إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

معرفة الإمام معرفة الله

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • معرفة الإمام معرفة الله

    معرفة الإمام معرفة الله

    كيف تكون معرفة الإمام معرفة الله؟

    إن قال المؤمن يوماً: إنّ معرفة الإمام هي معرفة الله، باغَتَه المخالفُ بإشكالٍ: كيف يجتمعُ هذا القول مع التوحيد؟! أليس في هذا كفرٌ بالله عزّ وجل؟! واعتقادٌ بأن الإمام هو الله؟! فيصبح المخلوق بديلاً عن الخالق؟!
    لكن المؤمن لا يغفل عن أن لكلّ هدفٍ طريقاً تسير بك إليه، إن سلكت سواها بلغت هدفاً سواه.
    فإن كان هدفك معرفة الله تعالى وعبادته، عليك أن تتوجه نحوه سبحانه وتعالى، فإن توجهت نحو (الآب والإبن والروح القدس) وزعَمت أنها أقانيم الخالق الثلاثة وأنتَ تزعَمُ أنّك موحّدٌ لله تعالى، فإنّك تعبدُ غير الله تعالى.

    وإن توجّهت نحو ربٍّ تعتقدُ أن له جسماً ويداً ورجلاً وذيلاً وتعتقدُ أنّه ينزل على حمارٍ إلى الدنيا فإنك لا تؤمن بالله عزّ وجل.
    وإن توجّهتَ نحو إلهٍ يشبه خلقه بحيث يُمكن أن تحيط به العقول أو القلوب أو الأوهام فهذا ليس الله خالقنا عزّ وجلّ.
    وإن أردتَ إلهاً لا يُتِمُّ حجّته على الناس، ولم يرسل لهم الأنبياء ولم يبيّن لهم آياته ولا أظهر لهم عظيم خلقته فهو إله آخر غير إلهنا.

    وهكذا إن عبدتَ إلهاً لَم يُقِم عليّ بن أبي طالبٍ وصيّاً لسيد الكائنات محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)، فإنه ليس الله الخالق العادل الكريم المتعال.
    بل إنك تعبُدُ من توهّمتَه ربّاً، وحسِبتَه إلهاً.

    فالله عزّ وجل واحد، وهو الذي لا شريك له، لم يتّخذ صاحبةً ولا ولداً، ولم يقدر الخلق على إدراك كنهه، وهو الذي أرسل الأنبياء وجعل لهم الأوصياء، آخر أنبيائه الحبيب المصطفى وآخر أوصيائه الحجة المهدي عليه السلام.
    إذا تبيّن هذا لم يكن قول باقر علوم الأولين والآخرين (عليه السلام) غريباً أبداً، بل كان موافقاً للعقل والفطرة السليمة، حين قال (عليه السلام): إِنَّمَا يَعْرِفُ الله عَزَّ وَجَلَّ وَيَعْبُدُهُ مَنْ عَرَفَ الله وَعَرَفَ إِمَامَهُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَمَنْ لَا يَعْرِفِ الله عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يَعْرِفِ الْإِمَامَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنَّمَا يَعْرِفُ وَيَعْبُدُ غَيْرَ الله، هَكَذَا وَالله ضَلَالًا(1).

    وفي حديث مثله سئل (عليه السلام) بعد ذلك عن معرفة الله فقال: تَصْدِيقُ الله عَزَّ وَجَلَّ، وَتَصْدِيقُ رَسُولِهِ (صلى الله عليه وآله)، وَمُوَالاةُ عَلِيٍّ (عليه السلام)، وَالِائْتِمَامُ بِهِ وَبِأَئِمَّةِ الهُدَى (عليهم السلام)، وَالْبَرَاءَةُ إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَدُوِّهِمْ، هَكَذَا يُعْرَفُ الله عَزَّ وَجَلَّ(2).
    فمن أتى بكلِّ صنوف العبادات وهو يؤمن بالثالوث كانت أعماله هباءً، ومثله تماماً من آمن بأن لربه جسماً ولو صلى وصام، وثالثهم من آمن بإله لم يجعل له إمامَ حقٍّ، فكان حاله كما قال (عليه السلام):
    كُلُّ مَنْ دَانَ الله عَزَّ وَجَلَّ بِعِبَادَةٍ يُجْهِدُ فِيهَا نَفْسَهُ وَلَا إِمَامَ لَهُ مِنَ الله فَسَعْيُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَهُوَ ضَالٌّ مُتَحَيِّرٌ وَالله شَانِئٌ لِأَعْمَالِه‏(3).
    وفي الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام): الْأَوْصِيَاءُ هُمْ أَبْوَابُ الله عَزَّ وجَلَّ الَّتِي يُؤْتَى مِنْهَا، ولَوْلَاهُمْ مَا عُرِفَ الله عَزَّ وجَلَّ، وبِهِمُ احْتَجَّ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ(4).
    لأن الإله الذي لم يتّخذ أئمة للناس وأوصياء ليس الله تعالى، فمن عرفه عرف غيرَ الله عزّ وجل.
    وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): وأَنَا بَابُ حِطَّةٍ مَنْ عَرَفَنِي وعَرَفَ حَقِّي فَقَدْ عَرَفَ رَبَّه‏(5).

    وأصرح من كلّ ما تقدم ما رواه الشيخ الصدوق في علل الشرائع عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ: خَرَجَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام) عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ الله جَلَّ ذِكْرُهُ مَا خَلَقَ الْعِبَادَ إِلَّا لِيَعْرِفُوهُ، فَإِذَا عَرَفُوهُ عَبَدُوهُ، فَإِذَا عَبَدُوهُ اسْتَغْنَوْا بِعِبَادَتِهِ عَنْ عِبَادَةِ مَنْ سِوَاهُ.
    فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا ابْنَ رَسُولِ الله بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي فَمَا مَعْرِفَةُ الله؟
    قَالَ: مَعْرِفَةُ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ إِمَامَهُمُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُه‏(6).
    قال مصنف هذا الكتاب (الشيخ الصدوق): يعني بذلك أن يعلم أهل كل زمان أن الله هو الذي لا يخليهم في كل زمان عن إمام معصوم، فمن عبد ربا لم يقم لهم الحجة فإنما عبد غير الله عز وجل‏(7).

    وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): يَا أَبَا حَمْزَةَ إِنَّمَا يَعْبُدُ الله مَنْ عَرَفَ الله وأَمَّا مَنْ لَا يَعْرِفُ الله كَأَنَّمَا يَعْبُدُ غَيْرَهُ هَكَذَا ضَالًّا.
    قُلْتُ: أَصْلَحَكَ الله ومَا مَعْرِفَةُ الله؟
    قَالَ: يُصَدِّقُ الله ويُصَدِّقُ مُحَمَّداً رَسُولَ الله (صلى الله عليه وآله) فِي مُوَالاةِ عَلِيٍّ والِايتِمَامِ بِهِ وبِأَئِمَّةِ الهُدَى مِنْ بَعْدِهِ، والْبَرَاءَةُ إِلَى الله مِنْ عَدُوِّهِمْ، وكَذَلِكَ عِرْفَانُ الله.
    قَالَ: قُلْتُ: أَصْلَحَكَ الله أَيُّ شَيْ‏ءٍ إِذَا عَمِلْتُهُ أَنَا اسْتَكْمَلْتُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ؟
    قَالَ: تُوَالِي أَوْلِيَاءَ الله وتُعَادِي أَعْدَاءَ الله، وتَكُونُ مَعَ الصَّادِقِينَ كَمَا أَمَرَكَ الله(8)..

    فصار تصديقُ الرسول في موالاة العترة الطاهرة والبراءة من أعدائهم هو معرفة الله واستكمالٌ لحقيقة الإيمان، وفي هذا بيانٌ لمراتب المعرفة، فمنها ما يُطلب لنفسه ومنها ما يُطلب لغيره أو يراد منه لوازمه وآثاره.
    كذلك لم يكن المجترئ على المعصية في كلّ أوقاته عارفاً بالله تعالى، كما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَعْرِفُ الله وهُوَ مُجْتَرِئٌ عَلَى مَعَاصِي الله‏ كُلَّ يَوْمٍ ولَيْلَة‏(9).
    لكلّ ما تقدم، ولعصمتهم (عليهم السلام)، كان كلُّ علمٍ مخالفٍ لعلمهم مردوداً.
    فعن أبي جعفر (عليه السلام): ..فَلْيَذْهَبِ الحكَمُ يَمِيناً وشِمَالًا، فَوَ الله لَا يُؤْخَذُ الْعِلْمُ إِلَّا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ نَزَلَ عَلَيْهِمْ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام)(10).
    وعنه (عليه السلام): شَرِّقَا وغَرِّبَا فَلَا تَجِدَانِ عِلْماً صَحِيحاً إِلَّا شَيْئاً خَرَجَ مِنْ عِنْدِنَا أَهْلَ الْبَيْت‏(11).
    فكانت معرفتهم لله تعالى منقطعة النظير لا يشاركهم فيها أحد كما قال (صلى الله عليه وآله): يَا عَلِيُّ: مَا عَرَفَ الله حَقَّ مَعْرِفَتِهِ غَيْرِي وَغَيْرُكَ، وَمَا عَرَفَكَ حَقَ‏ مَعْرِفَتِكَ غَيْرُ الله وَغَيْرِي‏(12).

    الإمام واحد دهره

    وكان هذا هو المعتقد القطعي للإمامية أعزهم الله، من حيث بلوغ النبي والأئمة (عليهم السلام) مرتبة لا يدانيهم فيها أحد في المعرفة والقرب من الله عز وجل والانقياد له تعالى، فكساهم من حلله وأعطاهم ما لم يعط أحداً من العالمين، وما ليس لأحد فيه مطمع من الأولين والآخرين.

    فهم حجة الله التامة الذين لا تخلو الأرض منهم، وهم الذين فرض الله طاعتهم على الناس قاطبة فجعل طاعتهم طاعته، وهم شهداء الله على خلقه وولاة أمره وخزنة علمه وخلفاؤه في أرضه وأبوابه التي منها يؤتى، ونور الله عز وجل، وهم أركان الأرض، وهم الراسخون في العلم، وهم معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة.
    الْإِمَامُ وَاحِدُ دَهْرِهِ لَا يُدَانِيهِ أَحَدٌ ولَا يُعَادِلُهُ عَالِمٌ ولَا يُوجَدُ مِنْهُ بَدَلٌ ولَا لَهُ مِثْلٌ ولَا نَظِير..
    فَمَنْ ذَا الَّذِي يَبْلُغُ مَعْرِفَةَ الْإِمَامِ؟ أَوْ يُمْكِنُهُ اخْتِيَارُهُ؟
    هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، ضَلَّتِ الْعُقُولُ وتَاهَتِ الْحُلُومُ وحَارَتِ الْأَلْبَابُ وخَسَأَتِ الْعُيُونُ وتَصَاغَرَتِ الْعُظَمَاءُ وتَحَيَّرَتِ الْحُكَمَاءُ وتَقَاصَرَتِ الْحُلَمَاءُ وحَصِرَتِ الخطَبَاءُ وجَهِلَتِ الْأَلِبَّاءُ وكَلَّتِ الشُّعَرَاءُ وعَجَزَتِ الْأُدَبَاءُ وعَيِيَتِ الْبُلَغَاءُ عَنْ وَصْفِ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِهِ أَوْ فَضِيلَةٍ مِنْ فَضَائِلِهِ وأَقَرَّتْ بِالْعَجْزِ والتَّقْصِيرِ(13)..

    هي كلماتُ النور من لسان الرضا (عليه السلام)، فإذا كانت مكانة الإمام وإدراك فضيلة من فضائله مما يستحيل على العقول إدراكه وعلى الأقلام بيانه، فما بالك بحقيقة الذات المقدّسة للباري عزّ وجل؟!
    وكما كانت محاولة إدراك حقيقة الله تعالى بالعقل سبباً للبعد عنه تعالى، كانت محاولة المخالفين إقامة إمامٍ بعقولهم الحائرة سبباً لأن يزدادوا عن الإمام بُعداً ويتبعوا أهل الشقاق.. بيّن ذلك الإمام الرضا (عليه السلام) في تتمة حديثه فقال (عليه السلام) عن الإمام:
    وكَيْفَ يُوصَفُ بِكُلِّهِ؟ أَوْ يُنْعَتُ بِكُنْهِهِ؟ أَوْ يُفْهَمُ شَيْ‏ءٌ مِنْ أَمْرِهِ؟ أَوْ يُوجَدُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ ويُغْنِي غِنَاهُ؟
    لَا كَيْفَ وأَنَّى؟! وهُوَ بِحَيْثُ النَّجْمُ مِنْ يَدِ المتَنَاوِلِينَ ووَصْفِ الْوَاصِفِينَ، فَأَيْنَ الِاخْتِيَارُ مِنْ هَذَا؟ وأَيْنَ الْعُقُولُ عَنْ هَذَا؟ وأَيْنَ يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا؟
    أَتَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ يُوجَدُ فِي غَيْرِ آلِ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله)؟
    كَذَبَتْهُمْ والله أَنْفُسُهُمْ ومَنَّتْهُمُ الْأَبَاطِيلَ، فَارْتَقَوْا مُرْتَقًى صَعْباً دَحْضاً تَزِلُّ عَنْهُ إِلَى الحضِيضِ أَقْدَامُهُمْ.
    رَامُوا إِقَامَةَ الْإِمَامِ بِعُقُولٍ حَائِرَةٍ بَائِرَةٍ نَاقِصَةٍ، وآرَاءٍ مُضِلَّةٍ، فَلَمْ يَزْدَادُوا مِنْهُ إِلَّا بُعْداً(14)..

    فئات ضلّت في الإمام: المنكرُ والمُدّعي

    لقد تشارك في الضلال فئات:
    1. مَن نصبَ خليفة دون الإمام.
    2. ومن أنكر مقام الإمام وما أعطاه الله تعالى.
    3. ومن زعمَ أن لغير الإمام من الفضل ما للإمام المعصوم.

    وإذا كان وصف شأنٍ من شأن الإمام أو فضيلة من فضائله متعذراً على الناس، فأنى لهم أن يتعدّوا ذلك؟
    فمن تعداه هلك وأهلك، وقد ورد في الحديث الشريف عن النبي (صلى الله عليه وآله): مَا وَلَّتْ أُمَّةٌ أَمْرَهَا رَجُلًا قَطُّ وفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ إِلَّا لَمْ يَزَلْ أَمْرُهُمْ يَذْهَبُ سَفَالًا حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى مِلَّةِ عَبَدَةِ الْعِجْل‏(15)‏.

    فإذا كانت تولية الأمة أمرها لرجل منها وفيها من هو أعلم منه تُرجع الأمة إلى عبادة العجل حتى لو اعترفت باختصاص هذا المقام بالأفضل، فما بالك برفع أشخاص إلى مقام المعصوم (عليه السلام) ؟!
    وقد قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام): ..فَمَنْ شِرَارُ خَلْقِ الله بَعْدَ إِبْلِيسَ وفِرْعَوْنَ ونُمْرُودَ؟
    وبَعْدَ المتَسَمِّينَ بِأَسْمَائِكُمْ والمتَلَقِّبِينَ بِأَلْقَابِكُمْ والْآخِذِينَ لِأَمْكِنَتِكُمْ والمتَأَمِّرِينَ فِي مَمَالِكِكُمْ؟
    قَالَ: الْعُلَمَاءُ إِذَا فَسَدُوا هُمُ المظْهِرُونَ لِلْأَبَاطِيلِ الْكَاتِمُونَ لِلْحَقَائِق(16).
    فأقرّهم الإمام على سؤالهم أن المتسمين بأسماء الأئمة والمتلقبين بألقابهم والآخذين لأمكنتهم هم شرار خلق الله بعد إبليس.
    ثم يتلوهم العلماء الفاسدون المظهرون للأباطيل الكاتمون للحقائق.

    وقد حذر الأئمة (عليهم السلام) من نصب أشخاص دون الحجة وأخذ كل ما قالوا، فعن أبي حمزة الثمالي قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): إِيَّاكَ والرِّئَاسَةَ وإِيَّاكَ أَنْ تَطَأَ أَعْقَابَ الرِّجَال.
    قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَمَّا الرِّئَاسَةُ فَقَدْ عَرَفْتُهَا، وأَمَّا أَنْ أَطَأَ أَعْقَابَ الرِّجَالِ فَمَا ثُلُثَا مَا فِي يَدِي إِلَّا مِمَّا وَطِئْتُ أَعْقَابَ الرِّجَالِ.
    فَقَالَ: لِي لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ إِيَّاكَ أَنْ تَنْصِبَ رَجُلًا دُونَ الحُجَّةِ فَتُصَدِّقَهُ فِي كُلِّ مَا قَالَ (17).

    وهذا تحذيرٌ واضح من الإمام (عليه السلام) بوجوب التنبه وعدم نصبِ أي أحد في مرتبة الإمام حتى بهذا المقدار، فالمعصوم هو الوحيد الذي تجب طاعته طاعة مطلقة ويجب اتباعه اتباعاً مطلقاً ومن عداه فكلٌ يؤخذ عنه بقدر.
    ولذا حثّت الأحاديث الكثيرة على وجوب معرفة الحق لمعرفة أهله فعن أمير المؤمنين (عليه السلام):‏ إِنَّ دِينَ الله لَا يُعْرَفُ بِالرِّجَالِ، بَلْ بِآيَةِ الحقِّ، فَاعْرِفِ الحقَّ تَعْرِفْ أَهْلَه‏(18).
    وقال (عليه السلام): مَنْ أَخَذَ دِينَهُ مِنْ كِتَابِ الله وسُنَّةِ نَبِيِّهِ -صَلَوَات الله عَلَيْه وآلِهِ- زَالَتِ الْجِبَالُ قَبْلَ أَنْ يَزُولَ، ومَنْ أَخَذَ دِينَهُ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ، رَدَّتْهُ الرِّجَال‏(19).

    فأمر الإمام نافذٌ مطلقاً حتى لو أمر المأمومَ بما يتصور المكلف أن لا طاقة له به، وهذا لا يجب بل لا يجوز لأحد غير الإمام (عليه السلام).
    ومثاله ما رواه مأمون الرقي قال‏: كُنْتُ عِنْدَ سَيِّدِيَ الصَّادِقِ (عليه السلام) إِذْ دَخَلَ سَهْلُ بْنُ حَسَنٍ الخرَاسَانِيُّ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ الله لَكُمُ الرَّأْفَةُ والرَّحْمَةُ، وأَنْتُمْ أَهْلُ بَيْتِ الْإِمَامَةِ، مَا الَّذِي يَمْنَعُكَ أَنْ يَكُونَ لَكَ حَقٌّ تَقْعُدُ عَنْهُ وأَنْتَ تَجِدُ مِنْ شِيعَتِكَ مِائَةَ أَلْفٍ يَضْرِبُونَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالسَّيْفِ؟
    فَقَالَ لَهُ (عليه السلام): اجْلِسْ يَا خُرَاسَانِيُّ رَعَى الله حَقَّكَ.
    ثُمَّ قَالَ: يَا حَنَفِيَّةُ اسْجُرِي التَّنُّورَ، فَسَجَرَتْهُ حَتَّى صَارَ كَالْجَمْرَةِ وابْيَضَّ عُلْوُهُ ثُمَّ قَالَ: يَا خُرَاسَانِيٌّ قُمْ فَاجْلِسْ فِي التَّنُّورِ.
    فَقَالَ الخرَاسَانِيُّ: يَا سَيِّدِي يَا ابْنَ رَسُولِ الله، لَا تُعَذِّبْنِي بِالنَّارِ، أَقِلْنِي أَقَالَكَ الله.
    قَالَ: قَدْ أَقَلْتُكَ.
    فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ هَارُونٌ المكِّيُّ ونَعْلُهُ فِي سَبَّابَتِهِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ الله.
    فَقَالَ لَهُ الصَّادِقُ (عليه السلام): أَلْقِ النَّعْلَ مِنْ يَدِكَ واجْلِسْ فِي التَّنُّورِ.
    قَالَ فَأَلْقَى النَّعْلَ مِنْ سَبَّابَتِهِ ثُمَّ جَلَسَ فِي التَّنُّورِ.
    وأَقْبَلَ الْإِمَامُ يُحَدِّثُ الخرَاسَانِيَّ حَدِيثَ خُرَاسَانَ حَتَّى كَأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهَا ثُمَّ قَالَ: قُمْ يَا خُرَاسَانِيُّ وانْظُرْ مَا فِي التَّنُّورِ.
    قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَرَأَيْتُهُ مُتَرَبِّعاً فَخَرَجَ إِلَيْنَا وسَلَّمَ عَلَيْنَا، فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ (عليه السلام): كَمْ تَجِدُ بِخُرَاسَانَ مِثْلَ هَذَا؟
    فَقُلْتُ: والله ولَا وَاحِداً.
    فَقَالَ (عليه السلام): لَا والله ولَا وَاحِداً، أَمَا إِنَّا لَا نَخْرُجُ فِي زَمَانٍ لَا نَجِدُ فِيهِ خَمْسَةً مُعَاضِدِينَ لَنَا، نَحْنُ أَعْلَمُ بِالْوَقْت‏(20).

    نعم مكانة الإمامة تتناسب مع الطاعة المطلقة، ومرتبة الإمام تلزم البشر بالرجوع إليه والارتباط به ارتباطاً مطلقاً، أما من دون الإمام من عالمٍ أو فقيهٍ(21) أو مجاهدٍ أو مؤمن أو عابد أو غيرهم فلا يثبت لأحد منهم ما ثبت للمعصوم (عليه السلام)، وليس لأحد حق الطاعة المطلقة على الناس.

    ومن يدّعي ما ليس له فهو ملعون على لسان الأئمة (عليهم السلام)..
    أعاذنا الله من مضلات الفتن وأباطيل أهل البدع..

    (1) الكافي ج1 ص181.
    (2) الكافي ج1 ص180.
    (3) الكافي ج1 ص183.
    (4) الكافي ج1 ص193.
    (5) التوحيد للصدوق ص165.
    (6) علل الشرائع ج1 ص9.
    (7) المصدر السابق.
    (8) تفسير العياشي ج2 ص116.
    (9) أمالي الصدوق ص209.
    (10) الكافي ج1 ص399.
    (11) الكافي ج1 ص400.
    (12) مناقب آل أبي طالب ج3 ص267.
    (13) الكافي ج1 ص201.
    (14) الكافي ج1 ص201.
    (15) كتاب سليم بن قيس ج2 ص938.
    (16) الإحتجاج على أهل اللجاج للطبرسي ج‏2 ص458.
    (17) الكافي ج‏2 ص298.
    (18) الأمالي للطوسي ص626.
    (19) الكافي ج1 ص7.
    (20) مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) ج‏4 ص237
    (21) وإن وجب على العوام أخذ الحكم الشرعي من الفقيه ما لم يحتاطوا، لكن هذا لا يجعل الفقيه في محلّ المعصومين أبداً، خاصة في الموارد التي يُعلم فيها خطؤه أو خطأ مستنده، بخلاف المعصوم الذي لا يصح ردّ قوله بوجه من الوجوه.

    من كتاب (عرفان آل محمد) ص73

    شعيب العاملي
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X