
الشيخ علي الفياض
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين سيّما إمام زماننا الإمام المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) قائد الدولة المباركة.
يلعب العامل الاقتصادي دوراً مهماً في حياة الفرد والمجتمع ولا يقل أهمية عن العامل السياسي، وأحد أسباب سعادة الإنسان أن يتم تأمين غذائه ومسكنه وملبسه وعمله بشكل لا يصاحبه القلق من العوز والفقر والحاجة.
وهذا الأمر تعدنا السماء بتحققه في المستقبل الزاهر وتبشرنا النصوص الوحيانية بإتمامه على أحسن وجه في دولة كاملة كريمة تحت راية الإمام المعصوم (عجَّل الله فرجه).
وهذا البحث محاولة لرسم صورة من صور الاقتصاد المستقبلي للدولة المباركة من خلال تحليل النصوص الشريفة حيث يبلغ الازدهار أوجَّه في جميع بقاع العالم.
إنّ التطور والنمو والازدهار الاقتصادي في دولة التوحيد له مميزات وخصائص حاولنا الوقوف عليها واختصرناها في مباحث أربعة كان الأول في القضاء على الفقر وكيف أن الإمام (عجَّل الله فرجه) يستطيع فعل ذلك، وأمّا المبحث الثاني فكان عرضاً مجملاً لظاهرة العمران الحضاري في دولته الشريفة، وأمّا المبحث الثالث فتعرضنا فيه إلى وجود البركات الإلهية في دولة التوحيد، وكان المبحث الرابع في التوزيع العادل للثروات.
وأنهينا البحث بخاتمة تحتوي على نتائجه، ومن الله نستمد العون والتوفيق ونسأل الله أن يتقبل هذا القليل ويعّجل في فرج المولى (روحي فداه).
تمهيد:
تتنوع البحوث في مجال العقيدة المهدوية لتشمل جميع ما يرتبط بشؤون الفرد والمجتمع، ولا شك أن من أهم المجالات التي ينبغي الخوض فيها هو البحث في المجال الاقتصادي على مستوى المذهب الاقتصادي والنظرية الاقتصادية بشقيها الجزئي والكلي والسياسات المستخدمة في الإدارة والنفقات.
على أن البحث في العقيدة المهدوية يمكن أن يشتمل على معالجات للمشاكل الاقتصادية في زمن الغيبة الكبرى وأيضاً يمكن أن يكون البحث عن مميزات وخصائص الحكومة المهدوية في الجانب الاقتصادي.
ونقصر البحث هنا على مميزات وخصائص الاقتصاد في دولة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وكيف يقوم القائد بتطبيق السياسات الاقتصادية الناجحة في إدارة المجتمع بإلهام وتسديد من السماء.
السياسات الاقتصادية:
إن تحليل النصوص الاقتصادية للظهور ودراسة السياسات الاقتصادية التي ينفذها الإمام (عجَّل الله فرجه) يُعد محوراً أساسياً للعقيدة المهدوية ليس فقط على مستوى التنظير بل على مستوى التطبيق أيضاً.
ونرى أن إبراز القوة الاقتصادية والنمو والازدهار والتطور الاقتصادي في دولته (عجَّل الله فرجه) مسألة مهمة، خصوصاً في وقتنا الحاضر وما نعيشه من مناخ التدهور الاقتصادي والأزمات المالية الخانقة وفشل النظريات الاقتصادية من شيوعية ورأسمالية وغيرها، وتأثر البعض بما تطرحه وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي إلى درجة أصبح الشاب المسلم يأخذ ثقافته وأفكاره مما تطرحه هذه الوسائل ولا يميز الغث من السمين.
إن رجوع المسلم إلى مبادئ الإسلام وإلى حضارة التوحيد التي عمل على ترسيخها الأئمة المعصومون (عليهم السلام) هو الحل الأمثل لنجاح الفرد والمجتمع في دار الدنيا وفي الآخرة.
خصائص الازدهار الاقتصادي في الدولة المهدوية:
لا شك أن النظام الاقتصادي الجديد في الدولة المهدوية له خصائص ومميزات تنتج من التطبيقات التي سوف يقوم بها القائد المعصوم على جميع بقاع الأرض، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ (التوبة: ٣٣ - الصف: ٩).
رغم وجود ثلاث تجارب تاريخية معصومية في إدارة اقتصاد الدولة متمثلة بحكومة المدينة المنورة للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وحكومة الكوفة لأمير المؤمنين (عليه السلام) وأيضاً فترة قصيرة من حكومة الإمام الحسن (عليه السلام)، إلّا أن الإدارة الاقتصادية والسياسية للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ستشمل جميع أنحاء الأرض حتى تصل حكومته وعدله إلى آخر قرية من قرى العالم المترامية الأطراف.
إن مكافحة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لظاهرة الفقر المستشرية في المجتمع تكون ضمن أولويات برنامجه الاقتصادي إضافة إلى بقية الآليات التي يستخدمها الإمام (عجَّل الله فرجه) في تنمية الدولة اقتصادياً، وسوف نبحث ذلك ضمن أربعة مباحث، هي:
المبحث الأول: القضاء على الفقر.
المبحث الثاني: العمران.
المبحث الثالث: البركات الإلهية.
المبحث الرابع: التوزيع العادل للثروة.
ولنبسط الكلام في النقطة الأولى مع بعض التمهيدات ويكون المحور هو: كيف يتمكَّن الإمام (عجَّل الله فرجه) من معالجة مشكلة الفقر؟
المبحث الأول: القضاء على الفقر:
تعد مشكلة الفقر من المشاكل البارزة في حياة البشرية منذ القِدَم، وهي ظاهرة أرضية لا سماوية، فهي من صنيعة الإنسان وجنايته لما قدمته يداه وقد نزلت التشريعات الإلهية لمعالجة هذه المشكلة بإنزال أحكام وقوانين إذا ما طبقت فإن المشكلة ستزول بشكل كلي، لذا في عصر ظهور الدولة المباركة وبسبب تطبيق الإسلام بحذافيره سوف يزول الفقر وكل ما يتعلق به من مصائب.
تعريف الفقر:
مفهوم الفقر كغيره من المفاهيم الكثيرة وقع الاختلاف في تعريفه، وقبل الدخول في تعريفه لابد أن نلقي نظرة ولو عابرة على معناه اللغوي وأصل اشتقاقه.
تعليق