر له الحسين(عليه السلام) فعله وقال له: أنت الحر كما سمتك أمك أنت الحر إن شاء الله في الدنيا والآخرة.
ثم طلب من الحسين (عليه السلام) أن يكون أول من يقاتل الى جنب الحسين(عليه السلام) فإستأذن الحسين(عليه السلام) ليكلم القوم وتكلم ولكن لافائدة ترجى من قوم قد إستحوذ عليهم الشيطان وإنغمسوا في الشهوات..
ودقت طبول الحرب
عندما لم تفلح كل الجهود الخيرة في إرشاد هؤلاء الهمج الرعاع الذين دفعتهم شهواتهم لمحاربة إبن بنت نبيهم وهذه جرأة كبيرة وتحدي لكل القيم والمباديء الإنسانية إذ وقف أبن سعد بكل وقاحة وشقاوة متحدياً صبيحة العاشر من المحرم واضعاً سهمه في كبد قوسه ورمى به نحو معسكر الحسين (عليه السلام) قائلاً:
( إشهدوا لي عند الأمير بأني أول من رمى)(5)
فأقبلت بعده السهام من الجيش الأموي نحو الحسين(عليه السلام) كأنها المطر. عندئذ لم ير أبداً من قتالهم حتى يفيئوا الى أمرالله فأذن لأصحابه بالقتال قائلاً لهم : قوموا رحمكم الله الى الموت الذي لابد منه فإن هذه رسل القوم اليكم)(6)
فبدأ الإصطدام المسلح بين الحق والباطل، وبدا على أصحاب الحسين(عليه السلام) الشجاعة والبسالة المنقطعة النظير فتعجب القوم من ذلك. وهكذا بدأ أصحاب الحسين عليهم السلام بالتناقص شيئاً فشيئاً حتى قتلوا جميعاً وتلاهم بنو هاشم أجمعهم حتى بقي أخو الحسين(عليه السلام) العباس بن علي (عليه السلام) البطل الشجاع الذي أخذ القربة ليجلب الماء لأهل بيته ومن خبث القوم أنهم لم يستطيعوا مواجهته ومبارزته عمدوا الى طريقتهم المعتادة ألا وهي الغدر فإختبأوا خلف نخلة وقطعوا يمينه ومن ثم شماله وأصابوا القربه وأحاطوا به من كل جانب حتى قطعوه إرباً أربا. وبقي الحسين(عليه السلام) وحيداً فجاءت اليه أخته زينب بنت علي(عليها السلام) قائله له: خذ رضيعك هذا وأطلب له الماء وجاء الحسين(عليه السلام) بالطفل الرضيع الى القوم وقال لهم: إن كان لي جرماً عندكم فما ذنب هذا الطفل فخذوه وأسقوه بأنفسكم فرموه بسهم وقتلوه على يد أبيه، فهذه من صفات الخسة والنذالة التي تمتع بها هؤلاء القوم..
الحسين(عليه السلام) يحمل على الجيش الاموي لوحده:
ولما لم يجد الحسين (عليه السلام) بدا الا الدفاع عن دين جده محمد والمحامات عن حرمه وعياله بعد فقد الناصر والمعين فانه (عليه السلام) برز الى الاعداء مصلتا سيفه وداعيا الناس الى البراز فلم يزل يقتل كل من يبرز اليه حتى قتل جميا كثيرا. ثم حمل على الميمنة والميسرة قال عبد الله بن عمار: (فوالله مارايت مكسورا قط قتل ولده واهل وبيته واصحابه اربط جاشا ولا امضى جنانا ولا اجرًا مقدماً منه، والله مارايت قبله ولا بعده مثله، اذ كانت الرجًّالة لتنكشف من عن يمينه وشماله انكشاف المعزي اذا شد فيها الذئب)(7) فاكثر(عليه السلام) فيهم القتل، حتى خشي عمر بن سعد ان يفنى جيشه ان بقي الحسين على حاله فصاح بجيشه: (هذا ابن الانزع البطين، هذا ابن قتّال العرب، احملوا عليه من كل جانب، فأتته اربعة الاف)(8) وحال الرجال بينه وبين حرمه وارادوا التعرض لها فصرخ بقبح فيهم الحسين (عليه السلام) منددا بقبيح افعالهم هذه قائلا لهم: (ياشيعة آل ابي سفيان ان لم يكن لكم دينوكنتم لا تخافون المعاد فكونوا احراراً في دنياكم، وارجعوا الى احسابكم ان كنتم عربا كما تزعون، امنعوا رحلي واهلي من طغاتكم وجهالكم(9) فعندئذ قصد القوم بنفسه، واشتد القتال بينه وبينهم، وقد نال العطش منه (عليه السلام) فحمل على الفرات فكشفهم عنه واقحم الفرس في الماء واراد ان يشرب منه، فناداه رجل من القوم: اتلتذ بالماء ياحسين وقد هتكت حرمك؟ فرمى الماء من يده وقصد خيامه وحرمه، ليرعاها ويحميها مادام على قيد الحياة، لانه يعلم انها بعد سويعات، ستبقى من دون حمي ولا نصير، فنادى نداء وداع وفراق لا امل فيه بلقاء وعودة وناداهن بفلب محزون مفجوع (يا ام كلثوم، ويازينب، وياسكينة، ويارقيه وياعاتكه وياصفيه عليكن مني السلام فهذا اخر الاجتماع. وقد قرب منكن الافتجاع). فاحطن به بنات الرسالة من كل جانب هذي تشمه واخرى تاخذ بردائه وثالثة تستنجده، ورابعة تقول: يااخي
ردنا الى حرم جدنا) فقال لها الحسين(عليه السلام): (يا اختاه هيهات هيهات، لو ترك القطا لنام) فقالت ام كلثوم: (يااخي كانك استسلمت للموت؟؟) فقال الحسين(عليه السلام): (يا أخيه كيف لا يستسلم من لا ناصر له ولا معين) ثم سأل(عليه السلام) عن ابنته سكينة فقيل له انها في خيمتها تبكي، فجاء اليها وضمها الى صدره. ثم ودّعهم وأمرهم بالصبر قائلا: (استعدو للبلاء، واعلموا ان الله تعالى حاميكم وحافظكم وسينجيكم من شر الاعداء ويجعل عاقبة امركم الى خير ويعذب عدوكم بانواع العذاب ويعوضكم عن هذه البليه بانواع النعم والكرامة فلا تشكوا ولاتقولوا بالسنتكم ماينقص من قدركم)(10) ثم خرج من عندهم مودعا اياهم ثم توجه الى ساحة القتال فاخذ يقاتل القوم قتالا شديدا ومستميتا يائسا من الحياة فكانت ضرباته شديدة على الاعداء بحيث كانوا ينكشفون من امامه خوفا من صولاته العنيفة حتى وصل الى الماء فنادى رجل من بني ابان بن دارم( ويلكم! حولوا بينه وبين الماء)(11) ثم تكاثروا عليه واحاطوا به فشد(عليه السلام) عليهم حتى كشفهم فجاءه سهمان فوقع احدهما في عنقه والاخر في فمه فانتزعهما وبسط كفيه فامتلاتا دما ثم قال: اللهم اني اشكو اليك مايفعل بابن بنت نبيك اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولاتذر على الارض منهم احدا)(12) ثم نادى عمر بن سعد يخاطب الجيش الاموي: (ويحكم اهجموا عليه مادام مشغولا بنفسه وحرمه والله ان فرغ لكم لاتمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم فحملوا عليه يرمونه بالسهام حتى تخالفت السهام بين اطناب الخيام وشك سهم ببعض ازر النساء فدهشن وارعبن وصحن ودخلن الخيمة وهن ينظرن الى الحسين(عليه السلام) كيف يصنع فحمل(عليه السلام) عليهم كالليث الغضبان فلايلحق احدا الا بعجه بسيفه فيقتله والسهام تاخذه من كل ناحية وهو يتقيها بصدره ونحره(13) حتى اثخن بالجراح من كثر ما اصيب والدماء تنزف منه فرماه ابو الحتوف الجعفي بسهم في جبهته فنزعه وسالت الدماء على وجهه الشريف ثم توالوا عليه ضربا بالسيوف وطعنا بالرماح ورميا بالسهام ورضخا بالحجارة فلم يتمالك(عليه السلام) وضعف عن القتال فوقف ليستريح عله يجد قوة ويزداد نشاطا ليحامي عن رسالته ومقدساته فرضخه رجل بحجر على جبهته فسال الدم على وجهه فاخذ الثوب ليمسح الدم عن عينه فرماه اخر بسهم ذي ثلاث شعب فوقع في قلبه فاخرج السهم من قفاه وانبعث الدم كالميزاب(14) فقال (عليه السلام): (بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله الهي انك تعلم انهم يقتلون رجلا ليس على وجه الارض ابن نبي غيره هون علي ما نزل بي انه بعين الله) ثم انه(عليه السلام) لطخ به راسه ولحيته وقال هكذا اكون حتى القى الله وجدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وانا مخضب بدمي واقول ياجد قتلني فلان وفلان)(15) ثم صاح(عليه السلام) باعلى صوته: (يامة السوء بئسما خلفتم محمدا في عترته، اما انكم لاتقتلون رجلا بعدي فتهابون قتله، بل يهون عليكم ذلك عند قتلكم اياي، وأيم الله اني لأرجو ان يكرمني الله بالشهادة ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون. فقال له الحصين: بماذا ينتقم الله منا يابن فاطمة؟ اجابه الحسين(عليه السلام): يلقي باسكم بينكم ويسفك دمائكم ثم يصب عليكم العذاب صبا.
مع الحسين(عليه السلام) في لحظاته الاخيرة
وبقي الحسين(عليه السلام) على هذا الحال طويلا من اللنهار لايجرأ أحد من القوم على قتله لما له في نفوسهم من القدسية والرهبة وكان بعضهم يتقي ويتحاشا من قتله ويود ان يكفيه غيره . فنادى شمر فيهم: (ويحكم ماذا تنتظرون بالرجل وقد اثخنته السهام فاحملوا عليه واقتلوه ثكلتكم امهاتكم) فحملوا عليه من كل جانب وصوب قال هلال بن نافع وهو في الجيش الاموي: (كنت واقفا نحو الحسين (عليه السلام) وهو يجود بنفسه فوالله مارايت قتيلا قط مضمخا بدمه، احسن منه وجها ولا انور ولقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله، فاستقى الماء في هذا الحال، وفأبوا ان يسقوه)(17) لم يترك الحسين (عليه السلام) شيئا الا وبذله في طاعة الله ورضوانه اذ انه لم يبخل بالمال ولا بالجاه ولابالولد ولا بالاخ ولم يبق لديه الا نفسه وها هي روحه متاهب للصعود الى باربها عز وجل في سبيله فلم يملك الا أنفسا تصعد وتنزل وهي في طريقها الى لقاء ربها وهو طريح على الرمضاء قد كللته قطع السيوف والرماح والحجارة واثخنته الجراح واعياه النزف وجهد الحرب والعطش ومع هذا الحال واذا به يسبح في روح الله وروحانيته فيناجي ربه بكل مشاعر قلبه ثم جاء اليه الخولي بن يزيد الاصبحي ليحتز راسه فارعد وضعف، فقال له سنان بن انس: فت الله في عضديك وابان يديك، ثم نزل الى الحسين (عليه السلام) فذبحه واحتز راسه.
وفي رواية ان الذي احتزة راسه شمر بن ذي الجوشن....
وانتهت الواقعة بحرق خيام الحسين (عليه السلام) واقتياد نسائه واطفاله اسارى الى عبيد الله بن زياد في الكوقة ومن ثم الى يزيد بن معاوية في الشام...

ونسألكم الدعاء
أختكم..... :الذهب المصفى
طلع فجر اليوم العاشرمن المحرم صلى الحسين(عليه السلام) بأصحابه صلاة الفجر ثم قال لهم: (ان الله تعالى اذن في قتلكم وقتلي في هذا اليوم فعليكم بالصبر والقتال)(1) فنظم الحسين(عليه السلام) جيشه الصغير وعدهم للحرب ثم نظر الى العدو فرآهم كالسيل فأخذ يبكي وعندما سئل عن سبب البكاء قال: (اني أبكي لجيش يدخل النار بسببي وهكذا أخذ الحسين(عليه السلام) يستعد للقاء عدوه ولكنه اخذ على نفسه ان لا يبدأهم القتال زفرفع الحسين(عليه السلام) يده متضرعا الى الله قائلاً

فقالوا: لم نفعل، قال الحسين(عليه السلام): سبحان الله بلى والله لقد فعلتم. ثم قال: ايها الناس اذا كرهتموني فدعوني انصرف عنكم الى مأمن من الأرض، فقال قيس بن الأشعث: أولا تنزل على حكم بني عمك؟ فانهم لن يروك الاما تحب ولن يصل اليك منهم مكروه . فقال الحسين(عليه السلام): أنت أخو أخيك أتريد ان يطلبك بنو هاشم اكثر من دم مسلم ابن عقيل؟ لا والله لا أعطيهم بيدي اعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد عباد الله اني عذت بربي وربكم ان ترجمون أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب)(3).
ثم بدأ اصحاب الحسين(عليه السلام) يعظون القوم واحداً تلو الاخر فبدأ زهير بن القين وتلاه برير بن خضير ولكن دون جدوى وكأنهم قوم ق داتخذوا قرارهم ولن يتراجعوا عنه. وعندما راى الحسين(عليه السلام) هذا الصد من القوم وكأنهم يضعون اصابعهم في اذانهم لئلا يسمعوا صوت الحق قال لهم وكانه ينقل اليهم الصورة المعاكسة لتصرفاتهم وسلوكهم، صورته هو واصحابه الثابته على الحق والفضيلة والبعيدة عن كل صور الطمع والانحراف عن الدين وكان ردا قطع السنتهم واوضح منهجه القويم امامهم فقال (عليه السلام): (الا وان الدعي إبن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة، يابى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت، وانوف حمية، ونفوس ابية، من ان تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، أل وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وخذلان الناصر)
موقف الحر بن يزيد الرياحي
عندما سمع الحر خطبة الحسين(عليه السلام) مع ذلك الجيش الضال إنشرح قلبه الى الإيمان والخير وأشرقت نفسه بالنور والهداية فأسرع الى قائد الجيش الأموي( عمر بن سعد) قائلاً:
أمقاتل أنت هذا الرجل؟
فأجابه عمر: إي والله قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي.
فأقبل الحر يرتعد من موقفه المشين تجاه الحسين(عليه السلام) حتى سأله صاحبه المهاجرين الأوس: ياابن يزيد والله إن أمرك لمريب ولو قيل مَن أشجع أهل الكوفة لما عدوتك، فما هذا الذي أراه منك؟ فقال له الحر(إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار ووالله لاأختار على الجنة شيئاً ولوقطعت وحرقت ثم ضرب فرسه ولحق بالحسين(عليه السلام). ولما قرب من الحسين(عليه السلام) أعلن توبته فغفر له الحسين(عليه السلام) فعله وقال له: أنت الحر كما سمتك أمك أنت الحر إن شاء الله في الدنيا والآخرة.
ثم طلب من الحسين (عليه السلام) أن يكون أول من يقاتل الى جنب الحسين(عليه السلام) فإستأذن الحسين(عليه السلام) ليكلم القوم وتكلم ولكن لافائدة ترجى من قوم قد إستحوذ عليهم الشيطان وإنغمسوا في الشهوات..
ودقت طبول الحرب
عندما لم تفلح كل الجهود الخيرة في إرشاد هؤلاء الهمج الرعاع الذين دفعتهم شهواتهم لمحاربة إبن بنت نبيهم وهذه جرأة كبيرة وتحدي لكل القيم والمباديء الإنسانية إذ وقف أبن سعد بكل وقاحة وشقاوة متحدياً صبيحة العاشر من المحرم واضعاً سهمه في كبد قوسه ورمى به نحو معسكر الحسين (عليه السلام) قائلاً:
( إشهدوا لي عند الأمير بأني أول من رمى)(5)
فأقبلت بعده السهام من الجيش الأموي نحو الحسين(عليه السلام) كأنها المطر. عندئذ لم ير أبداً من قتالهم حتى يفيئوا الى أمرالله فأذن لأصحابه بالقتال قائلاً لهم : قوموا رحمكم الله الى الموت الذي لابد منه فإن هذه رسل القوم اليكم)(6)
فبدأ الإصطدام المسلح بين الحق والباطل، وبدا على أصحاب الحسين(عليه السلام) الشجاعة والبسالة المنقطعة النظير فتعجب القوم من ذلك. وهكذا بدأ أصحاب الحسين عليهم السلام بالتناقص شيئاً فشيئاً حتى قتلوا جميعاً وتلاهم بنو هاشم أجمعهم حتى بقي أخو الحسين(عليه السلام) العباس بن علي (عليه السلام) البطل الشجاع الذي أخذ القربة ليجلب الماء لأهل بيته ومن خبث القوم أنهم لم يستطيعوا مواجهته ومبارزته عمدوا الى طريقتهم المعتادة ألا وهي الغدر فإختبأوا خلف نخلة وقطعوا يمينه ومن ثم شماله وأصابوا القربه وأحاطوا به من كل جانب حتى قطعوه إرباً أربا. وبقي الحسين(عليه السلام) وحيداً فجاءت اليه أخته زينب بنت علي(عليها السلام) قائله له: خذ رضيعك هذا وأطلب له الماء وجاء الحسين(عليه السلام) بالطفل الرضيع الى القوم وقال لهم: إن كان لي جرماً عندكم فما ذنب هذا الطفل فخذوه وأسقوه بأنفسكم فرموه بسهم وقتلوه على يد أبيه، فهذه من صفات الخسة والنذالة التي تمتع بها هؤلاء القوم..
الحسين(عليه السلام) يحمل على الجيش الاموي لوحده:
ولما لم يجد الحسين (عليه السلام) بدا الا الدفاع عن دين جده محمد والمحامات عن حرمه وعياله بعد فقد الناصر والمعين فانه (عليه السلام) برز الى الاعداء مصلتا سيفه وداعيا الناس الى البراز فلم يزل يقتل كل من يبرز اليه حتى قتل جميا كثيرا. ثم حمل على الميمنة والميسرة قال عبد الله بن عمار: (فوالله مارايت مكسورا قط قتل ولده واهل وبيته واصحابه اربط جاشا ولا امضى جنانا ولا اجرًا مقدماً منه، والله مارايت قبله ولا بعده مثله، اذ كانت الرجًّالة لتنكشف من عن يمينه وشماله انكشاف المعزي اذا شد فيها الذئب)(7) فاكثر(عليه السلام) فيهم القتل، حتى خشي عمر بن سعد ان يفنى جيشه ان بقي الحسين على حاله فصاح بجيشه: (هذا ابن الانزع البطين، هذا ابن قتّال العرب، احملوا عليه من كل جانب، فأتته اربعة الاف)(8) وحال الرجال بينه وبين حرمه وارادوا التعرض لها فصرخ بقبح فيهم الحسين (عليه السلام) منددا بقبيح افعالهم هذه قائلا لهم: (ياشيعة آل ابي سفيان ان لم يكن لكم دينوكنتم لا تخافون المعاد فكونوا احراراً في دنياكم، وارجعوا الى احسابكم ان كنتم عربا كما تزعون، امنعوا رحلي واهلي من طغاتكم وجهالكم(9) فعندئذ قصد القوم بنفسه، واشتد القتال بينه وبينهم، وقد نال العطش منه (عليه السلام) فحمل على الفرات فكشفهم عنه واقحم الفرس في الماء واراد ان يشرب منه، فناداه رجل من القوم: اتلتذ بالماء ياحسين وقد هتكت حرمك؟ فرمى الماء من يده وقصد خيامه وحرمه، ليرعاها ويحميها مادام على قيد الحياة، لانه يعلم انها بعد سويعات، ستبقى من دون حمي ولا نصير، فنادى نداء وداع وفراق لا امل فيه بلقاء وعودة وناداهن بفلب محزون مفجوع (يا ام كلثوم، ويازينب، وياسكينة، ويارقيه وياعاتكه وياصفيه عليكن مني السلام فهذا اخر الاجتماع. وقد قرب منكن الافتجاع). فاحطن به بنات الرسالة من كل جانب هذي تشمه واخرى تاخذ بردائه وثالثة تستنجده، ورابعة تقول: يااخي

مع الحسين(عليه السلام) في لحظاته الاخيرة
وبقي الحسين(عليه السلام) على هذا الحال طويلا من اللنهار لايجرأ أحد من القوم على قتله لما له في نفوسهم من القدسية والرهبة وكان بعضهم يتقي ويتحاشا من قتله ويود ان يكفيه غيره . فنادى شمر فيهم: (ويحكم ماذا تنتظرون بالرجل وقد اثخنته السهام فاحملوا عليه واقتلوه ثكلتكم امهاتكم) فحملوا عليه من كل جانب وصوب قال هلال بن نافع وهو في الجيش الاموي: (كنت واقفا نحو الحسين (عليه السلام) وهو يجود بنفسه فوالله مارايت قتيلا قط مضمخا بدمه، احسن منه وجها ولا انور ولقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله، فاستقى الماء في هذا الحال، وفأبوا ان يسقوه)(17) لم يترك الحسين (عليه السلام) شيئا الا وبذله في طاعة الله ورضوانه اذ انه لم يبخل بالمال ولا بالجاه ولابالولد ولا بالاخ ولم يبق لديه الا نفسه وها هي روحه متاهب للصعود الى باربها عز وجل في سبيله فلم يملك الا أنفسا تصعد وتنزل وهي في طريقها الى لقاء ربها وهو طريح على الرمضاء قد كللته قطع السيوف والرماح والحجارة واثخنته الجراح واعياه النزف وجهد الحرب والعطش ومع هذا الحال واذا به يسبح في روح الله وروحانيته فيناجي ربه بكل مشاعر قلبه ثم جاء اليه الخولي بن يزيد الاصبحي ليحتز راسه فارعد وضعف، فقال له سنان بن انس: فت الله في عضديك وابان يديك، ثم نزل الى الحسين (عليه السلام) فذبحه واحتز راسه.
وفي رواية ان الذي احتزة راسه شمر بن ذي الجوشن....
وانتهت الواقعة بحرق خيام الحسين (عليه السلام) واقتياد نسائه واطفاله اسارى الى عبيد الله بن زياد في الكوقة ومن ثم الى يزيد بن معاوية في الشام...

ونسألكم الدعاء
أختكم..... :الذهب المصفى