إن الرؤية الإسلامية للكون و الحياة و الإنسان هي نفس الرؤية التي قامت على أساسها دعوة الأنبياء بصورة عامة بيد أن هذه الرؤية تجلَّت في دعوة النبي المصطفى محمد ( صلى الله عليه وآله ) بصورة أوضح ، و هذه الرؤية قائمة على الأسس التالية :
1. إن لهذا الكون خالقا عالما حكيما و مدبرا خلق الكون بما فيه و أوجده من العدم ، و هذا الخالق هو الله الذي لا إله إلا هو .
يقول الله تعالى :
﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ 1
﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ 2
﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ 3
2. إن الله تعالى رسم للإنسان منهج حياته و عرّفه ما يُصلح شأنه و دلّه على ذلك بواسطة الأنبياء و المرسلين الذين هم أنوار الهداية و مصابيح الدُجى ، و هذا المنهج هو الكفيل بإسعاد النوع الإنساني في الحياة الدنيا و الأخرى على حدّ سواء إذا ما سار عليه الإنسان و التزم بتعاليم الأنبياء .
يقول الله عزَّ وَ جلَّ :
﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ 4
﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ 5
3. إن الإنسان لم يخُلق عبثا و لم يترك سُدى ، بل إن وراء خلقه هدف و حكمة ، و هو مراقَبٌ في كل حركاته و سكناته من قبل رب العالمين ، و مسئول عن أعماله و أفعاله أمام الله عزَّ وَ جلَّ ، فيُثاب على الحَسن منها ، كما و يعاقب على السيئ منها .
يقول عزَّ مِنْ قائل :
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ 6
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ﴾ 7
4. إن الإنسان لا يتلاشى و لا ينتهي بالموت ، بل إن حياته سوف تتجدد مرة أخرى في عالم آخر يلي هذا العالم يُسمى بعالم الآخرة ، فيُحيى فيها و يحاسب على أعماله ، فيثاب أو يعاقب حسب ما قدمه من أعمال فترة حياته في عالم الدنيا .
يقول الله جلَّ جلاله :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ ﴾ 8
﴿ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ 9
﴿ إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ﴾ 10
ميزات الرؤية الإسلامية تجاه الكون و الحياة و الإنسان :
ثم إن الرؤية الإسلامية للكون و الحياة و الإنسان تمتاز عن سواها من الرؤى الأخرى بالميزات التالية :
1. إبتناء الرؤية الإسلامية على أساس الواقعية ، فالكون و الحياة و الإنسان و كل ما في هذا الوجود تعتبرها هذه الرؤية موجودات حقيقية و واقعية ، و ليس ما نعيشه اليوم خيالا و تصورا كما توهم ذلك بعض الفلاسفة الخياليين ، فنحن ـ مثلا ـ عندما نجوع نجوع حقا ، و عندما نأكل نأكل حقا ، لا أننا نتصور الجوع و الأكل ، و هكذا ، و هذا مما تقبله الفطرة الإنسانية و يرتاح اليه الوجدان الإنساني السليم .
2. إن الرؤية الإسلامية تعطي للإنسان قيمة أساسية و محورية في هذه الحياة ، و تعتبره المحور الأساسي لسائر المخلوقات و الذي خلق الله سبحانه و تعالى سائر المخلوقات من أجله ، و تُقلّده وِسام أشرف المخلوقات ، و تعتبره خليفة الله في الأرض .
تعليق