خبر خالد بن الوليد والطوق
عن جابر بن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن العباس قالا: كنّا جلوساً عند أبي بكر في ولايته وقد أضحى النهار وإذا بخالد بن الوليد المخزومي قد وافى في جيش قام غباره، وكثر صواهل خيله، وإذا بقطب رحى ملوي في عنقه قد فتل فتلا، فأقبل حتّى نزل عن فرسه بازاء أبي بكر، فرمقه الناس بأعينهم وهالهم منظره.
ثمّ قال: أعدل يا ابن أبي قحافة حيث جعلك الناس في هذا الموضع الذي ليس له أنت بأهل، وما ارتفعت إلى هذا المكان إلاّ كما يرتفع الطافي(1) من السمك على الماء، وإنّما يطفو ويعلو حين لا حراك به، ما لك ولسياسة الجيوش، وتقويم العساكر، وأنت بحيث أنت من لين(2) الحسب، ومنقوص النسب، وضعف القوى، وقلّة التحصيل، لا تحمى ذماراً، ولا تضرم ناراً، فلا جزى الله أخا ثقيف وولد صهاك خيراً.
إنّي رجعت منكفئاً(3)من الطائف إلى جدّة في طلب المرتدّين، فرأيت ابن أبي طالب ومعه رهط عتاة من الدين، حماليق شزرت أعينهم من حسدك(4) وبدرت حنقاً عليك، وقرحت آماقهم لمكانك منهم، ابن ياسر، والمقداد، وابن جنادة، وأخو غفار، وابن العوام، وغلامان أعرف أحدهما بوجهه، وغلام أسمر لعلّه من ولد عقيل أخوه، فتبيّن لي المنكر في وجوههم، والحسد في احمرار أعينهم، وقد توشّح عليّ بدرع رسول الله صلى الله عليه وآله، ولبس رداءه السحاب، ولقد أسرج له دابته العقاب، وقد نزل على عين ماء [اسمها روبة]
فلمّا رآني اشمأزّ وبربر(5)، وأطرق موحشاً يقبض على لحيته، فبادرته بالسلام استكفاء شرته واتقاء وحشته، واستغنمت سعة المناخ وسهولة المنزل، فنزلت ومن معي بحيث نزلوا اتقاء عن مراوغته، فبدأني ابن ياسر بقبيح لفظه ومحض عداوته، فقرعني هزواً بما تقدّمتَ به إليّ بسوء رأيك.
فالتفت إليّ الأصلع الرأس، وقد ازدحم الكلام في حلقه كهمهمة الأسد أو كقعقعة الرعد، فقال لي بغضب منه: أوكنت فاعلا يا أبا سليمان؟ فقلت: والله لو أقام على رأيه لضربت الذي فيه عيناك، فأغضبه قولي إذ صدقته، وأخرجه إلى طبعه الذي أعرفه له عند الغضب فقال: يا ابن اللخناء! مثلك من يقدر على مثلي أن يجسر، أو يدير اسمي في لهواته التي لا عهد لها بكلمة حكمة؟ ويلك إنّي لست من قتلاك ولا قتلى صاحبك(6)، وإنّي لأعرف بمنيّتي منك بنفسك.
ثمّ ضرب بيده إلى ترقوتي فنكسني عن فرسي، وجعل يسوقني دعّاً إلى رحى للحارث بن كلدة الثقفي، فعمد إلى القطب الغليظ فمدّ عنقي بكلتا يديه وأداره في عنقي ينفتل له كالعلك المسخن، وأصحابي هؤلاء وقوف ما أغنوا عنّي سطوته، ولا كفوا عنّي شرته، فلا جزاهم الله عنّي خيراً، فإنّهم لمّا نظروا إليه كأنّهم قد نظروا إلى ملك موتهم، فوالذي رفع السماء بلا عمادها لقد اجتمع على فك هذا القطب مائة رجل أو يزيدون من أشدّ العرب فما قدروا على فكّه. فدلّني عجز الناس عن فتحه انّه سحر منه أو قوّة ملك قد ركبت فيه، ففكّه الآن عنّي إن كنت فاكّه، وخذ لي بحقّي إن كنت آخذاً، وإلاّ لحقت بدار عزّي ومستقر مكرمتي، قد ألبسني ابن أبي طالب من العار ما صرتُ به ضحكة لأهل الديار.
فالتفت أبو بكر إلى عمر وقال: ما ترى إلى ما يخرج من هذا الرجل؟! كأنّ ولايتي والله ثقل على كاهله أو شجاً في صدره، فالتفت إليه عمر فقال: فيه والله دعابة لا تدعه حتّى تورده فلا تصدره، وجهل وحسد قد استحكما في جلده(7)، فجرى منه مجرى الدماء لا يدعانه حتّى يهينا منزله، ويورطاه ورطة الهلكة.
يتبع
عن جابر بن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن العباس قالا: كنّا جلوساً عند أبي بكر في ولايته وقد أضحى النهار وإذا بخالد بن الوليد المخزومي قد وافى في جيش قام غباره، وكثر صواهل خيله، وإذا بقطب رحى ملوي في عنقه قد فتل فتلا، فأقبل حتّى نزل عن فرسه بازاء أبي بكر، فرمقه الناس بأعينهم وهالهم منظره.
ثمّ قال: أعدل يا ابن أبي قحافة حيث جعلك الناس في هذا الموضع الذي ليس له أنت بأهل، وما ارتفعت إلى هذا المكان إلاّ كما يرتفع الطافي(1) من السمك على الماء، وإنّما يطفو ويعلو حين لا حراك به، ما لك ولسياسة الجيوش، وتقويم العساكر، وأنت بحيث أنت من لين(2) الحسب، ومنقوص النسب، وضعف القوى، وقلّة التحصيل، لا تحمى ذماراً، ولا تضرم ناراً، فلا جزى الله أخا ثقيف وولد صهاك خيراً.
إنّي رجعت منكفئاً(3)من الطائف إلى جدّة في طلب المرتدّين، فرأيت ابن أبي طالب ومعه رهط عتاة من الدين، حماليق شزرت أعينهم من حسدك(4) وبدرت حنقاً عليك، وقرحت آماقهم لمكانك منهم، ابن ياسر، والمقداد، وابن جنادة، وأخو غفار، وابن العوام، وغلامان أعرف أحدهما بوجهه، وغلام أسمر لعلّه من ولد عقيل أخوه، فتبيّن لي المنكر في وجوههم، والحسد في احمرار أعينهم، وقد توشّح عليّ بدرع رسول الله صلى الله عليه وآله، ولبس رداءه السحاب، ولقد أسرج له دابته العقاب، وقد نزل على عين ماء [اسمها روبة]
فلمّا رآني اشمأزّ وبربر(5)، وأطرق موحشاً يقبض على لحيته، فبادرته بالسلام استكفاء شرته واتقاء وحشته، واستغنمت سعة المناخ وسهولة المنزل، فنزلت ومن معي بحيث نزلوا اتقاء عن مراوغته، فبدأني ابن ياسر بقبيح لفظه ومحض عداوته، فقرعني هزواً بما تقدّمتَ به إليّ بسوء رأيك.
فالتفت إليّ الأصلع الرأس، وقد ازدحم الكلام في حلقه كهمهمة الأسد أو كقعقعة الرعد، فقال لي بغضب منه: أوكنت فاعلا يا أبا سليمان؟ فقلت: والله لو أقام على رأيه لضربت الذي فيه عيناك، فأغضبه قولي إذ صدقته، وأخرجه إلى طبعه الذي أعرفه له عند الغضب فقال: يا ابن اللخناء! مثلك من يقدر على مثلي أن يجسر، أو يدير اسمي في لهواته التي لا عهد لها بكلمة حكمة؟ ويلك إنّي لست من قتلاك ولا قتلى صاحبك(6)، وإنّي لأعرف بمنيّتي منك بنفسك.
ثمّ ضرب بيده إلى ترقوتي فنكسني عن فرسي، وجعل يسوقني دعّاً إلى رحى للحارث بن كلدة الثقفي، فعمد إلى القطب الغليظ فمدّ عنقي بكلتا يديه وأداره في عنقي ينفتل له كالعلك المسخن، وأصحابي هؤلاء وقوف ما أغنوا عنّي سطوته، ولا كفوا عنّي شرته، فلا جزاهم الله عنّي خيراً، فإنّهم لمّا نظروا إليه كأنّهم قد نظروا إلى ملك موتهم، فوالذي رفع السماء بلا عمادها لقد اجتمع على فك هذا القطب مائة رجل أو يزيدون من أشدّ العرب فما قدروا على فكّه. فدلّني عجز الناس عن فتحه انّه سحر منه أو قوّة ملك قد ركبت فيه، ففكّه الآن عنّي إن كنت فاكّه، وخذ لي بحقّي إن كنت آخذاً، وإلاّ لحقت بدار عزّي ومستقر مكرمتي، قد ألبسني ابن أبي طالب من العار ما صرتُ به ضحكة لأهل الديار.
فالتفت أبو بكر إلى عمر وقال: ما ترى إلى ما يخرج من هذا الرجل؟! كأنّ ولايتي والله ثقل على كاهله أو شجاً في صدره، فالتفت إليه عمر فقال: فيه والله دعابة لا تدعه حتّى تورده فلا تصدره، وجهل وحسد قد استحكما في جلده(7)، فجرى منه مجرى الدماء لا يدعانه حتّى يهينا منزله، ويورطاه ورطة الهلكة.
يتبع
تعليق