لم يقتصر الاهتمام الإسرائيلي البارز والمتميز بما يجري في لبنان على اتخاذ دور المراقب والمتتبع، بل تجاوز ذلك إلى مناقشة مدى انسجام ذلك مع المصالح الإسرائيلية، والخروج بتقديرات ومواقف علنية، فضلا عن تحديد المسارات التي تخدم المصلحة الإسرائيلية سواء على ألسنة مسؤوليها أم من خلال وسائلها الإعلامية.
وغني عن القول هنا ان الاهتمام الإسرائيلي بالتطورات اللبنانية وما ستؤول إليه الأوضاع يرتبط إلى حد كبير بموقع لبنان وقدرته على الوقوف بوجه الأطماع والاعتداءات الإسرائيلية.
برز الاهتمام الإسرائيلي من خلال احتلال المسيرات والاعتصامات في لبنان ومن ثم استقالة حكومة عمر كرامي العناوين الرئيسية للصحف الإسرائيلية، وتناول المعلقون السياسيون والأمنيون التطورات الأخيرة بشكل مفصل ومركز. إذ اعتبر الخبير بالشؤون السورية ايال زيسر (معاريف1/3/2005) انه من اجل أن يتحول السيناريو المتفائل ـ انتصار ساحق للمعارضة يؤدي إلى استلامها للسلطة ومن ثم مطالبة السوريين بإخراج قواتهم من لبنان ـ المطلوب تصميم من المعارضة اللبنانية على التمسك بالخطوة التاريخية واستمرار الدعم والتأييد الغربي لهذه الخطوة. في حين اعتبر المحلل السياسي عوفير شيلح في صحيفة "يديعوت احرونوت" (1/3/2005) أن التفكير الطبيعي الذي يحكم الإسرائيليين في مقابل كل تطور في العالم العربي هو إن كان ما يحدث "حسن لليهود ام لا"، وفي محاولة للإجابة عن هذا السؤال يشير شيلح إلى ان "المستوى السياسي عندنا في إسرائيل ينضم إلى الضغط الدولي على سوريا، والذي يُعبر عنه بالجملة بمطلب الانسحاب من لبنان"، انطلاقا من أن "خروج السوريين من لبنان سيوجه الأنظار في لبنان وخارجه نحو حزب الله الذي سيغدو الهدف التالي لتلك الجهات التي عملت على طرد سوريا من لبنان بمساعدة وتشجيع من الغرب"، وبالتالي فهو يوضح بأن المستوى السياسي يتبنى الرؤية القائلة بأن من أولويات المصلحة الإسرائيلية في لبنان تحقيق هذا الهدف. في حين نجد أن القلق على الاستقرار الأمني هو المسيطر على تقديرات عدد غير قليل في المؤسسة الأمنية بأن انسحابا كهذا سيجدي نفعا بالنسبة لاسرائيل"... خاصة " واننا ذوو تجربة مرة تجاه عدم الاستقرار هناك". ويشترك معهم في هذه المخاوف السفير الاسرائيلي السابق في واشنطن والمفاوض السابق في مباحثات التسوية مع سوريا "ايتمار رابينوفيتش" إذ يقول إن انسحابا سورياً كهذا قد يكون له نتائج عكسية "إن لبنان قد يدخل في فترة من عدم الاستقرار، فالوجود السوري في لبنان جائر ولكنه يضمن استقراراً اساسياً".
ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد بل تجاوزه إلى حد أن "إسرائيل" كشفت ـ وهي ليست المرة الاولى ـ على لسان وزير خارجيتها سيلفان شالوم في حديث له مع الإذاعة الاسرائيلية "بأن لبنان المحرر من الاحتلال السوري سيوقع اتفاق سلام مع إسرائيل"، الامر الذي يعكس وجود رؤية وسعي إسرائيلي واميركي إلى قلب موازين القوى على الساحة اللبنانية لمصلحة فئة تتقاطع وتتلاقى مصالحها الذاتية مع عقد تسوية سياسية منفردة مع العدو وذلك عبر "عزل المتطرفين... سوريا وإيران وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي". بل وذهب شالوم إلى القول بأن ما تشهده الساحة اللبنانية "أهم تطور يحدث وهو أمر كنا نأمله"، وهو يعكس مدى انسداد الآفاق التي كان يواجهها العدو في مواجهة المقاومة وشعوره بالعجز على كسر صمودها أو القفز من فوقها، وبالتالي الذي استجد على هذه الساحة دفع العدو إلى الرهان على تداعياتها في ما يتعلق بأطماعه في لبنان والمنطقة.
ولكن "إسرائيل" لم تكتف بالدور التحريضي الذي أصبح واضحاً على ألسنة مسؤوليها وبالتغطية الإعلامية للأحداث ومراقبة مساراتها، بل انتقلت إلى مرحلة العمل العلني حيث لا يمكن فهم لجوء "إسرائيل" إلى صياغة لائحة اتهام ضد سوريا في أعقاب عملية تل أبيب الأخيرة وشن حملة دبلوماسية عالمية للضغط عليها إلا في سياق ما يجري في لبنان، إذ ان هذه العملية ليست الأولى من نوعها وليس الاتهام للإسرائيلي الأول لسوريا، ولكنه في هذه المرة أكثر وضوحاً لناحية دفع المجتمع الدولي لممارسة مزيد من الضغط على سوريا كماً ونوعاً.
ولكن في المقابل هناك رؤية إسرائيلية أقل تفاؤلاً، وان كانت تشترك مع الآخرين في توصيف ما يجري بأنه لمصلحة "إسرائيل" حيث أفاد افرايم سنيه (قيادي في حزب العمل وقائد القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان سابقا) "يديعوت احرونوت" (2/3/2005) بأن مشاهد "الثورة الديمقراطية" في بيروت يمكنها أن تدفئ قلب كل إسرائيلي. في نظرة أولى، الضغط الشعبي لإخراج سوريا من لبنان هو تغيير إيجابي من ناحية "إسرائيل"، إذ ما يهز مكانة سوريا يُحسِّن بالضرورة وضعنا. وفي هذا السياق يعتبر أن هناك أكثر من دافع للسوريين للتمسك بلبنان، منها أن لبنان يشكل "مجال استراتيجي للدفاع وأيضا خشبة قفز لإقلاق إسرائيل بل وللهجوم عليها"...
ولكنه في المقابل يتخوف من أن ينعكس أو ينزلق أي تدهور امني في لبنان باتجاه إسرائيل فضلاً عن مسار تبلور منطقة شبه حكم ذاتي، في جنوب لبنان، تحت سيطرة حزب الله...! لأن زيادة التبلور والانعزال لهذه المنطقة ستؤدي الى تعاظم القوة العسكرية الموجودة هناك منذ اليوم، وتهدد "إسرائيل" إلى شمالي الخضيرة بالصواريخ والقذائف الصاروخية. وأخيراً يدعو سنيه إلى جانب الفرحة التي يشعر بها الاسرائيليون ازاء ما يجري في لبنان، إلى التحلي "باليقظة والجهوزية", وذهب إلى حد الدعوة إلى عدم الاعتماد على الأسرة الدولية في منع سوريا من القيام بعمل متسرع!!.
جهاد حيدر
نقلا عن الانتقاد
تعليق