تويت
الروايات صريحة في أنّ نساء النبي صلّى الله عليه وآله لا يدخلن في مفهوم أهل البيت الوارد في الآية الشريفة.
مضافاً إلى نفس الآية تدلّ على خروج زوجات النبي صلّى الله عليه وآله حيث انّ هناك قاعدة أدبيّة وبلاغيّة تسمّى بالالتفات ؛ فإذا كان المتكلّم يخاطب النساء ثمّ في أثناء كلامه خاطب الرجال يقال لمثل ذلك « الإلتفات » ، ولابدّ ان يكون لأجل بيان نكتة ، وهي أن ما بعد الالتفات لا يرتبط بما قبله ، والآية من هذا القبيل ؛ فانّ الله تعالى خاطب أوّلاً زوجات النبي صلّى الله عليه وآله بضمير الجمع المؤنث المخاطب ، قال : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ) (۱) ، وقال : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ) (۲) ، ثمّ التفت من الخطاب بالضمير المؤنّث إلى الخطاب بالضمير المذكّر : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (۳) ، ويظهر من ذلك انّ المراد من ضمير ( عَنكُمُ ) ليس نساء النبي بل لا يشمل زوجات النبي ، وانّما المراد منه غيرهنّ ، وإلّا لعبّر : « إنّما يريد الله ليذهب عنكنّ الرجس ». فلماذا ترك الخطاب السابق وعبّر بضمير الجمع المذكّر ؟
وأمّا الروايات فهي كثيرة وردت من طرق الشيعة وأهل السنّة جميعاً ، ونذكر بعض الروايات من طرق أهل السنّة :
ففي صحيح الترمذي ، روى بسنده عن عمرو بن أبي سلمة ربيب النبي صلّى الله عليه وآله قال : لما نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ عَلَى النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) في بَيْتِ اُمِّ سَلَمةَ ْ، فَدَعَا فاطِمَةَ وَحَسَناً وَحُسَيْناً فَجَلَّلَهُم بِكِسَاء وَعَلِيٌّ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَجَلَّلَهُ بِكِسَاء ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ هؤلَاءِ أَهْلُ بَيْتي فَأَذهِب عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرهُمْ تَطهيِراً. قَالَتْ اُمُّ سَلَمَةَ وَأنَا مَعَهُمْ يَا نَبيَّ اللهِ ؟ قَالَ : أَنْتِ عَلَى مَكَانِكِ وَأنْتِ إلى خَيْرٌ. (٤)
وفي صحيح الترمذي ، روى بسنده عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبِ عَنْ اُمّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم جَللَ عَلَى الحَسنِ وَالحُسَيْنِ وَعَليٍّ وَفَاطِمَةَ كِسَاءَ ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ هؤلاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَخَاصَّتي ، أذْهِبْ عَنْهُم الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً ، فَقَالَتْ اُمُّ سَلَمَةَ : وَأَنَا مَعَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : إنَّكِ إلى خَيْرِ. (٥)
وفي مستدرك الصحيحين ، روى بسنده عن اُمّ سلمة انّها قالت : في بيتي نزلت هذه الآية إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ قالت فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الى علي وفاطمة والحسن والحسين رضوان الله عليهم اجمعين ، فقال اللهم هؤلاء أهل بيتي قالت ام سلمة يا رسول الله ما انا من اهل البيت قال انك اهل خير وهؤلاء اهل بيتي اللهم اهل أحق هذا حديث صحيح على شرط البخاري. (٦)
روى السيوطي في تفسيره الدر المنثور في تفسير آية التطهير من سورة الأحزاب ، قال : وأخرج ابن مردويه عن اُمّ سلمة قالت : نزلت هذه الآية في بيتي : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ). وفي البيت سبعةٌ ، جبرئيلُ ، وميكائيلُ ، وعليٌّ ، وفاطمةُ ، والحسنُ والحسينُ ، وأنا على باب البيت. قلتُ : يا رسولَ اللهِ ألستُ من أهلِ البيتِ ؟ قال : « انّك إلى خير ؛ انّك من أزواجِ النبي صلى الله عليه وسلم ». (۷)
والروايات كثيرة تدلّ على خروج اُمّ سلمة وسائر زوجات النبي صلّى الله عليه وآله عن هذه الآية الكريمة.
وروى السيوطي أيضاً قال : أخرَج ابنُ جريرٍ ، وابنُ مَرْدُوَيه عن أبي الحمراءِ قال : حَفِظْتُ من رسولِ الله صلّى الله عليه وسلم ثمانيةَ أشهرٍ بالمدينةِ ، ليس من مرَّةٍ يَخرُجُ إلى صلاةِ الغداةِ إلّا أتى بابَ عليٍّ ، فوَضَعَ يدَه على جَنْبَتَي البابِ ثم قال : « الصلاةَ الصلاةَ ، ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ». (۸)
ويكفي في ذلك قول الصحابي زيد بن أرقم ، ففي صحيح مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل علي بن أبي طالب ، قال فيه : فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ أيّ لزيد بن أرقم وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ ؟ يَا زَيْدُ ! أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ؟ قَالَ : نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ ـ أيّ في الآية الشريفة ـ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ. قَالَ : وَمَنْ هُمْ ؟ قَالَ : هُمْ آلُ عَلِيٍّ ، وَآلُ عَقِيلٍ ، وَآلُ جَعْفَرٍ ، وَآلُ عَبَّاسٍ. قَالَ : كُلُّ هؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ. (۹)
وفي رواية أخرى أصرح من هذه رواها في صحيح مسلم في الباب المذكور قال فيها فقلنا ـ أي لزيد بن أرقم ـ ، مَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ ؟ نِسَاؤُهُ ؟ قَالَ : لَا. وَايْمُ اللهِ ! إِنّ المَرْأَةَ تَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ الْعَصْرَ مِنَ الدَّهْرِ. ثُمَّ يُطَلّقُهَا فَتَرْجِعُ إِلَى أَبِيهَا وَقَوْمِهَا. أَهْلُ بَيْتِهِ أَصْلُهُ ، وَعَصبَتَهُ الذِينَ حُرِّمُوا الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ. (۱۰)
وللمزيد راجع فضائل الخمسة من الصحاح الستّة « للفيروزآبادي ». (۱۱)
الهوامش
۱. الأحزاب : ۳۲.
۲. الأحزاب : ۳۳.
۳. الأحزاب : ۳۳.
٤. سنن الترمذي / المجلّد : ٥ / الصفحة : ٦٦۳ / الناشر : دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
٥. سنن الترمذي / المجلّد : ٥ / الصفحة : ٦۹۹ / الناشر : دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
٦. مستدرك الصحيحين « للحاكم النيسابوري » / المجلّد : ۲ / الصفحة : ٤۱٦ / الناشر : دار الفكر ـ بيروت.
۷. الدر المنثور « للسيوطي » / المجلّد : ۱۲ / الصفحة : ۳۷ / الناشر : مركز هجر للبحوث والدراسات العربية والإسلامية ـ القاهرة.
۸. الدر المنثور « للسيوطي » / المجلّد : ۱۲ / الصفحة : ٤٤ / الناشر : مركز هجر للبحوث والدراسات العربية والإسلامية ـ القاهرة.
۹. صحيح مسلم / المجلّد : ٤ / الصفحة : ۱۸۷۳ / الناشر : دار الفكر ـ بيروت / الطبعة : ۲.
۱۰. صحيح مسلم / المجلّد : ٤ / الصفحة : ۱۸۷٤ / الناشر : دار الفكر ـ بيروت / الطبعة : ۲.
۱۱. راجع : فضائل الخمسة من الصحاح الستّة « للفيروزآبادي » / المجلّد : ۱ / الصفحة : ۲۷٥ ـ ۲۸۹ / الناشر : منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت / الطبعة : ٤.
المصدر الحقائق الاسلاميه