جمال احمد خاشقجي ہ
أي سعودية نريد؟ سعودية الدكتور الربيعة أم سعودية الشيخ الفو زان؟
اتصلت بي صحفية بريطانية تسألني عن عملية فصل التوأم البولنديتين، ولماذا تكفلت المملكة باجراء العملية في أحد مستشفياتها ومن هو الدكتور الربيعة ومن تحمل تكاليف العملية؟ انشرحت نفسي واعتدلت جلستي بعدما شعرت بالفخر وكأنني كنت ضمن الطاقم السعودي الذي اجرى العملية، واسترسلت في الحديث عن هذا الموضوع الانساني الشائق وبحثت لها عن هواتف الدكتور الربيعة وحدثتها عن جيله الذي غير وجه المملكة، ونقلها من الجهل والعوز الى موقع متصدر في العالم، قلت لها انه يمثل المملكة الحقيقية التي تريد ان تشترك وتشارك العالم في علمه ونجاحاته وان مثله كثيرون في بلدي ممن نفخر بهم ويرفعون الرأس.
لم تكتمل فرحتي فما هي الا نصف ساعة وصحفي امريكي يسألني عن شيخ سعودي يدرس ابناءنا في جامعة الامام، قال في برنامج تلفزيوني بثته قناة المجد الممولة سعوديا ان غضب الله قد حل على الكفار لانهم يحتفلون بعيد الميلاد ويمارسون الزنا والشذوذ في المنتجعات السياحية الآسيوية فوقعت بهم وبغيرهم كارثة المد البحري الاخيرة...
يا الله ما ابعد القوم عن روح الاسلام وتسامحه ورأفته واحسانه، كظمت غيظي، اذ اعرف طينة هذا الصحفي الذي دوما ما يصطاد في مائنا الذي عكره هؤلاء وقلت، ان هذه المحطة جديدة وقليلة الخبرة وسوف تتعلم من أخطائها، وان هذا الشيخ لا يمثل المملكة وشعبها وان رأيه رأي أقلية وحاولت جهدي صرفه عن الموضوع مؤكدا له انه لا يستحق اهتماما ولا موضوعا في مجلته.
استرخيت علي كرسي المكتب وفكرت فيما قلت، هل صحيح ان «فضيلة» الشيخ الدكتور عبد العزيز الفوزان استاذ الفقه المساعد في جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية لا يمثل الا نفسه بينما الدكتور الطبيب عبد الله بن عبد العزيز الربيعة يمثلنا اجمعين؟ اي «سعودية» هي الحقيقية؟ هل هي التي يأمر ولي أمرها بجلب طفلتين بولنديتين ملتصقتين، حار والداهما في علاجهما واطلاق حريتهما كي يعيشا حياة طبيعية فوجدا بغيتهما لدى قلب رؤوف هو سمو ولي العهد، وخدمة طبية متطورة هي مستشفيات المملكة، واطباء سعوديين اكفاء، وبلد منفتح على العالم كله، باعراقه واديانه، شعبه كريم مضياف، فتلقى الرأي العام البولندي الموقف السعودي بعظيم تقدير وشكر حتى كتبت سيدة بولندية لسفيرنا في وراسو «انكم رائعون!... اعتقد ان ما فعلتموه للطفلتين التوأم، قد اظهركم واظهر دينكم بصورة مختلفة تماما، ان البولنديين كانوا بحاجة ماسة لذلك، فنحن كنا ننظر للعرب طوال الفترة الماضية من منظار الارهاب... يجب علي ان اقرأ عنكم وعن بلدكم» وهي رسالة واحدة من عشرات تلقاها الاخ والسفير النشط اسامة السنوسي.
اما انها «سعودية» فضيلة الشيخ الفوزان الذي لم ير في الغرب غير زناهم وكفرهم وفجورهم فحل عليهم غضبه ومعهم 150 الف مسلم؟ ام انها سعودية محطة تلفزيونية اختارت في زمن ثورة الاتصال والانفتاح ان تحاصر نفسها وتضييق اختياراتها فكانت محطة البعض عوض ان تكون محطة الكل مهتدية بقوله تعالى: (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين).
قبل ان يتصل بي الصحفي كان امامي ترجمة ما قاله الفوزان في محطة المجد التي سارعت بنشرها وتوزيعها «ميمري» وهي لمن لا يعرفها مركز رصد وترجمة لما ينشر ويقال في الاعلام العربي، ومرتبطة باليمين الاسرائيلي ووصفتها صحيفة الجارديان البريطانية مرة بانها «انتقائية» اذ تبحث عن الآراء المتطرفة والعنصرية والغريبة التي تهاجم اليهود واسرائيل والغرب والمسيحية لتعميق هوة الخلاف بين «الفسطاطين» ومن المفارقات انها متوافقة في ذلك مع التيار الاسلامي المتطرف والمتناغم مع القاعدة وأفكارها، فتبدو العلاقة بينهما تكاملية وكأن بينهما حلفا مرحليا علي نفس الهدف، رغم ما يظهر من خلاف وتباغض.
كالعادة سارعت ميمري بترجمة ما قاله فضيلته وحرصت ان تسميه بالبروفيسور كأنها تقول ان هذا التخلف والعنصرية ضربت عميقا في المؤسسة الاكاديمية السعودية، ووزعتها حول العالم بالاضافة الى تسجيل للفتو ى، نقلت كبرى محطات التلفزيون الامريكية الخبر في عز حزن العالم و تداعيه مع المنكوبين وجلهم من المسلمين، وتحول الموضوع الى مصدر للتعليق، والانتقاص من المملكة بل من الدين كله في بقية وسائل الاعلام الامريكية والعالمية، ومرة اخرى يخرب فرد واحد صورة وطن ويفسد جهد آلاف، ويلغي ابداع سعوديين ناجحين بعلمهم وقدراتهم وتفاعلهم مع العالم.
فهل القول انه لا يمثل الغالبية من السعوديين صحيح ام انه ترقيع غير مقنع؟ فهذا الشيخ وهذا التيار جزء من منظومتنا الفكرية، فهل نقول انه صورة من صور التعددية في مجتمعنا؟ ومثلما عندنا متطرفون عندكم متطرفون، ومثلما عندنا من هم مشبعون بكراهية الاخر، عندكم من هؤلاء كثر يدلون بتصريحات كارهة للاسلام والمسلمين ونبيهم من محارب كنائسكم ومن محطاتكم المسيحية، يكتبون الكتب الناضحة بالكذب والبغضاء وتباع في مكتباتكم فتتجاهلون احتجاجات المسلمين وتعتذرون بانها حرية فكر! ربما ينفع هذا القول لو كنت اجادل يمينيا امريكيا في برنامج تلفزيوني، ولكنه لن يحل مشكلة الوطن مع هذا التيار لانه لا يقول الحقيقة ويحمل الاسلام ما ليس فيه، فهذا الوطن يريد ان يكون جزءا من العالم لا ينسلخ عنه ولا يصطرع معه.
اين الحقيقة وايهما هو السعودي الحقيقي؟ جاءتني الاجابة مساء نفس اليوم، بعدما نجحت في تحرير الريموت كنترول من يد ابنتي الصغيرة وسمحت لي بالانتقال الى القناة السعودية الاولى، كانت حملة جمع التبرعات لضحايا التسونامي تدخل ساعاتها الاخيرة، وفوجئت بالرقم على الشاشة. اكثر من ربع بليون ريال تبرع بها سعوديون، كبار وصغار، رجال تبرعوا بكامل راتبهم ونساء يذهبن، الى اسيويين لا يعرفونهم،
كل ما جمعهم بهم هو انهم بشر في ضنك، هؤلاء هم السعوديون الحقيقيون الذين لم يستجيبوا لدعوات الكراهية والسادية والتشفي من معاناة الاخر، والعلماء الافاضل الذين قادوا حملة التبرعات وردوا على المشككين هم السعوديون الحقيقيون، سعودية الانفتاح والتسامح والمحبة، هذه هي السعودية التي نريد والتي تسعنا اجمعين.
ھ كاتب ومستشار اعلامي سعودي
=========
© 2001-2005 جريدة الوطن ، حقوق الطبع محفوظة
أي سعودية نريد؟ سعودية الدكتور الربيعة أم سعودية الشيخ الفو زان؟
اتصلت بي صحفية بريطانية تسألني عن عملية فصل التوأم البولنديتين، ولماذا تكفلت المملكة باجراء العملية في أحد مستشفياتها ومن هو الدكتور الربيعة ومن تحمل تكاليف العملية؟ انشرحت نفسي واعتدلت جلستي بعدما شعرت بالفخر وكأنني كنت ضمن الطاقم السعودي الذي اجرى العملية، واسترسلت في الحديث عن هذا الموضوع الانساني الشائق وبحثت لها عن هواتف الدكتور الربيعة وحدثتها عن جيله الذي غير وجه المملكة، ونقلها من الجهل والعوز الى موقع متصدر في العالم، قلت لها انه يمثل المملكة الحقيقية التي تريد ان تشترك وتشارك العالم في علمه ونجاحاته وان مثله كثيرون في بلدي ممن نفخر بهم ويرفعون الرأس.
لم تكتمل فرحتي فما هي الا نصف ساعة وصحفي امريكي يسألني عن شيخ سعودي يدرس ابناءنا في جامعة الامام، قال في برنامج تلفزيوني بثته قناة المجد الممولة سعوديا ان غضب الله قد حل على الكفار لانهم يحتفلون بعيد الميلاد ويمارسون الزنا والشذوذ في المنتجعات السياحية الآسيوية فوقعت بهم وبغيرهم كارثة المد البحري الاخيرة...
يا الله ما ابعد القوم عن روح الاسلام وتسامحه ورأفته واحسانه، كظمت غيظي، اذ اعرف طينة هذا الصحفي الذي دوما ما يصطاد في مائنا الذي عكره هؤلاء وقلت، ان هذه المحطة جديدة وقليلة الخبرة وسوف تتعلم من أخطائها، وان هذا الشيخ لا يمثل المملكة وشعبها وان رأيه رأي أقلية وحاولت جهدي صرفه عن الموضوع مؤكدا له انه لا يستحق اهتماما ولا موضوعا في مجلته.
استرخيت علي كرسي المكتب وفكرت فيما قلت، هل صحيح ان «فضيلة» الشيخ الدكتور عبد العزيز الفوزان استاذ الفقه المساعد في جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية لا يمثل الا نفسه بينما الدكتور الطبيب عبد الله بن عبد العزيز الربيعة يمثلنا اجمعين؟ اي «سعودية» هي الحقيقية؟ هل هي التي يأمر ولي أمرها بجلب طفلتين بولنديتين ملتصقتين، حار والداهما في علاجهما واطلاق حريتهما كي يعيشا حياة طبيعية فوجدا بغيتهما لدى قلب رؤوف هو سمو ولي العهد، وخدمة طبية متطورة هي مستشفيات المملكة، واطباء سعوديين اكفاء، وبلد منفتح على العالم كله، باعراقه واديانه، شعبه كريم مضياف، فتلقى الرأي العام البولندي الموقف السعودي بعظيم تقدير وشكر حتى كتبت سيدة بولندية لسفيرنا في وراسو «انكم رائعون!... اعتقد ان ما فعلتموه للطفلتين التوأم، قد اظهركم واظهر دينكم بصورة مختلفة تماما، ان البولنديين كانوا بحاجة ماسة لذلك، فنحن كنا ننظر للعرب طوال الفترة الماضية من منظار الارهاب... يجب علي ان اقرأ عنكم وعن بلدكم» وهي رسالة واحدة من عشرات تلقاها الاخ والسفير النشط اسامة السنوسي.
اما انها «سعودية» فضيلة الشيخ الفوزان الذي لم ير في الغرب غير زناهم وكفرهم وفجورهم فحل عليهم غضبه ومعهم 150 الف مسلم؟ ام انها سعودية محطة تلفزيونية اختارت في زمن ثورة الاتصال والانفتاح ان تحاصر نفسها وتضييق اختياراتها فكانت محطة البعض عوض ان تكون محطة الكل مهتدية بقوله تعالى: (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين).
قبل ان يتصل بي الصحفي كان امامي ترجمة ما قاله الفوزان في محطة المجد التي سارعت بنشرها وتوزيعها «ميمري» وهي لمن لا يعرفها مركز رصد وترجمة لما ينشر ويقال في الاعلام العربي، ومرتبطة باليمين الاسرائيلي ووصفتها صحيفة الجارديان البريطانية مرة بانها «انتقائية» اذ تبحث عن الآراء المتطرفة والعنصرية والغريبة التي تهاجم اليهود واسرائيل والغرب والمسيحية لتعميق هوة الخلاف بين «الفسطاطين» ومن المفارقات انها متوافقة في ذلك مع التيار الاسلامي المتطرف والمتناغم مع القاعدة وأفكارها، فتبدو العلاقة بينهما تكاملية وكأن بينهما حلفا مرحليا علي نفس الهدف، رغم ما يظهر من خلاف وتباغض.
كالعادة سارعت ميمري بترجمة ما قاله فضيلته وحرصت ان تسميه بالبروفيسور كأنها تقول ان هذا التخلف والعنصرية ضربت عميقا في المؤسسة الاكاديمية السعودية، ووزعتها حول العالم بالاضافة الى تسجيل للفتو ى، نقلت كبرى محطات التلفزيون الامريكية الخبر في عز حزن العالم و تداعيه مع المنكوبين وجلهم من المسلمين، وتحول الموضوع الى مصدر للتعليق، والانتقاص من المملكة بل من الدين كله في بقية وسائل الاعلام الامريكية والعالمية، ومرة اخرى يخرب فرد واحد صورة وطن ويفسد جهد آلاف، ويلغي ابداع سعوديين ناجحين بعلمهم وقدراتهم وتفاعلهم مع العالم.
فهل القول انه لا يمثل الغالبية من السعوديين صحيح ام انه ترقيع غير مقنع؟ فهذا الشيخ وهذا التيار جزء من منظومتنا الفكرية، فهل نقول انه صورة من صور التعددية في مجتمعنا؟ ومثلما عندنا متطرفون عندكم متطرفون، ومثلما عندنا من هم مشبعون بكراهية الاخر، عندكم من هؤلاء كثر يدلون بتصريحات كارهة للاسلام والمسلمين ونبيهم من محارب كنائسكم ومن محطاتكم المسيحية، يكتبون الكتب الناضحة بالكذب والبغضاء وتباع في مكتباتكم فتتجاهلون احتجاجات المسلمين وتعتذرون بانها حرية فكر! ربما ينفع هذا القول لو كنت اجادل يمينيا امريكيا في برنامج تلفزيوني، ولكنه لن يحل مشكلة الوطن مع هذا التيار لانه لا يقول الحقيقة ويحمل الاسلام ما ليس فيه، فهذا الوطن يريد ان يكون جزءا من العالم لا ينسلخ عنه ولا يصطرع معه.
اين الحقيقة وايهما هو السعودي الحقيقي؟ جاءتني الاجابة مساء نفس اليوم، بعدما نجحت في تحرير الريموت كنترول من يد ابنتي الصغيرة وسمحت لي بالانتقال الى القناة السعودية الاولى، كانت حملة جمع التبرعات لضحايا التسونامي تدخل ساعاتها الاخيرة، وفوجئت بالرقم على الشاشة. اكثر من ربع بليون ريال تبرع بها سعوديون، كبار وصغار، رجال تبرعوا بكامل راتبهم ونساء يذهبن، الى اسيويين لا يعرفونهم،
كل ما جمعهم بهم هو انهم بشر في ضنك، هؤلاء هم السعوديون الحقيقيون الذين لم يستجيبوا لدعوات الكراهية والسادية والتشفي من معاناة الاخر، والعلماء الافاضل الذين قادوا حملة التبرعات وردوا على المشككين هم السعوديون الحقيقيون، سعودية الانفتاح والتسامح والمحبة، هذه هي السعودية التي نريد والتي تسعنا اجمعين.
ھ كاتب ومستشار اعلامي سعودي
=========
© 2001-2005 جريدة الوطن ، حقوق الطبع محفوظة