لسماع المقتل بصوت المرحوم عبد الزهرة الكعبي : https://shiavoice.com/play-chhj7#
لما اصبح الحسين يوم عاشوراء وصلّي باصحابه صلاه الصبح قام خطيبا فيهم حمد الله واثني عليه ثم قال
ان الله سبحانه وتعالي قد اذن في قتلکم و قتلي في هذا اليوم فعليکم بالصبر والقتال ثم صفّهم للحرب وکانوا 77 ما بين فارس وراجل فجعل ( زهيربن القين) في الميمنه و(حبيب ابن مظاهر) في الميسره واعطي رايته ( اخاه العباس ) وثبت عليه السلام واهل بيته في القلب واقبل عمر ابن سعد نحو الحسين في ثلاثين الفا وعلي الميمنه عمرو بن الحجاج الزبيدي وعلي الميسره شمر ابن ذو الجوشن وعلي الخيل عزرة بن قيس وعلي الرجاله شبث بن ربعي والراية مع ذويد مولاه واقبلوا يجولون حول البيوت فيرون النار تضطرم في الخندق فنادي شمر باعلي صوته يا حسين تعجلت بالنار قبل يوم القيامه فقال الحسين من هذا کانه شمر ابن ذي الجوشن قيل نعم : فقال له يا بن راعيه المعزى انت اولي بها مني صيليا ورام مسلم ابن عوسجه ان يرميه بسهم فمنعه الحسين وقال اکره ان ابداهم بقتال !
ولما نظر الحسين الي جمعهم کانه السيل رفع يديه بالدعاء
وقال : اللهم انت ثقتي في کل کرب ورجائي في کل شدة وانت لي في کل امرنزل به ثقة وعّدة کم من هم يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيله ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو انزلته بك وشکوته اليک رغبة مني اليک عمن سواک فکشفته وفرجته فأنت ولي کل نعمة ومنتهي کل رغبة ثم دعا براحلته فرکبها ونادي بصوت عال يسمعه جلهم
ايها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتي اعظکم بما هو حق لکم عليّ وحتي اعتذر اليکم من مقدمي عليکم فان قبلتم عذري وصدّقتم قولي واعطيتموني النصف من انفسکم کنتم بذلک اسعد ولم يکن لکم عليّ سبيل و ان لن تقبلوا مني العذر ولم تعطوا النصف من انفسکم فأجمعوا امرکم وشرکائکم ثم لا يکن امرکم عليکم غمّة ثم اقضوا اليّ ولا تنظرون ان وليّ الله الذي نزل الکتاب وهو يتولي الصالحين
فلما سمعن النساء هذا منه صحن وبکين وارتفعت اصواتهنّ فأرسل إليهن أخاه العباس وابنه علياً الأکبر وقال لهما إسكتاهن فلعمري ليكثر بكاؤهن ولما سكتن حمد الله واثني عليه وصلّي علي محمد وعلي الملائکة و قال في ذلک ما لا يحصي ذکره ولم يسمع متکلم قبله ولا بعده ابلغ منه في منطقه ثم قال:
( الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالا بعد حال فالمغرور من غرته والشقي من فتنته فلا تغّرنکم هذه الدنيا فانها تقطع رجاء من رکن اليها وتخيّب طمع من طمع فيها وأراکم قد أجتمعتم علي أمرٍ قد أسخطتم الله فيه عليکم واعرض بوجهه الکريم عنکم واحّل بکم نقمته وجنبّکم رحمته فنعم الربّ ربّنا وبئس العبيد انتم ,أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد (صلّي الله عليه واله وسلم) ثم انکم ذهبتم الي ذريته وعترته تريدون قتلهم لقد أستحوذ عليکم الشيطان فأنساکم ذکر الله العظيم فتّباً لکم ولما تريدون إنا لله وإنا اليه راجعون ,
هؤلاء قوم کفروا بعد إيمانهم فبعداً للقوم الظالمين إيها الناس انسبوني من أنا ثم ارجعوا الي أنفسکم وعاتبوها وانظروا هل يحلّ لکم قتلي وانتهاک حرمتي ألست ابن بنت نبيکم وابن وصيه وابن عمه واول المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربه ؟ او ليس (حمزه سيد الشهداء) عم ابي؟ اوليس (جعفرالطيار) عمي ؟ او لم يبلغکم قول رسول الله لي ولأخي (هذاني سيدا شباب اهل الجنه) فان صدّقتموني بما اقول وهو الحق والله ما تعمّدت الکذب منذ علمت ان الله يمقت عليه اهله ويضرّ به من اختلقه وان کذّبتموني فان فيکم من ان سألتموه عن ذلک اخبرکم سلوا (جابر ابن عبد الله الانصاري) و (ابا سعيد الخدري) و(سهل ابن سعد الساعدي) و (زيد ابن ارقم) و (انس ابن مالك ) يخبروکم أنهم سمعوا هذه المقاله من رسول الله لي ولأخي اما في هذا حاجز لکم عن سفک دمي ؟
فقال الشمر هو يعبد الله علي حرف ان کان يدري ما تقول فقال له ( حبيب ابن مظاهر) والله اني اراک تعبد الله علي سبعين حرفاً وانا اشهد انک صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله علي قلبک ثم قال الحسين ع :فأن کنتم في شک من هذا القول افتشکون اني ابن بنت نبيکم فوالله مابين المشرق والمغرب ابن بنت نبيا غيري فيکم ولا في غيرکم ويحکم اتطلبوني بقتيل منکم قتلته ! او مال لکم استهلکته او بقصاص جراحه فاخذوا لايکلمونه فنادي
( يا شبث ابن ربعي ويا حجار ابن ابجر ويا قيس ابن الاشعث ويازيد ابن الحارث) الم تکتبوا أليّ ان اقدم قد اينعت الثمار واخضّر الجناب وانما تقدم علي جند لک مجنده فقالوا لم نفعل قال : سبحان الله ما والله لقد فعلتم ثم قال إيها الناس إذا کرهتموني فدعوني انصرف عنکم الي مأمن من الارض فقال له قيس ابن الاشعث اولا تنزل علي حکم بني عمّک فانهم لن يروک الا ما تحب ولن يصل اليک منهم مکروه فقال الحسين انت اخو اخيک اتريد ان يطلبک بنو هاشم اکثر من دم مسلم ابن عقيل لا والله لا اعطيهم بيدي اعطاء الذليل ولا افر فرار العبيد عباد الله اني عذت بربي وربکم ان ترجمون أعوذ بربي وربکم من کل متکبر لا يؤمن بيوم الحساب ثم أناخ راحلته وامر عقبة بن سمعان فعقلها
( لم ارى اذ قام فيهم خاطبا فاذا هم لايملکون خطاباً يدعو
ألست انا أبن بنت نبيکم ومذهبکم ان صرف دهرٍ لاباً
هل جئت بدين النبي ببدعة ام كنت في احكامه مرتاباً
أم لم يوصّي بنا النبي اودعاً فقد أهلّ فيكم عترة وكتاباً
ان لم تجيئوا بالمعاد فراجعوا أكتابكم إن كنتم أعراباً
فغدوا حياري لايرون لوعظه الا الا تمة والسهام جواباً)
واقبل القوم يزحفون نحوه وكان فيهم عبد الله ابن حوزة التميمي فصاح افيكم حسين ؟ وفي الثالثة قال اصحاب الحسين : هذا الحسين فما تريد
قال يا حسين ابشر بالنار
قال الحسين كذبت بل اقدم علي رب غفور كريم مطاع شفيع فمن أنت
قال أبن حوزة
فرفع الحسين يديه حتي بان بياض أبطيه وقال اللهم حزه الي النار
فغضب ابن حوزة واقحم الفرس اليه وكان بينهما نهر فعلقت قدمه بالركاب وجالت به الفرس فسقط عنها وانقطعت قدمه وساقه وفخذه وبقي جانبه الاخر معلقا بالركاب واخذت الفرس تضرب به كل حجر وشجر حتي هلك قال مسروق بن وائل الحضرمي كنت في اول الخيل الذي تقدمت لحرب الحسين لعلي ان أصيب رأس الحسين فاحظي به عند ابن زياد فلما رأيت ما صنع بابن حوزة عرفت ان لأهل هذا البيت حرمة ومنزلة عند الله وتركت الناس وقلت لا اقاتلهم فاكون في النار وخرج اليهم زهير ابن القين علي فرس ذنوب شاك في السلاح فقال يا اهل الكوفه نذار لكم من عذاب الله نذار حقاً علي المسلم نصيحة اخيه المسلم ونحن حتي الآن أخوة علي دين واحد مالم يقع بيننا وبينكم السيف وأنتم للنصيحة منا أهل فاذا وقع السيف انقطعت العصمة وكنا امة و انتم امة ان الله ابتلانا واياكم بذرية نبيه محمد لينظر ما نحن وأنتم عاملون إنا ندعوكم الي نصرهم وخذلان الطاغية يزيد وعبيد الله ابن زياد فانكم لاتدركون منهما إلا سوء عمرسلطانهما كله ليسملان أعينكم ويقطعان أيديكم وأرجلكم ويمثلان بكم ويرفعانكم علي جذوع النخل ويقتلان أماثلكم وقرائكم أمثال حجر بن عدي وأصحابه وهاني ابن عروة واشباهه فسبّوه واثنوا علي عبيد الله ابن زياد ودعوا له
وقالوا: لا نبرح حتي نقتل صاحبك ومن معه او نبعث به وبأصحابه الي عبيد الله أ بن زياد سلما
فقال زهير : عباد الله ان ولد فاطمة أحق بالود والنصر من ابن سمية فان لن تنصروهم فأعيذكم بالله ان تقتلوهم فخلوا بين هذا الرجل وبين يزيد فلعمري انه ليرضي من طاعتكم بدون قتل الحسين فرماه الشمر بسهم وقال : اسكت اسكت الله نأمتك ابرمتنا بكثرة كلامك فقال زهير : يا بن البوال علي عقبيه ما أياك اخاطب إنما أنت بهيمة والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الاليم فقال الشمر : ان الله قاتلك وصاحبك عن ساعة فقال زهير : افبالموت تخوفني ؟ فوالله للموت معه أحب أليّ من الخلد معكم ثم اقبل علي القوم رافعاً صوت وقال عباد الله لايغّرنكم عن دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه فوالله لا تنال شفاعة محمد قوماً هرقوا دماء ذريته وأهل بيته وقتلوا من نصرهم وذب عن حريمهم
فناداه رجل من اصحابه ان أبا عبد الله يقول لك أقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وابلغ في الدعاء فلقد نصحت هؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والأبلاغ واستأذن الحسين برير بن خضير في ان يكلم القوم فأذن له وكان شيخا تابعياً ناكساً قارئ للقرآن ومن شيوخ القراء في جامع الكوفة وله في الهمدانيين شرف وقدر وجلالة فوقف قريب منهم ونادي يا معشر الناس ان الله بعث محمداً بشيراً ونذيراً وداعياً الي الله وسراجاً منيراً وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابه وقد حيل بينه وبين ابن بنت رسول الله افجزاء محمدٍ هذا فقالوا يا برير قد اكثرت الكلام فاكفف عنا فوالله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله قال يا قوم أن ثقل محمد قد اصبح بين أظهركم وهؤلاء ذريته وعترته وبناته وحرمه فهاتوا ماعندكم وما الذي تريدون ان تصنعوه بهم فقالوا نريد ان نمكنّ منكم الامير عبيد الله ابن زياد فيري فيهم رأيه قال افلا تقبلون منهم أن يرجعوا الي المكان الذي جاؤا منه ويلكم يا أهل الكوفه انسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها واشهدتم الله عليها وعليكم ؟ ويلكم ادعوتم اهل بيت نبيكم وزعمتم أنكم تقتلون انفسكم دونهم حتي اذا أتوكم أسلمتموهم الي ابن زياد وحلأتموهم عن ماء الفرات بئسما خلفتم نبيكم في ذريته مالكم لا سقاكم الله يوم القيامة فبئس القوم انتم فقال له نفر منهم يا هذا ما ندري ما تقول قال الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة اللهم اني ابرأ اليه من فعال هؤلاء القوم اللهم القي بأسهم بينهم حتي يلقوك وانت عليهم غضبان فجعل القوم يرمونه بالسهام فتقهقر الي وراء ثم ان الحسين ركب فرسه واخذ مصحفا ونشره علي رأسه ووقف بأزاء القوم وقال ياقوم ان بيني وبينكم كتاب الله وسُنّة جدّي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ثم استشهدهم عن نفسه المقّدسة وما عليه من سيف النبي وجذعه وعمامته فأجابوه بالتصديق فسألهم عما اقدمهم علي قتله قالوا طاعة للامير عبيد الله ابن زياد فقال عليه السلام : تّباً لكم ايتها الجماعة وترحا أحين اسْتَصْرَخْتُمُونَا وَالِهِينَ ، فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيف لنا في ايمانكم وحششتم علينا نارا اقتدحناها علي عدونا وعدوكم فأصبحتم ألباً لأعدائكم علي اوليائكم بغير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم فهلاّ لكم الويلات تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأي لما يستصحف ولكن اسرعتم اليها كطيرة الدبا وتداعيتم عليها كتهافت الفراش ثم نقضتموها فسحقاً لكم يا عبيد ألامه وشذاذ الاحزاب ونبذة الكتاب ومحرفي الكلم وعصبة ألاثم ونفثة الشيطان ومطفئ السنن ويحكم أهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون أجل والله غدر فيكم قديم وَشَجَتْ إليه أُصُولُكُمْ وتأزرت فروعكم فكنتم اخبث ثمر شجاً للناظر وَأُكْلَةً لِلْغَاصِبِ الا وان الدعي ابن الدعي يعني ابن زياد قد ركز بين اثنتين بين السّلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبي الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبيه من ان نؤثر طاعة اللئام علي مصارع الكرام ألا وأني زاحف بهذه ألاسرة علي قلة العدد وخذلان الناصر ثم اشجد أبيات فروة
فأن نهزم فهزّامون قدماً
وإن نهزم فغير مهزّمينا
وما ان ّطِبُنا جِبٌن
ولكن منايانا ودولة آخرينا
فقل للشامتين بنا افيقوا
سيلقي الشامتون كما لقينا
أما الله لا تلبثون بعدها إلا كريثما يركب الفرس حتي تدور بكم دور الرحي وتقلق بكم قلق المحور عهٌد عهده أليّ أبي عن جدي رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلم فأرجعوا أمركم وشركائكم ثم لا يكن أمركم عليكم غُمة ثم اقضوا أليّ ولا تُنظِرون أني توكلت علي الله ربي وربكم ما من دابه الاّ هو اخذ بناصيتها أن ربي علي صراط مستقيم ثم رفع يديه وقال : اللهم أحبس عنهم قطر السماء وأبعث عليهم سنين كسنيي يوُسف وسـلّط عليهم غلام ثقيفِ يسقيهم كأساً مصبّرهً فأنّهم كذّبونا وخذلونا وأنت ربّنا عليك توكّلنا وأليك المصير
وأستدعاهم ابن سعد فدُعي له وكان كارهاً لا يُحب أن يأتيه فقال :أي عُمر أتزعمُ انك تقتلني ويوليك الدَعي بلاد الرَي وجرجان والله لا تتهنأ بذلك عهد معهود فأصنع ما أنت صانع فأنك لا تفرح بعدي بدنياً ولا آخرة وكأني برأسك علي قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة ويتخذونه غرضاَ بينهم فصرف بوجهه عنه مغضباً ولّما سمع الحُر بن يزيد الرياحي كلام أبي عبد الله الحسين وأستغاثته أقبل علي عمر بن سعد وقال له : أمقاتلٌ أنت هذا الرجل قال : أي والله قتالا ًأيسره ان تسقط فيه الرؤوس وتطيح ألايدي قال مالكم فيما عرضه عليكم من الخِصال فقال لو كان الامر ألّي لقبلت ولكن أميرك أبن زياد يأبي ذلك فتركه ووقف مع الناس وكان الي جنبه قرّة بن قيس فقال لقرّة : هل سقيت فرسك فقال لا قال هل تريد أن تسقيه فظّن قُرةً من ذلك أنه يريد الأعتزال ويكره أن يشاهده أحد فتركه فأخذ الحُر يدنو من الحسين بن علي قليلاً قليلاً فقال له ( المهاجر بن أوس)
أتريد أن تحمل ؟ فسكت وأخذته الرعدة فأرتاب المهاجر من هذا الحال وقال له لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك فما هذا الذي أراه منك فقال الحُر أني أخيّر نفسي بين الجنّة والنّار والله لا أختارُ علي الجنة شيئاً ولو أُحرقت ثم ضَربَ جواده نحو الحسين بن علي مُنكساً برأسهِ حياءً من آل الرسول بما أتي أليهم وجعجع بهم في هذا المكان علي غير ماءٍ ولا كلا رافعاً صوته : اللهم أليك أُنيب فتُب علّي فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيك يا أبا عبد الله أنّي تائبٌ فهل تري لي من توبة ألهنا ونحن نتوب أليك في هذا المقام الكريم فقال الحسين :
نعم يتوب الله عليك فسّره قول أبي عبد الله وتيّقن الحياه ألابدية والنعيم الدائم ووضح له قول الهاتف لما خرج من الكوفة فحدّث الحسين بحديثهِ قال فيه لما خرجت من الكوفة نوديتُ أبشر يا حُر بالجنة فقلت ويلٌ للحُر يبّشر بالجنة وهو يسير الي حرب بن رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم فقال له الحسين : لقد أصبت خيراً وأجراً ثم أستأذن الحسين في أن يكلّم القوم فأذن له فنادي بأعلي صوته يا أهل الكوفه لأمكم الأمل والعبر أدعوتم هذا العبد الصالح وجعلتم أنكم قاتلوا انفسكم دونه حتي أذا جائكم أخذتم بكرمه وأحطتم به من كل جانبِ فمنعتموه التّوجه الي بلاد الله العريضة حتي يأمن وأهل بيته وأصبح كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً وحلأتموه وصبيته ونسائه وصحبه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهود والنصاري والمجوس وتتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه وهاهم قد صرعهم العطش بئسما خلقتم محمداً في ذريته لا سقاكم الله يوم الظمأ فحملت عليه رّجالة ترميه بالنبل فتقهقر حتي وقف أمام الحسين أذ أن الحسين بن علي منع أصحابه وأهل بيته من أن يبدؤا القوم بقتال قط فلذلك تري ألاصحاب في كل مقام وعظم وأرشاد وتوجيه يرشقون بالسهام أو يحمل عليهم أحد تراهم يتراجعون الي ورائهم أمتثالاً لأمر إمامهم وسيدهم أبي عبد الله الحسين إذ أنه مايريد أن يبدأ كل أحد بقتالٍ أبدا وصاح الشمر بأعلي صوته أين بنو أختنا أين العباس وأخوته فأعرضوا عنه فقال الحسين أجيبوه ولو كان فاسقاً قالوا ما شأنك وما تريد قال يا بني أختي أنتم آمنون فلا تقتلوا أنفسكم مع الحسين وإلزموا طاعة أميري أمير الفاسق يزيد فقال العّباس له : لعنك الله ولعن أمانك أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له وتأمرنا أن ندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء وتقدّم عمر بن سعد نحو عسكر الحسين ورمي بسهمٍ وقال
أشهدوا لي عند ألامير بن زياد أني أوّل من رمي ثم رمي الناس فلم يبقي من أصحاب الحسين أحد إلا أصابه من سهامهم فقال عليه السلام لأصحابه قوموا رحمكم الله ألي الموت الذي لابد منه فأن هذه السهام رُسل القوم أليكم فحمل أصحابه حملة واحدة وأقتتلوا ساعةً فما جلت الغبره إلا عن خمسين صريعاً من أصحاب أبي عبد الله وخرج يسار مولي زياد وسالم مولي عبيد الله بن زياد فطلبا البراز فوثب حبيب وبُرير فلم يأذن لهما الحسين فقام عبد الله بن عُميرالكلبي من بني عليم او (عُليم) وكنيته ابو وهب وكان طويلاً شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين شريفاً في قومه شجاعاً مجرباً وقال : أحسبه للأقران قتّالاً فقالا له من أنت فأنتسب لهما فقالا لا نعرفك ليخرج الينا زهير أو حبيب أو بُرير وكان يسار قريباً منه فقال له يأبن الزانية أو بك رغبه عن مبارزتي ثم جدّ عليه بسيفه يضربه وبينا هو مشتغل به إذ شّد عليه سالم فصاح أصحابه قد رهقك العبد فلم يعبأ به فضربه سالم بالسيف فاتقاها عبد الله بيده اليسري فأطار أصابعها ومال عليه عبد الله فقتله وأقبل الي الحسين يرتجز وقد قتلهما وأخذت ام وهب زوجته عموداً وأقبلت نحوه تقول فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين ذرية محمدٍ فأراد أن يردها ألي الخيمة فلم تطاوعه وأخذت تجاذبهه ثوبه وتقول لن ادعك دون أن أموت معك فقال لها آلان كنتي تنهيني عن القتال وآلان جئتي تقاتلين معي قالت لا تلمني أن واعية الحسين كسرت قلبي فقال ما الذي سمعتي منه قالت سمعت بباب الخيمة ينادي (واا قلّت ناصرا) فنادي الحسين سيدي ابا عبد الله ردّها الي الخيمة فنادها الحسين جزيتم عن اهل بيت نبيكم خيرا أرجعي الي الخيمة فأنه ليس علي النساء قتال فرجعت ولما نظر من بقي من أصحاب الحسين الي كثرة من قُتل منهم أخذ الرجلان والثلاثة والأربعة يستأذنون الحسين في الذبّ عنه والدفع عن حرمه وكلٌ يحمي الآخر من كيد عدوه فخرج الجابريان وقاتلا في مكان واحد حتي قتلا وخرج الغفاريان فقالا للحسين : السلام عليك أبا عبد الله إنّا جئنا لنقتل بين يديك وندفع عنك فقال مرحباً بكما واستدناهما منه فدنوا وهما يبكيان قال ما يبكيكما يأبني أخي فوالله أني لأرجو أن تكونا بعد ساعةٍ قرير العين قالا جعلنا الله فداك ما علي أنفسنا نبكي ولكن نبكي عليك نراك قد أحيط بك ولا نقدر أن ننفعك فجزّاهما الحسين خيرا فقاتلا قريباً منه حتي قتلا وخرج (عمرو بن خالد الصيداوي وسعد مولاه وجابر بن الحارث ومجمع بن عبد الله العائذي) وشدّوا جميعاً علي أهل الكوفة فلما أوغلوا فيهم عطف عليهم الناس وقطعوهم عن أصحابهم فندب أليهم الحسين أخاه العبّاس فأستنقذهم بسيفه وقد جرحوا بأجمعهم وفي أثناء الطريق أقترب منهم العدو فشدّوا بأسيافهم مع ما بهم من الجراح وقاتلوا حتي قتلوا في مكان واحد ولمّا نظر الحسين الي كثرة من قتل من أصحابه قبض علي شيبته المقّدسه وقال
أشتدّ غضب الله علي اليهود أذ جعلوا له ولداً وأشتدّ غضبه علي النصاري أذ جعلوه ثالث ثلاثة واشتّد غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه واشتّد غضبه على قوم اتّفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم أما والله لا اجيبهم الى شيء مما يريدون حتى القى الله وأنا مخضّب بدمي ثم صاح : أما من مغيث يغيثنا ! اما من ذابٍ يذبُّ عن حرم رسول الله فبكت النساء وكثر صراخهن وسمع الانصاريان سعد بن الحارث واخوه أبو الحتوف استنصار الحسين واستغاثته وكانا مع ابن سعد ولما إن سمعا بكاء عياله فمالا بسيفيهما على أعداء الحسين قاتلا حتى قُتلا وأخذ أصحاب الحسين بعد ان قل عددهم وبان النقص فيهم يبرز الرجل بعد الرجل فأكثروا القتل في اهل الكوفة فصاح عمرو بن الحجاج بأصحابه : أتدرون من تقاتلون ؟ تقاتلون فرسان المصر وأهل البصائر وقوماً مستميتين لا يبرز اليهم احد منكم إلا قتلوه على قلتهم والسبب في ذلك أنهم كانوا يقاتلون عن عقيدةٍ وإيمانا وأولئك كانوا يقاتلون في سبيل الماده والطمع فقال عمرو بن الحجاج : لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم فقال عمر بن سعد : صدقت الرأي ما رأيت أرسل في الناس من يعزم عليهم ألا يبارزهم رجل منهم ولو خرجتم إليهم وحدانا لأتوا عليكم ثم حمل عمرو بن الحجاج على ميمنة الحسين فثبتوا له وجثوا على الركب وأشرعوا الرماح فلم تقدم الخيل فلما ذهبت الخيل لترجع رشقهم أصحاب الحسين بالنبل فصرعوا رجالاً وجرحوا آخرين ثم حمل عمرو بن الحجاج من نحو الفرات فاقتتلوا ساعة وفيها قاتل مسلم ابن عوسجة فشّد عليه مسلم بن عبد الله وعبد الله البجلي وثارت لشدة الجلاد غبرة شديدة وما انجلت الغبرة إلا ومسلم ابن عوسجة صريعاً وبه رمق فمشى اليه الحسين ومعه حبيب بن مظاهر
يتبع...........
تعليق