من هو مسلم بن عوسجة؟:
هو مسلم بن عوسجة بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن جذيمة أبو مجد الأسدي السعدي. وكان رحمه الله رجلاً شريفاً سرياً وفارساً شجاعاً وعابداً متنسكاً. وهو أحد شخصيات بني أسد المرموقين، المشهورين بالموالاة الكاملة للإمام علي (عليه السلام) ولعترته من بعده. ورئيس هذه العشيرة الكريمة هو سليمان بن صرد، الذي نزل مسلم بن عقيل في داره أول الأمر. وكان مسلم بن عوسجة أول من اجتمع بمسلم بن عقيل رضوان الله عليه، فاجتمع الإسلام مع الإسلام، واجتمع الإيمان مع الإيمان، على مرضاة الواحد المليك الديان.
وفجأة نرى مسلم بن عوسجة في صفوف الإمام الحسين (عليه السلام) في مكة، مع حبيب بن مظاهر الأسدي، وقد كانا في الكوفة، فما الذي دفعهما إلى قطع كل هذه الصحاري للوصول إلى الحسين (عليه السلام).
لقد آثرا الإحاطة بالحسين (عليه السلام) والحفاظ عليه من أول ساعة أعلن فيها نهضته المقدسة، وإلى آخر ساعة من ساعات شهادته. إذا كانا يريان أن الإيمان ليس بالقول والوعود، وإنما هو بالعمل والجهاد.
وهاك ما يُشعر بهذا الموقف العظيم لمسلم بن عوسجة، وذلك حين أذن الإمام الحسين (عليه السلام) لأصحابه أن يتفرقوا عنه ليلة العاشر من المحرم، ويَدعوه وحده، فكان أول من أجابه مسلم بن عوسجة حيث ابتدره قائلاً: يا بن رسول الله أنحن نخلّي عنك وقد أحاط بك هؤلاء الأعداء، وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقك؟ أما والله لا أفارقك حتى أكسر في صدورهم رمحي، واضرب فيهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، ولم أفارقك حتى أموت بين يديك.
بدء القتال:
ولما بدأ القتال بين معسكر الحسين (عليه السلام) ومعسكر عمر بن سعد، استشهد من أصحاب الحسين (عليه السلام) نحو خمسين رجلاً، إذ رماهم عمر بن سعد بالنبال إيذانا ببدء القتال، وتسمى هذه (بالحملة الأولى). ثم بدأت المبارزات، فأخذ الرجلان والثلاثة والأربعة يستأذنون الإمام الحسين (عليه السلام) في الذب عنه والدفاع عن حرمه، وكل واحد يحمي الآخر من كيد عدوه.
خروج مسلم ونافع للقتال:
قال أهل السير وأرباب المقاتل: لما شب القتال يوم كربلاء، حملت ميمنة عمر بن سعد على ميسرة الحسين (عليه السلام). وفي ميمنة ابن سعد عمرو بن الحجاج، وفي مسيرة الحسين (عليه السلام) زهير بن القين، وكانت حملتهم من نحو الفرات، فاضطربوا ساعة. وكان مسلم الميسرة، فخرج وتابعه نافع بن هلال الجملي. وأخذا يجولان في ميمنة ابن سعد، فقاتلا قتالاً شديدا، لم يسمع بمثله قط. فقال عمرو بن الحجاج: ويلكم يا حمقاء، مهلا أتدرون من تقاتلون إنما تقاتلون أهل المصر، وأهل البصائر، وقوماً مستميتين، ولا يبرزّن منكم أحد إلا قتلوه على قلتهم، والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم.
وكان مسلم يحمل على القوم مصلتاً سيفه وهو يقول:
إن تسألوني فإني ذولبــــــد وإن بيتي من ذرى بني أسدْ
فمن بغاني حائد عن الرشد وكـــــــــافر بدين جبار صمد
ودام الاشتباك نحواً من ساعة، علا فيها الغبار من كل ناحية، وثار النقع من كل صوب، وتعالت الأصوات بالتكبير، واشتد الصراخ والصياح، وكثرت قعقعة السلاح، من سيوف ورماح، وارتجت الأرض تحت وطأة الخيول، تصول وتجول.
ولم يزل مسلم يضرب فيهم بسيفه، حتى عطف عليه مسلم بن عبد الله الضبابي وعبد الله بن خشكارة البجلي، وثارت لشدة القتال غبرة شديدة، وما انجلت إلا ومسلم بن عوسجة صريعا، تنزف منه الدماء، وبه رمق.
فمشى إليه الحسين (عليه السلام) ومعه حبيب بن مظاهر، فقال له الحسين (عليه السلام): رحمك الله يا مسلم (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا). ودنا منه حبيب بن مظاهر وقال له: عزّ علي مصرعك يا مسلم، أبشر بالجنة. فأجابه مسلم بصوت ضعيف، وهو يغالب حشرجة الموت: بشّرك الله بالخير، فقال حبيب: لو لم أعلم أني في أثرك ولاحقٌ بك في ساعتي هذه، لأحببت أن توصيني بكل ما أهمّك، حتى أحفظك في كل ذلك بما أنت أهله في القرابة والدين.فقال له مسلم: بل أنا أوصيك بهذا - وأشار بيده إلى الحسين (عليه السلام) - أن تموت دونه. فقال حبيب: أفعل ورب الكعبة. فما كان بأسرع من أن أغمض عينيه ولفظ أنفاسه الأخيرة، رضوان الله عليه.
مقالة شبث بن ربعي في مسلم:
فلما قضى مسلم رحمه الله، صاحت جارية له قائلة: يا بن عوسجتاه يا سيداه. فنادى أصحاب عمرو بن الحجاج الزبيدي: قتلنا مسلم بن عوسجة الأسدي. فقال شبث بن ربعي لبعض من حوله من عسكر ابن سعد: ثكلتكم أمهاتكم، إنما تقتلون أنفسكم بأيديكم، وتذللون أنفسكم لغيركم. تفرحون أن يقتل مثل مسلم بن عوسجة؟! أما والذي أسلمت له، لَرُبَّ موقف له قد رأيته من المسلمين كريم. لقد رأيته يوم سلق (الأرض الصفصف) أذربيجان قتل ستة من المشركين قبل هجوم خيل المسلمين. أفيقتل منكم مثله وتفرحون.؟!
خاتمة:
لقد كان مسلم بن عوسجة فارساً شجاعا، وكان من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، اشترك في المغازي والفتوحات الإسلامية مع النبي (صلى الله عليه وآله) ثم ختمها بالشهادة مع الحسين بن علي (عليه السلام). لقد حفظ محمداً (صلى الله عليه وآله) في حياته كما حفظه بعد وفاته. فلم يتوان في الذود عن أحفاد رسول الله وذريته (عليهم السلام)، تلبية لوصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث قال تعالى على لسانه في القرآن الكريم (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)، والقربى في هذه الآية هم قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذين جعل محبتهم ومودتهم أجره على الرسالة وتبليغها. فاستوجب مسلم بذلك شفاعة النبي (صلى الله عليه وآله) والخلود في الجنة مع محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
إن مسلم بن عوسجة وأقرانه من شهداء كربلاء وعلى رأسهم الإمام الحسين (عليه السلام) هم لَبِنات صرح الإيمان والإسلام، لأنهم عاشوا ليزدهر الدين، وماتوا ليحيا الإيمان. لم يرغبوا في الدنيا وزهرتها، ولم تخدعهم مظاهرها وزخرفها، فاستبسلوا في سبيل أمتهم ومبدئهم، فما أجدرهم أن يكونوا النبراس الحي والمشعل الرائد لكل الأمم والأجيال، يقول الشاعر:
فأين أئمــــة وجنود صـــدق تهاب شباةَ عزمهمُ الحرابُ
إذا صنعوا فصنعهُم المعالي وإن قالوا فقولهمُ الصواب
مرادهُم الإلـــــه فلا ريــــاء ونهجهُم اليقين فلا ارتياب
لأمتهم وللإيمان عاشــــــوا فليس لهم إلى الدنيا اطلاب
منقول بتصرف عن الدكتور لبيب بيضون
هو مسلم بن عوسجة بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن جذيمة أبو مجد الأسدي السعدي. وكان رحمه الله رجلاً شريفاً سرياً وفارساً شجاعاً وعابداً متنسكاً. وهو أحد شخصيات بني أسد المرموقين، المشهورين بالموالاة الكاملة للإمام علي (عليه السلام) ولعترته من بعده. ورئيس هذه العشيرة الكريمة هو سليمان بن صرد، الذي نزل مسلم بن عقيل في داره أول الأمر. وكان مسلم بن عوسجة أول من اجتمع بمسلم بن عقيل رضوان الله عليه، فاجتمع الإسلام مع الإسلام، واجتمع الإيمان مع الإيمان، على مرضاة الواحد المليك الديان.
وفجأة نرى مسلم بن عوسجة في صفوف الإمام الحسين (عليه السلام) في مكة، مع حبيب بن مظاهر الأسدي، وقد كانا في الكوفة، فما الذي دفعهما إلى قطع كل هذه الصحاري للوصول إلى الحسين (عليه السلام).
لقد آثرا الإحاطة بالحسين (عليه السلام) والحفاظ عليه من أول ساعة أعلن فيها نهضته المقدسة، وإلى آخر ساعة من ساعات شهادته. إذا كانا يريان أن الإيمان ليس بالقول والوعود، وإنما هو بالعمل والجهاد.
وهاك ما يُشعر بهذا الموقف العظيم لمسلم بن عوسجة، وذلك حين أذن الإمام الحسين (عليه السلام) لأصحابه أن يتفرقوا عنه ليلة العاشر من المحرم، ويَدعوه وحده، فكان أول من أجابه مسلم بن عوسجة حيث ابتدره قائلاً: يا بن رسول الله أنحن نخلّي عنك وقد أحاط بك هؤلاء الأعداء، وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقك؟ أما والله لا أفارقك حتى أكسر في صدورهم رمحي، واضرب فيهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، ولم أفارقك حتى أموت بين يديك.
بدء القتال:
ولما بدأ القتال بين معسكر الحسين (عليه السلام) ومعسكر عمر بن سعد، استشهد من أصحاب الحسين (عليه السلام) نحو خمسين رجلاً، إذ رماهم عمر بن سعد بالنبال إيذانا ببدء القتال، وتسمى هذه (بالحملة الأولى). ثم بدأت المبارزات، فأخذ الرجلان والثلاثة والأربعة يستأذنون الإمام الحسين (عليه السلام) في الذب عنه والدفاع عن حرمه، وكل واحد يحمي الآخر من كيد عدوه.
خروج مسلم ونافع للقتال:
قال أهل السير وأرباب المقاتل: لما شب القتال يوم كربلاء، حملت ميمنة عمر بن سعد على ميسرة الحسين (عليه السلام). وفي ميمنة ابن سعد عمرو بن الحجاج، وفي مسيرة الحسين (عليه السلام) زهير بن القين، وكانت حملتهم من نحو الفرات، فاضطربوا ساعة. وكان مسلم الميسرة، فخرج وتابعه نافع بن هلال الجملي. وأخذا يجولان في ميمنة ابن سعد، فقاتلا قتالاً شديدا، لم يسمع بمثله قط. فقال عمرو بن الحجاج: ويلكم يا حمقاء، مهلا أتدرون من تقاتلون إنما تقاتلون أهل المصر، وأهل البصائر، وقوماً مستميتين، ولا يبرزّن منكم أحد إلا قتلوه على قلتهم، والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم.
وكان مسلم يحمل على القوم مصلتاً سيفه وهو يقول:
إن تسألوني فإني ذولبــــــد وإن بيتي من ذرى بني أسدْ
فمن بغاني حائد عن الرشد وكـــــــــافر بدين جبار صمد
ودام الاشتباك نحواً من ساعة، علا فيها الغبار من كل ناحية، وثار النقع من كل صوب، وتعالت الأصوات بالتكبير، واشتد الصراخ والصياح، وكثرت قعقعة السلاح، من سيوف ورماح، وارتجت الأرض تحت وطأة الخيول، تصول وتجول.
ولم يزل مسلم يضرب فيهم بسيفه، حتى عطف عليه مسلم بن عبد الله الضبابي وعبد الله بن خشكارة البجلي، وثارت لشدة القتال غبرة شديدة، وما انجلت إلا ومسلم بن عوسجة صريعا، تنزف منه الدماء، وبه رمق.
فمشى إليه الحسين (عليه السلام) ومعه حبيب بن مظاهر، فقال له الحسين (عليه السلام): رحمك الله يا مسلم (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا). ودنا منه حبيب بن مظاهر وقال له: عزّ علي مصرعك يا مسلم، أبشر بالجنة. فأجابه مسلم بصوت ضعيف، وهو يغالب حشرجة الموت: بشّرك الله بالخير، فقال حبيب: لو لم أعلم أني في أثرك ولاحقٌ بك في ساعتي هذه، لأحببت أن توصيني بكل ما أهمّك، حتى أحفظك في كل ذلك بما أنت أهله في القرابة والدين.فقال له مسلم: بل أنا أوصيك بهذا - وأشار بيده إلى الحسين (عليه السلام) - أن تموت دونه. فقال حبيب: أفعل ورب الكعبة. فما كان بأسرع من أن أغمض عينيه ولفظ أنفاسه الأخيرة، رضوان الله عليه.
مقالة شبث بن ربعي في مسلم:
فلما قضى مسلم رحمه الله، صاحت جارية له قائلة: يا بن عوسجتاه يا سيداه. فنادى أصحاب عمرو بن الحجاج الزبيدي: قتلنا مسلم بن عوسجة الأسدي. فقال شبث بن ربعي لبعض من حوله من عسكر ابن سعد: ثكلتكم أمهاتكم، إنما تقتلون أنفسكم بأيديكم، وتذللون أنفسكم لغيركم. تفرحون أن يقتل مثل مسلم بن عوسجة؟! أما والذي أسلمت له، لَرُبَّ موقف له قد رأيته من المسلمين كريم. لقد رأيته يوم سلق (الأرض الصفصف) أذربيجان قتل ستة من المشركين قبل هجوم خيل المسلمين. أفيقتل منكم مثله وتفرحون.؟!
خاتمة:
لقد كان مسلم بن عوسجة فارساً شجاعا، وكان من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، اشترك في المغازي والفتوحات الإسلامية مع النبي (صلى الله عليه وآله) ثم ختمها بالشهادة مع الحسين بن علي (عليه السلام). لقد حفظ محمداً (صلى الله عليه وآله) في حياته كما حفظه بعد وفاته. فلم يتوان في الذود عن أحفاد رسول الله وذريته (عليهم السلام)، تلبية لوصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث قال تعالى على لسانه في القرآن الكريم (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)، والقربى في هذه الآية هم قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذين جعل محبتهم ومودتهم أجره على الرسالة وتبليغها. فاستوجب مسلم بذلك شفاعة النبي (صلى الله عليه وآله) والخلود في الجنة مع محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
إن مسلم بن عوسجة وأقرانه من شهداء كربلاء وعلى رأسهم الإمام الحسين (عليه السلام) هم لَبِنات صرح الإيمان والإسلام، لأنهم عاشوا ليزدهر الدين، وماتوا ليحيا الإيمان. لم يرغبوا في الدنيا وزهرتها، ولم تخدعهم مظاهرها وزخرفها، فاستبسلوا في سبيل أمتهم ومبدئهم، فما أجدرهم أن يكونوا النبراس الحي والمشعل الرائد لكل الأمم والأجيال، يقول الشاعر:
فأين أئمــــة وجنود صـــدق تهاب شباةَ عزمهمُ الحرابُ
إذا صنعوا فصنعهُم المعالي وإن قالوا فقولهمُ الصواب
مرادهُم الإلـــــه فلا ريــــاء ونهجهُم اليقين فلا ارتياب
لأمتهم وللإيمان عاشــــــوا فليس لهم إلى الدنيا اطلاب
منقول بتصرف عن الدكتور لبيب بيضون
تعليق