إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

جلعاد ! بلسم جلعاد في اليمن

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • جلعاد ! بلسم جلعاد في اليمن


    في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، قام ملك الدنمارك، فردريك الخامس، بإرسال أول بعثة علمية أوروبية إلى بلاد اليمن، والتي كانت تسمى آنذاك بلاد العربية السعيدة.
    تكونت تلك البعثة من 5 من أهم علماء أوروبا في ذلك الوقت، وهم: بيتر فورسكال عالم سويدي في النبات والأحياء، وكارستن نيبور عالم ألماني في الرياضيات والفلك، وكرستيان كرامر طبيب دنماركي وفيزيائي، وجورج بورنفانيد رسام ونحات ألماني، وفون هافن عالم لغويات دنماركي.
    غرض البعثة الدنماركية وهدفها
    طبقاً للرواية الدنماركية التي أوردها ثوركيل هانسن، كان غرض البعثة جمع المعلومات عن النباتات والحيوانات النادرة في اليمن السعيد، وارسال عينات منها (وخصوصا النباتات التي وردت في الكتاب المقدس)، إلى جانب جمع المخطوطات التاريخية ذات القيمة، وارسال نماذج منها. كانت البعثة تسعى لاكتشاف ما تخفيه هذه البلاد التي طالت شهرتها مسامع أوروبا، والتي كانت ماتزال بلاد مغلقة، لا يعرفها الأوروبيين والأجانب.
    سر شجرة البلسم لدى فورسكال
    طبقاً لاحدى المصادر، كانت أحد أهداف هذه الرحلة بالنسبة لعالم النبات السويدي الشهير بيتر فورسكال (كما خطط لها البرفيسور لينيوس) هي اكتشاف المزيد عن النباتات المذكورة في الكتاب المقدس، وتحديداً محاولة التعرف على شجرة تدعى البلسم opobalsamum، أو شجرة بلسم التوراة في جلعاد.
    والتي وردت بناءً على قصص الكتاب المقدس وكتابات العديد من المؤلفين اليونانيين والرومانيين من الجغرافيين والمؤرخين، بمن فيهم جوزيفوس فلافيوس. ولذلك سافر فورسكال إلى اليمن، المعروفة بانها مقر مملكة سبأ التوراتية، على أمل العثور على هذه الشجرة التي انقرضت في يهودا.
    غصن شجرة البلسم القديم – فورسكال
    وبحسب المصدر ذاته، كانت السمات المعروفة التي يمكن أن تساعد في البحث عن الشجرة في اليمن، هي أنها يفوح منها العطر النضح لراتنج صمغ سائل Opobalsamum، وهي الصفات الطبية التقليدية التي اشتهرت شجرة بلسم جلعاد بها.
    وبعد رحلة طويلة ومجهدة، وجد العالم السويدي فورسكال في نهاية المطاف، شجرة صغيرة واحدة تنمو على تلال صخرية جافة في سفوح تهامة في اليمن، والتي تنبعث منها رائحة خاصة عند سحقها. وهي شجرة البلسم الأصلية.
    ويشير بحث علمي حديث، أن شجرة أو نبات البلسم/ البلسمون القديم، تعتبر محفز لموت الخلايا المبرمج لخطوط الخلايا السرطانية، في حين أن معظم العلماء مقتنعون بأن نبات البلسمون القديم، هو في الواقع النبات المعروف في علم النبات الحديث باسم C.gileadensis .
    وبالطبع، لا يمكن الحصول على دليل بنسبة 100%، إلا من خلال العثور على بقايا نبات البلسم القديم، ومقارنتها علمياً بعينة نبات C. gileadensis. لكن لم تعد هذه البقايا موجودة في منطقة البحر الميت.
    صمغ رانتج الذي تفرزه شجرة البلسم – الصورة: Shelef Orenشجرة البلسم في اليمن
    تاريخياً، توجد العديد من الاستشهادات التي تدعم حقيقة أن شجرة البسلم او البلسمون تم إحضارها بالفعل إلى أراض بني إسرائيل (فلسطين) من اليمن من قبل ملكة سبأ.
    حيث كتب المؤرخ اليهودي يوسف بن ماتيتياهو (تيتوس جوزيفوس فلافيوس)، الذي روج للإمبراطورية الرومانية في القرن الأول الميلادي، عن ملكة سبأ: “يقول البعض أن نبات البلسمون الذي يزرع في أرضنا اليوم، ينبغي أن ننسب إليه شكرا لهذه المرأة”.
    البلسمون أو شجرة البلسم في التوارة – الصورة: jerichovalley
    وتقول احدى المصادر أن ملكة سبأ أحضرت البلسم للملك سليمان. حيث نُشر في العام 2010 مقال علمي كتبه الباحث الفرنسي أندريه لومير. وهو يصف لوحة نحاسية اكتشفت مؤخرًا في اليمن، مع نقش بالخط القديم لمنطقة شبه الجزيرة العربية الجنوبية.
    ويعود تاريخ اللوحة المكونة من 25 سطرًا إلى عام 600 قبل الميلاد وقد كتبها “صباحهمو”، كاتب في بلاط ملك سبأ. تخبر اللوحة، من بين أشياء أخرى، أن وفداً من التجار من مملكة سبأ ذهبوا في رحلة عمل إلى يهودا. وتدعم هذه اللوحة بقوة القصة التوراتية التي تؤكد وجود تجارة كبيرة بالفعل بين مملكة سبأ ومملكة إسرائيل (مراجعة الآثار الكتابية – يناير/ فبراير 2010، ص 55).
    ميناء المخاء كما رسمته البعثة الدنماركية 1762 – كارستن نيبوروصول البعثة الدنماركية الى المخاء
    وصلت البعثة العلمية الدنماركية الى ميناء المخاء الشهير في اليمن، في 24 ابريل من العام 1762، بعد أن مرت على أوروبا ومصر، وجدة، وصولاً الى ميناء المخاء ومدينة “اللحية”. وبدأ حينها فريق البعثة باكتشاف المناطق، وتدوين الملاحظات بناءاً على الاختصاصات.
    وبدأ فريق البعثة العلمية الدنماركية، برئاسة كارستن نيبور، باكتشاف ومسح منطقة تهامة، حيث قام نيبور بجولاته الدراسية في معظم مناطق تهامة. وكان أكبر انجاز صنعه نيبور هو أنه وضع أول خريطة جغرافية لليمن في العام 1763، ويقول نيبور في مذكراته ” لقد وضعت خريطة اساسية لليمن”. وتعد تلك الخريطة بمقياس اليوم خريطة شبه دقيقة رغم بدائية الأدوات التي استخدمها نيبور لقياس المسافات والاحداثيات.
    بيتر فورسكال سنة 1760 – Peter Forsskaal / الصورة: Wikimedia

    فورسكال يعلن اكتشاف شجرة البلسم
    كانت البعثة قد استقرت طيلة 6 أشهر في مدينة “بيت الفقيه” التابعة لمحافظة الحديدة على الساحل اليمني في البحر الأحمر، وكانت بيت الفقية كما وصفها نيبور في مذكراته، بأنها مركز تنقلات افراد البعثة. حيث يغادرون منها الى استكشاف مناطق تلال أشجار البن والقهوة اليمنية، التي تقع على بعد يوم كامل الى الشرق من بيت الفقيه. والى مناطق حولها.

    وفي 26 مارس/آذار 1763، غادرت البعثة الدنماركية من مدينة بيت الفقيه الى صوب مدينة تعز، جنوب غرب اليمن. عابرة من طريق وعر ومهجور ومارين بمناطق “العدين” و”جبلة”. وفي ذلك الطريق بدأ عالم النبات فورسكال بجمع النباتات التي كان يشاهدها في الطريق.
    يروي المؤرخ الدنماركي ثوركيل هانسن، في كتابه “من كوبنهاجن الى صنعاء” الذي يوثق رحلة البعثة الدنماركية، تفاصيل دقيقة من مذكرات فورسكال التي دونها في اليمن، والتي تبين اهم إنجازاته العلمية في اليمن، وفي ذلك الجزء، يسرد هانسن قصة أهم لاكتشاف نباتي حققه فورسكال على النحو التالي:
    ” كانت كل الحوادث عادية، عدا ذلك الأمر الذي حدث في ظهيرة الرابع من نيسان/أبريل 1763، حين كان فورسكال، ومعه نيبور، يسيران في طريق عودتهما من جبلة وتعز الى بيت الفقيه، فبينما كانا في طريقهما، راكبين حماريهما جنباً الى جنب، في صمت وذهول بسبب حرارة الشمس، وبينما لم يكونا يسمعا الا وقع حوافر الحمارين على الطريق الصخري؛ فجأة لمحَ فورسكال، لمعاناً غريباً على بعد مسافة أمامهما، واستطاع أن يعرف مصدر ذلك اللمعان بعد عدة دقائق من المسير، ففي أحدى التلال القريبة من الطريق، كانت تنتصب شجرة متفتحة الأزهار، اتجه إليها فورسكال بمفرده بعد أن نزل من ظهر حماره؛ وقبل أن يصل اليها التفت الى نيبور وصرخ بصوت مثير، دفع نيبور ايضاً الى الإسراع نحو الشجرة. واجتاح السرور قلب فورسكال، وهما يشاهدان أعظم اكتشاف نباتي كانا يأملان الحصول عليه في كل رحلتهم الى اليمن.
    لقد وجدوا أخيراً: شجرة البلسم الأصلية في اليمن، وبينما كان نيبور يربط الحمارين، كان فورسكال يصف تفتح ازهار هذه الشجرة الثمينة بعد أن جلس في ظل أحد الأشجار، وبيده غصن من أغصان هذه الشجرة. وكان وصف فورسكال لهذه العينات مفصلاً ومكتوباً بعناية، الأمر الذي مكن الخبراء فيما بعد من التعرف عليها بسهولة.
    مدينة تعز كما رسمتها البعثة الدنماركية سنة 1762 – نيبور
    تمعن فورسكال في وصف شجرة البلسم الاصلية، واحتفظ بإحدى غصونها المزهرة، وحين عاد الى مدينة بيت الفقيه، كان أول عمل قام به: ارسال تقرير عن هذا الاكتشاف الى البروفيسور لينوس في جامعة أوبسالا في السويد، والذي أعرب عن أمله في أن ينجح فورسكال في أن يرسل اليه غصناً من شجرة البلسم الأصلية المزهرة، حتى يكون في استطاعته القيام بفحصه، ووصف طبائع وخصائص هذا النوع من النبات.
    تقرير فورسكال عن شجرة البلسم
    في 18 نيسان/ابريل من العام 1763، كتب عالم الأحياء السويدي فورسكال، من مكان اقامته في بيت الفقيه، تقريراً إلى البروفيسور لينوس في جامعة أوبسالا السويدية، وأرفق برسالته هذه ساقاً من هذه شجرة البلسم opobalsamum التي وجدها.
    تجاهل فورسكال في عمله هذا، أوامر المنع الذي صدرت من الحكومة الدنماركية، وقال في رسالته:
    “أني اعرف الآن نوع شجرة البلسم الاصلية فهي تنمو في اليمن، لكن السكان هنا لا يعرفون كيف يجمعون البلسم منها، إني لا أستطيع أن أسجل اكتشافاتي في رسائل خاصة، غير ان ما يمكنني قوله هو أن هذه الشجرة ليست Pistac وليست Lenticus. ولكنها من نوع Brown’s Genera.”.

    ” لقد جمعت أيضاً عدداً لا يصدق من النباتات الأميركية والهندية ونباتات أخرى جديدة وجدتها في اليمن. لكن ليس من المسموح أن اسجلها في قوائم منفصلة عن بعضها البعض، وعلى أي حال سوف تظهر هذه الاكتشافات الى الوجود إذا وهبني الله طول العمر والصحة، وفي الحقيقة يستحق هذا البلد السعيد حقاً أن ترسل الية بعثة زراعية خاصة، ويجب التمسك بأن يكون ارسال هذه البعثة على شرف البروفسور ميشاليس في كونتجن. وإذا لم يطل بي العمر حتى اناقش معك ما جمعته من نباتات في اليمن، فسوف أخسر، ويخسر العلم معي عندئذ أكثر مما يمكن أن تتصور”. التوقيع: فورسكال.

    لقد استغرق وصول هذه الرسالة سنة كاملة، ومنذ أن أرسلت الى لينوس مع الساق المزهر المقطوع من شجرة قرب Qude حتى وصولها الى جامعة أوبسالا في السويد. وخلال هذا الوقت الطويل كان كل شيء قد تغير.
    كارستن نيبور بالملابس اليمنية في صنعاء 1763 – نيبور
    ولأول مرة كان البرفيسور لينوس قادراً على دراسة شجرة البلسم الأصلية، لكن هذا لم يكن الا شكلاً على ما يبدو، فقد كانت الزهور ذابلة.
    في اليوم الثاني لتسلمه رسالة فورسكال من بيت الفقيه، وصف البروفسور لينوس محتوياتها المثيرة في رسالة بعث بها الى عالم الفلك وارجانتين، جاء فيها قوله التالي: ” البارحة تسلمت رسالة من فورسكال، من مملكة الأموات”.
    وعلى عكس ما ظنه لينوس، فقط كان اكتشاف فورسكال لشجرة البلسم تتويجاً لنشاطات البعثة الدنماركية في اليمن السعيد. وكان السكان في كل مكان في هذه البلاد ودودين، وعلى استعداد لتقديم المساعدة والعون، كما سادت روح المودة بين جميع أعضاء البعثة. ولم يكن لعملهم من قبل مثل هذه النتائج الباهرة، ولم تكن توقعات المستقبل بمثل هذا الجمال. (هانسن، ص 240 – 243)
    تلال القهوة اليمنية كما رسمها نيبور سنة 1762موت فورسكال في يريم


    بعد 3 أشهر من هذا الاكتشاف لشجرة البلسم، وتحديداً في يوم 11 يوليو 1763، توفي عالم النبات السويدي بيتر فورسكال متأثراً بمرض الملاريا، في مدينة يريم (وسط اليمن) في أثناء طريقة من تعز الى ذمار.

    تم دفن جثة فورسكال في أحد مقابر اليهود في مدينة يريم. كما توفي كل علماء البعثة في اليمن بسبب الحمى والملاريا ونجا كارستين نيبور لوحده وخرج حياً من اليمن وعاد الى الدنمارك.
    تمكن فورسكال من جمع 693 نوعًا مختلفًا من النباتات من اليمن لوحدها، وهي أكثر من نصف الأنواع الجديدة في العلوم. كما قام بتدوين ملاحظات مستفيضة على الموائل والتوزيعات النباتية في اليمن.
    2000 نوع من النبات جمعها فورسكال
    تمكن فورسكال من جمع 693 نوعًا مختلفًا من النباتات من اليمن لوحدها، وهي أكثر من نصف الأنواع الجديدة في العلوم. كما قام بتدوين ملاحظات مستفيضة على الموائل والتوزيعات النباتية في اليمن.
    وطبقاً للمؤلف الدنماركي هانسن، أرسل فورسكال ثروة علمية من البلدان التي زارها في رحلته من الدنمارك الى اليمن، حيث ارسل قرابة 2000 الفين مجموعة منفصلة من البذور، وأرسلها الى 6 جامعات أوروبية.

    وحين وصلت البذور الى جامعة أوبسالا في السويد، قام البرفسور لينوس ببذر وعرس بذور فورسكال، ونجح في الحصول على ما لا يقل عن 80 نباتا نامياً. وفي جامعة كوبنهاجن بالدنمارك، وصلت بذور فورسكال وقام البرفسور أودور بزراعة البذور في حديقة النباتات الخاصة في كوبنهاجن، ومجمل ما حصل عليه من الإنتاج 230 نباتاً.
    لكن هذه البذور الأخيرة كانت من التي أرسلت القسطنطينية والقاهرة فقط. اما الشحنات المرسلة من اليمن ظلت مغلقة لسنوات طويلة ولاقت الإهمال، نظرا لتغير الحكم في الدنمارك وتغير الاهتمامات.
    وبعد مضي 170 سنة من موت فورسكال في اليمن، تم تشكيل مجموعة اعشاب فورسكال وقد سميت باسم “المجموعة الفورسكالية” وأصبح لهذه المجموعة فيما بعد أهمية تاريخية كبرى. وبعد 200 سنة اتى علماء النبات وعلماء الحيوان من جميع انحاء العالم لينحنوا فوق بقية “المحصول” الذي ارسله فورسكال، تقديرا واكبارا.
    * المصادر والمراجع:
    – توركيل هانس، “من كوبنهاجن الى صنعاء” قصة البعثة العلمية الأوروبية الى اليمن، مركز الدراسات والبحوث اليمني، دار العودة، بيروت، الطبعة الأولى، 1982


    .............
    .......................

    1-ارض جلعاد في الاردن اليوم , اذا كان كذلك فلماذا نبات البلسم الذي ينبت في اليمن يسمى بلسم جلعاد ؟؟
    ولماذا البعثة الدنماركية ذهبت الى اليمن ولم تذهب الى الاردن للبحث عن بلسم جلعاد ؟
    هناك اجوبة قابلة للنفي ,
    الخلاصة ان اسم جلعاد في اليمن يفتح بابا للتأمل في اصل تسمية منطقة جلعاد في الاردن اليوم

    2- لماذا البعثة الدنماركية التي كانت تبحث عن النباتات التي وردت في الكتاب المقدس
    ذهبت الى اليمن ؟ ولم تذهب الى فلسطين ؟؟
    هذا باب آخر للتأمل
    التعديل الأخير تم بواسطة مروان1400; الساعة 01-07-2021, 01:50 AM.

  • #2


    الانجيليون البريطانيون وارض الميعاد .. د. امين محمود

    19-06-2021, 20:49 أرض جلعاد, لورانس أوليفانت




    موقع إضاءات الإخباري


    اصدر اوليفانت عام 1880 كتابة "ارض جلعاد" الذي ضمنه آراءه وأفكاره بخصوص مسألة توطين اليهود في شرق الاردن شمال البحر الميت في المنطقة المسماة جلعاد في السلط.
    شهدت بريطانيا خلال القرن التاسع عشر انطلاق حركة دينية نشطة تمثلت بالصحوة الانجيلية البيوريتانية "المتهودة"، والتي تعتبر من اشد اشكال البروتستانتية تطرفا، وقد اولتها الملكة فكتوريا خلال القرن التاسع عشر رعايتها المطلقة بحيث اصبحت تشكل العقيدة الرسمية لغالبية البريطانيين ، كما قامت الملكة البريطانية بتوظيف هذه الصحوة الدينية لأهداف تتضمن خدمة السياسات التوسعية الاستعمارية لبلدها وذلك من خلال دعم وترويج الاسطورة الدينية التي يقال ان التوراة قد تنبأت بها ، والتي تدور حول مجيء المسيح من جديد في نهاية الزمان ليحكم العالم ايذانا ببدء الألفية السعيدة حسبما جاء في سفر دانيال ( العهد القديم ) ورؤيا يوحنا (العهد الجديد ) ، وبموجب هذه الأسطورة فان لليهود دورا مركزيا في الخطة الالهية لنهاية العالم التي تتضمن ضرورة عودة اليهود الى ارض الميعاد ، الارض المقدسة ، و " اعادة " بناء هيكلهم المزعوم مكان الصخرة المشرفة وذلك تمهيدا لقدوم المسيح . وهكذا بعد ان كانت انجلترا لا تسمح بوجود قانوني لليهود حاءت الملكة فكتوريا وادعت ان الرب قد اختارها لأداء مهمة مقدسة في بعث اليهود وقيادتهم الى أرض الميعاد وقد وصف الميشر البريطاني ، اللورد شافتسبوري أرض الميعاد التي تشمل فلسطين وما جاورها من الاراضي العربية المأهولة بالسكان بانها أراض قاحلة جرداء تكاد تخلو من قاطنيها البشر ، وأطلق جملته التي تبنتها ورددتها السرديات الصهيونية المتلاحقة: "ارض بلا شعب لشعب بلا ارض " ، وادعى هذا المبشر البريطاني أن اليهود هم الشعب الذي وهبه الرب حق استيطان تلك الارض ، حيث أنه يشكل حجر الزاوية في الخطة الالهية لتحقيق الحلم المسيحي في الخلاص الأبدي . وقد اطلق على مروجي هذه المعتقد الديني من الانجيليين البيوريتانيين في بريطانيا "المسيحيون المتهودون " او " الصهاينة المسيحيون " ، وهم سبقوا بظهورهم ظهور الصهيونية اليهودية التي يعود تاريخها فقط الى مؤتمر بال عام 1897 . ,وهكذا فاننا نجد ان أي تفسير منطقي للانحياز البريطاني او الغربي عموما بما فيه الامريكي للصهيونية واسرائيل يتجاوز التفسير المتداول لدينا بانه يكمن بقوة اليهود الذين يحكمون الدول الغربية بمجملها . ان هذا الانحياز هو انحياز اساسه – كما يقول رضا هلال – اساس لاهوتي وثقافي وليس مجرد انحياز استراتيجي أو مجرد انحياز بتأثير اللوبي اليهودي ( رضا هلال ، المسيح ونهاية العالم ، ص 13 ) ، ففي امريكا على سبيل المثال يشكل الانجيليون ما نسبته 25%- 30% من مجموع السكان في حين لا يشكل اليهود سوى 2،5% من مجموع السكان ، كما نجد حجم الدعم لاسرائيل في ولايات الوسط الغربي لامريكا غاية في القوة رغم ان نسبة اليهود فيها ضئيلة جدا .
    واذا ما عدنا الى الحركة الاتجيلية في بريطانيا فاننا نجد واحدا من أبرز الشخصيات الانجيلية البريطانية التي تعاطفت مع مشاريع الاستيطان اليهودي وهو لورانس اوليفانت 1839-1888 الذي نشأ وتربى في أسرة اسكتلندية عريقة لابوين انجيليين غيورين على عقيدتهم الدينية لدرجة التطرف ، وتركت فيه هذه التنشئة أُثرا كبيرا جعلته شديد الايمان بالاسطورة الدينية التي كانت تروج لها الحركة الانجيلية وخاصة فيما يتعلق بضرورة رحيل اليهود الى ارض الميعاد تمهيدا لتحقيق حلمها الديني بالعودة الثانية للمسيح والتي اصبحت مشروعا سياسيا تتبناه بريطانيا بهدف تحويل هذه الاسطورة الدينية الى واقع عملي لكيان يهودي سياسي . .
    وقد تمكن اوليفانت خلال عمله في السلك الدبلوماسي البريطاني وعضويته في البرلمان البريطاني من اقامة علاقات حميمية مع دوائر النفوذ السياسي في بريطانيا الامر الذي ساعده على استغلال هذه العلاقات لكسب دعم وتأييد دول التحالف الاوروبي المجتمعة في مؤتمر برلين عام 1878 وذلك لمشروعه الرامي الى اقامة مستعمرات يهودية في فلسطين واذا تعذر ذلك ففي اي منطقة أخرى من المناطق الواقعة جنوب سوريا والخالية من السكان - على حد تعبيره – وذلك بحجة ايواء المهجرين اليهود من روسيا واوروبا الشرقية شريطة ان يتم ذلك بشكل تدريجي تحت الحماية البريطانية ، ثم يمنح اليهود في النهاية حكما ذاتيا تحت حماية بريطانيا العظمى . ( Norman Bentwitch , Forerunners of Zionism Era , p. 210 )وقد قامت بريطانيا باتباع شتى الطرق الدبلوماسية واستخدمت جميع وسائل الضغط المتوفرة لديها من أجل اقناع السلطان العثماني بالموافقة على مشروع اوليفانت الاستيطاني على أن تقتصر اقامته في البداية على جزء من أرض الميعاد التي عرفت باسم ارض جلعاد .
    وجلعاد اسم كان يطلق قديما على الكتلة الجبلية الممتدة من نهر اليرموك شمالا الى نهر الزرقاء جنوبا والى شفا الغور غربا وخط سكة حديد الحجاز شرقا ، وهي حاليا تقع ضمن محافظتي عجلون والبلقاء . اما يالنسبة لارض الميعاد في المعتقد الانجيلي فهي الارض المقدسة التي وهبها الرب لليهود دون غيرهم بصفتهم " شعب الله المختار " ، والواقعة بين نهري النيل والفرات شاملة الجزء الشرقي من مصر اضافة الى شبه جزيرة سيناء وشمال غرب الجزيرة العربية بما فيها نافذة على الخليج اضافة الى فلسطين والاردن والاجزاء الجنوبية من العراق وسوربا بما فيها لبنان .
    وقد حاول اوليفانت من جانبه كسب دعم وتأييد العثمانيين لمشروعه الاستيطاني ، فتظاهر بالاهتمام المتزايد والحرص الشديد على سيادة الدولة العثمانية ومناديا بضرورة العمل على انقاذها من مشاكلها المستعصية كي يتسنى لها القدرة على التصدي لتهديدات عدوتها التقليدية ، روسيا القيصرية . وقد لجأ اوليفانت الى تحذير دول التحالف الاوروبي من مغبة الاطماع الروسية في الأجزاء الاّسيوية من الدولة العثمانية ، مدعيا ان أطماعها تصاعدت لاحتلال ارمينيا وكردستان وقد تصل هذه الأطماع ي النهاية الى فلسطين التي كانت تشكل بمركزها الديني والاستراتيجي مصدر اغراء كبير بالنسبة للمطامع التوسعية الروسية بحجة حماية المسيحيين الارثوذوكس في الاراضي المقدسة اعتمادا على الحق الذي انتزعته روسيا بهذا الشأن من العثمانيين في عهد كاترين الثانية بمقتضى معاهدة كجق قينارجة عام 1774 . ومن اجل انقاذ الدولة العثمانية من هذه الاخطار الروسية المحدقة بها اقترح اوليفانت على السلطان العثماني منح اليهود عقد امتياز لمدة لا تقل عن خمسة وعشرين عاما يتم بموجبه اقامة كيان سياسي يهودي في منطقة جلعاد على شكل حكم ذاتي تحت السيادة العثمانية مقابل قيام المنظمات اليهودية بتدعيم أوضاع الدولة العثمانية المتداعية كي تتمكن من مواحهة التهديدات والتحديات التي تعترضها سواء ما كان منها على الصعيد المالي او الصعيد السياسي ، اضافة الى قيام هذه المنظمات باستغلال علاقاتها الوثيقة مع الدول الغربية وخاصة بريطانيا لتوفير الحماية لها بعد ان أصبحت اضافة الى الاطماع الروسية محط أطماع العديد من الدول والقوى العالمية الأخرى.
    وقد نجح اوليفانت في مقابلة السلطان عبد الحميد حيث حاول اقناعه بانشاء شركة استيطان يهودية " لاعادة اليهود الى فلسطين " بحيث تتمتع هذه الشركة بحماية كل من الدولة العثمانية والحكومة البريطانية . وكان مما قاله في هذا الصدد : " ... ان الامة التي تقف الى جانب اليهود وتدعم مسألة عودتهم الى فلسطين ستكسب دعمهم في المجالات المالية ، وتأييدهم على الصعيد الاعلامي في مختلف بلدان العالم . وبالاضافة الى ذلك فان اليهود سيقدمون لهذه الأمة كل دعم ممكن في الجانب السياسي ويعاضدونها ضد اية دولة معادية " . الا ان مهمته قوبلت بالرفض من السلطان عبد الحميد ولم يستجب لطلبه .
    وقد اصدر اوليفانت عام 1880 كتابه" ارض جلعاد " الذي ضمنه اّراءه وأفكاره بخصوص مسألة توطين اليهود في شرق الاردن شمال البحر الميت في المنطقة المسماة جلعاد اضافة بالطبع الى فلسطين ، كما ضمنه أيضا اّراءه حول نوعية العلاقات التي سيقيمها هؤلاء المستوطنون مع كل من العثمانيين والعرب . ولعله من المناسب التوقف هنا للتعرض للموقف الذي كان يتبناه اوليفانت والعديد من مجموعته الانجيلية تجاه العرب . فالعرب في نظرهم يتصفون" بالهمجية والوحشية" و "غير جديرين باي معاملة انسانية فهم يتحملون مسؤولية الخراب والدمار الذي لحق بفلسطين وهم السبب في تدني مستواها وانحطاطه الى هذا الحد "، وقد كان العرب في نظر اوليفانت فئتين : بدو وفلاحين ، ودعا الى طرد البدو من فلسطين والاردن "ليعودوا رعاة كما كانوا في الواحات الصحراوية وهم ليسوا بحاجة الى اكثر من ابلهم ومواشيهم لتسد اودهم " . اما بالنسبة للفلاحين فقد اقترح وضعهم في جيتوات كتلك التي عاشها غالبية اليهود في اوروبا الشرقية او في معسكرات كتلك التي اقامها المستوطنون الغربيون للهنود الحمر ، سكان البلاد الأصليين ، ويتم استخدامهم واستعبادهم كما كان عليه حال الأفارقة السود في امريكا او كعمالة رخيصة تحت اشراف اليهود .
    وقد انتهى مشروع اوليفانت بوفاته في حيفا عام 1888 بعد ان استقر فيها بنهاية المطاف وعاش فيها برفقة مساعده نافتالي مؤلف النشيد الذي اتخذته اسرائيل فيما بعد نشيدا وطنيا لها .
    المصدر: صفحة الصديق ابراهيم ابو عتيله
    يتضح مما تقدم ان صهيونية اوليفانت ومجموعته الانجيلية كانت واضحة وسباقة لصهيونية هرتزل نفسه، ولا شك أنهم قاموا بدور كبير في اثارة اهتمام العالم الغربي وتعاطفه بالمسالة اليهودية وتوجيه انظار اليهود وتعزيوها صوب احتلال الارض التي اسموها " ارض الميعاد " والتي ايتدأت باحتلال فلسطين ولا يزال المسعى قائما لاحتلال المزيد من الاراضي العربية لاستكمال مكونات ارض ميعادهم .


    ..................................

    المقال اعلاه قد يبدو انه لادخل بالموضوع , ولكن تحت اسم جلعاد قامت البعثات التبشيرية (المسيحية اليهودية)
    بالتمهيد لهجرة اليهود نحو فلسطين تحت اسم ارض جلعاد !!
    في المقال بالمشاركة الاولى ( جلعاد) في اليمن وبعثات البحث عن النباتات التي في التوراة تذهب الى اليمن !
    وبعدها بسنوات تتحول جلعاد الى ارض ميعاد اليهود في فلسطين , للتأمل

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

    يعمل...
    X