الإهــــداء
اهدي هذه الكلمات إلى صاحب الحق ولي العصر والزمان الإمام الحجة(عجل الله تعالى فرجه الشريف) وأرواحنا لمقدمه الفداء وإلى سيدي الذي بصّرني بطريق الحق السيد الحسني الجليل(دام ظله) والى جميع أخواني الموقنين الذين يبحثون عن طريق الوصول إلى صاحب الحق رزقنا الله بيعته والإستشهاد بين يديه .
العبد المذنب
أبــو أحمـــد
الأعلمية
الأعلمية في مرجع التقليد هي حصول أقوى ملكة لإستنباط الأحكام الشرعية من أصولها الأربعة (القرآن ، السنة ، الإجماع ، العقل ) .
ومن المسلّم به أن العلم هو نور يقذفه الله سبحانه وتعالى في القلب مع وجود الاستعداد العالي لتقبل العلوم الإلهية العالية وهذا يأتي بالدرجة الأولى بتوفيق من الله سبحانه وتعالى حيث يقول (جل وعلى) في محكم كتابه { يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً} وكذلك يقول سبحانه { ما تشاءون إلا أن يشاء الله } فأن المشيئة الإلهية لإعطاء الفيوضات والعلوم لبعض الأفراد تأتي من مشيئة الشخص واستعداده وترويضه العالي للنفس من حيث التقوى والطاعة والتسليم لله سبحانه وتعالى.
فكثير من الأشخاص ممن يجد ويجتهد فيحصل على قسط معين من العلوم أي يحصل على مرتبة الاجتهاد في الأحكام الشرعية وأن الوصول إلى هذه المرتبة شرف وحظ عظيم لأن الاجتهاد هو موقع شريف وعظيم يحل محل النبوة والإمامة بمسؤولية القيادة الروحية للبشر ، ولكن الله سبحانه وتعالى أرشد الأنبياء والأئمة بأن تكون مسؤولية القيادة الروحية للبشر ، ولكن الله سبحانه وتعالى أرشد الأنبياء والأئمة بأن تكون مسؤولية القيادة إلى من هو أفضل وأكمل وأعلم حيث ابتدأ ذلك بالنبوة التي هي أعلى المراتب وأشرفها كما تحظى به من التسديد الإلهي المباشر للأنبياء باعتبارهم المصطفين الأخيار الذين يؤهلون من الصغر حتى تكليفهم الشرعي بتعاليم الرسالات الإلهية وأحكامها وهذا التسديد يبدأ بالتعليم لفضائل الأخلاق وسموها ورفعتها وحتى ينتهي بصواب الرأي وسلامة الفكر والعقل وصفاء النفوس وطهارتها من الأدران والشوائب والنقائض لجعل تلك الشخصيات متكاملة وكاملة بكل أفعالها وأقوالها وأعمالها حتى تصبح القدوة الحسنة الذي يقتدي بها الناس نحو تطبيق التعاليم الربانية السامية للوصول بالناس إلى درجات الكمال العالي وكل حسب إستحقاقة واستعداده وتقبله .
وقد جرت هذه السنة على الأوصياء(سلام الله عليهم) لإحلالهم محل النبوة من حيث القيادة ووهب لهم علوماً لدنية منه سبحانه وسدد كما فعل بإخوانهم الأنبياء الذين هم أعلى شرفاً وجعلهم على استعداد لوراثة علوم أنبيائه وتمتعهم بكامل صفات الكمال العالي والخلق السامي والشريف الرفيع حتى لا يكون هناك شك في مواقعهم من قبل عوام الناس .
وكذلك انتقلت هذه الحالة إلى المجتهدين الذين ينوبون عن الأنبياء والأوصياء بهذه المواقع الشريفة لقيادة الناس وتعليمهم وتوجيهم بتهيئة أولئك الأشخاص العالمين العاملين المخلصين باحتلال المواقع الرفيعة وجعل استحقاق تلك المواقع الرفيعة وجعل استحقاق تلك المواقع للأعلم منهم لأن الله سبحانه وتعالى له سنن في خلقه وأنه قال لا تخلو الأرض من حجة له فيها لأن سبحانه لا يعذب قوماً أو يبتليهم ببعض البلاء دون أن تكون هنالك حجة تسد أبواب العذر أمام الناس بأن تنهاهم عن المنكر وتأمرهم بالمعروف وتوضح لهم أفضل السبل وأرقاها وأن العلم كثير من النفوس تتوق إلى شرف الحصول عليه فتجد وتجتهد فتحصل على قدر منه ولكن ليس كل من حصل على قسط منه يتولى مركز القيادة الشرعية لعموم الناس .
مركز القيادة
إن الله سبحانه قال { لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا } فتعين أن تكون القيادة واحدة ومركز القرار واحد وأن تعدد المراكز يؤدي إلى إفساد النظام ووجود الخلل الذي تترتب عليه آثار سلبية في حركة الحياة ونظام الكون .
وكذلك أشار سبحانه في موقع آخر من كتابه العزيز فقال :{ أطيعوا الله ورسوله ومن يطع الله ورسوله ...} أي قرن طاعة الله سبحانه بطاعة رسوله أي أن طاعة رسول الله إقرار لطاعته سبحانه ولم يجعل طاعة رسوله مستقلة عن طاعته فيكون هنالك خلل في النظام الذي يؤدي إلى الشرك ولكن جعلها دليلاً لطاعته وأمراً منه وإرشاداً لمن آذنه واختياراً لعباده .
وكذلك جعل الإمامة التي هي استمرارية الطاعة لله وللرسول وقرنها بطاعته كما قرن طاعة الرسول بطاعته سبحانه حيث قال:{ أطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر ...} فجعل طاعة الرسول وطاعة أولي الأمر الذين هم الأئمة(عليهم السلام) طاعة له ودليلاً لإمتثال أوامره المركزية .
وأن الإمامة التي أصبحت من المسلمات العقائدية عندنا فتكون طاعة الإمام كقائد شرعي في الدنيا والآخرة لمن نص عليه من قبله ، ومع هذا فأن وجود أمير المؤمنين(عليه السلام) وصدور النص عليه بالعصمة والإمامة ولما يتمتع به من طاقات وإمكانات علمية تضاهي إمكانية الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعطه المبرر للقيادة في حياة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بل كانت القيادة المركزية للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن بعده للإمام أمير ألمؤمنين(عليه السلام) مع وجود إمامين معصومين مسددين من الله وهم الحسن والحسين(عليهما السلام) وكذلك للإمام الحسن مع وجود الحسين فإن القيادة للحسن ووجود الطاعة للإمام الحسن بما فيه طاعة الحسين(عليه السلام) له امتثاله لإمامته .
الزهراء(عليها السلام) والإمامة
إن سلسلة الإمامة منصوصة بالتعين من الله تعالى ، ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) والقيادة متسلسلة حتى قيام الساعة وإن وجود هذا النظام أكدته سيدة نساء العالمين بضعة الرسول الأكرم وزوجة وصيه الأعظم في خطبتها أمام المسلمين عندما تمت البيعة للخليفة الأول واغتصاب حقها في فدك .
أشارت(سلام الله عليها) إلى الإمامة فقالت: { وجعل الله إمامتنا نظاماً للملة } أي أن الإمامة هي القيادة المركزية للناس والتي تضمن وحدة المجتمع وسلامته وسلامة دينه من الانحراف والضلال وسلامة الأحكام الشرعية من التأويل والانحراف وأوضحت سلام الله عليها في هذه الفقرة بأن النظام المركزي للأمة من حيث وحدة القيادة الذي يضمن وحدة المجتمع وسلامته من أي خلل هو الإقرار بالإمامة والطاعة الكاملة للأئمة(عليهم السلام) وإن دون ذلك يحدث الخلل الكبير في حياة الأمة الإسلامية وكما بان ذلك عندما تركت الأمة هذا النظام فانقلبت على عقبيها وأستحوذ عليها الشيطان وأستطمع بثرواتها كل طامع ومستعمر فتأولت كتاب الله واجتهدت بأحكام الله وخرجت عن الدين وخرج الناس عن خط الإسلام الصحيح فلو كانت ملتزمة بخط القيادة المركزية الذي رسمه الله سبحانه وتعالى لعباده دليلاً لطاعته واستحقاقاً لجزيل ثوابه لسلمت من الخلل وآمنت من الزلل والإنحراف .
الإمامة والأعلمية
إن نظام الإمامة نظام متكامل للحياة فلو كان هنالك إمامين متعاصرين في وقت واحد ومكان واحد لكانت طاعة الإمام المنصوص عليه بالأسبقية فرضاً على الإمام الأخر كما كان ذلك في زمن الحسن والحسين فطاعت الحسن على الحسين واجبة والامتثال له واجب وذلك للحفاظ على وحدة القرار ووحدة القيادة والتي تضمن وحدة الأمة وسلامة أمرها ودينها وحياتها المستقرة .
فكذلك تكون القاعدة على الأشخاص الذين حصلوا على قدرٍ من العلم ممن يستحق تبوء مركز القيادة الشرعية النائبة عن مركز أولي الأمر حتى تكون طاعته دليلاً لطاعة أولي الأمر ودليل طاعة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) المنتهية بالنتيجة إلى طاعة الله سبحانه وتعالى وكما وصفها الإمام الصادق(عليه السلام) : { الراد عليهم راد علينا والراد علينا راد على رسول الله والراد على رسول الله راد على الله سبحانه وتعالى } فكما نص الرسول على الأئمة(عليهم السلام) بنص من الله واحد بعد الآخر كذلك نص أهل البيت(عليهم السلام) بتوفر الدليل العلمي لهؤلاء الأشخاص ممن ينوب عنهم(عليهم السلام) وقد أرشد المعصومون(عليهم السلام) إلى حكم العقل والسيرة العقلانية التي أمضوها من الرجوع إلى الأعلم والأمهر إضافة إلى باقي الشروط فتخصيص الأعلم من العلماء باعتباره المتمكن بالرؤية الصحيحة لصالح الأمة وحتى تكون هناك مركزية في القيادة والتوجيه وهذه المركزية تضمن وحدة المجتمع وسلامة نظام الله .
وكما أوجبت طاعة الحسين للحسن(عليهما السلام) أوجبت طاعة غير الأعلم من المجتهدين للأعلم وبالتالي ضمان طاعة الملة له جميعاً وبالتالي سلامة سير المجتمع بطريق صحيح وسليم نحو الكمال والطاعة لله سبحانه وتعالى .
أئمة الضلالة
لقد حذر المعصومون(عليهم السلام) من أمر مهم وهو طموح بعض الأفراد ممن حصلوا على قسط من العلم أن يمنى نفسه بالمناصب الرفيعة الشرعية لأمور المسلمين وما ورد عنهم(عليهم السلام) { إذا دعا عالم الناس إلى نفسه وفي الأمة من هو أعلم منه فهو مدعٍ ضال } أي أن دعوة هذا العالم إلى نفسه لكي تطيعه الناس ويتصرف بأمور الناس لأنه حصل على مرتبة من العلم في أحكام الشريعة وفي الأئمة من هو أعلم منه فهو مبتدعٍ وضال . وأن البدعة والضلالة مصيرها إلى النار ، أي أن علمه لم يكن دليلاً لطاعة الأئمة والأئمة(صلوات الله عليهم أجمعين) التي تنتهي بالنتيجة لطاعة الله سبحانه وتعالى ، ولكن علمه الذي يأمر بطاعة نفسه هي دعوة ضلالة وبدعة تؤدي بالأمة إلى التفكك والتشرد والتشرذم دون أن تؤدي إلى الوحدة والانسجام والطريق الصحيح . فيكون هذا الأمر إشارة حمراء إلى من يدعو إلى نفسه وهو غير مؤهل لإدارة أمور الأمة فتكون القيادة متعددة والأمة متفرقة دون أن تكون القيادة مركزية والأمة موحدة .
وحدة الأمة وسلامة الدين
إن الذي يضمن استتمام النظام ووحدة الأمة هو طاعة الأعلم الذي يتوفر عنده الدليل العلمي الأقوى فتصبح طاعته واجبة وأتباعه واجباً وهذا هو السبيل الذي يضمن وحدة الأئمة وسلامة دينها من الإنحراف والضلال ولذلك أرشد وأكد عليها الأئمة(عليهم السلام) وهو نظام ولاية الفقيه الولاية النائبة عن ولاية المعصوم في عصر الغيبة فعلى جميع المكلفين الذين يبتغون الفضل من الله ويطلبون منه الجزاء الأوفى والذين يرومون أن يكون دينهم في سلامة من الإنحراف والتحريف أن يبحثوا عن الأعلم فيتبعوه وأن معرفة الأعلم في زماننا هذا هو بتوفر الدليل العلمي ووجود الآثار العلمية الراجحة ووجود الدليل الذي لا يقوى عليه دليل أخر لأن الدعوات الكاذبة والعناصر المبتدعة والضالة كثرت في زماننا وأن معرفة الدليل وأثار العالم هو الدليل الوحيد لمعرفة العالم ، وهو طريق طاعة الله ورسوله وأولي الأمر(سلام الله عليهم) .
المناظرة
والمناظرة لها أساليب عديدة منها عن طريق الرسائل والكتب المتبادلة بين طرفين ، ومنها ما يحصل في كثير من الأحيان بين الطلبة وأساتذتهم خلال حلقات الدرس وأوضح مصاديقها عند جلوس طرفين معاً وطرح الأدلة لإثبات الدليل الأقوى وأحقيته . أو بتعبير أخر هو جلوس طرفين كل منهم يحمل أدلة علمية عن موضوع ما أو عن أطروحة ما فيكون هنالك صراع بين الأدلة المطروحة وعند وضوح الدليل وقوته لطرق ما ، يثبت حجية صاحب هذا الرأي على صاحبه وهو طريق شريف لمعرفة الحق والدليل السامي الرفيع ويكون ناتج عن إخلاص الطرفين لمعرفة الحق والحقيقة ، فيذعن الطرف الأقل حجية للطرف الأقوى حجية ويقر له بأحقية أطروحته وصواب دليله وهذه الحالة لا تتوفر عن جميع الناس لوجود الأمراض النفسية وصفة التكبر على الحق . فكل من يدعي أمراً ويمتنع عن طرح دليله ويمتنع عن مناظرة أصحاب الأدلة لإثبات أحقية دليله فإنه مصاب بالتكبر وأن التكبر حجاب كبير يمنع رؤية الحق ، وأن المناظرة طريق شرعي وعقلي ومنطقي وعلمي قد رسمه الأولون .
كتاب الله الحكيم
المناظرة طريق موجود في القرآن بشكل واضح لا يقبل الجدل والرفض فعندما بعث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وطرح أطروحته ، دعا الناس للإيمان بدعوته ، وأمر الله رسوله بمناظرة القوم وتحداهم بأن يعطوه دليلاً أقوى من دليله فقال{ أتوا بسورة من مثله } و{ أدعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين } فأن احتجاج الرسول على القوم بأن يعطوه دليلاً أقوى منه أو دليلاً يفند دليله هو أسلوب المناظرة القرآنية وقال لهم أدعوا من يساعدكم على الدليل وتفنيد دليل النبي وإسقاط حجته ولكنهم عجزوا وعند عجزهم عاندوا وكابروا وواجهوا بأساليب غير أخلاقية وغير شرعية .
وكذلك عندما دعا النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) النصارى للإيمان بدعوته طلبوا منه الدليل فدعاهم للمناظرة { فقال تعالوا ندعوا أبنائنا وأبناءكم ونسائنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ُثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين } فكانت دعوة الأبناء الذين هم صغار ودعوة النساء لطرح الأدلة ونصرة الدعوة الجديدة لم ينم إلا عن أحقية هذه الدعوة وقوة الدليل العلمي الموجود عند الرسول وأهل بيته ، فأن المباهلة من مصاديق المناظرة بطرح الأدلة وعندما تيقن القوم بقوة الدليل عند النبي انسحبوا عن مواجهته وصالحوه على الجزية وهذا هو أسلوب المناظرة المأخوذ من القرآن وسنة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) .
إبراهيــم الخليل(عليه السلام)
وكذلك مناظرة أبينا إبراهيم(عليه السلام) مع قومه عندما كسر أصنامهم وأبقى كبيرهم على سلامة دون أن يكسره وعندما سألوه من هو الذي حطم آلهتنا قال إبراهيم(عليه السلام) أنه كبيرهم فأسالوه وهذا هو أسلوب المناظرة وطرح الدليل فأن طلب منهم البرهان على أحقية هذه الآلهة إن كان يسمع أو يتكلم ويجيب وعندما وجدوا أن إلههم لا ينطق ضعف دليلهم اضمحلت حجتهم وكان إبراهيم هو الأقوى دليلاً والأقوى حجة عجزوا وكابروا وعاندوا وواجهوه بالدليل غير الشرعي واللاأخلاقي وأضرموا النار وأحرقوه وكذلك مسيرة أمير المؤمنين(عليه السلام) يطرح أدلته وحججه وبراهينه المؤيدة لقضيته المشروعة وأحقيته في الخلافة بما نص الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز وبما أشار إليه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في عدة مقامات ومناسبات على أفضليته وأعلميته وأحقيته ولكن القوم كابروا وعاندوا ورفضوا دليله .
وكذلك له مناظرات عديدة مع اليهود والنصارى لإثبات أحقية دينة وأحقية الإسلام بقوة الدليل العلمي وكثير منهم عندما رأوا قوة الدليل أمنوا وأسلموا وتركوا دينهم وأصبحوا مسلمين .
أهل بيت العصمة(عليهم السلام)
لأهل بيت العصمة والطهارة(عليهم السلام) مناظرات عديدة ، مناظرات الباقر(عليه السلام) وكذلك مناظرات الصادق(عليه السلام) مع أبي حنيفة وتأكيده على المناظرة وجسدها عندما طلب من أصحابه مناظرة الشامي وناظروه وأفحموه وقصة أصحاب الإمام الصادق معلومة وخاصة مناظرات هشام بن الحكم حتى قال له الإمام(عليه السلام):{ أحب أن يكون مثلك في شيعتي من يحسن الكلام } أي يحسن المناظرة بطرح الدليل وقوة البرهان وكذلك مناظرات الإمام الكاظم(عليه السلام) والجواد(عليه السلام) في مجلس المأمون والهادي(عليه السلام) والجميع لهم مناظرات عديدة مع علماء المسلمين وكانت المناظرة دائماً أو غالباً تطرح من قبل السلطات الغرض منها الانتقاص من الإمام أمام الناس ولكن الإمام بما عنده من قوة الدليل العلمي وقوة الحجة فأنه ينتصر على كل من خاصمه . وينتصر لحقه وقضيته . والمناظرة ليست بشيء جديد ولكنها طريق سلك لإثبات الحق والحقيقة وحتى الإمام الحجة(سلام الله عليه) عندما سيخرج يناظر خصومه وينتصر عليهم بقوة دليله وبرهان صحته.
السيد عبد الحسين شرف الدين(قدس سره)
جرت هذه السيرة عند علماءنا الأبرار وما مناظرة السيد عبد الحسين شرف الدين مع مفتي الأزهر وإثبات أحقية أهل البيت وقد دونت في كتاب المراجعات وأصبح من المصادر التي يعول عليها بالمراجعة في طلب الدليل .
الشهيد الثاني(قدس سره)
كذلك ما أكده الفقيه زين الدين علي بن أحمد العاملي الملقب بالشهيد الثاني في كتابه(منية المريد في آداب المفيد والمستفيد) الباب الثاني في المناظرة وشروطها وآدابها وهذا الكتاب من الكتب الأخلاقية ويعتبر من كتب ومناهج الحوزة العلمية الشريفة .
السيد الصدر(قدس سره)
كذلك طرح السيد الصدر(قدس سره) أطروحته العلمية ودعوته بالأعلمية مؤيدة بالمؤيدات العلمية وطلب من القوم المناظرة لإثبات حقه وقوة دليله ورفضوا مناظرته فأصابهم ما أصاب القوم من قبلهم من التكبر على الحق والمعاندة والمكابرة والمواجهة بالطرق الغير شرعية واللاأخلاقية .
الصالحون والمتكبرون
أن المناظرة سنة الأنبياء والأوصياء وسنة الأئمة جميعاً وسنة العلماء الصالحين المدافعين عن الحق في كل زمان وأن الذين يرفضون المناظرة هم أتباع تلك الأمم التي خلت من قبل وأما إدعاءهم حتى لا تكون سنة من بعدهم ما هي إلا سنة أضاعوها وبدعة أحيوها للقوم الظالمين .
وإن رفض المناظرة هو صفة المتكبرين على الحق وعدم الإذعان لقبول الحق وعدم ترويض النفوس لقبول الحق وهذا أسلوب أهل الباطل في كل زمان وكما أثبتناها فيما سبق مع الأنبياء والنبي الخاتم وأهل البيت(عليهم السلام) . فكذلك تجري سنتهم على أتباعهم وقد كتب الله لأغلبن أنا ورسلي أن الله لقوي عزيز .
التمهيد لنصرة الإمام المهدي(عليه السلام)
بعد أن عرفنا المناظرة وأهميتها في إثبات أحقية كل دعوى وبيان قوة الدليل لصاحب الدعوى عبر التسلسل الزمني للبشرية ومنذ ظهور النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة وأهل بيته واستخدام هذا الأسلوب العقلي والمنطقي الصحيح لإثبات أحقيتهم وإثبات دليلهم نرى التأكيد على أهميتها في المرحلة المهمة من مراحل زماننا هذا .
فبما أن الإمام المهدي(عليه السلام) هو آخر الأئمة وخاتم الأوصياء ووارث علوم الأنبياء والأوصياء وحامل لواء الحق والعدل ومؤسس الدولة الإلهية العادلة في ظرف الظلم والانحراف والضلال وإضاعة الحق وانتشار الباطل فأن من الأهمية البالغة استخدام أسلوب لبيان الحق وإثبات توضيح معالمه وطريقه وبما أن الباطل قد أنتشر وكثرت فنونه وأساليبه كان من الأهم أن نستخدم أسلوب التمهيد للحق وقبول أدلته ولابد من طرح أساليب وصور تمهيد لقبول الأدلة العلمية التي تطرح لتأييد الحق وصاحب الحق ومن هذه الصور والأساليب إحياء أسلوب المناظرة مع الأطراف خاصة مع من يدعي المرجعية والنيابة عن المعصوم(عليه السلام) لإثبات أحقية دعوة الحق وقوة دليلها وحجيتها فأن ظهوره(سلام الله عليه) سيرافق تطور الحياة بكل جوانبها الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وسيأخذ طابعاً غير مألوف وصيغة لمواجهة الأحداث غير طبيعية فأن القوة المخابراتية للأعداء وسبل الحصول على المعلومات وقوة التكنولوجيا الحديثة وتقنيتها ستكون عاملاً مهماً لمعرفة المهمة التمهيدية المناسبة لتحقيق الاستعدادات لنصرة الإمام(عليه السلام) عند ظهوره(عليه السلام وعجل الله تعالى فرجه الشريف) وبما أن العصر عصر العلم فلابد أن يكون هناك أسلوباً لمواجهة المرحلة بأسلوبها المطروح .
الممهدون
إدراكاً للظروف الموضوعية والذاتية وإدراكاً لصعوبة تلك المرحلة أدرك العلماء المخلصون(رضوان الله عليهم) لاستخدام بل لإحياء أسلوب مهم وعلمي وعقلاني لترويض أذهان الناس وقلوبهم لأعدادهم نفسيا لاستقبال أطروحة الحق الجديدة والتعامل معها تعاملاًً موضوعياً متزناً دون أن يكون هناك التواء أو التفافاً حول الأطروحة الجديدة .
فلقد أكد السيد الصدر(قدس سره) . على المناظرة وأعتبرها الوسيلة الوحيدة والرئيسية لبيان قوة دليله وإثبات أعلميته على العلماء وبعد أن استقبلت الناس أطروحة السيد الجديدة ورفضها أكابر القوم، أخذ سيل الأفكار الجديدة ومفاهيمها تطرح في الساحة وما صلاة الجمعة إلا أحد ظواهر ومصاديق الأطروحة الجديدة فكانت المواقف في بدايتها سلبية وواجهتها كل أو جل الواجهات العلمية والمؤسسات الحوزوية وألقيت الشبهات ضدها واعتبرتها بدعة وضلالة وأنها خارجة عن الدين وأن هذه الصلاة لا تقام إلا في زمان حضور الإمام وأن إمام الجمعة لا يملك بسط اليد ولكن السيد(قدس سره) أصر على أقامتها وقد أقيمت في جميع المحافظات وبعد فترة عندما لاحظ السيد(رضوان الله عليه) استقبال الأطروحة الجديدة وقبولها بشكل مركزي في مسجد الكوفة المعظم وبإمامته وبدأ أسلوباً مباشراً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى رأس المنكر الذي تواجد وتغلغل في داخل المؤسسة الحوزوية الشريفة حيث تبوأ البعض مواقع القيادة المركزية النائبة بغير حق وبغير دليل وحذرهم من هذا الواقع ومن آثاره السلبية على الدين والمذهب والمجتمع وبما تؤول خدمته لأعداء الدين والمذهب وأعداء الإمام المنتظر(عليه السلام) ولكن القوم أبوا إلا أن يواجهوه بالطرق غير الشرعية واللاأخلاقية ولكنه(قدس سره) أستمر بتوعية القاعدة الشعبية لخطورة مثل هذه الأمور على ديننا الحنيف ومذهبنا الشريف . واستمرت الأفكار الجديدة تطرح على الساحة لتهيئة الناس لقبول كل جديد يدعم ويؤيد الحق ويخالف الباطل وأن كل طرح سيواجه بداية بالرفض والنقد ولكن بعد فترة سيحذو الناس المخلصون حذو السيد(قدس سره) ومن تبعه بإخلاص لنصرة الدين ، ولنتذكر كلام السيد(قدس سره) عندما قال أنهم سينتقدون صلاة الجمعة ولكنهم سيحذون حذونا ويطبقونها، وهذا دليل بصيرته الثاقبة وتحليله للأحداث وإدراكه للمهمة الشريفة للمرحلة المهدوية المقبلة .
الممهد الجديد
وبعد استشهاد السيد الصدر(قدس سره) أخذت الناس تبحث عن ممهد آخر وتبحث عن أطروحة جديدة تنتقل من خلالها إلى مرحلة أفضل نحو مرحلة الظهور المقدس ولكن الظهور الجديد لم يكن تلبية لرغبات خاصة وإرضاء لذواتهم ولكنه ظهور جديد هو الظهور المنسجم مع المرحلة الراهنة والمتفاعلة مع أحداثها وجديدها والتي تتطلب ان يكون مبلغها وقائدها أقوى وأبلغ من سابقه لأن النفوس التي استقبلت أفكار السيد الصدر لابد أن تمتحن بأقوى منها لكي تبرهن على صدقها ولكي تتهيأ على استقبال الأقوى من بعدها وهي أطروحة صاحب الحق(عجل الله تعالى فرجه الشريف) .
فظهور السيد الحسني(دام ظله) بأطروحته الجديدة تحمل عدة معاني وعدة مفاهيم ولكنها تستند في انطلاقتها على المرحلة التي سبقتها أو تستند في بناءها على أساس القاعدة السابقة في إثبات حجيتها وكانت المناظرة تمثل الدليل الرئيس لإثبات أحقية دعوته أو برهانه ووضوح دليله العلمي وقوته ومعرفة آثاره ومنهجه .
متطلبات المرحلة
وإدراكاً لظروف المرحلة الراهنة ولاختلافها مع ظروف المرحلة التي سبقتها ولاستفادتها مما طرح في المرحلة السابقة . بدأت الأطروحة الجديدة للسيد الحسني بإضافة أساليب ووسائل جديدة لتحقيق الهدف منها :
1- الأسلوب الأول : الوسيلة المباشرة مع الناس والتحدث المباشر وكشف الحقائق المخفية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومطالبة العوام بل الوجوب عليهم وإلزامهم بعد إيمانهم بقضيته أن يحملوا هذه الأفكار وهذه الأطروحة إلى جميع الناس . وأن يحملوها إلى المراجع وأن يطالبوهم بالمناظرة المباشرة مع سماحته في أي موضوع وفي أي مكان يرغبون به حتى تقف الناس على صدق دعوى كل مدعي وحتى تعلم الناس من هو الصادق ومن هو المتوهم الكاذب والمخادع وكانت أطروحة السيد(دام ظله) الجديدة تحمل في طياتها الإصلاح لأمر الحوزة وكشف الانحراف في مسيرتها وعزل العناصر غير الشرعية وغير الكفوءة لتحمل شرف المسؤولية لقيادة المجتمع والمتخلية عن مسؤولية القيام بأي فعل وعمل يهيئ الناس لاستقبال قائم آل محمد(عليه السلام وعجل الله تعالى فرجه الشريف) ولتحقيق الاستعداد العالي للنهوض معه وتحمل المشاق وحمل الأرواح على الأكف لنصرة الحق وحمله إلى العالم وأرجاء المعمورة . ثم أنتقل هذا الأسلوب إلى الكشف الواقعي لعمل الحوزة وتأييد المؤسسات الباطلة على رموز الحوزة والتشخيص المباشر بالاسم والوصف لمعرفة أعمالهم وحتى لا يبقى غطاء (فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) وحتى لا يكون هناك تهاون في محاربة الباطل والمداهنة معه وحتى يعلم جميع الناس بكافة الطبقات إن الأسلوب المؤسساتي في الحوزة هو على منهج معاوية وآل مروان ولم يكن منهج أهل البيت وأن آل مروان هم أعداء أهل البيت وما إتباعهم ونصرتهم إلا الوقوف ضد قائم آل محمد(عليه السلام) ولا فرق في هذا بين المجتمع السني والمجتمع الشيعي ولا فرق بين مجتمع الحوزة ، وعلى الأمة أن تفتش وتبحث وتعرف أسلوب التمحيص العلمي والشرعي والأخلاقي عن مثل الحوزة الشريفة الملتزم بمنهج أهل البيت والممهد الحقيقي الصادق لصاحب الطلعة البهية الهاشمية من عترة آل محمد(صلوات الله عليهم أجمعين) .
فأستقبل المؤمنون هذه الأطروحة وامتلكوا الجرأة والشجاعة والإدراك الواعي لمعرفة ونصرة الحق وأهله ومعرفة الباطل وأهله ومحاربتهم وتهيأ المخلصون لاستقبال كل جديد وغير مألوف صدر من قبل سماحة السيد الحسني بأفكاره ومنهجه وأطروحته الجديدة ، وأنني والله رأيت بأم عيني وسمعت بأذني موقف الرجل الثابت على الحق الملتزم بنهجه الواثق من قدرته العلمية وهو يجيب على أحد الإشكالات المثارة فيقول الآن الساعة الواحدة من يوم الجمعة المصادف من الشهر كذا إنني أتحدى جميع العلماء بالمناظرة إنني أتحداهم جميعاً فليجتمعوا كلهم ويكونوا عوناً فيما بينهم وأنا في جانب وإنني مستعد لمناظرتهم، أيها الناس أذهبوا إليهم وقولوا لهم وليحددوا المكان والموضوع هم لا أنا ... فأي ثقة هذه وأي قدرة علمية وأي صرخة محمدية علوية حسنية حسينية هذه تقبلها المؤمنون بكل سرور وبتفاعل وإدراك ورفضها الباطل من رموزه حتى إتباعه وهذه أبلغ صورة للتمهيد .
2- الأسلوب الثاني :- وهو أسلوب الكتابة التحريرية وهو أثبات الدليل العلمي تحريراًً ونقل الأفكار الجديدة لمن لا تتوفر له فرصة المشاهدة واللقاء مع سماحته مباشرة والإطلاع على هذه الأفكار وقراءتها عدة مرات والتمعن من أهدافها وأبعادها ومعانيها وجوهرها وهو أسلوب علمي للتبليغ كما هو أسلوب صلاة الجمعة .
3- الأسلوب الثالث:- وهو أسلوب استخدام أشرطة التسجيل الصوتي والكاسيت الفيديو للإطلاع السمعي والصوري على أفكار وردوده ولقاءاته وبحوثه وبهذا يتمكن الشخص من سماعها أكثر من مرة وهو أسلوب آخر لتبليغ الدعوة وبيان أحقيتها .
المحاربون للمهدي
وبعد استخدام تلك الأساليب الثلاثة وانتشار الدعوة الجديدة والأفكار الجديدة على الساحة وإيمان الناس بها ومع كل هذا نجد العلماء لم يستجيبوا لها وأظهروا العداء كما كان موقفهم مع السيد الصدر(قدس سره) سلفاًًً .
فأوضح سماحته أن هؤلاء وأمثالهم ومن سار على خطهم ورضي بعملهم سيقفون الموقف الظالم ضد الإمام المعصوم وأن هذه المرحلة شبيهة بمرحلة الظهور المقدس وإن عدم استقبال هذه الدعوة وهذه الأفكار هو عدم استقبال أفكار الإمام(عليه السلام وعجل الله تعالى فرجه الشريف) وأطروحته الجديدة للناس .
وأن أحدهم سيقول للمهدي (أرجع من حيث أتيت) كما ورد في الأحاديث وبهذا استطعنا أن نجعل صورة واضحة لهذا الموقف الظالم الرافض للإمام ولأطروحته وأفكاره وأوضحنا يقيناً كيف يمكن للعالم الذي اقتدى به الناس أن يرفض الإمام ودعوته الحقة فأي علم هذا وأي رسالة وأي قيادة كانت له وأي ضلالة كان فيها وأي سبيل سلك فيه وأضل الناس معه .
الصورة عند ظهور الإمام(عليه السلام)
لماذا يقولون هذا القول ((أرجع من حيث أتيت)) ويرتكبون هذا الموقف الظالم هل هو عن جهل بالإمام أو عن علم به ؟
إن هذا الكلام الوارد ذكره سيقوله أهل الباطل بكل جرأة ووقاحة للإمام المهدي(عليه السلام) وبالمباشر عند وجوده في الكوفة فكيف يقع هذا الكلام من قبل فيومئ بالرموز ويمكن تصوير هذا الموقف على حالتين :-
1- الحالة الأولى:- وهو ظهور الإمام بشخص رجل الدين يماثلهم بالملبس والطرح العلمي والدعوة الدليل وعليه يدرك العقل إنه يحاججهم بما يملكون ويدعون امتلاكه من علم في الفقه والأصول وغيرهما والروايات أيضا تشير إلى أنه يطلب المناظرة معهم لإثبات دليله فيرفضون ذلك وإذا حاججهم بقوة دليلة وقال لهم أنا الحجة عليكم وأريد أن أنقذكم فسيقولون له أرجع من حيث أتيت لا حاجة لنا فيك فإن دين محمد بخير، فالحوزات موجودة والطلبة يطلبون العلم والأموال كثيرة والصلوات مقامة والزيارات مستمرة لا شيء يمس الدين يستحق الذكر لكي تدعو له ، وفي مثل هذه الحالة هم على يقين أنه صاحب حق لكن يخفى عليهم أنه المعصوم(عليه السلام) .
2- الحالة الثانية :- أنهم يعلمون أنه هو الإمام بعينه بكل ما يحمل من صفات معلومة عند الجميع فإنه ولي الله وحجته وصاحب السطوة العليا وصاحب الانتصار الموعود على جميع الظلمة والطغات في الأرض وصاحب السيف الذي يقطع رؤوس المنحرفين والظالمين والجائرين المرتدين لباس الدين لخداع الناس وإضلالهم .
فهل يقبل العقل إن هؤلاء المنتفعين الذين يعلمون الناس علامات الظهور وصفات الإمام(عليه السلام) ويعلمون من هو المهدي(عليه السلام) يقفون ضده ويرفضون بكل ما جاء به علماً أنهم يعلمون إن الوقوف ضده هو عملية إنتحارية من قبلهم لأن مصيرهم هو الفشل والقتل بيده وبسيفه سيف الحق فيصيبهم الخزي في الدنيا والنار في الآخرة وما دام العقل لا يقبل مثل هذه الأطروحة المتمثلة بالحالة الثانية فلا يبقى حسب اعتقادي إلا الحالة الأولى فهي الأصوب والأرجح عقلائياً وقبولاً عند كل من عرف ويعرف حقائق شخصية الإمام(عليه السلام) القيادية ودوره في عملية إصلاح العالم . فإن ما ذكره الشيخ علي الكوراني في كتاب عصر الظهور بان الإمام يعمل كقائد جماهيري في الكوفة قبل ظهوره العلني في مكة فيستقطب جموع المؤمنين لما يرون من قوة الدليل العلمي وسعة علمه وقدرته دون أن يعرفوا شخصه وأن هذا الوصف يصح تطبيقه على الحالة الأولى من أن الإمام(سلام الله عليه وأرواحنا لمقدمه الفداء) سيخرج في الكوفة مدينة العلم والعلماء وسيظهر بأطروحة علمية جديدة وبدليل علمي ويدعوا الناس إليه ويطلب المناظرة لإثبات دليله وأحقيته بالحجة والبرهان من العلماء الموجودين فإن الناس الذين استقبلوا أطروحة السيد الصدر ومن بعده أطروحة السيد الحسني واعتبروا المناظرة هي وسيلة اختبارية وحيدة أو رئيسية لقوة دليلهم وأحقية دعوتهم هم الذين يقبلون الأطروحة الجديدة فالذين قبلوا المناظرة بالأمس يقبلون أطروحة الإمام والذين رفضوا المناظرة لإثبات دعوات الأمس سيرفضون المناظرة وقبول دعوة المهدي(عليه السلام) .
وفي الختـــام
هذه قاعدة التمهيد الذي أسسها سلك مسلكها الممهدون الصالحون الصدر(قدس سره) والحسني(دام ظله) ووفقنا الله لطاعته فأنه(دام ظله) عندما يقف بين مقلديه ويقول عندما يظهر رجل يدعوا للأعلمية والمناظرة سأناظره فإن كان دليله أقوى وحجته أبلغ أتبعه وآمركم بإتباعه وهذه هي صورة التمهيد الحقيقي لمرحلة ظهور الإمام(سلام الله عليه) . فأن المناظرة لم تكن صيغه مرحلية ولدت صدفة وأعتباطاً ولكنها استناداً للفهم الصحيح وإدراكاً للمرحلة الراهنة وهي مرحلة استقبال الإمام(عليه السلام وعجل الله تعالى فرجه الشريف) والتهيئة والاستعداد لقبول أطروحته وأفكاره الجديدة . فسلام الله عليكم أيها الممهدون والحمد لله الذي رزقنا أتباعكم ومعرفتكم ونسأل الله سبحانه بأن يجعلنا ممن يرى الحق حقاً فيتبعه ويرى الباطل باطلاً فيتجنبه ونسأله أن يوفقنا لطاعتكم لكي تأخذوا بأيدينا إلى بيعة قائدنا وإمامنا وولي عصرنا وزماننا أرواحنا لمقدمه الفداء والتشرف برؤيته وخدمته ونصرته وإقامة حدود الله بين يديه والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين .
1 / جمادي الأول / 1423هـ
أبو أحمد
أحد مقلدي
سماحة السيد الحسني(دام ظله)
اهدي هذه الكلمات إلى صاحب الحق ولي العصر والزمان الإمام الحجة(عجل الله تعالى فرجه الشريف) وأرواحنا لمقدمه الفداء وإلى سيدي الذي بصّرني بطريق الحق السيد الحسني الجليل(دام ظله) والى جميع أخواني الموقنين الذين يبحثون عن طريق الوصول إلى صاحب الحق رزقنا الله بيعته والإستشهاد بين يديه .
العبد المذنب
أبــو أحمـــد
الأعلمية
الأعلمية في مرجع التقليد هي حصول أقوى ملكة لإستنباط الأحكام الشرعية من أصولها الأربعة (القرآن ، السنة ، الإجماع ، العقل ) .
ومن المسلّم به أن العلم هو نور يقذفه الله سبحانه وتعالى في القلب مع وجود الاستعداد العالي لتقبل العلوم الإلهية العالية وهذا يأتي بالدرجة الأولى بتوفيق من الله سبحانه وتعالى حيث يقول (جل وعلى) في محكم كتابه { يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً} وكذلك يقول سبحانه { ما تشاءون إلا أن يشاء الله } فأن المشيئة الإلهية لإعطاء الفيوضات والعلوم لبعض الأفراد تأتي من مشيئة الشخص واستعداده وترويضه العالي للنفس من حيث التقوى والطاعة والتسليم لله سبحانه وتعالى.
فكثير من الأشخاص ممن يجد ويجتهد فيحصل على قسط معين من العلوم أي يحصل على مرتبة الاجتهاد في الأحكام الشرعية وأن الوصول إلى هذه المرتبة شرف وحظ عظيم لأن الاجتهاد هو موقع شريف وعظيم يحل محل النبوة والإمامة بمسؤولية القيادة الروحية للبشر ، ولكن الله سبحانه وتعالى أرشد الأنبياء والأئمة بأن تكون مسؤولية القيادة الروحية للبشر ، ولكن الله سبحانه وتعالى أرشد الأنبياء والأئمة بأن تكون مسؤولية القيادة إلى من هو أفضل وأكمل وأعلم حيث ابتدأ ذلك بالنبوة التي هي أعلى المراتب وأشرفها كما تحظى به من التسديد الإلهي المباشر للأنبياء باعتبارهم المصطفين الأخيار الذين يؤهلون من الصغر حتى تكليفهم الشرعي بتعاليم الرسالات الإلهية وأحكامها وهذا التسديد يبدأ بالتعليم لفضائل الأخلاق وسموها ورفعتها وحتى ينتهي بصواب الرأي وسلامة الفكر والعقل وصفاء النفوس وطهارتها من الأدران والشوائب والنقائض لجعل تلك الشخصيات متكاملة وكاملة بكل أفعالها وأقوالها وأعمالها حتى تصبح القدوة الحسنة الذي يقتدي بها الناس نحو تطبيق التعاليم الربانية السامية للوصول بالناس إلى درجات الكمال العالي وكل حسب إستحقاقة واستعداده وتقبله .
وقد جرت هذه السنة على الأوصياء(سلام الله عليهم) لإحلالهم محل النبوة من حيث القيادة ووهب لهم علوماً لدنية منه سبحانه وسدد كما فعل بإخوانهم الأنبياء الذين هم أعلى شرفاً وجعلهم على استعداد لوراثة علوم أنبيائه وتمتعهم بكامل صفات الكمال العالي والخلق السامي والشريف الرفيع حتى لا يكون هناك شك في مواقعهم من قبل عوام الناس .
وكذلك انتقلت هذه الحالة إلى المجتهدين الذين ينوبون عن الأنبياء والأوصياء بهذه المواقع الشريفة لقيادة الناس وتعليمهم وتوجيهم بتهيئة أولئك الأشخاص العالمين العاملين المخلصين باحتلال المواقع الرفيعة وجعل استحقاق تلك المواقع الرفيعة وجعل استحقاق تلك المواقع للأعلم منهم لأن الله سبحانه وتعالى له سنن في خلقه وأنه قال لا تخلو الأرض من حجة له فيها لأن سبحانه لا يعذب قوماً أو يبتليهم ببعض البلاء دون أن تكون هنالك حجة تسد أبواب العذر أمام الناس بأن تنهاهم عن المنكر وتأمرهم بالمعروف وتوضح لهم أفضل السبل وأرقاها وأن العلم كثير من النفوس تتوق إلى شرف الحصول عليه فتجد وتجتهد فتحصل على قدر منه ولكن ليس كل من حصل على قسط منه يتولى مركز القيادة الشرعية لعموم الناس .
مركز القيادة
إن الله سبحانه قال { لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا } فتعين أن تكون القيادة واحدة ومركز القرار واحد وأن تعدد المراكز يؤدي إلى إفساد النظام ووجود الخلل الذي تترتب عليه آثار سلبية في حركة الحياة ونظام الكون .
وكذلك أشار سبحانه في موقع آخر من كتابه العزيز فقال :{ أطيعوا الله ورسوله ومن يطع الله ورسوله ...} أي قرن طاعة الله سبحانه بطاعة رسوله أي أن طاعة رسول الله إقرار لطاعته سبحانه ولم يجعل طاعة رسوله مستقلة عن طاعته فيكون هنالك خلل في النظام الذي يؤدي إلى الشرك ولكن جعلها دليلاً لطاعته وأمراً منه وإرشاداً لمن آذنه واختياراً لعباده .
وكذلك جعل الإمامة التي هي استمرارية الطاعة لله وللرسول وقرنها بطاعته كما قرن طاعة الرسول بطاعته سبحانه حيث قال:{ أطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر ...} فجعل طاعة الرسول وطاعة أولي الأمر الذين هم الأئمة(عليهم السلام) طاعة له ودليلاً لإمتثال أوامره المركزية .
وأن الإمامة التي أصبحت من المسلمات العقائدية عندنا فتكون طاعة الإمام كقائد شرعي في الدنيا والآخرة لمن نص عليه من قبله ، ومع هذا فأن وجود أمير المؤمنين(عليه السلام) وصدور النص عليه بالعصمة والإمامة ولما يتمتع به من طاقات وإمكانات علمية تضاهي إمكانية الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعطه المبرر للقيادة في حياة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بل كانت القيادة المركزية للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن بعده للإمام أمير ألمؤمنين(عليه السلام) مع وجود إمامين معصومين مسددين من الله وهم الحسن والحسين(عليهما السلام) وكذلك للإمام الحسن مع وجود الحسين فإن القيادة للحسن ووجود الطاعة للإمام الحسن بما فيه طاعة الحسين(عليه السلام) له امتثاله لإمامته .
الزهراء(عليها السلام) والإمامة
إن سلسلة الإمامة منصوصة بالتعين من الله تعالى ، ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) والقيادة متسلسلة حتى قيام الساعة وإن وجود هذا النظام أكدته سيدة نساء العالمين بضعة الرسول الأكرم وزوجة وصيه الأعظم في خطبتها أمام المسلمين عندما تمت البيعة للخليفة الأول واغتصاب حقها في فدك .
أشارت(سلام الله عليها) إلى الإمامة فقالت: { وجعل الله إمامتنا نظاماً للملة } أي أن الإمامة هي القيادة المركزية للناس والتي تضمن وحدة المجتمع وسلامته وسلامة دينه من الانحراف والضلال وسلامة الأحكام الشرعية من التأويل والانحراف وأوضحت سلام الله عليها في هذه الفقرة بأن النظام المركزي للأمة من حيث وحدة القيادة الذي يضمن وحدة المجتمع وسلامته من أي خلل هو الإقرار بالإمامة والطاعة الكاملة للأئمة(عليهم السلام) وإن دون ذلك يحدث الخلل الكبير في حياة الأمة الإسلامية وكما بان ذلك عندما تركت الأمة هذا النظام فانقلبت على عقبيها وأستحوذ عليها الشيطان وأستطمع بثرواتها كل طامع ومستعمر فتأولت كتاب الله واجتهدت بأحكام الله وخرجت عن الدين وخرج الناس عن خط الإسلام الصحيح فلو كانت ملتزمة بخط القيادة المركزية الذي رسمه الله سبحانه وتعالى لعباده دليلاً لطاعته واستحقاقاً لجزيل ثوابه لسلمت من الخلل وآمنت من الزلل والإنحراف .
الإمامة والأعلمية
إن نظام الإمامة نظام متكامل للحياة فلو كان هنالك إمامين متعاصرين في وقت واحد ومكان واحد لكانت طاعة الإمام المنصوص عليه بالأسبقية فرضاً على الإمام الأخر كما كان ذلك في زمن الحسن والحسين فطاعت الحسن على الحسين واجبة والامتثال له واجب وذلك للحفاظ على وحدة القرار ووحدة القيادة والتي تضمن وحدة الأمة وسلامة أمرها ودينها وحياتها المستقرة .
فكذلك تكون القاعدة على الأشخاص الذين حصلوا على قدرٍ من العلم ممن يستحق تبوء مركز القيادة الشرعية النائبة عن مركز أولي الأمر حتى تكون طاعته دليلاً لطاعة أولي الأمر ودليل طاعة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) المنتهية بالنتيجة إلى طاعة الله سبحانه وتعالى وكما وصفها الإمام الصادق(عليه السلام) : { الراد عليهم راد علينا والراد علينا راد على رسول الله والراد على رسول الله راد على الله سبحانه وتعالى } فكما نص الرسول على الأئمة(عليهم السلام) بنص من الله واحد بعد الآخر كذلك نص أهل البيت(عليهم السلام) بتوفر الدليل العلمي لهؤلاء الأشخاص ممن ينوب عنهم(عليهم السلام) وقد أرشد المعصومون(عليهم السلام) إلى حكم العقل والسيرة العقلانية التي أمضوها من الرجوع إلى الأعلم والأمهر إضافة إلى باقي الشروط فتخصيص الأعلم من العلماء باعتباره المتمكن بالرؤية الصحيحة لصالح الأمة وحتى تكون هناك مركزية في القيادة والتوجيه وهذه المركزية تضمن وحدة المجتمع وسلامة نظام الله .
وكما أوجبت طاعة الحسين للحسن(عليهما السلام) أوجبت طاعة غير الأعلم من المجتهدين للأعلم وبالتالي ضمان طاعة الملة له جميعاً وبالتالي سلامة سير المجتمع بطريق صحيح وسليم نحو الكمال والطاعة لله سبحانه وتعالى .
أئمة الضلالة
لقد حذر المعصومون(عليهم السلام) من أمر مهم وهو طموح بعض الأفراد ممن حصلوا على قسط من العلم أن يمنى نفسه بالمناصب الرفيعة الشرعية لأمور المسلمين وما ورد عنهم(عليهم السلام) { إذا دعا عالم الناس إلى نفسه وفي الأمة من هو أعلم منه فهو مدعٍ ضال } أي أن دعوة هذا العالم إلى نفسه لكي تطيعه الناس ويتصرف بأمور الناس لأنه حصل على مرتبة من العلم في أحكام الشريعة وفي الأئمة من هو أعلم منه فهو مبتدعٍ وضال . وأن البدعة والضلالة مصيرها إلى النار ، أي أن علمه لم يكن دليلاً لطاعة الأئمة والأئمة(صلوات الله عليهم أجمعين) التي تنتهي بالنتيجة لطاعة الله سبحانه وتعالى ، ولكن علمه الذي يأمر بطاعة نفسه هي دعوة ضلالة وبدعة تؤدي بالأمة إلى التفكك والتشرد والتشرذم دون أن تؤدي إلى الوحدة والانسجام والطريق الصحيح . فيكون هذا الأمر إشارة حمراء إلى من يدعو إلى نفسه وهو غير مؤهل لإدارة أمور الأمة فتكون القيادة متعددة والأمة متفرقة دون أن تكون القيادة مركزية والأمة موحدة .
وحدة الأمة وسلامة الدين
إن الذي يضمن استتمام النظام ووحدة الأمة هو طاعة الأعلم الذي يتوفر عنده الدليل العلمي الأقوى فتصبح طاعته واجبة وأتباعه واجباً وهذا هو السبيل الذي يضمن وحدة الأئمة وسلامة دينها من الإنحراف والضلال ولذلك أرشد وأكد عليها الأئمة(عليهم السلام) وهو نظام ولاية الفقيه الولاية النائبة عن ولاية المعصوم في عصر الغيبة فعلى جميع المكلفين الذين يبتغون الفضل من الله ويطلبون منه الجزاء الأوفى والذين يرومون أن يكون دينهم في سلامة من الإنحراف والتحريف أن يبحثوا عن الأعلم فيتبعوه وأن معرفة الأعلم في زماننا هذا هو بتوفر الدليل العلمي ووجود الآثار العلمية الراجحة ووجود الدليل الذي لا يقوى عليه دليل أخر لأن الدعوات الكاذبة والعناصر المبتدعة والضالة كثرت في زماننا وأن معرفة الدليل وأثار العالم هو الدليل الوحيد لمعرفة العالم ، وهو طريق طاعة الله ورسوله وأولي الأمر(سلام الله عليهم) .
المناظرة
والمناظرة لها أساليب عديدة منها عن طريق الرسائل والكتب المتبادلة بين طرفين ، ومنها ما يحصل في كثير من الأحيان بين الطلبة وأساتذتهم خلال حلقات الدرس وأوضح مصاديقها عند جلوس طرفين معاً وطرح الأدلة لإثبات الدليل الأقوى وأحقيته . أو بتعبير أخر هو جلوس طرفين كل منهم يحمل أدلة علمية عن موضوع ما أو عن أطروحة ما فيكون هنالك صراع بين الأدلة المطروحة وعند وضوح الدليل وقوته لطرق ما ، يثبت حجية صاحب هذا الرأي على صاحبه وهو طريق شريف لمعرفة الحق والدليل السامي الرفيع ويكون ناتج عن إخلاص الطرفين لمعرفة الحق والحقيقة ، فيذعن الطرف الأقل حجية للطرف الأقوى حجية ويقر له بأحقية أطروحته وصواب دليله وهذه الحالة لا تتوفر عن جميع الناس لوجود الأمراض النفسية وصفة التكبر على الحق . فكل من يدعي أمراً ويمتنع عن طرح دليله ويمتنع عن مناظرة أصحاب الأدلة لإثبات أحقية دليله فإنه مصاب بالتكبر وأن التكبر حجاب كبير يمنع رؤية الحق ، وأن المناظرة طريق شرعي وعقلي ومنطقي وعلمي قد رسمه الأولون .
كتاب الله الحكيم
المناظرة طريق موجود في القرآن بشكل واضح لا يقبل الجدل والرفض فعندما بعث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وطرح أطروحته ، دعا الناس للإيمان بدعوته ، وأمر الله رسوله بمناظرة القوم وتحداهم بأن يعطوه دليلاً أقوى من دليله فقال{ أتوا بسورة من مثله } و{ أدعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين } فأن احتجاج الرسول على القوم بأن يعطوه دليلاً أقوى منه أو دليلاً يفند دليله هو أسلوب المناظرة القرآنية وقال لهم أدعوا من يساعدكم على الدليل وتفنيد دليل النبي وإسقاط حجته ولكنهم عجزوا وعند عجزهم عاندوا وكابروا وواجهوا بأساليب غير أخلاقية وغير شرعية .
وكذلك عندما دعا النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) النصارى للإيمان بدعوته طلبوا منه الدليل فدعاهم للمناظرة { فقال تعالوا ندعوا أبنائنا وأبناءكم ونسائنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ُثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين } فكانت دعوة الأبناء الذين هم صغار ودعوة النساء لطرح الأدلة ونصرة الدعوة الجديدة لم ينم إلا عن أحقية هذه الدعوة وقوة الدليل العلمي الموجود عند الرسول وأهل بيته ، فأن المباهلة من مصاديق المناظرة بطرح الأدلة وعندما تيقن القوم بقوة الدليل عند النبي انسحبوا عن مواجهته وصالحوه على الجزية وهذا هو أسلوب المناظرة المأخوذ من القرآن وسنة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) .
إبراهيــم الخليل(عليه السلام)
وكذلك مناظرة أبينا إبراهيم(عليه السلام) مع قومه عندما كسر أصنامهم وأبقى كبيرهم على سلامة دون أن يكسره وعندما سألوه من هو الذي حطم آلهتنا قال إبراهيم(عليه السلام) أنه كبيرهم فأسالوه وهذا هو أسلوب المناظرة وطرح الدليل فأن طلب منهم البرهان على أحقية هذه الآلهة إن كان يسمع أو يتكلم ويجيب وعندما وجدوا أن إلههم لا ينطق ضعف دليلهم اضمحلت حجتهم وكان إبراهيم هو الأقوى دليلاً والأقوى حجة عجزوا وكابروا وعاندوا وواجهوه بالدليل غير الشرعي واللاأخلاقي وأضرموا النار وأحرقوه وكذلك مسيرة أمير المؤمنين(عليه السلام) يطرح أدلته وحججه وبراهينه المؤيدة لقضيته المشروعة وأحقيته في الخلافة بما نص الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز وبما أشار إليه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في عدة مقامات ومناسبات على أفضليته وأعلميته وأحقيته ولكن القوم كابروا وعاندوا ورفضوا دليله .
وكذلك له مناظرات عديدة مع اليهود والنصارى لإثبات أحقية دينة وأحقية الإسلام بقوة الدليل العلمي وكثير منهم عندما رأوا قوة الدليل أمنوا وأسلموا وتركوا دينهم وأصبحوا مسلمين .
أهل بيت العصمة(عليهم السلام)
لأهل بيت العصمة والطهارة(عليهم السلام) مناظرات عديدة ، مناظرات الباقر(عليه السلام) وكذلك مناظرات الصادق(عليه السلام) مع أبي حنيفة وتأكيده على المناظرة وجسدها عندما طلب من أصحابه مناظرة الشامي وناظروه وأفحموه وقصة أصحاب الإمام الصادق معلومة وخاصة مناظرات هشام بن الحكم حتى قال له الإمام(عليه السلام):{ أحب أن يكون مثلك في شيعتي من يحسن الكلام } أي يحسن المناظرة بطرح الدليل وقوة البرهان وكذلك مناظرات الإمام الكاظم(عليه السلام) والجواد(عليه السلام) في مجلس المأمون والهادي(عليه السلام) والجميع لهم مناظرات عديدة مع علماء المسلمين وكانت المناظرة دائماً أو غالباً تطرح من قبل السلطات الغرض منها الانتقاص من الإمام أمام الناس ولكن الإمام بما عنده من قوة الدليل العلمي وقوة الحجة فأنه ينتصر على كل من خاصمه . وينتصر لحقه وقضيته . والمناظرة ليست بشيء جديد ولكنها طريق سلك لإثبات الحق والحقيقة وحتى الإمام الحجة(سلام الله عليه) عندما سيخرج يناظر خصومه وينتصر عليهم بقوة دليله وبرهان صحته.
السيد عبد الحسين شرف الدين(قدس سره)
جرت هذه السيرة عند علماءنا الأبرار وما مناظرة السيد عبد الحسين شرف الدين مع مفتي الأزهر وإثبات أحقية أهل البيت وقد دونت في كتاب المراجعات وأصبح من المصادر التي يعول عليها بالمراجعة في طلب الدليل .
الشهيد الثاني(قدس سره)
كذلك ما أكده الفقيه زين الدين علي بن أحمد العاملي الملقب بالشهيد الثاني في كتابه(منية المريد في آداب المفيد والمستفيد) الباب الثاني في المناظرة وشروطها وآدابها وهذا الكتاب من الكتب الأخلاقية ويعتبر من كتب ومناهج الحوزة العلمية الشريفة .
السيد الصدر(قدس سره)
كذلك طرح السيد الصدر(قدس سره) أطروحته العلمية ودعوته بالأعلمية مؤيدة بالمؤيدات العلمية وطلب من القوم المناظرة لإثبات حقه وقوة دليله ورفضوا مناظرته فأصابهم ما أصاب القوم من قبلهم من التكبر على الحق والمعاندة والمكابرة والمواجهة بالطرق الغير شرعية واللاأخلاقية .
الصالحون والمتكبرون
أن المناظرة سنة الأنبياء والأوصياء وسنة الأئمة جميعاً وسنة العلماء الصالحين المدافعين عن الحق في كل زمان وأن الذين يرفضون المناظرة هم أتباع تلك الأمم التي خلت من قبل وأما إدعاءهم حتى لا تكون سنة من بعدهم ما هي إلا سنة أضاعوها وبدعة أحيوها للقوم الظالمين .
وإن رفض المناظرة هو صفة المتكبرين على الحق وعدم الإذعان لقبول الحق وعدم ترويض النفوس لقبول الحق وهذا أسلوب أهل الباطل في كل زمان وكما أثبتناها فيما سبق مع الأنبياء والنبي الخاتم وأهل البيت(عليهم السلام) . فكذلك تجري سنتهم على أتباعهم وقد كتب الله لأغلبن أنا ورسلي أن الله لقوي عزيز .
التمهيد لنصرة الإمام المهدي(عليه السلام)
بعد أن عرفنا المناظرة وأهميتها في إثبات أحقية كل دعوى وبيان قوة الدليل لصاحب الدعوى عبر التسلسل الزمني للبشرية ومنذ ظهور النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة وأهل بيته واستخدام هذا الأسلوب العقلي والمنطقي الصحيح لإثبات أحقيتهم وإثبات دليلهم نرى التأكيد على أهميتها في المرحلة المهمة من مراحل زماننا هذا .
فبما أن الإمام المهدي(عليه السلام) هو آخر الأئمة وخاتم الأوصياء ووارث علوم الأنبياء والأوصياء وحامل لواء الحق والعدل ومؤسس الدولة الإلهية العادلة في ظرف الظلم والانحراف والضلال وإضاعة الحق وانتشار الباطل فأن من الأهمية البالغة استخدام أسلوب لبيان الحق وإثبات توضيح معالمه وطريقه وبما أن الباطل قد أنتشر وكثرت فنونه وأساليبه كان من الأهم أن نستخدم أسلوب التمهيد للحق وقبول أدلته ولابد من طرح أساليب وصور تمهيد لقبول الأدلة العلمية التي تطرح لتأييد الحق وصاحب الحق ومن هذه الصور والأساليب إحياء أسلوب المناظرة مع الأطراف خاصة مع من يدعي المرجعية والنيابة عن المعصوم(عليه السلام) لإثبات أحقية دعوة الحق وقوة دليلها وحجيتها فأن ظهوره(سلام الله عليه) سيرافق تطور الحياة بكل جوانبها الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وسيأخذ طابعاً غير مألوف وصيغة لمواجهة الأحداث غير طبيعية فأن القوة المخابراتية للأعداء وسبل الحصول على المعلومات وقوة التكنولوجيا الحديثة وتقنيتها ستكون عاملاً مهماً لمعرفة المهمة التمهيدية المناسبة لتحقيق الاستعدادات لنصرة الإمام(عليه السلام) عند ظهوره(عليه السلام وعجل الله تعالى فرجه الشريف) وبما أن العصر عصر العلم فلابد أن يكون هناك أسلوباً لمواجهة المرحلة بأسلوبها المطروح .
الممهدون
إدراكاً للظروف الموضوعية والذاتية وإدراكاً لصعوبة تلك المرحلة أدرك العلماء المخلصون(رضوان الله عليهم) لاستخدام بل لإحياء أسلوب مهم وعلمي وعقلاني لترويض أذهان الناس وقلوبهم لأعدادهم نفسيا لاستقبال أطروحة الحق الجديدة والتعامل معها تعاملاًً موضوعياً متزناً دون أن يكون هناك التواء أو التفافاً حول الأطروحة الجديدة .
فلقد أكد السيد الصدر(قدس سره) . على المناظرة وأعتبرها الوسيلة الوحيدة والرئيسية لبيان قوة دليله وإثبات أعلميته على العلماء وبعد أن استقبلت الناس أطروحة السيد الجديدة ورفضها أكابر القوم، أخذ سيل الأفكار الجديدة ومفاهيمها تطرح في الساحة وما صلاة الجمعة إلا أحد ظواهر ومصاديق الأطروحة الجديدة فكانت المواقف في بدايتها سلبية وواجهتها كل أو جل الواجهات العلمية والمؤسسات الحوزوية وألقيت الشبهات ضدها واعتبرتها بدعة وضلالة وأنها خارجة عن الدين وأن هذه الصلاة لا تقام إلا في زمان حضور الإمام وأن إمام الجمعة لا يملك بسط اليد ولكن السيد(قدس سره) أصر على أقامتها وقد أقيمت في جميع المحافظات وبعد فترة عندما لاحظ السيد(رضوان الله عليه) استقبال الأطروحة الجديدة وقبولها بشكل مركزي في مسجد الكوفة المعظم وبإمامته وبدأ أسلوباً مباشراً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى رأس المنكر الذي تواجد وتغلغل في داخل المؤسسة الحوزوية الشريفة حيث تبوأ البعض مواقع القيادة المركزية النائبة بغير حق وبغير دليل وحذرهم من هذا الواقع ومن آثاره السلبية على الدين والمذهب والمجتمع وبما تؤول خدمته لأعداء الدين والمذهب وأعداء الإمام المنتظر(عليه السلام) ولكن القوم أبوا إلا أن يواجهوه بالطرق غير الشرعية واللاأخلاقية ولكنه(قدس سره) أستمر بتوعية القاعدة الشعبية لخطورة مثل هذه الأمور على ديننا الحنيف ومذهبنا الشريف . واستمرت الأفكار الجديدة تطرح على الساحة لتهيئة الناس لقبول كل جديد يدعم ويؤيد الحق ويخالف الباطل وأن كل طرح سيواجه بداية بالرفض والنقد ولكن بعد فترة سيحذو الناس المخلصون حذو السيد(قدس سره) ومن تبعه بإخلاص لنصرة الدين ، ولنتذكر كلام السيد(قدس سره) عندما قال أنهم سينتقدون صلاة الجمعة ولكنهم سيحذون حذونا ويطبقونها، وهذا دليل بصيرته الثاقبة وتحليله للأحداث وإدراكه للمهمة الشريفة للمرحلة المهدوية المقبلة .
الممهد الجديد
وبعد استشهاد السيد الصدر(قدس سره) أخذت الناس تبحث عن ممهد آخر وتبحث عن أطروحة جديدة تنتقل من خلالها إلى مرحلة أفضل نحو مرحلة الظهور المقدس ولكن الظهور الجديد لم يكن تلبية لرغبات خاصة وإرضاء لذواتهم ولكنه ظهور جديد هو الظهور المنسجم مع المرحلة الراهنة والمتفاعلة مع أحداثها وجديدها والتي تتطلب ان يكون مبلغها وقائدها أقوى وأبلغ من سابقه لأن النفوس التي استقبلت أفكار السيد الصدر لابد أن تمتحن بأقوى منها لكي تبرهن على صدقها ولكي تتهيأ على استقبال الأقوى من بعدها وهي أطروحة صاحب الحق(عجل الله تعالى فرجه الشريف) .
فظهور السيد الحسني(دام ظله) بأطروحته الجديدة تحمل عدة معاني وعدة مفاهيم ولكنها تستند في انطلاقتها على المرحلة التي سبقتها أو تستند في بناءها على أساس القاعدة السابقة في إثبات حجيتها وكانت المناظرة تمثل الدليل الرئيس لإثبات أحقية دعوته أو برهانه ووضوح دليله العلمي وقوته ومعرفة آثاره ومنهجه .
متطلبات المرحلة
وإدراكاً لظروف المرحلة الراهنة ولاختلافها مع ظروف المرحلة التي سبقتها ولاستفادتها مما طرح في المرحلة السابقة . بدأت الأطروحة الجديدة للسيد الحسني بإضافة أساليب ووسائل جديدة لتحقيق الهدف منها :
1- الأسلوب الأول : الوسيلة المباشرة مع الناس والتحدث المباشر وكشف الحقائق المخفية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومطالبة العوام بل الوجوب عليهم وإلزامهم بعد إيمانهم بقضيته أن يحملوا هذه الأفكار وهذه الأطروحة إلى جميع الناس . وأن يحملوها إلى المراجع وأن يطالبوهم بالمناظرة المباشرة مع سماحته في أي موضوع وفي أي مكان يرغبون به حتى تقف الناس على صدق دعوى كل مدعي وحتى تعلم الناس من هو الصادق ومن هو المتوهم الكاذب والمخادع وكانت أطروحة السيد(دام ظله) الجديدة تحمل في طياتها الإصلاح لأمر الحوزة وكشف الانحراف في مسيرتها وعزل العناصر غير الشرعية وغير الكفوءة لتحمل شرف المسؤولية لقيادة المجتمع والمتخلية عن مسؤولية القيام بأي فعل وعمل يهيئ الناس لاستقبال قائم آل محمد(عليه السلام وعجل الله تعالى فرجه الشريف) ولتحقيق الاستعداد العالي للنهوض معه وتحمل المشاق وحمل الأرواح على الأكف لنصرة الحق وحمله إلى العالم وأرجاء المعمورة . ثم أنتقل هذا الأسلوب إلى الكشف الواقعي لعمل الحوزة وتأييد المؤسسات الباطلة على رموز الحوزة والتشخيص المباشر بالاسم والوصف لمعرفة أعمالهم وحتى لا يبقى غطاء (فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) وحتى لا يكون هناك تهاون في محاربة الباطل والمداهنة معه وحتى يعلم جميع الناس بكافة الطبقات إن الأسلوب المؤسساتي في الحوزة هو على منهج معاوية وآل مروان ولم يكن منهج أهل البيت وأن آل مروان هم أعداء أهل البيت وما إتباعهم ونصرتهم إلا الوقوف ضد قائم آل محمد(عليه السلام) ولا فرق في هذا بين المجتمع السني والمجتمع الشيعي ولا فرق بين مجتمع الحوزة ، وعلى الأمة أن تفتش وتبحث وتعرف أسلوب التمحيص العلمي والشرعي والأخلاقي عن مثل الحوزة الشريفة الملتزم بمنهج أهل البيت والممهد الحقيقي الصادق لصاحب الطلعة البهية الهاشمية من عترة آل محمد(صلوات الله عليهم أجمعين) .
فأستقبل المؤمنون هذه الأطروحة وامتلكوا الجرأة والشجاعة والإدراك الواعي لمعرفة ونصرة الحق وأهله ومعرفة الباطل وأهله ومحاربتهم وتهيأ المخلصون لاستقبال كل جديد وغير مألوف صدر من قبل سماحة السيد الحسني بأفكاره ومنهجه وأطروحته الجديدة ، وأنني والله رأيت بأم عيني وسمعت بأذني موقف الرجل الثابت على الحق الملتزم بنهجه الواثق من قدرته العلمية وهو يجيب على أحد الإشكالات المثارة فيقول الآن الساعة الواحدة من يوم الجمعة المصادف من الشهر كذا إنني أتحدى جميع العلماء بالمناظرة إنني أتحداهم جميعاً فليجتمعوا كلهم ويكونوا عوناً فيما بينهم وأنا في جانب وإنني مستعد لمناظرتهم، أيها الناس أذهبوا إليهم وقولوا لهم وليحددوا المكان والموضوع هم لا أنا ... فأي ثقة هذه وأي قدرة علمية وأي صرخة محمدية علوية حسنية حسينية هذه تقبلها المؤمنون بكل سرور وبتفاعل وإدراك ورفضها الباطل من رموزه حتى إتباعه وهذه أبلغ صورة للتمهيد .
2- الأسلوب الثاني :- وهو أسلوب الكتابة التحريرية وهو أثبات الدليل العلمي تحريراًً ونقل الأفكار الجديدة لمن لا تتوفر له فرصة المشاهدة واللقاء مع سماحته مباشرة والإطلاع على هذه الأفكار وقراءتها عدة مرات والتمعن من أهدافها وأبعادها ومعانيها وجوهرها وهو أسلوب علمي للتبليغ كما هو أسلوب صلاة الجمعة .
3- الأسلوب الثالث:- وهو أسلوب استخدام أشرطة التسجيل الصوتي والكاسيت الفيديو للإطلاع السمعي والصوري على أفكار وردوده ولقاءاته وبحوثه وبهذا يتمكن الشخص من سماعها أكثر من مرة وهو أسلوب آخر لتبليغ الدعوة وبيان أحقيتها .
المحاربون للمهدي
وبعد استخدام تلك الأساليب الثلاثة وانتشار الدعوة الجديدة والأفكار الجديدة على الساحة وإيمان الناس بها ومع كل هذا نجد العلماء لم يستجيبوا لها وأظهروا العداء كما كان موقفهم مع السيد الصدر(قدس سره) سلفاًًً .
فأوضح سماحته أن هؤلاء وأمثالهم ومن سار على خطهم ورضي بعملهم سيقفون الموقف الظالم ضد الإمام المعصوم وأن هذه المرحلة شبيهة بمرحلة الظهور المقدس وإن عدم استقبال هذه الدعوة وهذه الأفكار هو عدم استقبال أفكار الإمام(عليه السلام وعجل الله تعالى فرجه الشريف) وأطروحته الجديدة للناس .
وأن أحدهم سيقول للمهدي (أرجع من حيث أتيت) كما ورد في الأحاديث وبهذا استطعنا أن نجعل صورة واضحة لهذا الموقف الظالم الرافض للإمام ولأطروحته وأفكاره وأوضحنا يقيناً كيف يمكن للعالم الذي اقتدى به الناس أن يرفض الإمام ودعوته الحقة فأي علم هذا وأي رسالة وأي قيادة كانت له وأي ضلالة كان فيها وأي سبيل سلك فيه وأضل الناس معه .
الصورة عند ظهور الإمام(عليه السلام)
لماذا يقولون هذا القول ((أرجع من حيث أتيت)) ويرتكبون هذا الموقف الظالم هل هو عن جهل بالإمام أو عن علم به ؟
إن هذا الكلام الوارد ذكره سيقوله أهل الباطل بكل جرأة ووقاحة للإمام المهدي(عليه السلام) وبالمباشر عند وجوده في الكوفة فكيف يقع هذا الكلام من قبل فيومئ بالرموز ويمكن تصوير هذا الموقف على حالتين :-
1- الحالة الأولى:- وهو ظهور الإمام بشخص رجل الدين يماثلهم بالملبس والطرح العلمي والدعوة الدليل وعليه يدرك العقل إنه يحاججهم بما يملكون ويدعون امتلاكه من علم في الفقه والأصول وغيرهما والروايات أيضا تشير إلى أنه يطلب المناظرة معهم لإثبات دليله فيرفضون ذلك وإذا حاججهم بقوة دليلة وقال لهم أنا الحجة عليكم وأريد أن أنقذكم فسيقولون له أرجع من حيث أتيت لا حاجة لنا فيك فإن دين محمد بخير، فالحوزات موجودة والطلبة يطلبون العلم والأموال كثيرة والصلوات مقامة والزيارات مستمرة لا شيء يمس الدين يستحق الذكر لكي تدعو له ، وفي مثل هذه الحالة هم على يقين أنه صاحب حق لكن يخفى عليهم أنه المعصوم(عليه السلام) .
2- الحالة الثانية :- أنهم يعلمون أنه هو الإمام بعينه بكل ما يحمل من صفات معلومة عند الجميع فإنه ولي الله وحجته وصاحب السطوة العليا وصاحب الانتصار الموعود على جميع الظلمة والطغات في الأرض وصاحب السيف الذي يقطع رؤوس المنحرفين والظالمين والجائرين المرتدين لباس الدين لخداع الناس وإضلالهم .
فهل يقبل العقل إن هؤلاء المنتفعين الذين يعلمون الناس علامات الظهور وصفات الإمام(عليه السلام) ويعلمون من هو المهدي(عليه السلام) يقفون ضده ويرفضون بكل ما جاء به علماً أنهم يعلمون إن الوقوف ضده هو عملية إنتحارية من قبلهم لأن مصيرهم هو الفشل والقتل بيده وبسيفه سيف الحق فيصيبهم الخزي في الدنيا والنار في الآخرة وما دام العقل لا يقبل مثل هذه الأطروحة المتمثلة بالحالة الثانية فلا يبقى حسب اعتقادي إلا الحالة الأولى فهي الأصوب والأرجح عقلائياً وقبولاً عند كل من عرف ويعرف حقائق شخصية الإمام(عليه السلام) القيادية ودوره في عملية إصلاح العالم . فإن ما ذكره الشيخ علي الكوراني في كتاب عصر الظهور بان الإمام يعمل كقائد جماهيري في الكوفة قبل ظهوره العلني في مكة فيستقطب جموع المؤمنين لما يرون من قوة الدليل العلمي وسعة علمه وقدرته دون أن يعرفوا شخصه وأن هذا الوصف يصح تطبيقه على الحالة الأولى من أن الإمام(سلام الله عليه وأرواحنا لمقدمه الفداء) سيخرج في الكوفة مدينة العلم والعلماء وسيظهر بأطروحة علمية جديدة وبدليل علمي ويدعوا الناس إليه ويطلب المناظرة لإثبات دليله وأحقيته بالحجة والبرهان من العلماء الموجودين فإن الناس الذين استقبلوا أطروحة السيد الصدر ومن بعده أطروحة السيد الحسني واعتبروا المناظرة هي وسيلة اختبارية وحيدة أو رئيسية لقوة دليلهم وأحقية دعوتهم هم الذين يقبلون الأطروحة الجديدة فالذين قبلوا المناظرة بالأمس يقبلون أطروحة الإمام والذين رفضوا المناظرة لإثبات دعوات الأمس سيرفضون المناظرة وقبول دعوة المهدي(عليه السلام) .
وفي الختـــام
هذه قاعدة التمهيد الذي أسسها سلك مسلكها الممهدون الصالحون الصدر(قدس سره) والحسني(دام ظله) ووفقنا الله لطاعته فأنه(دام ظله) عندما يقف بين مقلديه ويقول عندما يظهر رجل يدعوا للأعلمية والمناظرة سأناظره فإن كان دليله أقوى وحجته أبلغ أتبعه وآمركم بإتباعه وهذه هي صورة التمهيد الحقيقي لمرحلة ظهور الإمام(سلام الله عليه) . فأن المناظرة لم تكن صيغه مرحلية ولدت صدفة وأعتباطاً ولكنها استناداً للفهم الصحيح وإدراكاً للمرحلة الراهنة وهي مرحلة استقبال الإمام(عليه السلام وعجل الله تعالى فرجه الشريف) والتهيئة والاستعداد لقبول أطروحته وأفكاره الجديدة . فسلام الله عليكم أيها الممهدون والحمد لله الذي رزقنا أتباعكم ومعرفتكم ونسأل الله سبحانه بأن يجعلنا ممن يرى الحق حقاً فيتبعه ويرى الباطل باطلاً فيتجنبه ونسأله أن يوفقنا لطاعتكم لكي تأخذوا بأيدينا إلى بيعة قائدنا وإمامنا وولي عصرنا وزماننا أرواحنا لمقدمه الفداء والتشرف برؤيته وخدمته ونصرته وإقامة حدود الله بين يديه والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين .
1 / جمادي الأول / 1423هـ
أبو أحمد
أحد مقلدي
سماحة السيد الحسني(دام ظله)
تعليق