الباب الرابع
الاسئلة المتعلقة بالمهدي عليه السلام
ما السر في طول عمره الشريف ؟
لكي نحصل على جواب هذا السؤال , ينبغي أن نعرف ما هو الزمان ؟ فإذا ما عرفنا ما هو الزمان وكيف يتحقق في النشأة, فإن جواب السؤال سيظهر بوضوح تتعين درجته على حسب استيعابنا للزمان .
الزمان ببساطة هو حركة المادة بالحركة الجوهرية التكاملية الجارية في النشأة, من وإلى الله في مقامي الظاهر والباطن , وهي حركة اهتزازية في صميم الموجودات منشأها الله تعالى مجده الذي منه الابتداء وإليه المنتهى (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ)[1] , فالسبب في أن الموجودات الممكنة محكومة بالزمان, بل مقهورة به وتتعاطى معه سلبياً, هو ان الزمان حركة الواجب ( الغني الحميد) المتحرك بذاته والمحرك لغيره, والممكنات الفقيرة إنما معلولات لتلك الحركة التي تدفع بها إلى الوجود, فمن البديهي ان يكون الفقير المتحرك بغيره مقهوراً بالحركة التي تدفع به إلى الوجهة التي تشاء وتعين مرتبته الوجودية, فلا أحد من الموجودات يستطيع أن يتحكم بحركة الزمان ويعين مرتبته الوجودية لأنها ليست حركته أصلاً .
ولما كان الله (هو الأول والآخر) فإن حركة الزمان تبتدأ من الله في مقام الأول و تنتهي إليه في مقام الآخر , وعلى هذا فإن الحركة الفيزيائية للزمان إنما حركة تجاذب وتنافر في آن , لأن ( الأول والآخر) مقامين متقابلين, والتعبير العلمي( الفيزيائي) للمتقابلين هو السالب والموجب, وكما هو ثابت ومؤكد ان العلاقة ما بين السالب والموجب علاقة تجاذب وتنافر, فالموجودات التي تبدأ من الله من مقام الأول وتتحرك نحوه في مقام الآخر , إنما تبتعد عن مقام الأول ( وهذا يسمى تنافر) وتقترب من مقام الآخر ( وهذا يسمى تجاذب) .
ولما كان الوجود عبارة عن مراتب غير متناهية تمتد ما بين اللاشيء و كل شيء ( ما بين اللاكمال و كل الكمال) فإن حركة الزمان (وهي الحركة الجوهرية الجارية في النشأة) إنما حركة تكاملية تبدأ من مرتبة اللاشيء وهي بداية الخلق وتنتهي إلى مرتبة كل شيء وهي مرتبة تمام الخلق , والموجودات إنما تكون محكومة بهذه الحركة القاهرة ,لأنها تخلق من اللاشيء ومن محض الفقر والنقص , فمن الطبيعي أن تنفر من ذلك الفقر والنقص المتساوية معه بالقيمة والدرجة ( السالب يتنافر مع السالب) , ولا تجد أمامها إلا مراتب الكمال فتنجذب نحوها ( السالب بفقره ينجذب نحو الموجب الأكثر غنى ) وهي كلما بلغت مرتبة متقدمة من الكمال كملت وصارت على نفس تلك الدرجة من الكمال فتنفر منها لتشابه القيمة والدرجة, وتنجذب تلقائياً إلى مرتبة متقدمة من الكمال وهكذا تستمر حركة التكامل ( التي هي تجاذب وتنافر) حتى تبلغ تمام الكمال بلقاء الله الكامل التام, ولعل هذا هو معنى قوله , (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ)[2].
نحن محكومين بالزمان ومقهورين به لأننا نندفع إلى الوجود ونحن في أدنى مراتب الفقر والنقص , ونكدح كدحاً متواصلاً (أي نتحرك بحركة الزمان) حتى نلاقي الله تعالى مجده . أما القائم بأمر الله , وهو خليفة الله الكامل التام, فقد أندفع إلى النشأة وهو يحمل هوية الله بتمام كمالها , فلا يكون محكوماً بالزمان ولا مقهوراً به( لأنه ملاقي الله منذ ذلك الحين الذي تجلت في شخصه هوية الله بتمام كمالها), بل هو بتجلى اسم الله القادر القاهر في شخصه يكون قادراً قاهراً يتحكم بوحدات الزمان كيفما يشاء بإذن الله, و لعل هذا هو السر في طول عمره الشريف .
ولقد بيّنا فيما مضى في معرض بيان قوله تعالى مجده: (..قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب)[3] ان القائم بأمر الله هو الذي عنده علم الكتاب , فالذي عنده علم الكتاب -وهو كتاب الغيب المسجلة فيه كل وحدات الزمان- يعلم بالضرورة بكل وحدات الزمان- في سماءنا الدنيا- ويحيط بها بالإحاطة العلمية القيومية ولهذا يقال عنه (صاحب الزمان) أي أن جميع وحدات الزمان الموجودة في دائرة السماء الدنيا هو يحيط بها ويراها حاضرة عنده كحضورها عند الله تعالى مجده من خلال تجلى اسم الله العليم الحكيم في شخصه المقدس, فهو المسدد بالعلم اللدني الذي يفيضه الله عليه دونما واسطة, فعلمه من علم الله . ولأنه عليه الصلاة والسلام عنده علم الكتاب ويحيط بوحدات الزمان فإنه بالتأكيد يستطيع أن يكون في قطع الزمان, يتحرك ويقوم بأمر الله في أي زمان يشاء وهذا هو السر في طول عمره الشريف.
ما سر غيبة المهدي ؟
كثيراً ما يتساءل القوم ويقولون :
إذا كان القائم بأمر الله (المهدي)ابن الإمام الحسن العسكري عليهما الصلاة والسلام, قد ولد بتاريخ (15 شعبان عام 255 هـ) وله كيان حقيقي في النشأة , فلماذا هذه الغيبة التي كثر الجدل بشأنها ؟؟ ما الحكمة منها وما سرها ؟؟
هذا السؤال قد طُرح منذ مولده الشريف وغيبته عن أنظار العامة, و قد كثرت أجوبته وتنوعت ولكن أي منها -على ما يبدو- لم يحسم الأمر بشكل قاطع , ولعل السبب في ذلك هو ان الأجوبة المطروحة تنطلق من افتراض كونه إنسان عادي أو الإمام المعصوم الثاني عشر فحسب, دون الالتفات إلى مقام خليفة الله والقائم بأمره الذي تتجلى في شخصه كل سمات هوية الله الوجودية ( جميع أسماء وصفات وأفعال الله), ولقد قال البعض ان سبب غيبته عن الناس هو الخوف من القتل, وهذا الجواب فيه الكثير من الجهل –إن لم نقل إساءة كبيرة لشخصه المقدس – وهو افتراض لا أساس له , ولو افترضنا جدلاً ان سبب غيبته انه كان خائفاً بسبب اضطهاد الحكام العباسيين فيما مضى من الزمان –كما قيل- فما المبرر من غيبته عن شيعته ومحبيه الذين يفدونه بأرواحهم ؟؟
وإذا كان خائفاً كما يقول البعض فكيف يستطيع الخائف أن يقضي على كل كيانات الظلم ويقيم العدالة الشاملة في الأرض؟؟
ولما كان البهتان أن تنسب لشخص ما عيب أو نقص ليس موجوداً فيه , فإن نسب الخوف إلى المعصوم خليفة الله الكامل والقائم بأمره فيه إساءة كبيره لشخصه المقدس, بل فيه ظلم فضيع لا ينبغي أن يصدر عن مؤمن لا سيما عن مواليه ومحبيه , وقد انتبه الكثير من اصحاب تلك الفكرة السيئة و الظلم الفضيع لقداسة المهدي ومقامه الشامخ الفريد وصاروا يفسرون الأمر بطريقة علمية عقلانية تستند على البراهين القاطعة .
ولقد أجبنا من قبل على السؤال المتقدم في أكثر من موضع لا سيما في بيان قوله تعالى:
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )[4]
ولما كان الله ظاهر كما هو باطن , والمهدي مظهر لكل سمات هوية الله الوجودية ( جميع أسماء وصفات وأفعال الله) فإن رؤية المهدي تعني بالضرورة رؤية الله تعالى مجده في مرآة خليفته الكامل, ولما كانت النشأة تتحرك بالحركة التكاملية نحو لقاء الله , والمهدي مظهر لهوية الله في مقام الظاهر , فإن آخر محطة للكمال هي لقاء الله ورؤية هويته الوجودية في شخص خليفته والقائم بأمره, ولأجل ذلك لا يمكن أن يظهر المهدي إلا في آخر الزمان حيث يتحقق أكبر قدر ممكن من الكمال في النشأة يؤهلها لظهور هوية الله في جنابه المقدس , البقعة المظللة في هذا الرسم الجانبي تشير إلى فترة أخر الزمان التي يظهر فيها المهدي عليه السلام , وهي الفترة التي يكتمل فيها الخلق وتنغلق فيها دائرة الكمال وليس بعدها إلا الآخرة .
ولقد أشرنا في الأبحاث السابقة إلى البراهين الكثيرة التي تؤكد أن المهدي عليه الصلاة والسلام ضرورة وجودية لتحقيق عدالة السماء على الأرض في الدنيا وفي الآخرة, أي هو المرآة لظهور الله فيها للناس , في الدنيا عند بسط العدالة الشاملة على كوكب الأرض, وفي الآخرة عند الحساب .
ولما كان المهدي هو المرآة لظهور الله في الدنيا والآخرة , فإن ظهور المرآة يعني بالضرورة ظهور الله المتجلي فيها, وهذا لا يمكن أن يتحقق قبل أن تبلغ النشأة أعتاب الكمال الذي يؤهلها لذلك , فلا ظهور قبل بلوغ النشأة أعتاب الكمال الذي يجعلها جديرة بظهور هوية الله فيها , فالمهدي ببساطة ذروة الكمال لأنه خليفة الله الكامل, وعلى النشأة أن تتحرك تكاملياً نحوه لتكون جديرة بلقائه , فلقاء المهدي يعني لقاء الله تعالى مجده , وهذا هو السبب في غيبة القائم بأمر الله عليه الصلاة والسلام , فهو منذ ولادته لم يره العامة من الناس لكونه مظهر لله تعالى مجده والقائم بأمره وباسط عدله.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - سورة الحديد, الآية 3
[2] - سورة الانشقاق , الآية 6
[3] - سورة الرعد , الآية 43
[4] - سورة القيامة , الآية 22-23
الاسئلة المتعلقة بالمهدي عليه السلام
ما السر في طول عمره الشريف ؟
لكي نحصل على جواب هذا السؤال , ينبغي أن نعرف ما هو الزمان ؟ فإذا ما عرفنا ما هو الزمان وكيف يتحقق في النشأة, فإن جواب السؤال سيظهر بوضوح تتعين درجته على حسب استيعابنا للزمان .
الزمان ببساطة هو حركة المادة بالحركة الجوهرية التكاملية الجارية في النشأة, من وإلى الله في مقامي الظاهر والباطن , وهي حركة اهتزازية في صميم الموجودات منشأها الله تعالى مجده الذي منه الابتداء وإليه المنتهى (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ)[1] , فالسبب في أن الموجودات الممكنة محكومة بالزمان, بل مقهورة به وتتعاطى معه سلبياً, هو ان الزمان حركة الواجب ( الغني الحميد) المتحرك بذاته والمحرك لغيره, والممكنات الفقيرة إنما معلولات لتلك الحركة التي تدفع بها إلى الوجود, فمن البديهي ان يكون الفقير المتحرك بغيره مقهوراً بالحركة التي تدفع به إلى الوجهة التي تشاء وتعين مرتبته الوجودية, فلا أحد من الموجودات يستطيع أن يتحكم بحركة الزمان ويعين مرتبته الوجودية لأنها ليست حركته أصلاً .
ولما كان الله (هو الأول والآخر) فإن حركة الزمان تبتدأ من الله في مقام الأول و تنتهي إليه في مقام الآخر , وعلى هذا فإن الحركة الفيزيائية للزمان إنما حركة تجاذب وتنافر في آن , لأن ( الأول والآخر) مقامين متقابلين, والتعبير العلمي( الفيزيائي) للمتقابلين هو السالب والموجب, وكما هو ثابت ومؤكد ان العلاقة ما بين السالب والموجب علاقة تجاذب وتنافر, فالموجودات التي تبدأ من الله من مقام الأول وتتحرك نحوه في مقام الآخر , إنما تبتعد عن مقام الأول ( وهذا يسمى تنافر) وتقترب من مقام الآخر ( وهذا يسمى تجاذب) .
ولما كان الوجود عبارة عن مراتب غير متناهية تمتد ما بين اللاشيء و كل شيء ( ما بين اللاكمال و كل الكمال) فإن حركة الزمان (وهي الحركة الجوهرية الجارية في النشأة) إنما حركة تكاملية تبدأ من مرتبة اللاشيء وهي بداية الخلق وتنتهي إلى مرتبة كل شيء وهي مرتبة تمام الخلق , والموجودات إنما تكون محكومة بهذه الحركة القاهرة ,لأنها تخلق من اللاشيء ومن محض الفقر والنقص , فمن الطبيعي أن تنفر من ذلك الفقر والنقص المتساوية معه بالقيمة والدرجة ( السالب يتنافر مع السالب) , ولا تجد أمامها إلا مراتب الكمال فتنجذب نحوها ( السالب بفقره ينجذب نحو الموجب الأكثر غنى ) وهي كلما بلغت مرتبة متقدمة من الكمال كملت وصارت على نفس تلك الدرجة من الكمال فتنفر منها لتشابه القيمة والدرجة, وتنجذب تلقائياً إلى مرتبة متقدمة من الكمال وهكذا تستمر حركة التكامل ( التي هي تجاذب وتنافر) حتى تبلغ تمام الكمال بلقاء الله الكامل التام, ولعل هذا هو معنى قوله , (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ)[2].
نحن محكومين بالزمان ومقهورين به لأننا نندفع إلى الوجود ونحن في أدنى مراتب الفقر والنقص , ونكدح كدحاً متواصلاً (أي نتحرك بحركة الزمان) حتى نلاقي الله تعالى مجده . أما القائم بأمر الله , وهو خليفة الله الكامل التام, فقد أندفع إلى النشأة وهو يحمل هوية الله بتمام كمالها , فلا يكون محكوماً بالزمان ولا مقهوراً به( لأنه ملاقي الله منذ ذلك الحين الذي تجلت في شخصه هوية الله بتمام كمالها), بل هو بتجلى اسم الله القادر القاهر في شخصه يكون قادراً قاهراً يتحكم بوحدات الزمان كيفما يشاء بإذن الله, و لعل هذا هو السر في طول عمره الشريف .
ولقد بيّنا فيما مضى في معرض بيان قوله تعالى مجده: (..قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب)[3] ان القائم بأمر الله هو الذي عنده علم الكتاب , فالذي عنده علم الكتاب -وهو كتاب الغيب المسجلة فيه كل وحدات الزمان- يعلم بالضرورة بكل وحدات الزمان- في سماءنا الدنيا- ويحيط بها بالإحاطة العلمية القيومية ولهذا يقال عنه (صاحب الزمان) أي أن جميع وحدات الزمان الموجودة في دائرة السماء الدنيا هو يحيط بها ويراها حاضرة عنده كحضورها عند الله تعالى مجده من خلال تجلى اسم الله العليم الحكيم في شخصه المقدس, فهو المسدد بالعلم اللدني الذي يفيضه الله عليه دونما واسطة, فعلمه من علم الله . ولأنه عليه الصلاة والسلام عنده علم الكتاب ويحيط بوحدات الزمان فإنه بالتأكيد يستطيع أن يكون في قطع الزمان, يتحرك ويقوم بأمر الله في أي زمان يشاء وهذا هو السر في طول عمره الشريف.
ما سر غيبة المهدي ؟
كثيراً ما يتساءل القوم ويقولون :
إذا كان القائم بأمر الله (المهدي)ابن الإمام الحسن العسكري عليهما الصلاة والسلام, قد ولد بتاريخ (15 شعبان عام 255 هـ) وله كيان حقيقي في النشأة , فلماذا هذه الغيبة التي كثر الجدل بشأنها ؟؟ ما الحكمة منها وما سرها ؟؟
هذا السؤال قد طُرح منذ مولده الشريف وغيبته عن أنظار العامة, و قد كثرت أجوبته وتنوعت ولكن أي منها -على ما يبدو- لم يحسم الأمر بشكل قاطع , ولعل السبب في ذلك هو ان الأجوبة المطروحة تنطلق من افتراض كونه إنسان عادي أو الإمام المعصوم الثاني عشر فحسب, دون الالتفات إلى مقام خليفة الله والقائم بأمره الذي تتجلى في شخصه كل سمات هوية الله الوجودية ( جميع أسماء وصفات وأفعال الله), ولقد قال البعض ان سبب غيبته عن الناس هو الخوف من القتل, وهذا الجواب فيه الكثير من الجهل –إن لم نقل إساءة كبيرة لشخصه المقدس – وهو افتراض لا أساس له , ولو افترضنا جدلاً ان سبب غيبته انه كان خائفاً بسبب اضطهاد الحكام العباسيين فيما مضى من الزمان –كما قيل- فما المبرر من غيبته عن شيعته ومحبيه الذين يفدونه بأرواحهم ؟؟
وإذا كان خائفاً كما يقول البعض فكيف يستطيع الخائف أن يقضي على كل كيانات الظلم ويقيم العدالة الشاملة في الأرض؟؟
ولما كان البهتان أن تنسب لشخص ما عيب أو نقص ليس موجوداً فيه , فإن نسب الخوف إلى المعصوم خليفة الله الكامل والقائم بأمره فيه إساءة كبيره لشخصه المقدس, بل فيه ظلم فضيع لا ينبغي أن يصدر عن مؤمن لا سيما عن مواليه ومحبيه , وقد انتبه الكثير من اصحاب تلك الفكرة السيئة و الظلم الفضيع لقداسة المهدي ومقامه الشامخ الفريد وصاروا يفسرون الأمر بطريقة علمية عقلانية تستند على البراهين القاطعة .
ولقد أجبنا من قبل على السؤال المتقدم في أكثر من موضع لا سيما في بيان قوله تعالى:
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )[4]
ولما كان الله ظاهر كما هو باطن , والمهدي مظهر لكل سمات هوية الله الوجودية ( جميع أسماء وصفات وأفعال الله) فإن رؤية المهدي تعني بالضرورة رؤية الله تعالى مجده في مرآة خليفته الكامل, ولما كانت النشأة تتحرك بالحركة التكاملية نحو لقاء الله , والمهدي مظهر لهوية الله في مقام الظاهر , فإن آخر محطة للكمال هي لقاء الله ورؤية هويته الوجودية في شخص خليفته والقائم بأمره, ولأجل ذلك لا يمكن أن يظهر المهدي إلا في آخر الزمان حيث يتحقق أكبر قدر ممكن من الكمال في النشأة يؤهلها لظهور هوية الله في جنابه المقدس , البقعة المظللة في هذا الرسم الجانبي تشير إلى فترة أخر الزمان التي يظهر فيها المهدي عليه السلام , وهي الفترة التي يكتمل فيها الخلق وتنغلق فيها دائرة الكمال وليس بعدها إلا الآخرة .
ولقد أشرنا في الأبحاث السابقة إلى البراهين الكثيرة التي تؤكد أن المهدي عليه الصلاة والسلام ضرورة وجودية لتحقيق عدالة السماء على الأرض في الدنيا وفي الآخرة, أي هو المرآة لظهور الله فيها للناس , في الدنيا عند بسط العدالة الشاملة على كوكب الأرض, وفي الآخرة عند الحساب .
ولما كان المهدي هو المرآة لظهور الله في الدنيا والآخرة , فإن ظهور المرآة يعني بالضرورة ظهور الله المتجلي فيها, وهذا لا يمكن أن يتحقق قبل أن تبلغ النشأة أعتاب الكمال الذي يؤهلها لذلك , فلا ظهور قبل بلوغ النشأة أعتاب الكمال الذي يجعلها جديرة بظهور هوية الله فيها , فالمهدي ببساطة ذروة الكمال لأنه خليفة الله الكامل, وعلى النشأة أن تتحرك تكاملياً نحوه لتكون جديرة بلقائه , فلقاء المهدي يعني لقاء الله تعالى مجده , وهذا هو السبب في غيبة القائم بأمر الله عليه الصلاة والسلام , فهو منذ ولادته لم يره العامة من الناس لكونه مظهر لله تعالى مجده والقائم بأمره وباسط عدله.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - سورة الحديد, الآية 3
[2] - سورة الانشقاق , الآية 6
[3] - سورة الرعد , الآية 43
[4] - سورة القيامة , الآية 22-23
تعليق