وقل جاء الحق و زهق الباطل ان الباطل كان زهوقا
تتفاوت الروايات بعض الشئ في كيفية بداية حركة الظهور المبارك ، وفي وقته . لكن المرجح أنه عليه السلام يظهر أولا في أصحابه الخاصين الثلاث مئة وثلاثة عشر ، ويدخلون المسجد فرادى مساء التاسع من محرم ، ويبدأ حركته المقدسة بعد صلاة العشاء ، بتوجيه بيانه إلى أهل مكة ، ثم يسيطر أصحابه وبقية أنصاره في تلك الليلة على الحرم وعلى مكة .
وفي اليوم الثاني ، أي العاشر من محرم يوجه بيانه إلى شعوب العالم بلغاتها ! ثم يبقى في مكة إلى ما بعد آية الخسف بجيش السفياني ، ثم يتوجه إلى المدينة المنورة بجيشه البالغ عشر آلاف ، أو بضعة عشر ألفاً .
وينبغي الإلفات إلى أن الأحاديث الشريفة تسمي حركته عليه السلام من أولها في مكة : ( ظهوراً ، وخروجاً ، وقياماً ) ، ويبدو أنها تعابير مترادفة .
لكن بعض الروايات تفرق بين الظهور والخروج ، فتسمي حركته عليه السلام في مكة ( ظهوراً ) وتحركه منها إلى المدينة ( خروجاً ) وتذكر أن ظهوره في مكة يكون بأصحابه الخاصين ، وخروجه منها إلى المدينة يكون بعد أن يكمل له عشرة آلاف من أنصاره ، بعد أن يخسف بجيش السفياني ، فعن عبد العظيم الحسني رحمه الله قال : ( قلت لمحمد بن علي بن موسى ( الإمام الجواد عليه السلام ) إني لأرجو أن تكون أنت القائم من أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً . فقال : يا أبا القاسم ، ما منا إلا قائم بأمر الله ، وهاد إلى دين الله ، ولست القائم الذي يطهر الله به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملؤها عدلاً وقسطاً وهو الذي يخفى على الناس ولادته ، ويغيب عنهم شخصه ، ويحرم عليهم تسميته ، وهو سمي رسول الله صلى الله عليه وآله وكنيه ، وهو الذي تطوى له الأرض ، ويذل له كل صعب ، يجتمع إليه من أصحابه عدد أهل بدر ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض ، وذلك قول الله عز وجل :﴿ ... أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ 1. فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الأرض أظهر أمره ، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف خرج بإذن الله ، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله تبارك وتعالى . قال عبد العظيم ، قلت له : يا سيدي ، وكيف يعلم أن الله قد رضي ؟ قال : يلقي الله في قلبه الرحمة ) 2 .
وعن الأعمش عن أبي وائل أن أمير المؤمنين عليه السلام نظر إلى ابنه الحسين عليه السلام فقال : ( إن ابني هذا سيد ، كما سماه رسول الله صلى الله عليه وآله سيداً . وسيخرج الله من صلبه رجلاً باسم نبيكم فيشبهه في الخلق والخلق ، يخرج على حين غفلة من الناس ، وإماتة من الحق ، وإظهار من الجور ، والله لو لم يخرج لضرب عنقه ، يفرح لخروجه أهل السماء وسكانها ، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ) 3 .
وقوله عليه السلام : ( لو لم يخرج لضرب عنقه ) يدل على أن أجهزة الأعداء قبيل ظهوره تكشف أمره ، وتكاد تكشف خطته ، بحيث يكون مهدداً بالقتل لو لم يخرج!
وعن إبراهيم الجريري عن أبيه قال : ( النفس الزكية غلام من آل محمد اسمه محمد بن الحسن ، يقتل بلا جرم ولا ذنب ، فإذا قتلوه لم يبق لهم في السماء عاذر ولا في الأرض ، فعند ذلك يبعث الله قائم آل محمد في عصبة لهم أدق في أعين الناس من الكحل ، فإذا خرجوا بكى لهم الناس ، لا يرون إلا أنهم يختطفون يفتح الله لهم مشارق الأرض ومغاربها . ألا وهم المؤمنون حقاً ، ألا إن خير الجهاد في آخر الزمان ) 4 .
وهذا يدل على أن أول ظهوره عليه السلام يكون في عدد قليل من أصحابه بحيث يشفق عليهم الناس ، ويتصورون أنهم سيقبض عليهم ويقتلون !
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( إن القائم يهبط من ثنية ذي طوى في عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، حتى يسند ظهره إلى الحجر الأسود ويهز الراية المغلبة . قال علي بن أبي حمزة : فذكرت ذلك لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام فقال : وكتاب منشور ) 5 .
ولا يعني ذلك أنه يعلن ظهوره من ذي طوى مع أصحابه قبل دخوله المسجد ، بل يعني أن مجيئهم إلى مكة يكون من ذي طوى ، أو بداية حركتهم إلى المسجد من هناك .
والراية المغلبة هي راية النبي صلى الله عليه وآله التي ذكرت الروايات أنها تكون معه عليه السلام وأنها لم تنشر بعد حرب الجمل ، حتى ينشرها المهدي عليه السلام .
ومعنى قول الإمام الكاظم عليه السلام في تعليقه على الحديث : ( وكتاب منشور ) أنه يخرج الناس كتاباً منشوراً أيضاً ، ولعله العهد المعهود له بإملاء النبي صلى الله عليه وآله وخط أمير المؤمنين عليه السلام كما تذكر الرواية في نفس المصدر .
وذكرت الروايات أن معه أيضاً مواريث النبي صلى الله عليه وآله ومواريث الأنبياء عليهم السلام . فعن الإمام زين العابدين عليه السلام قال : ( فيهبط من عقبة طوى في ثلاثماية وثلاثة عشر رجلاً ، عدة أهل بدر ، حتى يأتي المسجد الحرام ، فيصلي فيه عند مقام إبراهيم أربع ركعات ويسند ظهره إلى الحجر الأسود ، ثم يحمد الله ويثني عليه ، ويذكر النبي ويصلي عليه ، ثم يتكلم بكلام لم يتكلم به أحد من الناس ، فيكون أول من يضرب على يده ويبايعه جبرئيل وميكائيل ) 6 .
***
وقد ذكرت الروايات فقرات من خطبته عليه السلام ، أو بيانه الأول الذي يلقيه على أهل مكة ، وبيانه الثاني الذي يوجهه إلى المسلمين والعالم .
من ذلك ما في مخطوطة ابن حماد ص 95 ، عن أبي جعفر قال :
( ثم يظهر المهدي عند العشاء ، ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله وقميصه وسيفه ، وعلامات ونور وبيان . فإذا صلى العشاء نادى بأعلى صوته يقول :
أذكِّركم الله أيها الناس ، ومقامكم بين يدي ربكم . فقد اتخذ الحجة وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب ، وأمركم أن لا تشركوا به شيئاً ، وأن تحافظوا على طاعة الله وطاعة رسوله ، وأن تحيوا ما أحيا القرآن وتميتوا ما أمات ن وتكونوا أعواناً على الهدى ، ووزراً على التقوى ، فإن الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها وآذنت بوداع ، فإني أدعوكم إلى الله وإلى رسوله ، والعمل بكتابه ، وإماتة الباطل ، وإحياء سنته . فيظهر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر ، على غير ميعاد ، قزعاً كقزع الخريف ، رهبان بالليل ، أسد بالنهار ، فيفتح الله للمهدي أرض الحجاز ، ويستخرج من كان في السجن من بني هاشم . وتنزل الرايات السود الكوفة ، فتبعث بالبيعة إلى المهدي ، ويبعث المهدي جنوده في الآفاق ، ويميت الجور وأهله ، وتستقيم له البلدان ) .
وقَزَع الخريف : غيومه التي تكون متفرقة في السماء ثم تجتمع . وأول من شبه تجمع أصحاب المهدي عليه السلام بذلك أمير المؤمنين عليه السلام كما في نهج البلاغة خطبة رقم 166 ، ولعله أخذ ذلك من النبي صلى الله عليه وآله .
ويحتمل أن يكون ظهور المهدي عليه السلام وتجمع أصحابه في مكة في فصل الخريف ، أو آخر الصيف كما أشرنا .
وعن أبي خالد الكابلي قال : قال أبو جعفر ( الإمام الباقر عليه السلام ) : ( والله لكأني أنظر إلى القائم وقد أسند ظهره إلى الحجر ، ثم ينشد الله حقه ، ثم يقول : يا أيها الناس : من يحاجني في الله ، فأنا أولى الناس بالله .
أيها الناس : من يحاجني في آدم ، فأنا أولى الناس بآدم .
أيها الناس : من يحاجني في نوح ، فأنا أولى الناس بنوح .
أيها الناس : من يحاجني في إبراهيم ، فأنا أولى الناس بإبراهيم .
أيها الناس : من يحاجني في موسى ، فأنا أولى الناس بموسى .
أيها الناس : من يحاجني في عيسى ، فأنا أولى الناس بعيسى .
أيها الناس : من يحاجني في محمد ، فأنا أولى الناس بمحمد .
أيها الناس : من يحاجني في كتاب الله ، فأنا أولى الناس بكتاب الله .
ثم ينتهي إلى المقام فيصلي ركعتين ) 7 .
وجاء في روايات أخرى بعض الإضافات ، منها أنه يقول :
( يا أيها الناس : إنا نستنصر الله ومن أجابنا من الناس ، وإنا أهل بيت نبيكم محمد صلى الله عليه وآله ونحن أولى الناس بمحمد ، فأنا بقية من آدم ، وذخيرة من نوح ، ومصطفى من إبراهيم ، وصفوة من محمد.
ألا ومن حاجني من سنة رسول الله ، فأنا أولى الناس بسنة رسول الله . فيجمع الله عليه أصحابه ، ثلاثمائة وثلاثة عشر ، ويجمعهم على غير ميعاد . فيبايعونه بين الركن والمقام . ومعه عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله قد توارثته الأبناء عن الآباء ) 8 .
***
وتذكر بعض الروايات أن رجلاً من أصحابه عليه السلام يقف أولاً في المسجد الحرام فيعرفه الناس ، ويدعوهم إلى الإستماع إليه وإجابته ، ثم يقف هو عليه السلام ويلقي خطبته ، فعن الإمام زين العابدين عليه السلام قال : ( فيقوم رجل منه فينادي : يا أيها الناس ، هذا طلبتكم قد جاء كم ، يدعوكم إلى ما دعاكم إليه رسول الله صلى الله عليه وآله . قال فيقومون فيقوم هو بنفسه فيقول : أيها الناس ، أنا فلان بن فلان ابن نبي الله صلى الله عليه وآله ، أدعوكم إلى ما دعاكم إليه نبي الله ، فيقومون إليه ليقتلوه ، فيقوم ثلاث مئة ونيف فيمنعونه ) 5 .
ومعنى رجل منه : أي من نسبه . ومعنى فيقومون : فيقفون ليروا المهدي عليه السلام الذي يهلج الناس بذكره وينتظرونه .ويحتمل أن يكون معناه فيقفون ويأخذون بالإنصراف خوفاً من السلطة . والذين يقومون إليه ليقتلوه لابد أنهم من سلطة الحجاز . والرواية بدقتها تصور حالة المسلمين في التشوق إلى الإمام المهدي عليه السلام وطلبهم له وبحثهم عنه ، وخوفهم من الإرهاب والبطش في نفس الوقت .
وينبغي الإلفات إلى أنه من المستبعد أن يكفي أصحابه الخاصون عليه السلام لتحرير الحرم ومكة في مثل ذلك الجو الشديد الذي تذكره الأحاديث الشريفة ، والذي يكفي أن نعرف منه حادثة قتل النفس الزكية قبل الظهور بأسبوعين بنحو وحشي لمجرد أنه قال أنا رسول المهدي وبلغهم عنه كلمات لذلك لابد أن يكون الإمام المهدي عليه السلام مضافاً إلى ما أعطاه الله تعالى من أسباب غيبية ، قد أعد العدة بالأسباب الطبيعية لكي يتمكن من إلقاء خطبته كاملة ، ثم ليسيطر أصحابه على الحرم الشريف ثم على مكة ، وذلك بواسطة المئات أو الألوف من أنصاره اليمانيين والإيرانيين والحجازيين ، بل من المكيين أنفسهم الذين ذكرت الروايات أنه يبايعه عدد منهم .
فهؤلاء هم القوة البشرية والعسكرية الذين يقومون بالأعمال والمهام المتعددة الضرورية لإنجاح حركته المقدسة ، والإمساك بزمام الأمر في مكة وتحويل التيار الشعبي المؤيد له إلى حالة حركة متكاملة .
ويكون دور أصحابه الخاصين الثلاث مئة وثلاثة عشر دور القادة والموجهين لفعاليات الأنصار .
ولا يعني ذلك أن حركة ظهوره عليه السلام تكون حركة دموية ، فإن الروايات لا تذكر حدوث أي معركة أو قتل في المسجد الحرام ، ولا في مكة .
وقد كنت سمعت من بعض العلماء أن أصحاب المهدي عليه السلام يقتلون إمام المسجد الحرام في تلك الليلة ، لكني لم أجد رواية فيه ، وغاية ما وجدته ما نقله صاحب الزام الناصب رحمه الله في : 2 / 166 ، نقلاً عن بعض العلماء قال : ( وفي اليوم العاشر من المحرم يخرج الحجة ، يدخل المسجد الحرام يسوق أمامه عنيزات ثمان عجاف ( ثماني عجافاً ) ويقتل خطيبهم ، فإذا قتل الخطيب غاب عن الناس في الكعبة فإذا جنَّهُ الليل ليلة السبت صعد سطح الكعبة ونادى أصحابه الثلاثة مائة وثلاثة عشر ، فيجتمعون عنده من مشرق الأرض ومغربها ، فيصبح يوم السبت ويدعو الناس إلى بيعته ) .
ولكن هذا النص ليس رواية ، مضافاً إلى ضعف متنه كما أشرنا .
لهذا ، فإن المرجح أن حركة ظهوره عليه السلام تكون حركة بيضاء لاتسفك فيها دماء ، بسبب الإمداد الغيبي وإلقاء الرعب في قلوب أعدائه ، وبسبب التيار الشعبي الباحث عنه والمتشوق لظهوره . ثم بسبب الخطة المتقنة للسيطرة على الحرم وعلى مراكز السلطة والمواقع الهامة في مكة بدون سفك دماء .
ولا يبعد أن يكون ذلك مقصوداً بعناية منه عليه السلام ، لكي يحفظ حرمة المسجد الحرام ومكة المكرمة وقدسيتها .
يتبع...
تتفاوت الروايات بعض الشئ في كيفية بداية حركة الظهور المبارك ، وفي وقته . لكن المرجح أنه عليه السلام يظهر أولا في أصحابه الخاصين الثلاث مئة وثلاثة عشر ، ويدخلون المسجد فرادى مساء التاسع من محرم ، ويبدأ حركته المقدسة بعد صلاة العشاء ، بتوجيه بيانه إلى أهل مكة ، ثم يسيطر أصحابه وبقية أنصاره في تلك الليلة على الحرم وعلى مكة .
وفي اليوم الثاني ، أي العاشر من محرم يوجه بيانه إلى شعوب العالم بلغاتها ! ثم يبقى في مكة إلى ما بعد آية الخسف بجيش السفياني ، ثم يتوجه إلى المدينة المنورة بجيشه البالغ عشر آلاف ، أو بضعة عشر ألفاً .
وينبغي الإلفات إلى أن الأحاديث الشريفة تسمي حركته عليه السلام من أولها في مكة : ( ظهوراً ، وخروجاً ، وقياماً ) ، ويبدو أنها تعابير مترادفة .
لكن بعض الروايات تفرق بين الظهور والخروج ، فتسمي حركته عليه السلام في مكة ( ظهوراً ) وتحركه منها إلى المدينة ( خروجاً ) وتذكر أن ظهوره في مكة يكون بأصحابه الخاصين ، وخروجه منها إلى المدينة يكون بعد أن يكمل له عشرة آلاف من أنصاره ، بعد أن يخسف بجيش السفياني ، فعن عبد العظيم الحسني رحمه الله قال : ( قلت لمحمد بن علي بن موسى ( الإمام الجواد عليه السلام ) إني لأرجو أن تكون أنت القائم من أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً . فقال : يا أبا القاسم ، ما منا إلا قائم بأمر الله ، وهاد إلى دين الله ، ولست القائم الذي يطهر الله به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملؤها عدلاً وقسطاً وهو الذي يخفى على الناس ولادته ، ويغيب عنهم شخصه ، ويحرم عليهم تسميته ، وهو سمي رسول الله صلى الله عليه وآله وكنيه ، وهو الذي تطوى له الأرض ، ويذل له كل صعب ، يجتمع إليه من أصحابه عدد أهل بدر ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض ، وذلك قول الله عز وجل :﴿ ... أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ 1. فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الأرض أظهر أمره ، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف خرج بإذن الله ، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله تبارك وتعالى . قال عبد العظيم ، قلت له : يا سيدي ، وكيف يعلم أن الله قد رضي ؟ قال : يلقي الله في قلبه الرحمة ) 2 .
وعن الأعمش عن أبي وائل أن أمير المؤمنين عليه السلام نظر إلى ابنه الحسين عليه السلام فقال : ( إن ابني هذا سيد ، كما سماه رسول الله صلى الله عليه وآله سيداً . وسيخرج الله من صلبه رجلاً باسم نبيكم فيشبهه في الخلق والخلق ، يخرج على حين غفلة من الناس ، وإماتة من الحق ، وإظهار من الجور ، والله لو لم يخرج لضرب عنقه ، يفرح لخروجه أهل السماء وسكانها ، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ) 3 .
وقوله عليه السلام : ( لو لم يخرج لضرب عنقه ) يدل على أن أجهزة الأعداء قبيل ظهوره تكشف أمره ، وتكاد تكشف خطته ، بحيث يكون مهدداً بالقتل لو لم يخرج!
وعن إبراهيم الجريري عن أبيه قال : ( النفس الزكية غلام من آل محمد اسمه محمد بن الحسن ، يقتل بلا جرم ولا ذنب ، فإذا قتلوه لم يبق لهم في السماء عاذر ولا في الأرض ، فعند ذلك يبعث الله قائم آل محمد في عصبة لهم أدق في أعين الناس من الكحل ، فإذا خرجوا بكى لهم الناس ، لا يرون إلا أنهم يختطفون يفتح الله لهم مشارق الأرض ومغاربها . ألا وهم المؤمنون حقاً ، ألا إن خير الجهاد في آخر الزمان ) 4 .
وهذا يدل على أن أول ظهوره عليه السلام يكون في عدد قليل من أصحابه بحيث يشفق عليهم الناس ، ويتصورون أنهم سيقبض عليهم ويقتلون !
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( إن القائم يهبط من ثنية ذي طوى في عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، حتى يسند ظهره إلى الحجر الأسود ويهز الراية المغلبة . قال علي بن أبي حمزة : فذكرت ذلك لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام فقال : وكتاب منشور ) 5 .
ولا يعني ذلك أنه يعلن ظهوره من ذي طوى مع أصحابه قبل دخوله المسجد ، بل يعني أن مجيئهم إلى مكة يكون من ذي طوى ، أو بداية حركتهم إلى المسجد من هناك .
والراية المغلبة هي راية النبي صلى الله عليه وآله التي ذكرت الروايات أنها تكون معه عليه السلام وأنها لم تنشر بعد حرب الجمل ، حتى ينشرها المهدي عليه السلام .
ومعنى قول الإمام الكاظم عليه السلام في تعليقه على الحديث : ( وكتاب منشور ) أنه يخرج الناس كتاباً منشوراً أيضاً ، ولعله العهد المعهود له بإملاء النبي صلى الله عليه وآله وخط أمير المؤمنين عليه السلام كما تذكر الرواية في نفس المصدر .
وذكرت الروايات أن معه أيضاً مواريث النبي صلى الله عليه وآله ومواريث الأنبياء عليهم السلام . فعن الإمام زين العابدين عليه السلام قال : ( فيهبط من عقبة طوى في ثلاثماية وثلاثة عشر رجلاً ، عدة أهل بدر ، حتى يأتي المسجد الحرام ، فيصلي فيه عند مقام إبراهيم أربع ركعات ويسند ظهره إلى الحجر الأسود ، ثم يحمد الله ويثني عليه ، ويذكر النبي ويصلي عليه ، ثم يتكلم بكلام لم يتكلم به أحد من الناس ، فيكون أول من يضرب على يده ويبايعه جبرئيل وميكائيل ) 6 .
***
وقد ذكرت الروايات فقرات من خطبته عليه السلام ، أو بيانه الأول الذي يلقيه على أهل مكة ، وبيانه الثاني الذي يوجهه إلى المسلمين والعالم .
من ذلك ما في مخطوطة ابن حماد ص 95 ، عن أبي جعفر قال :
( ثم يظهر المهدي عند العشاء ، ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله وقميصه وسيفه ، وعلامات ونور وبيان . فإذا صلى العشاء نادى بأعلى صوته يقول :
أذكِّركم الله أيها الناس ، ومقامكم بين يدي ربكم . فقد اتخذ الحجة وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب ، وأمركم أن لا تشركوا به شيئاً ، وأن تحافظوا على طاعة الله وطاعة رسوله ، وأن تحيوا ما أحيا القرآن وتميتوا ما أمات ن وتكونوا أعواناً على الهدى ، ووزراً على التقوى ، فإن الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها وآذنت بوداع ، فإني أدعوكم إلى الله وإلى رسوله ، والعمل بكتابه ، وإماتة الباطل ، وإحياء سنته . فيظهر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر ، على غير ميعاد ، قزعاً كقزع الخريف ، رهبان بالليل ، أسد بالنهار ، فيفتح الله للمهدي أرض الحجاز ، ويستخرج من كان في السجن من بني هاشم . وتنزل الرايات السود الكوفة ، فتبعث بالبيعة إلى المهدي ، ويبعث المهدي جنوده في الآفاق ، ويميت الجور وأهله ، وتستقيم له البلدان ) .
وقَزَع الخريف : غيومه التي تكون متفرقة في السماء ثم تجتمع . وأول من شبه تجمع أصحاب المهدي عليه السلام بذلك أمير المؤمنين عليه السلام كما في نهج البلاغة خطبة رقم 166 ، ولعله أخذ ذلك من النبي صلى الله عليه وآله .
ويحتمل أن يكون ظهور المهدي عليه السلام وتجمع أصحابه في مكة في فصل الخريف ، أو آخر الصيف كما أشرنا .
وعن أبي خالد الكابلي قال : قال أبو جعفر ( الإمام الباقر عليه السلام ) : ( والله لكأني أنظر إلى القائم وقد أسند ظهره إلى الحجر ، ثم ينشد الله حقه ، ثم يقول : يا أيها الناس : من يحاجني في الله ، فأنا أولى الناس بالله .
أيها الناس : من يحاجني في آدم ، فأنا أولى الناس بآدم .
أيها الناس : من يحاجني في نوح ، فأنا أولى الناس بنوح .
أيها الناس : من يحاجني في إبراهيم ، فأنا أولى الناس بإبراهيم .
أيها الناس : من يحاجني في موسى ، فأنا أولى الناس بموسى .
أيها الناس : من يحاجني في عيسى ، فأنا أولى الناس بعيسى .
أيها الناس : من يحاجني في محمد ، فأنا أولى الناس بمحمد .
أيها الناس : من يحاجني في كتاب الله ، فأنا أولى الناس بكتاب الله .
ثم ينتهي إلى المقام فيصلي ركعتين ) 7 .
وجاء في روايات أخرى بعض الإضافات ، منها أنه يقول :
( يا أيها الناس : إنا نستنصر الله ومن أجابنا من الناس ، وإنا أهل بيت نبيكم محمد صلى الله عليه وآله ونحن أولى الناس بمحمد ، فأنا بقية من آدم ، وذخيرة من نوح ، ومصطفى من إبراهيم ، وصفوة من محمد.
ألا ومن حاجني من سنة رسول الله ، فأنا أولى الناس بسنة رسول الله . فيجمع الله عليه أصحابه ، ثلاثمائة وثلاثة عشر ، ويجمعهم على غير ميعاد . فيبايعونه بين الركن والمقام . ومعه عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله قد توارثته الأبناء عن الآباء ) 8 .
***
وتذكر بعض الروايات أن رجلاً من أصحابه عليه السلام يقف أولاً في المسجد الحرام فيعرفه الناس ، ويدعوهم إلى الإستماع إليه وإجابته ، ثم يقف هو عليه السلام ويلقي خطبته ، فعن الإمام زين العابدين عليه السلام قال : ( فيقوم رجل منه فينادي : يا أيها الناس ، هذا طلبتكم قد جاء كم ، يدعوكم إلى ما دعاكم إليه رسول الله صلى الله عليه وآله . قال فيقومون فيقوم هو بنفسه فيقول : أيها الناس ، أنا فلان بن فلان ابن نبي الله صلى الله عليه وآله ، أدعوكم إلى ما دعاكم إليه نبي الله ، فيقومون إليه ليقتلوه ، فيقوم ثلاث مئة ونيف فيمنعونه ) 5 .
ومعنى رجل منه : أي من نسبه . ومعنى فيقومون : فيقفون ليروا المهدي عليه السلام الذي يهلج الناس بذكره وينتظرونه .ويحتمل أن يكون معناه فيقفون ويأخذون بالإنصراف خوفاً من السلطة . والذين يقومون إليه ليقتلوه لابد أنهم من سلطة الحجاز . والرواية بدقتها تصور حالة المسلمين في التشوق إلى الإمام المهدي عليه السلام وطلبهم له وبحثهم عنه ، وخوفهم من الإرهاب والبطش في نفس الوقت .
وينبغي الإلفات إلى أنه من المستبعد أن يكفي أصحابه الخاصون عليه السلام لتحرير الحرم ومكة في مثل ذلك الجو الشديد الذي تذكره الأحاديث الشريفة ، والذي يكفي أن نعرف منه حادثة قتل النفس الزكية قبل الظهور بأسبوعين بنحو وحشي لمجرد أنه قال أنا رسول المهدي وبلغهم عنه كلمات لذلك لابد أن يكون الإمام المهدي عليه السلام مضافاً إلى ما أعطاه الله تعالى من أسباب غيبية ، قد أعد العدة بالأسباب الطبيعية لكي يتمكن من إلقاء خطبته كاملة ، ثم ليسيطر أصحابه على الحرم الشريف ثم على مكة ، وذلك بواسطة المئات أو الألوف من أنصاره اليمانيين والإيرانيين والحجازيين ، بل من المكيين أنفسهم الذين ذكرت الروايات أنه يبايعه عدد منهم .
فهؤلاء هم القوة البشرية والعسكرية الذين يقومون بالأعمال والمهام المتعددة الضرورية لإنجاح حركته المقدسة ، والإمساك بزمام الأمر في مكة وتحويل التيار الشعبي المؤيد له إلى حالة حركة متكاملة .
ويكون دور أصحابه الخاصين الثلاث مئة وثلاثة عشر دور القادة والموجهين لفعاليات الأنصار .
ولا يعني ذلك أن حركة ظهوره عليه السلام تكون حركة دموية ، فإن الروايات لا تذكر حدوث أي معركة أو قتل في المسجد الحرام ، ولا في مكة .
وقد كنت سمعت من بعض العلماء أن أصحاب المهدي عليه السلام يقتلون إمام المسجد الحرام في تلك الليلة ، لكني لم أجد رواية فيه ، وغاية ما وجدته ما نقله صاحب الزام الناصب رحمه الله في : 2 / 166 ، نقلاً عن بعض العلماء قال : ( وفي اليوم العاشر من المحرم يخرج الحجة ، يدخل المسجد الحرام يسوق أمامه عنيزات ثمان عجاف ( ثماني عجافاً ) ويقتل خطيبهم ، فإذا قتل الخطيب غاب عن الناس في الكعبة فإذا جنَّهُ الليل ليلة السبت صعد سطح الكعبة ونادى أصحابه الثلاثة مائة وثلاثة عشر ، فيجتمعون عنده من مشرق الأرض ومغربها ، فيصبح يوم السبت ويدعو الناس إلى بيعته ) .
ولكن هذا النص ليس رواية ، مضافاً إلى ضعف متنه كما أشرنا .
لهذا ، فإن المرجح أن حركة ظهوره عليه السلام تكون حركة بيضاء لاتسفك فيها دماء ، بسبب الإمداد الغيبي وإلقاء الرعب في قلوب أعدائه ، وبسبب التيار الشعبي الباحث عنه والمتشوق لظهوره . ثم بسبب الخطة المتقنة للسيطرة على الحرم وعلى مراكز السلطة والمواقع الهامة في مكة بدون سفك دماء .
ولا يبعد أن يكون ذلك مقصوداً بعناية منه عليه السلام ، لكي يحفظ حرمة المسجد الحرام ومكة المكرمة وقدسيتها .
يتبع...
تعليق