بسمه تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في بيت طوعة
لقد كان في الكوفة ممن تحلّى بسمات الرجال المهذّبين الذين لم تلمّ بساحتهم أي لائمة ولا توجّهت إليهم مغبّة وإنّه ذلك الإنسان الواحد الحاوي للشرف المعلّى والذكر الخالد والثناء الجميل وحضى بالرضوان مع حبيب الله وخاتم رسله ألا وهي (طوعة).
ولو كنّ النسـاء كمن ذكـــــرنا لفــضلت النساء على الرجال
فلا التأنيث باسم الشمس عيب ولا الــــــتذكير فخــر للهلال
أصحيح أن امرأة تفوق الرجال في الفضائل والفواضل نعم إن ذلك لما أجنته في أضالعها من طهارة النفس وشرف المنبت والولاء الصحيح لأهل هذا البيت فقامت بما يرضي الله ورسوله ويحبّذه الشرف والإنسانية ويدعو إليه الخطر والناس يتمايزون بالنفسيات الكريمة والغرائز الطيّبة والعمل الصالح.
وماذا على (طوعة) وقد طاوعتها نفسها على متابعة العقل واقتصاص أثر الدين وأداء أجر الرسالة بإيواء ابن عمّ سيّد الشهداء وممثّله الفذّ فتحلّت بما تخلّى عنه ذووا الهمم القاصرة والنفوس الضعيفة والحلوم الضئيلة فشعّ نورها بين هاتيك الظلم المدلهمّة كما شاع ذكرها في الجوامع والزبر وفي ثنايا الحقب والأجيال المتتالية فهي حيّة بعمرها الثاني حتى يسكنها الله تعالى الخلد محبورة في جوار المصطفى ووصيّه المرتضى.
قال المؤرّخون لما بقي مسلم وحده يتلدّد في أزّقة الكوفة لا يدري إلى أين يتوجّه انتهى به السير إلى باب امرأة يقال لها طوعة أم ولد كانت للأشعث بن قيس أعتقها وتزوّجها أُسيد الحضرمي فولدت له بلالاً كان مع الناس وكانت هذه المرأة على الباب تنتظره فلمّا رآها مسلم (عليه السلام) استسقاها فسقته فجلس على الباب لا تطاوعه نفسه أن يبتدئها بطلب الإذن في الدخول للدار ولا يعرف موضعاً يؤويه من عادية الطاغي ولا من يأخذ به إلى الخلّص من صحبه والشوارع فيها الحرث وقد فرّق الخوف جُلّ الناهضين معه.
فالتفتت إليه قائلة: ألم تشرب؟ فأجابها بصوت منكسر وزفرات متصاعدة: نعم قد شربت، قالت: إذاً لماذا لم تذهب إلى أهلك؟ فسكت عنها إذ لم يكن له أهل ولا يعرف من يأويه ولكنها لم تقتنع بذلك لأنّها امرأة مصونة تأنف من وقوف الأجنبي على بيتها فقالت له: إنّي لا أحلّ لك الجلوس هنا ولا يصلح لك.
فعندها رقّ وتلاين وقال: يا أمة الله ما لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة فهل لك إلى أجر ومعروف ولعلّي مكافئك به بعد هذا اليوم.
فاستفزّتها هذه الكلمة الغالية لأنّ الأجر من أعمال الصالحين والمعروف لا يكافئ عليه إلاّ أهله فقالت مستفهمة: وما ذاك؟ قال: أنا مسلم بن عقيل كذّبني هؤلاء القوم وغرّوني.
فلمّا سمعت باسمه شعرت بزلفى الأبد وسعادة لا يتوفق لها إلا من أودع الله تعالى فيه نور الإِيمان فأعادت عليه السؤال عن اسمه متأكّدة في الحصول على الغاية الثمينة وقالت له: أنت مسلم؟ قال نعم، فرحّبت به وامتلأ قلبها سروراً بالحضوة بضيافة مثل داعية ابن الرسول (صلى الله عليه وآله) وأدخلته بيتاً غير الذي يأوي إليه ابنها وعرضت عليه الطعام فأبى.
ولمّا وافى ابنها المنزل ورآها تكثر الدخول لذلك البيت استراب منه فاستفهمها عنه فأعرضت وألحّ عليها فلم تخبره إلا بعد أن أخذت عليه العهود أن لا يُعلِم أحداً بمن في البيت فبات الغلام فرحاً بجائزة ابن زياد(1).
********************
1 - مقاتل الطالبيين ص41 طبعة إيران.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في بيت طوعة
لقد كان في الكوفة ممن تحلّى بسمات الرجال المهذّبين الذين لم تلمّ بساحتهم أي لائمة ولا توجّهت إليهم مغبّة وإنّه ذلك الإنسان الواحد الحاوي للشرف المعلّى والذكر الخالد والثناء الجميل وحضى بالرضوان مع حبيب الله وخاتم رسله ألا وهي (طوعة).
ولو كنّ النسـاء كمن ذكـــــرنا لفــضلت النساء على الرجال
فلا التأنيث باسم الشمس عيب ولا الــــــتذكير فخــر للهلال
أصحيح أن امرأة تفوق الرجال في الفضائل والفواضل نعم إن ذلك لما أجنته في أضالعها من طهارة النفس وشرف المنبت والولاء الصحيح لأهل هذا البيت فقامت بما يرضي الله ورسوله ويحبّذه الشرف والإنسانية ويدعو إليه الخطر والناس يتمايزون بالنفسيات الكريمة والغرائز الطيّبة والعمل الصالح.
وماذا على (طوعة) وقد طاوعتها نفسها على متابعة العقل واقتصاص أثر الدين وأداء أجر الرسالة بإيواء ابن عمّ سيّد الشهداء وممثّله الفذّ فتحلّت بما تخلّى عنه ذووا الهمم القاصرة والنفوس الضعيفة والحلوم الضئيلة فشعّ نورها بين هاتيك الظلم المدلهمّة كما شاع ذكرها في الجوامع والزبر وفي ثنايا الحقب والأجيال المتتالية فهي حيّة بعمرها الثاني حتى يسكنها الله تعالى الخلد محبورة في جوار المصطفى ووصيّه المرتضى.
قال المؤرّخون لما بقي مسلم وحده يتلدّد في أزّقة الكوفة لا يدري إلى أين يتوجّه انتهى به السير إلى باب امرأة يقال لها طوعة أم ولد كانت للأشعث بن قيس أعتقها وتزوّجها أُسيد الحضرمي فولدت له بلالاً كان مع الناس وكانت هذه المرأة على الباب تنتظره فلمّا رآها مسلم (عليه السلام) استسقاها فسقته فجلس على الباب لا تطاوعه نفسه أن يبتدئها بطلب الإذن في الدخول للدار ولا يعرف موضعاً يؤويه من عادية الطاغي ولا من يأخذ به إلى الخلّص من صحبه والشوارع فيها الحرث وقد فرّق الخوف جُلّ الناهضين معه.
فالتفتت إليه قائلة: ألم تشرب؟ فأجابها بصوت منكسر وزفرات متصاعدة: نعم قد شربت، قالت: إذاً لماذا لم تذهب إلى أهلك؟ فسكت عنها إذ لم يكن له أهل ولا يعرف من يأويه ولكنها لم تقتنع بذلك لأنّها امرأة مصونة تأنف من وقوف الأجنبي على بيتها فقالت له: إنّي لا أحلّ لك الجلوس هنا ولا يصلح لك.
فعندها رقّ وتلاين وقال: يا أمة الله ما لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة فهل لك إلى أجر ومعروف ولعلّي مكافئك به بعد هذا اليوم.
فاستفزّتها هذه الكلمة الغالية لأنّ الأجر من أعمال الصالحين والمعروف لا يكافئ عليه إلاّ أهله فقالت مستفهمة: وما ذاك؟ قال: أنا مسلم بن عقيل كذّبني هؤلاء القوم وغرّوني.
فلمّا سمعت باسمه شعرت بزلفى الأبد وسعادة لا يتوفق لها إلا من أودع الله تعالى فيه نور الإِيمان فأعادت عليه السؤال عن اسمه متأكّدة في الحصول على الغاية الثمينة وقالت له: أنت مسلم؟ قال نعم، فرحّبت به وامتلأ قلبها سروراً بالحضوة بضيافة مثل داعية ابن الرسول (صلى الله عليه وآله) وأدخلته بيتاً غير الذي يأوي إليه ابنها وعرضت عليه الطعام فأبى.
ولمّا وافى ابنها المنزل ورآها تكثر الدخول لذلك البيت استراب منه فاستفهمها عنه فأعرضت وألحّ عليها فلم تخبره إلا بعد أن أخذت عليه العهود أن لا يُعلِم أحداً بمن في البيت فبات الغلام فرحاً بجائزة ابن زياد(1).
********************
1 - مقاتل الطالبيين ص41 طبعة إيران.
(( حسين مني و أنا من حسين .. أحب الله من أحب حسينا ))