أنه شمس الحقيقة وميزان العدالة وقاطع دابر الظلمة والفراعنة ومنهي الفتن الطائفية وناشر العدل القسط والمساواة مخلص البشرية المنتظر، الذي أجمعت جميع الاديان السماوية "الاسلام والمسيحية واليهودية" خاصة المذاهب والطوائف الاسلامية وحتى غيرهم من الديانات والعقائد الاخرى على وجود مخلِّص منتظر، رغم اختلافهم في أوصافه وظروفه.. يقول الفيلسوف الاسلامي الكبير الشهيد السيد محمد باقر الصدر /قدس سره/: "ليس المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوانٌ لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطري أدرك الناس من خلاله ـ على تنوع عقائدهم ووسائلهم الى الغيب ـ أن للانسانية يوماً موعوداً على الأرض تحقق فيه رسالات السماء مغزاها الكبير وهدفها النهائي، وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مرِّ التأريخ استقرارها وطمأنينتها بعد عناء طويل".
الإيمان بفكرة انتظار قدوم منجٍ للبشرية ومنقذها (الامام المهدي عج) هو من أكثر وأشد الأفكار انتشاراً بين بني الإنسان كافة لأنه يستند الى فطرة التطلع للكمال باشمل صوره، أي أنها تعبّر عن حاجة فطرية، ولذلك فتحققها حتمي; لأن الفطرة لا تطلب ما هو غير موجود كما هو معلوم.. فهذا الشعور الغيبي بالموعد مع المنقذ والمنجي الموعود لم ولن يقتصر على المؤمنين دينياً بالغيب، بل امتد الى غيرهم أيضاً وانعكس حتى على أشد الايدلوجيات والاتجاهات رفضاً للغيب، مثل المادية الجدلية التي فسرت التاريخ على أساس التناقضات وآمنت بيوم موعود للخلاص مما عليه البشرية من ظلم وإجرام وطغيان وجبروت، فتُصفّى فيه كل تلك التناقضات ويسودُ فيه الوئامُ والسلامُ والمحبة والمساواة الحياة.
الإيمان بالمهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وانتظار ظهوره، هو إيمان برفض الظلم والجور وسلطة القوي المتجبر الطاغي على الإنسان المسالم والمستضعف حتى وهو يسود الدنيا لّها.. هو مصدر قوة ودفع لا ینضب، وبصيص نور يقاوم اليأس في نفس الإنسان، ويحافظ على الأمل المشتعل في صدره مهما ادلهمّت الخطوب وتعملق الظلم؛ لأنّ اليوم الموعود يثبت أنّ بإمكان العدل أن يواجه عالماً مليئاً بالظلم والجور والفسق والفجور، فيزعزع ما فيه من أركان الأنظمة الديكتاتورية والسلطات الفرعونية وتزييف وتحريف الدين والحقيقة السماوية التي عمد اليها حكام الجور والقوة والمال والدجل والأكاذيب لبسط سطوتهم دون منازع على رقاب البشرية.. فلن يسمحوا بانتشار هذا الإيمان بين الشعوب الذي يدعو العودة الى حقيقة الدين الإسلامي الحنيف وبسط العدل والمساواة بين الناس، وهذا يعني نهاية سلطتهم غير الشرعية ونهبهم للمال العام والتمييز العنصري والديني.
الأيمان بالمهدي المنتظر القائم والذي نعيش هذه الأيام ذكرى مولده المبارك والميمون، يعني أنّ الظلم مهما تجبّر وكبر وامتدّ في أرجاء المعمورة وسيطر على مقدّرات البشرية بمختلف شعوبها ودياناتها، هو حالة غير طبيعية، ولا بدّ أن ينهزم ويزول لأنه وعد الله سبحانه وتعالى ولابد لوعده عز وجل أن يتحقق لا محال {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون، إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ} سورة الأنبياء - الآية 105و106.. هو الذي وعد به خاتم الأنبياء والمرسلين الصادق الأمين الحبيب المصطفى محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الأخيار، فقد روى أبو طفيل عامر بن واثلة الكناني (وهو آخر من مات من الصحابة) قال رسول الله: "يا علي أنت وصيي حربك حربي وسلمك سلمي وأنت الامام وأبو الأئمة الأحد عشر الذين هم المطهرون المعصومون ومنهم (المهدي) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فويل لمبغضيهم" - ينابيع المودة للحافظ الحنفي، و كفاية الأثر: ٢١.
البشارة بظهور المهدي المنتظر القادم لا محال، لم يذكرها القرآن الكريم فحسب!! بل ذكرتها جميع الكتب السماوية إشارة لهذا المعنى الدقيق كما لا يخفى، وإليكم بعض النصوص من "مزامير داود" عليه السلام:"فجاء في الجملة 18 من المزمور 37: (إن الله يعلم أيام الصالحين وسيكون ميراثهم أبدياً) – كما جاء في المزمور 37 جملة
27 : (لأن المتبركين بالله سيرثون الأرض، وسينقطع أثر من لعنهم.. ).
اليهودية أيضاً تؤمن بهذا الاعتقاد (ظهور المهدي علیه السلام)؛ فقد قال كعب الأحبار: مكتوب في أسفار الأنبياء :"المهدي ما في عمله عيب"، وقال سعيد أيوب الكاتب المصري الشهير في ص 370 ـ 380 من كتابه "المسيح الدجال" ما نصه: "وأشهد أنى وجدت كذلك في كتب أهل الكتاب ، لقد تتبع أهل الكتاب أخبار المهدي كما تتبعوا أخبار جده محمد (صلى الله عليه وآله)"، كما أشارت أخبار "سفر الرؤيا" الى امرأة يخرج منها اثنا عشر رجلا (سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام)، وأشار الى امرأة أخرى (والدة الامام المنتظر) وهي تلد الأخير. وجاء فيه ايضاً (سفر الرؤيا) 3/12 "والتنين وقف أمام المرأة الأخيرة حتى تلد ليبتلع ولدها متى ولدت" وجاء في السفر ذاته 5/12 "واختطف الله ولدها" ويقول "باركلي" في تفسيره "وعندما هجمت عليها ـ أي المرأة ـ المخاطر اختطف الله ولدها وحفظه أي أن الله قد غيب هذا الطفل".
"سفر الرؤيا" كتب ايضاً "أن غيبة هذا الغلام ستكون ألفاً ومائتي سنة" وهي مدة لها رموزها عند أهل الكتاب، وقال "باركلي" عن نسل المرأة عموماً :"إن التنين سيعمل حرباً شرسة مع نسل المرأة"، وجاء في "سفر الرؤيا" 13/ 12 "فغضب التنين على المرأة وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله". حيث يفسره المؤرخون ما دار على الأئمة الأطهار من أبناء الامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء عليهم السلام أجمعين طيلة القرون الماضية والتنين هم اعدائهم من بني أمية الطلقاء وبنو العباس ومن خلفهم من الحكومات الفرعونية والطاغية والظالمة والمتفرعنة وإرهابهم الدموي المتواصل حتى يومنا هذا في بلادنا الاسلامية حيث يعاني أبناء وأتباع وأنصار أهل البيت عليهم السلام الويلات والظلم والقمع والاضطهاد هنا وهناك خاصة في العراق والشام ولبنان واليمن والبحرين والسعودية والأردن وباكستان والهند وأفغانستان ومصر و...
تعليق