السيف والسياسة - صالح الورداني ص 79 :
عمر ومعاوية
إن الراصد لسيرة عمر يكتشف عدم وجود أية مواقف عدائية تجاه بني أمية وعلى رأسهم أبو سفيان ومعاوية ولده . بل من الممكن للراصد أن يجد العكس من ذلك .
فقد قام عمر بوقف نصيب المؤلفة قلوبهم الذي كان يعطى من الزكاة على عهد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وعهد أبي بكر وأصبح بالتالي معاوية وأبوه كبقية المسلمين بعد أن كانا من المؤلفة قلوبهم . . ( 22 )
ولم يقف الأمر عند حد تحرير معاوية وأبوه من إطار المؤلفة قلوبهم ورفعه إلى درجة المسلمين . بل تمادى عمر في موقفه المبارك لبني أمية وقام بتولية معاوية على الشام مكان أخيه يزيد . . ( 23 )
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : لماذا فعل عمر ذلك . . ؟
ألم يجد بين المسلمين من هو أجدر منه بهذه المهمة . . ؟
وهل نسي عمر تاريخ بني أمية وتاريخ أبو سفيان في مواجهة الدعوة ومحاربة الرسول . . ؟
وما هي المقومات التي كان يملكها معاوية حتى يسلمه الشام . . ؟
هل كان من المهاجرين . . ؟
هل كان من المجاهدين . . ؟
هل كان من المقربين للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) . هل كان من أهل العلم . . ؟
بالطبع لم يكن من هؤلاء والثابت أنه . كان من الطلقاء . . ( 24 )
* هامش *
( 22 ) أنظر الإستيعاب ترجمة معاوية . . وكتب التاريخ . .
( 23 ) أنظر الإصابة في تمييز الصحابة والإستيعاب ترجمة معاوية وانظر كتب التاريخ .
( 24 ) كان معاوية وأبوه من الطلقاء . والطلقاء تعبير أطلقه الرسول صلى الله عليه وسلم لا على أهل مكة حين فتحها بقوله : اذهبوا فأنتم الطلقاء . والطلقاء كانوا من المؤلفة قلوبهم . والثابت عند أهل العلم أنه لم تصح في معاوية منقبة أي لم يذكر الرسول فيه شيئا حسنا .
أنظر فتح الباري ج7 كتاب فضائل أصحاب رسول الله باب ذكر معاوية . وانظر سنن النسائي وكتابه خصائص الإمام علي . ويذكر أن النسائي قتل على أيدي أهل الشام لرفضه كتابه كتاب يثني فيه على معاوية ويجمع في مناقبه كما فعل مع الإمام علي . أنظر ترجمة النسائي في وفيات الأعيان لابن خلكان وغيره من كتب التراجم . . . ( * )
- ص 80 -
فكيف بطليق ابن طليق أن يلي أمر المسلمين في حضرة كبار الصحابة ووجود آل البيت . ؟
وكيف بعمر على شدته في الحق وتقواه أن يقدم على مثل هذا الأمر . . ؟
يبدو لنا من خلال رصد علاقة عمر بمعاوية أن هناك شيئا غامضا يبلور علاقته به وهذا الشئ غير واضح في كتب التاريخ . . ربما يكون عمر قد أحس بضعفه في مواجهة خصومه فأراد أن يتحصن ببني أمية . . وربما أراد أن يضع حجر عثرة في طريق حركة آل البيت من بعده . . وربما يكون في الأمر شيئا آخر .
إلا أن ما يعنينا قوله هو أن تولية معاوية على الشام لا يمكن اعتباره مجرد خطأ . . لقد أخذ الخط الأموي دفعته الأولى من عمر بتمكين معاوية على أرض الشام وبدأ يعد العدة لتحطيم العوائق التي تقف في طريقه وعلى رأسها دولة الخلافة . . ولا بد لنا من استقصاء الروايات التي تتعلق بموقف عمر من معاوية حتى يتبين لنا الأمر بصورة كثر وضوحا . .
يروي ابن حجر : كان عمر إذا نظر إلى معاوية قال هذا كسرى العرب . . ( 25 ) أما مناسبة هذا الكلام فيرويها ابن عبد البر : قال عمر إذ دخل الشام ورأى معاوية : هذا كسرى العرب . وكان قد تلقاه معاوية في موكب عظيم . فلما دنا منه قال
له أنت صاحب الموكب العظيم . قال نعم يا أمير المؤمنين . قال ما يبلغني عنك من وقوف ذوي الحاجات ببابك . . ؟ قال مع ما يبلغك من ذلك . قال : ولم تفعل هذا . . ؟ قال نحن بأرض جواسيس العدو بها كثير فيجب أن نظهر من عز السلطان
ما نرهبهم به . فإن أمرتني فعلت وإن نهيتني انتهيت فقال عمر لمعاوية : ما أسألك عن شئ إلا تركتني في مثل رواجب الضرس إن كان ما قلت حقا إنه لرأي أريب وإن
* هامش *
( 25 ) أنظر الإستيعاب ومقدمة ابن خلدون . ( * )
- ص 81 -
كان باطلا إنه لخدعة أديب . قال فمرني يا أمير المؤمنين . قال لا آمرك ولا أنهاك . . ( 26 )
والمتأمل في هذه الرواية يكتشف مدى تواطؤ عمر مع معاوية وتغاضيه عن انحرافاته الخطيرة .
فكيف نوفق بين موقف عمر هذا وبين موقفه من الصحابة الآخرين الذين ولا هم على الأمصار وكان يوجعهم بدرته ويصادر أموالهم ويعزلهم عن وظائفهم . . ؟
وإذا ما تأملنا حجة معاوية بإرهاب العدو بعز السلطان فإننا نكتشف أنها حجة واهية وهي تضع عمر بين أموين : إما أنه ساذج استغفله معاوية . . وإما أنه متواطئ معه . . وقول عمر لمعاوية لا آمرك ولا أنهاك إنما يرجح الأمر الثاني . .
ولقد كان العرب يخرجون للغزو حفاة عراة رجالا وركبانا يواجهون الروم والفرس وينتصرون عليهم بدون أبهة الملك وعز السلطان . . وإذا كان عز السلطان يرهب العدو كما يدعي معاوية فمن الأولى أن يظهره عمر وهو الخليفة لا أن يظهره معاوية وهو الوالي من قبل عمر . .
ويروي أن معاوية صحب عمر في رحلة الحج وكان في كامل هيئته فقال عمر بخ بخ إذ نحن خير الناس أن جمع لنا خير الدنيا والآخرة . حمى إذا جاء ذا طوى أخرج معاوية حلة فلبسها فوجد عمر منها ريحا كأنه ريح طيب . فهاجمه عمر : فقال معاوية : إنما لبستها لأدخل بها على عشيرتي يا عم والله لقد بلغني أذاك ههنا وبالشام . . ( 27 )
ومن الواضح من خلال هذه الرواية أن علاقة عمر بمعاوية تفوق كونها علاقة
* هامش *
( 26 ) أنظر الإستيعاب . ويذكر أن راتب معاوية السنوي بلغ عشرة آلاف دينار . وفي رواية بلغ راتبه الشهري ألف دينار .
( 27 ) أنظر الإصابة ترجمة معاوية . ( * )
- ص 82 -
بين خليفة وواحد من عماله . فإن اللغة التي يخاطب بها معاوية عمر إنما تشير إلى أن معاوية يشكل ندا لعمر . .
ويروى أن معاوية دخل على عمر وعليه حلة خضراء فنظر إليه الصحابة . فلما رأى ذلك عمر قام ومعه الدرة فجعل ضربا بمعاوية ومعاوية يقول الله الله يا أمير المؤمنين فيم فيم . فلم يكلمه حتى رجع فجلس في مجلسه . فقالوا له لم ضربت الفتى وما في قومك مثله ؟ فقال ما رأيت إلا خيرا وما بلغني إلا خير ولكني رأيته وأشار بيده يعني إلى فوق فأردت أن أضع منه . . ( 28 )
فتأمل قول عمر ما رأيت إلا خيرا وما بلغني إلا خير . أي أن سيرة معاوية ومواقفه محل رضا عمر التام والشئ الوحيد الذي استفز عمر في شخصية معاوية هو غروره فقام بضربه ليحط منه ويقضي على غروره . .
فهل قضى عمر على غرور معاوية وحال بينه وبين تطلعاته . . ؟
وتلفت انتباهنا ملاحظة هامة من خلال هذه الرواية وهي قول جلساء عمر : لم ضربت الفتى وما في قومك مثله . . ؟
فمن الواضح أن أصحاب هذا القول هم من أنصار الخط الأموي . إذ كيف يجعلون معاوية لا يساويه أحد من الصحابة . وكيف يقبل عمر منهم هذا القول ؟
إننا بعد عرض هذه الروايات لا نكون مبالغين إذا ما قلنا أن معاوية إنما هو من صناعة عمر . استظل به واحتمى بحمايته . وإن عمر كان يدرك تماما مدى خطورة معاوية وأطماعه ولعله قد بلغه تحذير الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من بني أمية . . ( 29 )
* هامش *
( 28 ) المرجع السابق
( 29 ) وردت عدة أحاديث تذم بني أمية على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم مثل قوله . هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش . قال أبو هريرة إن شئت أن أسميهم بني فلان وبني فلان . وقوله يهلك الناس هذا الحي من قريش . قالوا فما تأمرنا ؟ قال : لو أن الناس اعتزلوهم . كما ورد عن الرسول قوله إن بني أمية هم الشجرة الملعونة في القرآن . أنظر الدر المنثور 4 / 191 وانظر البخاري كتاب الفتن . . . ( * )
- ص 83 -
وإن إدراك عمر لخطورة معاوية ليتجلى لنا بوضوح من خلال تصريحه لمجموعة الشورى حين طعن حيث قال : إياكم والفرقة بعدي فإن فعلتم فاعلموا أن معاوية بالشام فإذا وكلتم إلى رأيكم كيف يستبزها منكم . . ( 30 )
إذن معاوية يتأهب للاستيلاء على الحكم . . وعمر يدرك ذلك ويحذر الصحابة منه قبل وفاته وكان يضرب عرض الحائط بتحذيرات الصحابة من معاوية أثناء حياته . .
تأمل قول عمر : دعونا من ذم فتى من قريش . من يضحك في الغضب . ولا ينال ما عنده من الرضا . ولا يؤخذ من فوق رأسه إلا من تحت قدميه . . ( 31 ) وما كان عمر يقول مثل هذا الكلام لولا أن هناك اتجاه من بين الصحابة يذم معاوية ويحذر عمر منه .
فهل أدرك عمر خطورة معاوية متأخرا . . ؟ إن الروايات التي بين أيدينا لا تقودنا إلى هذا الاستنتاج بالطبع . .
* هامش *
( 30 ) الإصابة ترجمة معاوية .
( 31 ) أنظر الإستيعاب بهامش الإصابة .
عمر ومعاوية
إن الراصد لسيرة عمر يكتشف عدم وجود أية مواقف عدائية تجاه بني أمية وعلى رأسهم أبو سفيان ومعاوية ولده . بل من الممكن للراصد أن يجد العكس من ذلك .
فقد قام عمر بوقف نصيب المؤلفة قلوبهم الذي كان يعطى من الزكاة على عهد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وعهد أبي بكر وأصبح بالتالي معاوية وأبوه كبقية المسلمين بعد أن كانا من المؤلفة قلوبهم . . ( 22 )
ولم يقف الأمر عند حد تحرير معاوية وأبوه من إطار المؤلفة قلوبهم ورفعه إلى درجة المسلمين . بل تمادى عمر في موقفه المبارك لبني أمية وقام بتولية معاوية على الشام مكان أخيه يزيد . . ( 23 )
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : لماذا فعل عمر ذلك . . ؟
ألم يجد بين المسلمين من هو أجدر منه بهذه المهمة . . ؟
وهل نسي عمر تاريخ بني أمية وتاريخ أبو سفيان في مواجهة الدعوة ومحاربة الرسول . . ؟
وما هي المقومات التي كان يملكها معاوية حتى يسلمه الشام . . ؟
هل كان من المهاجرين . . ؟
هل كان من المجاهدين . . ؟
هل كان من المقربين للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) . هل كان من أهل العلم . . ؟
بالطبع لم يكن من هؤلاء والثابت أنه . كان من الطلقاء . . ( 24 )
* هامش *
( 22 ) أنظر الإستيعاب ترجمة معاوية . . وكتب التاريخ . .
( 23 ) أنظر الإصابة في تمييز الصحابة والإستيعاب ترجمة معاوية وانظر كتب التاريخ .
( 24 ) كان معاوية وأبوه من الطلقاء . والطلقاء تعبير أطلقه الرسول صلى الله عليه وسلم لا على أهل مكة حين فتحها بقوله : اذهبوا فأنتم الطلقاء . والطلقاء كانوا من المؤلفة قلوبهم . والثابت عند أهل العلم أنه لم تصح في معاوية منقبة أي لم يذكر الرسول فيه شيئا حسنا .
أنظر فتح الباري ج7 كتاب فضائل أصحاب رسول الله باب ذكر معاوية . وانظر سنن النسائي وكتابه خصائص الإمام علي . ويذكر أن النسائي قتل على أيدي أهل الشام لرفضه كتابه كتاب يثني فيه على معاوية ويجمع في مناقبه كما فعل مع الإمام علي . أنظر ترجمة النسائي في وفيات الأعيان لابن خلكان وغيره من كتب التراجم . . . ( * )
- ص 80 -
فكيف بطليق ابن طليق أن يلي أمر المسلمين في حضرة كبار الصحابة ووجود آل البيت . ؟
وكيف بعمر على شدته في الحق وتقواه أن يقدم على مثل هذا الأمر . . ؟
يبدو لنا من خلال رصد علاقة عمر بمعاوية أن هناك شيئا غامضا يبلور علاقته به وهذا الشئ غير واضح في كتب التاريخ . . ربما يكون عمر قد أحس بضعفه في مواجهة خصومه فأراد أن يتحصن ببني أمية . . وربما أراد أن يضع حجر عثرة في طريق حركة آل البيت من بعده . . وربما يكون في الأمر شيئا آخر .
إلا أن ما يعنينا قوله هو أن تولية معاوية على الشام لا يمكن اعتباره مجرد خطأ . . لقد أخذ الخط الأموي دفعته الأولى من عمر بتمكين معاوية على أرض الشام وبدأ يعد العدة لتحطيم العوائق التي تقف في طريقه وعلى رأسها دولة الخلافة . . ولا بد لنا من استقصاء الروايات التي تتعلق بموقف عمر من معاوية حتى يتبين لنا الأمر بصورة كثر وضوحا . .
يروي ابن حجر : كان عمر إذا نظر إلى معاوية قال هذا كسرى العرب . . ( 25 ) أما مناسبة هذا الكلام فيرويها ابن عبد البر : قال عمر إذ دخل الشام ورأى معاوية : هذا كسرى العرب . وكان قد تلقاه معاوية في موكب عظيم . فلما دنا منه قال
له أنت صاحب الموكب العظيم . قال نعم يا أمير المؤمنين . قال ما يبلغني عنك من وقوف ذوي الحاجات ببابك . . ؟ قال مع ما يبلغك من ذلك . قال : ولم تفعل هذا . . ؟ قال نحن بأرض جواسيس العدو بها كثير فيجب أن نظهر من عز السلطان
ما نرهبهم به . فإن أمرتني فعلت وإن نهيتني انتهيت فقال عمر لمعاوية : ما أسألك عن شئ إلا تركتني في مثل رواجب الضرس إن كان ما قلت حقا إنه لرأي أريب وإن
* هامش *
( 25 ) أنظر الإستيعاب ومقدمة ابن خلدون . ( * )
- ص 81 -
كان باطلا إنه لخدعة أديب . قال فمرني يا أمير المؤمنين . قال لا آمرك ولا أنهاك . . ( 26 )
والمتأمل في هذه الرواية يكتشف مدى تواطؤ عمر مع معاوية وتغاضيه عن انحرافاته الخطيرة .
فكيف نوفق بين موقف عمر هذا وبين موقفه من الصحابة الآخرين الذين ولا هم على الأمصار وكان يوجعهم بدرته ويصادر أموالهم ويعزلهم عن وظائفهم . . ؟
وإذا ما تأملنا حجة معاوية بإرهاب العدو بعز السلطان فإننا نكتشف أنها حجة واهية وهي تضع عمر بين أموين : إما أنه ساذج استغفله معاوية . . وإما أنه متواطئ معه . . وقول عمر لمعاوية لا آمرك ولا أنهاك إنما يرجح الأمر الثاني . .
ولقد كان العرب يخرجون للغزو حفاة عراة رجالا وركبانا يواجهون الروم والفرس وينتصرون عليهم بدون أبهة الملك وعز السلطان . . وإذا كان عز السلطان يرهب العدو كما يدعي معاوية فمن الأولى أن يظهره عمر وهو الخليفة لا أن يظهره معاوية وهو الوالي من قبل عمر . .
ويروي أن معاوية صحب عمر في رحلة الحج وكان في كامل هيئته فقال عمر بخ بخ إذ نحن خير الناس أن جمع لنا خير الدنيا والآخرة . حمى إذا جاء ذا طوى أخرج معاوية حلة فلبسها فوجد عمر منها ريحا كأنه ريح طيب . فهاجمه عمر : فقال معاوية : إنما لبستها لأدخل بها على عشيرتي يا عم والله لقد بلغني أذاك ههنا وبالشام . . ( 27 )
ومن الواضح من خلال هذه الرواية أن علاقة عمر بمعاوية تفوق كونها علاقة
* هامش *
( 26 ) أنظر الإستيعاب . ويذكر أن راتب معاوية السنوي بلغ عشرة آلاف دينار . وفي رواية بلغ راتبه الشهري ألف دينار .
( 27 ) أنظر الإصابة ترجمة معاوية . ( * )
- ص 82 -
بين خليفة وواحد من عماله . فإن اللغة التي يخاطب بها معاوية عمر إنما تشير إلى أن معاوية يشكل ندا لعمر . .
ويروى أن معاوية دخل على عمر وعليه حلة خضراء فنظر إليه الصحابة . فلما رأى ذلك عمر قام ومعه الدرة فجعل ضربا بمعاوية ومعاوية يقول الله الله يا أمير المؤمنين فيم فيم . فلم يكلمه حتى رجع فجلس في مجلسه . فقالوا له لم ضربت الفتى وما في قومك مثله ؟ فقال ما رأيت إلا خيرا وما بلغني إلا خير ولكني رأيته وأشار بيده يعني إلى فوق فأردت أن أضع منه . . ( 28 )
فتأمل قول عمر ما رأيت إلا خيرا وما بلغني إلا خير . أي أن سيرة معاوية ومواقفه محل رضا عمر التام والشئ الوحيد الذي استفز عمر في شخصية معاوية هو غروره فقام بضربه ليحط منه ويقضي على غروره . .
فهل قضى عمر على غرور معاوية وحال بينه وبين تطلعاته . . ؟
وتلفت انتباهنا ملاحظة هامة من خلال هذه الرواية وهي قول جلساء عمر : لم ضربت الفتى وما في قومك مثله . . ؟
فمن الواضح أن أصحاب هذا القول هم من أنصار الخط الأموي . إذ كيف يجعلون معاوية لا يساويه أحد من الصحابة . وكيف يقبل عمر منهم هذا القول ؟
إننا بعد عرض هذه الروايات لا نكون مبالغين إذا ما قلنا أن معاوية إنما هو من صناعة عمر . استظل به واحتمى بحمايته . وإن عمر كان يدرك تماما مدى خطورة معاوية وأطماعه ولعله قد بلغه تحذير الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من بني أمية . . ( 29 )
* هامش *
( 28 ) المرجع السابق
( 29 ) وردت عدة أحاديث تذم بني أمية على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم مثل قوله . هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش . قال أبو هريرة إن شئت أن أسميهم بني فلان وبني فلان . وقوله يهلك الناس هذا الحي من قريش . قالوا فما تأمرنا ؟ قال : لو أن الناس اعتزلوهم . كما ورد عن الرسول قوله إن بني أمية هم الشجرة الملعونة في القرآن . أنظر الدر المنثور 4 / 191 وانظر البخاري كتاب الفتن . . . ( * )
- ص 83 -
وإن إدراك عمر لخطورة معاوية ليتجلى لنا بوضوح من خلال تصريحه لمجموعة الشورى حين طعن حيث قال : إياكم والفرقة بعدي فإن فعلتم فاعلموا أن معاوية بالشام فإذا وكلتم إلى رأيكم كيف يستبزها منكم . . ( 30 )
إذن معاوية يتأهب للاستيلاء على الحكم . . وعمر يدرك ذلك ويحذر الصحابة منه قبل وفاته وكان يضرب عرض الحائط بتحذيرات الصحابة من معاوية أثناء حياته . .
تأمل قول عمر : دعونا من ذم فتى من قريش . من يضحك في الغضب . ولا ينال ما عنده من الرضا . ولا يؤخذ من فوق رأسه إلا من تحت قدميه . . ( 31 ) وما كان عمر يقول مثل هذا الكلام لولا أن هناك اتجاه من بين الصحابة يذم معاوية ويحذر عمر منه .
فهل أدرك عمر خطورة معاوية متأخرا . . ؟ إن الروايات التي بين أيدينا لا تقودنا إلى هذا الاستنتاج بالطبع . .
* هامش *
( 30 ) الإصابة ترجمة معاوية .
( 31 ) أنظر الإستيعاب بهامش الإصابة .
تعليق