أولاد جفنةَ عند قبر أبيهِمُ *** قبر ابن مارية الكريم المُفضلِ
يَسقون من ورَدَ البريصَ عليهم *** بَردَى يصفّق بالرَّحيقِ السلسلِ
يُغشون حتى ما تهِرّ كلابُهم *** لا يسألون عن السوادِ المقبلِ
وظلت هذه الفكرة مفخراً عند العرب حتى العهد الأموي فهذا قيس بن الملوح يعقر على قبر أبيه ناقته ويرثيه عند القبر قائلاً:
عقرتُ على قبرِ الملوَّحِ ناقتي *** بذي الرَّمثِ لا أن جفاه أقاربُه
فقلتُ لها كوني عقيراً فإنني *** غداةَ غدٍ ماشٍ وبالأمسِ راكبُه
فلا يُبعدنْكَ الله يا بن مزاحمٍ *** فكلُّ امرئٍ للموتِ لا بدَّ شاربُه
فقد كنت صلاعَ النجادِ ومعطي الـــــجيادِ وسيفاً لا تفلُّ مضاربُه
ويرثي زياد الأعجم المغيرة بن المهلّب بقصيدة يدعو فيها إلى العقر عند قبره وإن ينضح قبره بدماء العقائر لأنه كان أخا دَمِ وذبائحٍ فيقول:
قل للقوافلِ والغزيِّ إذا غَزَوا *** والباكرين وللمجدِّ الرائحِ
إن المروءة والسماحة ضُمّنا *** قبراً بمروَ على الطريقِ واضحِ
فإذا مررتَ بقبرهِ فأعقر به *** كُومَ الهجانِ وكلّ طِرفٍ سابحِ
وانضح جوانبَ قبرهِ بدمائها *** فلقد يكون أخا دمٍ وذبائحِ
ومن الطرائف أن يزيد بن المهلَّب قال لزياد: يا أبا أمامة، أفعقرت أنت عنده ؟، قال: كنت على بنت الحمار.
فيبدو أن العقر كان مجرد موروث قد اضمحل أو قلّ بمجيء الإسلام فما بقي إلا شيء يسير منه على أرض الواقع، وإنما بقيت الفكرة في ذهن وخيال الشعراء يستفيدون منها في المراثي والمفاخرات حتى اخذ الشاعر أحمد بن محمد الخثعمي وهو من الشعراء العباسيين معنى أبيات زياد الأعجم وتصرّف في معانيها ما شاء أن يحسن له التصرف، فقال:
أيها الناعيانِ من تنعيان *** وعلى من أراكما تبكيانِ
أندبا الماجدَ الكريمَ أبا اسحـــاق ربُّ المعروف والاحسانِ
واذهبا بي أن لم يكن لكما عقرٌ إلى جنب قبره فاعقراني
وانضحا من دمي عليه فقد كان دمي من نداه لو تعلمانِ
ومن مظاهر الإنشداد إلى القبور وتكريم صاحب القبر أن الرئيس المقدم والسري من الناس ومن له بيت من العز والشرف كان يعيذ من يستعيذ بقبر أبيه ويعفو عن ذنبه الذي يتجاوز الظلم والإسراف أحياناً، احتراماً وتقديراً وتكريماً لصاحب القبر وقد كان هذا شائعاً معروفاً في الجاهلية والإسلام. ولقد عاذ كثير من الخائفين بقبور آباء الملوك والحكام كما لاذ المؤمنون بالأئمة الطاهرين : وتحرّموا بحرمتهم فرفع عنهم السوء، ومن أروع ما قيل في هذا الباب ما قيل في قبر الإمام الحسين 8 حيث لاذ بعضهم بقبره الشريف وأنشأ يقول:
حسينٌ إذا ما ضاق رحبٌ من الدنى *** وحلّ بنا للفادحاتِ نزولُ
بقبركَ لُذنا والقبور كثيرةٌ *** ولكن من يحمي الذمارَ قليلُ
كتبه - محمد طاهر الصفار
يَسقون من ورَدَ البريصَ عليهم *** بَردَى يصفّق بالرَّحيقِ السلسلِ
يُغشون حتى ما تهِرّ كلابُهم *** لا يسألون عن السوادِ المقبلِ
وظلت هذه الفكرة مفخراً عند العرب حتى العهد الأموي فهذا قيس بن الملوح يعقر على قبر أبيه ناقته ويرثيه عند القبر قائلاً:
عقرتُ على قبرِ الملوَّحِ ناقتي *** بذي الرَّمثِ لا أن جفاه أقاربُه
فقلتُ لها كوني عقيراً فإنني *** غداةَ غدٍ ماشٍ وبالأمسِ راكبُه
فلا يُبعدنْكَ الله يا بن مزاحمٍ *** فكلُّ امرئٍ للموتِ لا بدَّ شاربُه
فقد كنت صلاعَ النجادِ ومعطي الـــــجيادِ وسيفاً لا تفلُّ مضاربُه
ويرثي زياد الأعجم المغيرة بن المهلّب بقصيدة يدعو فيها إلى العقر عند قبره وإن ينضح قبره بدماء العقائر لأنه كان أخا دَمِ وذبائحٍ فيقول:
قل للقوافلِ والغزيِّ إذا غَزَوا *** والباكرين وللمجدِّ الرائحِ
إن المروءة والسماحة ضُمّنا *** قبراً بمروَ على الطريقِ واضحِ
فإذا مررتَ بقبرهِ فأعقر به *** كُومَ الهجانِ وكلّ طِرفٍ سابحِ
وانضح جوانبَ قبرهِ بدمائها *** فلقد يكون أخا دمٍ وذبائحِ
ومن الطرائف أن يزيد بن المهلَّب قال لزياد: يا أبا أمامة، أفعقرت أنت عنده ؟، قال: كنت على بنت الحمار.
فيبدو أن العقر كان مجرد موروث قد اضمحل أو قلّ بمجيء الإسلام فما بقي إلا شيء يسير منه على أرض الواقع، وإنما بقيت الفكرة في ذهن وخيال الشعراء يستفيدون منها في المراثي والمفاخرات حتى اخذ الشاعر أحمد بن محمد الخثعمي وهو من الشعراء العباسيين معنى أبيات زياد الأعجم وتصرّف في معانيها ما شاء أن يحسن له التصرف، فقال:
أيها الناعيانِ من تنعيان *** وعلى من أراكما تبكيانِ
أندبا الماجدَ الكريمَ أبا اسحـــاق ربُّ المعروف والاحسانِ
واذهبا بي أن لم يكن لكما عقرٌ إلى جنب قبره فاعقراني
وانضحا من دمي عليه فقد كان دمي من نداه لو تعلمانِ
ومن مظاهر الإنشداد إلى القبور وتكريم صاحب القبر أن الرئيس المقدم والسري من الناس ومن له بيت من العز والشرف كان يعيذ من يستعيذ بقبر أبيه ويعفو عن ذنبه الذي يتجاوز الظلم والإسراف أحياناً، احتراماً وتقديراً وتكريماً لصاحب القبر وقد كان هذا شائعاً معروفاً في الجاهلية والإسلام. ولقد عاذ كثير من الخائفين بقبور آباء الملوك والحكام كما لاذ المؤمنون بالأئمة الطاهرين : وتحرّموا بحرمتهم فرفع عنهم السوء، ومن أروع ما قيل في هذا الباب ما قيل في قبر الإمام الحسين 8 حيث لاذ بعضهم بقبره الشريف وأنشأ يقول:
حسينٌ إذا ما ضاق رحبٌ من الدنى *** وحلّ بنا للفادحاتِ نزولُ
بقبركَ لُذنا والقبور كثيرةٌ *** ولكن من يحمي الذمارَ قليلُ
كتبه - محمد طاهر الصفار