نتجاهل كوريا
نعاقب إيران
سماحة جوزيف
حوار افتراضي بين جورج بوش ومحمد خاتمي.
بوش: إن أسرع طريقة لإعادة قواتنا إلى بلادها هي عبر إيران.
خاتمي: إذا توجهتم غرباً لا شرقاً فسيرغمكم ذلك على الدوران حول الكرة قبل الوصول.
بوش: لا بأس في ذلك. يمكننا التوقف في كوريا الشمالية.
يعبّر هذا الحوار (المنقول، بتصرف، عن أحد الزملاء) عن الخطة المنسوبة إلى الرئيس الأميركي علاجاً ل<<محور الشر>>. العراق أولاً، ثم إيران، فكوريا. هذه دول مارقة، معادية للولايات المتحدة، تطور برامج تسلح غير تقليدي، موصولة بالإرهاب، توتاليتارية. لا رد عليها إلا بالضربات الاستباقية وفق تدرج من أكثرها إلى أقلها خطورة.
تعرّضت المزاعم الأميركية لامتحان أول في العراق فسقطت: لا أسلحة دمار شامل ولا علاقة بالإرهاب. ها هي تتعرض إلى امتحان ثان في كوريا وسوف تسقط: لن تذهب القوات إلى بيونغ يانغ أولاً، بعد تقدمها على إيران في تطوير السلاح النووي، من أجل أن تعود شرقاً.
إن من يراقب ردود الفعل على الإعلان الكوري الأخير سوف يصاب بالدهشة. الأكثر إفصاحاً هو رئيس الوزراء الاسترالي، حليف بوش في العراق، الذي هزئ من الادعاء الكوري ووجد فيه مبالغة. كاد يقول إن صدام كان يكذب حين ينفي وان بيونغ يانغ تكذب حين تؤكد.
ثمة تركيز ملحوظ على تقليل المخاطر. الجو جو اهتمام لا قلق. وتجمع التعليقات على المطالبة باستئناف المفاوضات السداسية وفي الذهن أن ما يحصل مجرد ابتزاز وأن رفع درجة الإغراء يمكنه أن يؤدي إلى تسوية. وقد لا تتأخر الإدارة الأميركية في الإعلان أن حربها ضد الطغيان تقف عند السد النووي الكوري. أي أنها قد لا تتأخر في الإعلان أن غزوها للعراق كان بسبب عدم امتلاك البلد لقوة رادعة، وأن الشعار البديل الخاص بنشر الديموقراطية لن يطبق على كوريا بسبب حيازتها قوة رادعة.
كانت كونداليسا رايس تكرّر عند التحضير لحرب العراق: سنعاقب فرنسا، ونتجاهل ألمانيا، ونصفح عن روسيا. ويبدو من خلال جولتها الأوروبية أن هذه <<الثلاثية>> انتفت. شعار رايس الجديد هو: نحتل العراق، نعاقب إيران، ونتجاهل كوريا. <<نتجاهل>> كلمة غير دقيقة. الأصح نعلن <<التزامنا الحل السلمي الدبلوماسي>> (ناطق باسم البيت الأبيض) مع دولة كان يقال، قبل أيام، إن طبيعة نظامها تحول بينها وبين أي حل فكيف إذا كان <<سلمياً ودبلوماسياً>>!
إن أكثر التعليقات دلالة يعود، كما العادة، إلى دونالد رامسفيلد. فالرجل، عندما سمع الخبر، بادر إلى القول: <<لكوريا سجل حافل في القيادة العالمية لانتشار الصواريخ البالستية>>. ليس الخطر في الصواريخ وإنما في انتشارها!
إن تعيين الخطر بهذه الطريقة يوحي بأن التركيز سيبقى على
<<الشرق الأوسط الكبير>>. لقد خرجت كوريا من دائرة من تستهدفهم أميركا بسبب سلاحهم النووي لأنها، بالضبط، باتت دولة نووية. وهكذا تكون أميركا حاربت من لا سلاح جدياً لديه وهادنت من نجح في التسلح. لم يعد باقياً من <<محور الشر>> الشهير إلا إيران. إن إيران هي الهدف الكبير التالي.
يصعب جداً، لا بل يستحيل، أن نجد في الصحف الأوروبية مقالاً واحداً يشكك بالرواية الرسمية القائلة بأن طهران باتت على عتبة النووي. الإجماع كامل برغم النفي الإيراني. وهو يستفيد من الإخفاء السابق لبعض عناصر البرنامج من أجل تغليب هذه <<الكذبة>> على <<الكذبة الكونية>> الخاصة بالسلاح العراقي. إن الكاذب الأميركي والإسرائيلي <<أصدق>> من الكاذب الإيراني.
إلى ذلك يصعب جداً، لا بل يستحيل، أن نجد صوتاً واحداً يعتبر أن من حق إيران، في ظل السياسة الأميركية الراهنة، حيازة قوة ردع. الإجماع قائم بين الراديكاليين والواقعيين على رسم <<الخط الأحمر>>.
يبدأ التباين بعد ذلك. هناك من يدعو إلى دعم حظ التفاوض بالنجاح ويكون ذلك بقرار أميركي بتسويات جزئية مع إيران. وهناك من يدعو إلى سلوك طريق العقوبات فوراً على أن يلي ذلك، وهذا محتوم، اعتراض البرنامج الإيراني بالقوة العسكرية. ونلاحظ، في هذا المجال، أن الحجة القائلة بالصعوبات اللوجستية أمام القوة العسكرية هي حجة مشتركة بين فريق يستنتج أن طرق باب التسوية أفضل وفريق آخر يستنتج أن لا حل ممكناً، ما دام الوضع كذلك، إلا الدخول في معركة تغيير النظام. أي أن هناك من يؤكد استحالة الضربة العسكرية ليصل إلى الخلاصة القائلة بضرورة إسقاط الحكم الحالي (أحد أقطاب <<المحافظين الجدد>> يرى أنه بعد إسقاط الحكم لا ضير في أن تكون <<إيران الصديقة>> دولة نووية!).
الواضح، حتى الآن، أن الإدارة الأميركية لم تحسم خيارها العملي. لذا تكتفي بدعوة حلفائها الأوروبيين إلى تصعيد لهجتهم وضغوطهم، وتعمل من جانبها منفردة أو عبر تحالفات، على تهيئة المسرح الإقليمي من أجل أن تكون أكثر حرية في ممارسة خيارها حين تستقر عليه.
ليس غريباً، والحالة هذه، أن تكون القوى الدافعة وراء <<قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان>>، هي نفسها القوى الدافعة وراء مشروع قانون <<لبنان: أمة أسيرة>>، وهي نفسها القوى الدافعة وراء <<مشروع قانون تحرير إيران>>. فهذه الترسانة التي تبدأ بصفتها قوانين وتنتهي إلى أن تصبح سياسات تنفيذية ترتبط كلها بمنظور واحد إلى الشرق الأوسط. ولعل في تجاهل <<الخطر الكوري>> الداهم والتركيز على <<الخطر الإيراني>> المؤجل ما يشير كفاية إلى <<المركزية الإسرائيلية>> في سياسة أميركا الخارجية. لا يعني ذلك، إطلاقاً، تصديق الخرافة عن <<سيطرة اليهود>>. إنه يعني سيطرة عقلية معينة تعتبر أن المنازلة الكبرى في العقود المقبلة هي مع العالم العربي الإسلامي، وأن ضم كوريا، سابقاً، إلى <<محور الشر>>، ما هو إلا تمويه لهذا الهدف. إن الاختبار الكوري يوحي بأن هذا التمويه بات لزوم ما لا يلزم.
نعاقب إيران
سماحة جوزيف
حوار افتراضي بين جورج بوش ومحمد خاتمي.
بوش: إن أسرع طريقة لإعادة قواتنا إلى بلادها هي عبر إيران.
خاتمي: إذا توجهتم غرباً لا شرقاً فسيرغمكم ذلك على الدوران حول الكرة قبل الوصول.
بوش: لا بأس في ذلك. يمكننا التوقف في كوريا الشمالية.
يعبّر هذا الحوار (المنقول، بتصرف، عن أحد الزملاء) عن الخطة المنسوبة إلى الرئيس الأميركي علاجاً ل<<محور الشر>>. العراق أولاً، ثم إيران، فكوريا. هذه دول مارقة، معادية للولايات المتحدة، تطور برامج تسلح غير تقليدي، موصولة بالإرهاب، توتاليتارية. لا رد عليها إلا بالضربات الاستباقية وفق تدرج من أكثرها إلى أقلها خطورة.
تعرّضت المزاعم الأميركية لامتحان أول في العراق فسقطت: لا أسلحة دمار شامل ولا علاقة بالإرهاب. ها هي تتعرض إلى امتحان ثان في كوريا وسوف تسقط: لن تذهب القوات إلى بيونغ يانغ أولاً، بعد تقدمها على إيران في تطوير السلاح النووي، من أجل أن تعود شرقاً.
إن من يراقب ردود الفعل على الإعلان الكوري الأخير سوف يصاب بالدهشة. الأكثر إفصاحاً هو رئيس الوزراء الاسترالي، حليف بوش في العراق، الذي هزئ من الادعاء الكوري ووجد فيه مبالغة. كاد يقول إن صدام كان يكذب حين ينفي وان بيونغ يانغ تكذب حين تؤكد.
ثمة تركيز ملحوظ على تقليل المخاطر. الجو جو اهتمام لا قلق. وتجمع التعليقات على المطالبة باستئناف المفاوضات السداسية وفي الذهن أن ما يحصل مجرد ابتزاز وأن رفع درجة الإغراء يمكنه أن يؤدي إلى تسوية. وقد لا تتأخر الإدارة الأميركية في الإعلان أن حربها ضد الطغيان تقف عند السد النووي الكوري. أي أنها قد لا تتأخر في الإعلان أن غزوها للعراق كان بسبب عدم امتلاك البلد لقوة رادعة، وأن الشعار البديل الخاص بنشر الديموقراطية لن يطبق على كوريا بسبب حيازتها قوة رادعة.
كانت كونداليسا رايس تكرّر عند التحضير لحرب العراق: سنعاقب فرنسا، ونتجاهل ألمانيا، ونصفح عن روسيا. ويبدو من خلال جولتها الأوروبية أن هذه <<الثلاثية>> انتفت. شعار رايس الجديد هو: نحتل العراق، نعاقب إيران، ونتجاهل كوريا. <<نتجاهل>> كلمة غير دقيقة. الأصح نعلن <<التزامنا الحل السلمي الدبلوماسي>> (ناطق باسم البيت الأبيض) مع دولة كان يقال، قبل أيام، إن طبيعة نظامها تحول بينها وبين أي حل فكيف إذا كان <<سلمياً ودبلوماسياً>>!
إن أكثر التعليقات دلالة يعود، كما العادة، إلى دونالد رامسفيلد. فالرجل، عندما سمع الخبر، بادر إلى القول: <<لكوريا سجل حافل في القيادة العالمية لانتشار الصواريخ البالستية>>. ليس الخطر في الصواريخ وإنما في انتشارها!
إن تعيين الخطر بهذه الطريقة يوحي بأن التركيز سيبقى على
<<الشرق الأوسط الكبير>>. لقد خرجت كوريا من دائرة من تستهدفهم أميركا بسبب سلاحهم النووي لأنها، بالضبط، باتت دولة نووية. وهكذا تكون أميركا حاربت من لا سلاح جدياً لديه وهادنت من نجح في التسلح. لم يعد باقياً من <<محور الشر>> الشهير إلا إيران. إن إيران هي الهدف الكبير التالي.
يصعب جداً، لا بل يستحيل، أن نجد في الصحف الأوروبية مقالاً واحداً يشكك بالرواية الرسمية القائلة بأن طهران باتت على عتبة النووي. الإجماع كامل برغم النفي الإيراني. وهو يستفيد من الإخفاء السابق لبعض عناصر البرنامج من أجل تغليب هذه <<الكذبة>> على <<الكذبة الكونية>> الخاصة بالسلاح العراقي. إن الكاذب الأميركي والإسرائيلي <<أصدق>> من الكاذب الإيراني.
إلى ذلك يصعب جداً، لا بل يستحيل، أن نجد صوتاً واحداً يعتبر أن من حق إيران، في ظل السياسة الأميركية الراهنة، حيازة قوة ردع. الإجماع قائم بين الراديكاليين والواقعيين على رسم <<الخط الأحمر>>.
يبدأ التباين بعد ذلك. هناك من يدعو إلى دعم حظ التفاوض بالنجاح ويكون ذلك بقرار أميركي بتسويات جزئية مع إيران. وهناك من يدعو إلى سلوك طريق العقوبات فوراً على أن يلي ذلك، وهذا محتوم، اعتراض البرنامج الإيراني بالقوة العسكرية. ونلاحظ، في هذا المجال، أن الحجة القائلة بالصعوبات اللوجستية أمام القوة العسكرية هي حجة مشتركة بين فريق يستنتج أن طرق باب التسوية أفضل وفريق آخر يستنتج أن لا حل ممكناً، ما دام الوضع كذلك، إلا الدخول في معركة تغيير النظام. أي أن هناك من يؤكد استحالة الضربة العسكرية ليصل إلى الخلاصة القائلة بضرورة إسقاط الحكم الحالي (أحد أقطاب <<المحافظين الجدد>> يرى أنه بعد إسقاط الحكم لا ضير في أن تكون <<إيران الصديقة>> دولة نووية!).
الواضح، حتى الآن، أن الإدارة الأميركية لم تحسم خيارها العملي. لذا تكتفي بدعوة حلفائها الأوروبيين إلى تصعيد لهجتهم وضغوطهم، وتعمل من جانبها منفردة أو عبر تحالفات، على تهيئة المسرح الإقليمي من أجل أن تكون أكثر حرية في ممارسة خيارها حين تستقر عليه.
ليس غريباً، والحالة هذه، أن تكون القوى الدافعة وراء <<قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان>>، هي نفسها القوى الدافعة وراء مشروع قانون <<لبنان: أمة أسيرة>>، وهي نفسها القوى الدافعة وراء <<مشروع قانون تحرير إيران>>. فهذه الترسانة التي تبدأ بصفتها قوانين وتنتهي إلى أن تصبح سياسات تنفيذية ترتبط كلها بمنظور واحد إلى الشرق الأوسط. ولعل في تجاهل <<الخطر الكوري>> الداهم والتركيز على <<الخطر الإيراني>> المؤجل ما يشير كفاية إلى <<المركزية الإسرائيلية>> في سياسة أميركا الخارجية. لا يعني ذلك، إطلاقاً، تصديق الخرافة عن <<سيطرة اليهود>>. إنه يعني سيطرة عقلية معينة تعتبر أن المنازلة الكبرى في العقود المقبلة هي مع العالم العربي الإسلامي، وأن ضم كوريا، سابقاً، إلى <<محور الشر>>، ما هو إلا تمويه لهذا الهدف. إن الاختبار الكوري يوحي بأن هذا التمويه بات لزوم ما لا يلزم.