إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الخوف من المقاومة يتحول إلى خوف كاذب عليها ...دعوة حبية إلى الانتحار... أو النحر

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الخوف من المقاومة يتحول إلى خوف كاذب عليها ...دعوة حبية إلى الانتحار... أو النحر

    الخوف من المقاومة يتحول إلى خوف كاذب عليها
    دعوة حبية إلى الانتحار... أو النحر
    نصري الصايغ




    <<تعالوا نحاسب المقاومة في لبنان>>.
    ليكن هذا تقليدا. المحاسبة نادرة في لبنان، كالتاريخ تماما. نتمرن على كتابة تاريخ وتاريخ مضاد. الحساب، مجرد ثأر. الحماسية انتقام موقت. المساءلة حكم مبرم بالنوايا. نحمل في ثقافاتنا السائدة ادانات موروثة، وبراءات مسبقة، وفق اصطفافاتنا القبلية.
    هذه المرة، <<تعالوا نحاسب المقاومة عن جد>>.
    ليكن هذا تمرينا جديا. فلم تعتمد مؤسساتنا العائلية والمدنية والاجتماعية والحزبية والسياسية و<<الشبه ديمقراطية>> على تقييم او مساءلة او محاسبة حقيقية. ينعدم التجديد ويتكرس التقليد، عندما تتغيب سلطة النقد، وتستحضر لغة الادانات المتبادلة، ثم... <<عفا الله عما مضى>>، و<<لنفتح صفحة جديدة>>... للممثلين القدماء انفسهم. او، لورثتهم من بعد. أليس، لغياب المساءلة والمحاسبة، بموضوعية وحرية وغائية، يعيد لبنان انتاج نفسه، منذ قرن تقريبا، بنسخ تميل الى الأسوأ؟؟؟ أليس التعبير السائد: <<اليوم انحس من البارح وأفضل من غد>>، صحيحا ومعبرا عن حالة اللبناني؟ أليس كلما نتقدم نتراجع؟
    اذاً: <<تعالوا نحاسب المقاومة قبل قطع رأسها>>، كما هو مطلوب. حتى ولو كان ذلك افتئاتا، كم يظن، اذ ليس من العدل، ان نرفع بوجه المقاومة، لائحة اتهام، ونعفو عن الطبقة السياسية، او معسكرات السياسيين المحترفين، او سلالات القناصل. وللحقيقة، ان هذه الطبقة المتوارثة او المستولدة من الحرب اللبنانية، او، من الرحم الأنتن لهذه الحرب، لم تخضع للمساءلة، لأن اللبنانيين تلكأوا عن ذلك. معظم اللبنانيين يرى ان الاصطفاف الطائفي انتماء، وحماية، ومتراس. فالاغلبية اعتادت الوراثة السياسية. تحضر حفلات التتويج والتطويب والباس العباءة السياسية، عند شغور المنصب/ الرتبة/ النيابة/ الزعامة. اختارت هذه الاغلبيات المتناقضة، الفراش الزوجي لينتخب عنها. فمعظم السياسيين في لبنان، وُلدوا، وملاعق السلطة في افواههم، فأكلونا. ومن لم تلده امه سياسيا، استولدته الاجهزة... وصار تقليدا. <<تعالوا نحاسب المقاومة الاسلامية في لبنان>> قبل تقديمها ذبيحة، قربانا على منصة القرار 1559. تعالوا نحاسبها في العام والخاص، في الكبيرة والصغيرة، في المبادئ والوقائع، في التفاصيل وتفاصيل التفاصيل، قبل ان نتبرع بأقل الايمان اللبناني: <<فلنغسل أيدينا من دم هذا الصديق... دمه علينا وعلى اولادنا من بعدنا>>.
    اتهامات ناصعة
    سأبدأ بالاعمال المنسوبة الى المقاومة.
    عملها فادح جدا. لم يسبقها اليه احد من قبل. جاءت في زمن اعدمت فيه الثورات. ساد منطق التبرير. انتشر فكر المسالمة. سقط النصير السوفياتي. انهارت الثنائية الدولية. انكشف ظهر الثورات وصدرها مشرع. القوة السوبر عظمى كاسحة. المواءمة خير من المناداة. السلامة افضل من المقاومة. جاءت في وقت انتقل فيها اليسار الى اليمين، واليمين الى أقصاه... الثورة صارت حلما من احلام الكوابيس. الانتصار افق مسدود امام الأفق. والسائدة عند العرب: احباط <<بناء>>، خضوع <<ملتزم>>، واستسلام <<واق>>. في هذا الزمن الذي كثر فيه اتهام الثوري بالخرافي، في هذا الوقت/المفصل بالذات، انجزت المقاومة الاسلامية في لبنان، تحريرا ناصعا ونموذجيا، الزمت فيه العدو الاسرائيلي (استعمل عبارة العدو الاسرائيلي، لياقة، على الاقل) على الانسحاب والاندحار، من معظم الجنوب اللبناني المحتل، بلا قيد او شرط... حصل التحرير، فيما كان الاسلام السياسي، المنتشر في حركات اصولية سلفية، يقاتل في افغانستان، اميركيا وعربيا، او، يتقن صياغة الاشكال المهتمة بالهندام الاسلامي، وكيفية ممارسة التزمت، وتوزيع بطاقات الايمان على من يكفرون كل من يفكرون بغير طريقتهم المنسوبة الى الصراط المستقيم.
    هل هذا متفق عليه؟
    لعل اضبارة الاتهام، تحمل في رأس لائحتها تبرئة لاسرائيل من ارتكاب فعل الاندحار. فإزاء العالم، نفذت اسرائيل قرار مجلس الامن الدولي، فلنفرض على لبنان، شروط السلامة الاسرائيلية: نرسم الخط الازرق. ورُسم. ننزل الجيش الى الجنوب. طولب به وما زال. ننزع سلاح المقاومة. وهذا هو مربط الخيل الاسرائيلي/الدولي... الحجة: اسرائيل نفذت شأنا دوليا، فعلى لبنان ان يمتثل للرغبات الدولية، التي ترجمت اخيرا، بالقرار 1559.
    لنعد الى الموضوع. لبنانيا، وربما في اوساط عربية متذاكية، استبعاد لهزيمة اسرائيل القوية. لا تستبعد نظرية الصفقة. فالرصيد اللبناني المعمول به، لدى فئة لبنانية، محول من خزان العجز والضعف. فالعجز اللبناني تقليد، والاستبكاء العربي عريق، فكيف تكسر هذه القاعدة الذهبية؟ اذاً، يستحيل على المقاومة، في لبنان المنهك والمنتهك بحروبه الداخلية والعربية، ان تحقق هذا الانجاز. ان في الامر إن...
    لن نحاسب الضعفاء... فالضعف يعفي صاحبه: أما، والمقاومة قوية، فلنسألها بجرأة عما ارتكبته في لبنان، فلنسألها ايضا، من اين لك هذا؟ وعلى ضوء ذلك حاكموها، علانية.
    المقاومة والمال الحرام
    اسئلة غير بريئة ابدا. وهذه عينة منها:
    ما مقدار مسؤولية المقاومة في اهتراء السلطة؟ لماذا وقفت حاجزا امام تطبيق اتفاق الطائف؟ لماذا لم تنتظم كسواها في معسكر الدولة، وتقدم سلاحها، كما فعلت الميليشيات المتقاتلة في الحرب؟ ما حجم ما استنزفته المقاومة من بنود الموازنة السنوية اللبنانية، بالرواتب والانفاق؟ لماذا تمنعت عن تسديد ثمن منشآتها على الاملاك البحرية والنهرية الممتدة على طول الحدود اللبنانية البحرية؟ لماذا سكتت عن حلف جهنمي مالي بين اهل السلطة وأهل المعارضة (الجملة هذه غير صحيحة ابدا، ولكن، لا بد منها، للاتهام) لادارة الشأن العام كالشأن الخاص، وبرخص كبير؟ ما حجم مسؤولية المقاومة في هجرة الشباب اللبناني، وزحفه غير المقدس للهروب من البطالة وانسداد الافق؟ ما منسوب الاساءات التي اصابت الجامعة اللبنانية التي تعامل كسبايا حرب سخية التجدد؟
    كل الاقتصاد الريعي اللبناني من تأليفها؟ والزراعات البديلة من تصديقها؟ يجب ألا تتهرب المقاومة من الاجابة عن حجم مسؤوليتها في ترتيب 40 مليار دولار دينا على اللبنانيين؟ عليها ان تجيب بذلك صراحة، وبالارقام، حتى لا تبقى التهمة في خانة من وعد بازدهار لبناني... و<<سندهش العالم>>.
    ثم لا مفر من تحميلها تبعات انقطاع الكهرباء، والالتزامات، والتشغيل، والفيول، والشركات القابضة على عنق المعامل واطراف الشبكة. أليست هي السبب في الارتكابات التي حصلت، انشاء وتعاقدا ومعامل على الغاز، لأنها استدرجت العدو لقصف المحطات والمنشآت الكهربائية؟ يلزم ان تقدم كشفا بما اصابها من منافع، كي لا تحمل السلطة والمعارضة معها، العمولات والهدر الذي صاحب كل عقد.
    ثم... وهنا بيت المال الحرام: كم مرة انتهكت صندوق المهجرين ومجلس الجنوب، ومجلس الانماء والاعمار؟
    قولوها بالفم الملآن. ما دور المقاومة الناصع في كل هذه الطلحة المالية الدامسة؟ دلوا على كفها الابيض، وسط الايادي السود، التي تعاملت مع اللبنانيين، على قاعدة الولاء المافيوزي. افصحوا عن دفاتركم الحسابية، وافتعلوا الجردة التي تريدون، فان رأيتم خللا في عمل المقاومة، حاسبوها. لا تعتبروها <<مافيا مقاومة>>. كما تتعاملون مع مافيات الدواء، منذ ذلك المقام الشرس الذي قضى قبل ان يسقط شعرة من هذه المافيا. هل تتذكرون الوزير الدكتور طربيه؟
    دلونا على فضائح المقاومة لنحاسبها بقسوة. لنقول لها، ان غدك لعسير. فلتكن عبرة لنفسها. لان لبنان اعتاد ان يعفو عن المرتكبين سياسيا واقتصاديا وامنيا وقضائيا وماليا وتربويا وصحيا. اعتاد ان يبيض صفحتهم، ويعيدهم الينا، إما زعماء طوائف، او وزراء ثوابت، او من أرومات عائلية سياسية، او قيادات سياسية، لا تتخلى عنها المرجعيات الدينية. هذا العفو لا نريده للمقاومة.
    حتى ولو اعفيتم المرتكبين المتربعين على منصة السلطة او على منابر المعارضة، نريدكم ان تحاسبوا المقاومة، لانها مسؤولة وقوية، وليست فوق الحساب.
    ديون المقاومة
    لعل التهمة التي توجه الى المقاومة، هو انها تركت لسواها ان يحمي منجزاتها، فعاث فيها فسادا وسلطة وتحالفا واستهانة.
    هناك من يرى ان المقاومة اخلّت بالتوازن، لأن سلاحها لم يجمع اسوة بسلاح الميليشيات. حاسبوها. قولوا لها ذلك. لعل الجواب الذي يأتيكم، هو ان سلاح المقاومة، كان سلاح مقاومة وتحرير، لم يكن للتشبيح، او لفرض القوة، او للاستعراض (باستثناء الاستعراضات المناسباتية المنظمة) او للاقتتال الداخلي، او لمحاصرة المخيمات الفلسطينية، او لغرض سياسي او انتخابي.
    هل استقبلت روجيه تمرز مثلا، وقبضت منه ملايين الدولارات، كما تشاطر زعماء الميليشيات وامراء الحرب السياسة اليوم، مجتمعين في موالاة او معارضة. الارقام تشيب رأس الشعر. رجاء لا تحاسبوهم عليها. ذلك انه يحق للمتنبي ما لا يحق لغيره، حتى في سوقه الشهير.
    ان اسرائيل تدعي قداسة السلاح. اذا كان ذلك كذلك، فماذا نقول عن سلاح المقاومة، وتحديدا بعد العام 1992، اي بعد زوال حالات الحرب اللبنانية المعلنة؟
    ما رأيكم بتهمة اللاجدوى، وتعريض لبنان للخسائر؟
    حسنا. ارفعوا ذلك عاليا. قولوا للمقاومة، انك السبب في انتكاسة مشروع اعادة البناء والاعمار. نسيان ما كتبه جورج قرم وكمال حمدان وإده يعتبر اهانة موضوعية. فليس صحيحا ان عدوان اسرائيل في العام 1996 هو الذي اوقف عجلة المشروع الطموح للبنان الشرق الاوسطي. وربما من الغبن القول ان المقاومة تتحمل تلك المسؤولية، ذلك ان سقوط اوسلو، الذي انهار في كامب ديفيد، لم يكن بسبب مقاومة الاحتلال في لبنان، بقدر ما كان نتيجة طبيعية لفشل مشروع <<السلام>> (التسوية افضل تعبيرا واكثر دقة). ألم يكن الرهان على لبنان في المشروع الشرق الاوسطي هو الخطيئة؟
    تهمة الإسلامية
    فلنفتح الدفاتر والنوايا كذلك. فلنعلنها على الملأ، حتى اذا اتخذتم قرارا للإطاحة بها، كان لديكم الجرأة في مواجهتها بالحقيقة، وليس بادعاء حمايتها موقتا، بانتظار سفكها دوليا ونقل النصيحة لها بضرورة انتحارها بيدها، (تسليم سلاحها) او نحرها بأيد كثيرة.
    ليس مطلوبا معاملة مستحيلة بالمثل، لطبقة سياسية متعالية عن المحاسبة.
    بماذا تتهم المقاومة؟
    باسلاميتها؟ بشيعيتها؟
    حسنا. فلنقارن الهيئات والمؤسسات اللبنانية، القائمة او الموروثة. ماذا يقال عن <<قرنة شهوان>> (حية ترزق)؟ ماذا تسمى خلية حمد (المرحومة غب الطلب)؟ ماذا يقال عن الاصطفاف اللبناني خلف رهط من سياسيين لم يحاسَبوا يوما على ما ارتكبوه، وأعلنوا عنه، وتراشقوا به؟ ثم، هل المقامات اللبنانية، مقامات علمانية؟ البديهي بين الطائفي والوطني! منطقيا، الواحدة تلغي الاخرى. ومع ذلك، يُجمع ما بين الاثنين، جمعا تلقائيا، ويستقيم النظام اللبناني).
    كان يمكن ان تكون الاسلامية نعتا غير مناسب، لو ان لبنان قدم، عبر تجاربه واحزابه ومجالسه المتعاقبة، نموذجا لاطائفيا، او نموذجا مدنيا يحتذى. كان يمكن ان تلام مقاومة بتلوين ديني او مذهبي، لو ان الاحزاب اللاطائفية، لم تتفيأ الخنادق الطائفية في الحرب، او لم تشارك ظلها في زمن السلم. كأن الطائفية هي المركز <<واللاطائفية>>، تدور حولها اقترابا، في عملية استفادة طردية، غير جذبية.
    أما وأن الحالة اللبنانية تتمتع بحيوية طائفية، واقتسام طائفي، فإنه من الطبيعي، ان تُحتضن المقاومة من ابناء طائفتها اساسا، وبعض الطالقين من طوائفهم عرضا. غير ان اسلامية المقاومة، لم تلغ لبنانيتها، ميدانا وعملا ونتائج. ذلك ان التحرير، لم يكن لاقتسام السلطة، او لتقوية مواقع المقاومة في بنية الدولة. كان التحرير من اجل دحر الاحتلال واستعادة السيادة.
    لو كانت المقاومة شيوعية او قومية او... فهل تسقط عنها لبنانيتها؟ اذن، فلنسقط عن <<حماس>> و<<الجهاد الاسلامي>> في فلسطين، الهوية الفلسطينية. نظرة دقيقة للحالة المقاومة في لبنان، انها تبنت هذا في الخصوصية اللبنانية، وهذا هو سر نجاحها. لم تنزع الى عالمية مجنونة وساقطة، او استبدادية تكفيرية قاتلة، او انقسام لمجتمع وسلطة. عاشت المقاومة في الدولة، الى جانب الدولة، ومع الدولة، وفي ظل الدولة، وأمام الدولة، وخلف الدولة. اقامت علاقة نموذجية بين نقيضين: الدولة ومنطقها، والمقاومة ومستلزماتها. وهذا ما أخفقت نظريات كثيرة في تطبيقه، عندما حاولت ايجاد المخرج النظري للعلاقة المحتكة بين الدولة والثورة في لبنان، كان التنظير لاحقا على التجربة: تعايشت الدولة والمقاومة في انسجام وتناغم وحل الى حد التلاحم. فلماذا نفرط بهذه التجربة الفريدة، بدلا من الاستفادة في تعميمها؟
    الانتصار الناقص
    لعل التهمة الحقيقية هي ان المقاومة بعد التحرير، وقد باتت اقوى، تفسح المجال امام اختلال خطير في موازين القوى الداخلية، المرتبطة بموازين قوى خارجية مهيمنة.
    حسنا ايضا. فلنهتم ولنناقش كذلك.
    لم يعرف العالم حركة مقاومة، فازت في ميدان التحرير، من دون ان تمد السجادة الحمراء لتصل الى تكوين سلطة، او لترث سلطة. إما لتقيم نظامها السياسي، او مكافأة لنضالها، او حراسة لمنجزاتها، او... لتنفيذ مشروعها السياسي بعد التحرير. وتنشيطا للذاكرة، <<الفيتكونغ>> و<<جبهة التحرير الجزائرية>>. <<الساندينيون>> في نيكاراغوا، انجزوا انتصارا واقاموا سلطة. وحدها هذه المقاومة، انصرفت الى مهمة التحرير اولا وعاشرا. ولما وصلت الى غايتها، او اقل قليلا، في 25 ايار عام الفين، بشهدائها ومجاهديها وجرحاها وابطالها وصبرها وجهدها، وعرقها ودمها، عادت الى مواقعها السابقة على التحرير. لم تطلب سلطة. لم تسرق موقعا. لم تتسلبط على صندوق، لم تطلب مغانم... لم تسع الى تعديل موازين القوى. فتحت انتصارها لمن يريد ان ينتسب اليه من دون ان يدفع ثمنا، فلسا او نقطة حبر.
    لماذا لم تتسلم زمام السلطة، وتشارك فيها اسوة بغيرها من المقاومات التي اعتلت السلطة وأفسدتها؟
    الجواب متعدد. ربما يكون من الافضل، وصف الوقائع، وليس تفسير النوايا. هذه المقاومة لم تكن مشروع سلطة، بل مشروع تحرير. كأن منطقها كان يقول: <<تعالوا نحرر الارض اولا.. ولنختلف في ما بعد على كل شيء>>. فالحرية شرط للحوار وتنظيم الخلاف.
    هل هذا مقنع؟ اذا لم يكن كذلك، قولوا بصوت مرتفع، أين اختل التوازن الطائفي؟ هل التوازن يقضي بأن التحرير في لبنان تحريران: واحد من اسرائيل، تقوم به المقاومة، وآخر من سوريا، تقوم به قوى متجذرة في الاعتراض على المقاومة ومن يدعمها.
    هل هنا بيت القصيد. فالاختلال ليس الا بابا للعبور الى كتابة تاريخين، تاريخ مقاومة اسرائيل، وتاريخ مقاومة سوريا. تاريخ يلغي تاريخا.
    علاقة استقواء ضد العدو فقط
    تسهل الاتهامات بالجملة، على علاقة سوريا بلبنان، او، تحديدا، على علاقة سوريا ببعض من اختارتهم، وقلما اختاروها عن قناعة، من الطبقة السياسية.
    هل تندرج المقاومة في صياغة هذه التهمة؟
    قليلا من التأمل والوضوح. علاقة سوريا بالمقاومة، كانت العلاقة المميزة اللائقة، على مستوى الاغراض والاهداف والاحتضان والوفاء. لم نر المقاومة تزحف الى سوريا، طلبا لمنصب او مغنم او... كانت في طريقها الى التحرير، بحاجة الى حماية فوجدتها، وكانت بحاجة الى تنسيق فوجدته، والى دعم فرحبت به، والى تحمل مسؤولية مشتركة، فثابرت عليه. نموذج من العلاقات بين دولة ومقاومة. لا جوائز ترضية، انتخابية او اقتصادية او مالية. دعم للمزيد من الكفاح والنضال بهدف التحرير ودحر الاحتلال.
    لم نسمع ابدا، ان صفقة أبرمت بين سوريا والمقاومة حول شأن لبناني كان من اختصاص الطبقة السياسية. بل، ربما يعرف الكثيرون انها كانت تضحي بقوتها، كي تستقيم العلاقات السلمية، بين ابناء الطائفة واللبنانيين.
    الشكوى المرتفعة، لم تكن على مستوى هذه العلاقة النموذج بين سوريا والمقاومة، بل هي على المستوى المتدني من العلاقات الامنية السياسية الاقتصادية، كأسلوب منافع متبادلة، بين طرفين مستفيدين من حالة الفساد والتسيب.
    هل كانت المقاومة منزهة عن هذه المنزلة الوضيعة؟
    الاكثرية تظن ذلك، وأحيانا تجزم، ومن له شبهة عليها، فليعلنها. كانت سوريا نصيرا للمقاومة، وكانت المقاومة عمقا لسوريا، من حيث القوة الضرورية، للوقوف في وجه الضغوطات الكثيرة على سوريا، ما عبر عنه بتلازم المسارين والهدفين.
    تنشيطا للذاكرة: اتفاق نيسان، المتوازن مع العدو، صاغته دمشق بصبر وأناة وعناد، مترافق مع صمود بطولي في لبنان.
    وهناك من يصرخ: <<لماذا وحدنا؟>>. من حقهم ان يرفعوا الصوت عاليا. الخرس العربي قاتل. العجز العربي مُضنٍ. الكسل العربي ممل... لماذا على لبنان ان يضج بمقاومته؟ هذا جدل، كان يصلح قبل التحرير. اما وقد انجز التحرير، باستثناء مزارع شبعا (المحرومة من انتماء لبناني ناصع)، فبات هذا الجدل بيزنطيا. جدوى المقاومة، انها حررت جنوب لبنان، وكان لها من الحكمة، ان اعترفت بوقائع السياسة الدولية، غير القابلة للاحتراق، فوقفت عند خطوط الهدنة، لكنها، اسست لحالة نهوض فلسطينية، اشتعلت في انتفاضة الاقصى، وأرهصت في حجر اصاب رأس رئيس حكومة فرنسا آنذاك ليونيل جوسبان، الذي اختار منبر الجامعة في بير زيت، ليتهم المقاومة الاسلامية بالارهاب.
    استحق العقوبة. كان ذلك درسا.
    ان اختلال التوازن في لبنان، حصل بعد الحرب، وفي اتفاق الطائف، وفي طبقة سياسية تعمدت اختيار ما يناسبها من هذا الاتفاق. المقاومة نأت بنفسها عن ذلك. تحدت الابتعاد عن هذه المهمة. كانت مشغولة بتأمين سلامة الطريق الى قضيتها: التحرير، والتي تطورت بشكل طبيعي بعد ذلك، الى تحصين قوتها للدفاع عن لبنان، ازاء اي عدوان قد تقوم به اسرائيل.
    هناك اختلال في لبنان، بسبب ما افرزته الحرب من التعديلات الدستورية، وانتزاع العروبة نصا، مقابل نهائية الكيان، ومن ثم الانقضاض على الطائف من كل الاطراف تقريبا، من المدافعين عنه، اكثر من الرافضين له، سياسيا او باطنيا او علنيا.
    مقاومة تهدد لبنان
    بماذا يمكن ان تتهم المقاومة ايضا؟
    الاخطر، انها متهمة بتعريض سلامة وأمن لبنان للخطر مستقبلا. لأن هناك حملة دولية ضد الارهاب، وحزب الله، والمقاومة الاسلامية، مرشحان لاحتلال اللائحة الدولية، بعد تبوئهما مراكز هامة في الأجندة الاميركية.
    لهذا السبب، وصدا لكل محاولة اميركية غير مرتدة، عن لبنان وسوريا، واراحة لبنان من معركة غير متكافئة، فإنه من الحكمة كما يرى بعض المعترضين على سلاح المقاومة، دوليا وعربيا ولبنانيا، ان تتخلى المقاومة عن سلاحها، خصوصا أنها انهت مهمة تحرير لبنان، وأفرجت عن معظم السجناء اللبنانيين، مقابل ان تتولى الاسرة الدولية، بت مصير مزارع شبعا، بعد لبننتها على ايدي السوريين الممتنعين حتى اللحظة، عن تقديم اوراق عمادة لبنانية لهذه الاراضي. فالمشكلة في مزارع شبعا، انها رهينة الرغبة السورية بالاستغماء.
    فماذا ستربح المقاومة اذا استجلبت بمواقفها المتعنتة، الويل الاميركي الى لبنان. فالرهان على حكمة المقاومة، وعلى تعقلها، كي لا يفقد لبنان توازنه الداخلي. و<<المعارضة>> حاليا، كفيلة بحماية المقاومة، بعد انخراطها السياسي في مشروع الدولة المسالمة، بلا اتفاقية سلام.
    نفاق على المقاومة
    هذا منطق يلبس ثياب الحكمة، والواقعية، ولكنه منطق مراء جدا.
    اولا: هذه المطالب ارتفعت قبل التحرير، من قبل بعض المعارضة، خصوصا انها كانت ترى ان خطر المقاومة على لبنان اكبر من خطر الاحتلال الاسرائيلي. فالثمن الذي يدفعه لبنان من كل اعتداء على بناه التحتية، اكبر بكثير مما تخسره اسرائيل في جنوب لبنان. كانت المعادلة كمية. ما جدوى المقاومة؟ هكذا قيل، وارتفعت مطالب لبنانية متناغمة مع مطالب اميركية واسرائيلية، قيلت علنا، ومورس ضغط من اجل تنفيذها، تطالب بنزع سلاح المقاومة، وارسال الجيش الى الجنوب، واستعادة السيادة من المقاومة.
    تنشيطا للذاكرة: راقبوا تصريحات المعارضين اليوم. وتصريحات وخطب بعض المستجدّين في المعارضة: المضمون: انتهى الاحتلال، فلماذا تبقى المقاومة؟
    ثانيا: لا يعوز العقل، لدى المعترض اساسا على وجود المقاومة، من ايجاد المقدمات لذلك. فإذا كانت النتيجة المطلوبة نزع سلاح المقاومة، فهاكم المقومات لذلك: ما جدوى السلاح غير المتكافئ؟ لبنان يدفع ثمنا غاليا فوق طاقته. لبنان يتحمل عبئا عربيا تخلى عنه العروبيون. التحرير انجز فلم السلاح. الهجمة كبيرة فالمطلوب النجاة. كل المقدمات تصلح لنتيجة وحيدة: نزع سلاح المقاومة.
    الغيرة والحكمة المتفشية حاليا، لحماية المقاومة تدفعها الى القبول بوليمة السلطة اللبنانية. ولكن، للذاكرة، عندما تدخلت المقاومة، عبر حزب الله، في مسألة مطلبية، او في جسر المطار، ألم تخرج الالسنة لتطالب المقاومة بالانصراف الى المقاومة، بدلا من الدخول في الزواريب السياسية اللبنانية.
    في المقاومة، يريدونها سياسية فقط.
    في السياسة، يريدونها مقاومة، منزهة عن السياسة.
    اليس في ذلك تهافتا؟
    كأن المطلوب ان تخرج المقاومة من المقاومة والسياسة معا.
    ثالثا: ان المضحك، وفق ما يقوله يساري سابق ولاحق، ان الذين يدعون تأمين الحماية للمقاومة بعد نزع سلاحها، لا سلاح عندهم ليقوموا بذلك. مثلا، مَن من الموالاة او من عتاة المعارضة سيحمي المقاومة؟ هل من يتبوأ الفي صوت او عشرة آلاف صوت (مع التجيير)، يستطيع ان يؤمن الحماية، على فرض انه يريد ذلك؟
    المقاومة تحمي نفسها بنفسها، وبالتفاف فئات شعبية، مع اغلبية طائفية، حولها. الآخرون بحاجة الى حمايتها.
    ولكن هذا الرأي يمكن دحضه، والاتهام يمكن اثبات عكسه، ذلك ان عددا كبيرا من المعارضة يستطيع مثلا الدفاع عن المقاومة ولا يفعل ذلك. ان تأييد القرار 1559 والركوب في قاطرته، يفضيان في النهاية الى انتزاع سلاح المقاومة. لم تسمع المقاومة احدا، من اصحاب الباع الطويل في العلاقات الدولية والتأثير الدولي دفاعا عنها. لم يفتِ أحد برفض ادراج المقاومة بندا غير متفق عليه.
    بصريح العبارة، هناك ظن وتخمين، بأن بعض المعارضة، لم يهدف الى هذا القصد، اي اخراج المقاومة قبل سوريا، من الحياة السياسية اللبنانية. ورسائل التطمين الحالية، هي لتحييد قوة المقاومة، انتخابيا، لانتهاز اصواتها في بعض المعاقل، او، ليؤكل الثور الابيض بعد الاسود.
    لم يدافع احد عن المقاومة في المحافل الدولية.
    جل ما قيل: نحن نعترف بالمقاومة... ولكن العالم لا يعترف بها. ونحن مع العالم وليس مع انفسنا.
    هذا احتضان قبل الطعن.
    نعم. تعالوا نحاسب المقاومة... لا تهدودها بالويل الاميركي. هذا ابتزاز. ان الذين يفعلون ذلك، يتهمون الموالاة، بأنها تهددهم بالقبضة السورية وسلاح الفتنة. الفريقان متساويان ومتعادلان في منطقهما التهويلي.
    فلا اميركا تجازف في المدى المنظور، بحرب تؤذي اسرائيل كثيرا. ولا سوريا تتبرع بهجوم، فيما هي تعد العدة للانسحاب التدريجي السريع للخروج من مسلسل الاخطاء المتراكمة.
    ما العمل؟
    فليقاتل كل طرف بغير المقاومة. فليمارس المغامرون، حروبهم الصغيرة الانتخابية، من دون استدراج عروض نصزة من الاعداء والاصدقاء...
    () كاتب سياسي
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
استجابة 1
10 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ibrahim aly awaly
بواسطة ibrahim aly awaly
 
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
ردود 2
12 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ibrahim aly awaly
بواسطة ibrahim aly awaly
 
يعمل...
X