بسم الله الرحمن الرحيم
و صلى الله على محمد و آله الأطهار و صحبه المنتجبين الأخيار
و لعنة الله على أعدائهم من الأولين و الآخرين
كعادة المفلسين الذين لا يخدمهم الحق - لأنهم اختاروا الباطل عوضاً عنه - يأتون كل يوم بإشكال أقل ما يقال فيه بأنه سراب و أوهن من بيت العنكبوت لأنه من نسج الخيال بعيداً عن الواقع الذي يتحدث عنه الجميــع. كل هذا بغية إطفاء نور الله، و لكن هيهات لهم ذلك و الله عز و جل يقول {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} ،
هذا اليوم نتعرض فيه لما جاء به المدعو ( الجمال شيخ الدفاع ) من ابتداع في القول لم يسبق له أحد !!
فهذا الغلام ابتدع فكرة لا نظير لها، ضارباً كل ما جاء في آية التبليغ عرض الحائط معتمداً في استنتاجه على هواه و شيطانه، و نهاية هذه الطرق هي الخذلان كما سيتضح من هذه السطـــور.
من خلال الطرح القادم ستكتشف بأننا سنجلد عدداً من مفسري و محدثي ( الجمال ) بسياطه هو و اعتماداً على قوانينه هو، و هذه عادة السلفية ( كما رأينا عند السقاف ) في ضرب بعضهم بعضاً
هذا لأن الجمال و أشكاله يعتمدون على ضوابط ابتدعوها من عندهم ، و لذا تجد التضارب و الاختلاف بينهم و يهدمون بيوتهم بأيديهم {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (82) سورة النساء،
بعـــد اعتذارنا الكبير مما تلفظ به هذا السلفي و نقلناه هنا أقول:
الإشكال :
ادعى هذا الفتى بأننا نتهم حبيبنا المعصوم رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بأنه عصى ربه !!
معتمداً في هذه الفرية على نسج الخيال، حيث ادعى بأن الله أمر رسوله بالتبليغ فعصى الرسول صلى الله عليه و آله وسلم هذا الأمر إلى أن نزلت آية التبليــغ !!
حيث أن الجمال اعتبر هذا التأجيل عصياناً من الرسول صلى الله عليه و آله وسلم !!
حيث أن خوف الرسول صلى الله عليه و آله وسلم من القوم جعله يتأخر عن التبليغ !!
و كذلك تهجم علينا ( الجمال ) في مسألة الخوف نفسها !! و استنكر علينا قول ذلك و اعتبرها حالة شاذة تضاف لرصيد الرافضة ( زعم ) من أخطاء ،،،
و لتكتمل الخدعة على السني المغلوب على أمره الذي لا يقرأ إلا ما يسطره له قومه، اخترع هذا السلفي احتمالات و بدأ بتضييق الخناق على تفكير زملائه الوهابية حتى يشل تفكيرهم و يمرر فكرته السخيفة، بخصوص العصيان و الخوف.
هذا باختصار، و للمرور على هذه الشبهة ، سنستعرض ما جاء في تفاسيرهم ، و نرى هل سيطبق أحلامه و أوهامه عليها، أم أن باء الوهابية تجر و باء المؤمنين لا تجر .
أخواني أهل السنة المتابعين لنا هنا
ستلاحظون بأن الآية تتكلم عن مسائل ( أو مسألة ) سبق و أن نزلت ( بالماضي ) ، و هذه الآية مدنية ( بل آخر ما نزل ) ، فإن كان يعتبر ( الجمال ) كتمان هذه المسائل - التي أصلاً نزلت و لكن لسبب أو لآخر لم تبلغ - عصياناً ، فمعنى هذا بأن مصادره و تفاسيره تقول بأن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عصى رباه ( حاشاه سيدي ) ، كما ستجد في مصادركم اعترافات من الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله وسلم بأنه يكتم الأحكام لأنه خائف !!! و تارة لأنه يعلم بأن بعض المؤمنين يكره الجهاد ، و تارة يخاف من المنافقين !!!
تفسير الطبري، ج6، ص 198
... حدثنـي الـحرث بن مـحمد، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفـيان الثوريّ، عن رجل، عن مـجاهد، قال: لـما نزلت: بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبِّكَ قال: «إنّـما أنا وَاحِدٌ، كَيْفَ أصْنَعُ؟ تَـجْتَـمِعُ علـيَّ الناسُ، فنزلت: وَإنْ لَـمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رسالَتَهُ... الآية.
...
وقال آخرون: بل نزلت لأنه كان يخاف قريشا، فأومن من ذلك. ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: كان النبـيّ صلى الله عليه وسلم يهاب قريشا، فلـما نزلت: وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ استلقـى ثم قال: «مَنْ شاءَ فَلْـيَخْذُلْنِـي، مرّتـين أو ثلاثا.
تفسير الجلالين ، ص 156
{يَـۤأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }.
67ـ {يَعْمَلُونَ يَـٰأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلّغْ } جميع {مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ } ولا تكتم شيئا منه خوفـا أن تنال بمكروه {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ } أي لم تبلغ جميع ما أُنزل إليك {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } بالإفراد والجمع، لأنّ كتمان بعضها ككتمان كلها {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } أن يقتلوك، وكان صلى الله عليه وسلم يُحرس حتى نزلت فقال: انصرفوا فقد عصمني الله. رواه الحاكم {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَـٰفِرِينَ }.
تفسير البضاوي، ج2، ص347
{يَـأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَـٰفِرِينَ }
{يَعْمَلُونَ يَـٰأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ } جميع ما أنزل إِليك غير مراقب أحداً ولا خائف مكروهاً. {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ } وإن لم تبلغ جميعه كما أمرتك. {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } فما أديت شيئاً منها، لأن كتمان بعضها يضيع ما أدي منها كترك بعض أركان الصلاة، فإن غرض الدعوة ينتقض به، أو فكأنك ما بلغت شيئاً منها كقوله: {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً } من حيث أن كتمان البعض والكل سواء في الشفاعة واستجلاب العقاب. وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر رسالاته بالجمع وكسر التاء. {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } عدة وضمان من الله سبحانه وتعالى بعصمة روحه صلى الله عليه وسلم من تعرض الأعادي وإزاحة لمعاذيره. {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَـٰفِرِينَ } لا يمكنهم مما يريدون بك. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «بعثني الله برسالاته فضقت بها ذرعاً فأوحى الله تعالى إليَّ إن لم تبلغ رسالتي عذبتك وضمن لي العصمة فقويت». وعن أنس رضي الله تعالى عنه، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت، فأخرج رأسه من قبة أدم فقال: انصرفوا يا أيها الناس فقد عصمني الله من الناس. وظاهر الآية يوجب تبليغ كل ما أنزل ولعل المراد به تبليغ ما يتعلق به مصالح العباد، وقصد بإنزاله إطلاعهم عليه فإن من الأسرار الإِلهية ما يحرم افشاؤه.
تفسير بن كثير، ج3 ،ص136
وقوله تعالى: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ }[المائدة:76] يعني وإن لم تؤد إلى الناس ما أرسلتك به، فما بلغت رسالته، أي وقد علم ما يترتب على ذلك لو وقع وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ }[المائدة:76] يعني إن كتمت آية مما أنزل إليك من ربك لم تبلغ رسالته، قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا قبيصة بن عقبة، حدثنا سفيان عن رجل، عن مجاهد قال: لما نزلت {يَعْمَلُونَ *** يَـٰأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ } قال: يارب، كيف أصنع وأنا وحدي يجتمعون عليّ ؟ فنزلت {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ }[المائدة:76] ورواه ابن جرير من طريق سفيان وهو الثوري به.
حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، حدثنا محمد بن مفضل بن إبراهيم الأشعري، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن معاوية بن عمار، حدثنا أبي قال: سمعت أبا الزبير المكي يحدث عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج بعث معه أبو طالب من يكلؤه حتى نزلت {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }[المائدة:76] فذهب ليبعث معه، فقال «يا عم إن الله قد عصمني لا حاجة لي إلى من تبعث» وهذا حديث غريب وفيه نكارة، فإن هذه الآية مدنية، وهذا الحديث يقتضي أنها مكية،
... والصحيح أن هذه الآية مدنية بل هي من أواخر ما نزل بها، والله أعلم،
تفسير الثعالبي سورة المائدة،
{يَـأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَـٰفِرِينَ * قُلْ يَـأَهْلَ الْكِتَـٰبِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَىْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ مَّآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَـٰناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَـٰفِرِينَ }
وقوله سبحانه: {يَـٰأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ }[المائدة:76] هذه الآية أمْرٌ مِنَ اللَّه تعالِىٰ لنبيِّه ـــ عليه السلام ـــ بالتبليغِ على الَاستيفاءِ والكمالِ؛ لأنه قد كان بَلَّغ صلى الله عليه وسلم، وإنما أُمِرَ في هذه الآيةِ بِأَلاَّ يتوقَّفَ عن شَيْء مخافةَ أحَدٍ؛ وذلك أنَّ رسالته ـــ عليه السلام ـــ تضمَّنت الطَّعْنَ علَىٰ أنواع الكَفَرة، وبيانَ فسادِ حالِهِم، فكان يَلْقَىٰ منهم صلى الله عليه وسلم عَنَتاً، وربَّما خافهم أحياناً قبل نزول هذه الآية، فقال الله تعالى له: {بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ }[المائدة:76]، أيْ: كاملاً، {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }[المائدة:76]، قالتْ عائشةُ أمُّ المؤمنين (رضي اللَّه عنها): «مَنْ زَعَمَ أنَّ محمداً كَتَمَ شيئاً مِنَ الوَحْيِ، فقد أَعْظَم الفريةَ، واللَّه تعالى يقولُ: {يَـٰأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ }[المائدة:76]»،
... وقد كان صلى الله عليه وسلم أُوتِيَ بَعْضَ هذه العَصْمَةِ بمكَّة في قوله تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَـٰكَ الْمُسْتَهْزِءينَ }[الحجر:59] ثم كمُلَتْ له العصْمَةُ بالمدينةِ، فعُصِمَ من النَّاس كلِّهم. انتهى من كتابه في تفسير أفعال اللَّه الواقعة في القرآن.
تفسير البغوي، سورة المائدة
قوله عزّ وجلّ: {يَـٰۤأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}، رُوي عن مسروق قال: قالت عائشة رضي الله عنها: من حدثك أن محمداً كتم شيئاً مما أنزل الله فقد كذب، وهو يقول: {يَـٰۤأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} الآية. وروي (عن) الحسن: أنّ الله تعالىٰ لما بعث رسوله ضاق ذرعاً وعرف أنّ من الناس من يكذبه، فنزلت هذه الآية.
وقي: نزلت في عيب اليهود، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى الإسلام، فقالوا: أسلمنا قبلك وجعلوا يستهزؤون به، فيقولون له: تريد أن نتخذك حناناً كما اتّخذت النصارى عيسى حناناً، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك سكت فنزلت هذه الآية، وأمره أن يقول لهم: {يَـٰۤأَهْلَ الْكِتَـٰبِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَىْءٍ} الآية.
وقيل: بلّغ ما أُنزل إليك من الرجم والقصاص، نزلتْ في قصة اليهود، وقيل: نزلت في أمر زينب بنت جحش ونكاحها، وقيل: (نزلت) في الجهاد، وذلك أن المنافقين كرهوهُ؛ كما قال الله تعالىٰ: {سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِىِّ عَلَيْهِ مِنَ} (محمد: 5)، وكرهه بعض المؤمنين قال الله تعالىٰ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ} (النساء: 77) الآية. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمسك في بعض الأحايين عن الحثّ على الجهادِ لما يعلم من كراهة بعضهم، فأنزل الله هذه الآية. قوله تعالىٰ: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، قرأ أهل المدينة والشام وأبو بكر ويعقوب «رسالاته» على الجمع والباقون رسالته على التوحيد، ومعنى الآية: إن لم تبلّغ الجميع وتركت بعضه، فما بلغت شيئاً، أي: جرمك في ترك تبليغ البعض كجرمك في ترك تبليغ الكل؛ كقوله: {نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلاً} (النساء: 150 ـــــ 151)، أخبر أن كفرهم بالبعض محبط للإيعاب بالبعض، وقيل: {أُوْلَـٰئِكَ هُمُ الْكَـٰفِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } أي: أظهر تبليغه؛ كقوله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} (الحجر: 94)، {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ} فإن لم تظهر تبليغه {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، أمره بتبليغ ما أنزل إليه مجاهراً محتسباً صابراً، غير خائف، فإن أخفيتَ منه شيئاً لخوفٍ يلحقك فما بلّغتَ رسالته، {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، يحفظك ويمنعك من الناس، فإن قيل: أليس قد شجّ رأسه وكسرت رباعيته وأوذي بضروب من الأذى؟ قيل: معناه يعصمك من القتل فلا يصلون إلى قتلك. وقيل: نزلت هذه الآية بعد ما شجّ رأسه، لأن سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن. وقيل: والله يخصك بالعصمة من بين الناس، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم معصوم، {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَـٰفِرِينَ}.
تفسير زاد المسير، سورة المائدة
{يَـأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَـٰفِرِينَ }
قوله تعالى: {يَـٰأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ } ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت على أسباب، روى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما «بعثني الله برسالته، ضقت بها ذرعا، وعرفت أن من الناس من يكذبني» وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يهاب قريشا واليهود والنصارى، فأنزل الله هذه الآية. وقال مجاهد: لما نزلت {يَـٰأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ } قال: «يا رب كيف أصنع؟ إنما أنا وحدي يجتمع علي الناس» فأنزل الله {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } وقال مقاتل: لما دعا اليهود، وأكثر عليهم، جعلوا يستهزؤون به، فسكت عنهم، فحرض بهذه الآية. وقال ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس فيرسل معه أبو طالب كل يوم رجالا من بني هاشم يحرسونه حتى نزلت عليه هذه الآية، فقال: «يا عماه إن الله قد عصمني من الجن والإنس» وقال أبو هريرة: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها، فجاء رجل فأخذه، فقال: يا محمد من يمنعني منك فقال: «الله» فنزل قوله: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }. قالت عائشة: سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقلت ما شأنك؟ قال: ألا رجل صالح يحرسني الليلة، فبينما نحن في ذلك إذ سمعت صوت السلاح، فقال: «من هذا» فقال: سعد وحذيفة جئنا نحرسك، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه، فنزلت {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من قبة أدم وقال: «انصرفوا أيها الناس فقد عصمني الله تعالى» قال الزجاج: قوله: {بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ } معناه: بلغ جميع ما أنزل إليك، ولا تراقبن أحدا، ولا تتركن شيئا منه مخافة أن ينالك مكروه، فان تركت منه شيئا، فما بلغت. قال ابن قتيبة: يدل على هذا المحذوف قوله: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ } وقال ابن عباس: إن كتمت آية فما بلغت رسالتي. وقال غيره: المعنى: بلغ جميع ما أنزل إليك جهرا، فان أخفيت شيئا منه لخوف أذى يلحقك، فكأنك ما بلغت شيئا. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي: «رسالته» على التوحيد. وقرأ نافع «رسالاته» على الجمع.
قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } قال ابن قتيبة: أي: يمنعك منهم. وعصمة الله: منعه للعبد من المعاصي، ويقال: طعام لا يعصم، أي: لا يمنع من الجوع. فان قيل: فأين ضمان العصمة وقد شج جبينه، وكسرت رباعيته، وبولغ في أذاه؟ فعنه جوابان.
أحدهما: أنه عصمه من القتل والأسر وتلف الجملة، فأما عوارض الأذى، فلا تمنع عصمة الجملة. والثاني: أن هذه الآية نزلت بعدما جرى عليه ذلك، لأن «المائدة» من أواخر ما نزل.
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَـٰفِرِينَ } فيه قولان.
أحدهما: لا يهديهم إلى الجنة. والثاني: لا يعينهم على بلوغ غرضهم.
أسباب النزول ج1، ص215
{يَـۤأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}
أسباب نزول الآية:
أَخرج أبو الشَّيخ عن الحسن أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله بعثني برسالة فضقت بها ذرعاً، وعرفت أَنَّ النَّاس مكذبيَّ، فوعدني لأُبلغنَّ أَو ليعذِّبِّني، فأُنزلت: {يَا أَيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}.
وأَخرج ابن أَبي حاتم عن مجاهد قال: لمَّا نزلت: {يَا أَيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}. قال: يا ربِّ كيف أَصنعُ وأَنا وحدي يجتمعون عليَّ؟ فنزلت: {وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}.
... ومن غريب ما ورد في سبب نزولها ما أَخرجه ابن مردويه، والطبراني، عن ابن عباس قال: كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يُحرَس، وكان يرسل معه أَبو طالب كلَّ يوم رجالاً من بني هاشم يحرسونه، حتَّى نزلت هذه الآية: {وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فأَراد أَن يرسل معه من يحرسه فقال: يا عمّ إنَّ الله عصمني من الجنِّ والإِنس.
وأَخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله نحوه.
وهذا يقتضي أَنَّ الآية مكيَّة، والظَّاهر خلافه.
طبعاً الجمال و من على شاكلته يرفض هذه المعاني كلها إن جاءت في شيء يستدل به الشيعة المؤمنين، لكنه لا تجده يحتج عليها و يرفضها إن جاءت في كتبه بخصوص مسائل أخرى. و هذا ما نسميه بالعوار و تحكيم الأهواء في قياس الأمور.
قاتل الله الجهل و أهله.
نجد أن الجمال طبل كثيراً على اتهامنا لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بأنه خائف !!
حيث أن عقله الصغير لم يرشده لمعنى الخوف المقصود في هذا الموطن، و نذكر لكم ما جاء في تفاسيرنا بهذا الخصوص /
الميزان في تفسير القرآن - سورة المائدة
... فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يخافهم و لم يكن مخافته من نفسه في جنب الله سبحانه فهو أجل من أن يستنكف عن تفدية نفسه أو يبخل في شيء من أمر الله بمهجته فهذا شيء تكذبه سيرته الشريفة و مظاهر حياته، على أن الله شهد في رسله على خلاف ذلك كما قال تعالى: «ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل و كان أمر الله قدرا مقدورا الذين يبلغون رسالات الله و يخشونه و لا يخشون أحدا إلا الله و كفى بالله حسيبا»: «الأحزاب: 39» و قد قال تعالى في أمثال هذه الفروض: «فلا تخافوهم و خافون إن كنتم مؤمنين»: «آل عمران - 157»، و قد مدح الله سبحانه طائفة من عباده بأنهم لم يخشوا الناس في عين أن الناس خوفوهم فقال: «الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل»: «آل عمران: 137».
و ليس من الجائز أن يقال: إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يخاف على نفسه أن يقتلوه فيبطل بذلك أثر الدعوة و ينقطع دابرها فكان يعوقه إلى حين ليس فيه هذه المفسدة فإن الله سبحانه يقول له (صلى الله عليه وآله وسلم): «ليس لك من الأمر شيء»: «آل عمران: 182»، لم يكن الله سبحانه يعجزه لو قتلوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحيي دعوته بأي وسيلة من الوسائل شاء، و بأي سبب أراد.
نعم من الممكن أن يقدر لمعنى قوله: «و الله يعصمك من الناس» أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يخاف الناس في أمر تبليغه أن يتهموه بما يفسد به الدعوة فسادا لا تنجح معه أبدا فقد كان أمثال هذا الرأي و الاجتهاد جائزا له مأذونا فيه من دون أن يرجع معنى الخوف إلى نفسه بشيء.
و لكن من كلام الوهابي ( الجمال ) يتبين و كأنه يستنكر مسألة الخوف و كأنه يريد تبرأة قومه منها !!
و لم يدر بأننا له بالمرصاد لنكشف للسني و السلفي ما خفي عنهم في كتبهم
فهل يذكر أهل السنة مسألة خوف الرسول صلى الله عليه و آله وسلم ؟؟
تعالوا نقرأ من مصادرهم
تفسير القرطبي ج: 10 ص: 159
وفي الصحيح أنه عليه السلام كان في أول أمره يتعبد بغار حراء ويمكث فيه الليالي الحديث وفي صحيح البخاري قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا هاربا من قومه فارا بدينه مع صاحبه أبي بكر حتى لحقا بغار حراء في جبل ثور فكمنا فيه ثلاث ليال
سنن الترمذي ج: 4 ص: 645
2472 حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن حدثنا روح بن أسلم أبو حاتم البصري حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لقد أخفت في الله وما يخاف أحد ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ولقد أتت علي ثلاثون من بين يوم وليلة ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب ومعنى هذا الحديث حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم هاربا من مكة ومعه بلال إنما كان مع بلال من الطعام ما يحمله تحت إبطه
الأحاديث المختارة ج: 5 ص: 30
1633 أخبرنا أبو الفتوح يوسف بن المبارك بن كامل الخفاف ببغداد أن عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرهم أنا أحمد بن محمد بن النقور أنا عبيد الله بن محمد بن حبابة أنا عبد الله بن محمد البغوي نا عبيد الله بن محمد العيشي نا حماد عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقد أخفت في الله وما يخاف أحد ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ولقد أتت علي ثلاثون من بين يوم وليلة وما لنا طعام نأكله إلا شيئا يواريه إبط بلال ثم إسناده صحيح
إذاً يا جمال قد يخاف الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و لكنه ليس الخوف الذي خدعت نفسك و قومك به ،،،
و لكنه خوف في الله و خوف على الدين ، و يكفيك ما نقلناه عن الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه فحاول الاستفادة منه، مع علمي بأنك لن تستفيد منه، بسبب الغشاوة التي على عينيك
فكل ما ستفعله هو التفكير بطريقة للحفاظ على ما تبقى من ماء وجهك، و هذا ديدنكم و ما عهدناه منكم
و لن تعدو ذلك
{ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ }
ملاحظة /
مشكلة الوهابية ( الجمال نموذجاً ) أنهم يعتمدون في إشكالاتهم على استنتاجاتهم الخاصة متجاهلين أقوال علمائهم و محدثيهم و مفسريهم، لذا تجد الرد عليهم سهلاً يسيراً ،
و ستتضح هذه الملاحظة أكثر في الرد على موضوعه الآخر المتعلق بآية التطهير !!
تجاهل كل قول و اعتمد على أهوائه ..
النتيجة : المزيد من الخذلان للوهابية، و متانة أكثر و أكثر لما أراده الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و أهل بيته { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ }
{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ }
أخوكم الحــــزب ،،،
السلام عليك يا أبا عبدالله الحسين
تعليق