إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

مدمج :سيرة حياة السيد الشهيدمحمدمحمد صادق الصدر قدس الله نفسه الزكية

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مدمج :سيرة حياة السيد الشهيدمحمدمحمد صادق الصدر قدس الله نفسه الزكية

    عصر النص وعصر الاجتهاد

    مر المسلمون خلال فترة تجاوزت الاربعة عشر قرناً منذ بعثة الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) وحتى يومنا هذا بمرحلتين او عصرين بمنظار تبليغ التشريع والأحكام الالهية، مرحلة عصر النص والتي بدأت منذ اليوم الاول لبعثة الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) وانتهت بنهاية فترة الغيبة الصغرى للامام المهدي (عج) عام 329 هـ، وابتدأت مرحلة او عصر الاجتهاد منذ بداية الغيبة الكبرى (أي عام 329 هـ)، ولا زالت حتى يومنا هذا.

    ولا يخفى من تسمية كل عصر او مرحلة... انه في مرحلة عصر النص كانت الاحكام الالهية تبلغ للأمّة عن طريق المعصوم، فكان تشريعاً معصوماً في تبليغه للأمة وفي بيانه، أما في مرحلة عصر الاجتهاد فقد انقطع التبليغ والبيان المعصوم للتشريع الالهي وقام مقامه الاجتهاد غير المعصوم سواء في تبليغ التشريع الالهي او في بيانه.

    وكان لكلا العصرين والمرحلتين مميزات وخصائص بعضها ايجابي والآخر سلبي، فمرحلة عصر النص كانت لا تعاني بشكل عام من أي قصور على مستوى التعرف على الحكم الالهي الواقعي في أي قضية من قضايا الحياة. وبسبب توفر وتحقق هذه الميزة العظيمة فانه لم تكن هناك حاجة للتعرف على الكثير من العلوم التي نشأت او تطورت لاحقاً.. كعلوم الحديث.. او علوم الرجال.. او علم الفقه او أصول الفقه او ما ارتبط فيها من علوم اخرى.

    اما في مرحلة الاجتهاد، فقد نشأت الحاجة الى علوم ودراسات اخرى كما ذكرنا.. كعلوم الحديث او الرجال او الفقه او أصول الفقه وما يرتبط بها من علوم ودراسات مختلفة. ولكن مع تحقق هذا الانجاز العلمي الكبير فان المحصلة النهائية بهدف التعرف على الحكم الالهي الواقعي في أي قضية من قضايا الحياة كانت سلبية بالمقارنة مع عصر النص.

    وهذه المحصلة السلبية تركت آثارها وبصماتها واضحة بشكل سلبي نسبياً على هذه المرحلة وذلك العصر الذي لا زلنا نحيا فيه ونعيش أيامه.

    ونتطرق هنا الى جملة من تلك الآثار السلبية وكيف السبيل للتغلب عليها والتخفيف من آثارها.

    في عصر النص، اي عصر الرسول والائمة عليهم أفضل الصلاة والسلام لم تتوفر لهم الامكانية للحكم وادارة شؤون الدولة ما خلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفترة بسيطة من حكم الامام علي (عليه السلام) والامام الحسن (عليه السلام). وهذا الواقع جعل الكثير من ممارساتهم ومواقفهم التي يتخذونها نابعة من ظرفهم الموضوعي.

    فصلاة الجمعة على سبيل المثال لم يكن بمقدور الامام المعصوم أن يؤديها بشكل علني لما فيها من تحد واضح للحكم القائم في مرحلة من المراحل، او عدم القدرة على أدائها لأن الامام المعصوم كان معتقلاً في السجن او في المعسكر المعادي فضلاً عن أسباب أخرى كعدم اعطاء الشرعية للحاكم الذي يزعم أنه خليفة الرسول (صلى الله عليه وآله).

    كما أن عدم تصدي الائمة المعصومين للحكم وكذلك حال خلفائهم لفترة قاربت الاربعة عشر قرناً جعلت العلماء المجتهدين لا يولون الاحاديث المرتبطة بذلك الامر الاهتمام الكافي، فغدت قضية الولاية من الامور التي لم تشبع بالدراسة الوافية، كما أن عدم تصدي الكثير من المجتهدين للامور العامة، أدى الى تحديد مواصفات المجتهد المؤهل للمرجعية بكونه الاعلم باستنباط الاحكام الشرعية، ولم يكن للقدرة ذكر (ما خلا قلة من المجتهدين المعاصرين) [1] .. كما انه لم يكن يقصد بالاحكام الشرعية بشكل عام في هذا المجال غير احكام العبادات والمعاملات، وهذا الامر يخالف وبشكل واضح ما أثبته الائمة المعصومون في عصر النص [2]، ولكن الحاجة لم تكن تستدعي اكثر من ذلك الشرط الاساسي خلال فترة غير قصيرة من تاريخنا الاسلامي القديم حيث كانت المجتمعات صغيرة وغير معقدة، فلم تكن هناك حاجة ضرورية أن يكون الفقيه قادراً أو عالماً بأمور الادارة التي تعقدت بشكل كبير ضمن مجتمعاتنا المعاصرة التي تتسم بالضخامة والتشعب والتعقيد.

    فضلاً عن ذلك فقد نشأت خلال فترة تجاوزت الالف عام من بداية الغيبة الكبرى وحتى يومنا هذا الكثير من التقاليد والممارسات والقيم والمفاهيم التي ليس لها علاقة بالاسلام ولكنها نالت درجة من القدسية المستمدة من ارتباطها بالحوزة، بل اصبحت من المسلّمات والأعراف المقبولة، ككثير من الصيغ المرتبطة بطريقة استلام الخمس وتقسيمه وبعض مصارفه، او ما يسمى بالحاشية وتأثيرها في كثير من الاحيان وبشكل سلبي على ما يصل للمرجع من معلومات بل حتى على ما يتخذه من كثير من المواقف او ما يبديه من الآراء.

    فضلاً عن الكثير من الاعراف غير المرتبطة بالشرع كبعض السلوكيات المتعلقة بامامة صلاة الجمعة (كما سنبينه لاحقاً).. بل ان بعض الاعراف تتناقض مع بديهيات الاخلاق الاسلامية، كما في بعض حالات الامتناع عن التزاور بين المجتهدين او في بعض حالات تقديس السادة العلويين من تقبيل الايادي وغيرها من الاعراف، بل وصل الحال الى درجة افشاء الاسرار والتعامل مع الحاكم الظالم للايقاع والتخلص من بعض العلماء المجتهدين انطلاقاً من مبدأ الحفاظ على الحوزة من التأثيرات السياسية. وهكذا فاننا نستطيع أن نلخص الآثار السلبية التي تميز بها عصر الاجتهاد بأربعة آثار اساسية هي:

    1ـ عدم الاستيعاب الحقيقي والواقعي لكثير من ممارسات الائمة (ع) نتيجة لظروفهم الموضوعية الخاصة والتي قد تختلف اختلافاً جذرياً عن وضعنا الحالي المعاش (كأداء صلاة الجمعة مثلاً).

    2ـ ضعف الدراسات والابحاث فيما يختص بالكثير من المفردات والمسائل الشرعية بسبب ضعف الاحتياج اليها في مرحلة طويلة من مراحل التاريخ (كقضية الولاية مثلاً).

    3ـ التقصير في التعرف على الكثير من الاحكام الشرعية بسبب التعامل مع الشريعة لسد حاجات ظرفية وليس ككونها منهجاً شاملاً يستوعب جميع مناحي الحياة وبجميع ظروفه (كالابحاث المتعلقة بتطبيقات الاقتصاد الاسلامي ومنهاج الحكم في الاسلام وتفريعات الولاية وغيرها).

    4ـ انتشار الكثير من الممارسات والاعراف والتقاليد السلبية التي ترعرعت خلال فترة ناهزت الالف عام من تاريخ الحوزة العلمية.

    ومع وجود وبروز تلك السلبيات.. فان هذا لا يعني ان العلماء وقفوا موقف المتفرج ازاء ذلك الواقع السلبي بل تحرك الكثير منهم في السابق وفي الحاضر لتصحيح الكثير من الانحرافات السلبية، اما في تاريخنا المعاصر فقد انبرى ثلاثة من الرجال العظام والمجتهدين الكبار للتصدي لهذا الواقع السلبي وهدم ركام التقاليد واحياء السنن السابقة لائمة أهل بيت النبوة عليهم أفضل الصلاة والسلام، وهؤلاء المراجع الكبار هم آية الله روح الله الخميني (قدس سره) مفجر أعظم ثورة اسلامية في تاريخنا المعاصر، وآية الله الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) اعظم مفكر اسلامي في تاريخنا المعاصر على الاطلاق، وآية الله الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره) صاحب أعظم انجاز اجتماعي اسلامي في تاريخ العراق المعاصر. وقد تميز الشهيد الصدر الثاني عمن سبقه بميزتين:

    الميزة الاولى انه تتلمذ على يد الشهيد الصدر الاول والسيد الخميني، فاستوعب منهج الرجلين وأضاف اليه قدراته الخلاقة، والميزة الثانية انه شهد تجربة العملاقين وشهد عناصر قوتهما وعناصر ضعفهما ثم شهد نتائجها.

    لقد كان ملازماً للصدر الاول، وعاش التجربة معه كما عاشها الآخرون من المقربين، ولكنه تميز عنهم جميعاً بأنه كان الوحيد منهم الذي استطاع استثمار التجربة بكافة ابعادها، وبالتالي استطاع وبحق حصد ما زرعه الشهيد الصدر الاول.

    وقبل التعرف على منهجه وانجازاته لا بد من القاء الضوء على:

    سيرته الذاتية:

    1ـ نسبه:

    ولد السيد الشهيد في 17 ربيع الاول عام 1362 هـ الموافق 23/3/1943 في مدينة النجف الاشرف، ووالده السيد محمد صادق ابن السيد محمد مهدي ابن السيد اسماعيل (الذي ترجع اليه اسرة الصدر) ابن السيد صدر الدين الصدر ابن السيد صالح بن محمد ابراهيم شرف الدين (الذي ترجع اليه اسرة آل شرف الدين) ثم يصل نسبه الى الامام موسى الكاظم عليه السلام.

    2ـ دراسته:

    بدأ السيد الشهيد دراسته الحوزوية في عمر مبكر في عام 1373 هـ ـ 1954م على يد والده السيد محمد صادق الصدر ثم على يد السيد محمد تقي الحكيم وآخرين، وقد دخل كلية الفقه في النجف الاشرف وتخرج في دورتها الاولى عام 1964.

    ودرس على يد السيد ابو القاسم الخوئي، والسيد الشهيد محمد باقر الصدر والسيد الامام الخميني وذكر آراءهم في محاضرات، وكان يسمي الاول (استاذنا أبو جعفر)، ويسمي الثاني (استاذنا ابو احمد).

    وقد بلغ رتبة الاجتهاد عام 1978 حيث قام بتدريس الفقه الاستدلالي (بحث الخارج) بطلب من الشهيد الصدر وكانت مادة البحث المختصر النافع للعلامة الحلي.

    3ـ مؤلفاته:

    ألف الكثير من الكتب، وكان أهم ما ألفه موسوعته عن الامام المهدي (عج) في اربعة مجلدات حيث وصفها الشهيد الصدر الاول بأنها موسوعة لم يسبق لها مثيل في تاريخ التصنيف الشيعي حول المهدي (عج).

    وله مصنفات عديدة أخرى اهمها نظرات اسلامية في اعلان حقوق الانسان، وما وراء الفقه وهي موسوعة فقهية بعشرة أجزاء، وفقه الاخلاق، وبحث حول الرجعة ورسالته العملية باسم (منهج الصالحين) ومنه الحنان في الدفاع عن القرآن (بلغ حوالي الخمسين مجلداً ـ مخطوط) والكثير من المصنفات الاخرى والتي بلغت حوالي الثلاثين مصنفاً.



    منهج الشهيد الصدر الثاني



    يمكننا التعرف على منهج الشهيد الصدر الثاني من خلال دراسة ثلاثة محاور وهي:

    1ـ مجابهته لطاغوت العراق بمنتهى البراعة تحقيقاً للمصلحة الاسلامية الكبرى.

    2ـ منهجه التربوي الصريح لاصلاح الحوزة العلمية وتقويمها.

    3ـ اسلوبه التربوي لخلق اوسع قاعدة شعبية اسلامية مؤمنة في تاريخ العراق المعاصر مرتبطة بالحوزة ومضحية بالنفس من اجلها.



    مجابهة الطاغوت

    لقد تعامل السيد الشهيد مع سلطة الطاغوت خلال مرحلتين تاريخيتين متباينتين:

    المرحلة الاولى قبل تصديه للمرجعية حيث كان حبيس بيته ويتبع اسلوب التقية المكثفة [3]، حيث اعتقل في هذه الفترة ثلاث مرات: الاولى عام 1972 والثانية عام 1974 حيث عذب تعذيباً شديداً وركز المحققون معه على علاقته بالامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر وبحزب الدعوة الاسلامية، اما الاعتقال الثالث فكان عام 1991 بعد اصداره بياناً شديد اللجهة مؤيداً للانتفاضة بعد حرب الخليج الثانية.

    لقد بقيت آثار التعذيب بادية على جسده الشريف حتى بعد استشهاده .. وقد تصدى للمرجعية عام 1984 وقدم رسالته العملية للطبع ولكن الحكومة لم تمنحه اجازة لطبعها، فكتب تعليقه بخط اليد على منهاج الصالحين لنسخها وتداولها بين مقلديه.

    ولكن بعد قيام حرب الخليج الثانية وتحسن العلاقة بين العراق وبين الجمهورية الاسلامية في ايران ومحاولة كسب التيار الديني الشعبي داخل العراق سمحت له الحكومة بطباعة رسالته العملية .. بل كافة مؤلفاته. وان اعطاء هذه الحرية للسيد محمد الصدر من قبل الحكومة العراقية كان لاغراض خاصة بها فضلاً عن الاسباب المذكورة اعلاه ... ومنها ان السلطة تعلم انه لابد ان يكون للشيعة مرجع عالم مجتهد، فليكن في النجف وليس في قم، وان كان في النجف فليكن عربياً وليس ايرانياً ... فضلاً عن كل هذا فان السلطة كانت تجهل فكر السيد الشهيد وتجهل قدراته وامكانياته وما يمكن ان يحققه وما يمكن ان يشكله من خطر عليها ان فسحت له المجال ... كان هذا الجهل نابعاً من اسلوب التقية المكثفة التي كان يعيشها السيد الشهيد قبل تصديه للمرجعية بشكل فاعل.

    وعلى اثر ذلك وجد الشهيد الصدر نفسه على مفترق طريق، اما ان يبقى حبيس بيته واما ان يتحرك لمصلحة الحوزة. فقال مقولته الشهيرة نقلاً عن احد تلامذته (قلت لنفسي أتتحملين السب والشتم والغيبة من اجل الحفاظ على كيان الحوزة؟ فقالت ـ نعم) [4]، وهكذا بدأ مشواره الطويل لتحقيق اهدافه في خدمة المصلحة الاسلامية العليا، لقد خاض تجربة من اصعب التجارب على الاطلاق، فالدولة تريد ان تدعي بأنه مرجع السلطة لتركب الموجة الايمانية التي بدأها صدام بكتابة عبارة (الله اكبر) على العلم العراقي بعد احتلاله للكويت واستخدام الشعار الاسلامي لخداع المسلمين والعرب خارج وداخل العراق ولرفعه بوجه اميركا والغرب خلال الحرب ولرفع الحصار بعد انتهاء الحرب ... كان ذلك الظرف مناسباً جداً للسيد الشهيد وأعطاه حرية نسبية للتحرك، ولكنه تحرك محفوف بالشبهات ومملوء بالاتهامات، ولكنه استغل هذا الظرف واستخدم تلك الحرية بكل براعة خلال فترة الثماني سنوات، فالسلطة كانت تلملم جراحاتها على اثر حرب الخليج الثانية والانتفاضة في الجنوب وفقدان السيطرة في الشمال فضلاً عن اعمال المجاهدين في الاهوار وباقي مدن العراق وحالة التصعيد بين حين وآخر مع الاميركان ولجان التفتيش وما تركه الحصار من آثار سلبية على الاوضاع داخل العراق بشكل عام وضعف الاجهزة القمعية بشكل خاص بسبب الحاجة والعوز وتفشي الرشوة وما الى ذلك.

    وفجأة اكتشفت السلطة ان السيد الشهيد استطاع خلال هذه الفترة وفي ظل ذلك الظرف انشاء قاعدة شعبية واسعة وجيل عريض من المؤمنين الواعين ... واخذت السلطة تتخبط في مواقعها ... فهذا الوضع كان يشكل خطراً عليها ... ولكنه كان وضعاً ساهمت هي في ايجاده ... في سماحها للسيد الشهيد للتحرك بتلك الحرية ... ولم يخطر في بالها بالمرة ان هذا الخطأ من قبلها سيؤدي الى هذه النتائج الفادحة الخطرة عليها.

    اما السيد الشهيد فعندما استطاع ان يحقق اهدافه لهذه المرحلة ووجد نفسه يستند على قاعدة شعبية قوية يحسب لها من السلطة الف حساب ... بدأ في ذلك الوقت بالتحرك بمنطلقات اخرى.

    وللتعرف على هذه المنطلقات لابد من التعرف على المتبنيات الفكرية التي انطلق منها السيد الشهيد.



    متبنياته الفكرية لمواجهة الطاغوت

    قام السيد الشهيد باعطاء معان جديدة لكثير من المفاهيم الاسلامية، هذه المعاني كانت جديدة على مستوى الامة بل حتى على مستوى الحوزة على نطاق الممارسة في عصر الاجتهاد، ولكنها معان حقيقية مستمدة من وضوح واستيعاب كامل للاسلام الحقيقي على مستوى عصر النص ... من هذه المفاهيم:

    أـ التقية: حيث يقول (ان التقية محرمة على المرجع او القائد الاسلامي اذا كانت خوفاً على نفسه، وفقط تجوز له اذا كانت خوفاً على الاسلام) [5] ... ويعلق وبكل جرأة في أحد لقاءاته الصحفية المسجلة (لقد حاول احد العلماء المجاهدين ان ينهض بالامة قبل اكثر من عقدين من الزمن فراجع بذلك احد الشخصيات المهمة فأجابه الآخر انه يخاف، فصار السيد العالم المجاهد يقول بحرارة ـ في مثل هذا العمر ويخاف ـ والحق ان التقية بالنظرة الضيقة هي التي دعت هذا العالم إلى قوله أخاف، وعلى الأكثر انه لم يكن يخاف على نفسه فقط، بل قد يكون خوفه حفاظاً على دماء المسلمين، ولكن النتيجة ان دماء المسلمين قد اهدرت وتدهورت الحوزة والمرجعية واما السيد العالم المجاهد فقد نصره الله نصراً مؤزراً لصموده البطولي). [6]

    ب ـ الصبر: حيث يقول بالمعنى (ان الصبر صبران، صبر سلبي وصبر ايجابي، الصبر السلبي هو الصبر على الظلم، والصبر الايجابي هو الصبر على مقارعة الظلم والظالمين، والصبر المأمورون به والمأجورون عليه هو الصبر الايجابي وهو مقارعة الظلم والظالمين، اما الصبر السلبي فهو كناية عن الخضوع والخنوع والذل، وهذا صبر مذموم لا يؤجر عليه الانسان، بل قد يأثم عليه ان ادى الى النقص في دينه او ضياع الحقوق). [7]

    لم يكتف السيد الشهيد بطرح هذه المفاهيم بتلك المعاني وانما مارسها بالفعل.

    حيث تحرك قبل استشهاده بحوالي السنة والنصف على مستوى صلاة الجمعة .. حيث اقيمت في اكثر من سبعين منطقة من مناطق العراق، وكان معدل الحضور في هذه المناطق يعد بعشرات الالوف، اما الصلاة التي كانت تقام في الكوفة فكانت بمئات الالوف، واما الصلاة التي اقيمت في السهلة في 15 شعبان 1419 هـ فقد حضرها حسب تقدير الكثير من شهود العيان حوالي المليوني مصل، وافلام الفيديو التي كانت تصور الجموع البشرية من دون الاحاطة بنهايتها دليل على ذلك، ومهما يكن الاختلاف في تحديد العدد النهائي فانه لا خلاف على ان العدد كان بمئات الالوف.

    ... ومع هذا العدد الكبير وذلك الاسناد الواسع استطاع السيد الشهيد ان يتحرك بكل قوة في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر متحركاً بالمفاهيم التي طرحها بالتقية لا خوفاً على نفسه بل الا اذا كان هناك خوف على الاسلام، وبمفهوم الصبر لا على الظلم، بل على مقارعة الطاغوت والظلم والظالمين.

    ومن هذا المنطلق امتنع عن الدعاء لصدام ومنع جميع وكلائه من الدعاء للطاغوت، وكان هذا الموقف بالمنظار الصدامي هو اكبر تحد لصدام فحاول جلاوزته ارغام السيد ووكلائه بجميع الوسائل للدعاء لصدام اثناء الخطبة، فلم يستجب السيد لهم، فعين صدام مجموعة من ائمة المساجد كأئمة لصلاة الجمعة وبث بين الناس ان هؤلاء هم وكلاء السيد محمد محمد صادق الصدر، فاضطر السيد الشهيد للاعلان على الملأ واثناء صلاة الجمعة بأن هؤلاء لا يمثلونه وليسوا بوكلائه، فقامت الجماهير بطردهم من المساجد وبالقوة ووضعوا مكانهم وبالقوة وكلاء السيد كأئمة لصلاة الجمعة.

    ... ولم يكتف بذلك، بل عندما قامت السلطة بمنع زيارة الحسين (ع) في النصف من شعبان قال في خطبة الجمعة ان هذا المنع يصب في مصلحة اسرائيل واميركا ... موحياً وبشكل واضح ولكن غير مباشر إلى القوى التي تقف خلف صدام وتسانده.

    ولم يكتف الصدر بكل ذلك فأرسل رسالة مع ممثله السيد جعفر ابن السيد الشهيد الصدر الاول ليبلغها للشعب الايراني وقيادته السياسية بمناسبة افتتاح مكتب السيد في قم وكان مما جاء في هذه الرسالة (حيا الله الشعب الايراني الجليل الاخ في الله والاخ في الاسلام وفي المذهب، وحيا الله الدولة الايرانية الجليلة الباسطة شرف الاسلام على العالم، وحيا الله العراقيين النازحين من بلادهم ـ الذين اخروا من ديارهم بغير حق الا أن يقولوا ربنا الله)... ولكن للاسف الشديد لم يفتح مكتب السيد لاسباب لسنا بصدد ذكرها، ولم تقرأ الكلمة.

    ولم يكتف الصدر بكل ذلك بل وضع النظام في خانة قتلة الحسين (ع) حين قال في احدى خطب الجمعة (لماذا الصلاة في الشارع في البصرة والعمارة مسموحة وفي الكوفة ممنوعة؟ نحن لا نقبل بذلك فللحسين (ع) قتلة كثيرون في كل جيل وفي الاجيال القادمة ـ وما اگدر أحچي ـ) [8] وكلمة (ما اگدر أحچي) هنا هي إشارة واضحة الى الطرف الذي هو تحت سلطته فلا يستطيع الحديث امامه ... وهو سلطة طاغوت العراق.

    قام صدام باعتقال وكلاء السيد، فقامت تظاهرات ومواجهات في مختلف المدن العراقية مطالبة بالافراج عنهم واستشهد الكثير من المؤمنين اثناء تلك المواجهات، وقام السيد الشهيد وبشكل علني اثناء صلاة الجمعة يطالب الحكومة بالافراج عنهم ويدعو المصلين للمطالبة وبشكل جماعي للافراج عنهم.

    لقد حاولت السلطة وبكل الوسائل ايقافه عن اداء صلاة الجمعة فرفض الاذعان وتحداهم بلبس الكفن اثناء الصلاة موطناً نفسه على الشهادة.

    لقد خاطب السيد الشهيد الصدر المقربين منه (جهزوا اكفانكم ... لم يبق لنا من الخيار سوى الاستشهاد). [9]

    ويذكر احد المقربين من السيد الشهيد الصدر قبل استشهاده ببضعة اشهر انه قال بأنه هو المقصود في الاحاديث الواردة بشأن (مقتل محمد ذي النفس الزكية مع سبعين من الصالحين في ظهر الكوفة).

    فالمقصود بظهر الكوفة هو النجف، ولم يقتل في تاريخنا المعروف شخص غيره وبمنزلته اسمه محمد في النجف (حيث السيد محمد باقر الصدر قتل في بغداد وليس في النجف)، اما عدد السبعين من الصالحين فمن المعلوم ان المئات قد قتلوا في كافة مدن العراق اثر استشهاده ولكن الرقم سبعين هو كناية عن الكثرة كما ورد في كتاب الله (ان تستغفر لهم سبعين مرة)، وقد يكون العدد سبعين صحيحاً بالنسبة للشهداء من ظهر الكوفة ـ أي النجف الاشرف ـ .

    (لقد نقل لي هذا الحديث عن السيد الشهيد من لا أشك في صدقه، والسيد الشهيد هو اعرف الناس بأحاديث الامام المهدي (عج) حيث انه صاحب اوسع موسوعة في هذا المجال، فهو اعرف انسان بمصاديق انطباق هذا الحديث على نفسه).

    لقد هدد السيد الشهيد في خطبة الجمعة قبل ثلاثة اسابيع من استشهاده بالدعوة للتحرك للافراج عن وكلائه المعتقلين، لقد طالب الجماهير ان تهتف معه بشكل جماعي (نريد ... نريد ... نريد ... فوراً ... فوراً ... اطلاق سراح المعتقلين) ... ثم قال (لأجل استنكار اعتقال خطباء الجمعة ارفعوا اصواتكم بالصلاة على محمد وآل محمد. ولأجل المطالبة باطلاق سراحهم فوراً صلوا على محمد وآل محمد، ولأجل عدم حصول ذلك مستقبلاً الصلاة على محمد وآل محمد، وهناك فكرة لانشاء بناء في مسجد الكوفة ليعيق المصلين يوم الجمعة ولأجل استنكار هذه الفكرة الخبيثة، الصلاة على محمد وآل محمد) [10] ... ولما وجدت السلطة هذا التحدي الصارخ من قبل السيد والجماهير معاً، تحدياً لم يسبق له مثيل بهذه القوة وهذا الاجماع وفي حكم صدام التكريتي، فاضطر صدام للاتصال مباشرة به وطلب منه الامتناع عن اداء صلاة الجمعة فرفض السيد وتحدى السلطة وصدام واضعاً دمه على كفه، فاستشهد مع ولديه السيدين مصطفى ومؤمل باطلاق النار عليهم بعد ادائه لصلاة الجمعة الأخيرة.



    2ـ منهجه التربوي الصريح لاصلاح الحوزة العلمية وتقويمها

    كان العلماء في الحوزة العلمية في النجف الاشرف ينظرون الى السيد الشهيد بمنظار الشبهة والشك والريبة في بداية تحركه.

    ففسح المجال امامه من قبل السلطة في اول الامر للتحرك وبحرية واعطاؤه الحرية لطباعة كتبه، ونقل الصلاحيات التي كانت معطاة للسيد الخوئي بعد وفاته اليه في اعطاء تصاريح الاقامة للطلبة غير العراقيين ... فضلاً عن ترويج السلطة للاشاعات القائلة بأن السيد محمداً الصدر هو مرجع السلطة، بالاضافة الى اشاعات اخرى كثيرة تومي بأنه هو المسؤول عن مقتل آية الله البروجردي وآية الله الغروي ... جميع تلك المؤشرات كانت مدعاة للشك بسلامة وصدق تحرك السيد الشهيد الصدر. اما السيد الشهيد فانه تعامل مع هذا الامر بمنتهى الواقعية وبتجرد كامل واخلاص لله يندر ان يكون له مثيل على مستوى المتصدين في عالمنا اليوم.

    اول ما قام به هو زيارة المراجع في بيوتهم، وللأسف الشديد فان هذه البادرة قد جوبهت احياناً بمواقف سلبية، وقد ذكر السيد الشهيد ذلك في مجلس عام ومسجل.

    وقد علق السيد الشهيد على هذه الحادثة وعلى حوادث اخرى تعليقاً على اناس كانوا يسبونه حيث قال: (ان كان الناس يسبونني لأنني رجل على الباطل فأقول لهم اكثروا من مسبتي جزاكم الله خيراً لأنكم تعتقدون بأني على الباطل وأنا قلبي معكم فاذا كنت على الباطل فسأسب نفسي، فسبكم لي ان شاء الله سيكون مرضياً عند الله سبحانه وتعالى، لانه لو تبين لكم خلافه وانني على الحق لما كنتم قد سببتموني). [11]

    ... بهذا التجرد الكامل كان السيد الشهيد يرد على من كان يشك به او يتهمه وينعته بالباطل ويسبه.

    ولكن بعد انتشار امره وقيامه بصلاة الجمعة ووقوف السلطة موقف المعارض له وتبين امتناعه عن مدح طاغوت العراق في خطب الجمعة وكذلك منعه لوكلائه عن هذا المدح. كل تلك المؤشرات اصبحت تؤكد على وقوفه الى جانب الحق واتباعه له بل ان اتباعه للحق والعدل والصواب كان من القوة التي تبين انها ستكلفه حياته.

    وهنا بدأ يتعامل مع الحوزة العلمية من مراجع وعلماء ووكلاء وطلبة العلوم الدينية تعامل الناصح الموجه والمؤنب لهم لاحقاق الحق وبيانه وكشف الباطل وازهاقه وهدم ركام التقاليد المخالفة لسنن اهل بيت النبوة عليهم افضل الصلاة والسلام.

    وهنا نتطرق لقضيتين تعاملت الحوزة معهما خلال مرحلة عصر الاجتهاد على أساس غير اسلامي، القضية الاولى هي امامة صلاة الجماعة، فإذا أردنا أن نحسن الظن بجميع علمائنا السابقين ولا نتهمهم (بالأنا) فنقول أنهم اتبعوا تقليداً أو عرفاً لا يستند على أي أساس شرعي.

    حيث يقول السيد ان كان هناك رجلان عادلان و(ان احدهما يتقدم للجماعة دائماً والآخر يتأخر عنها دائماً بحيث يورث الشعور بالاهمية والانانية وحب الدنيا لامامة جماعته، وانما المهم هو حصول الثواب، وهو يحصل فثواب الجماعة يصير للامام والمأموم، فمرة امام ومرة مأموم، وعلى كل حال فهو حاصل على ثواب الجماعة) [12] ... ثم يضيف (فمن هو من المراجع يرضى ان يصلي وراء مرجع آخر، ليس الآن فقط بل في تاريخ النجف منذ تاريخ الشيخ الانصاري وقبله وبعده، واحد يصلي اولاً ثم يصلي الآخر بعده، هل حدث هكذا شيء؟

    لم يصل ولا واحد اطلاقاً، نقسم من الآن، فمن هو من المراجع يرضى بأن يصلي وراء مرجع آخر!!) [13] .. ثم يقول (اما انا ... يجوز انكم تريدون ان تحملوني المسؤولية، ونعم ما تفعلون ـ فقد كتبت في الايام الاولى من صلاة جمعة الكوفة الى عدد من المراجع للحضور الى هذه الصلاة، وقلت في الكتاب انك اذا حضرت فأنا سوف اقدمك اماماً للجماعة واصلي خلفك فتكون الخطبة لي والامامة لك، وانا اقول بجواز تعدد الخطيب والامام في صلاة الجمعة، وحتى لو اراد ذلك المرجع ـ اياً كان منهم ـ أن يكون خطيباً فأنا أقول تفضلوا، اخطب وصل بنا وانا اكون مستمعاً واكون مأموماً وبخدمتك، ولازال هذا الأمر نافذ المفعول الى الآن. وقد قُلت لبعض الاخوان ان المراجع لو كانوا قد حضروا ـ والى الآن يمكن تحصيل نفس النتيجة ـ لكان في امكان الحوزة والمذهب بغض النظر عن السلاح، لكان في امكاننا مجابهة اسرائيل بنفسها بما يحصل فينا من تكاتف وتضامن وعزة بالله وحسن توفيق وعزة بالحق وعزة بأهل البيت، واطاعة الله وأهل البيت، ولكني ناديتهم فلم يجيبوا طبعاً، كما قال الشاعر: لقد أسمعت لو ناديت حياً). [14]

    وهكذا فان السيد وبكل ثقة وفي صلاة الجمعة يعظ المراجع الكبار ... ثم يدعوهم للتكاتف معه ومشاركته في صلاة الجمعة ... ثم يعلق على عدم استجابتهم بأنه لا حياة لمن تنادي.

    أما القضية فان المراجع يتعاملون معها على أساس المجاملة والتواضع وهي قضية تأكيد الاعلمية.. ولكن ليس هذا فحسب.. فان السيد الشهيد الصدر الاول كان يسعى جاهداً في عدم تمزيق اجماع الامة على أحد المراجع وان كان حسب تصوره أنه أعلم منه.

    ولكن تبين للشهيد الصدر الثاني خطأ تلك السياسة.. فلا سياسة ممالاة السلطة استطاعت حماية الحوزة العلمية في النجف الاشرف، ولا سياسة الشهيد الصدر الاول في التأخير في طرح نفسه للمرجعية كان له دور ايجابي في الاستفادة من اجماع الامة حول الآخرين.. بل النتيجة كانت التفريط بهذا الاجماع وبتلك القوة الاجتماعية الاسلامية الكبيرة.. فنشأ جيل عريض خال من الوعي تغلب عليه روح الخضوع والخنوع والذل.. وكيف لا يكون ذلك وهو يتأسى بقيادة صامتة لا تعيش معاناة الامة ولا تتفاعل معها ولا تقدم النصح والارشاد والتوجيه.. لقد قام صدام في ذلك الحين بالتضييق على الشهيد الصدر الاول.. ووضعه تحت الاقامة الجبرية.. فلم يتحرك من الناس غير قلة قليلة من المؤمنين الواعين.. وكأنها كانت منفصلة عن جسم الامة.. واستطاع صدام بكل يسر أن يضربهم ضربة قاصمة لقلة عددهم.. ثم قام وبكل جرأة باعدام الشهيد الصدر الاول واخته بنت الهدى فلم تتحرك الامة..

    أما المرجعية الصامة فظلت ساكتة.. وهكذا كان دور القطاع الأكبر من الناس الذين يتبعونهم.. لقد استطاع صدام أن يسخر ذلك القطاع ويستخدمه كآلة في حربه الطويلة مع الجمهورية الاسلامية في ايران.. لقد كانت هذه التجربة ماثلة أمام نظر السيد الشهيد الصدر الثاني.. لذلك تحرك بكل قوة وبكل ثقة.. فكان يصرح دائماً وأبداً بأنه الاعلم، وان تقليد غير الاعلم غير مبرئ للذمة فيجب تقليده [15] ... نعم ان الفقهاء الآخرين قد لا يصرحون عن ذاتهم بهذا الوضوح ... ولكن السيد الشهيد ينطلق من منطلق المصلحة الاسلامية فحسب ولا يحسب حساباً للعرف والتقاليد والمجاملات اذا كانت تتعارض مع تلك المصلحة. وفوق كل ذلك فان السيد الشهيد كان يقول بولاية الفقيه المطلقة. وفي حالة عدم وجود حكومة اسلامية فانه يرى بأنه ليس كل أمور الولاية العامة موقوفة، ومن هذا المنطلق اقام صلاة الجمعة وأفتى بأن تارك صلاة الجمعة متعمداً هو تارك لصلاة فريضة وتارك الصلاة كافر [16]، واذا صلى الظهر وغيرها خلال اقامة الجمعة بطلت صلاته، [17] ونهى عن الصلاة خلف الامام الذي لا يحضر الجمعة وهو ضمن المسافة الشرعية لانه فاسق، ولا تجوز الصلاة خلف الفاسق الا اذا كان تركه للجمعه بحجة شرعية اجتهاداً او تقليداً، ولكنه يضيف بأن هذه الحجة غير متوفرة لأنه في هذه الحالة يجب عليه الحضور بأمر الولاية. [18] لم يكن الهدف من اقامة صلاة الجمعة اداء فريضة واجبة وتوعية الامة فحسب بل هي ايضاً وسيلة لتربية العلماء المنتسبين للحوزة حيث يقول السيد الشهيد الصدر في احدى كلماته:

    (إن من فوائد صلاة الجمعة هو الوعي الديني الذي حصل في الحوزة والمجتمع، ومنها عرف الناس ان عدداً كبيراً من الحوزويين غير ما كانوا يتصورون، وفهم الناس ان الاسلوب القديم عند بعض الحوزويين قائم على القصور والتعقيد حيث ورد انه (اذا كثر الفساد في المجتمع فعلى العالم ان يظهر علمه، والا فعليه لعنة الله)، ولكن الواقع الذي يعيشه بعض المنتسبين الى الحوزة العلمية غير ذلك، حيث قال بعضهم عندنا امور اربعة (الاستخارة والدرس وصلاة الجماعة وقبض الحقوق) واهمها في نظرهم قبض الحقوق التي يجب ان تصرف لقضاء حاجة المحتاجين، ولكنهم لا يصرفونها كذلك الا قليلاً منها). [19]

    ومن هذا المنطلق ايضاً لم يكن السيد الشهيد يعطي الوكالة لمن لديه وكالة من مجتهد آخر. ان التعرف على منهج الصدر الثاني لاصلاح الحوزة يستدعي التعرف على منهج الصدر الاول، فالمنهجان متماثلان، ولكن توفر للصدر الثاني وسائل لم تكن متوفرة للصدر الاول حيث يقول السيد الشهيد محمد باقر الصدر: اذن فلا بد وأن نجعل جزءاً من وظيفتنا ان نفكر دائماً في انه كيف نغيّر اساليب العمل، كيف ننسجم مع وضعنا وبيئتنا. لماذا تعيش الحوزة العلمية في هذا البلد مئات السنين ثم بعد هذا يظهر افلاسها في نفس هذا البلد الذي تعيش فيه واذا بأبناء هذا البلد او ببعض ابناء هذا البلد يظهرون بمظهر الاعداء والحاقدين والحاسدين والمتربصين بهذه الحوزة!! ألا تفكرون معي في ان هذه جريمتنا قبل ان تكون جريمتهم. في ان هذه هي مسؤوليتنا قبل ان تكون مسؤوليتهم! لأننا لم نتعامل معهم، نحن تعاملنا مع أجدادهم ولم نتعامل معهم! فهذه الاجيال التي تحقد علينا اليوم وتتربص بنا اليوم تشعر بأننا نتعامل مع الموتى ولا نتعامل مع الاحياء! ولهذا يحقدون علينا، ولهذا يتربصون بنا، لأننا لم نقدم لهم شيئاً، لأننا لم نتفاعل معهم، انا منذ سنة، منذ اكثر من سنة اتحدث مع الاخوان الاعزاء في ان كل واحد من اهل العلم ـ كل واحد يكون له قدرة ـ لو كان يُكوّن له مجلساً تبليغياً في النجف الاشرف يضم خمسة فقط، لا اكثر من خمسة، يضم هذا البقال الذي يشتري منه لبناً، هذا العطار الذي يشتري منه سكراً، هذا الجار الذي يسلم عليه عندما يخرج من بيته، يضم خمسة من هؤلاء، لو كان كل واحد من أهل العلم عنده مجلس تبليغي في يوم الجمعة بدلاً عن ان يذهب الى الكوفة ويسبح من الصبح الى العصر، بدلاً من ان يبذر الوقت بالمطاردة في الشعر، بدلاً من ان يبذّر الوقت في الف لهو ولهو، بدلاً من كل ذلك لو انه يستثمر جزءاً من هذا الوقت في تكوين مجلس تبليغي لخمسة من أبناء النجف ... لو أن الف شخص من الطلبة كل واحد منهم يُكوّن مجلساً تبليغياً لخمسة لكان لدينا قاعدة شعبية مكونة من خمسة آلاف ولأحس الناس من ابناء البلد بأننا نتعامل معهم وأننا نفكر فيهم، واننا نعطيهم وان وجودنا مرتبط بوجودهم، وان حياتنا مصدر خير لهم، مصدر عطاء لهم، لكننا لم نتعامل معهم، اذن لابد لنا دائماً ان نفكر فيما هي الاساليب الأفضل والأصح). [20]

    كما ان الشهيد السيد محمد باقر الصدر كان يسعى دائماً الى (ايجاد جهاز عملي تخطيطي وتنفيذي يقوم على اساس الكفاءة، والتخصص ، وتقسيم العمل واستيعاب كل مجالات العمل المرجعي الرشيد في ضوء الاهداف المحددة، ويقوم هذا الجهاز بالعمل بدلاً من الحاشية التي تعبّر عن جهاز عفوي مرتجل يتكون من اشخاص جمعتهم الصدف والظروف الطبيعية لتغطية الحاجات الآنية بذهنية تجريبية، وبدون اهداف محددة واضحة، ويشتمل هذا الجهاز على لجان متعددة، تتكامل وتنمو بالتدريج الى ان تستوعب كل امكانات العمل الحريص). [21]

    وقد قام الصدر الثاني لتنظيم الحوزة بعدة اجراءات وثبت مجموعة من المفاهيم ومن هذه الاجراءات عدم اطلاق صلاحيات الوكلاء في المناطق سواء بمقدار الاجازة الشرعية بالاموال او بتحديد المدة الزمنية فكان يحدد الوكالات التي منحها بفترات معينة حسب الوكيل لكي يراقب عمله وبالتالي هل يجدد الوكالة او يمنعها عنه.

    كما عيّن السيد اماماً لصلاة الجمعة وحاكماً شرعياً في مختلف مناطق العراق، حيث أنشأ المحاكم الشرعية في عشرات المدن العراقية. وبالنسبة لائمة الجمعة فقد اعطاهم التوجيهات التالية:

    (1ـ ان يكون الخطيب متفاعلاً مع الحاضرين لا ان يلقي الخطبة ويسردها فقط.

    2ـ ان يأخذ الخطيب بنظر الاعتبار المشاكل الاجتماعية التي تخصّ المنطقة التي يخطب فيها فضلاً عن باقي المناطق، وفضلاً عن مشاكل المسلمين جميعاً.

    3ـ ضبط اللغة العربية والاهتمام الشديد بنقل الالفاظ بصورة صحيحة خاصة الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة.

    4ـ اكد سماحته على ضرورة تكرر مثل هذه اللقاءات للرقي بمستوى صلاة الجمعة.

    5ـ التركيز على الحمد الذي يكون في اول الخطبة وانه ينبغي ان يكون مطولاً لا مختصراً، اهتماماً بهذه الجوانب المهمة في الدين.

    6ـ اكد سماحته على بعض الجوانب الاخلاقية التي يجب ان يتصف بها امام الجمعة كترك حب الدنيا والتخلق بأخلاق الانبياء). [22]

    وكان السيد الشهيد يقول: (ان المشهور هو انه لا يجب على الفقيه ان يذهب الى المكلف ويبلغه حكمه بل يجب على المكلف نفسه أن يأتي الى الفقيه ويسأله.

    ولهذا كان هناك نحو من المقاطعة والانفصال النفسي والاجتماعي بين الحوزة والمرجعية من ناحية وبين العشائر من ناحية اخرى ومن قبل الطرفين وهذا ثابت باستمرار لولا وجود الشباب المؤمن الواعي الذين يتصدون للذهاب الى مناطق العشائر وهدايتهم بين حين وآخر، جزاهم الله خير جزاء المحسنين، الا ان هذا لم يكن يحدث في كثير من الاجيال السابقة، اضف على ذلك ان الذي كان يذهب اليهم يتصف باحدى صفتين ناقصتين تحيله دون حل تلك المشاكل العشائرية:

    1 - اما ان يكون قليل التفقه واما هو مجرد خطيب حسيني (روزه خون).

    2 - واما يكون ممن يحمل هم دنياه على دينه فيكون ذهابه لاجل الحصول على مبلغ من المال قبل الاهتمام بالتفقه والهداية. واما من كان متفقهاً ومخلصاً فقليل جداً في العهود السابقة من ذهب اليهم (اقصد العشائر.. وهذا ما اوجد سوء الظن عند العشائر بالحوزة العلمية الشريفة وبمن ترسله اليهم).

    وللحقيقة ان الحوزة لا ترسل احداً وانما يذهب بعض الاشخاص لقضاء مصالحهم الخاصة وليس اكثر من ذلك فيسيئون اكثر مما يحسنون.

    أما الآن وصاعداً فيجب ان نضع حداً لكلا الأمرين الناقصين سواء كان نقص الحوزة او نقص العشائر.

    ونريد من الجميع ان يكونوا على مستوى عال من التفقه والورع وطاعة الله سبحانه وتعالى وتجنب معاصيه والحوزة الشريفة الآن مستعدة لتقديم كل ما هم بحاجة اليه ولكائن من كان وخاصة العشائر ورؤسائها ومشايخها كونها الشريحة الاهم والاكثر في المجتمع.

    ويجب ان لا يبقى الحال على ما هو عليه من عدم التفقه في الدين والمنقصة فيه على ما هو عليه الآن، ولا ينبغي ان يكون قانون العشائر معمولاً به بما لا يرضي الحوزة ولا أي مرجع ولا حتى متفقهاً في دينه لانه حرام في حرام. [23]

    كما انه كان دائما يطرح الكثير من المفاهيم التربوية التي لم يفكر بها يوماً احد من المتصدين.. ومن امثلة ذلك ما طرحه بشأن المخاطبة بضمير الجمع حيث يقول: "ومن الامور السائدة والمشهورة جداً في الحوزة الشريفة وغيرها، نداء المؤمن بضمير الجميع، بقوله له (جئتم وذهبتم)، ولا يجوز في نظره مخاطبته بضمير الفرد، لاحظ، مع اننا نخاطب الله بضمير الفرد! كقوله في بعض الادعية (اللهم انك قلت في كتابك المنزل وفي القرآن الكريم) (تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك انك انت علام الغيوب) ونخاطب المعصومين عليهم السلام بضمير الفرد، كالقول في بعض الزيارات (اني اشهد انك تسمع سلامي وترد جوابي)، فهل كان هؤلاء المؤمنون اعظم من الله ورسوله؟!، الا حسب دعاوي النفس الامارة بالسوء، وطلب الدنيا والشهرة. [24]

    ومن الامثلة الاخرى هي قضية تقبيل الايادي حيث يقول: "ان كل من يتوقع ان تقبل يده فهو خارج من رحمة الله وداخل في غضب الله، توجد فكرة صغيرة اعرفها هو انني حين كنت ولا زلت الى الآن اسحب يدي عن التقبيل كنت شاذاً وغريباً على الحوزة والمجتمع، والامل في الله سبحانه وتعالى وفي المؤمنين امثال هذه الوجوه الطيبة أن يأتي يوم قريب ان شاء الله ان يكون الامر فيه بالعكس بحيث يكون من تقبل يده شاذاً وغريباً، ويكون من الواضح للمؤمنين انه بذلك يكون طالباً للدنيا والشهرة والشهوة، فتبتعد عنه الناس، ويعرفون انه غير مستحق لتقبيل اليد بينه وبين الله سبحانه وتعالى". [25]

    "وحسب فهمي في السر في ذلك هو ان تقبيل اليد بالنسبة الى من تقبل يده نحو من التكبر والانانية والشعور بالنفس الامارة بالسوء، وشكل من اشكال الاستعلاء بالباطل على غير حق، وفي يوم القيامة يحشر الفرد ويُسأل لماذا قدمت يدك للتقبيل، فماذا يجيب مع ان حبال الدنيا يومئذ كلها متقطعة، هل يقول كان ذلك طلباً للدنيا او للشهرة او للمال او للتعارف الاجتماعي او للتكبر؟ طبعاً كل ذلك منقطع في يوم القيامة، ولا يقبله الله سبحانه وتعالى، ومن هنا ورد كما سمعنا (انها لا تكون الا لنبي او لوصي نبي) أي للمعصومين بالذات او واجبي العصمة عليهم افضل الصلاة والسلام، وهم الانبياء والاولياء عليهم السلام، لان نفوسهم ليست امارة بالسوء، لانهم معصومون، اما انا وأمثالي من ذوي النفوس الضعيفة والقلوب المخلوطة، فهي مؤثرة لا محال (اي تقبيلة اليد) تأثيراً دنيوياً متسافلاً، حتى وان كان قصد الطرف الآخر (اي المقبل) قصداً حسناً وبنية حسنة، إلا ان فيها جانباً سيئاً ايضاً حتى على الآخر". [26]

    ولم يكتف السيد الشهيد بالاعتراض على باقي المراجع من منطلق عدم استجابتهم لصلاة الجمعة، وانما كان ينتقدهم لسكوتهم عن التواصل مع الناس وتوجيههم ومخاطبتهم فهو يقول: "هناك اتجاهان في الحوزة العلمية والمرجعية اتجاه المرجعية الناطقة واتجاه المرجعية الساكتة ولا يوجد أي عذر لسكوتها سوى انا تخاف من الموت فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وانا لله وانا اليه راجعون". [27]

    ثم انه يعترض على الحوزة بسبب عدم تجاوبها مع الدعوة لزيارة الحسين عليه السلام فيقول: "لابد من الالتفات الى موقف الحوزة السكوتية والسلبية حول امر المسير الى الحسين (ع)، ولم يتكلموا حول هذا الامر، ولم يكترثوا لكي يدعوا محمداً الصدر وحده في الميدان، ولو بينوا امرهم، واطاعوا الله لما حصلت النتائج السلبية، وهم يتحملون النتائج واسألوهم عن صمت القبور، ولقد اعتادت الحوزة على عدم التكاتف مما انتج النتائج السلبية، فهل هم منتبهون لذلك، وليتهم حين تجاهلوا امر الولاية اهتموا بأمر الدين ومستحبات الشريعة، وليس هذا بعجيب منهم، بعد ان تركوا الواجبات ومنها صلاة الجمعة وكان افضل ما فعله بعضهم هو السكوت والاعتذار، والبعض الآخر اخذ بالطعن". [28]

    وقد يعترض معترض على السيد الشهيد فيقول ان العلماء في الحوزة غير قادرين على التحرك خوفاً من بطش صدام ولكن السيد الشهيد في هذه المقولة يبين بأنه قام بمسؤوليته وفتح الباب للآخرين ليلعبوا دورهم ويتعاضدوا معه في نقل الحوزة الى المستوى المطلوب. ولكن للاسف الشديد نجد ان الامة تصاعدت وتفاعلت مع السيد الشهيد ولكن المراجع والعلماء في الحوزة العلمية لم يكونوا بمستوى طموح الامة.



    2 - اسلوبه التربوي لخلق اوسع قاعدة شعبية اسلامية مؤمنة في تاريخ العراق المعاصر مرتبطة بالحوزة ومضحية بالنفس من اجلها

    قبل التطرق الى تلك الاساليب التربوية من المهم التطرق الى حادثة مهمة حدثت في حياة الشهيد الصدر الاول حيث يتناول الشيخ النعماني تفاصيل هذه الحادثة فيقول: "ومما يذكر ايضاً ان حادثة وقعت خلال فترة الاحتجاز، كانت لها اهمية خاصة، وهي تعبر عن نفس الروح في القضية السابقة، فلقد وصلتنا رسالة بواسطة الحاج عباس خادم السيد الشهيد كانت تتضمن بيان عواطف ومشاعر وتألم على ما يجري على السيد الشهيد من محن ومصائب، كتبت بعبارات خليطة من الكلمات الفصحى والعامية، وكان اهم ما فيها ان الموقعين فيها عاهدوا السيد الشهيد على اغتيال قوات الامن المحاصرين لمنزله، وحددوا يوماً وساعة معينين، وضمنوا الرسالة مبلغاً بسيطاً من المال هدية للسيد الشهيد واعتذروا من قلته.

    قرأت الرسالة، ثم أطلعت السيد الشهيد عليها، وأخبرته بان بعض هؤلاء غير معروفين بالتدين، ومن المحتمل ان تكون هذه العملية مدبرة من قبل السلطة لمعرفة ما اذا كان لنا اتصال او تعاون مع جهات او اشخاص خارج البيت فقال فلننتظر الموعد الذي حددوه في رسالتهم فمن خلال ذلك يتبين الحال، ترقبنا الاحداث حتى حان الوقت المعين، حيث كنا ننتظر ما يحدث، فاذا بمجموعة من الشباب الملثمين يهجمون على قوات الامن وينهالون عليهم طعناً بالسكاكين بعد ان حاصروهم من طرفي الزقاق، وكان السيد الشهيد ينظر اليهم من خلال فتحة صغيرة في النافذة. وبعد هذه العملية شددت السلطة من اجراءاتها الامنية وزودت رجالها بالرشاشات والقنابل، واجهزة اللاسلكي، ومنعوا الناس لفترة طويلة من المرور خلال الزقاق خوفاً من عملية مشابهة، وقد علق (رضوان الله عليه) على هذا الحادث، فقال: لو قدر للحجز ان يفك عنا، وتعود الامور الى طبيعتها، فسوف اصرف قسماً كبيراً من الحقوق الشرعية على تربية هؤلاء، لأنهم يملكون الشجاعة التي نحتاجها في مسيرتنا الجهادية، هؤلاء افضل عند الله من الذين تخلوا عنا، او الذين اتهمونا ببعض التهم، ونحن نعاني ما نعاني في الحجز". [29]

    ويذكر في هذا المجال الاستاذ عادل رؤوف صاحب كتاب (السيد الشهيد مرجعية الميدان) فيقول: (فجاء دور الشهيد الصدر الثاني محمد محمد صادق الذي اختزن كل مرارة التجربة الصدرية الاولى وحاول ان يستفيد من دروسها وأن يواصل ما لم يستطع الصدر الاول مواصلته). [30]

    انفتح الشهيد الصدر الثاني على الامة وبأوسع نطاق من خلال نشر وكلائه في مختلف المناطق فضلاً عن المحاكم الشرعية التي أنشأها في اغلب مدن العراق كما ذكرنا ورسالته العملية ومجموعة من الكتيبات التي تناولت مواضيع مختلفة وبعد هذا التركيز قام بتحركه الكبير في اقامة صلاة الجمعة والزم بها الرجال جميعا سواء كانوا مقلدين له او غير مقلدين انطلاقاً من مبدأ الولاية.

    وبعد فترة من اقامة صلاة الجمعة من قبل وكلائه في اغلب مدن العراق قام هو باقامتها في الكوفة. وكان الحضور يعد بعشرات الآلاف ان لم يكن بمئات الآلاف في الكثير من المناسبات. لقد تمكن السيد الشهيد خلال فترة خمسة واربعين اسبوعاً من طرح الكثير من المفاهيم وتوعية الامة في الكثير من المجالات حيث اقام خلالها خمساً واربعين صلاة تضمنت تسعين خطبة، منهاج كامل لتوعية الامة خلال فترة لم تتجاوز السنة.

    ان اعظم انجاز حققه فضلاً عن نشر الكثير من المفاهيم التربوية هو التفاعل مع الجماهير الذين احسوا بصدق احاسيسه وعمقها في التعامل معهم، كان يتناول الكثير من قضاياهم اليومية ومشاكلهم ومعاناتهم، كان له منهج خاص في التربية بشكل مؤثر وفعال وتدريجي، كان بعض الجهال يظن ان خطبه بسيطة وكلامه ساذج والحقيقة فان هذا جهل واضح بل بالعكس فقد كانت خطبه بمنتهى العمق ولكنها بمنتهى الوضوح وقد تطرق هو الى هذه الحقيقة فقال في احدى خطبه (الامر الذي يطرح بشدة هو عدم تحضير السيد محمد الصدر لخطبتيه بحيث ان خطبته يبدو عليها السطحية وعدم العمق وكأنهم يريدون مني ان اشرح درساً في الفقه في هذه الحفلة - لا حبيبي - سيد محمد الصدر ليس مغفلاً الى هذه الدرجة!!. لكل مقام مقال، والبلاغة تطبيق على مستوى الحال، وعلموا الناس على قدر عقولهم، واقول لهم عيب هذا الكلام). [31]

    كان يعرف ان ايامه معدودة فكان يريد ان ينجز أكبر ما يمكن انجازه خلال هذه العجالة الزمنية. الكثير من افكاره وطروحاته قد تبدو مكررة بالنسبة للجيل الذي عاش فترة الوعي خلال مرحلة السبعينات، ولكن كان قد مضى عشرون عاماً على تلك الفترة وذلك الوعي، لقد عاش الناس خلال فترة الثمانينات والتسعينات تحت ظل سياسة فعالة ومدروسة للقضاء على الفكر الاسلامي. لقد اتبع صدام سياسة التجهيل حيث اتلفت الكتب التي كانت متداولة في السبعينات وكان من اكبر التهم لمن يمسك ثم يكتشف ان لديه كتاباً فكرياً لمؤلف معروف كالشهيد الصدر او السيد الخميني او غيرهما. لقد افرغت المكتبات من كافة الكتب القيمة. وارغم الناس طيبهم وشريرهم على الانتماء الى حزب البعث. ومنع العلماء والمفكرون من طرح افكارهم وخطبهم في الجوامع والحسينيات والمجالس العامة والخاصة كما كان الامر في اوائل السبعينات. لقد اصبح الهم الشاغل للناس في الثمانينات هو النجاة بأرواحهم من مطحنة الحرب الدائرة برحاها مع الجمهورية الاسلامية. واصبح الهم في التسعينات هو الحصول على لقمة العيش. بل كان مطلب الناس هو مجرد سد الرمق لاولادهم وعائلاتهم والتخفيف من وطأة الجوع عليهم.

    كان عراق الستينات والسبعينات عالماً معيناً واصبح عراق الثمانينات والتسعينات عالماً آخر. لقد جاء تحرك الصدر في وقت احوج ما تكون اليه الامة لينقذها من موت شبه محقق... ثار الناس في انتفاضة التسعينات على الظلم والجور والاضطهاد هؤلاء الثائرون قد نشأوا في ظل حزب البعث وكان جلهم من المنتمين لحزب البعث لذلك كان المحرك للانتفاضة هو العواطف... هي النزعة الطبيعية ضد الظلم والجور والاضطهاد... كان ذلك هو الدافع لكثير من الثوار... لان غالبيتهم يعيش خواءً فكرياً. وحتى من كان معتقداً منهم بالاسلام فهو اسلام سطحي وبسيط بسبب سياسة صدام وحربه للاسلام وتعتيمه على الفكر الاسلامي الواعي لاكثر من عقد من الزمان...

    لقد قام الصدر الثاني باحياء الناس مرة اخرى، عرفهم بالاسلام... كشف لهم الحقائق وعرفهم بالكثير من المفاهيم... ربطهم بالحوزة وشدهم اليها... احيا فيهم الامل ووجدوا فيه قائداً بمستوى طموحاتهم وآمالهم... حلق جيلاً رسالياً في سنوات محدودة لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة... جيلاً ضحى الآلاف منهم بالغالي والنفيس دفاعاً عن معتقداتهم... دفاعاً عن اقامة شعيرة صلاة الجمعة.. وبذلوا الانفس رخيصة في مواجهات دموية وعارمة عند استشهاد السيد الصدر ولا زالت هذه المواجهات وهذه التضحيات قائمة منذ يوم استشهاد السيد الشهيد الصدر الثاني وحتى يومنا وان شاء الله حتى تقويض ركائز حكم الطاغوت الجاثم على صدر العراق.

    لقد عبر السيد الشهيد عن هذه العلاقة المتميزة بينه وبين الامة وهذا الارتباط الوثيق الذي اوجده بين الامة وبين الحوزة العلمية في النجف الاشرف في مقولته: (وهذه بادرة ناجحة وحسنة كونكم اثبتم بالتجربة ان الحوزة اذا ما قالت لكم اذهبوا تذهبون واذا ما قالت لكم اجلسوا تجلسون واذا قالت لكم تكلموا تتكلمون واذا قالت لكم اسكتوا تسكتون وانتم بعونه تعالى اثبتم على مستوى المسؤولية والطاعة). [32]

    لقد توجه السيد الصدر في تحركه لكافة قطاعات المجتمع وكان في كثير من الاحيان يوجه خطبتي الجمعة لشريحة معينة من شرائح المجتمع، ففي احدى هذه الخطب توجه الى العشائر فكان مما قاله: "الآن نوجه كلامنا الى رؤساء العشائر ومشايخها خاصة والى افراد العشائر عامة. لان النظام الذي يمشي عليه هؤلاء هو نظام باطل وغير شرعي وغير مرض لله عز وجل.

    ونحن لا نريد لأي مؤمن ان يرتكب خطأ ما، ولذلك نريد من العشائر ان تكون سائرة في الاتجاه الصحيح، وهذا لا يكون مع تطبيق قوانين انظمة غير شرعية وغير موجودة في الدين وبما لا يرضي الله ورسوله (ص).

    لكن الذي دعاهم الى تطبيق هكذا انظمة والتي تسمّى بـ (السانية العشائرية) انهم لم يجدوا حلولاً كافية للمشاكل والمعضلات التي تواجههم يومياً سواء بين افراد العشيرة نفسها او بين عشيرتين من قتل وسرقة وزنا ولواط واشباه ذلك والعياذ بالله... وذلك:

    اولاً: انهم غير متفقهين ولا فاهمين لاحكام الله سبحانه وتعالى.

    ثانياً: لبعدهم عن الحوزة وتناسيهم لها بل ربما ان جملة منهم يسيء الظن بالحوزة لما يرى من بعض أفرادها من اعمال مشينة ولكن (اصابعك مو كلهن سوه).. فيحصل للعشائر اليأس من ان الحوزة قادرة على حل مشاكلهم او تنظر في امورهم ومصالحهم. [33]

    ولم يكتف في توجيه كلامه في خطبة الجمعة على سبيل المثل الى العشائر ولكنه تحرك معهم ميدانياً.. وحقق انجازات ضخمة.. لقد اجتمع بزعمائهم واتفق معهم لالغاء السنينة العشائرية القائمة على اسس جاهلية، ثم انشأ صيغة وقعها مع الكثير من زعماء العشائر مبنية على سنينة عشائرية دينية طبقاً لاحكام الحوزة العلمية تتضمن ستة وعشرين بنداً وكان مما جاء فيها:

    اذ اننا عبيد الله الموقعون ادناه (....) ورؤساء افخاذها ووجهائها فقد اتفقنا على ما يلي:

    1 - العمل بما يرضي الله ورسوله وعدم الحياد في أي تصرف او سلوك يخالف الشريعة المقدسة.

    2 - لا يقبل أي فرد في عشيرتنا من الكفار والمشركين (كناية عن القتلة من افراد الامن من البعثيين) والناصبين العداء للمعصومين وممن يثبت ارتداده عن الدين والمذهب حيث تتبرأ العشيرة منه ويمنع التعاون معه من أفرادها بأي شكل من الاشكال.

    3 - استفتاء الفقهاء دام ظلهم في أي قضية او امر يشكل العمل فيه والذمة.

    4 - يكون قرار الحاكم الشرعي ملزماً وواجب التطبيق ولا يجوز لاي فرد لعشيرتنا التنصل من تنفيذه ومن يتنصل تبرأ العشيرة منه.

    ..... وعلى هذا المنوال جاءت البنود الاخرى.

    ...... لقد اصبحت علاقته مع العشائر من القوة والتأثير بحيث كان يتدخل هو شخصياً في تعيين رئيس العشيرة.

    ان تحرك الشهيد الصدر على هذا المنوال يعني انه كان سائراً في اتجاه قيادة كافة قطاعات الشعب العراقي وبالتالي تفريغ السلطة من قيادتها للشعب وهذا من الطبيعي ان يجعل صدام يفكر في النهاية اما أن اكون أنا أو ان السيد محمداً الصدر هو الذي سيحكم العراق.

    لقد توجه على هذا المنوال في خطبتين اخريين الى الغجر (الكاولية) متناولاً تاريخهم وعلاقتهمبالغجر في باقي انحاء العالم، ثم ذاكراً تصرفاتهم وطرق كسبهم للمال الحرام، واثر ذلك المال على واقعهم في الحياة الدنيا وآثاره في الآخرة، ثم داعياً اياهم ومخاطبهم بأنه يمد يده اليهم لكي يهتدوا بهدى الله واهل البيت (ع)... وانهم ليسوا اقل عقلاً ولا رشداً من سائر البشر. [34]

    وعلى نفس هذا المنوال توجه الى سدنة المراكز المقدسة ولكنه ذكر بأنهم لم يستجيبوا له.

    ثم انه توجه الى اهل السنة والجماعة وبين في كلمته بأنهم قد تجاوبوا معه تجاوباً واضحاً ومسراً، والظاهر انه كان ينسق معهم ولم يكشف عن تفاصيل ذلك التنسيق ولكنه قال ان العلاقة معهم (انتجت افضل النتائج).

    وقد توجه الى طبقة الموظفين والسياسيين فوجد منهم تجاوباً ليس على المستوى المطلوب، ولكنه استدرك وقال انه يعتقد ان تجاوبهم معه لابد ان يكون واسعاً ولكن الضغط الاجتماعي (كناية عن ارهاب السلطة) هو الذي يمنع عن بيانه وابرازه. [35]

    كما انه كان يطرح الخطب لمعالجة الكثير من الظواهر الاجتماعية التي كانت تعتبر بالميزان الاسلامي ظواهر سلبية تؤدي الى الانحراف عن شرع الله... ان بعض هذه الظواهر لم يتطرق اليها احد قبله او بالاحرى لم يكونوا يعطونها هذه الاهمية ككرة القدم مثلاً فانه يقول في احدى خطبه:

    "ماذا يحصل او نستحصل لو ان الكرة دخلت الهدف.. نعم ان الرياضة اذا كانت مجانية ولا يستنتج منها أي ضرر اخلاقي ولا الهائي عن مزاولة الشعائر فلا بأس بها.

    1 - وانما تمسك بها الغرب الكافر.. (ونقول لهم رغماً عن انفكم انتم اعداؤنا ولا نقلدكم).

    انهم فارغون من الايعاز الديني والاخلاقي، لذلك فانهم يسدون هذا الفراغ. اما في مجتمعنا الاسلامي فلا يوجد مثل هذا الفراغ ويحاول ان يسده المؤمن بما تيسر له من عبادة الله سبحانه وتعالى.

    2 - السبب الثاني انهم يريدون الربح بكل سبب وبذلك تصوروا انهم يصرفون الملايين على تهيئة اللعبة، فكم يجنون من وراء ذلك وذلك متحصل من اجرة الحاضرين والمشجعين الى ربح البلدة من حضور المشجعين فيها.

    3 - لا شك ان الحضارة الغربية فيها من المظالم، والنقائص بما لا تحصره خطبتنا هذه ولسنا الآن بصدد تعدادها فاننا لا نحس بها بالمباشرة كوننا لا نعيش هناك". [36]

    أما اهم جانب كان يؤكده في خطبه هو توضيح القيم والمفاهيم الاسلامية... حيث تناول قضية المرأة في الاسلام في اربع خطب للجمعة... كما كان يؤكد على التركيز على المظاهر الاسلامية وايتاء المستحبات فضلاً عن ايتاء الواجبات... فقد تناول في عدة خطب قضية زيارة الحسين (ع) بشكل جماعي في المنتصف من شعبان ولكن هذه القضية ارعبت الدولة ارعاباً حقيقياً وخافت بشكل كبير من نتائجها وحاولت ثنيه فلم ينثن، حتى اوصل له صدام خبراً بان الدولة ستتصدى لها بالقوة، وانه سيتحمل كافة النتائج. وهنا لم يشأ ان يعرض الناس للقتل فطلب منهم عدم اتمامها لأنه مأمور بذلك من قبل السلطة ومع هذا فقد قام الكثير بالمسير الى كربلاء في المنتصف من شعبان وحدثت مواجهات بينهم وبين السلطة... ثم لم تلبث ان انكفأت السلطة على نفسها.

    لقد كان يخاطب الجماهير متحدياً سلطة الطاغوت بكل جرأة غير آبه بقوة صدام ولا جبروته ولا طغيانه.. وكان هذا أعظم درس قدمه للامة... لقد احيا فيهم روح الحسين (ع) بعد فترة من تصدي القيادات الضعيفة التي تتذرع بشتى الذرائع والحجج الضعيفة لتبرير ضعفها وسكوتها... لقد كان مثلاً حياً.. ومثالاً ناطقاً.. وقدوةً عليا هي اهل لأن يقتدى بها.. وسيظل مناراً ناصعاً في تاريخ العراق المعاصر.. ليس لذاته فحسب.. بل لآلاف الجماهير الذين ساروا على خطاه وبذلوا انفسهم وارواحهم رخيصة من اجل الحفاظ على اسلامهم وعقيدتهم وخط اهل بيت النبوة عليهم افضل الصلاة والسلام.





    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] كرأي الشهيد السيد محمد باقر الصدر حيث يتطرق الى شروط مرجع التقليد فلا يكتفي بكونه الاعلم في الشريعة بل يزيد عليها فيقول (والاعرف والاقدر على تطبيق احكامها في مواردها). الفتاوى الواضحة، أحكام التقليد، ص 105.

    [2] كقول الامام علي (ع): (ان أحق الناس بهذا الامر اقدرهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه). نهج البلاغة، حيث قدم هنا القدرة على العلم.

    [3] اسئلة خاصة - نص مدون.

    [4] دفاع عن المرجعية، بحث احد تلامذة الصدر الثاني، من داخل العراق، نقلاً عن - مرجعية الميدان، عادل رؤوف، ص106.

    [5] حوار مسجل مع الشهيد الصدر الثاني.

    [6] لقاء صحفي مسجل ومدون مع الشهيد الصدر الثاني.

    [7] نقلاً عن أحد المقربين إليه داخل العراق.

    [8] خطبة الجمعة رقم (4).

    [9] مرجعية الميدان، ص229.

    [10] خطبة الجمعة رقم (42).

    [11] حديث مسجل ومدون.

    [12] خطبة رقم (20).

    [13] خطبة رقم (20).

    [14] خطبة رقم (20).

    [15] استفتاءات مدونة.

    [16] استفتاءات مدونة.

    [17] استفتاءات مدونة.

    [18] استفتاءات مدونة.

    [19] صحيفة الموقف - العدد 191 - 4 آذار 1999.

    [20] المجموعة الكاملة لمؤلفات السيد محمد باقر الصدر، مجلد 13، ص57.

    [21] الشهيد الصدر سنوات المحنة وايام الحصار - الشيخ محمد رضا النعماني، ص167 - 168.

    [22] مجلة الهدى - الحوزة العلمية في النجف الاشرف - عدد (6) السنة الاولى 1 جمادى الثانية 1419هـ .

    [23] خطبة الجمعة رقم (21).

    [24] خطبة الجمعة رقم (19).

    [25] خطبة الجمعة رقم (20).

    [26] خطبة الجمعة رقم (20).

    [27] صحيفة الموقف عدد (191) 4 آذار 1999.

    [28] صحيفة الموقف عدد (191) 4 آذار 1999.

    [29] الشهيد الصدر - سنوات المحنة وايام الحصار - الشيخ محمد رضا النعماني ص107 - 108.

    [30] السيد محمد محمد صادق الصدر - مرجعية الميدان - عادل رؤوف - ص 117.

    [31] خطبة الجمعة رقم (7).

    [32] خطبة الجمعة رقم (10).

    [33] خطبة الجمعة رقم (21).

    [34] خطبة الجمعة رقم (45).

    [35] خطبة الجمعة رقم (45).

    [36] خطبة الجمعة رقم (13).

    الفهرس

  • #2
    سيرة حياة السيد الشهيدمحمدمحمد صادق الصدر قدس الله نفسه الزكية

    الشهيد الامام السيد محمد الصدر

    ولادته ونشأته

    ولد السيد الشهيد محمد محمّد صادق الصدر في (17 ربيع الاول عام 1362 هـ الموافق 23 / 3 / 1943م في مدينة النجف الاشرف).

    اما نسبه فيرجع «الى الإمام موسى بن جعفر عليه السلام في سلسلة نسبية قليلة النظير في صحتها ووضوحها وتواترها، فهو محمد ابن السيد محمد صادق ابن السيد محمد مهدي ابن السيد اسماعيل (الذي سميت اسرة الصدر بأسمه) ابن السيد صدر الدين محمد ابن السيد صالح بن محمد بن ابراهيم شرف الدين (جد أسرة آل شرف الدين) ابن زين العابدين ابن السيد نور الدين علي ابن السيد علي نور الدين بن الحسين بن محمد بن الحسين ابن علي بن محمد بن تاج الدين أبي الحسن بن محمد شمس الدين بن عبد الله بن جلال الدين بن احمد بن حمزة الاصغر بن سعد الله بن حمزة الاكبر بن أبي السعادات محمد بن ابي محمد عبد الله (نقيب الطالبيين في بغداد) بن أبي الحرث محمد بن أبي الحسن علي بن عبد الله بن أبي طاهر بن ابي الحسن محمد المحدّث بن أبي الطيب طاهر بن الحسين القطعي بن موسى أبي سبحة بن ابراهيم المرتضى ابن الإمام أبي ابراهيم موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام».

    نشأ سماحته في اسرة علمية معروفة بالتقوى والعلم والفضل، ضمّت مجموعة من فطاحل العلماء منهم جده لامه آية الله الشيخ محمد رضا آل ياسين (قدس سره) ومنهم والده الحجة السيد محمد صادق الصدر (قدس سره) الذي كان آية في التقوى والتواضع والزهد والورع، واذا كان احد يوصف بانه قليل النظير في ذلك فان الوصف ينطبق تماماً على المرحوم السيد محمد صادق الصدر (قدس سره).

    ذكر احد المقربين من السيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) ان المرحوم الحجة السيد محمد صادق الصدر شكا له ولده السيد محمداً الصدر لا من عقوق ولا جفاء ولا قصور او تقصير بل من كثرة عبادته وسهره في الدعاء والبكاء حتى اوشك على اتلاف نفسه فما كان من السيد محمد باقر الصدر إلاّ ان بعث اليه وطلب منه الاعتدال في العبادة فاستجاب له لانه كان مطيعاً لاستاذه محباً له لا يعصيه ولا يخالفه.

    ومن سماته وخصاله: خُلقه الرفيع المبرّأ من كل رياء او تصنع ويكفيك ان تعايشه دقائق لتعرف ذلك فيه واضحاً جلياً يغنيك العيان عن البرهان.

    تخرج السيد محمد محمد صادق الصدر من «كلية الفقه في النجف الاشرف في دورتها الاولى عام 1964».

    وكان من المتفوقين في دروسه الحوزوية كما تؤكد روايات زملائه من تلاميذ ابن عمه الشهيد آية الله محمد باقر الصدر الذي تزوج ثلاثة من أولاد الصدر الثاني وهم مصطفى ومقتدى ومؤمل من بناته.

    وبغض النظر عن مراحل دراسته التي تخطاها بتفوق وجدارة يكفي ان نشير الى أن سماحته يعتبر من ابرز طلاب السيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) ومقرري ابحاثه الفقهية والاصولية.

    ومن المعروف ان مدرسة السيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) تعتبر ارقى مدرسة علمية في المعرفة الفقهية والاصولية عمقاً وشمولا ودقة وابداعاً. ويعتبر سماحته علماً من اعلام تلك المدرسة المتفوقة والمتميزة.

    وقد درس (قدس سره) جملة من العلوم والمعارف الدينية عند مجموعة من الاساتذة نذكر اهمهم على نحو الاجمال:

    1 - الفلسفة الالهية، درسها عند المرحوم الحجة محمد رضا المظفر صاحب كتاب اصول الفقه والمنطق.

    2 - الاصول والفقه المقارن، على يد الحجة السيد محمد تقي الحكيم.

    3 - الكفاية درسها عن السيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه).

    4 - المكاسب درسها عند استاذين الاول محمد باقر الصدر والثاني الملا صدر البادكوبي.

    5 - ابحاث الخارج وهي اعلى مستوى دراسي حوزوي حضر عند عدد من الاساتذة الفطاحل وهم:

    الإمام السيد محسن الحكيم

    آية الله السيد محمد باقر الصدر

    الإمام السيد الخميني

    آية الله السيد الخوئي

    رضي الله عنهم اجمعين، فنال على ايدي هؤلاء مرتبة الاجتهاد والفتوى التي اهلته للمرجعية العليا.

    باشر بتدريس الفقه الاستدلالي (الخارج) اول مرة عام 1978، وكانت مادة البحث من (المختصر النافع) للمحقق العلامة الحلي. وبعد فترة باشر ثانية بالقاء ابحاثه العالية في الفقه والاصول (ابحاث الخارج) عام 1990 واستمر متخذاً من مسجد الرأس الملاصق للصحن الحيدري الشريف مدرسة وحصناً روحياً لانه اقرب بقعة من جسد امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام).

    عطاء فكري ثر

    تأثر الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره) بافكار اساتذته من العلماء والمراجع اذ أن مجرد معرفة عدد من اسماء هؤلاء الاساتذة ستساعد في توضيح الملامح الفكرية لشخصيته، فهو درس لدى الإمام الخميني (قدس سره) والشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر وآية الله السيد الخوئي، وآخرين، إلاّ انه اذا تجاوزنا المشترك الفقهي لهؤلاء الثلاثة، يمكن القول انه استلهم الفكر الثوري من تجربة ودروس الإمام الخميني (قده)، واستلهم همّ المشروع التغييري في العراق من تجربة ودروس ونظريات آية الله السيد محمد باقر الصدر الذي يعد أكبر مفكر اسلامي في العصر الحديث، ولذا يمكن القول، ان السيد محمد محمد صادق الصدر قد وظف بالاضافة الى قدراته الفقهية التقليدية تجربتين في تجربته، التجربة الخمينية، والتجربة الصدرية الاولى، فهو توجه بكل جهوده الى الجانب الاصلاحي العملي الذي يحقق حضوراً تغييرياً في وسط الامة، وانجز أول تجربة عملية تغييرية يقودها فقيه في بلد مثل العراق بحركة إنتاج فقهي، عملي ايضاً، أي بمعنى فقه يواكب حركة الحياة، بتطوراتها، ومستجداتها، وتحدياتها، وآفاقها المستقبلية، اذ انه أراد أن يربط الفقه بالواقع وأن يبعث فيه روح التجديد، وبهذا الاستنتاج يمكن القول إن السيد محمد محمد صادق الصدر كان فقيهاً عملياً واقعياً معاصراً ثورياً، قد لا يتطابق في ثوريته مع الإمام الخميني، وقد لا يُصنف في انتاجه الفكري مع الفكر الصدري الاول، إلاّ انه ضمن الظروف التي عاشها استطاع أن يقترب من الاثنين وأن يوظّف منهجهما المرجعي وأن يتأثر بتجربتهما، وأن يصوغ ملامح تجربته الخاصة. ومرةً اخرى لابد من التأكيد بان قيمة هذه التجربة تنبع من كونها عراقية، بكل استثناءات العراق المعروفة، المتعلقة بالسلطة والجو السياسي، والامة، وموقع الحوزة.

    ومهما يكن من أمر فان الصدر الثاني ترك وراءه عدداً مهماً من المؤلفات التي قد تساعد في فهم ملامح مشروعه العام.

    مؤلفاته :

    1 - نظرات إسلامية في إعلان حقوق الإنسان

    2 - فلسفة الحج في الإسلام

    3 - اشعة من عقائد الإسلام

    4 - القانون الإسلامي وجوده، صعوباته، منهجه

    :5 - موسوعة الإمام المهدي، صدر منها

    أ - تاريخ الغيبة الصغرى

    ب - تاريخ الغيبة الكبرى

    ج - تاريخ ما بعد الظهور

    د - اليوم الموعود بين الفكر المادي والديني

    6 - ما وراء الفقه (موسوعة فقهية)، وهو عشرة أجزاء

    7 - فقه الأخلاق

    8 - فقه الفضاء.

    9 - فقه الموضوعات الحديثة.

    10 - حديث حول الكذب.

    11 - بحث حول الرجعة.

    12 - كلمة في البداء.

    13 - الصراط القويم.

    14 - منهج الصالحين (وهي رسالة عملية موسعة اشتملت على المسائل المستحدثة).

    15 - مناسك الحج.

    16 - كتاب الصلاة.

    17 - كتاب الصوم.

    18 - أضواء على ثورة الإمام الحسين (عليه السلام).

    19 - منّة المنان في الدفاع عن القرآن (قد يصل إلى خمسين مجلداً).

    20 - منهج الاصول.

    21 - التنجيم والسحر.

    22 - مسائل في حرمة الغناء.

    مخطوطاته :

    رغم ما امتاز به السيد الصدر (قدس سره) من كتبه المطبوعة إلاّ انه لا تزال هناك جملة من كتبه المخطوطة تنتظر الطبع، منها:

    1الجزء السادس من موسوعة الإمام المهدي بعنوان هل إن المهدي طويل العمر

    بحث الخارجي الاستدلالي الفقهي حوالي 8 أجزاء2

    دورة في علم الاصول على يد المحقق السيد الخوئي.

    4 - بين يدي القرآن.

    5 - دورة في علم الاصول على يد السيد أبي جعفر.

    6 - مباحث في كتاب الطهارة الاستدلالي.

    7 - المعجزة في المفهوم الإسلامي.

    8 - مبحث في المكاسب.

    9 -( مجموعة أشعار الحياة (ديوان شعر

    10 - اللمعة في أحكام صلاة الجمعة.

    11 - الكتاب الحبيب إلى مختصر مغني اللبيب.

    12 - بحث حول الشيطان.

    13 - تعليقه على رسالة السيد الخوئي.

    14 - تعليقة على كتاب المهدي لصدر الدين الصدر.

    15 - سلسلة خطب الجمعة.

    16 - فقه الكيمياء.

    17 - وصيته.

    18 - أجزاء باقي كتاب منهج الأصول.

    19 - شرح كتاب الكفاية.

    ومن خلال قائمة المؤلفات هذه تتضح بعض اهتمامات الشهيد الصدر الثاني بالفقه المعاصر وان كل مؤلف من هذه المؤلفات شكل قضية من القضايا وحاجة من الحاجات الملحة للكتابة فيها.

    :اجازته في الرواية

    له اجازات من عدة مشايخ في الرواية اعلاها من: آية الله حسن الطهراني المعروف بـ (اغا بزرك الطهراني) صاحب الذريعة عن اعلى مشايخه وهو الميرزا حسين النوري صاحب مستدرك الوسائل، ومنهم والده الحجة آية الله السيد محمد صادق الصدر وخاله آية الله الشيخ مرتضى آل ياسين وابن عمه آية الله الحاج اغا حسين خادم الشريعة وآية الله السيد عبد الرزاق المقرم الموسوي (صاحب كتاب مقتل الإمام الحسين عليه السلام) وآية الله السيد حسن الخرسان الموسوي وآية الله السيد عبد الاعلى السبزواري والدكتور حسين علي محفوظ وغيرهم.

    :الاعتقالات التي تعرض لها

    قام نظام صدام باعتقال السيد محمّد محمد صادق الصدر عدة مرات ومنها:

    1 - عام 1972 قام النظام باعتقال السيد محمّد محمد صادق الصدر مع الشهيد السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الاعلى للثورة الإسلامية في العراق.

    2 - عام 1974 قام النظام باعتقال السيد محمّد محمد صادق الصدر في مديرية امن النجف وعندما احتج على سوء معاملة السجناء نقل الى مديرية امن الديوانية والتي كانت اشد ايذاء للمؤمنين من بقية مديريات الامن وقد بقي رهن الاعتقال والتعذيب النفسي والجسدي عدة اسابيع.

    3 - عام 1998 قام النظام باستدعاء السيد محمد الصدر والتحقيق معه عدة مرات.

    4 - عام 1999 قام النظام بالتحقيق مع السيد الصدر مرات عديدة وتهديده قبل اغتياله.

    مشروعه التغييري

    :اربع مفارقات

    ملف الصدر الثاني، من اكثر الملّفات الإسلامية في تاريخ العراق المعاصر إثارة ومفارقات، فالشهيد محمد محمد صادق الصدر (رض) لم يكن أحد من الذين عايشوه قبل تصديه للمرجعية، يتوقع ان ينهض بهذا الدور الضخم والمهم والخطير في مرحلة من أكثر مراحل المسار السياسي العراقي حساسيةً وتعقيداً، إذ بدا عليه قبل هذا التصدّي للمرجعية التواضع والزهد والمثابرة والبحث والجد في دراسته والتأثر بالثورة الحسينية.

    المفارقة الثانية هي أن «الشائع» عن شخصية الشهيد محمد محمد صادق الصدر أنها شخصية «بسيطة» حتى ان البعض لا يريد ان يصدق حتى بعد استشهاده، انه استطاع ان ينجز هذا التحوّل الكبير في المسار الإسلامي في العراق، وهو تحوّل أثبت الكثير من الذكاء والبراعة والإبداع.

    المفارقة الثالثة وتتعلّق بزمن مشروعه التغييري، فهو زمن لا يكاد يستوعب ضخامة هذا المشروع وأبعادِه ومفرداته ومجالاته، بضع سنوات استطاع فيها الشهيد محمد محمد صادق الصدر انجاز ما لا يمكن انجازه ربما في عقود.

    المفارقة الرابعة ترتبط بالمكان الذي تحرك فيه هذا المشروع، وهو العراق المحكوم الى أعتى دكتاتورية في العالم والى قيود سياسية هائلة، والى تجارب سياسية، لا يمكن ان تشجع أحداً على ان يُفكّر بالقدرة على «تحييد» السلطة، ومن ثمّ الإنطلاق برحلة تأسيسية متسارعة لعمل اسلامي كان قبل سنوات يستفزّ هذه السلطة في أبسط مظاهره.

    :خطة متسلسلة

    اثار مشروع الشهيد الصدر الثاني (رض) جدلا حاداً في الواقع الإسلامي الداخلي في العراق غير انه جدل إيجابي في محصلته النهائية، ورغم معرفة الشهيد (رض) بما سيثيره مشروعه من جدل أو خلاف إلاّ انه اجتهد ان يفجر قضية الاصلاح للواقع الإسلامي وفق خطة اولية متسلسلة.. وهنا نشير إلى النقاط التالية:

    أولا: انه قدّم نموذجاً جديداً لتعاطي الفقيه مع السلطة، وهو نموذج يجد له مصاديق في تاريخ اشكالية العلاقة بين الفقيه الشيعي والسلطة. إلاّ ان الجديد فيه كما اشرنا في «المفارقات» هو سلطة صدام حسين بكل خصوصياتها الدموية، وامكانية «تحييدها» لفترة، وانتزاع بعض الادوات من يدها، والدخول معها في معادلة صراع علنية، معادلة، هي بحاجة إلى قراءة دقيقة للمتغيرات التي مرّت بها السلطة، والمؤثرات الخارجية عليها، ومن ثمّ تثمير هذه المتغيرات والمؤثرات لصالح الشروع باصلاح ذاتي من جهة، وبناء اسلامي جديد من جهة ثانية.

    لقد خاض الصدر الثاني هذه المعادلة والتقط كل الفرص الداخلية والخارجية لكي يكون طرفاً قوياً فيها، وهذا ما لم يُفكّر فيه فقيه أو مرجع في العراق. ولذلك فهو تحمّل ما سيقال عنه كثمن لذلك. ولو ان ما يقال سيكون قاسياً ومريراً، فهو ازاء من كان يقول عنه بانه «فقيه السلطة» او «مرجع السلطة» مارس خطاباً لا ينفكُ يوضّح، ويحاول أن يحيّد خصومه.

    ثانياً: ولقد انطلق هذا المشروع، اول ما انطلق نحو بناء قاعدة شعبية متفاعلة، وجاء هذا البناء متصاعداً عبر خطوات تحرّك كبرى باتجاه الوسط الإجتماعي والعشائري، تطلّبت الخروج على «المألوف» المرجعي أو على «العُرف» المرجعي، وقيام الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر بجولات وزيارات الى العشائر العراقية، والاطلاع على أوضاعها، وبناء علاقات معها ومن ثمّ اخيراً وضع فقه خاص بها اندرج في هذا .السياق

    كما تطلّب بناء القاعدة الشعبية، تجاوز خطاب «الفقيه» المكتوب الى خطاب الفقيه المسموع، والى تنشيط الإتصالات مع الناس، والى مواكبة همومهم وشؤونهم والعمل بفقه الواقع أو فقه الحياة بكل ما تلد من جديد مع مرور الزمن، اضافة الى التواجد الميداني معهم، وربط مصير «الفقيه» مع مصيرهم. وبالطبع ان هذا الواقع لم يألفه الشعب العراقي من قبل لذا فانه شكّل وضوحاً له بدور الفقيه، ومن ثمّ تعاطفاً معه.

    وقد اثبتت تجربة الصدر الثاني ان الشعب العراقي يختزن الإستجابة للعمل الإسلامي إذ بمجرد ان تحرك السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر باتجاهه، فانه استجاب استجابة واضحة، لا تخلو من الشجاعة، وربما ان هنالك من يقول إن استجابة هذا الشعب انطلقت في جزء منها من وعيه بموقف السلطة التي سمحت للشهيد الصدر الثاني بالتحرك، الأمر الذي ازال جزءاً من المخاوف لديه، ومن ثمّ قرر الالتحاق بهذه التجربة، ولذا فإن الناس الذين ألتحقوا بركب الصدر الثاني لم ينتفضوا كلهم بعد اغتياله.

    وربما تكون وجهة النظر هذه «صحيحة» بشكل جزئي ومحدود، واذا قيست التجربة بنتائجها وكلياتها وظروفها واحتياطات السلطة وطبيعتها فإن الامر لا يبدو كذلك، فالجمهور الصدري الثاني كان له رد فعل ولو انه لا «يتناسب» مع ما حصل بحكم الظروف الامنية القاسية التي تقيده، إلاّ انه اختزن وعي هذه التجربة، وسيعبر هذا الوعي عن نفسه ان عاجلا او آجلا في صناعة مستقبل العراق.

    ثالثاً: وإذا كان تأسيس القاعدة الشعبية، شكّل محوراً أساسياً من محاور المشروع التغييري للشهيد محمد محمد صادق الصدر، فإن المحور الثاني كان محوراً إصلاحياً للوضع الإسلامي الداخلي، أي لوضع الحوزة، وكل ما يتعلق بشؤونها، بدءاً بمواصفات المرجع التي حددها الصدر الثاني وما اسماه التفريق بين المرجعية الناطقة والمرجعية الصامتة ومروراً باجهزتها الوكلائية والتبليغية والمالية وانتهاءً بمناهجها ومستواها .المعرفي، ومواكبتها لحركة العصر وحاجاته ومتطلباته

    رابعاً: وكان المحور الآخر الذي شكّل معلماً من معالم مشروع الصدر الثاني التغييري يتمثل بالعلاقة بين الحوزة والأمة، واكتشاف الآليات والاساليب والطرق الكفيلة بايجاد علاقة من نوع آخر بينهما، وكانت صلاة الجمعة أكبر آلية تواصلية بين الفقيه والمجتمع وبين الحوزة والأُمّة، إذ لم يعمل بهذه الآلية من قبل، إلاّ بشكل محدود، ولوعي الشهيد الصدر الثاني باهميتها فانه أعطاها أهمية استثنائية، وأوصى بضرورة أو .وجوب مواصلتها حتى بعد موته

    خامساً: استطاع الشهيد محمد محمد صادق الصدر ان ينجز كل ذلك عبر منظومة مفاهيمية مغايرة، وان يؤسس شبكة من المفاهيم الخاصة، مفاهيم دينية اجتماعية، ومفاهيم حول شؤون القيادة ومفاهيم حول الشؤون الثقافية والسياسية الاخرى شكّلت بمجملها نسيجاً معرفياً متجانساً، ميّزه عن سواه من الفقهاء، وحدّد ملامح مشروعه وتجربته، فلقد جاء هذا النسيج المعرفي بشيء من الفرادة والخصوصية والابتكار، فهو تجاوز المشتركات والثوابت من خلال استيعابها، وابرز معالم قراءته الخاصة لتعاليم الإسلام التي تنتمي للاجتهاد البشري، او الفهم البشري للدين والرسالة السماوية، ولذا فهو لم ينتم بعد استشهاده إلى تاريخ «الفقهاء التقليديين» بل انه انتمى إلى تاريخ الفقهاء الثوريين المبدعين المطورين المجدّدين، وأضاف الى .تراكمهم المعرفي تجربة جديدة لها فرادتها في كثير من الأمور والمسائل

    إن المنظومة المفاهيمية للشهيد الصدر الثاني لم تكن منظومة عشوائية مبعثرة وانما هناك «قصدية» واضحة في انتقاء اي مفهوم وعلاقته بالآخر، ومن ثمّ الخروج بمسمّيات ومصطلحات للتجربة وبالتالي فانها منظومة مفاهيمية تشكل مشروعاً تغييرياً له محاوره ومعالمه ومرتكزاته الخاصة حتى وان لم يُسمِّ الصدر الثاني هذا المشروع ومحاوره ومرتكزاته ومعالمه.

    سادساً: وما بدا على هذا المشروع انه جاء في جزئه العملي والنظري الأكبر، إكمالا أو ترجمة لطموح الشهيد الصدر الأول (محمد باقر) الذي بقي حبيساً في صدره ولم تسمح له الظروف، لا ظروف الصراع مع السلطة، ولا ظروف المؤسسة الدينية الشيعية الداخلية، ولا ظروف الوعي المجتمعي، ان يتصدّى له، اذ على رغم المغايرة الواضحة في امور عديدة فكرية وغير فكرية بين الصدرين الأول والثاني، ورغم احتفاظ تجربة الصدر الثاني ببعض الخصوصيات الميدانية، إلاّ ان التجربة بشكل عام جاءت وكأنها صدى لاماني الصدر الأول في اصلاح الحوزة وفي وجوبية توجهها نحو المجتمع وفي ابراز الوجه السياسي لحركة .الإسلام

    وفيما قضى الصدر الأول معظم حياته في بحوث فكرية متطوّرة بغية ارساء جذور وأساس المدرسة الإسلامية بكل أبعادها الفلسفية والاقتصادية والاجتماعية وبدأ بدايات في تطوير المناهج الحوزوية، واعلن خطاباً نظرياً لا يخلو من النقد لواقع هذه الحوزة وتحرك سياسياً تحت ثقل الظروف الخارجية التي ربما تكون ساعدت على دفعه على تسريع الجانب السياسي العملي من مشروعه، جاء دور الصدر الثاني من شقين شكّلا الافراز العلوي الذي غيّب في مشروع الصدر الأول، الشق المتعلّق بدور الفقيه العملي الميداني الاجتماعي الإسلامي المندك في الامة، والمرتبط معها بعد ان اكتشف آليات واساليب تعبئتها، والشق الثاني الذي يواكب حركة التجديد الفقهي بما يتناسب مع المستجدات والتطورات.

    وهكذا بدا المشروعان متغايرين في ادوارهما تبعاً لاختلاف الظروف والقدرات الذاتية، وفي نفس الوقت كمّلا بعضهما البعض، في صيرورة تصاعدية تكاملية جميلة، قائمة على تواصل معرفي في حياتهما قبل الاستشهاد، وعلى رابطة دم، شاء الله ان يجعلها هكذا، ولو انها فسّرت من البعض تفسيراً ثأرياً من الصدر .الثاني لدماء الصدر الأول

    سابعاً: ان الدور العملي الميداني الاجتماعي التجديدي للفقيه الصدر الثاني الذي ميّز مشروعه التغييري لم يأتِ كما أشرنا إلاّ وفق خطة تحرك عليها هذا المشروع، خطة لمرتكزات وآليات وأوليات، بدأت بـ «تحييد» السلطة، ومن ثمّ مرتكز ايجاد قاعدة شعبية ومرتكز اصلاحي داخلي للواقع الإسلامي وواقع الحوزة ومرتكز تأسيس منظومة مفاهيمية متجانسة ومتكاملة مثلّث خصوصية التجربة الصدرية الثانية، وكل تلك المرتكزات كانت ممزوجة بواقع سياسي يشكل افرازاً علوياً لهذا المشروع التغييري إلاّ ان صدام حسين قطع الطريق على تجسيد هذا الإفراز العلوي (المشروع السياسي)، مثلما قطع الطريق على تجسيد الإفراز العلوي الذي .مثّله فيما بعد مشروع الصدر الثاني على الصدر الاول

    ان «قانون» الموت والقتل والإغتيال الذي عمل به صدام حسين لعرقلة حركة المشروع الإسلامي العام في .العراق، لم يحل رغم بشاعته دون تنامي هذا المشروع، وتراكم صيرورته المتصاعدة

    تاسعاً: ان التجربة الصدرية الثانية في العراق مثلت صورة تصاعدية من صور حركة «الإسلام السياسي» في المسيرة الإسلامية العامة في العالم الإسلامي وفي العالم اجمع، وبقدر ما عكست هذه الصورة، وهذا المشروع الصدري الثاني من خصوصية نابعة من الظروف والجغرافيا والإبداع الذاتي الفقهي الثوري، فإنها عكست من خلال الأداء العام لهذا المشروع وأدبياته، تواصلا مع الحركة الإسلامية العالمية بكل صورها .ومظاهرها الأخرى

    عاشراً: ان هذا المنهج التوحيدي الذي اقتضاه المشروع التغييري الصدري الثاني، يمكن فهم الخطاب الذي تأسس عليه بتوصيف آخر غير توصيف الخطاب «المتوتر» وهو توصيف الخطاب «النقدي» للواقع القائم، اذ ان أي مشروع لا يمكن أن ينهض ويتأسس ما لم ينقد الوضع القائم، ويطرح بدائله، وان الصدر الثاني مارس نقداً شمولياً وجوهرياً، فهو نقد شمل اكبر عدد من الظواهر الخاطئة بإثارتها ومناقشتها متجاوزاً مقولات «الحساسية»، لا سيما فيما يتعلق بالواقع الإسلامي في العراق، كظواهر «النذور» والى اين ستنتهي، وظاهرة «السدنة»، وظاهرة «تقبيل الايدي» والظواهر المرتبطة باخراج الدين عن مضمونه الحقيقي، فضلا عن الظواهر الاجتماعية السيئة، وحتى قضية ادارة العتبات المقدسة، ونقد هذه الادارة .بوضعها القائم

    حادي عشر: حجم المعاناة والصبر والتحمّل والاصرار للشهيد محمد محمد صادق الصدر من أجل إنجاز هذا المشروع التغييري الاصلاحي الجذري، الذي أسسه ورعاه، ورسم ملامحه من خلال خطوط عامة ومحاور ومرتكزات وضّحها هذا البحث بشكل توثيقي، مشروع ختمه باستشهاد «مرجعي» لا ينتمي الى تاريخ الاستشهاد المتعارف، إنما يأتي حصيلة لثقافة حسينية ونبض عرفاني ينتمي الى عرفان «الواقع» وليس .<<الى عرفان «الانعزال والخرافة

    وقرار استشهادي واضح واع، أكّدته الروايات المنقولة عنه، وأكّده السلوك الذي مارسه، وأكّده الكفن الذي لفّه واقفاً في صلاة الجمعة، قبل ان يلفّه في قبره الذي وضع فيه، بلا تشييع وبطريقة سرية، تحت جنح الظلام، حاضناً ولديه «مصطفى» عن اليمين و«مؤمل» عن الشمال، كما دفن الشهيد الصدر الأول، مع اخته الصدرية «بنت الهدى»، قرار استشهادي أكده السيد محمد محمد صادق الصدر، بالسلوك والأكفان .والروايات الخاصة والخطاب العلني أمام الامة عندما تحدّث أكثر من مرة عن احتمال قتله

    :وقائع ما قبل الاغتيال

    ان الصدر الثاني بالتأكيد تحول إلى رمز يقود ظاهرة اسلامية مليونية، إلاّ ان رموز العراق لا تبرز على صفحات الإعلام العربي إلاّ بعد التصفية والقتل على يد نظام صدام حسين الذي مهد لاغتيال الصدر الثاني عبر تحركات واحتياطات كبيرة، كشفت عنها صحيفة (القبس) الكويتية نقلا عن مصادر عراقية حيث في ضوء تلك التوجيهات «وضعت كافة قوات الحرس الجمهوري في حالة استعداد قصوى تحت غطاء مشروع تدريبي اعطي الاسم الرمزي «الفارس الذهبي» يستخدم فيه العتاد الحقيقي وصممت الفرضيات طبقاً لحصول تهديدات جوية وتدخل قوات محمولة جواً، تستهدف احتلال اهداف حساسة داخل العراق لاثارة الاضطراب.

    كما تضمّن المشروع الممارسة على تنفيذ التنقلات الاستراتيجية تحت ظل التهديد الجوي وفي ظروف استيلاء مفارز من القوات الخاصة المعادية للسيطرة على مفارق الطرق المهمة والنقاط الحرجة كالجسور .والمناطق التي تتعذر فيها الحركة خارج الطرق

    .كما تم نقل بعض ألوية الحرس الجمهوري من المنطقة الشمالية إلى منطقة الفرات الاوسط

    وكان لقرار فصل محافظة المثنى عن قيادة منطقة الفرات الأوسط بقيادة (محمد حمزة الزبيدي) والحاقها بمنطقة العمليات الجنوبية بقيادة (علي حسن المجيد) صلة بالتدبير لعملية الاغتيال وذلك لتخفيف العبء عن .قيادة الفرات الأوسط التي تقود محافظات بابل وواسط والقادسية والنجف وكربلاء والمثنى

    وفي ليلة تنفيذ عملية الاغتيال الخميس الجمعة كانت قوات فرقة حمورابي حرس جمهوري في منطقة الصويرة (قرب واسط) وفرقة نبوخذ نصر حرس جمهوري في كربلاء، فضلا عن الألوية التي نقلت من المنطقة الشمالية في حالة انتشار قتالي الامر الذي مهّد للسيطرة المبكرة على الوضع كأحد أساليب الردع .المسبق

    وبالاضافة إلى هذا الإستباق الامني الاحتياطي الذي جاء قبل تنفيذ الاغتيال، فإن هنالك انواعاً من التصعيد في المواجهة بين الصدر الثاني والسلطة، كانت كلها تُنذر بوقوع الجريمة، ففي شهر رمضان الذي سبق الاغتيال حاولت السلطة ان تتدخل في مسار صلاة الجمعة في الكثير من المدن العراقية، والتي يقيمها وكلاء :الصدر في هذه المدن فهي

    * حاولت ان تبتز هؤلاء الوكلاء من خلال الطلب المتكرر منهم بالدعاء لحاكم بغداد ولم يكن هذا الطلب جديداً، بل ان السلطة ساومت به قبل أكثر من سنة، إلاّ انها لم تصل إلى نتيجة، وقررت ان تستخدم لهذا الطلب ورقة ضغط من أجل تصعيد المواجهة.

    * وعندما فشلت في انتزاع الدعاء لصدام حسين بما يسيء إلى هذه الظاهرة ويحاول ان يصورها على انها ظاهرة السلطة، لكن دون جدوى، بعد هذا الفشل راحت تلجأ إلى أسلوبها التهديدي المعروف من اجل ايقاف هذه الصلاة التي اصرّ الشهيد الصدر الثاني على اقامتها واوصى بذلك حتى بعد استشهاده، بعدما اصر على رفض الدعاء لصدام بهذه الصلاة مهما كان الثمن.

    * وفي سياق هذا التهديد حاولت السلطة ان تفرض ائمة جمعة تابعين لوزارة الاوقاف التي تديرها، إلاّ ان كل محاولاتها في هذا الاطار فشلت هي الأخرى لان الناس رفضوا الصلاة وراء عملاء السلطة هؤلاء.

    * وتطورت المواجهة بعد ذلك إلى صدامات سبقت اغتيال الشهيد الصدر الثاني في عدد من مدن العراق، منها الناصرية، سقط فيها عدد من الشهداء، واعتقلت السلطة عدداً من وكلاء السيد الشهيد الصدر الثاني.

    * وواصلت السلطة تحرشاتها عندما قامت «بعملية انزال على مسجد الكوفة الذي له اثر تاريخي اجتماعي كبير في نفوس عامّة المسلمين وبذريعة المناورة العسكرية قامت قوات الامن ورجالات السلطة والجيش الشعبي بفتح الابواب الرئيسية بالقوة، وكانت هنالك قوة عسكرية متحصنة داخل المسجد، واعتبرت العملية استفزاراً لمشاعر المصلين والمؤمنين بشكل عام، وتأتي انتهاكاً لحرمة أماكن العبادة، كما اعتاد النظام على ."هذه الممارسات لنشر الإرهاب والخوف

    * ولم توقف كل هذه الإجراءات الشهيد محمّد محمد صادق الصدر عن الإستمرار في المواجهة، والمطالبة العلنية من على منبر صلاة الجمعة باطلاق سراح وكلائه المعتقلين من خلال هتافات امر جمهور المصلين .بترديدها

    ويذكر ان السيد الشهيد محمد محمّد صادق الصدر عمل على ترسيخ الوعي الإسلامي لدى جمهور المصلين من خلال أسلوب الشعار، وتحويل المطالب والمقولات المهمة إلى شعارات يرددها ويأمر الجمهور بترديدها في سياق خاطبه الذي اتسم بالوضوح، ولعل هذه الظاهرة هي الأولى من نوعها في العراق حيث لم يعتد الشارع العراقي على ان يردد الفقيه الشعار بنفسه مع الجمهور، وبالتأكيد ان الشعار له فلسفته الخاصة في .صناعة الوعي

    * وفي ظل رفض الصدر الثاني ووكلائه المتكرّر لطلبات السلطة في الدعاء لحاكم بغداد، وفي سياق تصاعد وتيرة المواجهة، ضاعفت السلطة من طلباتها «واقدم (حمزة الزبيدي) ونيابة عن صدام على مطالبة الإمام الصدر قبل يومين من عملية الإغتيال بفتوى لـ (تحرير الكعبة) واخرى لتأييد دعوة صدام الشعوب العربية للاطاحة بحكّامها، وثالثة تتعلق باغتيال الشهيدين البروجردي والغروي، ورابعة لاعلان الجهاد بما يتوافق ."وسياسات صدام"

    * بالإضافة الى رفض الدعاء وطلبات «إصدار الفتاوى» تلك فان الصراع مع السلطة على طول خط ما قبل وقوع جريمة الإغتيال استبطن رفضاً صدرياً لأمور عديدة تحقق رغبة السلطة «إذ لم يكن اغتيال الصدر مفاجئاً، وسبقته سلسلة من الاحداث والمواجهات الساخنة منذ شهر عاشوراء وشهر شعبان وشهر رمضان الماضي، حيث طلبت السلطات منه منع المسيرة السنوية التي يقوم بها عشرات الآلاف من المشاة من مختلف مدن العراق متوجهين إلى كربلاء، لكنه أصدر أمراً إلى الناس بالتوجه إلى المدينة، وذلك خرقاً للمنع الذي كان النظام العراقي أصدره بالشكل الذي لا يضر بالدولة ولا يمت إلى سياستها وكيانها بأية .صلة»

    * بعد ذلك اتصل صدام حسين بالصدر تليفونياً وطلب منه منع التحرك فرفض فصدر امر بوضعه في الإقامة الجبرية واعتقل وكلاؤه في المدن العراقية، حتى خرق الصدر امر الإقامة الإجبارية مع ولديه مصطفى .ومؤمل

    وواقع الحال ان المواجهة في أشكالها السرية والعلنية بدأت بشكل حاد بين الشهيد الصدر الثاني والسلطة مُنذ الأسابيع الاولى لاقامة صلاة الجمعة وحتى اغتياله. وقد برزت مؤشرات واضحة قبل ان يشرع المرجع الصدر بصلاة الجمعة، «فقرر النظام العمل على تحجيم مرجعية الصدر الشهيد بكل الوسائل فسحب منه حق التأييد لطلبة الحوزة العلمية لغير العراقيين في النجف الأشرف للحصول على الإقامـة، كما حاول الإيحاء للعامة ان الشهيـد محمد محمّد الصـدر هو مرجع السلطة للتقليل من شأنه، لان اعلان مثل هذا الامـر يثير حساسية الناس ونفورهم، ومارس ضغوطاً شتى على وكلائـه وزوّاره، وقام بنشر عيونه وجلاوزته حول منزلـه ومجالس دروسـه، ولما لم تنفع مثل هذه الأساليب حاول التقرب اليـه وتقديم كل ما يطلبه مقابل مدح الطاغيـة أو النظام، أو على الاقل تحاشي كل ما من شأنه ان يفهم من قبل الناس بأنـه حديث ضـد السلطة، ولما فشل في ذلك ايضاً اتخذ قراره قبل اكثر من ثلاثة اشهر باغتياله، حيث اصـدر حزب السلطة تعميماً إلى اعضائه يتضمن اتخاذ اقصى درجات الحيطة والحذر والاستعداد للمرحلة القادمة التي ربما ستشهد حالة اضطرابات ومواجهات حسب ما جاء في التعميم بدعوى ان هنالك معلومات تفيد ان مجموعة من المخربين ستقوم باغتيال المرجع محمد الصدر (رض) وستدّعي ان النظام من فعل هذا الأمر!! .ويومها بدأت استعدادات النظام

    :الجريمة

    كان من «عادة السيد(رحمه الله) ان يقيم مجلس التعزية في (البرانية) يوم الجمعة، ليلة السبت وينتهي المجلس في الساعـة 5،8 ليلا، وبعدها يخرج سماحته إلى بيته مع ولديه، حيث يوصلانه إلى هناك ويعودان إلى داريهما. وفي الليلة التي استشهد فيها خرج السيد على عادته مع ولديه بلا حماية ولا حاشيـة نظراً لان المسافـة إلى البيت كانت قريبـة، وفيما كانوا يقطعون الطريق إلى بداية منطقة (الحنانة) في احدى ضواحي النجف القريبة وعند الساحة المعـروفة بـ (ساحة ثورة العشرين) جاءت سيارة اميريكة الصنع (اولدزموبيل) ونزل منها مجموعـة من عناصر السلطة وبأيديهم اسلحة رشاشة وفتحوا النار على سيارة السيد، فقتل اولاده على الفور، وبقي سماحته على قيد الحياة لكنه نقل إلى المستشفى مصاباً برأسه ورجليه، وبقي قرابة الساعة بالمستشفى ثمّ قضى نحبه شهيداً. وبعد استشهاده حضر جمع من مسؤولي السلطة إلى المستشفى، وذهب آخرون إلى بيته ولم يسمحوا بتجمهر المعزّين أو الراغبين بتشييع جنازته، ولذا قام ولدا السيد الشهيد بتشييعه ليلا ومعهم ثمانية رجال وبعض النساء، حيث .( تم دفنه في المقبرة الجديدة في وادي (الغري

    ردود الافعال على جريمة الاغتيال

    :ردود الافعال الداخلية

    حفر الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر حضوراً عميقاً في قلوب العراقيين وضمائرهم، وتحوّل هذا الحضور إلى حب ورابطة قلّما تجسّدت بين الشعب العراقي وبين فقيه من الفقهاء، ولا يمكن حصر مظاهر وتجليات هذا الحب في سلوكية الناس قبل وبعد اغتيال الصدر الثاني، فبعض هذه المظاهر والتجليات كانت تعكسها صور ودرجات التفاعل معه المعلنة من خلال خطب الجمعة.

    فبعد اغتيال الشهيد محمّد محمد صادق الصدر اندلعت من جامع المحسن في مدينة الثورة تظاهرات صاخبة اغلقت الشوارع الرئيسية للمدينة من جهة قناة الجيش وساحة المظفر والحبيبية وحي جميلة، ورفعت شعارات ضد صدام حسين وندّدت باغتيال الصدر، وقذفت جداريات صدام بالوحل، وهرعت قوات فدائيي صدام يقودها قصي صدام الذي اتخذ موقع قيادة له في نقطة قريبة من قناة الجيش ليوجّه عملية قمع الانتفاضة بنفسه، واكد شهود عيان توجه 12 دبابة وعدد من المدرعات والسيارات التي تحمل الدوشكات الاحادية والثنائية نحو المدينة واخمدت الانتفاضة في اليوم الأول لها بعد سقوط ما يقرب من 50 قتيلا وجرح 200 آخرين فيما سقط 17 قتيلا في صفوف الجيش، وكذلك اندلعت مظاهرات ومواجهات في مدينة الناصرية، ولعل هذا يفسر اصطحاب وزارة اعلام بغداد عدداً من مراسلي الصحف إلى بعض اجزاء مدينتي الثورة ."والناصرية بعد انتهاء المواجهات

    اما مدينة النجف الاشرف فقد حدثت فيها صدامات محدودة بعد حادث الاغتيال حيث كانت مطوقة بالدبابات والاسلحة الثقيلة بشكل لم يحصل من قبل اطلاقاً كما ان دوريات السلطة كانت تملأ الازقة والشوارع التي .كانت شبه خالية من الناس

    ويتفق الجميع على ان هذه الاحتجاجات والصدامات والاضطرابات قد حصلت في عدة مدن من العراق في رد .فعل غاضب على هذه الجريمة

    فاللافت ان ردود الفعل، لا سيما العسكرية اخذت سيراً تصاعدياً، ولقد شكّلت عمليات يوم 19 / 3 / 1999 في مدينة البصرة مفاجأة للسلطة وذلك عندما سقطت لعدة ساعات بيد الثوار وتم فيها مقتل محافظ البصرة ومدير الأمن فيها، كما تم في هذه العملية محاكمة اكثر من عشرين عنصراً حزبياً وامنياً، تم اعدامهم على الفور، وان العمليات التي سبقت هذه العملية أظهرت تطوّراً نوعياً في القدرة على الخداع والتمويه واللجوء إلى أساليب تغطية معقّدة إذ ان «سيارات فخمة وحديثة معظمها من نوع شبح مرسيدس اخذت تجوب المدن الرئيسية في العراق، وعندما تقترب من المسؤولين في الحزب أو الدولة، سواء كانوا في سياراتهم أم راجلين فان من في داخل السيارات المذكورة يفتحون النار على المسؤول، وتنطلق السيارة من دون ارتباك إلى واجهتها بعد تنفيذ افرادها المهمة المكلّفين بها، ولقد سجّلت العديد من هذه الحوادث في مدن بغداد والحلة وكركوك والسماوة وتركّزت بشكل كبير في تكريت، بعد ان باتت الاجهزة الامنية شبه عاجزة عن ملاحقة هذه السيارات لعدم تمييزها عن سيارات المسؤولين الكبار، فضلا عن انها سيارات حديثة وسريعة يصعب على المفارز والدوريات ملاحقتها، وقد أطلق المواطنون على هذه السيارات تسمية (سيارات السيد) .نسبة إلى المرجع الشهيد السيد محمد محمّد صادق الصدر

    كما ان معلومات من داخل العراق تقول ان الثوار في إحدى هذه العمليات استخدموا الملابس والإشارات التي .يستخدمها فدائيو صدام المجرم

    :ردود فعل خارجية

    بالاضافة إلى بيانات الإستنكار التي أصدرتها الحركات والاحزاب العراقية بمختلف اتجاهاتها الفكرية والسياسية، فإن المسيرات والمظاهرات الاحتجاجية التي اندلعت في ايران وسوريا ولبنان والاردن ودول أوروبية واميركا واستراليا واماكن اخرى من العالم كانت من الشمولية والقوة والتحدي ما أظهر لاول مرة حضوراً عراقياً مؤثراً ومتفاعلا مع ما يحصل داخل العراق، اذ ان ظاهرة الشهيد محمد محمد صادق الصدر لم تمثل املا لعراقيي الداخل وحسب، بل انها مثّلت املا مشحوناً بالجدل للكثير من كوادر وقواعد الحركة الإسلامية خارج العراق، التي اصيب بعضها بالانشقاقات والتعدُّد السلبي



    واثر أصدر مكتب ولي أمر المسلمين سماحة آية الله العظمى الخامنئي (دام ظله) بياناً وصف فيه استشهاد آية الله السيد محمد الصدر بأنه ذروة تعذيب وضغوط أعداء الإسلام ضد العلماء والمفكرين المسلمين.

    ومما جاء في البيان: تلقينا ببالغ الأسف نبأ استشهاد آية الله السيد محمد الصدر من علماء النجف الأشرف واثنين من أبنائه على أيدي مجرمين.

    وقال البيان بأن الحوزات العلمية في النجف الأشرف كانت ومنذ عدة قرون مركزاً للعلم والاجتهاد ونشر المعارف الإسلامية وتعاليم أهل البيت (ع)، مشيراً إلى أن أعداء الإسلام والعلم لم يدخروا وسعاً في هدم هذا الصرح الإسلامي الكبير وجسدوا أعمالهم هذه في نفي وقتل العلماء والمفكرين أمثال الشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر والشهيدين الغروي والبروجردي وسائر العلماء البارزين.

    وما من شك فلا يمكن تجاهل مسؤولية الحكومة العراقية من هذه الأحداث، ويجب عليها تقديم الايضاحات .للرأي العام العالمي وخصوصاً للمسلمين

    وفي الختام عزى مكتب القائد قائد الثورة الإسلامية وأسرة الشهيد الصدر والمراجع العظام وسائر علماء .البلاد الإسلامية بالحادث الألي

    فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.

    تعليق


    • #3
      بسم الله الرحمن الرحيم **** نعزي الامام الحجة ابن الحسن بذكرى يوم عاشوراء عاشوراءونعزي كل من السيد اليعقوبي وحجة الاسلام السيد مقتدى الصدر
      اما بخصوص الرد اقول ان السيد الولي نذر نفسه من اجل الوطن والمذهب وصلاة الجمعة التي كانت تمثل التحدي للكفر والطغيان الصدامي الكافر والاستعماري الامريكي الذي كان يدعم صدام بشكل غير علني واقول ان كل ما اشيع عنالسيد عميل لايران نقول للبعثين نحن عملاء للامام المهدي والاسلامين الذين اشتروا الجنة وليس المال وكلنا خلف السيد الشهيد الصدر والاول والتاني والحمد الله رب العالمين

      تعليق


      • #4
        شهيد الجمعة المظلومالسيد محمدمحمدصادق الصدر نظرة خاطفة لحياته وجهاده

        ننتهز هذه المناسبة الأليمة للتعريف ولو بشكل مجمل بشخصية السيد الشهيد الصدر الثاني وما قام به من أعمال ونشاطات والتي تكللت بشهادته مع ولديه السيد مصطفى والسيد مؤمل رضوان الله عليهم أجمعين مساء الجمعة الثالث من ذي القعدة عام 1419هـ الموافق 18 شباط 1999م. ولاد ته وأسرته: بعد أن آيس والداه من الإنجاب توسلا بالرسول الأعظم(ص) عند تشرفهما بزيارته أثناء الحج ان يرزقا ولدا ونذرا ان يسمياه (محمد) فتحقق لهما ما ارادا في فترة وجيزة وذلك بعد 16 سنة من زواجهما وكان ولدهما الوحيد اذ لم يرزقا بولد غيره لا ذكر ولا أنثى وكانت ولادته يوم ولادة النبي(ص) في 17 ربيع عام 1362 هـ.ق الموافق 23\3\1943 م . والشهيد الصدر الثاني (قده) من أسرة آل الصدر العلمية العريقة المعروفة في لبنان وايران والعراق والتي قدمت خدمات جليلة للاسلام والمذهب وتخرج منها جملة من العلماء والمراجع كان لهم أكبر الأثر على الصعيد العلمي والاجتماعي والسياسي ومن متأخري علماء هذه الأسرة المباركة السيد عبد الحسين شرف الدين في لبنان والسيد صدر الدين الصدر في ايران والشهيد السيد محمد باقر الصدر في العراق والمغيب بأيد الأعداء السيد موسى الصدر فرج الله عنه ووالد السيد الشهيد الحجة السيد محمد صادق الصدر وهو ابن عم السيد الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر وهو الذي تولى دفنه والصلاة عليه مع أخته الشهيدة السيدة آمنة الصدر (بنت الهدى) بعد ان اعدمهما النظام الصدامي المجرم في 9 نيسان عام 1980م. نشأته: عاش في كنف والده وجده لامه آية الله العظمى الشيخ محمد رضا آل ياسين الذي آلت اليه المرجعية العظمى بعد رحيل السيد أبو الحسن الأصفهاني(رض). تزوج من بنت عمه السيد محمد جعفر الصدر ورزق منها بأربعة أولاد, هم (مصطفى، مقتدى، مؤمل، مرتضى) تزوج الثلاث الأوائل منهم بنات الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر وله بنتان متزوجتان من أولاد المرحوم الحجة السيد محمد كلانتر مؤسس جامعة النجف الدينية صاحب التعليقات على كتابي اللمعة والمكاسب. دراسته وتدرجه العلمي: سيد الشهيد الدراسة في سن مبكرة وتعمم وعمره أحد عشر سنة برغبة من والده، وبعد طي المقدمات على أيد اساتذة معروفين، دخل كلية الفقه سنة (1379 هـ ق) دارساً على يد ألمع اساتذتها كالشيخ محمد رضا المظفر والشيخ محمد تقي الايرواني وتخرج منها سنة (1383هـ ق)، ثم دخل مرحلة السطوح العليا حيث درس (الكفاية) على يد الشيهد السيد محمد باقر الصدر, وبعض كتاب (المكاسب) على يد السيد محمد تقي الحكيم وقد كان لدراساته عند هاذين العلمين الأثر الأكبر في صقل ونمو مواهبه العلمية وقد أكمل دراسة كتاب (المكاسب) عند الشيخ (صدرا البادكوبي) الذي كان من مبرزي الحوزة وفضلاءها المعروفين بالورع والصدق. ارتقى السيد الشهيد الى مدارج البحث الخارج فحضر لدى ابرز اساتذة الحوزة ومراجعها وهم: 1– السيد الشهيد محمد باقر الصدر وقد حضر عنده القسم الاكبر من دورته الاصولية الاولى والدورة الثانية بشكل كامل وكتاب الطهارة في الفقه. 2– السيد الخوئي(قده) وقد حضر عنده دورة اصولية كاملة و كتاب الطهارة في الفقه. 3– الامام الخميني(قده) وقد حضر عنده دورة مكاسب كاملة وكان حضوره عنده بتوجيه من استاذه الشهيد السيد محمد باقر الصدر. 4– السيد محسن الحكيم(قده) وقد حضر عنده كتاب المضاربة في الفقه. اجازته في الرواية: له عدة اجازات في الرواية اعلاها اجازة العلامة المعروف آقا بزرك الطهراني صاحب كتاب الذريعة ثم اجازته من والده الحجة السيد محمد صادق الصدر وخاله الشيخ مرتضى آل ياسين وابن عمه آية الله العظمى السيد آغا حسين خادم الشريعة والسيد عبد الرزاق المقرم صاحب كتاب (مقتل الحسين(ع) وآية الله السيد حسين الخرسان وآية الله السيد عبد الأعلى السبزواري والدكتور حسين علي محفوظ وغيرهم. اجتهاده: اجيز بالاجتهاد من قبل استاذه الشهيد السيد محمد باقر الصدر عام (1399 هق) وكان عمره (37) سنة حيث اتفق ان بعض الطلبة الفضلاء طلبوا منه ان يباحثهم خارجا وقد سألوا الشهيد السيد محمد باقر الصدر عن ذلك فبارك لهم وشجعهم وأكد لهم أهلية السيد الشيهد لذلك، فبدأ سماحته بتدريس البحث الخارج في الفقه على كتاب (المختصر النافع) الا أن الظروف الأمنية كانت شديدة فلم يستمر الدرس وانقطع بعد حدود أربعة أشهر. بعد ذلك مرت الحوزة في العراق بظروف عصيبة واستشهد السيد محمد باقر الصدر ودخل العراق في حرب مع الجمهورية الاسلامية وكانت الاوضاع الأمنية في غاية الحراجة والحوزة تكاد ان تكون معطلة بشكل كامل وخالية من العلماء الا من عدد قليل يعيشون في تقية مكثفة واغلبهم من غير العراقيين وأما العراقيين فقد استشهد من استشهد منهم وهاجر الباقين. عاد السيد الشهيد الى درس الخارج عام (1410هـ ق) بعد ان تغيرت الظروف وحصل فيها انفراج كبير واستمر على تدريسه بشكل جدي الى آخر يوم من حياته وكان(رض) حريصا جدا على الدرس والتحصيل وتمكن بهمته وحرصه ان يعيد لحوزة النجف الأشرف التي كانت شبه ميت شيئا من حيويتها ونشاطها ويصور وضع الدراسة في ذلك الوقت بقوله: )كان الاسلوب الأساسي هو التقليل من الدرس في الحوزة واعتبار أكثر أيام السنة عطل، حتى لا يكاد يصل عدد أيام الدراسة إلى ثمانين أو تسعين يوماً في السنة كلّها ولكن حينما جاء السيّد الصدر إلى‏ المرجعيّة وأصرّ على تكثير عدد الدروس وجدنا ان سائر المراجع يكثرون من دروسهم، حتى ـ لاحظوا ـ كان المتعارف عدم البدء يوم السبت بعد التعطيل، وهذا كأنّه من الضروريات في الحوزة ربّما جملة منكم لم يسمع به، كان ممنوعاً في الحوزة إلى‏ عهد قريب الشروع يوم السبت بعد العطلة والذي الغاه السيّد الصدر فالآن تجد ان كلّ المراجع أو أغلبهم قد ألغوه . . . ) جمعة 27 و أخذت الحوزة تنتعش مرة أخرى و يتزايد فيها عدد الطلاب حتى بلغ اكثر من الفين طالب عراقي وهذا الرقم يعتبر كبيرا جدا بالنسبة للعراق بل لعله لا مثيل له في تاريخ العراق القريب، ومما يذكر في هذا المجال ان السيد الشهيد يعتبر من أبرز تلامذة الشهيد السيد محمد باقر الصدر، فان المبرزين من تلامذته والذين يعتبرون امتداد فكريا له ثلاثة هم آية الله السيد كاظم الحائري وآية الله السيد محمد الصدر وآية الله السيد محمود الهاشمي وعندما طبع السيد الشيهد حلقاته في علم الأصول عام 1978م أوكل مهمة تدريس الحلقة الثالثة منها الى السيد محمد الصدر(رض) و الحلقة الثانية الى السيد محمود الهاشمي و ليس ذلك الا لثقته باهليته وجدارته العلمية وتقدمه على من سواه. اهتمامه بتهذيب النفس: كان السيد الشهيد معروفا بسلوكه العرفاني واهتمامه العالي بتهذيب نفسه وتكميلها وكان شديدا على نفسه في العبادة الى درجة خشي عليه والده الهلاك مما حدى به أن يطلب من استاذه الشهيد محمد باقر الصدر ان يتكلم معه ليرفق بنفسه وهذه القصة معروفة مشهورة بين طلاب الشهيد السيد محمد باقر الصدر ومن الأمور الملفتة في هذا المجال ان يتتلمذ السيد الشهيد في التربية والتهذيب على يد أحد كسبة النجف المعروفين بسلوكهم العرفاني وهو المرحوم الحاج عبد الزهرة الكَرعاوي، ويذكر البعض قصة غريبة في كيفية تعرفه عليه لا يسع المجال لذكرها وكان السيد الشهيد يعتبره ارقى شيخ معاصر في التربية وتهذيب النفس وسلوك طريق القرب الى الله وقد تتلمذ على يده لمدة عامين الى ان وافاه الأجل عام (1400 هـ ق) وكان يذكره بشكل دائم ويذكر وصاياه وتوجيهاته وكان يقول أنا مدين في حياتي لشخصين السيد محمد باقر الصدر والحاج عبد الزهرة الكَرعاوي ) وسلوكه العرفاني في طريق القرب الالهي لا يعرف احد مدياته واسراره العرفانية الا الله لانه كان يعتبره من الاسرار التي بينه وبين ربه التي لا يمكن البوح بها لاحد. وكان(رض) زاهدا شديد التواضع صريحا وواضحا ومنفتحا على الناس صغيرهم وكبيرهم لايرد سائلا او طالبا وكان من خصوصياته أنه لا يسمح لاحد بتقبيل يده. اعتقالاته: اعتقل السيد الشهيد ثلاث مرات من قبل حكومة البعث المجرمة خلال فترة حياته ذاق خلالها أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، كان الأخير منها بعد الانتفاضة الشعبانية عام 1410هجرية بسبب اصداره بيانا قويا في تأييدها. مؤلفاته: قدم الشيهد(رض) الكثير من المؤلفات للمكتبة الاسلامية اغنت الفكر الاسلامي وقد شكل بعضها مرجعية فكرية منذ صدورها ولحد الآن وهو موسوعته في الإمام المهدي والتي قدم لها السيد الشهيد محمد باقر الصدر مقدمة قيّمة، وفيما يلي نقتصر على ذكر اهم مؤلفاته المطبوعة والمخطوطة. مؤلفاته المطبوعة: 1– موسوعة الإمام المهدي(عج) صدر منها (تاريخ الغيبة الصغرى، تاريخ الغيبة الكبرى، تاريخ ما بعد الظهور، اليوم الموعود) ويوجد جزء خامس ولكنه مخطوط، ومما يذكر أن السيد الشهيد ألف موسوعته هذه وعمره لا يتجاوز الثلاثين عاما. 2– ما وراء الفقه، وهو موسوعة فقهية في عشرة أجزاء تهتم بالثقافة الفقهية المعمقة وفيها الكثير من التجديد والمباحث المستحدثة بلغة علمية رصينة. 3– منهج الأصول، وهو عبارة عن تقرير بحوثه الأصولية في درس الخارج وقد صدر منه ثمانية أجزاء. 4– منهج الصالحين، رسالة عملية من خمسة أجزاء تمثل موسوعة فقهية على مستوى الفتاوى يتعرض فيها لكثير من المسائل الحديثة. 5 - منَّة المنان في الدفاع عن القرآن، وهو مجموعة من المحاضرات التفسيرية نحى فيها منحا خاصا مبتدءا بتفسير القرآن من آخر سورة على عكس ما درج عليه المفسرون. 6- فقه الأخلاق، وهو دورة فقهية يبحث فيها عن الأحكام الأخلاقية والمستحبات في الفقة حسب الأبواب الفقهية. 7- أضواء على ثورة الحسين(ع)، وهو عبارة عن مجموعة من المحاضرات حول نهضة الامام الحسين(ع) . 8- فلسفة الحج ومصالحه في الاسلام. 9- القانون الاسلامي، وجوده، صعوباته، منهجه وهو محاولة مختصرة لاثبات امكان كتابة الفتاوى الفقهية على شكل مواد قانونية. 10- نظرات اسلامية في اعلان حقوق الانسان، وهو مناقشة اسلامية للائحة حقوق الانسان . 11- فقه الفضاء، وقد تعرض فيه الى الاحكام الفقهية خارج نطاق الأرض. 12- الصراط القويم، وهو رسالة عملية مختصرة في الفقه أصلها لجده الشيخ محمد رضا آل ياسين. وهناك العشرات من الكراسات والبحوث المتفرقة في العقائد والأخلاق واللغة العربية والمقالات الاجتماعية الكثير منها منشور في مجلات معروفة. مؤلفا ته المخطوطة: 1- دورة كاملة في علم الأصول تقريرا لبحوث استاذه الشهيد السيد محمد باقر الصدر(رض). 2- دورة كاملة في علم الأصول تقريرا لبحوث استاذه السيد الخوئي(قده). 3- مباحث من كتاب الطهارة تقريرا لبحوث استاذه الشهيد الصدر(رض). 4- مباحث من كتاب الطهارة تقريرا لبحوث استاذه السيد الخوئي(قده). 5- تقرير بحوث الامام الخميني على كتاب المكاسب التي القاها في النجف الأشرف وكان الامام يلقي درسه بالفارسية والسيد الشهيد يكتبه بالعربية في محضر الدرس. 6- اللمعة في أحكام صلاة الجمعة تقريرا لبحث تعطيلي للمرحوم الحجة السيد اسماعيل الصدر الاخ الاكبر للشهيد السيد محمد باقر الصدر. تصد يه للمرجعية: بعد وفاة السيد الخوئي(قده) تصدى السيد عبد الأعلى السبزواري للمرجعية لفترة وجيزة جدا حيث مالبث ان ادركه أجله وهكذا برزت مشكلة في الوضع المرجعي، وكانت الحكومة العراقية ترغب في ان يتصدى مرجع عربي لأمر الحوزة وقد طرح الموضوع على عدة من المراجع منهم السيد محمد الصدر (رضوان الله عليه) هنا وجد السيد محمد الصدر ان وظيفته في ان يتصدى لمسؤولية الحوزة والمرجعية في الوقت الذي كان كل أو أغلب المراجع يتهرب من تحمل المسؤولية وهو يعرف ان النظام الصدامي يريد ان يستثمر مرجعيته لصالحه ولكنه خطط في ان يتحرك عكس ما يفكر به النظام لصالح الاسلام والشعب العراقي الذي حرمته الحكومة الصدامية من ابسط حاجاته الدينية الى درجة ان الكتاب الاسلامي الذي يحمل الوعي كان ممنوعاً بشكل مطلق في العراق وحتى كتاب الدعاء كمفاتيح الجنان ونحوه كان ممنوعا وقدجمع النظام كل كتب الزيارة والأدعية من المراقد المقدسة وأما المساجد فقد كانت مهجورة ومعطلة حتى من الاذان وكلامنا عن المناطق الشيعية بالخصوص وهكذا كان حال العلماء والخطباء بحيث كان وجود العالم في الشارع أمراً نادر وغريبا ولربما في قضاء أو محافظة لا يوجد الا رجل دين واحد أو عدد قليل جدا وهم في غاية التقية والخوف وأما الشعائر الحسينية ومراسم العزاء ووفيات ومواليد الأئمة(ع) فكانت ممنوعة بشكل مطلق الا بشكل محدود جدا وسري كل ذلك بسبب بطش النظام وقمعه الشديد بحيث لم يبق في الساحة في داخل العراق الا النزر القليل والأغلب هاجر الى خارج العراق أو أعدم أو سجن. في مثل هذا الوضع قرر السيد الشهيد أن يتصدى لاحياء الاسلام ومذهب أهل البيت(ع) وانقاذ شعبه وهو يعلم أن نتيجة هذا العمل الاستشهاد ومما يؤكد أنه كان قد تحرك بتخطيط مسبق المحاورة التالية التي نقلها لي أحد الموثقين وهو موجود هنا قال: كانت لنا علاقة وطيدة بالمرحوم آية الله السيد حسين بحر العلوم(رض) -توفي قبل سنة- وذات مرة كنا في زيارة له ودار حديث حول المرجعية فقال كان أمس عندي السيد محمد الصدر وقد قرر ان يتصدى للمرجعية وقد نهيته عن ذلك وقلت له ان الحكومة عندها أجهزة معقدة وخبرة طويلة ولا تقدر عليها، فقال لي: أنا أعرف كيف استغلها فقلت له انهم يبيعون عليك بيض فاسد، فقال لا أنا أعرف كيف اشتغل!! ولكن مع الأسف لم يفهم الكثيرون ذلك بل بعضهم اساء الظن به وواجه بسبب ذلك الكثير من التهم والاشكالات بل والحرب الشعواء خصوصا من الخط القاعد في الحوزة وقد صور معاناته هذه في حديث له مع أحد قادة بدر في لقاء سري تم معه قبل شهادته بأربعين يوما قائلاً: (انهم يحاربونني كما حاربوا السيد الخميني والشهيد الصدر والحكومة تهددني بقطع الرأس، مواردي المالية ضعيفة وهذا الذي صار من التوفيق فهو من الله وبالمجان!!). والاسوء من ذلك ان بعض الجهات في المعارضة في الخارج لم تعط فرصة لنفسها في أن تحمله على محمل حسن بل انضمت الى خط القعود في الحوزة لتضيق من الخناق عليه في الوقت الذي لا يوجد أي دليل أو مؤشر على تعامله مع النظام بل المؤشرات كانت على العكس من ذلك وهي كثيرة خصوصا في الستة أشهر الأخيرة من حياته.ولنترك الخوض في تفاصيل هذه الأمور المؤلمة والموجعة للقلب الى فرصة أخرى والى التاريخ والى الله المشتكى. الشهيد الصدر و ولاية الفقيه: كان الشهيد الصدر الثاني (رض) من المعتقدين بولاية الفقيه المطلقة وطرح مصطلح ولاية أمر المسلمين على المستوى الشعبي لاول مرة في العراق وكان يصدر أوامر ولائية في قضايا مختلفة منها حضور صلاة الجمعة ومنها ايجابه الذهاب الى كربلاء مشيا على الأقدام في زيارة النصف من شعبان من مناطق العراق المختلفة وقد كتب في كتابه ما وراء الفقه بحثا مفصلا عن ولاية الفقيه من ثمانين صفحة وهو من البحوث القيمة وكان يوصي بشكل مؤكد بطاعة العلماء والحوزة وعدم القيام بأي عمل من دون أمر من الحوزة والعلماء منها قوله: (انتم في عصر علمائكم والحوزة العلمية أسألوا الحوزة العلمية لا يمكن عمل أي شيء مما قل أو كثر بدون سؤال الفقه والفقهاء بطبيعة الحال). ويقول في موضع آخر (عليكم بطاعة علمائكم لا تتحركوا ولا تقولوا أي شيء قبل أن تقول قيادتكم الدينية لا يجوز حبيبي أن تجني على نفسك وعلى دينك وعلى دنياك وعلى آخرتك). الشهيد الصدر و الجمهورية الاسلامية: كان موقفه ايجابيا من الجمهورية الاسلامية وكان يعبر عنها بدولة الولي الفقيه وهكذا كان موقفه من السيد القائد الخامنئي دام ظله وقد قال لاحد قادة بدر في لقاء سري معه عندما دار الحديث عن قيادة السيد الخامنئي: (اني أحب السيد الخامنئي واثق به وأعرف سلامة قلبه وطيبة نفسه وعلمه… اني اسمع ان السيد الخامنئي يحب العراقيين ويدافع عنهم جزاه الله خيرا) ونفس هذا الموقف بينه في لقاءه السري مع مندوب حركة مجاهدي الثورة الاسلامية في العراق بل تطرق لذلك في احد احاديثه المسجلة وفي لقاءات خاصة كثيرة جرت معه. ومن مواقفه المعروفة والعلنية جوابه على استفتاء شخص كان يجهز المنافقين بالمواد الغذائية حيث أمره بترك التعامل معهم فورا معللا ذلك بأنه من المعاونة على الاثم وكذلك رسالته التي بعثها الى الشعب الايراني المذكورة فيما يلي . رفض الدعاء لصدام في خطب الجمعة: كثيرا ما كان يتعرض السيد الشهيد في خطبه في صلاة الجمعة الى رأس النظام بشكل غير مباشر ولكنه مفهوم ومن مواقفه الواضحة رفضه الدعاء لصدام في خطب الجمعة حيث كان النظام يضغط على ائمة الجمعة في أن يدعو لصدام كما يفعل ذلك خطباء الجمعة من السنة ولكن السيد الشهيد منعهم من ذلك حتى قال قولته المعروفة : لو خيروكم بين تعطيل الجمعة والدعاء لصدام عطلوا الجمعة ولا تدعوا لصدام . موقفه من العمل الجهادي: كان السيد الشهيد(رض) يرعى بنفسه مجاميع جهادية في داخل العراق وكان يجيز قتل الرفاق الحزبيين الذين يؤذون الناس ومن المجاميع المعروفة التي كان يرعاها السيد الشهيد مجموعة الشيخ الشهيد حسين السويعدي كما كان منفتحا على كل التشكيلات الجهادية العاملة في داخل العراق والمرتبطة بالخارج حيث جرت لقاءات متعددة بينه وبين كوادر قيادية في قوات بدر ومجاهدي الثوري الاسلامية وحزب الدعوة الاسلامية ومنظمة العمل الاسلامي لا يسع المجال لتفصيلها ولكن من الضروري التأكيد على أن السيد الشهيد كان يرى ان الاصل في العمل هو العمل المرجعي عن طريق الوكلاء وصلاة الجمعة، ومما يؤكد ذلك القصة التالية التي نقلها أحد وكلاء السيد الشهيد الذي طلب منه احد اصدقائه و كان مرتبطا باحد التنظيمات الأسلامية ان يتعاون معهم فراجع السيد الشهيد حول هذا الموضوع فقال له السيد الشهيد: ( أنا لا أشجع على مسألة التنظيمات في العراق لأنها فاشلة ومخروقة من قبل النظام وهو قاس في التعامل معها . . . أما في خصوص التنظيمات فان نشر الوكلاء وأئمة الجمعة والتفاف الناس حولهم من جهة واتصالهم بالمرجعية من جهة أخرى فانه بحد ذاته أوسع تنظيم ديني لا يستطيع النظام خرقه لانه غير معنون ولا يستطيع الاقتصاص منه لانه عبارة عن تطبيق شعائر وممارسة نظام تعودوا هم عليه ) . أهم الأعمال التي قام بها خلال فترة تصديه: 1- احياء الحوزة العلمية في النجف الأشرف بعد ان كانت شبه ميت وخالية من الطلبة خصوصا العراقيين وذلك بسبب سياسات النظام الصدامي القمعية والشرسة مع الحوزة والعلماء خصوصا بعد انتصار الثورة الإسلامية وتصدي الشهيد السيد محمد باقر الصدر لمواجهة البعثيين وما اعقبها من حملات اعدام و تشريد وتهجير بحيث خلا العراق من العلماء والكوادر الاسلامية الا النزر القليل وقد تمكن السيد الشهيد في فترة وجيزة من انعاش وضع الحوزة بحيث وصل عدد الطلبة الى عدة آلاف. 2- احياء المساجد وحركة التبليغ في كافة مناطق الشيعة بحيث وصل البملغين والعلماء الى مناطق لعلها لم تشاهد عالم دين منذ أكثر من عشرين سنة وكذا احياء الشعائر الحسينية والدينية واظهار الحزن والفرح بوفيات ومواليد الأئمة(ع) وكل ذلك كان من الأمور الممنوعة في العراق وقد تمكن(قده) بشجاعته الفذة ان يتجاوز كل الخطوط الحمراء ويبعث الشجاعة في المجتمع بحيث أصبحت الكثير من الأمور التي كانت تعد ممنوعة أمور جائزة ومباحة وكان(رض) يبادر بنفسه لذلك ومن الأمور التي تذكر في هذا المجال تصديه بنفسه لالقاء قصيدة لطمية في ذكرى شهادة الامام أمير المؤمنين(ع) ومن على منبر الكوفة في مشهد عجيب حيث تحولت العشرات بل المئات من الألوف الحاضرة في مسجد الكوفة الى مجلس عزاء لم يشهد العراق مثله خلال عقدين من الزمن على الأقل هز العواطف وفجر المشاعر التي كانت مقموعة في الصدور. 3- احياء الثقافة الاسلامية في المجتمع من خلال حركة التبليغ وطبع ونشر الكتب الاسلامية والاستفادة من الفرصة التي اتاحها له النظام لطبع الكثير من الكتب التي تحمل الفكر الاسلامي الاصيل ونشرها في اوساط الشباب وطلاب الجامعات بحيث شهد العراق حركة نشطة يمكن أن نقول انها عوضته الحرمان الذي فرضه عليه النظام الصدامي لاكثر من عقدين ومنحته الحصانة الفكرية والمذهبية لعشرات السنين. 4- اقامة صلاة الجمعة وذلك في خطوة مبتكرة لم يشهدها العراق على طول التاريخ وقد انتشرت في كل مناطق العراق ومنها العاصمة بغداد وكان يقيمها بنفسه في مسجد الكوفة المقدس و هو مرتديا الكفن في مشهد ايماني ليس له مثيل وكان تجاوب الناس وحضورهم حاشدا ورائعا جسد وعي الشعب وتلاحمه مع المرجعية وقد تمكن (رض) من خلالها ان يحقق الكثير من المكاسب لخصها بقوله: (عن طريق صلاة الجمعة حصل المجتمع على الوعي وحصل على الشجاعة وحصل على العزة وحصل على الثقافة الدينية وعرف ماهي الحوزة وماهو نفعها وماهو أثرها وماهو مقدار علمها وتعليمها كما استطاعت الحوزة من ناحيتها ان تثبت نفسها امام الآخرين وتوصل كلمتها ومواعظها وأوامرها ونواهيها الى المجتمع) خطبة الجمعة رقم (27)، وكان رضوان الله عليه حريصا جدا على اقامة الجمعة و استمرارها و قد أوجب حضورها بحكم ولائي على كل مكلف حتى على القول بوجوبها التخييري وكان يعاني كثيرا من موقف الخط القاعد في الحوزة والذي كان يحارب الجمعة ومقاطعا لها وكان اهم شيء يؤكد عليه هو الاستمرار على اقامة الجمعة وله في ذلك وصايا كثيرة منها قوله : (قلت أكثر من مرة استمروا على صلاة الجمعة حتى لو مات السيد محمد الصدر لانه لا يجوز لكم ان تجعلوا موت السيد محمد الصدر سببا وذريعة لذلة الاسلام والتشيع وتفرق الكلمة وكثرة المشاكل بل الحوزة الشريفة تبقى بعون الله وجملة من المراجع يبقون بعون الله فتمسكوا بالحوزة واستمروا على شرفكم وعزتكم الدينية وشجاعتكم القلبية وعنايتكم بالمصالح العامة ولا يجوز ان يحول دون ذلك أي شيء حتى موت هذا العبد الخاطىء الذي هو السيد محمد الصدر). خطبة الجمعة رقم (27) 5- احياءه لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع وذلك بمحاربة المنكرات والظواهر غير الاسلامية كالخمور والسفور ومراسيم الاعراس والتصدي بقوة للجماعات المنحرفة والأفكار الضالة كالجماعات التي يصطلح عليها بالسلوكية والمهدوية والوهابية وغيرها ودعوته موظفي الدولة الى احترام الناس وقضاء حوائجهم والمنع من القاء الأموال في أضرحة الأئمة(ع) ومحاربة السدنة لانحرافهم وتصرفاتهم المشينة. 6- انفتاحه على طبقات المجتمع المختلفة كالشباب والجامعيين والموظفين والعسكريين والعشائر في وقت كان المجتمع يفتقد العالم الذي يحضر معه ويفكر بمصالحه ولذلك لقي التفافا وتجاوبا كبيرا من قبل الناس بحيث تمكن من جذب أكثر أفراد المجتمع بما فيهم موظفي الدولة وأبناء المسؤوليين الحزبيين والقادة العسكريين مما جعل الحكومة في مأزق جدي . 7- تأسيسه المحاكم الشرعية في خطوة شجاعة أخرى لم يشهدها العراق أيضا في تأريخه القريب وكل هذه الأعمال كان يقوم بها ويجعلها أمرا واقعا بحيث لا تستطيع الدولة أن تفعل شيئا أزاءها... الدخول في مواجهة مكشوفة مع السلطة: شهدت الستة أشهر الأخيرة من حيات السيد الشهيد مواجهة مكشوفة مع النظام تجلت بشكل واضح في اصداره امره الولائي بوجوب الذهاب مشيا الى كربلاء المقدسة في زيارة النصف من شعبان على كل أبناء الشعب العراقي في كل مكان باستثناء الشيوخ والنساء في خطوة أعتبرها النظام تحديا سافرا له لان المشي في العراق لزيارة الامام الحسين (ع) ممنوع بل كل الشعائر الحسينية التي يمارسها الشيعة ممنوعة وقام الشهيد الصدر بخطوة ذكية، حيث قال اننا لا نعلم بمنع الحكومة المشي الى كربلاء في غير زيارة الأربعين وعلى هذا الأساس دعى الناس للذهاب الى كربلاء في زيارة النصف من شعبان الأمر الذي لم تطقه الحكومة وحاولت ثنيه عن موقفه بكل وسيلة ولكنه بقى مصرا على موقفه حتى جاءه مدير الأمن العام طاهر حبوش و يتحدث السيد الشيهد عن هذه الزيارة بقوله: (كنت جالسا في البيت واذا بمجموعة من المسلحين يتسلقون الجدار وينزلون في البيت وذهب احدهم وفتح الباب ودخل علي طاهر حبوش ولم أكن اعرفه من قبل وقد عرف نفسه عندما دخل علي وقال: (ئتك لابلغك بأن القيادة تأمرك بالغاء لمشي!! فقلت له: المشي لا يلغى وسأسير معهم بنفسي!! فقال: اذا لم تلغ المشي فنسقتل الماشين جميعا وأنت تتحمل المسؤولية وسوف تنزل قوات بين كربلاء والنجف وسنقتل 150 ألف شخص ودماؤهم برقبتك عندها رفعت عصاي و وخزته بها في صدره وقلت له المشس لا يلغى فقام وخرج). بعد ذلك اتخذت الحكومة كافة الاستعدادات للمواجهة مما حدى بالسيد الشهيد ان يرفع امره بالوجوب صونا للدماء ولكن الحكومة قررت على ضوء ذلك بشكل جدي القضاء على السيد الشهيد(رض) وأخذت تقوم بخطوات مختلفة لتنفيذ قرارها المشؤوم، لا يسع المجال لتفصيلها وكان أهمها اغتيال العلمين الجليلين الشيخ الغروي والشيخ البروجردي (رضوان الله عليهما) وكان واضحا جدا ان النظام مصمم على اغتيال السيد الشهيد وأخذت تتسرب أنباء محاولات الاغتيال من قبل بعض المتعاطفين في أجهزة الدولة ولكن السيد الشهيد لم يتراجع ولم يتردد ولم يداخله الخوف قيد شعرة حتى آخر لحظة من حياته بل استمر في التصعيد حيث طالب في خطبه الأخيرة باطلاق سراح السجناء من المؤمنين والعلماء الذين أعتقلهم النظام عندما تصاعد نشاط السيد الشهيد وفيمايلي مقطع من آخر أحاديث السيد الشهيد العلنية و المسجلة قبل شهادته بفترة وجيزة وهو يتحدث عن الأوضاع المحيطة به وما تعرض له العلماء من مخاطر فقال: (أنا في خطر وان شاء الله لا يترتب على هذا الخطر اثر… وأنا اتصرف كما كنت أتصرف، لا أزيد من ذلك ولا انقص ولا حاجة الى هذا النقصان لان مادام عملي في رضا الله وفيه المنفعة العامة وفيه الأمر بالمعروف والنهي المنكر فلماذا أخاف حتى لو ذهبت فان ذهابي في طريق الله وفي رضا الله وهذا هو غاية ما هو مطلوب في الحقيقة… وهو ليس شيئا مستنكرا، أي كما ذهب المعصومون وكما ذهب ميثم التمار وحجر بن عدي وسعيد بن جبير وشهداء الطف… انهم عملوا في سبيل الله وقتلوا في سبيل الله وهم كثيرون وأنا رقم واحد من لا نهاية من الأرقام). استنجاد السيد الشهيد با لخارج: عندما احتدمت المواجهة بين السيد الشهيد والنظام و بالاحرى عندما قرر السيد الشهيد تصعيد المواجهة حاول الاستنجاد بالخارج ومن الخطوات التي قام بها فتح مكاتب له في الخارج وكان غرضه هو حماية مرجعيته من بطش النظام وذلك من خلال الاعلام بحيث أي شيء يحصل في الداخل ضد مرجعيته تنعكس اخباره في الخارج بسرعة مما يجعل النظام يتهيب منه ويحسب له حساب وكان السيد الشهيد(رض) يقول: (ان تردد النظام في مواجهتنا في الوقت الحاضر في مصلحتنا لاننا بحاجة الى الوقت) بل قام السيد الشهيد(رض) بأكثر من ذلك عندما بعث السيد جعفر الصدر ابن الشهيد السيد محمد باقر الصدر الى الجمهورية الاسلامية كممثل عنه وبعث معه رسالة استنجاد تاريخية ولكن مع الأسف لم يفهم ذلك أحد منه بل ان المواقف الخاطئة من بعض المتصدين واشكالات بعض المبعوثين من قبله حالت دون فهم حراجة موقفه ومد يد المساعدة له فبقي وحيدا في وجه أكبر طاغوت عرفته البشرية في تاريخها حتى سقط مضرجا بدمه الشريف محققا امنيته في الالتحاق بركب أبي عبد الله الحسين (ع). فسلام عليه يوم ولد ويوم صلى الجمعة في الكوفة وهو لابس الكفن ويوم سقط قتيلا برصاصات البعث الغادرة وهو محتضنا ولديه مصطفي ومؤمل. مقطع من تقديم الشهيد السيد محمد باقر الصدر لموسوعة الامام المهدى ... اننا بين يدي موسوعة جليلة في الامام المهدي(عج) وضعها أحد أولادنا وتلامذتنا الأعزاء وهو العلامة البحاثة السيد محمد الصدر - حفظه الله تعالى - وهي موسوعة لم يسبق لها نظير في تأريخ التصنيف الشيعي حول المهدي - عليه السلام - في احاطتها وشمولها لقضية الامام المنتظر من كل جوانبها - وفيها من سعة الافق وطول النفس العلمي واستيعاب الكثير من النكات واللفتات ما يعبر عن الجهود التي بذلها المؤلف في انجاز هذه الموسوعة الفريدة - واني لاحس بالسعادة - وأنا اشعر بما تملأه هذه الموسوعة من فراغ وما تعبر عنه من فضل ونباهة والمعية وأسال المولي (سبحانه وتعالى) أن يقر عيني به ويريني فيه علما من أعلام الدين.

        تعليق


        • #5
          بسمه تعالى ،،

          رحمه الله وحشره مع أجداده الطاهرين .

          أنهار

          تعليق

          المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
          حفظ-تلقائي
          x

          رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

          صورة التسجيل تحديث الصورة

          اقرأ في منتديات يا حسين

          تقليص

          لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

          يعمل...
          X