وقفة تقييمية المحامي جمال الكندري
ورحل أبو الفقراء اللبنانيين
الحريري المغدور له مكانة خاصة في قلوب الخليجيين عموما والكويتيين خاصة، ولهذا فان الناس عندنا تأثرت كثيرا لرحيله بالطريقة البشعة التي ارتكبت بها الجريمة الشنعاء، والكويتيون يحبونه لأنه اعاد لبنان الى الحياة، فأعاد معها الكويتيين الى لبنان، فأحبوها أجيالا بعد أجيال، فقد رسم البسمة وادخل السعادة لهم بعد زمن من الحروب الطاحنة امتدت لأكثر من خمسة عشر عاما، ولم تنس الكويت موقفه الداعم لها بعد تهديدات صدام في عام .94
ان مشوار الفقيد السياسي بدأ في اتفاق الطائف عندما كان المهندس له اذ نجح في جمع الاطراف اللبنانية المتحاربة والمتنازعة على حل وفاقي ادخل لبنان مرحلة جديدة من السلم الاهلي بعد الاحتراب والتناحر الطويل، كما سخر علاقاته الدولية المميزة حيث يحظى باحترام العالم له. وصار رجل دولة من الوزن الثقيل، استطاع ان يوظف علاقاته السياسية والتجارية لخدمة لبنان و تأمين السلام له لأنه كان يرى بأن السلام هو الأم المرضعة لكل بلد، وقد رسخ هذا المفهوم لدى المواطن اللبناني لاعتقاده بأن السلم لا يولد في المؤتمرات الدولية بل في قلوب الناس وافكارهم، كان يؤمن بأن الصعوبة في الحياة وليست في الموت، ولهذا كان يردد للبنانيين دائما: لنعش بسلام حتى نموت بسلام، اما مشواره الاقتصادي فهو يمثل ملحمة عصامية متميزة من النجاح، اذ بدأ حياته في اسرة فقيرة تعمل في حقول الحمضيات وكان يجمع معها الحمضيات ويدرس في ذات الوقت حتى تخرج وعمل مدرسا ثم سافر الى المملكة العربية السعودية، وبعد مشوار التدريس هناك عمل في تجارة المقاولات، حيث نجح نجاحا كبيرا واصبحت ثروته تقدر بالمليارات بعد ان جر النجاح النجاح وجر المال المال، وكان يعتقد بأن النجاح سلالم لا تستطيع ان ترتقيها ويداك في جيبك، وبهذا فانه قد سخر ثروته في اتجاهين، الاول لخدمة الناس وتجلى ذلك في تعليمه اللبنانيين عبر انشاء صندوق انفق فيه على 35 الف طالب لبناني من كل الاتجاهات والطوائف منهم ثمانمائة من حملة الدكتوراه، فهو رجل كريم يداه مبسوطتان على الجمعيات الخيرية اللبنانية.. والاتجاه الثاني الذي سخر فيه ثروته لخدمة لبنان حتى صدمت الاسواق التجارية واصبحت السياحة والاشغال الفندقية بموته محل تساؤل، وارتبكت الليرة اللبنانية التي اصبح استقرارها مقترنا بالحريري كعنصر ثقة، لقد كان بامكان الفقيد ان يتربع على عرش امبراطوريته التجارية في السعودية وفرنسا والعالم، ويؤثر في السياسة الداخلية للبنان من بعيد وما أسهلها، غير انه آثر ان يكون في مقدمة الركب وليس في آخره، فكان رجلا بحق فما اسهل ان تكون انسانا، لكن ان تكون رجلا فهذه هي الصعوبة، ولهذا فان اللبنانيين كانوا حزينين وقلوبهم مملوءة حزنا مثل الكأس الطافحة التي يصعب حملها، وليس لنا الا ان نقول لهم ان الصبر هو افضل علاج للحزن، ودموعهم هي مطافىء مصابهم الكبير وهو ما شاهدناه في مسيرة التشييع التي فاقت المليون وتحولت الى استفتاء واكتشاف للحريري من جديد، لم ينس الناس سخاءه لهذا فانه قريب منهم، ان المحبة لاتباع ولا تشترى، غالبية الناس في نهاية المطاف عبيد الاحسان، غير ان يد الغدر لم تمهل شجرة الصندل لتعطر الناس بخيرها، فتربصت له واغتالته بكمية مهولة من المتفجرات لا يمكن للبنانيين ان يفعلوها بمن اكرمهم، ولا يعقل ان يرموا حجرا في البئر الذي يشربون منها، ولم يبق الا اصحاب الانتقام الذين يستفيدون مما يحصل في امتنا كل يوم من ضرر وتعاسة، هم اصحاب الغدر صهاينة اليوم وراء كل المصائب والمآسي، وهم الذين قال الشاعر ابو الاصبع بن موسى بحقهم:
لا تركنن الى من لا وفاء له
الذئب من طبعه إن يقتدر يثب
والله أعلم
kandary1@qualitynet.net
=======
© 2001-2005 جريدة الوطن ، حقوق الطبع محفوظة
ورحل أبو الفقراء اللبنانيين
الحريري المغدور له مكانة خاصة في قلوب الخليجيين عموما والكويتيين خاصة، ولهذا فان الناس عندنا تأثرت كثيرا لرحيله بالطريقة البشعة التي ارتكبت بها الجريمة الشنعاء، والكويتيون يحبونه لأنه اعاد لبنان الى الحياة، فأعاد معها الكويتيين الى لبنان، فأحبوها أجيالا بعد أجيال، فقد رسم البسمة وادخل السعادة لهم بعد زمن من الحروب الطاحنة امتدت لأكثر من خمسة عشر عاما، ولم تنس الكويت موقفه الداعم لها بعد تهديدات صدام في عام .94
ان مشوار الفقيد السياسي بدأ في اتفاق الطائف عندما كان المهندس له اذ نجح في جمع الاطراف اللبنانية المتحاربة والمتنازعة على حل وفاقي ادخل لبنان مرحلة جديدة من السلم الاهلي بعد الاحتراب والتناحر الطويل، كما سخر علاقاته الدولية المميزة حيث يحظى باحترام العالم له. وصار رجل دولة من الوزن الثقيل، استطاع ان يوظف علاقاته السياسية والتجارية لخدمة لبنان و تأمين السلام له لأنه كان يرى بأن السلام هو الأم المرضعة لكل بلد، وقد رسخ هذا المفهوم لدى المواطن اللبناني لاعتقاده بأن السلم لا يولد في المؤتمرات الدولية بل في قلوب الناس وافكارهم، كان يؤمن بأن الصعوبة في الحياة وليست في الموت، ولهذا كان يردد للبنانيين دائما: لنعش بسلام حتى نموت بسلام، اما مشواره الاقتصادي فهو يمثل ملحمة عصامية متميزة من النجاح، اذ بدأ حياته في اسرة فقيرة تعمل في حقول الحمضيات وكان يجمع معها الحمضيات ويدرس في ذات الوقت حتى تخرج وعمل مدرسا ثم سافر الى المملكة العربية السعودية، وبعد مشوار التدريس هناك عمل في تجارة المقاولات، حيث نجح نجاحا كبيرا واصبحت ثروته تقدر بالمليارات بعد ان جر النجاح النجاح وجر المال المال، وكان يعتقد بأن النجاح سلالم لا تستطيع ان ترتقيها ويداك في جيبك، وبهذا فانه قد سخر ثروته في اتجاهين، الاول لخدمة الناس وتجلى ذلك في تعليمه اللبنانيين عبر انشاء صندوق انفق فيه على 35 الف طالب لبناني من كل الاتجاهات والطوائف منهم ثمانمائة من حملة الدكتوراه، فهو رجل كريم يداه مبسوطتان على الجمعيات الخيرية اللبنانية.. والاتجاه الثاني الذي سخر فيه ثروته لخدمة لبنان حتى صدمت الاسواق التجارية واصبحت السياحة والاشغال الفندقية بموته محل تساؤل، وارتبكت الليرة اللبنانية التي اصبح استقرارها مقترنا بالحريري كعنصر ثقة، لقد كان بامكان الفقيد ان يتربع على عرش امبراطوريته التجارية في السعودية وفرنسا والعالم، ويؤثر في السياسة الداخلية للبنان من بعيد وما أسهلها، غير انه آثر ان يكون في مقدمة الركب وليس في آخره، فكان رجلا بحق فما اسهل ان تكون انسانا، لكن ان تكون رجلا فهذه هي الصعوبة، ولهذا فان اللبنانيين كانوا حزينين وقلوبهم مملوءة حزنا مثل الكأس الطافحة التي يصعب حملها، وليس لنا الا ان نقول لهم ان الصبر هو افضل علاج للحزن، ودموعهم هي مطافىء مصابهم الكبير وهو ما شاهدناه في مسيرة التشييع التي فاقت المليون وتحولت الى استفتاء واكتشاف للحريري من جديد، لم ينس الناس سخاءه لهذا فانه قريب منهم، ان المحبة لاتباع ولا تشترى، غالبية الناس في نهاية المطاف عبيد الاحسان، غير ان يد الغدر لم تمهل شجرة الصندل لتعطر الناس بخيرها، فتربصت له واغتالته بكمية مهولة من المتفجرات لا يمكن للبنانيين ان يفعلوها بمن اكرمهم، ولا يعقل ان يرموا حجرا في البئر الذي يشربون منها، ولم يبق الا اصحاب الانتقام الذين يستفيدون مما يحصل في امتنا كل يوم من ضرر وتعاسة، هم اصحاب الغدر صهاينة اليوم وراء كل المصائب والمآسي، وهم الذين قال الشاعر ابو الاصبع بن موسى بحقهم:
لا تركنن الى من لا وفاء له
الذئب من طبعه إن يقتدر يثب
والله أعلم
kandary1@qualitynet.net
=======
© 2001-2005 جريدة الوطن ، حقوق الطبع محفوظة
تعليق