« ذاتُ السَّلاسلِ » إسمٌ لِمنطَقةِ في الحجازِ على بُعدِ خمسِ مَراحلَ مِنَ المَدينةِ ويُعرَفُ المَكانُ باسمِ وادي الرَّمل ، وباسمِ السِّلسلَةِ ، وقيلَ سُميَتْ الغَزوَةُ بذاتِ السَّلاسلِ ، لأنَّهم جاؤوا بالأسرى مَربوطينَ بِبعضِهم كَسِلسِلَة.
وسَببُها كَما ذَكرَتْ مَصادِرُنا أنَّ اللهَ أخبَرَ النَّبيَّ « صَلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » أنَّ جَمعاً مِنْ قَبائلِ سليم كانوا يَستعدّونَ لِغزو المَدينةِ ، فأرسَلَ سِرِّيَّةً منْ بِضعِ مئاتٍ بقيادَةِ أبي بكرٍ ، فَرجعَ مُنهزِماً ، ثمَّ أرسلَ عمرَ فَرجعَ مُنهزِماً ، ثمَّ أرسلَ عمرو بنَ العاص فرَجعَ مُنهزِماً . فأرسلَ عليّاً « عليهِ السَّلامُ » ومعَهُ أبو بكرٍ وعمرُ وخالدٌ وابنُ العاصِ فَسلكَ طريقاً بينَ الأوديَةِ ، وأغارَ صَباحاً مُبكراً على مركزِ تجمُّعِهِم فنزلتْ سورةُ : وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا . . وهزمَهم ، وأسرَ مِنهم وجاءَ بهم مُقرَّنينَ في الحبالِ كأنَّهم سِلسِلة .
فَفي أمالي الطّوسي / 407 : « عنِ الحَلبيّ قالَ : سألتُ أبا عبدِ اللهِ « عليهِ السَّلامُ » عن قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ : وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ؟ قالَ : وجَّهَ رسولُ اللهِ عمرَ بنَ الخطّابِ في سَريَّةٍ فرَجعَ مُنهزماً يُجَبِّنُ أصحابَهُ ويُجَبِّنُهُ أصحابُهُ ، فلمّا إنتهى إلى النّبيّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » قالَ لِعليٍّ : أنتَ صاحِبُ القَومِ فتَهيَّأ أنتَ ومَنْ تُريدُهُ من فرسان المهاجرين والأنصار . فوجَّهَهُ رسولُ اللهِ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » فقالَ لَهُ : أكمِنْ النّهارَ ، وسِرِ اللَّيلَ ولا تفارقكَ العين . قالَ فانتهى عليٌّ إلى ما أمرَهُ بهِ رسولُ اللهِ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » فسارَ إليهِم فلمّا كانَ عندَ وَجْهِ الصُّبحِ أغارَ عَليهِم فأنزلَ اللهُ على نَبيِّهِ : وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا . . إلى آخِرِها » .
وفي الإرشادِ : 1 / 162 : « ثمَّ كانَتْ غَزاةُ السِّلسِلة وذلكَ أنَّ ( أعرابيَّاً ) جاءَ إلى النَّبيّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » فَجَثا بَينَ يَديْهِ وقالَ لَهُ جِئتُكَ لأنصحَ لكَ . . قالَ : وما نَصيحتُك ؟ قالَ : قومٌ مِنَ العربِ قَدِ إجتَمعوا بِوادي الرَّملِ وعَمِلوا على أنْ يُبَيِّتوكَ بالمَدينةِ . . » .
وفي مناقبِ آلِ أبي طالِب : 2 / 328 : « السَّلاسِل إسمُ ماء . أبو القاسمِ بنُ شبلٍ الوكيلِ ، وأبو الفتحِ الحفّارِ بإسنادِهِما عنِ الصّادقِ « عليهِ السَّلامُ » ، ومقاتلُ والزَّجاج ووكيعٌ والثَّوري والسَّدي وأبو صالحٍ وابنُ عباسٍ : أنَّهُ أنفَذَ النَّبيَّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » أبا بكرٍ في سَبعمائةِ رَجلٍ ، فلمّا صارَ إلى الوادي وأرادَ الإنحدارَ فَخَرجوا إليهِ فَهزموهُ وقَتلوا مِنَ المُسلمينَ جَمعاً كَثيراً ، فلمّا قَدِموا على النَّبيّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » بعَثَ عمرَ فَرَجعَ مُنهزِماً ، فقالَ عَمرو بنُ العاصِ : إبعثْني يا رسولَ اللهِ فإنَّ الحربَ خُدعَةٌ ولَعلّي أخدَعُهُم .
فبَعثَهُ فرَجِعَ مُنهزِماً ، وفي رِوايةٍ أنَّهُ أنفَذَ خالِداً فعادَ كذلكَ ، فساءَ النَّبيَّ « صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ » ذلكَ فَدَعا عَليّاً « عليهِ السَّلامُ » وقالَ : أرسَلْتهُ كَرّاراً غيرَ فَرّار ، فَشَيَّعهُ إلى مَسجدِ الأحزابِ ، فسارَ بالقومِ مُتنكِّباً عنِ الطَّريقِ يسيرُ بالّليلِ ويَكمُنُ بالنّهارِ ، ثمَّ أخذَ على مَحجَّةٍ غامضَةٍ فسارَ بِهِم حتّى إستقبلَ الوادي مِنْ فمِهِ ، ثمَّ أمرَهُم أنْ يعكموا الخيلَ وأوقَفَهُم في مكانٍ وقالَ لا تَبرَحوا ، وإنتبذَ أمامَهم وأقامَ ناحيةً مِنهُم ، فقالَ خالدٌ وفي رِوايةٍ قالَ عمرُ : أنزلنا هذا الغُلامُ في وادٍ كَثيرِ الحيَّاتِ والهَوامِّ والسِّباعِ ، إمّا سَبعٌ يَأكُلنا أو يَأكلُ دَوابَّنا ، وإمّا حيَّةٌ تَعقرُنا وتَعقرُ دَوابَّنا ، وإمّا يعلَمُ بِنا عَدوّنا فيَأتينا ويَقتُلنا ! فكَلِّموهُ نَعلو الوادي ، فكَلَّمَهُ أبو بكرٍ فلم يُجبْه ، فَكَلَّمهُ عمرُ فلمْ يُجبْهُ ، فقالَ عَمرو بنُ العاصِ : إنَّهُ لا يَنبغي أنْ نُضيِّعَ أنفُسَنا ! إنطَلقوا بِنا نَعلو الواديَ فَأبى ذلكَ المسلمونَ !
يتبع