إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

أين أصاب التيار الصدري وأين أخطأ؟

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أين أصاب التيار الصدري وأين أخطأ؟

    لا أحد يستطيع إلغاء الحالة السياسية التي عمل على تكريسها هذا التيار في أوساط المحرومين من المجتمع العراقي ولن يستطيع أحد أيضاً التجاوز على الهبات والاندفاعات والعواطف والغليانات التي أججها هذا التيار وخلق منها أجواء مغايرة في العاصمة والمدن الجنوبية في العراق لصالح فكرة الاعتماد على الذات وإقامة النموذج السياسي القادر على حماية الأمة من خطر الانزلاق في ركب التغريب كما الاعتماد على القواعد الشعبية التي تربّت على خطب الإمام الشهيد الصدر الثاني الموجودة بكثرة في الأشرطة والكتب في السنوات الأخيرة التي كان فيها الإمام قبيل استشهاده يقيم صلاة الجمعة في مسجد الكوفة.

    إن الوقوف على الصواب والخطأ يفترض أن يكون أقرب إلى منطق (الرياضيات) منها إلى حساب (المكاسب) بلغة العواطف والميول الحزبية والخطية والمرجعية لأن الاعتماد على المنطق الرياضي سيجنب المتابع والمؤرخ والباحث الوقوع في منزلقات المزاج وتغليب لغة الخط السياسي والولاء المرجعي على لغة الحق.

    لذلك سنعتمد في تنقيط الصواب والخطأ على تلك اللغة ابتعاداً عن المنزلقات في التقييم وسداً لمنافذ (النقد الجارح) الذي ربما سيأتي من أولئك الذين يعتقدون أن الغلو في القول والسلوك والنفخ في القيادات والحالات والتفاصيل الصغيرة هو القاعدة وما عداها استثناء وأن فرض هذه الحالة سيثبت حق هذا التيار في قيادة المجتمع العراقي وتمثيل الحالة الإسلامية بكافة مظاهرها وقواها الفاعلة في المجتمع العراقي.

    ويمكن إجمالها على الشكل التالي:

    أولا: إن الانفتاح على المرجعية الدينية وإقامة علاقات واقعية وعقلانية ومتزنة ومحترمة مع أهم رموزها وقياداتها حسنة لن تضر معها سيئة وتعبر عن اهتمام وعناية ودين وسلوك حقيقي اندكاك بالشريعة بأوامرها ونواهيها ولا يعتقد عاقل في المحيط الشيعي الإسلامي أن جهة ما أو تنظيماً أو رمزاً كبيراً دخل العراق بعد سقوط النظام وبداية عهد الديمقراطية وفتح باب الحريات ولم يكن في نيته وأعماقه الاتصال بالمرجعية وإقامة علاقات حقيقية مع رموزها المعتدلة والوسطية القادرة على الاهتمام بالمجتمع العراقي ومصالحه وفي مقدمة تلك المرجعيات مرجعية الإمام السيستاني باعتراف غالبية المراجع.

    ونعتقد أن هذه الحسنة ليست حالة من الثواب الذي يصب في صحيفة أعمال الفرد المسلم وحسب بل هو واجب شرعي المسؤول عنه أصحاب النوايا الإسلامية الحقيقية من الذين يشعرون برسالتهم إزاء الشعب العراقي، رسالة الخلاص والحرية وإنجاز وعد الاستقلال وقيام الدولة الدستورية ـ الديمقراطية المستقلة.

    يبدو أن علاقة التيار الصدري بالمرجعيات الدينية الموجودة في النجف لم تكن حسنة في زمن الإمام الصدر الثاني وازدادت سوءً في المرحلة الحالية التي شهدت سقوط النظام والمواجهات التي جرت ضد جيش المهدي ووقوف المرجعيات الأخرى بشكل مغاير من حركة التيار الصدري.

    وفي لغة السياسة نقول أن التيار الصدري وقادته أخطأوا حين صنفوا المرجعيات الروحية في النجف الأشرف إلى ناطقة ثورية مجاهرة بالحق متصدية لشؤون القيادة وأخرى ساكنة ساكتة سلبية متراجعة لا تقوى على تحمل مسؤولياتها بسبب تلك السلبية!!.

    نعتقد أن لا أحد لديه القدرة على وضع نهج ما في تصنيف المرجعيات الدينية إلى ناطقة وساكتة لأن المسألة تتعلق بالفهم الجوهري للإسلام وكيفية التعبير عن فلسفة هذا الفهم. فمن الفقهاء من يرى التغيير لا يتم إلا عن طريق بناء الحوزات العلمية وتربية أجيال من المبلغين وتطوير مناهج الكتاب الإسلامي وإرسال الوكلاء إلى المدن والمحافظات في الداخل والعواصم العربية والأجنبية في الخارج ومنهم من يرى تعبيرات التغيير كامنة في تأسيس الحزب الإسلامي ونشر أفكار انقلابية ثورية تستهدف إسقاط النظام الدكتاتوري ـ الاستبدادي وإقامة الحكومة الإسلامية ومنهم من يرى في التعامل مع الواقع حسب لغته وصورته العامة وإطاره ومناخه السياسي والاجتماعي والانطلاق في التعبير عن الإسلام وحركته ومستقبله من خلال ما ينضح من تجليات اجتماعية ولا ينبغي زج الأمة في وضع سياسي ما لم تكن تلك الأمة جاهزة للاستيعاب والهضم الكامل لاعتمالاته واحتمالاته وإلا كان العمل حالة من حالات الانتحار بالنظر لضعف إمكانات التغيير مهما بلغت من تطور قياساً بإمكانات الدولة المستبدة.

    أما أن يتم تقسيم المرجعيات بهذا الشكل الأحادي المجرد من التحليل والرؤية النافذة والنقد التاريخي وبروحية التجرد عن الأنا والمعارك الجانبية والتنافس اللامحمود على مقعد القيادة فهو تقسيم لا يشق عصا الحوزات وسياق حركية المرجعيات الدينية في النجف ويسن سنة غير حميدة في تاريخ الحركة الإسلامية العلمية والقيادية في العراق بل يشق عصا الأمة كون الأمة هي المعنية بهذا التصنيف ومعنية أكثر بانعكاساته السياسية والدينية والاجتماعية وبالفعل حدث الانشقاق التاريخي في الذاكرة الاجتماعية للأمة قبل إحداث الشرخ في سياق علاقة المرجعيات بالأمة والمرجعيات مع بعضها في النجف.

    ورغم أن المرجعيات الدينية لم تتأثر بهذا التصنيف إلى درجة الحساسية العالية والنفور من الموقع والمسؤولية لكن (شيئاً ما ) حدث في النجف جعل المرجعية الدينية تنأى بنفسها عن الدخول في القضايا والاشكالات والمشاريع والصيغ الثورية العالية التي يدعو لها وبها التيار «الناطق».

    ونعتقد أن التصنيف لم يكن منذ البداية يخدم أحدا من المرجعيات ولم يكن يخدم المستقبل بل كان وبالاً على الحالة الإسلامية فضلاً عن أن النظام الدكتاتوري السابق عمل على تسويق الخلاف وتطويره واللعب على أوتار فتنة الساكتة والناطقة. لكن حكمة المرجعيات الدينية وتصرفها العقلاني حال دون أن تنجح مؤامرة تمزيق الأمة وتحويلها إلى أمة ساكتة وأخرى ناطقة خارج سياق الحوزة التي لم تفلح فيها تلك الانقسامات!

    وفي هذا الإطار يمكن تسجيل ملاحظة سلبية علاقة التيار الصدري مع المرجعيات الدينية وسلبية طرحه للتصنيف الذي لم يكن قدم خدمة تذكر لحركة المشروع الإسلامي بجميع مظاهره ولم يخدم حتى دعاته ومطلقيه. فبدلاً من إحداث وعي في ذاكرة وعقل الأمة إزاء المرجعيات الدينية وموقعها تم إحداث شرخ عميق في علاقة الأمة بالمرجعية.

    في هذا الإطار نعتقد أن الجرأة التي نسمعها ونقرأها هنا وهناك في كتابات البعض وأقوالهم في الفضائيات وحتى في الشارع وصدورها على ألسنة العامة من الذين لا يعرفون أبسط الأحكام الشرعية وهي تتحدث عن المرجعية الدينية وتسخر من مقامها نتيجة تغذية سلبية صادرة عن ثقافة معينة تجاه المرجعية عمقت الخلاف في الأوساط وجعلت شرائح في المجتمع العراقي لا تنظر لمقام المرجعية الدينية بوصفه حالة قيادية قدر ما ينظر إليه كونه (حالة ساكنة) أشبه بالتابوت والأمة لا يمكنها الاستمرار بتقليد التابوت والانقياد لأوامره ونواهيه. إن التيار الصدري إن لم نقل أنه أسس لقواعد النيل والسخرية من المرجعية الدينية وعمل على تأصيل التصنيف المجحف لدورها في أوساط المجتمع العراقي فإنه ساهم في التأصيل. في هذه النقطة أخطأ التيار!

    ثانياً: لأول مرة في التاريخ السياسي الشيعي ينجح فقيه ما في زمن ومكان مختلفين بظروف صعبة غاية في الخطورة بتنشئة جيل هائل من الشباب المسلم وزجه في التحدي التاريخي ضد الدولة المارقة المستبدة ويتحول هذا الجيل بتلك التنشأة التعبير الأقوى للظاهرة الشيعية في الشارع ويهدد بهذا الوعي والفعل الشارعي العارم معادلات سياسية عالمية ويكاد يطيح بإنجاز تلك المعادلات العالمية في عقر دار النموذج ويفلح كذلك في إدخال المحرومين والمقاتلين ورواد المعتقلات والسجون والمطامير التي بناها النظام الفاشي السابق لهم ولعلمائهم وفقهائهم وشبابهم في صلب اهتمامات الكبار الدوليين والقادة السياسيين المحليين الجدد في العراق بحيث لا يمكن الحديث عن تحول ما أو إقرار حالة لها علاقة بتطوير العملية السياسية في البلاد ما لم تناقش قضية مشاركته أو على الأقل إشراكه لكي لا يتحول هؤلاء المحرومون ممن تحملوا تكلفة المحنة والنظام السابق ومساوئه وطغيانه إلى عبأ ثقيل على الدولة والديمقراطية والعملية السياسية.

    لا أحد يستطيع القول اليوم بأن التيار الصدري ـ على ما به من علل ومساوئ ـ ليس تياراً عريضاً ويملك منابر ووسائل إعلامية وناطقين رسميين باسمه وقواعد جماهيرية وفوق هذا وذاك بدأنا نسمع عن تحالفات وصيغ سياسية مشتركة تجمعه مع أحزاب وكتل سياسية وشخصيات عشائرية قريبة أو بعيدة عن توجهاته وفهمه للعملية السياسية. مثلما بدأنا نشهد ويشهد معنا المتابعون لحركة ونشاط هذا التيار إدراكاً عميقاً لموقع المرجعية الدينية من دون الرجوع أو الاحتكام لفلسفة التصنيف أو اعتبارها المقياس الأوحد النهائي في الحكم على الظواهر والمواقف الصادرة عن المرجعية الدينية انطلاقاً من المعرفة القائلة بأن لكل مرجع أسلوبه ونهجه في التعاطي مع المجتمع العراقي ونظريته السياسية في العلاقة مع الدولة ومع مسائل الأمن والاستقرار والتطوير والبناء ومعالجة شؤون البلاد المختلفة.

    لم يسبق في التاريخ الشيعي والديني الآخر في البلاد أن شهد (حالة) من هذا النوع ويعتقد خبراء في الساحة العراقية أن التيار الصدري وبعد وقوف قادته على بعض الأخطاء السابقة وعودتهم (العاقلة) إلى طاولة التفاهم مع المرجعية الدينية سيكون له شأن في الحياة السياسية على خلفية لعب دور سياسي متقدم في القيادة والوصول إلى السلطة فيما لو أحسن القادة السياسيون الجدد الذين سيظهرون كممثلين عن التيار وناطقين باسمه في المناطق تلك القيادة وغيروا في الخطاب وقدموا نموذجاً مختلفاً يتناسب وحجم التحدي الداخلي ومنسجم مع المطالب العامة للشعب العراقي. إن التيار الحقيقي هو الذي يعمل في عمق مطالب الجمهور لا الذي يسعى لتحقيق مطالبه الخطية أو فرض وجهة نظره السياسية أو الدينية مهما غلفت تلك المطالب بسليفان المفردات المخلصة والحريصة على الأمة!!

    إن الأمة واعية ولن تنطلي عليها خطابات مغلفة ولأنها ببساطة شديدة وبعد أن أدخلها النظام السابق في حروبه وظلمه واستبداده وحرب إسقاط النظام في أتون وضع جديد باتت أكثر وعياً ولن تكون مغفلة سواء في ساحة النظام الجديد أو القوى الثورية الجديدة ـ القديمة.

    لقد أفلح التيار الصدري في تكريس هذا الوعي وتأسيس تيار له علاقة بالمحرومين وتلك حقيقة تحسب له.

    ثالثاً: إن أقرب المؤسسات والحالات الدينية الكبيرة للتيار الصدري وقيادته هي المرجعية الدينية. هذه الفرضية كان يمكن أن تكون دليلاً على وعي يفّوت الفرصة على المتربصين بهذا التيار في محاولاتهم لإسقاطه وتشتيت قيادته وتحطيم صورته في أروقة الحياة السياسية العراقية وفي الشارع العراقي أيضاً.

    إن وجود السيد مقتدى الصدر في النجف يعني أن قيادة التيار في النجف والمفروض أن يمد السيد الصدر يده في التحالف مع جميع القوى العاملة والهادفة التي تفكر بعمق في مصالح الشعب العراقي. لقد حدث العكس تماماً فقد فك السيد الصدر ارتباط تياره بالمرجعية الدينية بادئ الأمر ونأى جانباً وابتعد عن المحيط الذي كان من المفترض أن يكون في أوساطه وذهب أبعد من ذلك عميقاً في علاقات وتحالفات مع اتجاهات وخطوط ونماذج لو ضحى هو بذاته وقدم نفسه وتياره من أجلها فلن يغفر له أو يعد (مقاوماً) في نظرهم.

    إن الذهاب بالتحالف مع هذه الاتجاهات التي تعتبر قطاعات واسعة منها من بقايا النظام السابق أقصى الحدود إلى درجة التنسيق الميداني لم يكن إلاّ تتويجاً لفك علاقة هذا التيار بالمرجعية الدينية.. فما معنى أن تعلن ارتباطك وتأييدك بل وأن تكون في خدمة المرجع الأعلى فيما يتم التنسيق والتعاون على قدم وساق مع القتلة والمجرمين ـ من الذين يبحثون عن مصالحهم وامتيازاتهم وملكهم الزائل ولا يعبأون بك؟

    كان من المفترض أن يكون التنسيق على درجة كبيرة من الفاعلية بين المرجع والتيارات الدينية السياسية القديمة والناشئة كتيار السيد الصدر ويصار إلى اتفاق حقيقي يشمل جميع الثوابت المتفق عليها ومناقشة كل القضايا الداخلة في صميم المسألة السيادية وحقوق الأقليات والأكثرية وجدولة الانسحاب الأمريكي من العراق إلى آخر المسائل محط النقاش والمعالجة. وكان لا بد للسيد الصدر أن يعالج هذه القضايا بروح شفافة من دون إملاءات على المرجعية أو فرض الرأي واستخدام لغة فوقية في التعاطي مع الآخرين فإذا تم التوصل إلى اتفاقات بهذا الشأن كان التيار الصدري في إطار عمل وأولويات حركة المرجع والقوى السياسية الفاعلة الأخرى وإذا لم يتم التوصل فلا ينبغي التقليل من شأن المرجعية الدينية واتهامها بالسكوت إذ لا معنى لهذا الاتهام إذا كان السكوت كما يعتقد البعض أن يتحدث به إذا كان فيه مصلحة للأطراف السياسية والمصالح الوطنية وهو على كل حال ليس سكوتاً وأن السيد السيستاني (حفظه الله) لم يسكت بل مارس ويمارس أسلوب عمل في الساحة العراقية يتناسب وحجم العملية السياسية كما حجم المشكلة وإلاّ فأنّ إطلاق مثل هذه الكلمات وتوسيع دائرة إشاعتها وتسويقها يمثل تهكماً معيباً على المرجعية الدينية وإلصاق تهمة بحقها وتعد على المقام قبل استهداف الشخص.

    إن غياب التنسيق مع المرجع نقطة تحسب على التيار الصدري وقادته، ورغم أن السيد السيستاني لم يستشر بادئ ذي بدء حيال استخدام القوة المسلحة ابتداءً ضد القوات الأمريكية وتم تفويضه في فرض وإيجاد الحل وأن ما يصدر عنه سيكون نافذاً على الجميع فإن السيد السيستاني تحرك انطلاقاً من المسؤولية الشرعية والتاريخية التي تُلزمه كموقع ودور أن يكون أباً لجميع فعاليات وقوى الساحة. فتحرك الإمام بهذا الاتجاه ولم يقابل سيئة التجاوز بواحدة مثلها إزاء السيد مقتدى الصدر وجيشه بل قابل السيئة بأحسن منها بقبوله طرح مشروع إنهاء المواجهات وحماية ما تبقى من جيش المهدي وزجه ثانية في أعماق الحركة السياسية وعدم صدور شيء يسمى جزافاً (فتوى) بتكفيره وإعدامه!!.

    رابعاً: إن (الثورة) العارمة التي أطلقها جيش المهدي لم تكن حرب استقلال شاملة بدليل أن قطاعات واسعة في الشارع العراقي كانت على خلاف معها ومع قادتها ولم تكن على انسجام مع الثقافة السياسية الاستقلالية التي طرحها التيار بداية المعارك ـ أي بعيد قيام القوات الأمريكية بإغلاق مكتب جريدة الحوزة الناطقة!.

    وفي يقين المحللين والمتابعين أن ما حدث كان موقفاً من إغلاق جريدة وليس قراراً بإعلان حرب استقلال ـ هذا إذا كان التيار الصدري يعتبر الوجود الأمريكي ـ البريطاني في العراق احتلالاً!!. وربما كان مشعلوا فتنة المعلومات المحرضة التي نشرت في الجريدة أرادوا ـ جهلاً أم على علم ـ تثوير الأوضاع من دون أن يكون مقتدى الصدر قد قرر بالفعل خوض غمار الكفاح المسلح وهو لما يستنفد بعد خيارات العمل السلمي لخروج هادئ للقوات الأمريكية من العراق.

    لقد تعامل السيد مقتدى الصدر في زيارته لبعض المناطق المحسوبة على ما يسمى في العراق اليوم بمناطق مثلث الموت وكأنها جزء من مشروع خلاص الوطن والسيد يعرف جيداً طبيعة الميول السياسية والانفعالات والأمزجة الشخصية وعلاقة هذه المناطق بالنظام السابق ويعرف كذلك أن تلك المناطق كانت موالية للعهد البائد وأن قادة أجهزتها الأمنية والمخابراتية خرجت من هذه المناطق ما يعني أن عدداً كبيراً من منتسبي هذه الأجهزة ضالعون في الجرائم التي ترتكب بحق الشعب العراقي يومياً عبر التفجيرات والسيارات المفخخة وتعطيل كل ما من شأنه أن يكون عاملاً مؤثراً في تحريك العملية السياسية.

    إن السيد مقتدى الصدر يعلم كل ذلك لكنه على ما يبدو عقد (حلفاً) مع هذه المناطق التي يصدر بعض أبنائها سيارات الموت لبغداد وبقية المحافظات العراقية فيما كان في الوقت نفسه يتهم القوى السياسية الإسلامية والوطنية التي عاد قادتها العراقيون إلى وطنهم بالعمالة للأجنبي!!.

    هنا يثار السؤال التالي:

    إذا كان السيد مقتدى الصدر لا يتحرج من عقد حلف مع مجموعات متورطة بقتل الشعب العراقي لصالح قتال القوات الأمريكية ومنع دخولها العراق فلماذا لم يقاتل بداية دخول هذه القوات في معاركها ضد القوات العراقية من الجبهة الجنوبية على الحدود مع الكويت؟ وهل كان السيد الصدر لديه موقف من الاحتلال منذ البداية مع أن الرجل اختلف مع المشروع حين وجد أن لا شيء لديه في أجندة السياسة العراقية الجديدة؟

    أغلب الظن أن السيد الصدر لم يقرأ حيثيات الواقع السياسي العراقي الجديد جيداً ولم يزن المتغيرات التي أحدثها غزو العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وما جرى تخبط عشوائي في ساحة مفتوحة ترغم أصحاب المشاريع الكبيرة على دخولها وخوض المغامرة فيها وتجريب حظوظهم في أوساطها. وإذا كان الابتعاد عن الساحة الحقيقية للتيار الصدري تم بقرار من السيد مقتدى وعدم انسجامه مع نظرية التريث والعمل السياسي العقلاني الآخذ بأسباب وواقعيات المسالة العراقية فإن تجريب العلاقة مع وجودات وكيانات ونماذج تبحث عن حصتها هي في الكعكة العراقية الوهمية هو ضياع للجهد العام وسباحة ضد تيار الحركة الاستقلالية المفترضة ومحاولة لتذويب الفوارق الطائفية لن تجدي نفعاً أمام محاولات موازية لاستئصال الوجود الشيعي ولو تعلق هذا الوجود بأستار الكعبة!!.

    خامساً: كان من المفترض أن يطرح السيد مقتدى الصدر وبقية أطراف التيار الصدري رؤية سياسية وفكرية للتعبير عن اللون الذي يبحث عنه في حركته السياسية باتجاه تحقيق شيء ما في العراق وفوق هذا وذاك إقناع الجمهور العراقي بضرورة الالتفاف على راية كبيرة تحقق لهم مطاليبهم السياسية والاجتماعية لخروج الاحتلال وإقامة الدولة العراقية الديمقراطية المستقلة. في هذا الصدد لم يعمل التيار الصدري على تأسيس هذه الرؤية كما يجب أن يعرف التيار الصدري أن خطبة الجمعة في مسجد الكوفة وبقية مناطق العراق أدوات فكرية وسياسية لن تكفي لبناء أمة موالية لهم أو صناعة قاعدة جماهيرية قادرة أن تذهب إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات القادمة لانتخاب أعضاء وأشخاص في التيار الصدري للمجلس الوطني القادم.

    إن القاعدة الجماهيرية الكبيرة التي تحضر أسبوعياً في صلاة الجمعة بمختلف المناطق الشيعية في العراق لم تكن نتاج تربية ومشروع تعبئة السيد مقتدى الصدر ـ مع تقدير واحترام مكانته بين أتباعه ـ بل هي نتاج مشروع القيادة الفذة لأبيه المرجع السيد الشهيد الصدر الثاني. وحين تحضر صلاة الجمعة أسبوعياً بهذه الكثافة العددية فلأنها لا زالت تقدر وتثمن مكانة المرجع الشهيد في أوساطها.

    بمعنى آخر لا بد لمقتدى الصدر أن يدرك المكانة المميزة والدور المفترض أن يلعبه (الحزب السياسي) في تكريس وتأصيل الأفكار والمفاهيم والاتجاهات والقناعات التي يراد طرحها على الأمة. والسيد الصدر الابن لم يشتغل على تأسيس الحزب الذي لو كان تأسس بعد سقوط النظام لكان التيار الصدري (ربما) أكثر جذرية وعقلانية وأقل (حدة) وأهدأ في تعاطيه وتعامله مع المتغيرات المختلفة التي كانت تحوط به.

    إن غياب الحزب حول التيار الصدري إلى قبيلة متحالفة مع قبائل أخرى في العراق وزجها في أتون مواجهات ومشاكل وأزمات مع أطراف في الداخل وفي مواجهات موازية وشرسة مع قوات الاحتلال. وهذا ما كان ليكون لو كان السيد مقتدى الصدر شكل حزباً سياسياً ودعى الأنصار والمؤيدين والمتعاطفين والمتعبدين في صلاة الجمعة الانخراط فيه.

    سادساً: من الملاحظات المهمة أن التيار الصدري استعجل المواجهة مع القوات الأمريكية من دون أن يتيح للعمل السياسي هامشاً معيناً لقياس سياسات أو حصد نتائج وجود هذا التيار ومدى قدرته في استيعاب واحتضان أشواق الأمة. فلا معنى لوجود مقاومة من دون أن تقوم في الوسط العراقي آليات مقاومة من نوع آخر كأن تكون مقاومة إعلامية وسياسية وآليات مقاومة تتحرك في الشارع كمسيرات وتظاهرات وندوات ولا معنى أن يدخل تيار ما أتون المواجهات المسلحة من دون أن يستنفد أغراض وأدوات المقاومة السلمية.

    إن هذا الاستعجال أودى بدماء غزيرة ـ عزيزة كان بإمكانها أن تكون سنداً وقوة داعمة ومساندة وفاعلة في الوسط العراقي وأكثريته المظلومة ـ المحرومة ـ المستضعفة التي كانت على مدار ثلاثة عقود مسلوبة الحقوق والامتيازات مهمشة و لا تستطيع فعل شيء معين قبالة المؤامرات الطائفية والضغط البوليسي الذي كان يمارس ضدها.

    ومن أهم النتائج استعجال السيد مقتدى الصدر المعركة والتمهيد لها بطرح شعارات سياسية تحريضية والاختراق الأمني للتيار من قبل مجموعات وعناصر واتجاهات لها علاقة بالسلفيات والمنظمات السلفية وعناصر لها علاقة بأركان وأجهزة النظام السابق، على أن التيار الصدري حين انفتح على هؤلاء لم يعرف منذ البداية أنهم يعملون لصالح عودة النظام أو إعادة الحكم للأقلية الطائفية واعتقاداً منهم أن هؤلاء سيحفظونهم في دمائهم وأسرار عملهم وينسقوا معهم ولم يعرفوا أنهم وقعوا في كمين لعبة طائفية وأهداف لا علاقة لها بأساس أهداف ونوايا التيار الصدري.

    إن هذا الاختراق آذى التيار وقيادته أمام الأجهزة والمؤسسات الأمريكية الأخرى حيث نتج عن هذه العملية إعطاء انطباع لدى الأميركان أن الحملة الأمريكية التي جاءت لرفع الحيف عن الشيعة كانت خاطئة بدليل أنّ طائفة واسعة لدى الشيعة وهم جيش المهدي تقاتلهم. لقد سربت هذه المعلومات للأميركان من قبل أنصار السنة وأنصار الإسلام والسلفية الجهادية وعناصر دخيلة على أهلنا في الفلوجة والرمادي بهدف صرف أنظار الأميركان عن الشيعة لتقريب مجموعات وأحزاب وأشخاص آخرين في مجلس الحكم السابق والحكومة الحالية وإعادة تركيب حالة السلطة العراقية وفق مزاج سياسي يقوم على استبعاد الأكثرية.

    لقد أحسن جيش المهدي والسيد مقتدى الصدر صنعاً حين تدارك الأمر بقبول التسوية السياسية التي رعاها الإمام السيستاني وأسندها وقادها حتى يعطي مجالاً لآليات العمل السياسي الأخرى بالحركة والفاعلية وللأحزاب والاتجاهات الإسلامية الشيعية بالعمل على ترسيم سياسات لا تهمش الشيعة في السلطة ولا تسقط في ذهن الأميركان (وهم) أن لا أصدقاء لكم في العراق وأن الذين يخطفون جنودكم ويذبحون رهائنكم ويقاتلونكم هم الشيعة وليس (أنصار السنة) كما يجري حالياً.

    لقد سمع التيار الصدري ولو متأخراً نصيحة الإمام السيستاني وأقرّ المخاطر التي تحدق بالإسلام وبالأكثرية المضطهدة إيماناً منهم أنهم لم يستعجلوا المعركة إلا لإحراز أهداف نبيلة ولم يوقفوا القتال إلا لإحساسهم أن تلك الأهداف لن تتحقق بهذه السهولة وضرورة إجراء تكتيك جوهري في الأساليب الأمنية تحمي الساحة من الاختراق وتعطي العمل الإسلامي دفعاً للإمام بما ينسجم وصورة الحالة الشيعية التي هي بحاجة إلى من يرعاها ويسندها ويقودها بعقلانية وواقعية وعقل مفتوح وهي تواجه خطر السحق بالسيارات المفخخة من قبل الطائفية الوافدة المسنودة من فاعليات الداخل وعدم تقدير البعض من داخلها لضرورات إقامة الحدود التي تحفظ الدين في العراق وتحافظ على أهله وتحمي السيادة من الإرهابيين وأصحاب النوايا المبيتة!.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 21-02-2015, 05:21 PM
ردود 119
18,090 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة وهج الإيمان
بواسطة وهج الإيمان
 
أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 23-05-2024, 02:34 PM
استجابة 1
100 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة وهج الإيمان
بواسطة وهج الإيمان
 
أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 23-05-2024, 02:27 PM
استجابة 1
71 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة وهج الإيمان
بواسطة وهج الإيمان
 
أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 04-10-2023, 10:03 AM
ردود 2
154 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة وهج الإيمان
بواسطة وهج الإيمان
 
أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 09-01-2023, 12:42 AM
استجابة 1
160 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة وهج الإيمان
بواسطة وهج الإيمان
 
يعمل...
X