بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم00000000
احببت ان أطرح هذا الموضوع لتبيان الالتباسات عند أخواننا السنه حول الشيعه
السجود على التربة
سامي: يا علي إنكم الشيعة تشركون بسجودكم على التربة، وهل التربة غير كمية من الطين اليابس تعبدونه من دون الله؟.
علي: اسمح لي أن أسألك سؤالاً.
سامي: تفضل.
علي: هل يجب السجود على جسم (الله) تعالى؟.
سامي: إن قولك هذا كفر، لأن الله ليس بجسم، فلا يرى بالعين، ولا يلمس بالجسم، ومن اعتقد أن الله جسم فهو كافر.
إنما السجود يجب أن يكون (لله)، يعني: تكون الغاية من السجود، والخضوع هو (الله) سبحانه، أما السجود على (الله) فهو كفر.
علي: من كلامك هذا ثبت أن سجودنا على التربة ليس شركاً لأننا نسجد على التربة، لا أنه نسجد لأجل التربة، وان كنا نعتقد ـ على الفرض المحال ـ أن التربة هي (الله) فكان اللازم السجود لها،لا السجود عليها، لأن الشخص لا يسجد على ربه.
سامي: إنني لأول مرة أسمع هذا التحليل، وانه لصحيح اذ انتم لو كنتم تعتبرون (التربة) إلهاً لما سجدتم عليها، وسجودكم عليها دليل على أنكم لا تعتبرون التربة إلهاً.
سامي: دعني أسألك سؤالاً.
علي: تفضل.
سامي: إذن فما سبب إصراركم على السجود على التربة، ولم لا تسجدون على سائر الأشياء، كما تسجدون على التربة؟.
علي: هناك حديث شريف روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بإجماع جميع فرق المسلمين، أنه قال: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) .
فالتراب الخالص هو الذي يجوز السجود عليه باتفاق جميع طوائف المسلمين، ولذلك نسجد ـ دائماً ـ على التراب الذي اتفق المسلمون جميعاً على صحة السجود عليه.
سامي: وكيف اتفق المسلمون عليه؟.
علي: أول ما جاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الى المدينة، وبنى المسجد فيها، هل كان المسجد مفروشاً بفرش؟.
سامي: لا .. لم يكن مفروشاً بفرش.
علي: فعلى أي شيء كان يسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمون؟.
سامي: على أرض مفروشة بال تراب.
علي: إذن جميع صلوات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت على الأرض وكان يسجد على التراب وكذلك المسلمون في زمانه وبعده كانوا يسجدون على التراب.. فالسجود على التراب صحيح قطعاً ونحن إذ نسجد على التراب نتأسى برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتكون صلواتنا صحيحة قطعاً.
سامي: فلم لا تسجدون ـ انتم الشيعة ـ على غير التربة التي تحملونها معكم من سائر مواضع الأرض، او غيرها من التراب؟.
علي: أولاً: الشيعة تجوز السجود على كل أرض سواء في ذلك المتحجر منها، أو التراب.
وثانياً: حيث يشترط في محل السجود الطهارة من النجاسة فلا يجوز السجود على ارض نجسة، أو تراب غير طاهر، لذلك نحمل عنا قطعة من الطين الجاف الطاهر، تخلصاً من السجود على مالا يعلم طهارته من نجاسته.
مع العلم أننا نجوز السجود على تراب الأرض أو أرض لا نعلم بنجاسته.
سامي: إن كنتم تريدون ـ بذلك ـ السجود على التراب الطاهر الخالص.. فلم لا تحملون معكم تراباً تسجدون عليه؟.
علي: حيث إن حمل التراب يوجب وسخ الثوب، لأنه أينما وضع من الثوب فلا بد أن يوسخه، لذلك نمزجه بشيء من الماء ثم ندعه ليجف، حتى لا يوجب حمله وسخ الثوب.
ثم: إن السجود على قطعة من الطين الجاف أكثر دلالة على الخضوع، والتواضع لله تعالى.
فإن السجود هو غاية الخضوع، ولذا لا يجوز السجود لغير الله سبحانه، فإذا كان الهدف من السجود هو الخضوع لله، فكلما كان مظهر السجود أكثر في الخضوع، لاشك أنه يكون أحسن.
ومن أجل ذلك استحب أن يكون موضع السجود أخفض من موضع اليدين، والرجلين، لأن ذلك أكثر دلالة على الخضوع لله تعالى.
وكذلك استحب أن يعفر الأنف بالتراب ـ في حال السجدة ـ لأن ذلك أشد دلالة على التواضع والخضوع لله تعالى.
ولذلك .. فالسجود على الأرض، أو قطعة من الطين الجاف أحسن من السجود على غيرهما مما يجوز السجود عليه، لأن في ذلك وضع أشرف مواضع الجسد وهو الجبهة على الأرض خضوعاً لله تعالى وتصاغرا أمام عظمته.
أما أن يضع الإنسان ـ في حال السجدة ـ جبهته على سجاد ثمين أو على معادن كالفضة، والعقيق، والذهب وغيرهما، أو على ثوب غال القيمة… فذلك مما يقلل من الخضوع والتواضع، وربما أدى إلى عدم التصاغر أمام الله العظيم. إذن: فهل يمكن أن يعتبر السجود على ما يزيد من تواضع الإنسان أمام ربه، شركا وكفرا، والسجود على ما يذهب بالخضوع لله تعالى.. تقرباً من الله؟.
إن ذلك إلا قول زور.
سامي: فما هذه الكلمات على التربة التي تسجدون عليها؟.
علي: أولاً: انه ليس جميع أقسام التربة مكتوباً عليها شئ فإن هناك كثيراً من التربات ليس عليها حرف واحد.
وثانياً: المكتوب لى بعضها هو أن هذه التربة متخذة من تراب أرض كربلاء المقدسة .
وهل في ذلك شرك؟.
أو هل ذلك يخرج التربة عن كونها تراباً جائز السجود عليه كلا.
سامي: فما الخصوصية في تربة أرض (كربلاء) حيث نجد أكثر الشيعة يتقيدون بالسجود عليها مهما أمكن؟.
علي: السبب في ذلك أنه ورد في الحديث الشريف: (السجود على تربة الحسينu يخترق السماوات السبع) . يعني أن السجود عليها يوجب قبول الصلاة، وصعودها الى السماء.
وما ذلك إلا لإدراك أفضلية ليست في تربة غير (كربلاء المقدسة).
سامي: وهل السجود على تربة الحسين تجعل الصلاة مقبولة عند الله تعالى ولو كانت الصلاة باطلة؟.
علي: الشيعة تقول بأن الصلاة الفاقدة لشرط من شرائط الصحة باطلة، غير مقبولة.
ولكن الصلاة الجامعة لجميع شرائط الصحة مقبولة عند الله تعالى، وقد تكون غير مقبولة، أي لا يثاب عليها، فإذا كانت الصلاة الصحيحة على تربة الحسينu قبلت ويثاب عليها، فالصحة شئ، والقبول شئ آخر.
سامي: وهل أرض (كربلاء المقدسة) أشرف من جميع بقاع الأرض، حتى من أرض مكة والمدينة، حتى يكون السجود عليها أفضل؟.
علي: و ما المانع من ذلك؟.
سامي: إن تربة (مكة المكرمة) التي لم تزل منذ نزول آدم u أرض الكعبة، وأرض (المدينة المنورة) التي تحتضن جسد الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) تكونان في المنـزلة دون منـزلة (كربلاء)؟.
هذا غريب!. وهل الحسين بن علي أفضل من جده الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟.
علي: كلا.. إن عظمة الحسين بصيص من عظمة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشرف الحسين شئ من شرف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)،ومكانة الحسين عند الله تعالى إنما هي لأجل أنه إمام سار على دين جده الرسول حتى استشهد في ذلك..
لا.. ليست منزلة الحسين إلا جزءاً من منـزلة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولكن.. حيث إن الحسينu قتل هو و أهل بيته، وأنصاره في سبيل إقامة الإسلام، وإرساء قواعده، وحفظها عن تلاعب متبعي الشهوات، عوضّه الله تعالى باستشهاده ثلاثة أمور:
1: استجابة الدعاء تحت قبته.
2: والأئمة من ولده.
3: والشفاء في تربته .
فعظم الله تربته لأنه قتل في سبيل الله أفجع قتله، وسبي نساؤه، وقتل أصحابه، وغير ذلك من المصائب التي نزلت به من أجل الدين.. فهل في ذلك مانع؟.
أم هل تفضيل تربة كربلاء على سائر بقاع الأرض حتى على ارض المدينة معناه أن الحسينu افضل من الرسول، بل الأمر بالعكس. فتعظيم تربة الحسين تعظيم للحسين، وتعظيم الحسينu تعظيم لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).
سامي: هذا صحيح، وإني كنت أتخيل أنكم تفضلون الحسينu حتى على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، والآن عرفت الحقيقة، وأشكرك على هذه الالتفاتات الطيبة التي زودتني بها، وسوف أحمل معي ـ أبداً ـ قطعة من أرض كربلاء المقدسة، لأسجد عليها أينما صليت.. كما أني سأدع السجود على مثل الفرش والمعادن.
علي: إني أردت أن أبين لك ان هذه التهم الموجهة إلينا نحن الشيعة، ليس لها واقع، وإنما هي اكذوبات بحتة اختلقها علينا الآثمون من أعداء المسلمين ـ المسمين أنفسهم بـ (المسلمين) ـ علك تتحرى الحقيقة دائما، ولا تعتني بكل ما تسمع ضد الشيعة دون أن تبحث عن واقعة وحقيقته.
وهذا ما أرجوه منك.
بناء القبور
فؤاد: يا جعفر.. هل تسمح لي أن أسألك عن موضوع حول الشيعة، والسنةa؟.
جعفر: أسأل وكم احب أن يكون الشخص واعياً، مثقفاً يفهم الأشياء عن دراسة، ويقين.. ولا يكون همجياً يتبع كل نعيق يملأ الجو، أو كل صرخة تتعالى.. من غير أن يعلم صحتها وفسادها.
فؤاد: أو تؤمن بكلامي إن صح أنّ الحق معنا (أهل السنة)؟.
جعفر: إنني في طليعة من يؤمنون بالحقائق الصادقة فور معرفتها، وإني ما أخذت التشيع إلا لأني وجدته حقاً وأنت تعلم بأن أبي، وأمي، وأخواتي، وقومي..كلهم سنة ليس فيهم شيعي واحد، وانما اعتنقت التشيع لما وجدت من الحق فيه.. ولو عرفت صحة كلامك فأنا أول المؤمنين به.
فؤاد: انتم الشيعة تبنون على قبور الأنبياء والأئمة والعلماء، والصلحاء… مباني، تصلون عندها، وليس ذلك إلا شركاً، فكما يعبد المشركون الأصنام، تعبدون (أنتم الشيعة) مباني قبور الأولياء.
جعفر: يجب أن نكون ـ نحن ـ واقعيين، لا قشريين فلا ننظر الى ما قاله فلان، وفلان، وانما ننظر إلى الحق الواضح من كتاب الله، وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسيرة السف الصالح..
فؤاد: نعم، وإني كذلك، أحب معرفة الأشياء عن طريق العلم والفهم، لا التقليد الأعمى.
جعفر: أولاً: لسنا نحن الشيعة مختصين ببناء القبور، فالمسلمون ـ جميعاً ـ يبنون مراقد الأنبياء، والأئمة وعظمائهم واليك بعض ذلك:
` قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقبل الخليفتين لازالا مبنيين بأفخم بناء وأعلى قبة.
` قبور جماعة من الأنبياء منهم إبراهيمu بالأردن بمدينة (الخليل) لها أضرحة وعليها قباب وبنايات عظيمة.
` قبر النبي موسىu ، له بناية كبيرة في الأردن بين مدينتي (القدس) و(عمان).
` قبر أبي حنيفة ببغداد لا يزال معموراً، ببناء ضخم، وعليه قبة.
` قبر أبي هريرة في (مصر) مزار له بناء وعليه قبة.
` قبر عبد القادر في (بغداد) له صحن وضريح وقبة.
وغير ذلك من قبور الأنبياء، وقبور الأئمة وعظماء المذاهب، لها بنايات، وقباب، ولها أوقاف خاصة تصرف منافعها على تعمير تلك القبور، وحفظها عن الاندراس .. والبلاد الإسلامية ملؤها ذلك.. وكان المسلمون بمختلف مذاهبهم منذ اليوم الأول حتى اليوم يحبذون هذه الأشياء، ويأمرون الناس بها، ولم ينهوا عنها يوما، فلسنا نحن الشيعة فقط مختصين بهذا الحكم، وإنما يوافقنا عليه بقية المسلمين جميعاً، فهم ـ أيضاً ـ يبنون قبور أئمتهم، ويتعهدونها.
وثانياً: أننا ـ الشيعة ـ أو بقية المسلمين حينما نصلي بجانب قبور الأولياء، لا نصلي لأولئك الأولياء وإنما نصلي لله تعالى فقط.
ويدلك على ذلك أننا نتوجه في حال الصلاة الى القبلة لا إلى تلك القبور، ولو كنا نصلي الى تلك القبور، ونتوجه بالعبادة الى تلك الأضرحة، لوجب أن نتوجه إليها لا الى القبلة.
فؤاد: فلِمَ تصلون خلف هذه القبور،حتى تجعلوا تلك القبور قبلة لكم؟.
جعفر: ـ إننا حين نصلي خلف تلك القبور ـ نتوجه الى القبلة لا إلى تلك القبور، وإنما تلك القبور ـ عفواً ـ تقع أمامنا، ومن دون قصد التوجه أليها.
وهذا لا يكون إلا كمن يصلي الى القبلة في مكان يكون أمامه بناية شامخة، فهل معنى الصلاة في هذا لمكان هو ان المصلي يعبد تلك البناية؟!.
وأكثر من هذا يقول علماء المسلمين قاطبة: يجوز الصلاة الى القبلة في معابد المشركين، وإن كان المصلي يقع أمامه صنم يعبد من دون الله فان توجه المصلي إلى الله، لا الصنم.
فهل معنى هذا أن المصلي يعبد ذلك الصنم.
فؤاد: إذا كان البناء على القبور ليس شركا ـ كما تقول ـ ويجوزها جميع المسلمين، فكيف هدموا الأضرحة والقبات المبنية على قبور الأئمة، وغيرهم.. بحجة أنها شرك، وعبادة من دون الله، وقد أفتى علماء الحجاز بذلك؟.
جعفر: انه لم يفت بذلك إلا بعض من علماء الحجاز في ذلك الزمان فقط، ولذا حدثني بعض الشيوخ من أهل المدينة قال: أنـه حينما أمروا آنذاك بهدم قباب وأضرحة القبور، خالف في ذلك علماء الحجاز أنفسهم، رادين ان ذلك ليس شركاً بل ان مثل ذلك مندوب إليه في الشريعة الإسلامية، لقول الله تعالى: ]من يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلو ب[ مما أدى الى طرد أولئك العلماء، وإبعاد بعضهم عن مناصبهم ومقاطعتهم.
إذن: فلم يفتِ بذلك إلا ثلاث أو أربع علماء من علماء الحجاز.
فؤاد: وإنني كنت أتفكر: إذا كانت الأضرحة والقباب محرمة، وشركا فلم لم يتنبه لذلك علماء المسلمين منذ زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى اليوم، ولم يمنعوا عنها ؟.
وكيف لم يعرفه المسلمون طيلة ثلاثة عشر قرناً؟.
جعفر: وأزيدك علماً:
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أقر بناء القبور، والأضرحة والقباب ولم ينه عنه.
فهذا بناء حجر إسماعيل هو مدفن النبي (إسماعيل) ومدفن أمه هاجر. وهذه قبور الأنبياء ـ إبراهيم وموسى وغيرهما ـ في أطراف بيت المقدس، كان يعلوها البناء في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والى زماننا هذا، ولم ينه عنها لا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا أحد من خلفائه.
ولو كانت محرمة أو كانت شركا لكان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمر بهدمها، وينهى عنها.
وحيث لم يفعل ذلك نعلم يقينا بأن مثل ذلك جائز.
وهكذا بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فانه عندما توفاه الله دفن في حجرته، وسد باب الحجرة، فصار قبره في وسط حجرة مبنية لها حيطان وسقف.
ولو كان أحد من الأصحاب سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حرمة مثل ذلك لما دفنوه هناك، ولو كانوا يدفنونه في حجرته لوجب هدم الحجرة لئلا يكون على القبر بناء.
وحيث لم يفعلوا ذلك، علمنا بأن البناء على القبور ليس حراماً فكيف بأن يكون شركاً.
فؤاد: أشكر لك إحسانك اذ هديتني الى الحق، وعرفتني أن بناء القبور ليس حراماً ولا شركاً، وان الذين يحرمونه ليس لهم دليل من الشرع يسند قولهم.. واني شاكر لك أبداً على ذلك.
جعفر: وإنني أشكرك على قبولك الحق اذ عرفته، واتباعك الهدى حينما رأيته، وانك سائر بهدى العقل والمنطق الصحيح لذا أود أن أكثرك بصيرة في الحق ومعرفة في الدين، فهل بقي لك من الوقت شئ لأتحدث معك.
فؤاد: إنني أشتاق الى الكلام الحق، تحدث بما تريد، فإني على استعداد للاستماع بملء أذني.
جعفر: ثبت من المحاورات الأنفة أن البناء على قبور أولياء الله جائز، ليس بحرام.
فؤاد: نعم.. وأنا معك في ذلك.
جعفر: الآن أريد أن أقول: ان البناء على قبور أولياء الله وإقامة الأضرحة عليها وبناء القباب.. كلها مستحبة يثاب الشخص على فعل ذلك كله، لا أنها جائزة وحسب.
فؤاد: وكيف؟.
جعفر: قال الله تعالى:] ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب[ فكل شئ يعد من شعائر الله تعظيمه مستحب في الإسلام.
فؤاد: نعم .. ولكن كيف يكون البناء على قبور الأولياء من الشعائر؟.
جعفر: الشعائر هي الأشياء التي تعظم الدين في أنظار العالم من غير ان يكون نص على حرمتها.
فؤاد: وهل يعظم الدين بهذه البنايات، والقباب؟.
جعفر: نعم.
فؤاد: وكيف ذلك؟.
جعفر: بناء قبور عظماء الإسلام، وبناء القباب عليها، وحفظها عن الاندراس، والانهدام تعظيم لأولئك العظماء بلا شك.
مثلاً: إذا جاء شخص بوردة، وأنبتها عند قبر ميت، أليس هذا الشخص معظماً لذلك الميت، ومقدراً له؟.
فؤاد: صحيح.
جعفر: فكيف بما إذا بنى على قبره بنياناً عظيماً ووضع عليه قبة، فإن ذلك من التعظيم لذلك الميت بلا ريب.
وتعظيم عظماء الإسلام، والأئمة، والأولياء.. تعظيم للإسلام، وتقدير للدين الذي كان هؤلاء دعاته، والموجهين للناس نحوه.
أليس الإنسان إذا عظم رئيس حزب، أو داعية دين أو عضو مبدأ .. يعد من المعظمين لذلك الحزب، والدين والمبدأ ؟.
فؤاد: نعم هو كما تقول.
جعفر: فالبناء على قبور أولياء الله تعظيم لهم وتعظيم لله، ورفع من الإسلام، وكل شئ كان تعظيما لله ورفعاً من الإسلام فهو من شعائر الله التي يندب الله تعالى إليها حيث يقول: ]ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلو ب[ .
فؤاد: إذن .. فهدم قبور الأولياء والأنبياء والأئمة، يكون توهيناً بالدين، وحطاً من كرامة الإسلام.. لأن هدمها تحقير لأصحابها، وتوهين بهم.. والتوهين بهم توهين بالدين، والحط من كرامتهم حط من كرامة الإسلام.
جعفر: وإنني أيضا تشيعت، وتبعت مذهب أهل البيت عليهم السلام وغيرت اسمي من وليد إلى جعفر… لهذا السبب نفسه ؟.
فإني حينما كنت اتبع رأي الآخرين لم أكد أظن أن غيري على حق، ولكن فحصت عن الحق، وذهبت إليه حتى وصلته، وبلغته.
والإنسان دائماً إذا خلف العصبية المذهبية وراءه، وفتح صدره لقبول الحق، وفحص عن الحق.. لا بد أن يصله، ويبلغ إليه.
فؤاد: أنا ـ وبعد هذا الموقف ـ سأكون على بصيرة من الأمور، وسأفحص عن الحق، حتى اتبع الحق حيثما وجدته.
وإني شاكر لك مدى الدهر..
والآن اسمح لي أن أذهب.. لأني على ميعاد مع شخص.
جعفر: تفضل، محروساً بعين الله.
فؤاد: في أمان الله.
جعفر: مصحوباً بالسلامة.
تـزيين المشاهد
خالد: سلام عليكم.
باقر: عليكم السلام ورحمة الله.
خالد: متى القدوم ؟ خيراً ؟.
باقر: لي ابن عم هنا جئت لزيارته.
خالد: أرجوك أن تتفضل اليوم عندنا.
باقر: ان ورائي أعمالاً جمة تركتها لأجل (صلة الرحم) وأسألك أن تعفني عن ذلك.
خالد: لا يمكن.. صديقان بعد فراق عشر سنوات يتلاقيان ثم لا يصطحبان ساعة. إن لي عليك ـ أيضاً ـ حق الأخوة الإسلامية.
ثم انه وقع نقاش بيني، وبين أحد أخواني المؤمنين في موضوع الشيعة والسنة وحيث إني مطمئن منك أريد أن أباحثك في ذلك حتى يظهر لي الحق.
باقر: لا بأس.
…اصطحبا معاً إلى دار خالد، ووصلا الدار، وجلس كل واحد منهما بجنب الآخر..
.. وبعد ما تكلما عن الأمور الخاصة بهما، انبرى باقر قائلاً وما النقاش الذي جرى بينكما؟.
خالد: كان النقاش حول تزيين قبور الأنبياء، والأئمة، والعلماء والمؤمنين والصلحاء ونحوهم، بالذهب والفضة وسائر الحلي.
باقر: وما الإشكال الذي فيه؟.
خالد: أليس ذلك حراماً؟.
باقر: ولٍمَ؟.
خالد: هل يستفيد الميت من هذه ؟.
باقر: لا، لا يستفيد.
خالد: إذن: إن ذلك كله إسراف وتبذير، والله تعالى يقول:] ولا تبذر تبذيراً & ان المبذرين كانوا إخوان الشياطين [ .
باقر: وما تقول في حلل الكعبة، وحليها، والذهب والفضة اللذين عليها، وفيها؟.
خالد: لا ادري.
باقر: نعم كانت للكعبة حلل، وذهب كثير، يهدى إليها من أطراف البلاد منذ زمن الجاهلية حتى يومنا هذا.
يقول ابن خلدون في مقدمته :
وقد كانت الأمم منذ عهد الجاهلية تعظمه،والملوك تبعث إليه بالأموال والذخائر مثل كسرى، وغيره وقصة الأسياف وغزالي الذهب اللذين وجدهما عبد المطلب حين احتفر زمزم معروفة.
وقد وجد رسول الله (صلى الله عليه [آله] وسلم) حين إفتتح مكة في الجب الذي كان فيها سبعين ألف أوقية من الذهب مما كان الملوك يهدون للبيت. فيها: ألف، ألف، (أي: مليون) دينار، مكررة مرتين ، بمائتي قنطار وزناً.
وقال له علي بن أبي طالب u يا رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) لو استعنت بهذا المال على حربك ؟.
فلم يفعل.
ثم ذكر لأبي بكر فلم يحركه.
(الى أن قال):
(قال أبو وائل): جلست إلى شيبة بن عثمان وقال جلس إلى عمر بن الخطاب:
فقال: هممت أن لا ادع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها بين المسلمين.
قلت: ما أنت بفاعل.
قال: ولم؟.
قلت: فلم يفعله صاحباك.
فقال: هما اللذان يقتدى بهما .
فهل كانت الكعبة تستفيد من هذا الذهب والفضة يا خالد؟.
أو كان الله ـ سبحانه وتعالى عن ذلك ـ يستفيد منهما؟.
خالد: كلا.
باقر: ومع ذلك فان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يمد إلى تلك الأموال المتراكمة يداً، ولم يتصرف في شئ منها، على شدة احتياج الإسلام في تلك الأيام الى المال الوافر، والخزينة المليئة، لإقامة أركانه في البلاد.
ولِمَ ذلك؟.
لأن كون هذا المال الكثير للكعبة يزيد من عظمتها في أعين الناس، وإن كان شرفها ومنزلتها الواقعية عند الله تعالى لا يزداد ولا ينقص، سواء كان لها الدنيا كلها، أم لم يكن لها شئ.
وهكذا الكلام بالنسبة للقباب الذهبية، والأبواب الذهبية والفضية، والحلي والحلل المزودة بها قبور أولياء الله تعالى مثل: أمير المؤمنين والإمام الحسن والإمام الحسين والإمام الرضا وغيرهم عليهم أفضل الصلاة والسلام.
فهؤلاء منـزلتهم الإلهية الواقعية لا تزداد بوجود هذه المجوهرات ولا تنقص بعدم وجودها، فالإمام الحسن بن علي u أفضل من أخيه الحسينu وإن كان قبر الإمام الحسنu تصهره الشمس، وفي وادي البقيع ليس عليه أي بناء غير مزود بأية حلية، وكان قبر الإمام الحسينu مزوداً بأبنية عظمية فخمة من الذهب الخالص تبلغ الفضاء، وتنطح السحاب!.
ولكن فعلنا ذلك لهم، وإهداء المجوهرات لمراقدهم، وتذهيب قبابهم، وغير ذلك تقدير منا لهم، وتعظيمهم.
خالد: وهل هذه الأشياء تعظم أولياء الله في أعين الناس؟.
باقر: نعم.
والآن أجعلك أنت تعترف بذلك.
إذا ذهبت الى اليهود ورأيت مقابر علمائهم خربة، تطل عليها الشمس، لا من سقف أو حجرة يستظل بها الزائر.
ثم ذهبت الى النصارى، فرأيت مقابر علمائهم معمورة، مبينة عليها قباب، ومزينة بالذهب والفضة، وغيرهما من المجوهرات.
هل يعظم عندك علماء النصارى أم علماء اليهود، مع العلم أنك المسلم تعرف أن كليهما على باطل؟.
خالد: طبعاً احمل في نفسي من المشهدين صورة عظمية عن علماء النصارى، وصورة حقيرة عن علماء اليهود.
باقر: إذن فما تفعله الشيعة والسنة من بناء أضرحة، وحرم، وقباب، وغيرها على قبور الأئمة والأنبياء .. تعظيم لهم، ورفع من قدرهم، وكذلك تزيينها بالذهب والفضة وسائر المجوهرات.
خالد: صحيح كل ذلك ولكن هل يخرجها هذا الوجه عن كونها إسرافاً وتبذيراً؟.
باقر: نعم، وفوق ذلك.
فإذا ثبت أن هذه الأعمال تعظيم لأولياء الله، فهي في الوقت نفسه تعظيم للإسلام، لأن تعظيم علماء الإسلام تعظيم للإسلام، وكل شئ كان فيه تعظيم للإسلام فهو من شعائر الله التي قال الله تعالى عنها: ]ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب [ فتزيين مشاهد أولياء الله من شعائر الله التي يستحب فعله والعمل لأجله، ويثاب الشخص العامل في سبيله.
خالد: استميحك العذر، اذ أخذت من وقتك هذا المقدار ولكنك مأجور عند الله تعالى، اذ أخرجتني من ظلمات الجهل الى نور العلم والفهم، وكم كنت أطيل الفكر في هذه التزئينات فلم أدرك مغزاها، ووجه صحتها واليوم نورتني ـ أنت ـ بعلمك، وأبلغتني مقصدي.
باقر: إذن هل ذهب جميع ما بك من ريب حول تزيين المشاهد؟.
خالد: نعم.. لم يبق لي شك بأنه مستحب مندوب إليه في القرآن الحكيم:]ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب [ .
باقر: وعلى أي حال أني مستعد للمفاهمة معك في أمثال هذه المواضيع لكي استفيد أنا، أو تستفيد أنت ونكون عارفين للأمور عن فهم وتدبّر.
خالد: أشكرك ألف شكر وشكر، وأسأل الله تعالى أن يوفقك لمراضيه.
تقبيل الأضرحة
مالك: يا صادق ما الداعي الى تقبيل أضرحة النبي والأئمة الذي تصرون عليه؟.
صادق: وهل فيه أشكال؟.
مالك: يقال ان ذلك من الشرك.
صادق: ومن قال انه شرك؟.
مالك: يقوله المسلمون.
صادق: عجيب! فمن الذين يقبلون الأضرحة؟.
مالك قيل: انهم زمرة الشيعة.
صادق: هل ذهبت الى الحج؟.
مالك: نعم.. والحمد لله.
صادق: وهل زرت قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة المنورة؟.
مالك: والشكر لله.
صادق: ألم تر الآلاف من السنة تريد تقبيل ضريح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتضربه هيئة (الآمرين بالمعروف!!)؟.
مالك: نعم ..
صادق: إذن لسنا نحن الشيعة فقط نقبل أضرحة أنبياء الله بل يقبلها المسلمون قاطبة.
مالك: فلم يقول البعض بحرمة ذلك، وانه من الشرك بالله تعالى؟.
صادق: هؤلاء زمرة قليلة جداً بالنسبة الى المسلمين، يرون أنفسهم هم المصيبون، وهم المسلمون حقاً وغيرهم من المسلمين كافرين مشركين، يعبدون من دون الله، لا أن غيرهم مسلمون مخطئون.
ولذا فهم يكفرون جميع طوائف المسلمين.
ألم تر (هيئة الآمرين بالمعروف!!) بالحجاز تضرب من أراد تقبيل ضريح الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقول له:
يا كافر !
يا مشرك !
يا زنديق !
يا خنـزير !
يا كلب !
و غير ذلك من أتعس السباب والقذف ؟.
سواء في ذلك : الشيعي، والحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي والزيدي وغيرهم من المسلمين & ..
مالك: نعم .. رأيت كل ذلك، وأشنع منها : إني رأيتهم يضربون بالعصي على رأس من أصر على ذلك بحيث ربما يتفجر دماً، وقد يضربون بأيديهم _ بكل قوة _ في صدور الزائرين مما يؤذي صدورهم ويمرض أجسامهم!
و كم تألمت لهذه الأمور!!
الحج الذي جعل الله منه مؤتمراً عاماً للمسلمين ليباحثوا فيه عن مختلف شؤونهم، يصبح اليوم مفرقاً للصفوف بواسطة أعمال تلك الزمرة التي أسمت نفسها (هيئة الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر)!!
صادق: وعلى أي حال يا مالك .. أنت تقبل ابنك؟.
مالك: نعم؟.
صادق: وهل تشرك بالله تعالى في هذا التقبيل؟.
مالك: لا، لا .. أبداً.
صادق: وكيف لا تشرك بذلك؟.
مالك: إنني اقبل ابني حباً له، وليس هذا شركا.
صادق: أو تقبل القرآن؟.
مالك: نعم .
صادق: ولا تشرك بذلك؟.
مالك: لا ..
صادق: وهل غلاف القرآن الذي تقبله هو إلا جلد حيوان؟.
مالك: نعم.
صادق: إذن أنت أشركت بالله، وجعلت الجلد المتخذ من الحيوان شريكاً لله ـ تعالى عن ذلك علواً كبيراً ـ .
مالك: ليس ذلك.
إنما أقبل القرآن لأنه حاو لكلام الله، فحباً لكلام الله أقبل الغلاف الذي حواه، فهذا من وفرة الحب، وكثرة الاشتياق وأين هذا من الشرك؟.
وثم: إنني بتقبيل القرآن استحصل الثواب من الله تعالى، لأن تقبيل القرآن تعظيم له ورفع منه، وتعظيم القرآن له ثواب واجر عند الله، فما أبعد هذا عن الشرك؟.
صادق: ولم لا تقول مثل ذلك في تقبيل ضريح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أضرحة الأئمة عليهم السلام؟.
أو تزعم أن الذين يقبلون الأضرحة يجعلون الحديد شريكاً لله تعالى ؟!.
إذا كان ذلك فلم لا يقبلون الحدائد المتوفرة هنا وهناك؟.
ولكن .. حيث أن الضريح حاو لقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو قبر أحد الأئمة عليهم السلام، فحباً للنبي والإمام وشوقاً إليه يقبلون ضريحه لأنهم لا يستطيعون أن يصلوا الى نفس النبي والإمام _ عليهما الصلاة والسلام.
ومع ذلك فإنهم مأجورون عند الله تعالى، ويثابون لأن تقبيل ضريح شخص تعظيم لذلك الشخص.وتعظيم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الإمام، تعظيم للإسلام الذي كان هذا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو هذا الإمام داعيا إليه.
وكلما كان شئ تعظيما للإسلام فهو من شعائر الله التي قال الله تعالى عنها :] ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب [ .
مالك: إذا كان ذلك فكيف يقول البعض بأنكم مشركون؟.
صادق: ورد في الحديث الشريف (إنما الأعمال بالنيات) ، فإن كان أحد يقبل الضريح يقصد بذلك الشرك فهو مشرك.
وإذا كان التقبيل من وفرة الحب، ولتحصيل الثواب على تعظيم شعائر الله بذلك، فهو عمل مأجور به فاعله.
وأنت وجه سؤالا إلى جميع هؤلاء الذين يقبلون الأضرحة من الشيعة و السنة و قل لهم لم تقبلون الأضرحة؟.
فلا يجيبك أحد منهم إلا بأن ذلك من كثرة الحب والشوق ولتحصيل الثواب، ولا تكاد تسمع من أحد _ قطعاً _ بأنه يقبل الضريح لغير ذلك.
مالك: صحيح .. صحيح.
صادق:وإذا كان مجرد التقبيل بدون قصد الإشراك يجعل الشخص مشركا فلا تكاد ترى إنساناً غير مشرك.
لأن المسلمين إما يقبلون الأضرحة، أو يقبلون القرآن .. فعلى كلتا الحالتين هم _ جميعا _ مشركون.
فمن المسلم إذن؟.
مالك: أشكرك كثيراً جداً، وإني سوف أناقش أبي الذي كان يزققني هذه العصبيات الجوفاء، وسوف لا أسمع كلام شخص على مذهب آخر .. وقد عرفت أن الحق معكم _أنتم الشيعة _ وإن لك علي منة أبدية، لأنك أبصرتني، لا في هذا الأمر وحسب بل في الأمور كلها، لكي لا أعتنق كلما يصك مسامعي، من دون تروٍ في صحته وفساده.
& & &
التوسل بأولياء الله
وليد: آه ..من هؤلاء المشركين الكفرة الزنادقة… المسلمين أنفسهم بالمسلمين. آه منهم.
محمد: ومن تقصد؟.
وليد: هؤلاء الشيعة.
محمد: لا تسبهم، ولا تنسبهم إلى الشرك، انهم مسلمون.
وليد: هؤلاء أولى بالقتل من الكفار.
محمد: وما هذا الانفجار اللاشعوري منك، ولِم هم مشركون؟.
وليد: انهم يتخذون مع الله آلهة أخرى، ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم.
محمد: وكيف؟.
وليد: هؤلاء يتوسلون بالأنبياء، وبالأئمة، وبأولياء الله في أن يقضوا حوائجهم، فيقولون:
(يا محمد يا رسول الله، يا علي، يا حسين، يا صاحب الزمان) وغير ذلك، زعماً منهم أن هؤلاء الأولياء قادرون على قضاء حوائجهم.
وهل ذلك إلا الشرك الصريح، والكفر، وعبادة من دون الله؟.
محمد: اسمح لي ان أحدثك بحديث قصير.
وليد: قل.
محمد: كنت أنا من الذين يكيلون أنواع الشتم، والسب والقذف.. على الشيعة، وكنت لا أجلس ولا أقوم إلا واسبهم، وأتعرض لهم، كل ذلك في غيبة منهم، حتى جمعنا سفر الحج مع أحد الشيعة، فتخاشنت معه في الكلام أخرجت على لساني كل ما كان يختلج بصدري من غيظهم طوال سنين، فما كان من ذلك الشيعي إلا صبر، وصمت، وضحك في وجهي، وكان البشر يلمع في وجهه، وكنت كلما أزيده سباً يزيدني بسطاً في وجهه، ويهدأ حرارتي الابتسامات التي كانت لا تفارق شفتيه، فذاك الخلق الطيب أطفأ مني نار العداء والسب.
فلما سكت انا، توجه إلي بالكلام قائلاً:
أخي في الله.. محمد أتسمح لي بأن أتكلم معك بعض كلمات؟.
ـ ثم قال، وقلت وقال.. وقلت، وقال.. وقلت.. حتى ظهر لي الحق معهم في كثير من المواضيع التي جرى حوارها بيننا، ومن تلك المواضيع التي رأيت الحق معهم فيه هو:
موضوع التوسل بأولياء الله.
وليد: وهل اثر فيك دجلهم، ومراوغتهم، وشركهم.. ما أقل بصيرتك في الدين، وأضأل معرفتك بالإسلام.
محمد: إنني الآن على استعداد لأن أناقشك في موضوع التوسل بأولياء الله، على ضوء القرآن الحكيم، والسنة المطهرة وسيرة الصالحين من المسلمين.
وليد: ان الله تعالى هو أرأف بخلقه من جميع المخلوقات والمخلوقين، ولا حاجب له عن الخلق، وللعبد أن يتصل بالله تعالى ـ بلا واسطة ـ في كل زمان، وفي جميع الأمكنة، فهو يتصل رأساً الى الله تعالى ويتوسل إليه ولا يجوز التوسل بأحد غير الله مهما كانت منزلته رفيعة عند الله، ولو كان نبياً أو إماماً، أو ملائكة أو عبداً صالحاً أو غيرهم.
محمد: ولم لا يجوز ؟.
وليد: لأن الإنسان إذا مات صار معدوماً، والمعدوم لا يستفاد منه، فكيف تتوسل بالمعدوم ؟.
محمد: وكيف أن الموت عدم، ومن يقول بذلك ؟.
وليد: قال الإمام محمد بن عبد الوهاب، التوسل بالصالحين من الأموات خطاب لشيء معدوم غير موجود، وذلك قبيح عقلاً.
وهو يعتقد أن عصاه أنفع من رسول الله، لأن رسول الله كان يستفاد منه مادام حياً، فلما مات انعدم، وصار كالجماد لا يستفاد منه ولكن عصاه يتوكأ عليها، ويرشد الناس، ففيها فائدة للدين .
فهذه وغيرها تدل على قبح التوسل بالميت وإن كان نبياً وكان رسول الله.
محمد: الأمر بالعكس، فإن الإنسان إذا مات تنكشف له عوالم لم تكن منكشفة له من قبل الموت.
يقول الله تعالى:] فكشفنا عنك غطائك& فبصرك اليوم حديد[ .
ويقول تعالى: ]ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون [ .
ويقول تعالى:]ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون[ .
وفي البخاري : ان النبي (صلى الله عليه [وآله]وسلم) أتى قليب البدر وخاطب المشركين بهذه الكلمة (انا وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً) فقيل له إنك تدعو أمواتاً، فقال (صلى الله عليه [وآله] وسلم): (ما أنتم بأسمع منهم) .
فالإنسان سواء كان مؤمناً أم كان كافراً إذا مات لا يصير كالجماد لا يحس ولا يفهم.
وقد قال الغزالي ـ أحد أئمة الشافعية ـ:
(ظن بعضهم أن الموت هو العدم… وهذا رأي الملحدين..) .
وليد: الإمام الغزالي يرى القائل بالانعدام بواسطة الموت إلحاداً؟، وأين يذكر ذلك؟.
محمد: في كتابه (إحياء العلوم) فراجعه، تجد نص ما ذكرناه .
وليد: هذا عجيب من الغزالي!
محمد: ليس ذلك عجيباً من (الغزالي) بل العجب منك الذي لا تعلم ذلك.
أما سمعت مخاطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمشركي قليب بدر، ولو كانوا معدومين، لايسمعون ولا يفهمون، لم يكن الرسول يخاطبهم، مع أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:
(ما انتم بأسمع منهم) .
يعني انهم يسمعون كما تسمعون، ويفهمون كما تفهمون.
فهل قنعت بذلك ؟.
وليد: قنعت، نعم..
ولكني في حيرة كيف أني طوال هذه السنين لم أتعمق في هذه الآيات لأبلغ هذا المراد منها ؟!.
وكيف لم أسمع حديث الرسول، وقول إمامنا (الغزالي)؟.
محمد: الآن آمنت بنصف قول الشيعة، وهو: ان الشخص لا ينعدم بالموت؟ ام بعد أنت في شك ؟.
وليد: لا.. لم يبق لي شك في ذلك. ولكن أنا في حيرة أخرى!.
محمد: وما هي؟.
وليد: هي ان ابن عبد الوهاب كيف يعتقد انعدام الشخص بالموت، مع قول الغزالي بأن هذا من كلام الملحدين ؟ ومع تصريح الرسول بأن الشخص الميت يسمع كما يسمع الحي سواء.
ثم كيف ينبري ابن عبد الوهاب ليقول بكل جرأة:
(عصاي خير من محمد، فإنها تنفع، ومحمد لا ينفع) .
هذه هي التي جعلتني أتحير.
محمد: لا تتحير.
إننا يلزم بنا أن نعرف الأشخاص بالدين، فكل شخص وافق قوله وعمله مع القرآن، والسنة وسيرة السلف الصالح فهو مؤمن، لا ان نعرف الدين بالأشخاص، فإنا إذا عرفنا فلان بن فلان مثلاً شخصاً مؤمناً مخلصاً لا يجوز لنا أن نحسب أقواله وأعماله من الإسلام، حتى ولو علمنا بمخالفتها الصريحة لكتاب الله وسنة رسوله، وسيرة السلف الصالح، وانها من الكفر والإلحاد، بل الواجب علينا، متى رأينا زيغاً من شخص مهما كانت مكانته أن نتبرأ معه، ونتبع الحق الذي ظهر لنا.
وليد: صحيح..، وإني كنت من المؤمنين بهذا الشخص أشد الإيمان، والآن وحيث أوقفتني أنت على هذا الخطأ الكبير منه، الذي يعتبر إلحاداً عن الدين، سلب إيماني به، وسوف لا أعتبره كعالم يؤخذ منه أحكام الإسلام.
محمد: دع الكلام عن ابن فلان، لنخوض بقية حديثنا. وليد: نعم.. صحيح ان الميت لا ينعدم بالموت ولكن كيف يجوز التوسل به إذا كان نبياً أو إماماً أو من الصالحين؟ مع العلم أن هناك أناساً يعتبرون التوسل بالمخلوق شركاً ومروقاً عن الدين.
محمد: هل يجوز التوسل بالحي، وطلب الحاجة منه، أو طلب الدعاء منه وغير ذلك، بأن يقول ـ مثلاً ـ يا باقر أو يا جعفر أو يا رضا أو يا … اعطني ديناراً، أو ادع لي ليغفر الله لي، أو خذ بيدي الى المسجد، أو غير ذلك؟.
وليد: نعم يجوز ذلك.
محمد: إذن وبعد ما ثبت أن الميت يسمع كالحي سواء فما المانع من التوسل به بعد الموت، وطلب الحاجة منه؟.
أطرق وليد قليلاً يفكر.. ثم رفع رأسه قائلاً: نعم بلى كما تقول أنت يا محمد.. صحيح.
محمد: ولنا دليل آخر على جواز التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والصالحين.
وليد: ما هو؟.
محمد: ان الصحابة في زمن حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد وفاته كانوا يتوسلون به، ولم يكن الرسول نفسه، ولا أحد من بقية الصحابة يمنعونهم عن ذلك، ولو كان التوسل بغير الله شركاً لكانوا ينهون عنه.
وليد: ومن توسل برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته؟.
محمد: إليك بعض النماذج من ذلك:
روى البيهقي& ، وابن أبي شيبة& بإسناد صحيح ـ كما عن احمد بن زيني دحلان & ـ: أن الناس أصابهم قحط في خلافة عمر، فجاء بلال بن الحرث إلى قبر النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم)، وقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم هلكوا .
ولو كان نداء النبي، والتوسل به شركاً لما فعله بلال ـ الذي صحب النبي مدة غير قليلة ـ وأخذ الأحكام عن شفتي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولنهى عنه بقية الصحابة.
وهذا هو من أقوى الأدلة على جواز التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم). و روى البيهقي عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد إلا ما غفرت لي، الخ.. ولو كان التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حراماً وشركاً لما فعله النبي (آدم)u.
وروي أنه لما حج المنصور الدوانيقي، وزار قبر النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) سأل الإمام مالكاً (إمام المالكية) وقال له:
يا أبا عبد الله استقبل القبلة وأدعو، أم استقبل رسول الله؟.
فقال مالك: (لِمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله)، بل استقبله، واستشفع به فيشفعه الله فيك، قال الله تعالى: ]ولو انهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله& واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً[ .
وفي قول مالك: (هو وسيلتك، ووسيلة أبيك آدم إلى الله) لدليل صريح على جواز التوسل، بل واستحبابه أيضاً.
وروى الدارمي في صحيحه عن أبي الجوزاء، قال: قحط أهل المدينة قحطاً شديداً، فشكوا إلى عائشة، فقالت: انظروا قبر النبي فاجعلوا منه كواً إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف. ففعلوا، فمطروا حتى نبت العشب.
وهناك المئات من الشواهد لذلك، تجدها في الكتب المفصلة، فإذا كان التوسل برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جائزاً غير محرم، ولا شركاً كان التوسل بالأئمة والملائكة والصالحين من عباد الله أيضاً جائزاً.
فان التوسل إن كان شركاً يجب أن يحرم التوسل حتى برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وإن كان جائزاً لزم أن يجوز التوسل لا برسول الله فقط بل بجميع الصالحين من عباد الله.
وليد: عجيب هذه الأحاديث التي نقلتها، فإني لم أر واحدة منها!.
محمد: إنك لو راجعت كتب الأحاديث لرأيت المئات من شواهد التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأولياء الله والصالحين وإن الأحاديث التي نقلتها لك ما هي إلا كقطرة من بحر ، ويظهر أنك قليل المطالعة في الأحاديث، وسيرة الصالحين من السلف؟.
وليد: كثرة مشاغلي، وابتلاء أتي تمنعني عن مطالعة كتب الحديث، والسير، على الرغم من كثرة اشتياقي إليها.
محمد: إذا كنت قليل النظر في الأحاديث فيكف يجوز لك أن تسب الشيعة ـ بل وتسب جميع المسلمين ـ وتنسبهم إلى الشرك لمجرد قول محمد بن عبد الوهاب وأنت جاهل بالأحاديث؟.
إن ذلك ليس من الصحيح، ولو تسمح لي أقول لك بصراحة.
وليد: ـ بضحك وبسط وجه ـ قل يا محمد كل ما في قلبك، فأنا صديقان، وإنما فاتحتك بهذه الأحاديث لأستنير بعلمك، واستفيد منك.
محمد: ان مثلك تماماً مثل كفار قريش الذين كانوا يعكفون على أصنامهم، بحجة:] إنا وجدنا آبائنا على ملة وإنا على آثارهم مقتدون[ .
ولم يذمهم الله تعالى، لأنهم إذا رأوا الحق لم يستمعوا إليه، ليعرفوا أنه صحيح أم لا، وضلوا على أصنامهم عاكفين.
وأنت يا وليد لا تقلد آباءك تقليد الأعمى، بل كن متنوراً وابحث عن الحقيقة لتجدها، وتبني عليها حياتك، ولو فحصت كتب الحديث وجدت أن ما تقوله جماعة خاصة، من عدم جواز التوسل بأولياء الله، وأحبائه وكونه شركاً.. كلام اتفق جميع فرق المسلمين وطوائفهم ومذاهبهم على خلافه، فهل آمنت بذلك؟.
وليد: نعم.. لأنه يظهر أن الحق مع الشيعة وسائر المسلمين في ذلك، ولكن ماذا أفعل تجاه سبي للشيعة؟.
محمد: إستغفر الله، وابحث عن الحقيقة دائماً عل الله يغفر لك، ودائماً كلما سمعت من معتقدات الشيعة فابحث عنه، حتى تجد الحق، ودع العصبية، فان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (كل عصبية في النار).
وليد: سأفعل كل ذلك وأشكرك شكراً جزيلاً.
زيارة القبور
جميل: ما هذه الضوضاء التي تخلقونها أنتم الشيعة لأنفسكم دون السبب؟.
جواد: وما هي؟.
جميل: تزورون قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقبور أئمتكم وقبور الصالحين.
جواد: وهل بذلك بأس؟.
جميل: إنه حرام وهو من الشرك بالله.
جواد: وهل أنت همج ـ يا جميل ـ تنعق مع كل ناعق وتميل مع كل ريح؟.
إنني لم أكن أترقب من مثلك ـ رجل مثقف فاهم ـ يندفع اندفاعا تعصبياً دون دليل أو برهان، كنت أقدرك ـ وإلى الآن ـ لما فيك من روح البحث عن الواقع والسير وراء الحق حيثما تجده.
جميل: وهل كلامي هذا يكون عن الاندفاع التعصبي لمذهبي؟.
جواد: نعم .. ليس غير ذلك.
جميل: ومن أين تقول؟.
جواد: الآن نعرض هذا الموضوع ـ زيارة القبور على طاولة النقاش لنرى الحق مع من، ومن هو على الضلال؟.
جميل: إنني مستعد، لأني على علم من كون زيارة القبور شركاً.
جواد: وكيف إنها شرك؟.
جميل: لأنها تشبه عكوف المشركين على أصنامهم.
جواد: ولأجل ذلك كانت شركاً؟.
جميل: نعم.. فإن الزيارة عكوف على القبر، كما يعكف المشركون على أصنامهم.
جواد: فالعكوف هو الذي جعل الزيارة شركاً ؟.
جميل: نعم ..
جواد: إذن : فالمسلمون جميعاً بلا استثناء مشركون وليس في الدنيا شخص غير مشرك، وأنت أيضاً من المشركين !
جميل: وكيف؟.
جواد: أذهبت إلى الحج؟.
جميل: نعم، والحمد لله.
جواد: وصليت في المسجد الحرام؟.
جميل: نعم . و الحمد لله.
جواد:ورأيت كيف إن المسلمين _ في وقت الصلاة _ يحوطون حول الكعبة للصلاة، فالواقف في طرف المغرب يجعل ظهره على المغرب ويتوجه إلى الكعبة، والواقف طرف الجنوب يجعل ظهره على الجنوب ويتوجه الى الكعبة والواقف طرف الشمال يجعل ظهره على الشمال ويتوجه الى الكعبة، وكل في أية جهة كان يجعل ظهره على تلك الجهة ويتوجه إلى الكعبة بالصلاة والركوع والسجود، وغيرها، أرأيت ذلك؟.
جميل: بلى رأيت كل ذلك، وإني كنت أفعل حال الصلاة، ففي أية ناحية كنت من نواحي المسجد أجعل ظهري إلى تلك الناحية لأتوجه إلى الكعبة، لأن الصلاة بدون استقبال الكعبة باطلة.
جواد: إذن المسلمون كلهم مشركون، و أنت أيضاً مشرك.
جميل: ولم ؟
جواد: لأن توجهك إلى الكعبة حال العبادة يشبه توجه عبدة الأصنام إلي أصنامهم حال عبادتهم، غاية الأمر أن عبدة الأصنام يتوجهون _ حال العبادة _ الى أصنامهم التي صنعوها بأيديهم وأنت تتوجه حال الصلاة الى بيت مرتفع متخذ من حجر.
جميل: هناك فرق كثير بين توجهي نحو الكعبة، وبين توجه عبدة الأصنام إلى أصنامهم.
جواد: و بماذا الفرق.
جميل: إنني حينما أتوجه إلى الكعبة _ في الصلاة _ لا أعتبرها إلهاً أعبدها من دون الله _ والعياذ بالله _ وكذلك بقية المسلمين، لا يتوجهون الى الكعبة بالصلاة كإله، بل نتوجه إليها لأن الله تعالى أمرنا بذلك، وعبدة الأصنام يتوجهون الى أصنامهم ـ في عباداتهم ـ متخذين من الأصنام آلهة، يعبدونها من دون الله سبحانه فهم يتوجهون حال العبادة بقلوبهم إلى أصنامهم ونحن نتوجه بقلوبنا حال الصلاة إلى الله تعالى. وعملهم ذاك شرك صريح.
ولكن أين هذا من عملنا، واتجاهنا نحو الكعبة بالصلاة؟.
بينهما فرق ما بين الأرض والسماء.
جواد: فالتشابه ليس سبب الشرك، وإلا كان عملك شركاً لتشابهه مع عمل عبدة الأصنام، وذاك الذي جعل عمل عبدة الأصنام شركاً هو قصدهم عبادة الأصنام لا العمل المجرد.
وذاك الذي أخرج توجهك إلى الكعبة عن الشرك هو عدم قصدك عبادة الكعبة بهذا التوجه.
جميل: نعم.
جواد: ونحن الشيعة، وكذلك بقية المسلمين، لا نقصد بالزيارة عبادة النبي أو عبادة الإمام أو عبادة ذلك الميت الصالح.. وكون هذه الزيارة تشبه عملاً من أعمال المشركين لو صح ذلك، فان الشباهة لا تجعل الزيارة محرمة وشركاً إذا لم يقصد منها العبادة .
ففي الحديث الشريف: (إنما الأعمال بالنيات) .
فقد يكون عمل واحد شركاً إذا قصد به العبادة لغير الله، وجائزاً إذا لم يقصد منه ذلك.
فمثلاً: لو صليت في مكان وأمامك صنم منصوب فان قصدت بالصلاة العبادة لذلك الصنم صرت مشركاً بهذه الصلاة، وان قصدت بالصلاة العبادة لله تعالى من دون قصد التوجه الى الصنم بقلبك فصلاتك صحيحة، وجائزة ولا تصير بذلك مشركاً.
جميل: بعد تفكير عميق.
قال: صحيح كل ذلك.
واسأل الله تعالى أن يبقيك سنداً لنا، إذ أوقفتني على مواضع مهمة أغفلتني العصبية عنها. ولكن أريد أن استفيد منك الآن بسؤال.
جواد: تفضل.
جميل: عرفت أنا بأن زيارة القبور ليس محرمة وهي جائزة، ولكن ما السّر في أنكم الشيعة تهتمون بها همة وافرة، وما سبب ذلك ؟.
جواد: لأنها مستحبة مؤكدة .
جميل: مستحبة ؟.
جواد: نعم.. وتأكيد الاستحباب فيها شديد شديد.
جميل: وهل هناك حديث يدل على استحباب زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقبور صالح المؤمنين ؟.
جواد: نعم.. هناك أحاديث كثيرة، بالإضافة الى عمل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه، وسيرة المسلمين منذ فجر الإسلام حتى اليوم.
جميل: لطفاً اذكر لي بعض ذلك.
جواد: 1: روى في الصحيح أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) زار شهداء أحد.
2: وروى أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) حضر لزيارة البقيع.
3: في (سنن النسائي) و(سنن ابن ماجة) و(إحياء العلوم) للغزالي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم):
(زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة) .
4: في نفس الكتاب عن أبي هريرة قال: زار النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: (… فزوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة) .
5: وباب ما ورد في كيفية زيارة الأموات ملئ بالأحاديث في جميع كتب الحديث، كالصحاح والسنن. ومن بين ذلك: ان الزائر متى خرج إلى البقيع يقول:
(السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين…الخ) .
هذه في استحباب زيارة الصلحاء والمؤمنين، والأمر بها والترغيب فيها.
وأما ما يخص زيارة قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فكثير جداً، نذكر منها:
6: روى (الدارقطنى) و(الغزالي) و(البيهقي) وغيرهم ان رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قال: (من زارني وجبت له شفاعتي).
7: وروى أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شفيعاً وشهيداً يوم القيامة) .
8: عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) أنه قال: (من حج ولم يزرني فقد جفاني) .
9: عن أبي هريرة، عن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قال: (من زارني بعد موتي فكأنما زارني حياً) .
10: عن ابن عباس، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (من حج وقصدني في مسجدي كانت له حجتان مبرورتان) .
وهناك أحاديث كثيرة غير هذه تدل على شدة الندب وتأكيد استحباب زيارة قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وزيارة قبور الصالحين من المؤمنين.
أفليس قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (فقد جفاني) دالاً على شدة استحباب زيارته؟.
أو ليس قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (وجبت له شفاعتي) دالاً على كثرة الندب فيها.
أو ليس قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة) أمراً بالزيارة، والأمر هنا إن لم يدل على الوجوب فلا شك أنه للاستحباب؟.
جميل: أين ذكرت هذه الأحاديث وفي أي كتاب؟.
جواد: كتب الحديث مليئة بهذه وأمثالها، أنت راجع واقرأ ترى أحاديث جمة.
جميل: إنني إلى الآن لم أر، ولم أسمع واحداً من هذه الأحاديث.
جواد: هل قرأت صحيح البخاري ؟ .
جميل: ليس عندنا منه ؟.
جواد: هل قرأت صحيح مسلم ؟.
جميل: كان عند المرحوم جدي منه، ولكن عمي أخذه عند وفاة جدي.
جواد: هل قرأت سنن النسائي ؟.
جميل: وما هو ؟.
جواد: كتاب حديث.
جميل: خيراً.. لم أره.
جواد: إذن فماذا قرأت من الأحاديث ؟.
جميل: عفواً أنني طالب في كلية الطب، ولا أزال أجدّ في الدراسة حتى أنجح في دروسي، ولم تبق لي فرصة أقرا فيها الأحاديث على شدة علاقتي بالأحاديث.
جواد: إذا كنت لم تقرأ حديثاً، ولم تنظر في كتاب فكيف تنبري لتنكر زيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة عليهم الصلاة والسلام، دون معرفة بالأحاديث.
وهل علمك بأن زيارة القبور شرك لم يكن مستنداً إلى شئ؟.
جميل: كلما سمعته ـ أنا ـ من والدي، وجدي وزملائي.. حول الزيارة ما كان إلا استنكاراً لها، وسبا لمن يزور، ولم اسمع يوماً ما بواحد من هذه الأحاديث التي ذكرتها ونقلتها.
جواد: يجب على الإنسان أن يفحص عن الحقيقة ليصل إليها ولا يظل عاكفاً على أقوال بيئته، فلعلهم كانوا على خطأ فليدرس هو، و ليتتبع هو، وليقرأ هو، حتى يعيش في عقيدته، وأعماله وأقواله كما أراد الله تعالى.
جميل: الآن آمنت بأن زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مستحب مؤكد مندوب إليها، وكذلك زيارة قبور الأئمة ومقابر المؤمنين والصالحين من عباد الله.
جواد: لي رجاء منك.
جميل: تفضل.
جواد: إنني أؤكد الرجاء منك بأن لا تكون همجاً تتبع كل صيحة تعلو، ولا تخضع لعقائد بيئتك التي أنت فيها إلا بعد معرفتها عن طريق العلم، والدراسة، فإنك لو فعلت ذلك نجوت.
جميل: وهذا أقصده أنا في المستقبل، لأني بعد ما كنت اعتقد ان زيارة القبور شرك علمت عن الطريق الإسلامي انها مستحبة مؤكدة، عرفت أن المفروض علي الفحص عن المواضيع.
وسوف أباحث بهذا الشأن أبي أولاً وقبل كل شئ الذي كان هو السبب الوحيد في اعتقادي بهذا الموضوع علني أوفق لهدايته.
جواد: أشكرك.
جميل: أنا شاكر لك لما هديتني.
& & &
متعة النساء
نعمان: كيف تبيحون ـ أنتم الشيعة ـ متعة النساء أي: النكاح المنقطع، وقد أجمع جميع المسلمين على حرمتها ؟.
رضا: لقول عمر بن الخطاب: إن رسول الله أحلها وجوزها.
نعمان: وما هو ؟.
رضا: روى الجاحظ والقرطبي والسرخسي الحنفي ، والفخر الرازي وكثير غيرهم من أعلام السنة أن عمر قال في خطبته: (متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه [وآله]وسلم) وأنا أنهى عنهما، وأعاقب عليهما: متعة الحج، ومتعة النساء وفي تاريخ ابن خلكان أن عمر قال: (متعتان كانتا على عهد رسول (صلى الله عليه [وآله] وسلم) وعلى عهد أبي بكر وأنا أنهى عنهما).
فماذا تقول يا نعمان ؟ هل يصدق عمر في أن المتعتين كانت محللتين في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أم يكذب ؟.
نعمان: يصدق طبعاً.
رضا: إذن فهل لنا مبرر لو تركنا قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخذنا بقول عمر ؟.
نعمان: المبرر نهي عمر بن الخطاب.
رضا: إذن فما معنى (حلال الى يوم القيامة، وحرامه حرام الى يوم القيامة) المتفق عليه بين علماء المسلمين قاطبة من دون استثناء ؟.
نعمان: .. بعد ترو عميق طويل .. صحيح ما تقول، ولكن كيف نهى عنهما ؟ وعلى أي شئ استند في هذا التحريم ؟ ذلك الذي تحريت فيه.
رضا: كان ذلك اجتهاداً شخصيا من عمر، وكل اجتهاد عارضه نص فذلك الاجتهاد لا يقبل به.
نعمان: وإن كان الاجتهاد من مثل عمر بن الخطاب ؟.
رضا: وان كان من اكبر منه، افترى قول الله تعالى، وقول رسوله العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) أحق بالاتباع، أم قول عمر بن الخطاب؟.
نعمان: وهل في القرآن الكريم آية في المتعة وحليتها ؟.
رضا: نعم، تلك قول الله سبحانه:] فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة [ .
وقد أخرج العلامة الأميني في الغدير المصادر الكثيرة من كتب السنة كمسند ابن حنبل إمام الحنابلة، وغيره في أن الآية نزلت في متعة النساء، وان الآية أول مستند لحليتها .
نعمان: لم اكن اعلم بذلك من ذي قبل.
رضا: راجع (الغدير) تجد فوق ما وصفت أنا، واكثر مما قلته لك.
فهل يترك حلال الله ورسوله ليؤخذ بنهي عمر، وتحريمه؟.
ثم، أنا من أمة مَن ؟، أمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أم أمة عمر؟.
نعمان: طبعاً من أمة الرسول، وعمر إنما فضله بأنه من أمة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
رضا: إذن فما توقفك في الأخذ بقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟.
نعمان: اتفاق بين المسلمين على حرمة المتعة هو الذي أحرج موقفي منها.
رضا: ليس اتفاق بين المسلمين في ذلك أبداً.
نعمان: وكيف ؟.
رضا: أنت يا نعمان تعترف بأن الشيعة تبيح متعة النساء والشيعة يشكلون [اكثر من] ربع المسلمين، فأي اتفاق هذا الذي خرج عنه نحو مائتي مليون مسلم وهم الشيعة ؟.
ثم: ان الأئمة المعصومين عليهم افضل الصلاة والسلام، ـ أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ الذين شبههم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بسفينة نوح، التي من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق وهوى ، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) فيهم:
(إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) .
هؤلاء الذين من تبعهم وحذا حذوهم كان من الناجين والواصلين إلى الحق، ومن تبع غيرهم وأدبر عنهم كان من الضالين التائهين.. هؤلاء كانوا يجيزون متعة النساء، ويرون انها غير منسوخة، حتى عرفوا بذلك، وأخذت الشيعة عنهم ذلك.
وقد صح عن الإمام أمير المؤمنين u أنه قال: (لو لا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى الا شقي) .
يعني: أن نهي عمر عن المتعة كان سبباً لأن لا يتعرف الناس على المتعة والنكاح المنقطع، وليس كل يقدر على النكاح الدائم، فيزني الناس من جراء تحريم المتعة.
فأين اتفاق المسلمين وهؤلاء أئمة المسلمين مصرون على إباحة المتعة وجوازها؟ مع أن كثيراً من الصحابة والتابعين والمسلمين ردوا على عمر تحريمه للمتعة، مستدلين بالقرآن الكريم وتجويز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
واليك بعضاً منهم وبعض أقوالهم:
1: عمران بن الحصين، قال:
(نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى، لم تنـزل آية بعدها بنسخها، فأمرنا بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتمتعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومات ولم ينهنا عنها ثم قال رجل بعد برأيه ما شاء) .
2: جابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو سعيد الخدري قالا: (تمتعنا إلى نصف من خلافة عمر حتى نهى عمر الناس عنها في شأن عمرو بن حريث).
3: عبد الله بن مسعود، وقد عده ابن حزم في (المحلى) والزرقاني في (شرح الموطأ) ممن ثبت على إباحة متعة النساء.
وأخرج الحفاظ عنه انه قال:
(كنا نغزو مع رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) وليس لنا نساء، فقلنا: يا رسول الله ألا نستخصي ؟ فنهانا عن ذلك، ورخص لنا أن ننكح بالثوب إلى أجل، ثم قال: ]لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم [ .
4: عبد الله بن عمر.
روى احمد بن حنبل ـ إمام الحنابلة ـ بإسناده عن عبد الرحمن ابن نعم الأعرجي قال: سأل رجل ابن عمر عن المتعة ـ وأنا عنده ـ متعة النساء؟ فقال: (والله ما كنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه [وآله]وسلم) زانين ولا مسافحين) .
5: أبو سعيد الخدري.
6: سلمة بن أمية بن خلف.
روى عنهما ابن حزم في (المحلى) والزرقاني في (شرح الموطأ) انهما كانا يبيحان المتعة بالنساء، والنكاح المنقطع .
7: معبد بن امية بن خلف.
ذكر ابن حزم في (المحلى) انه كان يبيح النكاح المنقطع .
8: الزبير بن العوام.
قال الراغب: عير عبد الله بن الزبير عبد الله بن عباس بتحليله المتعة فقال له: سل أمك كيف سطعت المجامر بينها وبين أبيك ؟.
فسألها، فقالت: ما ولدتك إلا في المتعة .
وإن ذلك لدليل ثابت على وتجويز الزبير متعة النساء.
9: خالد بن مهاجر بن خالد مخزومي.
قال: بينا هو جالس عند رجل، جاءه رجل فاستفتاه في المتعة فأمره بها.
فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري: مهلا.
قال: ما هي والله لقد فعلت في عهد إمام المتقين .
10: عمرو بن حريث.
أخرج الحافظ عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريح قال: أخبرني أبو الزبير عن جابر، قال: قدم عمرو بن حريث الكوفة فاستمتع بمولاة فأتى بها عمرو وهي حبلى، فسأله فأعترف.
قال: فذلك حين نهى عنها عمر .
وهناك غير هؤلاء كثيرون ممن أبدوا استنكارهم على فتوى عمر هذه، واجتهاده في مقابل القرآن والسنة مثل:
أبي بن كعب.
وربيعة بن أمية.
وسمير ـ أو سمرة بن جندب.
وسعيد بن جبير.
وطاووس اليماني.
وعطاء أبو محمد المدني.
والسدي.
ومجاهد.
وزفر بن اوس المدني.
وغيرهم.. من كبار الصحابة، والتابعين وعظماء المسلمين نترك ذكرهم بغية الاختصار وعدم التطويل.
فيا (نعمان) أسألك:
هل بعد هذا كله تقول: اتفاق بين المسلمين على حرمة المتعة؟.
نعمان: عفواً.. وعذراً.
إنني كنت سامعاً بما قلت لك من دون أن أتحقق من صحتها وفسادها، والآن ظهر لي أن الواجب يحتم عليّ أن أبحث عن الأمور لأصل إلى حقيقتها وواقعها المعرى عن التعصب المذهبي.
رضا: وهل آمنت بأن متعة النساء جائزة ومباحة ؟.
نعمان: ذلك مما ايقنت به، واعتقد أن الذين حرموا ذلك إنما حرموها إتباعاً لميولهم وشهواتهم، وإلا فالقرآن حاكم بجواز نكاح المتعة وحليته من دون أن يعقبه نسخ.
وليس لعمر، ولا لأعظم من عمر أن يبدل ويغير أحكام الله ولا يكاد ينقضي تعجبي من عمر، إنه كيف أفتى بهذه الفتوى حيث لا أرى أي مبرر لهذه الفتوى.
وإنك لتزيد علي منة لو ذكرت لي بعض الكتب التي تناول هذه المواضيع بالنقاش العلمي، والبحث النزيه، فتكون قد أسديت اليّ يداً لا تنسى.
رضا: نعم، اذكر لك ذلك، فسجل أسماء الكتب وخذها من المكتبات، واقرأها بإمعان وعمق، ولا تدع التعصب يغلب عليك حال القراءة.
نعمان: بلى، أفعل ذلك.
رضا: الغدير.. للعلامة الأميني (قده).
النص والاجتهاد.. للإمام شرف الدين (قده).
المتعة.. للأستاذ توفيق الفكيكي.
الفصول المهمة.. للإمام شرف الدين (قده).
هذه بعض تلك الكتب .
نعمان: أشكرك كثيراً، واسأل الله تعالى لك كل خير.
رضا: وهنا إيراد آخر على السنة الذين اخذوا يقول عمر في مسألة متعة النساء.
نعمان: ما هو ؟.
رضا: ان عمر، نهى عن (متعة النساء) وعن (متعة الحج) فما السبب في ان السنة يجوزون (متعة الحج) ولا يجوزون (متعة النساء) .
فان كان قول عمر صحيحاً.. كان اللازم حرمة كلتا المتعتين.
وان كان قول عمر باطلاً .. كان اللازم حلية كلتا المتعتين.
نعمان: وهل السنة يقولون بصحة (متعة الحج).
رضا: يقولون، فراجع الكتب حتى تعرف.
نعمان: أشكرك جداً.
اهداء(الى صاحب التربة الدامية الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله : «حسين مني وأنا من حسين» )
اخوكم السد جاسم ابو محمد علي
السلام عليكم00000000
احببت ان أطرح هذا الموضوع لتبيان الالتباسات عند أخواننا السنه حول الشيعه
السجود على التربة
سامي: يا علي إنكم الشيعة تشركون بسجودكم على التربة، وهل التربة غير كمية من الطين اليابس تعبدونه من دون الله؟.
علي: اسمح لي أن أسألك سؤالاً.
سامي: تفضل.
علي: هل يجب السجود على جسم (الله) تعالى؟.
سامي: إن قولك هذا كفر، لأن الله ليس بجسم، فلا يرى بالعين، ولا يلمس بالجسم، ومن اعتقد أن الله جسم فهو كافر.
إنما السجود يجب أن يكون (لله)، يعني: تكون الغاية من السجود، والخضوع هو (الله) سبحانه، أما السجود على (الله) فهو كفر.
علي: من كلامك هذا ثبت أن سجودنا على التربة ليس شركاً لأننا نسجد على التربة، لا أنه نسجد لأجل التربة، وان كنا نعتقد ـ على الفرض المحال ـ أن التربة هي (الله) فكان اللازم السجود لها،لا السجود عليها، لأن الشخص لا يسجد على ربه.
سامي: إنني لأول مرة أسمع هذا التحليل، وانه لصحيح اذ انتم لو كنتم تعتبرون (التربة) إلهاً لما سجدتم عليها، وسجودكم عليها دليل على أنكم لا تعتبرون التربة إلهاً.
سامي: دعني أسألك سؤالاً.
علي: تفضل.
سامي: إذن فما سبب إصراركم على السجود على التربة، ولم لا تسجدون على سائر الأشياء، كما تسجدون على التربة؟.
علي: هناك حديث شريف روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بإجماع جميع فرق المسلمين، أنه قال: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) .
فالتراب الخالص هو الذي يجوز السجود عليه باتفاق جميع طوائف المسلمين، ولذلك نسجد ـ دائماً ـ على التراب الذي اتفق المسلمون جميعاً على صحة السجود عليه.
سامي: وكيف اتفق المسلمون عليه؟.
علي: أول ما جاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الى المدينة، وبنى المسجد فيها، هل كان المسجد مفروشاً بفرش؟.
سامي: لا .. لم يكن مفروشاً بفرش.
علي: فعلى أي شيء كان يسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمون؟.
سامي: على أرض مفروشة بال تراب.
علي: إذن جميع صلوات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت على الأرض وكان يسجد على التراب وكذلك المسلمون في زمانه وبعده كانوا يسجدون على التراب.. فالسجود على التراب صحيح قطعاً ونحن إذ نسجد على التراب نتأسى برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتكون صلواتنا صحيحة قطعاً.
سامي: فلم لا تسجدون ـ انتم الشيعة ـ على غير التربة التي تحملونها معكم من سائر مواضع الأرض، او غيرها من التراب؟.
علي: أولاً: الشيعة تجوز السجود على كل أرض سواء في ذلك المتحجر منها، أو التراب.
وثانياً: حيث يشترط في محل السجود الطهارة من النجاسة فلا يجوز السجود على ارض نجسة، أو تراب غير طاهر، لذلك نحمل عنا قطعة من الطين الجاف الطاهر، تخلصاً من السجود على مالا يعلم طهارته من نجاسته.
مع العلم أننا نجوز السجود على تراب الأرض أو أرض لا نعلم بنجاسته.
سامي: إن كنتم تريدون ـ بذلك ـ السجود على التراب الطاهر الخالص.. فلم لا تحملون معكم تراباً تسجدون عليه؟.
علي: حيث إن حمل التراب يوجب وسخ الثوب، لأنه أينما وضع من الثوب فلا بد أن يوسخه، لذلك نمزجه بشيء من الماء ثم ندعه ليجف، حتى لا يوجب حمله وسخ الثوب.
ثم: إن السجود على قطعة من الطين الجاف أكثر دلالة على الخضوع، والتواضع لله تعالى.
فإن السجود هو غاية الخضوع، ولذا لا يجوز السجود لغير الله سبحانه، فإذا كان الهدف من السجود هو الخضوع لله، فكلما كان مظهر السجود أكثر في الخضوع، لاشك أنه يكون أحسن.
ومن أجل ذلك استحب أن يكون موضع السجود أخفض من موضع اليدين، والرجلين، لأن ذلك أكثر دلالة على الخضوع لله تعالى.
وكذلك استحب أن يعفر الأنف بالتراب ـ في حال السجدة ـ لأن ذلك أشد دلالة على التواضع والخضوع لله تعالى.
ولذلك .. فالسجود على الأرض، أو قطعة من الطين الجاف أحسن من السجود على غيرهما مما يجوز السجود عليه، لأن في ذلك وضع أشرف مواضع الجسد وهو الجبهة على الأرض خضوعاً لله تعالى وتصاغرا أمام عظمته.
أما أن يضع الإنسان ـ في حال السجدة ـ جبهته على سجاد ثمين أو على معادن كالفضة، والعقيق، والذهب وغيرهما، أو على ثوب غال القيمة… فذلك مما يقلل من الخضوع والتواضع، وربما أدى إلى عدم التصاغر أمام الله العظيم. إذن: فهل يمكن أن يعتبر السجود على ما يزيد من تواضع الإنسان أمام ربه، شركا وكفرا، والسجود على ما يذهب بالخضوع لله تعالى.. تقرباً من الله؟.
إن ذلك إلا قول زور.
سامي: فما هذه الكلمات على التربة التي تسجدون عليها؟.
علي: أولاً: انه ليس جميع أقسام التربة مكتوباً عليها شئ فإن هناك كثيراً من التربات ليس عليها حرف واحد.
وثانياً: المكتوب لى بعضها هو أن هذه التربة متخذة من تراب أرض كربلاء المقدسة .
وهل في ذلك شرك؟.
أو هل ذلك يخرج التربة عن كونها تراباً جائز السجود عليه كلا.
سامي: فما الخصوصية في تربة أرض (كربلاء) حيث نجد أكثر الشيعة يتقيدون بالسجود عليها مهما أمكن؟.
علي: السبب في ذلك أنه ورد في الحديث الشريف: (السجود على تربة الحسينu يخترق السماوات السبع) . يعني أن السجود عليها يوجب قبول الصلاة، وصعودها الى السماء.
وما ذلك إلا لإدراك أفضلية ليست في تربة غير (كربلاء المقدسة).
سامي: وهل السجود على تربة الحسين تجعل الصلاة مقبولة عند الله تعالى ولو كانت الصلاة باطلة؟.
علي: الشيعة تقول بأن الصلاة الفاقدة لشرط من شرائط الصحة باطلة، غير مقبولة.
ولكن الصلاة الجامعة لجميع شرائط الصحة مقبولة عند الله تعالى، وقد تكون غير مقبولة، أي لا يثاب عليها، فإذا كانت الصلاة الصحيحة على تربة الحسينu قبلت ويثاب عليها، فالصحة شئ، والقبول شئ آخر.
سامي: وهل أرض (كربلاء المقدسة) أشرف من جميع بقاع الأرض، حتى من أرض مكة والمدينة، حتى يكون السجود عليها أفضل؟.
علي: و ما المانع من ذلك؟.
سامي: إن تربة (مكة المكرمة) التي لم تزل منذ نزول آدم u أرض الكعبة، وأرض (المدينة المنورة) التي تحتضن جسد الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) تكونان في المنـزلة دون منـزلة (كربلاء)؟.
هذا غريب!. وهل الحسين بن علي أفضل من جده الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟.
علي: كلا.. إن عظمة الحسين بصيص من عظمة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشرف الحسين شئ من شرف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)،ومكانة الحسين عند الله تعالى إنما هي لأجل أنه إمام سار على دين جده الرسول حتى استشهد في ذلك..
لا.. ليست منزلة الحسين إلا جزءاً من منـزلة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولكن.. حيث إن الحسينu قتل هو و أهل بيته، وأنصاره في سبيل إقامة الإسلام، وإرساء قواعده، وحفظها عن تلاعب متبعي الشهوات، عوضّه الله تعالى باستشهاده ثلاثة أمور:
1: استجابة الدعاء تحت قبته.
2: والأئمة من ولده.
3: والشفاء في تربته .
فعظم الله تربته لأنه قتل في سبيل الله أفجع قتله، وسبي نساؤه، وقتل أصحابه، وغير ذلك من المصائب التي نزلت به من أجل الدين.. فهل في ذلك مانع؟.
أم هل تفضيل تربة كربلاء على سائر بقاع الأرض حتى على ارض المدينة معناه أن الحسينu افضل من الرسول، بل الأمر بالعكس. فتعظيم تربة الحسين تعظيم للحسين، وتعظيم الحسينu تعظيم لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).
سامي: هذا صحيح، وإني كنت أتخيل أنكم تفضلون الحسينu حتى على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، والآن عرفت الحقيقة، وأشكرك على هذه الالتفاتات الطيبة التي زودتني بها، وسوف أحمل معي ـ أبداً ـ قطعة من أرض كربلاء المقدسة، لأسجد عليها أينما صليت.. كما أني سأدع السجود على مثل الفرش والمعادن.
علي: إني أردت أن أبين لك ان هذه التهم الموجهة إلينا نحن الشيعة، ليس لها واقع، وإنما هي اكذوبات بحتة اختلقها علينا الآثمون من أعداء المسلمين ـ المسمين أنفسهم بـ (المسلمين) ـ علك تتحرى الحقيقة دائما، ولا تعتني بكل ما تسمع ضد الشيعة دون أن تبحث عن واقعة وحقيقته.
وهذا ما أرجوه منك.
بناء القبور
فؤاد: يا جعفر.. هل تسمح لي أن أسألك عن موضوع حول الشيعة، والسنةa؟.
جعفر: أسأل وكم احب أن يكون الشخص واعياً، مثقفاً يفهم الأشياء عن دراسة، ويقين.. ولا يكون همجياً يتبع كل نعيق يملأ الجو، أو كل صرخة تتعالى.. من غير أن يعلم صحتها وفسادها.
فؤاد: أو تؤمن بكلامي إن صح أنّ الحق معنا (أهل السنة)؟.
جعفر: إنني في طليعة من يؤمنون بالحقائق الصادقة فور معرفتها، وإني ما أخذت التشيع إلا لأني وجدته حقاً وأنت تعلم بأن أبي، وأمي، وأخواتي، وقومي..كلهم سنة ليس فيهم شيعي واحد، وانما اعتنقت التشيع لما وجدت من الحق فيه.. ولو عرفت صحة كلامك فأنا أول المؤمنين به.
فؤاد: انتم الشيعة تبنون على قبور الأنبياء والأئمة والعلماء، والصلحاء… مباني، تصلون عندها، وليس ذلك إلا شركاً، فكما يعبد المشركون الأصنام، تعبدون (أنتم الشيعة) مباني قبور الأولياء.
جعفر: يجب أن نكون ـ نحن ـ واقعيين، لا قشريين فلا ننظر الى ما قاله فلان، وفلان، وانما ننظر إلى الحق الواضح من كتاب الله، وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسيرة السف الصالح..
فؤاد: نعم، وإني كذلك، أحب معرفة الأشياء عن طريق العلم والفهم، لا التقليد الأعمى.
جعفر: أولاً: لسنا نحن الشيعة مختصين ببناء القبور، فالمسلمون ـ جميعاً ـ يبنون مراقد الأنبياء، والأئمة وعظمائهم واليك بعض ذلك:
` قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقبل الخليفتين لازالا مبنيين بأفخم بناء وأعلى قبة.
` قبور جماعة من الأنبياء منهم إبراهيمu بالأردن بمدينة (الخليل) لها أضرحة وعليها قباب وبنايات عظيمة.
` قبر النبي موسىu ، له بناية كبيرة في الأردن بين مدينتي (القدس) و(عمان).
` قبر أبي حنيفة ببغداد لا يزال معموراً، ببناء ضخم، وعليه قبة.
` قبر أبي هريرة في (مصر) مزار له بناء وعليه قبة.
` قبر عبد القادر في (بغداد) له صحن وضريح وقبة.
وغير ذلك من قبور الأنبياء، وقبور الأئمة وعظماء المذاهب، لها بنايات، وقباب، ولها أوقاف خاصة تصرف منافعها على تعمير تلك القبور، وحفظها عن الاندراس .. والبلاد الإسلامية ملؤها ذلك.. وكان المسلمون بمختلف مذاهبهم منذ اليوم الأول حتى اليوم يحبذون هذه الأشياء، ويأمرون الناس بها، ولم ينهوا عنها يوما، فلسنا نحن الشيعة فقط مختصين بهذا الحكم، وإنما يوافقنا عليه بقية المسلمين جميعاً، فهم ـ أيضاً ـ يبنون قبور أئمتهم، ويتعهدونها.
وثانياً: أننا ـ الشيعة ـ أو بقية المسلمين حينما نصلي بجانب قبور الأولياء، لا نصلي لأولئك الأولياء وإنما نصلي لله تعالى فقط.
ويدلك على ذلك أننا نتوجه في حال الصلاة الى القبلة لا إلى تلك القبور، ولو كنا نصلي الى تلك القبور، ونتوجه بالعبادة الى تلك الأضرحة، لوجب أن نتوجه إليها لا الى القبلة.
فؤاد: فلِمَ تصلون خلف هذه القبور،حتى تجعلوا تلك القبور قبلة لكم؟.
جعفر: ـ إننا حين نصلي خلف تلك القبور ـ نتوجه الى القبلة لا إلى تلك القبور، وإنما تلك القبور ـ عفواً ـ تقع أمامنا، ومن دون قصد التوجه أليها.
وهذا لا يكون إلا كمن يصلي الى القبلة في مكان يكون أمامه بناية شامخة، فهل معنى الصلاة في هذا لمكان هو ان المصلي يعبد تلك البناية؟!.
وأكثر من هذا يقول علماء المسلمين قاطبة: يجوز الصلاة الى القبلة في معابد المشركين، وإن كان المصلي يقع أمامه صنم يعبد من دون الله فان توجه المصلي إلى الله، لا الصنم.
فهل معنى هذا أن المصلي يعبد ذلك الصنم.
فؤاد: إذا كان البناء على القبور ليس شركا ـ كما تقول ـ ويجوزها جميع المسلمين، فكيف هدموا الأضرحة والقبات المبنية على قبور الأئمة، وغيرهم.. بحجة أنها شرك، وعبادة من دون الله، وقد أفتى علماء الحجاز بذلك؟.
جعفر: انه لم يفت بذلك إلا بعض من علماء الحجاز في ذلك الزمان فقط، ولذا حدثني بعض الشيوخ من أهل المدينة قال: أنـه حينما أمروا آنذاك بهدم قباب وأضرحة القبور، خالف في ذلك علماء الحجاز أنفسهم، رادين ان ذلك ليس شركاً بل ان مثل ذلك مندوب إليه في الشريعة الإسلامية، لقول الله تعالى: ]من يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلو ب[ مما أدى الى طرد أولئك العلماء، وإبعاد بعضهم عن مناصبهم ومقاطعتهم.
إذن: فلم يفتِ بذلك إلا ثلاث أو أربع علماء من علماء الحجاز.
فؤاد: وإنني كنت أتفكر: إذا كانت الأضرحة والقباب محرمة، وشركا فلم لم يتنبه لذلك علماء المسلمين منذ زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى اليوم، ولم يمنعوا عنها ؟.
وكيف لم يعرفه المسلمون طيلة ثلاثة عشر قرناً؟.
جعفر: وأزيدك علماً:
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أقر بناء القبور، والأضرحة والقباب ولم ينه عنه.
فهذا بناء حجر إسماعيل هو مدفن النبي (إسماعيل) ومدفن أمه هاجر. وهذه قبور الأنبياء ـ إبراهيم وموسى وغيرهما ـ في أطراف بيت المقدس، كان يعلوها البناء في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والى زماننا هذا، ولم ينه عنها لا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا أحد من خلفائه.
ولو كانت محرمة أو كانت شركا لكان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمر بهدمها، وينهى عنها.
وحيث لم يفعل ذلك نعلم يقينا بأن مثل ذلك جائز.
وهكذا بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فانه عندما توفاه الله دفن في حجرته، وسد باب الحجرة، فصار قبره في وسط حجرة مبنية لها حيطان وسقف.
ولو كان أحد من الأصحاب سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حرمة مثل ذلك لما دفنوه هناك، ولو كانوا يدفنونه في حجرته لوجب هدم الحجرة لئلا يكون على القبر بناء.
وحيث لم يفعلوا ذلك، علمنا بأن البناء على القبور ليس حراماً فكيف بأن يكون شركاً.
فؤاد: أشكر لك إحسانك اذ هديتني الى الحق، وعرفتني أن بناء القبور ليس حراماً ولا شركاً، وان الذين يحرمونه ليس لهم دليل من الشرع يسند قولهم.. واني شاكر لك أبداً على ذلك.
جعفر: وإنني أشكرك على قبولك الحق اذ عرفته، واتباعك الهدى حينما رأيته، وانك سائر بهدى العقل والمنطق الصحيح لذا أود أن أكثرك بصيرة في الحق ومعرفة في الدين، فهل بقي لك من الوقت شئ لأتحدث معك.
فؤاد: إنني أشتاق الى الكلام الحق، تحدث بما تريد، فإني على استعداد للاستماع بملء أذني.
جعفر: ثبت من المحاورات الأنفة أن البناء على قبور أولياء الله جائز، ليس بحرام.
فؤاد: نعم.. وأنا معك في ذلك.
جعفر: الآن أريد أن أقول: ان البناء على قبور أولياء الله وإقامة الأضرحة عليها وبناء القباب.. كلها مستحبة يثاب الشخص على فعل ذلك كله، لا أنها جائزة وحسب.
فؤاد: وكيف؟.
جعفر: قال الله تعالى:] ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب[ فكل شئ يعد من شعائر الله تعظيمه مستحب في الإسلام.
فؤاد: نعم .. ولكن كيف يكون البناء على قبور الأولياء من الشعائر؟.
جعفر: الشعائر هي الأشياء التي تعظم الدين في أنظار العالم من غير ان يكون نص على حرمتها.
فؤاد: وهل يعظم الدين بهذه البنايات، والقباب؟.
جعفر: نعم.
فؤاد: وكيف ذلك؟.
جعفر: بناء قبور عظماء الإسلام، وبناء القباب عليها، وحفظها عن الاندراس، والانهدام تعظيم لأولئك العظماء بلا شك.
مثلاً: إذا جاء شخص بوردة، وأنبتها عند قبر ميت، أليس هذا الشخص معظماً لذلك الميت، ومقدراً له؟.
فؤاد: صحيح.
جعفر: فكيف بما إذا بنى على قبره بنياناً عظيماً ووضع عليه قبة، فإن ذلك من التعظيم لذلك الميت بلا ريب.
وتعظيم عظماء الإسلام، والأئمة، والأولياء.. تعظيم للإسلام، وتقدير للدين الذي كان هؤلاء دعاته، والموجهين للناس نحوه.
أليس الإنسان إذا عظم رئيس حزب، أو داعية دين أو عضو مبدأ .. يعد من المعظمين لذلك الحزب، والدين والمبدأ ؟.
فؤاد: نعم هو كما تقول.
جعفر: فالبناء على قبور أولياء الله تعظيم لهم وتعظيم لله، ورفع من الإسلام، وكل شئ كان تعظيما لله ورفعاً من الإسلام فهو من شعائر الله التي يندب الله تعالى إليها حيث يقول: ]ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلو ب[ .
فؤاد: إذن .. فهدم قبور الأولياء والأنبياء والأئمة، يكون توهيناً بالدين، وحطاً من كرامة الإسلام.. لأن هدمها تحقير لأصحابها، وتوهين بهم.. والتوهين بهم توهين بالدين، والحط من كرامتهم حط من كرامة الإسلام.
جعفر: وإنني أيضا تشيعت، وتبعت مذهب أهل البيت عليهم السلام وغيرت اسمي من وليد إلى جعفر… لهذا السبب نفسه ؟.
فإني حينما كنت اتبع رأي الآخرين لم أكد أظن أن غيري على حق، ولكن فحصت عن الحق، وذهبت إليه حتى وصلته، وبلغته.
والإنسان دائماً إذا خلف العصبية المذهبية وراءه، وفتح صدره لقبول الحق، وفحص عن الحق.. لا بد أن يصله، ويبلغ إليه.
فؤاد: أنا ـ وبعد هذا الموقف ـ سأكون على بصيرة من الأمور، وسأفحص عن الحق، حتى اتبع الحق حيثما وجدته.
وإني شاكر لك مدى الدهر..
والآن اسمح لي أن أذهب.. لأني على ميعاد مع شخص.
جعفر: تفضل، محروساً بعين الله.
فؤاد: في أمان الله.
جعفر: مصحوباً بالسلامة.
تـزيين المشاهد
خالد: سلام عليكم.
باقر: عليكم السلام ورحمة الله.
خالد: متى القدوم ؟ خيراً ؟.
باقر: لي ابن عم هنا جئت لزيارته.
خالد: أرجوك أن تتفضل اليوم عندنا.
باقر: ان ورائي أعمالاً جمة تركتها لأجل (صلة الرحم) وأسألك أن تعفني عن ذلك.
خالد: لا يمكن.. صديقان بعد فراق عشر سنوات يتلاقيان ثم لا يصطحبان ساعة. إن لي عليك ـ أيضاً ـ حق الأخوة الإسلامية.
ثم انه وقع نقاش بيني، وبين أحد أخواني المؤمنين في موضوع الشيعة والسنة وحيث إني مطمئن منك أريد أن أباحثك في ذلك حتى يظهر لي الحق.
باقر: لا بأس.
…اصطحبا معاً إلى دار خالد، ووصلا الدار، وجلس كل واحد منهما بجنب الآخر..
.. وبعد ما تكلما عن الأمور الخاصة بهما، انبرى باقر قائلاً وما النقاش الذي جرى بينكما؟.
خالد: كان النقاش حول تزيين قبور الأنبياء، والأئمة، والعلماء والمؤمنين والصلحاء ونحوهم، بالذهب والفضة وسائر الحلي.
باقر: وما الإشكال الذي فيه؟.
خالد: أليس ذلك حراماً؟.
باقر: ولٍمَ؟.
خالد: هل يستفيد الميت من هذه ؟.
باقر: لا، لا يستفيد.
خالد: إذن: إن ذلك كله إسراف وتبذير، والله تعالى يقول:] ولا تبذر تبذيراً & ان المبذرين كانوا إخوان الشياطين [ .
باقر: وما تقول في حلل الكعبة، وحليها، والذهب والفضة اللذين عليها، وفيها؟.
خالد: لا ادري.
باقر: نعم كانت للكعبة حلل، وذهب كثير، يهدى إليها من أطراف البلاد منذ زمن الجاهلية حتى يومنا هذا.
يقول ابن خلدون في مقدمته :
وقد كانت الأمم منذ عهد الجاهلية تعظمه،والملوك تبعث إليه بالأموال والذخائر مثل كسرى، وغيره وقصة الأسياف وغزالي الذهب اللذين وجدهما عبد المطلب حين احتفر زمزم معروفة.
وقد وجد رسول الله (صلى الله عليه [آله] وسلم) حين إفتتح مكة في الجب الذي كان فيها سبعين ألف أوقية من الذهب مما كان الملوك يهدون للبيت. فيها: ألف، ألف، (أي: مليون) دينار، مكررة مرتين ، بمائتي قنطار وزناً.
وقال له علي بن أبي طالب u يا رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) لو استعنت بهذا المال على حربك ؟.
فلم يفعل.
ثم ذكر لأبي بكر فلم يحركه.
(الى أن قال):
(قال أبو وائل): جلست إلى شيبة بن عثمان وقال جلس إلى عمر بن الخطاب:
فقال: هممت أن لا ادع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها بين المسلمين.
قلت: ما أنت بفاعل.
قال: ولم؟.
قلت: فلم يفعله صاحباك.
فقال: هما اللذان يقتدى بهما .
فهل كانت الكعبة تستفيد من هذا الذهب والفضة يا خالد؟.
أو كان الله ـ سبحانه وتعالى عن ذلك ـ يستفيد منهما؟.
خالد: كلا.
باقر: ومع ذلك فان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يمد إلى تلك الأموال المتراكمة يداً، ولم يتصرف في شئ منها، على شدة احتياج الإسلام في تلك الأيام الى المال الوافر، والخزينة المليئة، لإقامة أركانه في البلاد.
ولِمَ ذلك؟.
لأن كون هذا المال الكثير للكعبة يزيد من عظمتها في أعين الناس، وإن كان شرفها ومنزلتها الواقعية عند الله تعالى لا يزداد ولا ينقص، سواء كان لها الدنيا كلها، أم لم يكن لها شئ.
وهكذا الكلام بالنسبة للقباب الذهبية، والأبواب الذهبية والفضية، والحلي والحلل المزودة بها قبور أولياء الله تعالى مثل: أمير المؤمنين والإمام الحسن والإمام الحسين والإمام الرضا وغيرهم عليهم أفضل الصلاة والسلام.
فهؤلاء منـزلتهم الإلهية الواقعية لا تزداد بوجود هذه المجوهرات ولا تنقص بعدم وجودها، فالإمام الحسن بن علي u أفضل من أخيه الحسينu وإن كان قبر الإمام الحسنu تصهره الشمس، وفي وادي البقيع ليس عليه أي بناء غير مزود بأية حلية، وكان قبر الإمام الحسينu مزوداً بأبنية عظمية فخمة من الذهب الخالص تبلغ الفضاء، وتنطح السحاب!.
ولكن فعلنا ذلك لهم، وإهداء المجوهرات لمراقدهم، وتذهيب قبابهم، وغير ذلك تقدير منا لهم، وتعظيمهم.
خالد: وهل هذه الأشياء تعظم أولياء الله في أعين الناس؟.
باقر: نعم.
والآن أجعلك أنت تعترف بذلك.
إذا ذهبت الى اليهود ورأيت مقابر علمائهم خربة، تطل عليها الشمس، لا من سقف أو حجرة يستظل بها الزائر.
ثم ذهبت الى النصارى، فرأيت مقابر علمائهم معمورة، مبينة عليها قباب، ومزينة بالذهب والفضة، وغيرهما من المجوهرات.
هل يعظم عندك علماء النصارى أم علماء اليهود، مع العلم أنك المسلم تعرف أن كليهما على باطل؟.
خالد: طبعاً احمل في نفسي من المشهدين صورة عظمية عن علماء النصارى، وصورة حقيرة عن علماء اليهود.
باقر: إذن فما تفعله الشيعة والسنة من بناء أضرحة، وحرم، وقباب، وغيرها على قبور الأئمة والأنبياء .. تعظيم لهم، ورفع من قدرهم، وكذلك تزيينها بالذهب والفضة وسائر المجوهرات.
خالد: صحيح كل ذلك ولكن هل يخرجها هذا الوجه عن كونها إسرافاً وتبذيراً؟.
باقر: نعم، وفوق ذلك.
فإذا ثبت أن هذه الأعمال تعظيم لأولياء الله، فهي في الوقت نفسه تعظيم للإسلام، لأن تعظيم علماء الإسلام تعظيم للإسلام، وكل شئ كان فيه تعظيم للإسلام فهو من شعائر الله التي قال الله تعالى عنها: ]ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب [ فتزيين مشاهد أولياء الله من شعائر الله التي يستحب فعله والعمل لأجله، ويثاب الشخص العامل في سبيله.
خالد: استميحك العذر، اذ أخذت من وقتك هذا المقدار ولكنك مأجور عند الله تعالى، اذ أخرجتني من ظلمات الجهل الى نور العلم والفهم، وكم كنت أطيل الفكر في هذه التزئينات فلم أدرك مغزاها، ووجه صحتها واليوم نورتني ـ أنت ـ بعلمك، وأبلغتني مقصدي.
باقر: إذن هل ذهب جميع ما بك من ريب حول تزيين المشاهد؟.
خالد: نعم.. لم يبق لي شك بأنه مستحب مندوب إليه في القرآن الحكيم:]ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب [ .
باقر: وعلى أي حال أني مستعد للمفاهمة معك في أمثال هذه المواضيع لكي استفيد أنا، أو تستفيد أنت ونكون عارفين للأمور عن فهم وتدبّر.
خالد: أشكرك ألف شكر وشكر، وأسأل الله تعالى أن يوفقك لمراضيه.
تقبيل الأضرحة
مالك: يا صادق ما الداعي الى تقبيل أضرحة النبي والأئمة الذي تصرون عليه؟.
صادق: وهل فيه أشكال؟.
مالك: يقال ان ذلك من الشرك.
صادق: ومن قال انه شرك؟.
مالك: يقوله المسلمون.
صادق: عجيب! فمن الذين يقبلون الأضرحة؟.
مالك قيل: انهم زمرة الشيعة.
صادق: هل ذهبت الى الحج؟.
مالك: نعم.. والحمد لله.
صادق: وهل زرت قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة المنورة؟.
مالك: والشكر لله.
صادق: ألم تر الآلاف من السنة تريد تقبيل ضريح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتضربه هيئة (الآمرين بالمعروف!!)؟.
مالك: نعم ..
صادق: إذن لسنا نحن الشيعة فقط نقبل أضرحة أنبياء الله بل يقبلها المسلمون قاطبة.
مالك: فلم يقول البعض بحرمة ذلك، وانه من الشرك بالله تعالى؟.
صادق: هؤلاء زمرة قليلة جداً بالنسبة الى المسلمين، يرون أنفسهم هم المصيبون، وهم المسلمون حقاً وغيرهم من المسلمين كافرين مشركين، يعبدون من دون الله، لا أن غيرهم مسلمون مخطئون.
ولذا فهم يكفرون جميع طوائف المسلمين.
ألم تر (هيئة الآمرين بالمعروف!!) بالحجاز تضرب من أراد تقبيل ضريح الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقول له:
يا كافر !
يا مشرك !
يا زنديق !
يا خنـزير !
يا كلب !
و غير ذلك من أتعس السباب والقذف ؟.
سواء في ذلك : الشيعي، والحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي والزيدي وغيرهم من المسلمين & ..
مالك: نعم .. رأيت كل ذلك، وأشنع منها : إني رأيتهم يضربون بالعصي على رأس من أصر على ذلك بحيث ربما يتفجر دماً، وقد يضربون بأيديهم _ بكل قوة _ في صدور الزائرين مما يؤذي صدورهم ويمرض أجسامهم!
و كم تألمت لهذه الأمور!!
الحج الذي جعل الله منه مؤتمراً عاماً للمسلمين ليباحثوا فيه عن مختلف شؤونهم، يصبح اليوم مفرقاً للصفوف بواسطة أعمال تلك الزمرة التي أسمت نفسها (هيئة الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر)!!
صادق: وعلى أي حال يا مالك .. أنت تقبل ابنك؟.
مالك: نعم؟.
صادق: وهل تشرك بالله تعالى في هذا التقبيل؟.
مالك: لا، لا .. أبداً.
صادق: وكيف لا تشرك بذلك؟.
مالك: إنني اقبل ابني حباً له، وليس هذا شركا.
صادق: أو تقبل القرآن؟.
مالك: نعم .
صادق: ولا تشرك بذلك؟.
مالك: لا ..
صادق: وهل غلاف القرآن الذي تقبله هو إلا جلد حيوان؟.
مالك: نعم.
صادق: إذن أنت أشركت بالله، وجعلت الجلد المتخذ من الحيوان شريكاً لله ـ تعالى عن ذلك علواً كبيراً ـ .
مالك: ليس ذلك.
إنما أقبل القرآن لأنه حاو لكلام الله، فحباً لكلام الله أقبل الغلاف الذي حواه، فهذا من وفرة الحب، وكثرة الاشتياق وأين هذا من الشرك؟.
وثم: إنني بتقبيل القرآن استحصل الثواب من الله تعالى، لأن تقبيل القرآن تعظيم له ورفع منه، وتعظيم القرآن له ثواب واجر عند الله، فما أبعد هذا عن الشرك؟.
صادق: ولم لا تقول مثل ذلك في تقبيل ضريح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أضرحة الأئمة عليهم السلام؟.
أو تزعم أن الذين يقبلون الأضرحة يجعلون الحديد شريكاً لله تعالى ؟!.
إذا كان ذلك فلم لا يقبلون الحدائد المتوفرة هنا وهناك؟.
ولكن .. حيث أن الضريح حاو لقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو قبر أحد الأئمة عليهم السلام، فحباً للنبي والإمام وشوقاً إليه يقبلون ضريحه لأنهم لا يستطيعون أن يصلوا الى نفس النبي والإمام _ عليهما الصلاة والسلام.
ومع ذلك فإنهم مأجورون عند الله تعالى، ويثابون لأن تقبيل ضريح شخص تعظيم لذلك الشخص.وتعظيم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الإمام، تعظيم للإسلام الذي كان هذا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو هذا الإمام داعيا إليه.
وكلما كان شئ تعظيما للإسلام فهو من شعائر الله التي قال الله تعالى عنها :] ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب [ .
مالك: إذا كان ذلك فكيف يقول البعض بأنكم مشركون؟.
صادق: ورد في الحديث الشريف (إنما الأعمال بالنيات) ، فإن كان أحد يقبل الضريح يقصد بذلك الشرك فهو مشرك.
وإذا كان التقبيل من وفرة الحب، ولتحصيل الثواب على تعظيم شعائر الله بذلك، فهو عمل مأجور به فاعله.
وأنت وجه سؤالا إلى جميع هؤلاء الذين يقبلون الأضرحة من الشيعة و السنة و قل لهم لم تقبلون الأضرحة؟.
فلا يجيبك أحد منهم إلا بأن ذلك من كثرة الحب والشوق ولتحصيل الثواب، ولا تكاد تسمع من أحد _ قطعاً _ بأنه يقبل الضريح لغير ذلك.
مالك: صحيح .. صحيح.
صادق:وإذا كان مجرد التقبيل بدون قصد الإشراك يجعل الشخص مشركا فلا تكاد ترى إنساناً غير مشرك.
لأن المسلمين إما يقبلون الأضرحة، أو يقبلون القرآن .. فعلى كلتا الحالتين هم _ جميعا _ مشركون.
فمن المسلم إذن؟.
مالك: أشكرك كثيراً جداً، وإني سوف أناقش أبي الذي كان يزققني هذه العصبيات الجوفاء، وسوف لا أسمع كلام شخص على مذهب آخر .. وقد عرفت أن الحق معكم _أنتم الشيعة _ وإن لك علي منة أبدية، لأنك أبصرتني، لا في هذا الأمر وحسب بل في الأمور كلها، لكي لا أعتنق كلما يصك مسامعي، من دون تروٍ في صحته وفساده.
& & &
التوسل بأولياء الله
وليد: آه ..من هؤلاء المشركين الكفرة الزنادقة… المسلمين أنفسهم بالمسلمين. آه منهم.
محمد: ومن تقصد؟.
وليد: هؤلاء الشيعة.
محمد: لا تسبهم، ولا تنسبهم إلى الشرك، انهم مسلمون.
وليد: هؤلاء أولى بالقتل من الكفار.
محمد: وما هذا الانفجار اللاشعوري منك، ولِم هم مشركون؟.
وليد: انهم يتخذون مع الله آلهة أخرى، ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم.
محمد: وكيف؟.
وليد: هؤلاء يتوسلون بالأنبياء، وبالأئمة، وبأولياء الله في أن يقضوا حوائجهم، فيقولون:
(يا محمد يا رسول الله، يا علي، يا حسين، يا صاحب الزمان) وغير ذلك، زعماً منهم أن هؤلاء الأولياء قادرون على قضاء حوائجهم.
وهل ذلك إلا الشرك الصريح، والكفر، وعبادة من دون الله؟.
محمد: اسمح لي ان أحدثك بحديث قصير.
وليد: قل.
محمد: كنت أنا من الذين يكيلون أنواع الشتم، والسب والقذف.. على الشيعة، وكنت لا أجلس ولا أقوم إلا واسبهم، وأتعرض لهم، كل ذلك في غيبة منهم، حتى جمعنا سفر الحج مع أحد الشيعة، فتخاشنت معه في الكلام أخرجت على لساني كل ما كان يختلج بصدري من غيظهم طوال سنين، فما كان من ذلك الشيعي إلا صبر، وصمت، وضحك في وجهي، وكان البشر يلمع في وجهه، وكنت كلما أزيده سباً يزيدني بسطاً في وجهه، ويهدأ حرارتي الابتسامات التي كانت لا تفارق شفتيه، فذاك الخلق الطيب أطفأ مني نار العداء والسب.
فلما سكت انا، توجه إلي بالكلام قائلاً:
أخي في الله.. محمد أتسمح لي بأن أتكلم معك بعض كلمات؟.
ـ ثم قال، وقلت وقال.. وقلت، وقال.. وقلت.. حتى ظهر لي الحق معهم في كثير من المواضيع التي جرى حوارها بيننا، ومن تلك المواضيع التي رأيت الحق معهم فيه هو:
موضوع التوسل بأولياء الله.
وليد: وهل اثر فيك دجلهم، ومراوغتهم، وشركهم.. ما أقل بصيرتك في الدين، وأضأل معرفتك بالإسلام.
محمد: إنني الآن على استعداد لأن أناقشك في موضوع التوسل بأولياء الله، على ضوء القرآن الحكيم، والسنة المطهرة وسيرة الصالحين من المسلمين.
وليد: ان الله تعالى هو أرأف بخلقه من جميع المخلوقات والمخلوقين، ولا حاجب له عن الخلق، وللعبد أن يتصل بالله تعالى ـ بلا واسطة ـ في كل زمان، وفي جميع الأمكنة، فهو يتصل رأساً الى الله تعالى ويتوسل إليه ولا يجوز التوسل بأحد غير الله مهما كانت منزلته رفيعة عند الله، ولو كان نبياً أو إماماً، أو ملائكة أو عبداً صالحاً أو غيرهم.
محمد: ولم لا يجوز ؟.
وليد: لأن الإنسان إذا مات صار معدوماً، والمعدوم لا يستفاد منه، فكيف تتوسل بالمعدوم ؟.
محمد: وكيف أن الموت عدم، ومن يقول بذلك ؟.
وليد: قال الإمام محمد بن عبد الوهاب، التوسل بالصالحين من الأموات خطاب لشيء معدوم غير موجود، وذلك قبيح عقلاً.
وهو يعتقد أن عصاه أنفع من رسول الله، لأن رسول الله كان يستفاد منه مادام حياً، فلما مات انعدم، وصار كالجماد لا يستفاد منه ولكن عصاه يتوكأ عليها، ويرشد الناس، ففيها فائدة للدين .
فهذه وغيرها تدل على قبح التوسل بالميت وإن كان نبياً وكان رسول الله.
محمد: الأمر بالعكس، فإن الإنسان إذا مات تنكشف له عوالم لم تكن منكشفة له من قبل الموت.
يقول الله تعالى:] فكشفنا عنك غطائك& فبصرك اليوم حديد[ .
ويقول تعالى: ]ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون [ .
ويقول تعالى:]ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون[ .
وفي البخاري : ان النبي (صلى الله عليه [وآله]وسلم) أتى قليب البدر وخاطب المشركين بهذه الكلمة (انا وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً) فقيل له إنك تدعو أمواتاً، فقال (صلى الله عليه [وآله] وسلم): (ما أنتم بأسمع منهم) .
فالإنسان سواء كان مؤمناً أم كان كافراً إذا مات لا يصير كالجماد لا يحس ولا يفهم.
وقد قال الغزالي ـ أحد أئمة الشافعية ـ:
(ظن بعضهم أن الموت هو العدم… وهذا رأي الملحدين..) .
وليد: الإمام الغزالي يرى القائل بالانعدام بواسطة الموت إلحاداً؟، وأين يذكر ذلك؟.
محمد: في كتابه (إحياء العلوم) فراجعه، تجد نص ما ذكرناه .
وليد: هذا عجيب من الغزالي!
محمد: ليس ذلك عجيباً من (الغزالي) بل العجب منك الذي لا تعلم ذلك.
أما سمعت مخاطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمشركي قليب بدر، ولو كانوا معدومين، لايسمعون ولا يفهمون، لم يكن الرسول يخاطبهم، مع أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:
(ما انتم بأسمع منهم) .
يعني انهم يسمعون كما تسمعون، ويفهمون كما تفهمون.
فهل قنعت بذلك ؟.
وليد: قنعت، نعم..
ولكني في حيرة كيف أني طوال هذه السنين لم أتعمق في هذه الآيات لأبلغ هذا المراد منها ؟!.
وكيف لم أسمع حديث الرسول، وقول إمامنا (الغزالي)؟.
محمد: الآن آمنت بنصف قول الشيعة، وهو: ان الشخص لا ينعدم بالموت؟ ام بعد أنت في شك ؟.
وليد: لا.. لم يبق لي شك في ذلك. ولكن أنا في حيرة أخرى!.
محمد: وما هي؟.
وليد: هي ان ابن عبد الوهاب كيف يعتقد انعدام الشخص بالموت، مع قول الغزالي بأن هذا من كلام الملحدين ؟ ومع تصريح الرسول بأن الشخص الميت يسمع كما يسمع الحي سواء.
ثم كيف ينبري ابن عبد الوهاب ليقول بكل جرأة:
(عصاي خير من محمد، فإنها تنفع، ومحمد لا ينفع) .
هذه هي التي جعلتني أتحير.
محمد: لا تتحير.
إننا يلزم بنا أن نعرف الأشخاص بالدين، فكل شخص وافق قوله وعمله مع القرآن، والسنة وسيرة السلف الصالح فهو مؤمن، لا ان نعرف الدين بالأشخاص، فإنا إذا عرفنا فلان بن فلان مثلاً شخصاً مؤمناً مخلصاً لا يجوز لنا أن نحسب أقواله وأعماله من الإسلام، حتى ولو علمنا بمخالفتها الصريحة لكتاب الله وسنة رسوله، وسيرة السلف الصالح، وانها من الكفر والإلحاد، بل الواجب علينا، متى رأينا زيغاً من شخص مهما كانت مكانته أن نتبرأ معه، ونتبع الحق الذي ظهر لنا.
وليد: صحيح..، وإني كنت من المؤمنين بهذا الشخص أشد الإيمان، والآن وحيث أوقفتني أنت على هذا الخطأ الكبير منه، الذي يعتبر إلحاداً عن الدين، سلب إيماني به، وسوف لا أعتبره كعالم يؤخذ منه أحكام الإسلام.
محمد: دع الكلام عن ابن فلان، لنخوض بقية حديثنا. وليد: نعم.. صحيح ان الميت لا ينعدم بالموت ولكن كيف يجوز التوسل به إذا كان نبياً أو إماماً أو من الصالحين؟ مع العلم أن هناك أناساً يعتبرون التوسل بالمخلوق شركاً ومروقاً عن الدين.
محمد: هل يجوز التوسل بالحي، وطلب الحاجة منه، أو طلب الدعاء منه وغير ذلك، بأن يقول ـ مثلاً ـ يا باقر أو يا جعفر أو يا رضا أو يا … اعطني ديناراً، أو ادع لي ليغفر الله لي، أو خذ بيدي الى المسجد، أو غير ذلك؟.
وليد: نعم يجوز ذلك.
محمد: إذن وبعد ما ثبت أن الميت يسمع كالحي سواء فما المانع من التوسل به بعد الموت، وطلب الحاجة منه؟.
أطرق وليد قليلاً يفكر.. ثم رفع رأسه قائلاً: نعم بلى كما تقول أنت يا محمد.. صحيح.
محمد: ولنا دليل آخر على جواز التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والصالحين.
وليد: ما هو؟.
محمد: ان الصحابة في زمن حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد وفاته كانوا يتوسلون به، ولم يكن الرسول نفسه، ولا أحد من بقية الصحابة يمنعونهم عن ذلك، ولو كان التوسل بغير الله شركاً لكانوا ينهون عنه.
وليد: ومن توسل برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته؟.
محمد: إليك بعض النماذج من ذلك:
روى البيهقي& ، وابن أبي شيبة& بإسناد صحيح ـ كما عن احمد بن زيني دحلان & ـ: أن الناس أصابهم قحط في خلافة عمر، فجاء بلال بن الحرث إلى قبر النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم)، وقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم هلكوا .
ولو كان نداء النبي، والتوسل به شركاً لما فعله بلال ـ الذي صحب النبي مدة غير قليلة ـ وأخذ الأحكام عن شفتي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولنهى عنه بقية الصحابة.
وهذا هو من أقوى الأدلة على جواز التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم). و روى البيهقي عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد إلا ما غفرت لي، الخ.. ولو كان التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حراماً وشركاً لما فعله النبي (آدم)u.
وروي أنه لما حج المنصور الدوانيقي، وزار قبر النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) سأل الإمام مالكاً (إمام المالكية) وقال له:
يا أبا عبد الله استقبل القبلة وأدعو، أم استقبل رسول الله؟.
فقال مالك: (لِمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله)، بل استقبله، واستشفع به فيشفعه الله فيك، قال الله تعالى: ]ولو انهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله& واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً[ .
وفي قول مالك: (هو وسيلتك، ووسيلة أبيك آدم إلى الله) لدليل صريح على جواز التوسل، بل واستحبابه أيضاً.
وروى الدارمي في صحيحه عن أبي الجوزاء، قال: قحط أهل المدينة قحطاً شديداً، فشكوا إلى عائشة، فقالت: انظروا قبر النبي فاجعلوا منه كواً إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف. ففعلوا، فمطروا حتى نبت العشب.
وهناك المئات من الشواهد لذلك، تجدها في الكتب المفصلة، فإذا كان التوسل برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جائزاً غير محرم، ولا شركاً كان التوسل بالأئمة والملائكة والصالحين من عباد الله أيضاً جائزاً.
فان التوسل إن كان شركاً يجب أن يحرم التوسل حتى برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وإن كان جائزاً لزم أن يجوز التوسل لا برسول الله فقط بل بجميع الصالحين من عباد الله.
وليد: عجيب هذه الأحاديث التي نقلتها، فإني لم أر واحدة منها!.
محمد: إنك لو راجعت كتب الأحاديث لرأيت المئات من شواهد التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأولياء الله والصالحين وإن الأحاديث التي نقلتها لك ما هي إلا كقطرة من بحر ، ويظهر أنك قليل المطالعة في الأحاديث، وسيرة الصالحين من السلف؟.
وليد: كثرة مشاغلي، وابتلاء أتي تمنعني عن مطالعة كتب الحديث، والسير، على الرغم من كثرة اشتياقي إليها.
محمد: إذا كنت قليل النظر في الأحاديث فيكف يجوز لك أن تسب الشيعة ـ بل وتسب جميع المسلمين ـ وتنسبهم إلى الشرك لمجرد قول محمد بن عبد الوهاب وأنت جاهل بالأحاديث؟.
إن ذلك ليس من الصحيح، ولو تسمح لي أقول لك بصراحة.
وليد: ـ بضحك وبسط وجه ـ قل يا محمد كل ما في قلبك، فأنا صديقان، وإنما فاتحتك بهذه الأحاديث لأستنير بعلمك، واستفيد منك.
محمد: ان مثلك تماماً مثل كفار قريش الذين كانوا يعكفون على أصنامهم، بحجة:] إنا وجدنا آبائنا على ملة وإنا على آثارهم مقتدون[ .
ولم يذمهم الله تعالى، لأنهم إذا رأوا الحق لم يستمعوا إليه، ليعرفوا أنه صحيح أم لا، وضلوا على أصنامهم عاكفين.
وأنت يا وليد لا تقلد آباءك تقليد الأعمى، بل كن متنوراً وابحث عن الحقيقة لتجدها، وتبني عليها حياتك، ولو فحصت كتب الحديث وجدت أن ما تقوله جماعة خاصة، من عدم جواز التوسل بأولياء الله، وأحبائه وكونه شركاً.. كلام اتفق جميع فرق المسلمين وطوائفهم ومذاهبهم على خلافه، فهل آمنت بذلك؟.
وليد: نعم.. لأنه يظهر أن الحق مع الشيعة وسائر المسلمين في ذلك، ولكن ماذا أفعل تجاه سبي للشيعة؟.
محمد: إستغفر الله، وابحث عن الحقيقة دائماً عل الله يغفر لك، ودائماً كلما سمعت من معتقدات الشيعة فابحث عنه، حتى تجد الحق، ودع العصبية، فان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (كل عصبية في النار).
وليد: سأفعل كل ذلك وأشكرك شكراً جزيلاً.
زيارة القبور
جميل: ما هذه الضوضاء التي تخلقونها أنتم الشيعة لأنفسكم دون السبب؟.
جواد: وما هي؟.
جميل: تزورون قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقبور أئمتكم وقبور الصالحين.
جواد: وهل بذلك بأس؟.
جميل: إنه حرام وهو من الشرك بالله.
جواد: وهل أنت همج ـ يا جميل ـ تنعق مع كل ناعق وتميل مع كل ريح؟.
إنني لم أكن أترقب من مثلك ـ رجل مثقف فاهم ـ يندفع اندفاعا تعصبياً دون دليل أو برهان، كنت أقدرك ـ وإلى الآن ـ لما فيك من روح البحث عن الواقع والسير وراء الحق حيثما تجده.
جميل: وهل كلامي هذا يكون عن الاندفاع التعصبي لمذهبي؟.
جواد: نعم .. ليس غير ذلك.
جميل: ومن أين تقول؟.
جواد: الآن نعرض هذا الموضوع ـ زيارة القبور على طاولة النقاش لنرى الحق مع من، ومن هو على الضلال؟.
جميل: إنني مستعد، لأني على علم من كون زيارة القبور شركاً.
جواد: وكيف إنها شرك؟.
جميل: لأنها تشبه عكوف المشركين على أصنامهم.
جواد: ولأجل ذلك كانت شركاً؟.
جميل: نعم.. فإن الزيارة عكوف على القبر، كما يعكف المشركون على أصنامهم.
جواد: فالعكوف هو الذي جعل الزيارة شركاً ؟.
جميل: نعم ..
جواد: إذن : فالمسلمون جميعاً بلا استثناء مشركون وليس في الدنيا شخص غير مشرك، وأنت أيضاً من المشركين !
جميل: وكيف؟.
جواد: أذهبت إلى الحج؟.
جميل: نعم، والحمد لله.
جواد: وصليت في المسجد الحرام؟.
جميل: نعم . و الحمد لله.
جواد:ورأيت كيف إن المسلمين _ في وقت الصلاة _ يحوطون حول الكعبة للصلاة، فالواقف في طرف المغرب يجعل ظهره على المغرب ويتوجه إلى الكعبة، والواقف طرف الجنوب يجعل ظهره على الجنوب ويتوجه الى الكعبة والواقف طرف الشمال يجعل ظهره على الشمال ويتوجه الى الكعبة، وكل في أية جهة كان يجعل ظهره على تلك الجهة ويتوجه إلى الكعبة بالصلاة والركوع والسجود، وغيرها، أرأيت ذلك؟.
جميل: بلى رأيت كل ذلك، وإني كنت أفعل حال الصلاة، ففي أية ناحية كنت من نواحي المسجد أجعل ظهري إلى تلك الناحية لأتوجه إلى الكعبة، لأن الصلاة بدون استقبال الكعبة باطلة.
جواد: إذن المسلمون كلهم مشركون، و أنت أيضاً مشرك.
جميل: ولم ؟
جواد: لأن توجهك إلى الكعبة حال العبادة يشبه توجه عبدة الأصنام إلي أصنامهم حال عبادتهم، غاية الأمر أن عبدة الأصنام يتوجهون _ حال العبادة _ الى أصنامهم التي صنعوها بأيديهم وأنت تتوجه حال الصلاة الى بيت مرتفع متخذ من حجر.
جميل: هناك فرق كثير بين توجهي نحو الكعبة، وبين توجه عبدة الأصنام إلى أصنامهم.
جواد: و بماذا الفرق.
جميل: إنني حينما أتوجه إلى الكعبة _ في الصلاة _ لا أعتبرها إلهاً أعبدها من دون الله _ والعياذ بالله _ وكذلك بقية المسلمين، لا يتوجهون الى الكعبة بالصلاة كإله، بل نتوجه إليها لأن الله تعالى أمرنا بذلك، وعبدة الأصنام يتوجهون الى أصنامهم ـ في عباداتهم ـ متخذين من الأصنام آلهة، يعبدونها من دون الله سبحانه فهم يتوجهون حال العبادة بقلوبهم إلى أصنامهم ونحن نتوجه بقلوبنا حال الصلاة إلى الله تعالى. وعملهم ذاك شرك صريح.
ولكن أين هذا من عملنا، واتجاهنا نحو الكعبة بالصلاة؟.
بينهما فرق ما بين الأرض والسماء.
جواد: فالتشابه ليس سبب الشرك، وإلا كان عملك شركاً لتشابهه مع عمل عبدة الأصنام، وذاك الذي جعل عمل عبدة الأصنام شركاً هو قصدهم عبادة الأصنام لا العمل المجرد.
وذاك الذي أخرج توجهك إلى الكعبة عن الشرك هو عدم قصدك عبادة الكعبة بهذا التوجه.
جميل: نعم.
جواد: ونحن الشيعة، وكذلك بقية المسلمين، لا نقصد بالزيارة عبادة النبي أو عبادة الإمام أو عبادة ذلك الميت الصالح.. وكون هذه الزيارة تشبه عملاً من أعمال المشركين لو صح ذلك، فان الشباهة لا تجعل الزيارة محرمة وشركاً إذا لم يقصد منها العبادة .
ففي الحديث الشريف: (إنما الأعمال بالنيات) .
فقد يكون عمل واحد شركاً إذا قصد به العبادة لغير الله، وجائزاً إذا لم يقصد منه ذلك.
فمثلاً: لو صليت في مكان وأمامك صنم منصوب فان قصدت بالصلاة العبادة لذلك الصنم صرت مشركاً بهذه الصلاة، وان قصدت بالصلاة العبادة لله تعالى من دون قصد التوجه الى الصنم بقلبك فصلاتك صحيحة، وجائزة ولا تصير بذلك مشركاً.
جميل: بعد تفكير عميق.
قال: صحيح كل ذلك.
واسأل الله تعالى أن يبقيك سنداً لنا، إذ أوقفتني على مواضع مهمة أغفلتني العصبية عنها. ولكن أريد أن استفيد منك الآن بسؤال.
جواد: تفضل.
جميل: عرفت أنا بأن زيارة القبور ليس محرمة وهي جائزة، ولكن ما السّر في أنكم الشيعة تهتمون بها همة وافرة، وما سبب ذلك ؟.
جواد: لأنها مستحبة مؤكدة .
جميل: مستحبة ؟.
جواد: نعم.. وتأكيد الاستحباب فيها شديد شديد.
جميل: وهل هناك حديث يدل على استحباب زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقبور صالح المؤمنين ؟.
جواد: نعم.. هناك أحاديث كثيرة، بالإضافة الى عمل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه، وسيرة المسلمين منذ فجر الإسلام حتى اليوم.
جميل: لطفاً اذكر لي بعض ذلك.
جواد: 1: روى في الصحيح أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) زار شهداء أحد.
2: وروى أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) حضر لزيارة البقيع.
3: في (سنن النسائي) و(سنن ابن ماجة) و(إحياء العلوم) للغزالي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم):
(زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة) .
4: في نفس الكتاب عن أبي هريرة قال: زار النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: (… فزوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة) .
5: وباب ما ورد في كيفية زيارة الأموات ملئ بالأحاديث في جميع كتب الحديث، كالصحاح والسنن. ومن بين ذلك: ان الزائر متى خرج إلى البقيع يقول:
(السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين…الخ) .
هذه في استحباب زيارة الصلحاء والمؤمنين، والأمر بها والترغيب فيها.
وأما ما يخص زيارة قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فكثير جداً، نذكر منها:
6: روى (الدارقطنى) و(الغزالي) و(البيهقي) وغيرهم ان رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قال: (من زارني وجبت له شفاعتي).
7: وروى أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شفيعاً وشهيداً يوم القيامة) .
8: عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) أنه قال: (من حج ولم يزرني فقد جفاني) .
9: عن أبي هريرة، عن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قال: (من زارني بعد موتي فكأنما زارني حياً) .
10: عن ابن عباس، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (من حج وقصدني في مسجدي كانت له حجتان مبرورتان) .
وهناك أحاديث كثيرة غير هذه تدل على شدة الندب وتأكيد استحباب زيارة قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وزيارة قبور الصالحين من المؤمنين.
أفليس قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (فقد جفاني) دالاً على شدة استحباب زيارته؟.
أو ليس قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (وجبت له شفاعتي) دالاً على كثرة الندب فيها.
أو ليس قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة) أمراً بالزيارة، والأمر هنا إن لم يدل على الوجوب فلا شك أنه للاستحباب؟.
جميل: أين ذكرت هذه الأحاديث وفي أي كتاب؟.
جواد: كتب الحديث مليئة بهذه وأمثالها، أنت راجع واقرأ ترى أحاديث جمة.
جميل: إنني إلى الآن لم أر، ولم أسمع واحداً من هذه الأحاديث.
جواد: هل قرأت صحيح البخاري ؟ .
جميل: ليس عندنا منه ؟.
جواد: هل قرأت صحيح مسلم ؟.
جميل: كان عند المرحوم جدي منه، ولكن عمي أخذه عند وفاة جدي.
جواد: هل قرأت سنن النسائي ؟.
جميل: وما هو ؟.
جواد: كتاب حديث.
جميل: خيراً.. لم أره.
جواد: إذن فماذا قرأت من الأحاديث ؟.
جميل: عفواً أنني طالب في كلية الطب، ولا أزال أجدّ في الدراسة حتى أنجح في دروسي، ولم تبق لي فرصة أقرا فيها الأحاديث على شدة علاقتي بالأحاديث.
جواد: إذا كنت لم تقرأ حديثاً، ولم تنظر في كتاب فكيف تنبري لتنكر زيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة عليهم الصلاة والسلام، دون معرفة بالأحاديث.
وهل علمك بأن زيارة القبور شرك لم يكن مستنداً إلى شئ؟.
جميل: كلما سمعته ـ أنا ـ من والدي، وجدي وزملائي.. حول الزيارة ما كان إلا استنكاراً لها، وسبا لمن يزور، ولم اسمع يوماً ما بواحد من هذه الأحاديث التي ذكرتها ونقلتها.
جواد: يجب على الإنسان أن يفحص عن الحقيقة ليصل إليها ولا يظل عاكفاً على أقوال بيئته، فلعلهم كانوا على خطأ فليدرس هو، و ليتتبع هو، وليقرأ هو، حتى يعيش في عقيدته، وأعماله وأقواله كما أراد الله تعالى.
جميل: الآن آمنت بأن زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مستحب مؤكد مندوب إليها، وكذلك زيارة قبور الأئمة ومقابر المؤمنين والصالحين من عباد الله.
جواد: لي رجاء منك.
جميل: تفضل.
جواد: إنني أؤكد الرجاء منك بأن لا تكون همجاً تتبع كل صيحة تعلو، ولا تخضع لعقائد بيئتك التي أنت فيها إلا بعد معرفتها عن طريق العلم، والدراسة، فإنك لو فعلت ذلك نجوت.
جميل: وهذا أقصده أنا في المستقبل، لأني بعد ما كنت اعتقد ان زيارة القبور شرك علمت عن الطريق الإسلامي انها مستحبة مؤكدة، عرفت أن المفروض علي الفحص عن المواضيع.
وسوف أباحث بهذا الشأن أبي أولاً وقبل كل شئ الذي كان هو السبب الوحيد في اعتقادي بهذا الموضوع علني أوفق لهدايته.
جواد: أشكرك.
جميل: أنا شاكر لك لما هديتني.
& & &
متعة النساء
نعمان: كيف تبيحون ـ أنتم الشيعة ـ متعة النساء أي: النكاح المنقطع، وقد أجمع جميع المسلمين على حرمتها ؟.
رضا: لقول عمر بن الخطاب: إن رسول الله أحلها وجوزها.
نعمان: وما هو ؟.
رضا: روى الجاحظ والقرطبي والسرخسي الحنفي ، والفخر الرازي وكثير غيرهم من أعلام السنة أن عمر قال في خطبته: (متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه [وآله]وسلم) وأنا أنهى عنهما، وأعاقب عليهما: متعة الحج، ومتعة النساء وفي تاريخ ابن خلكان أن عمر قال: (متعتان كانتا على عهد رسول (صلى الله عليه [وآله] وسلم) وعلى عهد أبي بكر وأنا أنهى عنهما).
فماذا تقول يا نعمان ؟ هل يصدق عمر في أن المتعتين كانت محللتين في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أم يكذب ؟.
نعمان: يصدق طبعاً.
رضا: إذن فهل لنا مبرر لو تركنا قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخذنا بقول عمر ؟.
نعمان: المبرر نهي عمر بن الخطاب.
رضا: إذن فما معنى (حلال الى يوم القيامة، وحرامه حرام الى يوم القيامة) المتفق عليه بين علماء المسلمين قاطبة من دون استثناء ؟.
نعمان: .. بعد ترو عميق طويل .. صحيح ما تقول، ولكن كيف نهى عنهما ؟ وعلى أي شئ استند في هذا التحريم ؟ ذلك الذي تحريت فيه.
رضا: كان ذلك اجتهاداً شخصيا من عمر، وكل اجتهاد عارضه نص فذلك الاجتهاد لا يقبل به.
نعمان: وإن كان الاجتهاد من مثل عمر بن الخطاب ؟.
رضا: وان كان من اكبر منه، افترى قول الله تعالى، وقول رسوله العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) أحق بالاتباع، أم قول عمر بن الخطاب؟.
نعمان: وهل في القرآن الكريم آية في المتعة وحليتها ؟.
رضا: نعم، تلك قول الله سبحانه:] فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة [ .
وقد أخرج العلامة الأميني في الغدير المصادر الكثيرة من كتب السنة كمسند ابن حنبل إمام الحنابلة، وغيره في أن الآية نزلت في متعة النساء، وان الآية أول مستند لحليتها .
نعمان: لم اكن اعلم بذلك من ذي قبل.
رضا: راجع (الغدير) تجد فوق ما وصفت أنا، واكثر مما قلته لك.
فهل يترك حلال الله ورسوله ليؤخذ بنهي عمر، وتحريمه؟.
ثم، أنا من أمة مَن ؟، أمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أم أمة عمر؟.
نعمان: طبعاً من أمة الرسول، وعمر إنما فضله بأنه من أمة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
رضا: إذن فما توقفك في الأخذ بقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟.
نعمان: اتفاق بين المسلمين على حرمة المتعة هو الذي أحرج موقفي منها.
رضا: ليس اتفاق بين المسلمين في ذلك أبداً.
نعمان: وكيف ؟.
رضا: أنت يا نعمان تعترف بأن الشيعة تبيح متعة النساء والشيعة يشكلون [اكثر من] ربع المسلمين، فأي اتفاق هذا الذي خرج عنه نحو مائتي مليون مسلم وهم الشيعة ؟.
ثم: ان الأئمة المعصومين عليهم افضل الصلاة والسلام، ـ أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ الذين شبههم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بسفينة نوح، التي من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق وهوى ، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) فيهم:
(إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) .
هؤلاء الذين من تبعهم وحذا حذوهم كان من الناجين والواصلين إلى الحق، ومن تبع غيرهم وأدبر عنهم كان من الضالين التائهين.. هؤلاء كانوا يجيزون متعة النساء، ويرون انها غير منسوخة، حتى عرفوا بذلك، وأخذت الشيعة عنهم ذلك.
وقد صح عن الإمام أمير المؤمنين u أنه قال: (لو لا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى الا شقي) .
يعني: أن نهي عمر عن المتعة كان سبباً لأن لا يتعرف الناس على المتعة والنكاح المنقطع، وليس كل يقدر على النكاح الدائم، فيزني الناس من جراء تحريم المتعة.
فأين اتفاق المسلمين وهؤلاء أئمة المسلمين مصرون على إباحة المتعة وجوازها؟ مع أن كثيراً من الصحابة والتابعين والمسلمين ردوا على عمر تحريمه للمتعة، مستدلين بالقرآن الكريم وتجويز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
واليك بعضاً منهم وبعض أقوالهم:
1: عمران بن الحصين، قال:
(نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى، لم تنـزل آية بعدها بنسخها، فأمرنا بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتمتعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومات ولم ينهنا عنها ثم قال رجل بعد برأيه ما شاء) .
2: جابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو سعيد الخدري قالا: (تمتعنا إلى نصف من خلافة عمر حتى نهى عمر الناس عنها في شأن عمرو بن حريث).
3: عبد الله بن مسعود، وقد عده ابن حزم في (المحلى) والزرقاني في (شرح الموطأ) ممن ثبت على إباحة متعة النساء.
وأخرج الحفاظ عنه انه قال:
(كنا نغزو مع رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) وليس لنا نساء، فقلنا: يا رسول الله ألا نستخصي ؟ فنهانا عن ذلك، ورخص لنا أن ننكح بالثوب إلى أجل، ثم قال: ]لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم [ .
4: عبد الله بن عمر.
روى احمد بن حنبل ـ إمام الحنابلة ـ بإسناده عن عبد الرحمن ابن نعم الأعرجي قال: سأل رجل ابن عمر عن المتعة ـ وأنا عنده ـ متعة النساء؟ فقال: (والله ما كنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه [وآله]وسلم) زانين ولا مسافحين) .
5: أبو سعيد الخدري.
6: سلمة بن أمية بن خلف.
روى عنهما ابن حزم في (المحلى) والزرقاني في (شرح الموطأ) انهما كانا يبيحان المتعة بالنساء، والنكاح المنقطع .
7: معبد بن امية بن خلف.
ذكر ابن حزم في (المحلى) انه كان يبيح النكاح المنقطع .
8: الزبير بن العوام.
قال الراغب: عير عبد الله بن الزبير عبد الله بن عباس بتحليله المتعة فقال له: سل أمك كيف سطعت المجامر بينها وبين أبيك ؟.
فسألها، فقالت: ما ولدتك إلا في المتعة .
وإن ذلك لدليل ثابت على وتجويز الزبير متعة النساء.
9: خالد بن مهاجر بن خالد مخزومي.
قال: بينا هو جالس عند رجل، جاءه رجل فاستفتاه في المتعة فأمره بها.
فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري: مهلا.
قال: ما هي والله لقد فعلت في عهد إمام المتقين .
10: عمرو بن حريث.
أخرج الحافظ عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريح قال: أخبرني أبو الزبير عن جابر، قال: قدم عمرو بن حريث الكوفة فاستمتع بمولاة فأتى بها عمرو وهي حبلى، فسأله فأعترف.
قال: فذلك حين نهى عنها عمر .
وهناك غير هؤلاء كثيرون ممن أبدوا استنكارهم على فتوى عمر هذه، واجتهاده في مقابل القرآن والسنة مثل:
أبي بن كعب.
وربيعة بن أمية.
وسمير ـ أو سمرة بن جندب.
وسعيد بن جبير.
وطاووس اليماني.
وعطاء أبو محمد المدني.
والسدي.
ومجاهد.
وزفر بن اوس المدني.
وغيرهم.. من كبار الصحابة، والتابعين وعظماء المسلمين نترك ذكرهم بغية الاختصار وعدم التطويل.
فيا (نعمان) أسألك:
هل بعد هذا كله تقول: اتفاق بين المسلمين على حرمة المتعة؟.
نعمان: عفواً.. وعذراً.
إنني كنت سامعاً بما قلت لك من دون أن أتحقق من صحتها وفسادها، والآن ظهر لي أن الواجب يحتم عليّ أن أبحث عن الأمور لأصل إلى حقيقتها وواقعها المعرى عن التعصب المذهبي.
رضا: وهل آمنت بأن متعة النساء جائزة ومباحة ؟.
نعمان: ذلك مما ايقنت به، واعتقد أن الذين حرموا ذلك إنما حرموها إتباعاً لميولهم وشهواتهم، وإلا فالقرآن حاكم بجواز نكاح المتعة وحليته من دون أن يعقبه نسخ.
وليس لعمر، ولا لأعظم من عمر أن يبدل ويغير أحكام الله ولا يكاد ينقضي تعجبي من عمر، إنه كيف أفتى بهذه الفتوى حيث لا أرى أي مبرر لهذه الفتوى.
وإنك لتزيد علي منة لو ذكرت لي بعض الكتب التي تناول هذه المواضيع بالنقاش العلمي، والبحث النزيه، فتكون قد أسديت اليّ يداً لا تنسى.
رضا: نعم، اذكر لك ذلك، فسجل أسماء الكتب وخذها من المكتبات، واقرأها بإمعان وعمق، ولا تدع التعصب يغلب عليك حال القراءة.
نعمان: بلى، أفعل ذلك.
رضا: الغدير.. للعلامة الأميني (قده).
النص والاجتهاد.. للإمام شرف الدين (قده).
المتعة.. للأستاذ توفيق الفكيكي.
الفصول المهمة.. للإمام شرف الدين (قده).
هذه بعض تلك الكتب .
نعمان: أشكرك كثيراً، واسأل الله تعالى لك كل خير.
رضا: وهنا إيراد آخر على السنة الذين اخذوا يقول عمر في مسألة متعة النساء.
نعمان: ما هو ؟.
رضا: ان عمر، نهى عن (متعة النساء) وعن (متعة الحج) فما السبب في ان السنة يجوزون (متعة الحج) ولا يجوزون (متعة النساء) .
فان كان قول عمر صحيحاً.. كان اللازم حرمة كلتا المتعتين.
وان كان قول عمر باطلاً .. كان اللازم حلية كلتا المتعتين.
نعمان: وهل السنة يقولون بصحة (متعة الحج).
رضا: يقولون، فراجع الكتب حتى تعرف.
نعمان: أشكرك جداً.
اهداء(الى صاحب التربة الدامية الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله : «حسين مني وأنا من حسين» )
اخوكم السد جاسم ابو محمد علي
تعليق