بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
لايزال هناك من يردد أن العابس في وجه الأعمى في سورة عبس هو المصطفى صلى الله عليه واله وسلم ! ومع تذكيرنا له بأن المصطفى صلى الله عليه واله وسلم على خلق عظيم : كما قال الله عزوجل عنه : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) – القلم
يصر على العناد ، كيف بمن هذا حاله في الآية الكريمة أن يعبس في وجوه العميان ! وكيف بمن هو معصوم في التبليغ كما يرددون أن يفعل هذا الفعل !
هذا السؤال وجه للشيخ السند :
إنّ ابناء السنّة يتقولون إنّ سورة عبس وتولّى قد نزلت تعاتب الرسول الأكرم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم ، بينما الطائفة الشيعيّة تنفي ذلك وتقول إنّ سبب النزول هو عندما عبس عثمان بن عفان في وجه عبد الله ابن مكتوم ، وكل ما طلبه منكم هو تزويدي بالمصادر السنيّة والشيعيّة التي تثبت نزول السورة أو الآية في عثمان بن عفان.
الجواب :
أمّا المصادر الشيعيّة المتضمّنة لنزول الآية في عثمان ، فأكثر التفاسير الشيعيّة كتفسير التبيان للطوسي ، ومجمع البيان للطبرسي ، والبرهان للسيد البحراني ، ونور الثقلين للحويزي ، وتنزيه الأنبياء للسيّد المرتضى ، وقد استدلّوا مضافاً إلى الروايات عن أهل البيت عليهم السلام الذين هم الثقل الثاني الذين اُمرنا بالتمسّك به في الحديث النبوي المتواتر ، والمطهّرون بنصّ القرآن ، وهم سفينة نوح.
استدلّوا أيضاً بقوله تعالى : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) [ القلم : ٤ ]. فكيف يصفه تعالى بذلك وهو يستخفّ ويستهين بالمؤمن الفقير لكونه أعمى.
وكذلك قوله تعالى : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ ... ) [ آل عمران : ۱٥۹ ]. وضمير المفرد المخاطب قد ورد في سور عديدة يراد بها غيره صلّى الله عليه وآله ، كما في سورة القيامة : ( فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى * أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ) [ القيامة : ۳۱ ـ ۳٥ ]. فابتدأ بصورة المفرد الغائب ، ثمّ بصورة المفرد المخاطب عدولاً من الغيبة إلى الخطاب في ضمير المفرد ، كما في سورة عبس.
وكذلك في سورة المدثر : ( إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ ) [ المدثر : ۱۸ ـ۲۷ ]. فإنّه تعالى ابتدأ بضمير المفرد الغائب في عبس وبسر ، ثمّ في الأخير عدل إلى ضمير المفرد المخاطب مع أنّ المعني في هذه الآيات من سورة المدثر هو الوليد بن المغيرة المخزومي ، فصرف كون الضمير مفرد مخاطب لا يدلّ على كون المراد به النبي صلّى الله عليه وآله في الاستعمال القرآني.
أمّا مصادر أهل سنّة الجماعة : فقد طعن غير واحد منهم في الروايات الواردة لديهم في كون مورد نزولها النبي صلّى الله عليه وآله.
ففي فتح القدير ٥ / ۳۸٦ قال : قال ابن كثير : « فيه غرابة ، وقد تكلم في إسناده ».
وفي سنن الترمذي الجزء الخاص بالتفسير ۱ / ٤۳۲ قال : « قال أبو عيسى : هذا حديث غريب ».
وحكى الآلوسي في روح المعاني ۳۰ / ۳۸ عن القرطبي ذهابه إلى أنّ عبد الله بن أمّ مكتوم مدني ولم يجتمع بالصناديد المذكورين في تلك الروايات من أهل مكّة ، هذا مع أنّ أسانيدها غير تامّة ولا تخلو من طعن.
وذكر القرطبي في أحكام القرآن ۱۹ / ۲۱۳ قال : « قال علماؤنا : ما فعله ابن أمّ مكتوم كان من سوء الأدب ، لو كان عالماً بأنّ النبي صلّى الله عليه وآله مشغول بغيره ، وأنّه يرجو إسلامهم ، ولكن الله تبارك وتعالى عاتبه حتّى لا تنكسر قلوب أهل الصفّة ، ونقل إنّ ابن أم مكتوم دافع قائده لمّا أراد أن يكفّه عن مشاغلة النبي صلى الله عليه وآله.أيّ فهو ينقل أنّ طرفاً ثالثاً كان في مسرح الواقعة ».
وهذا ما تشير إليه روايات أهل البيت عليهم السلام أنّها نزلت في عثمان وابن أمّ مكتوم وكان ابن أم مكتوم مؤذناً لرسول الله صلّى الله عليه وآله ، وكان أعمى فجاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وعنده أصحابه ، وعثمان عنده ، فقدّمه رسول الله صلّى الله عليه وآله على عثمان ، فعبس عثمان وجهه وتولّى عنه.
فأنزل الله : ( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) [ عبس : ۱ ] ، يعنى : عثمان.
( أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ) [ عبس : ۲ ـ ۳ ] ، أيّ : يكون طاهراً زكيّاً.
( أَوْ يَذَّكَّرُ ) [ عبس : ٤ ] قال : يذكّره رسول الله صلّى الله عليه وآله) : فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ( [ عبس : ٤ ]. ثمّ خاطب عثمان فقال ): أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ) [ عبس : ٥ ـ ٦ ]. قال : أنت إذا جاءك غني تتصدّى له وترفعه.
( وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى ) [ عبس : ۷ ] ، أيّ لا تبالى زكيّاً كان أو غير زكيّ إذا كان غنيّاً .
( وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى ) [عبس : ۸ ] ، يعني ابن أم مكتوم.
( وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ) [ عبس : ۹ ـ ۱۰ ] ، أيّ تلهو و « تلتفت إليه » كما جاء في تفسير القمي لعلي بن إبراهيم.
وممّا يدلل على يد الوضع في الروايات الواردة لديهم انّها نزلت في النبي صلّى الله عليه وآله هو : أنّ الآيات تحكي خلقاً مستمراً لمن تخاطبه بصيغة الجملة الفعليّة ، والفعل المضارع الدالّ على الإستمرار لا قضيّة واحدة في واقعة ، ويأبى الخلق النبوي العظيم أن تكون صفته وخلقه المستمرّ أن يرغب في التصدّى إلى الأغنياء ، ويتنفر ويصدّ ويلهو عن الفقراء ، فذيل الآيات صريح في استمرار هذا الخلق الشيء في المخاطب بالآيات.
مع أنّ رواياتهم تزعم أنّ قضيّة واحدة في واقعة لم تتكرّر ، ولم تكن صفة وخلقاً ، فلا تتوافق مع لسان الآيات ، ولذلك اعترف الآلوسي منهم ۳۰ / ۳۹ « روح المعاني » أنّ ضمير الغيبة في عبس دالّ على أنّ من صدر عنه ذلك غير النبي صلّى الله عليه وآله ، لأنّه لا يصدر عنه صلّى الله عليه وآله مثله.
وأمّا دعواهم أنّ لسان سورة عبس هو نظير ما ورد في سورة الكهف والأنعام من قوله تعالى : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ ) [ الكهف : ۲۸ ].
وقوله : ( وَلاَ تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنْ الظَّالِمِينَ ) [ الأنعام : ٥۲ ].
فلسان الآيتين يفترق ببون شاسع مع لسان سورة عبس ؛ فإنّ لسانهما الإنشاء والأمر والنهي لا الإخبار بوقوع الفعل كما في سورة عبس بل بوقوع استمرار الفعل والصفة المذمومة ، وبالتالي فإنّ لسان الإنشاء متعارف في الاستعمال القرآني هو من باب إيّاك اعني واسمعي يا جارة ، نظير قوله تعالى : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) [ الزمر : ٦٥ ] ، أيّ : أنّ المراد الجدّي من الخطاب هو عموم الناس تحذيراً وانذاراً لهم. " انتهى النقل
أقول : ولتأكيد أن العابس هو عثمان بن عفان اليكم هذه الرواية الصحيحه وفيها عثمان لايلتفت للسائل ولاينظر في حاجته فهذه عادته في التحقيرللسائلين في حياة المصطفى صلى الله عليه واله وسلم وبعد رحيله ووصل الأمربالسائل لدرجة أن يصلي ركعتين و يتوسل بالمصطفى صلى الله عليه واله وسلم للدخول عليه !! ، ولاحظ شفقة المصطفى صلى الله عليه واله وسلم بالأعمى ونظره في حاجته وتلبيته لها فهذه عادته صلى الله عليه واله وسلم لايحتقر العميان :
قال الشيخ السني حسام الدين عفانه في فتوى من موقع طريق الإسلام بعنوان صلاة الحاجة : " وذكر الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب، أن الحديث رواه الطبراني، وذكر في أوله قصة، وهو «أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له، وكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيف: إئت الميضأة فتوضأ، ثم إئت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، يـا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي، وتذكر حاجتك ورح إلي حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قـال له، ثم أتى باب عثمان، فجـاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: مـا حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له ثم قال: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه السـاعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فائتنا، ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيراً ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليّ حتى كلمته فيّ فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسـول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال النبي صلى الله عليه وسلم أوَ تصبر، فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق علي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إئت الميضأة فتوضأ، ثم صل ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات، فقال عثمان بن حنيف: فوَ الله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط» (قال الطبراني بعد ذكر طرقه: والحديث صحيح الترغيب والترهيب 1/474 – 476). " انتهى النقل
وهنا عمار بن ياسر يشتم عثمان بن عفان :
- عن أبي غاديةَ قال سمعتُ عمَّارَ بنَ ياسرٍ يقعُ في عثمانَ يشتُمُه بالمدينةِ قال فتوعَّدتُه بالقتلِ قلتُ لئن أمكنَني اللهُ منكَ لأفعلنَّ فلما كان يومُ صِفِّينَ جعل عمارٌ يحملُ على الناسِ فقيل هذا عمَّارٌ فرأيتُ فُرجةً بين الرِّئتينِ وبين السَّاقَينِ قال فحملتُ عليه فطعنتُه في رُكبته قال فوقع فقتلتُه فقيل قتلتَ عمَّارَ بنَ ياسرٍ وأُخبِر عمرو بنُ العاصِ فقال سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقول قاتِلُ عمارٍ وسالبُه في النارِ فقيل لعمرو بنِ العاصِ هو ذا أنت تُقاتِلُه فقال إنما قال قاتِلَه وسالبَه
الراوي : عمرو بن العاص | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة
الصفحة أو الرقم: 5/19 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
- ممن إعترف من أهل السنه بأن المصطفى صلى الله عليه واله وسلم لم يعبس في وجه الأعمى ولم تنزل فيه سورة عبس
إعترف الشيخ السني الدكتور يسري صبري أن العابس ليس المصطفى صلى الله عليه واله وسلم لأن العبوس من أخلاق الكفار كما ورد في سورة المدثرعن الوليد بن المغيرة : ( ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ) 22- المدثر
وقال إن العابس في سورة عبس هو نفسه الوليد بن المغيرة
https://youtu.be/JUY4YURvHwY
وكذلك الشيخ السني الدكتور محمد أبوزيد الفقي قال أن العابس يستحيل أن يكون المصطفى صلى الله عليه واله وسلم في سورة عبس بل هو الوليد بن المغيرة :
https://www.youtube.com/watch?v=ZmIo0jj5gBI
https://www.youtube.com/watch?v=jLp1FkdLoRM
أقول : قول الدكتور يسري صبري والدكتورمحمد ابوزيد الفقي أن العابس في سورة عبس هو الوليد بن المغيرة فاتهما فيه كما ذكر ابن العربي أن ابن مكتوم في المدينة لم يجتمع مع الوليد بن المغيرة والذي كان في مكة ، لكن يهمنا أنهما إعترفا أن المصطفى صلى الله عليه واله وسلم لايمكن ان يعبس في وجه الأعمى وتنزل فيه سورة عبس فجزاهما الله خيرا
وعلق الدكتور السني الخضير على إلتفاتة ابن العربي هذه بأن الآية أبهمت الأسماء فنقول : فلامانع من القول بنزولها في عثمان
قال في التعليق على تفسير القرطبي (01) : الأسماء مما أبهم في السورة لا حاجة إلى تعيينها؛ لأن المقصود من الآيات واضح، وأنه لا يقدم أحد على أحد في الدين لاسيما في تبليغه مهما كانت منزلته " انتهى
يتبع ....
تعليق