بسم الله الرحمن الرحیم
المقدمة
قال تعالى في سورة الكهف: ((لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا {38} ... وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا {55} ... قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا{110})).
إنَّ التحذير من الغلو ورد بروايات عديدة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآل البيت الأطهار (صلوات الله عليهم) من طرق الخاصة والعامة، ولعل احدها ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: (أيها الناس إياكم والغلو في الدين، إنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)[1].
وليس مستغرباً أن يكون هناك رأي في العقيدة يستند اليه البعض وهو متعلق بقصة المسيح (عليه السلام) في القرآن الكريم، ومن لوازم هذا الرأي أن يكون هناك غلو في المسيح (عليه السلام) ومن ثم غلو فيما يستنبطونه من عقيدة مماثلة ينسبونها للأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم)! فقد انبأنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنَّ هذه الأمة ستتبع سنن من كان قبلها من الأمم.
والرواية الدالة على ركوب هذه الأمة سُنن مَن كان قبلها من الأمم مروية من طرق الخاصة والعامة بألفاظ ومعاني متقاربة.
فمن طرق العامة، ننتخب ما روي عن ابي سعيد الخدري (رضوان الله عليه) انه حدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: (لتتّبِعن سُنن من قَبلكُم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جُحرَ ضَبٍ لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن!)[2].
ومن طرق الخاصة، ننتخب ما رواه الشيخ الصدوق في كتابه كمال الدين: (عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كلما كان في الأمم السالفة فإنه يكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة). وفي رواية أخرى في نفس الباب: (عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: والذي بعثني بالحق نبيا وبشيرا لتركبن أمتي سنن من كان قبلها حذو النعل بالنعل حتى لو أن حية من بني إسرائيل دخلت في جحر لدخلت في هذه الأمة حية مثلها)[3].
ولو تدبرنا آيات القرآن الكريم لوجدناها متعلقة بوجود الإله (تبارك وتعالى) وتوحيده، وكل ما فيه يدور في هذا المدار، وليس حول أية شخصية أخرى من البشر أو الملائكة أو غيرهم. وفيما يخص موضوعنا في هذا المقال يصح ان نقول أنَّ القرآن الكريم لا يدور حول شخصية المسيح (عليه السلام) حتى في زمن حياته وبعثته ودعوته، ولا حول شخصية أيٍ من المعصومين (صلوات الله عليهم)، وكل ما نزل فيه من عقائد إنما هدفها النهائي تحقيق إيمان الإنسان بوجود الله وتوحيده (جلَّ جلاله)، فلم يكن للمسيح (عليه السلام) دور في انتاج المعجزة ولا علّم اتباعه ان تكون شخصيته محوراً لدعوته بل المحور هو الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: ((فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) {آل عمران (عليهم السلام):52}. فحينما دعاهم ((قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ)) فأجابوه: ((نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ)) ولم يقولوا نحن انصارك، ولو قالوا ذلك لصدقوا لكونه مرسل من قبل الله تعالى فتكون نصرته نصرة لله تعالى، ولكن الآية عبرت عن قولهم مباشرة أنَّهم أنصار الله لأن هذا ما تعلموه من المسيح (عليه السلام) أنَّ وجود الله (تبارك وتعالى) وتوحيده هو مدار دعوته ودعوة ورسالة الأنبياء جميعهم (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، وانَّ المسيح (عليه السلام) حتى بعد ظهور المعجزات على يديه لم يدّع أنَّها بقدرته، ولذلك تجد تلاميذه وقد فهموا الدرس جيداً وفهموا مطلب دعوته أجابوه: ((نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ)).
فأما الغلو عند بعض الشيعة والذي نترصده بمقالنا هذا فهو ما ينسبونه للمسيح (عليه السلام) من "قدرة ذاتية" على خلق الطير وإحياء الموتى وغيرها، وهم يذهبون الى ذلك لتفسيرهم برأيهم الآية الكريمة قوله تعالى: ((أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَأُحْيِي المَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ))، بأنه من خلال "قوة ذاتية" عند المسيح (عليه السلام) – بينما الذي ذهب اليه علماء الشيعة الأبرار (رضوان الله عليهم) في القرون العشرة الأولى (قبل تغلغل الفكر الصوفي في التشيع بسبب أفكار ملا صدرا والشيخ احمد الاحسائي)، انَّ المعجزات تكون من خلال الدعاء. أيضاً قد تحدث المعجزات إن شاء الله (سبحانه وتعالى) بتسخير كائنات للمعصومين (عليهم السلام) فيكونوا طوع أمرهم – بينما يقول اولئك أنَّه يمكن لله تعالى ان يخلق في الانسان "قدرة ذاتية" تمكنه من احداث معجزات ولو بصورة محدودة! وينسبون مثل هذه الـ "قدرة ذاتية" المحدودة في سعتها ومرات تكرارها للمسيح (عليه السلام) ثم ينطلقون منها لينسبونها بنحو اوسع لآل البيت الأطهار (صلوات الله عليهم)!! وهنا هو مربط الفرس، فأولئك يريدون اتخاذ الغلو بالمسيح (عليه السلام) منطلقاً للغلو بآل البيت الأطهار (عليهم السلام) بإعتبارهم أفضل منه، فما يكون له يكون لهم بصورة اوكد لأنهم أفضل منه.
فإن قيل لماذا يستحيل ان يكون للمسيح (عليه السلام) ولا لأحد من البشر المعصومين (عليهم السلام) "قدرة ذاتية" على الخلق؟ الجواب يكمن في أنَّ الذين قالوا ان للمسيح (عليه السلام) "قوة ذاتية" وهبها الله تبارك وتعالى له لتمكِّنه من الخلق والاحياء الخ لازم قولهم أنَّ هذه القوة هي "قوة الهية" لان القدرة على صنع المعجزات بالاصل هي من قدرات الإله الذاتية، واصبحت بحسب زعمهم جزءً من قوى المسيح (عليه السلام) وبها يصنع تلك المعجزات! فتكون لديه قوى بشرية كسائر القوى والى جانبها "قوة إلهية" تفرد بها عن البشر يصنع بها المعجزات! فما اشد شبه قولهم هذا بقول النصارى في أنَّ المسيح له طبيعة لاهوتية (إلهية) الى جانب طبيعة ناسوتية (بشرية)!!
وضمن نفس السياق فكل الذين يقولون ان للأئمة الاطهار (عليهم السلام) "قوى ذاتية" بها يصنعون المعجزات يكون لازم قولهم ان لهم طبيعة الهية (لاهوت) يتمثل بتلك "القوة الذاتية" التي يزعمون ان الله سبحانه وضعها فيهم كما وضعها قبلهم في المسيح (عليه السلام)!!
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ
الذين يقرأون هاتين الآيتين الكريمتين، قوله تعالى
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) {الشورى: 11}. وقوله تعالى: ((وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)) {الاخلاص: 4}. كيف يتغافلون عنهما وأنَّه سبحانه لم يكن له كفواً احد، لا مكافئة كليِّة ولا جزئيِّة، وأنَّه تبارك وتعالى ليس كمثله شيء سواء كان ذلك الشيء جزئيّاً أم كليّاً، مؤقتا ام دائمياً، قليلاً ام كثيراً، صغيراً ام كبيراً، ام غير ذلك!
فهل يصح القول عندهم أنَّ الاله يخلق الهاً مثله!! أو أنَّه تبارك وتعالى يخلق كائناً يعطيه بعد حين جَنبَة أو طبيعة الهية جزئية او كلية!! استغفر الله من هذا البهتان.
وبناءً على مطلبهم بوجود "قوة ذاتية" عند المعصوم (عليه السلام) سواء كان ذلك المعصوم المسيح (عليه السلام) أو واحداً من الأئمة الأطهار (عليهم السلام) فهل يكون في حال استعماله تلك "القوة الإلهية" المزروعة فيه - على حد مزاعمهم - ذو طبيعة لاهوتية أم ناسوتية؟! وهل يصح ان يقال له في تلك اللحظة انَّه إله أم لا يصح وقد تلبس بصفة إلهية حين إحداثه المعجزة!!! ام قد يقولون انه إنسان يستعمل قوة إلهية موضوعة فيه من قبل الله وبإذن الله!! فيكون وحاله هذا إنسان بقوة إلهية تصنع ما يصنع الله تعالى رغم قوله تعالى: ((وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)). وأما قول هؤلاء بأنَّه يصنع ما يصنع الله بإذن الله فلازمه أن يكون مكافئاً لله بإذن الله في إحداث تلك المعجزة!! فهل يتخذ الله من شريك في خلق معجزة معينة أم يكون هناك شريك لله في إحداثها بإذنه!! مالكم كيف تحكمون!! أم يكون هناك من يماثل الله تعالى في خلقه ولو لمرة واحدة!!؟
ومن جهة اخرى، من قال لهم أنَّ عبارة "إذن الله" هي بمعنى تفويضه احداً من مخلوقاته ان تكون له "قوة إلهية" كقوته وهو الجبار المتكبر، قال تعالى: ((مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ۖ سُبْحَانَهُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)) {مريم: 53}.
وقال تعالى: ((وَقُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً)) {الاسراء:111}. وهؤلاء يريدون ان يقولوا ان الله اتخذ له شريك في صنع معجزة معينة! وهذا مفاد قولهم انَّ المعجزات تحدث "بقوة ذاتية بإذن الله" أي بتفويضه للمعصوم (عليه السلام) إحداثها، وليس لها معنى آخر!!
انَّ القائلين بوجود "قوة ذاتية" في المعصوم (عليه السلام) تمكِّنه من فعل المعجزات يعني أنَّ اولئك اضافوا الى بشرية المعصوم (عليه السلام) درجة لاهوتية (الهية) فيكون له جانب الهي بمقدار ما اضيفت له من "قوة إلهية"!! فهل يقبل مسلم موحد بأن يكون لله شريك ولو شريك جزئي، في إلوهيته ام هل يقبل مسلم أن يقال انَّ لله "شريكاً بإذنه" بإعتبار تفسيرهم بالرأي لقوله تعالى على لسان المسيح (عليه السلام): ((فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ ... وَأُحْيِي المَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ)) بأنَّه "قوة إلهية" خلقها الله في المسيح (عليه السلام) لصنع هاتين المعجزتين، فهي بإذن الله اي بتفويض منه للمسيح (عليه السلام)!!
أم انَّ المؤمن يجب ان يعتقد جازماً بأنَّه ليس لله (تبارك وتعالى) شريك ولا جزء شريك، ولا كفؤ ولا مماثل، لا كُلاً ولا جزءً ولا لـ "قدرة إلهية واحدة محدودة" حتى لو كانت لمرة واحدة فقط!
فليحذر المؤمنون من التشبه بالنصارى بالقول باللاهوت والناسوت في شخص واحد مهما كانت درجة اللاهوت ضئيلةً والناسوت كثيراً، فلا لاهوت في البشر لأنه ((مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)){مريم:35} فليس هناك مخلوق يمكنه ان يقول "كن فيكون"، ولا يأذن الله بذلك لأنه إذن بوجود مكافىء له في خلق تلك المعجزة بكن فيكون، ولا حتى لمرة واحدة، ولا يمكن أن يكون، لأن القوة والقدرة الإلهية لا يمكن ان يحملها مخلوق فقير ليكون مكافئاً لله في خلق معجزة.
اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ ، الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ
قال تعالى: ((لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ)) {الزمر:4}. سبحان الله ان يتخذ ولداً او يصطفي مما يخلق ولداً، وفي هذا جواب للذين يقولون انَّ الله على كل شيء قدير ومن قدرته ان يضع في المعصوم (عليه السلام) قدرة على خلق بعض المعجزات! والجواب هو (سبحان الله ان يفعل ذلك)، أي أن الله نزّه نفسه عن ذلك لأنه مما لا يليق به وبقهريته وجبروته وكبريائه، ولاحظ كيف أنهى سبحانه الآية الكريمة بقوله ((الوَاحِدُ القَهَّارُ)) فمن قهره للخلق انَّ لا يتخذ من خلقه اولاداً وبطريق اولى أن لا يتخذ مخلوقاتٍ بصفات إلهية تصنع كما يصنع. تعالى الله عمّا يصفون، لعموم قهّاريته وشمولها وأبديتها. ولو تدبرنا آيات القرآن الكريم لوجدنا نفي الشريك لله تبارك وتعالى مرتبط في العديد من الآيات الكريمة بذكر قهاريّته سبحانه وتعالى، كما اشرنا اليه آنفاً في سورة الزمر، وكما في الآيات الكريمة التالية:
قال تعالى في سورة الرعد: ((أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ (16))).
وفي سورة إبراهيم (عليه السلام): ((يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ (48))).
وفي سورة ص: ((قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ (65))).
وفي سورة غافر: ((يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لِلَّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ (16))).
وفي سورة يوسف (عليه السلام): (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ (39)).
أمّا كبرياؤه سبحانه وتعالى فقد ذُكرت في قوله تعالى في سورة الجاثية: ((وَلَهُ الكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (37))).
فإذا كانت القهّارية له والكبرياء له (سبحانه وتعالى) فهل يعقل مسلم أنَّ القهار الذي له الكبرياء في السموات والأرض يعطي التفويض والسماح لبشر مخلوق فقير بأن يكون مثله في خلق معجزة معينة بأن يمدَّه بـ "قوة ذاتية" لإحداث تلك المعجزة التي تقهر المادة والقوانين الطبيعية، فيكون الإنسان مماثلاً ومكافئاً للقهّار في قهره المادة وقوانينها الطبيعية!!
ثم نقرأ قوله تعالى في سورة الحشر: ((هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23))).
فالله الجبار المتكبّر كيف يعقل مسلم أن يتنازل عن جبروته وتكبره ليعطي لمخلوق "قدرة إلهية" يشاركه فيها في إحداث معجزة معينة!!؟ أيكون الإله جبّاراً متكبراً وهو يشرك مخلوقه الفقير في قوته الإلهية!!؟؟
من دلالات قصة المسيح (عليه السلام) في القرآن الكريم
أ.قصة المسيح الواردة في سورة آل عمران (عليهم السلام):
من الآية (45) الى الآية (53)، قال تعالى:
((إِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبِينَ (45)
وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي المَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)
قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (47)
وَيُعَلِّمُهُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (48)
وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَأُحْيِي المَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49)
وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50)
إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (51)
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)
رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53))).
من هذه الآيات الكريمة يمكن ان نستفيد التالي:
1- قوله تعالى: ((وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي المَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ))، فتكلم عيسى (عليه السلام) في المهد من الواضح انها معجزة من قبل الله تعالى، اذ كان عيسى (عليه السلام) رضيعاً ولم تكن له قدرة في ذلك العمر على الاتيان بمعجزة التكلم في المهد. فكانت معجزة الله سبحانه بكن فيكون. ثم بعد ذلك جرت المعجزات على يد عيسى (عليه السلام) بعدما بعثه الله تبارك وتعالى، مثل خلق الطير من الطين وإحياء الموتى وغيرها، فهل يكون عيسى (عليه السلام) شريكاً لله تعالى في احداث المعجزات، بعضها يحدثها الله وحده وبعضها يحدثها عيسى (عليه السلام) وحده!! حتى لو كان على سبيل التفويض وفق تفسيرهم لعبارة (بإذن الله)!! وحاشى لله عزَّ وجلَّ ان يكون ذلك وهو ليس من عقيدتنا بلا شك.
2- قوله تعالى: ((اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ))، فإذا اراد الله تبارك وتعالى حدوث معجزة فإنما يقول كن فتكون، ولا يحتاج لإحداثها عن طريق واسطة بشر مخلوقين فقراء، حتى إن كانوا من المعصومين (الانبياء والأئمة الأطهار صلوات الله عليهم) فالجميع فقراء الى الله عزَّ وجلَّ. فإن قيل أنَّ الموضوع ليس موضوع حاجة بل هو تكريم لهم بإظهار المعجزة على أيديهم (عليهم السلام) فنعم يكون الاكرام لهم من هذا العنوان عن طريق ان تجري المعجزة على ايديهم ظاهراً والفاعل الحقيقي لها هو الله سبحانه الذي تجري المعجزات بأمره، كما في شق البحر لموسى (عليه السلام) وفي خلق الطير لعيسى (عليه السلام) وفي رمي الحصى لنبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله) كما في قوله تعالى: ((وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ)) {الانفال:17}. لا أن يكون تكريمهم عن طريق اعطائهم "قوى الهية" لتكون "قوى ذاتية" فيهم فيكون لهم لاهوت وناسوت كما يدعي النصارى!! فيكونوا مماثلين ومكافئين لله تعالى في الخلق والقهر.
3- إنَّ معجزات المسيح (عليه السلام) هي آيات من الله تبارك وتعالى، قال تعالى: ((أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ))، فما تلاها في قوله تعالى: ((أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَأُحْيِي المَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ)) لا يمكن فصلها عن انها آيات من قبل الله تبارك وتعالى، فإذا كانت هي آيات الله والله يقول للشيء الذي يريده كن فيكون، كما في الآية السابقة، فكيف يزعمون ان المسيح (عليه السلام) هو المنفِّذ والصانع والخالق لآيات الله فقط يزعمون أنها بإذن الله وكأنهم بذلك يخرجون عن الإشكال!!! فيفهمون عبارة ((بِإِذْنِ اللَّهِ)) وكأنها بمعنى "تفويض الله"!! ألا يعلم هؤلاء أنَّ هناك روايات معتبرة عن آل البيت الأطهار (عليهم السلام) تنهى عن القول بالتفويض!! وأن معنى ((بِإِذْنِ اللَّهِ)) هو (بأمر الله) سبحانه وتعالى، وأمر الله هو ((كُن فَيَكُونُ)) فتكون هذه الآية منسجمة مع ما قبلها من الآيات الكريمة. فتكون المعجزة من قبل الله تبارك وتعالى موافقة للفعل الظاهري للمسيح (عليه السلام)، كما في قوله تعالى: ((وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ)){الانفال:17}.
4- أقوال المفسرين في قوله تعالى: ((بِإِذْنِ اللَّهِ)): فمن مراجعة تفاسير العلماء الذين فسروا الآيات الكريمة وفق الاصول التفسيرية المعتبرة عندهم، وليس منها التفسير بالرأي، نجد أنهم قالوا ان معنى الأذن في الآية الكريمة هو (الأمر).
قال الشيخ الطوسي في تفسيره التبيان: (والاذن في اللغة على ثلاثة اقسام: احداها: بمعنى العلم وذكرنا شاهده [قال في نص سابق: قوله: ((فاذنوا بحرب من الله)) معناه اعلموا، بلا خلاف]. والثاني: الاباحة والاطلاق كقوله ((فانكحوهن بإذن اهلهن))، وقوله: ((يا ايها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت ايمانكم)). والثالث: بمعنى الامر، كقوله: ((أنزله على قلبك بإذن الله)))[4].
وقال الشيخ الطوسي: (وقوله: ((وأحيي الموتى بإذن الله)) على وجه المجاز إضافة الى نفسه وحقيقته ادعوا الله بإحياء الموتى فيحييهم الله فيحيون بإذنه)[5].
وقال الشيخ الطوسي عن قوله تعالى: ((وما ارسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله)) قال: (والاذن على وجوه: يكون بمعنى اللطف، كقوله: ((وما كان لنفس ان تؤمن إلا بإذن الله)). ومنها: الامر، مثل هذه الاية[6]. ومنها التخلية نحو ((وما هم بضارين به من احد إلا بإذن الله)))[7].
وعن قوله تعالى ((وما كان لنا أن ناتيكم بسلطان الا بإذن الله)) قال الشيخ الطوسي ان فيهما قولان (الثاني: ان ما اتيناكم به بإذن الله، لأنه مما لا يقدر عليه البشر، ونحن بشر)[8].
ومن الروايات التي ورد فيها كلمة (الاذن) نختار التالي:
في كتاب التوحيد للشيخ الصدوق في باب (باب العرش وصفاته) عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال: (فأرسل محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فكان الدليل على الله بإذن الله عز وجل حتى مضى دليلاً هادياً فقام من بعده وصيه عليه السلام دليلاً هادياً على ما كان هو دل عليه من أمر ربه من ظاهر علمه، ثم الائمة الراشدون عليهم السلام)[9].
وفي (باب المشيئة والارادة) روى الشيخ الصدوق عن امير المؤمنين (عليه السلام) انه قال: (ان اهل الارض لا يستطيعون لي شيئاً إلا بإذن الله عز وجل).[10]
وفي نفس الباب روى الشيخ الصدوق في معنى قوله تعالى ((وما كان لنفس ان تؤمن إلا بإذن الله)) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (فليس ذلك على سبيل تحريم الايمان عليها ولكن على معنى أنها ما كانت لتؤمن إلا بإذن الله، وإذنه أمره لها بالايمان ما كانت مكلفة متعبدة، وإلجاؤه إياها الى الايمان عند زوال التكليف والتعبد عنها)[11].
وفي (باب الاستطاعة) روى الشيخ الصدوق في توحيده: عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال: (إن الله عز وجل خلق الخلق فعلم ما هو صائرون إليه، وامرهم ونهاهم، فما أمرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل الى الاخذ به، وما نهاهم عنه فقد جعل لهم السبيل الى تركه، ولا يكونوا آخذين ولا تاركين إلا بإذن الله عزَّ وجل، يعني بعلمه[12])[13].
وروى الكليني في الكافي بسنده عن الامام الصادق (عليه السلام) ان امير المؤمنين (عليه السلام) قال: (كلوا ما يسقط من الخوان فإنه شفاء من كل داء بإذن الله تعالى لمن أراد أن يستشفي به)[14].
وفي الكافي بسنده عن ابان بن تغلب وغيره عن الامام الصادق (عليه السلام) انه سُئِلَ هل كان عيسى بن مريم أحيا أحداً بعد موته حتى كان له رزق ومدة وولد؟ فقال (عليه السلام): (نعم إنه كان له صديق مواخ له في الله تعالى وكان عيسى عليه السلام يمر به وينزل عليه وإن عيسى غاب عنه حيناً ثم مر به ليسلم عليه فخرجت إليه أمه فسألها عنه فقال له: مات يا رسول الله، فقال: اتحبين ان تراه، قالت: نعم، فقال لها: فإذا كان غداً أتيتك حتى احييه لك بإذن الله تعالى، فلما كان من الغد اتاها فقال لها: انطلقي معي إلى قبره فانطلقا حتى أتيا قبره فوقف عليه عيسى عليه السلام ثم دعا الله تعالى فانفرج القبر وخرج ابنها حياً فلما رأته امه ورآها بكيا فرحمهما عيسى عليه السلام فقال له عيسى: أتحب أن تبقى مع امك في الدنيا، فقال: يا نبي الله بأكل ورزق ومدة أم بغير أكل ولا رزق ولا مدة ن فقال له عيسى عليه السلام: بأكل ورزق ومدة وتعمر عشرين سنة وتزوج ويولد لك، قال: نعم، فدفعه عيسى عليه السلام إلى امه فعاش عشرين سنة وتزوج وولد له)[15].
وفي العيون بسنده عن الامام الرضا (عليه السلام) في رواية جاء فيها: (فقال عز وجل: ((وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله)) أي ما المتعلمون بذلك بضارين أحد إلا بإذن الله يعنى بتخلية الله وعلمه فإنه لو شاء لمنعهم بالجبر والقهر)[16].
وهكذا تجد انَّ كلمة (الأذن) وردت في الأيات الكريمة والروايات الشريفة بمعاني متعددة، وليست بمعنى واحد. والمعنى الذي ورد في قوله تعالى: ((أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ)) يكون معناها: بأمر الله. أي أنَّ الله تبارك وتعالى هو الذي يخلق وهو الذي يحيي الموتى وما للأنبياء (عليهم السلام) سوى مقام الدعاء المستجاب. ولا ننسى ان للمعصوم (عليه السلام) أيضاً مقام تسخير الكائنات له، فيمكن أنَّ الله سبحانه وتعالى سخّر كل طين مصنوع من قبل المسيح (عليه السلام) بهيئة طير أن تركبه الروح ويصبح طيراً بحول الله وقوته. أما أن يقال انَّ للمعصوم (عليه السلام) "قوة ذاتية" على الأتيان بالمعجزات فهذا أمر بعيد عن العقيدة السليمة.
معنى اطلاق لفظ "خالق" على غير الله تبارك وتعالى:
يستند البعض في تفسيره قوله تعالى على لسان المسيح (عليه السلام): ((أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم)) {آل عمران (عليهم السلام):49}. فيقولون أنَّ المسيح هو خالق على نحو الحقيقة لا المجاز! وقد اشار علماؤنا المفسرون الى أن هذا اللفظ مستعمل هنا على نحو المجاز لا الحقيقة، وبذلك يتناغم مع عقيدتنا التي تقول بأنَّ المعجزات هي من قبل الله تبارك وتعالى وتظهر على أيدي الأنبياء والمعصومين (عليهم السلام)، والفاعل لها على نحو الحقيقة هو اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (عزَّ وجلَّ).
وفيما يلي نستعرض أقوال بعض علمائنا الأبرار حول هذا الموضوع:
روى الشيخ الصدوق في كتابه (التوحيد) بسنده، عن الإمام ابي الحسن الرضا (صلوات الله عليه) حديثاً طويلاً مفيداً ننصح بمراجعته لما فيه من فوائد جمّة، مما جاء فيه: (إن الله تبارك وتعالى يقول: (تبارك الله أحسن الخالقين) فقد أخبر أن في عباده خالقين منهم عيسى ابن مريم، خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله فنفخ فيه فصار طائرا بإذن الله، والسامري خلق لهم عجلا جسدا له خوار)[17].
قال الشيخ المفيد في اوائل المقالات: (القول في كراهة إطلاق لفظ (خالق) على أحد من العباد وأقول: إن الخلق يفعلون ويحدثون ويخترعون ويصنعون ويكتسبون، ولا أطلق القول عليهم بأنهم يخلقون ولا أقول إنهم خالقون، ولا أتعدى ذكر ذلك فيما ذكر الله تعالى، ولا أتجاوز به مواضعه من القرآن، وعلى هذا القول إجماع الإمامية والزيدية والبغداديين من المعتزلة وأكثر المرجئة وأصحاب الحديث. وخالف فيه البصريون من المعتزلة وأطلقوا على العباد أنهم خالقون، فخرجوا بذلك من إجماع المسلمين)[18].
وقال الشيخ الطوسي في التبيان: (الخلق في حقيقة اللغة هو التقدير والاتقان في الصنعة وفعل الشئ لا على وجه السهو والمجازفة بدلالة قوله "وتخلقون إفكا" وقوله "وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير" وقوله "أحسن الخالقين" كما لا يجوز أنه أعظم الآلهة لما لم يستحق الآلهية غيره، وقال زهير :
ولانت تفري ما خلقت وبعض * القوم يخلق ثم لا يفري
وقال الججاج : لا أعد إلا وفيت ولا أخلق إلا فريت
وقال الشاعر :
ولا يئط بأيدي الخالقين ولا * أيدي الخوالق الاجبد الادم
فعلمنا بذلك جواز تسمية غيره بأنه خالق إلا انا لا نطلق هذه الصفة إلا لله تعالى، لان ذلك توهم)[19].
وقال في موضع آخر: (وقوله " أحسن الخالقين " فيه دلالة على أن الانسان قد يخلق على الحقيقة، لأنه لو لم يوصف بخالق إلا الله، لما كان لقوله " أحسن الخالقين " معنى. وأصل الخلق التقدير، كما قال الشاعر : ولانت تفري ما خلقت وبعض * القوم يخلق ثم لا يفري)[20].
قال الشيخ الطبرسي في مجمع البيان: ((وأحيي الموتى بإذن الله) إنما أضاف الإحياء إلى نفسه، على وجه المجاز والتوسع، ولأن الله تعالى كان يحيي الموتى عند دعائه)[21].
وقال الشيخ الطبرسي في تفسيره: ((أحسن الخالقين) لأنه لا تفاوت في خلقه. وأصل الخلق التقدير، يقال : خلقت الأديم : إذا قسته لتقطع منه شيئا. وقال حذيفة في هذه الآية : (تصنعون ويصنع الله وهو خير الصانعين). وفي هذا دليل على أن اسم الخلق قد يطلق على فعل غير الله تعالى، إلا أن الحقيقة في الخلق لله سبحانه فقط. فإن المراد من الخلق إيجاد الشئ مقدرا تقديرا، لا تفاوت فيه. وهذا إنما يكون من الله سبحانه وتعالى، ودليله قوله (ألا له الخلق والأمر))[22].
وقال الشيخ الحويزي (متوفى 1112هـ) في تفسيره (نور الثقلين) حول قوله تعالى: ((أحسن الخالقين)): (و زعموا ان هيهنا خالقين غير الله عز وجل، ومعنى الخلق هيهنا التقدير مثل ذلك قول الله عز وجل لعيسى عليه السلام)[23]. يشير إلى قوله تعالى في الآية (110) من سورة المائدة: ((وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فننفخ فيها فتكون طيرا بإذني)).
وقال شبّر في تفسيره: ((فتبارك الله أحسن الخالقين) المقدرين)[24].
وقال الشيخ ناصر مكارم الشيرزي في تفسيره (الأمثل): (وجدير بالذكر أن كلمة "الخالق" مشتقة من " الخلق " وتعني بالأصل التقدير، حيث تطلق هذه الكلمة عندما يراد تقطيع قطعة من الجلد فينبغي على الشخص أن يقيس أبعاد القطعة المطلوبة ثم يقطعها، فيستخدم لفظ "الخلق" بمعنى التقدير، لأهمية تقدير أبعاد الشئ، قبل قطعه. أما عبارة أحسن الخالقين فتثير هذا التساؤل : هل يوجد خالق غير الله؟! وضع بعض المفسرين تبريرات لهذه الآية في وقت لا حاجة فيه لهذه التبريرات، لأن كلمة "الخلق" بمعنى التقدير والصنع، ويصح ذلك بالنسبة لغير الله، إلا أن هناك اختلافا جوهريا بين الخلقين... يخلق الله المواد وصورها، بينما يصنع الإنسان أشياءه مما خلق الله، فهو يغير صورها. كمن يبني دارا حيث يستخدم موادا أولية كالجص والآجر، أو يصنع من الحديد سيارة أو ماكنة. ومن جهة أخرى لا حدود لخلق الله الله خالق كل شئ - سورة الرعد الآية (16) - في وقت نجد ما صنعه الإنسان محدودا جدا، وفي كثير من الأحيان يجد الإنسان فيما خلقه هو نقصا يجب سده فيما بعد، إلا أن الله يبدع الخلق دون أي نقص أو عيب. ثم إن قدرة الإنسان على صنع الأشياء جاءت بإذن من الله، حيث كل شئ في العالم يتحرك بإذن الله، حتى الورق على الشجر، كما نقرأ في سورة المائدة الآية (110) عن المسيح (عليه السلام) وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني)[25].
وقال في موضع آخر: (وعبارة أحسن الخالقين رغم أنها تشير إلى أن الله سبحانه وتعالى خالق هذا الكون ولا يوجد خالق سواه، فهي تشير أيضا حسب الظاهر إلى الأشياء المصنوعة، أي التي يصنعها الإنسان بعد أن يغير شكل المواد الطبيعية، ومن هنا سمي بالخالق، رغم أنه تعبير مجازي)[26].
ب.قصة عيسى (عليه السلام) الواردة في سورة المائدة:
قال تعالى: ((إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِين))، {المائدة:110}.
انظر لقوله تعالى كيف يبين ان دور عيسى (عليه السلام) انتهى عند نفخه في هيئة الطير، اما صيرورتها طيراً فهو بإذن الله تعالى أي بأمره: ((فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي)). والله اعلم.
رواية إحياء عيسى (عليه السلام) الموتى بالدعاء
روى الشيخ الكليني (رضوان الله عليه) في الكافي بسنده عن ابان بن تغلب وغيره عن الامام الصادق (عليه السلام) انه سُئِلَ هل كان عيسى بن مريم أحيا أحداً بعد موته حتى كان له رزق ومدة وولد؟ فقال (عليه السلام): (نعم إنه كان له صديق مواخ له في الله تعالى وكان عيسى عليه السلام يمر به وينزل عليه وإن عيسى غاب عنه حيناً ثم مر به ليسلم عليه فخرجت إليه أمه فسألها عنه فقال له: مات يا رسول الله، فقال: اتحبين ان تراه، قالت: نعم، فقال لها: فإذا كان غداً أتيتك حتى احييه لك بإذن الله تعالى، فلما كان من الغد اتاها فقال لها: انطلقي معي إلى قبره فانطلقا حتى أتيا قبره فوقف عليه عيسى عليه السلام ثم دعا الله تعالى فانفرج القبر وخرج ابنها حياً فلما رأته امه ورآها بكيا فرحمهما عيسى عليه السلام فقال له عيسى: أتحب أن تبقى مع امك في الدنيا، فقال: يا نبي الله بأكل ورزق ومدة أم بغير أكل ولا رزق ولا مدة، فقال له عيسى عليه السلام: بأكل ورزق ومدة وتعمر عشرين سنة وتزوج ويولد لك، قال: نعم، فدفعه عيسى عليه السلام إلى امه فعاش عشرين سنة وتزوج وولد له)[27].
موسى (عليه السلام) والمعجزات
قال تعالى في سورة الاسراء: ((وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً(101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (102))).
فالآيات تبين بوضوح انَّ الآيات التسع التي سبقت شق البحر كان الله تبارك وتعالى قد آتاها الى موسى (عليه السلام) فهي من فعل الله عزَّ وجلَّ، فهل يعقل ان يقال أن شق البحر بضرب موسى (عليه السلام) للبحر كان من فعل موسى (عليه السلام) وليس من فعل الله تعالى موافقاً للفعل الظاهري لموسى (عليه السلام)؟! فهل يتخذ الله تعالى شريكاً في صنع المعجزات تارة يصنعها هو سبحانه وتارة يصنعها موسى (عليه السلام)!!
قال تعالى: ((لَهُۥ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَبۡصِرۡ بِهِۦ وَأَسۡمِعۡۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِيّٖ وَلَا يُشۡرِكُ فِي حُكۡمِهِۦٓ أَحَدٗا)){الكهف:26}.
المقدمة
قال تعالى في سورة الكهف: ((لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا {38} ... وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا {55} ... قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا{110})).
إنَّ التحذير من الغلو ورد بروايات عديدة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآل البيت الأطهار (صلوات الله عليهم) من طرق الخاصة والعامة، ولعل احدها ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: (أيها الناس إياكم والغلو في الدين، إنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)[1].
وليس مستغرباً أن يكون هناك رأي في العقيدة يستند اليه البعض وهو متعلق بقصة المسيح (عليه السلام) في القرآن الكريم، ومن لوازم هذا الرأي أن يكون هناك غلو في المسيح (عليه السلام) ومن ثم غلو فيما يستنبطونه من عقيدة مماثلة ينسبونها للأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم)! فقد انبأنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنَّ هذه الأمة ستتبع سنن من كان قبلها من الأمم.
والرواية الدالة على ركوب هذه الأمة سُنن مَن كان قبلها من الأمم مروية من طرق الخاصة والعامة بألفاظ ومعاني متقاربة.
فمن طرق العامة، ننتخب ما روي عن ابي سعيد الخدري (رضوان الله عليه) انه حدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: (لتتّبِعن سُنن من قَبلكُم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جُحرَ ضَبٍ لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن!)[2].
ومن طرق الخاصة، ننتخب ما رواه الشيخ الصدوق في كتابه كمال الدين: (عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كلما كان في الأمم السالفة فإنه يكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة). وفي رواية أخرى في نفس الباب: (عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: والذي بعثني بالحق نبيا وبشيرا لتركبن أمتي سنن من كان قبلها حذو النعل بالنعل حتى لو أن حية من بني إسرائيل دخلت في جحر لدخلت في هذه الأمة حية مثلها)[3].
ولو تدبرنا آيات القرآن الكريم لوجدناها متعلقة بوجود الإله (تبارك وتعالى) وتوحيده، وكل ما فيه يدور في هذا المدار، وليس حول أية شخصية أخرى من البشر أو الملائكة أو غيرهم. وفيما يخص موضوعنا في هذا المقال يصح ان نقول أنَّ القرآن الكريم لا يدور حول شخصية المسيح (عليه السلام) حتى في زمن حياته وبعثته ودعوته، ولا حول شخصية أيٍ من المعصومين (صلوات الله عليهم)، وكل ما نزل فيه من عقائد إنما هدفها النهائي تحقيق إيمان الإنسان بوجود الله وتوحيده (جلَّ جلاله)، فلم يكن للمسيح (عليه السلام) دور في انتاج المعجزة ولا علّم اتباعه ان تكون شخصيته محوراً لدعوته بل المحور هو الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: ((فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) {آل عمران (عليهم السلام):52}. فحينما دعاهم ((قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ)) فأجابوه: ((نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ)) ولم يقولوا نحن انصارك، ولو قالوا ذلك لصدقوا لكونه مرسل من قبل الله تعالى فتكون نصرته نصرة لله تعالى، ولكن الآية عبرت عن قولهم مباشرة أنَّهم أنصار الله لأن هذا ما تعلموه من المسيح (عليه السلام) أنَّ وجود الله (تبارك وتعالى) وتوحيده هو مدار دعوته ودعوة ورسالة الأنبياء جميعهم (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، وانَّ المسيح (عليه السلام) حتى بعد ظهور المعجزات على يديه لم يدّع أنَّها بقدرته، ولذلك تجد تلاميذه وقد فهموا الدرس جيداً وفهموا مطلب دعوته أجابوه: ((نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ)).
فأما الغلو عند بعض الشيعة والذي نترصده بمقالنا هذا فهو ما ينسبونه للمسيح (عليه السلام) من "قدرة ذاتية" على خلق الطير وإحياء الموتى وغيرها، وهم يذهبون الى ذلك لتفسيرهم برأيهم الآية الكريمة قوله تعالى: ((أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَأُحْيِي المَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ))، بأنه من خلال "قوة ذاتية" عند المسيح (عليه السلام) – بينما الذي ذهب اليه علماء الشيعة الأبرار (رضوان الله عليهم) في القرون العشرة الأولى (قبل تغلغل الفكر الصوفي في التشيع بسبب أفكار ملا صدرا والشيخ احمد الاحسائي)، انَّ المعجزات تكون من خلال الدعاء. أيضاً قد تحدث المعجزات إن شاء الله (سبحانه وتعالى) بتسخير كائنات للمعصومين (عليهم السلام) فيكونوا طوع أمرهم – بينما يقول اولئك أنَّه يمكن لله تعالى ان يخلق في الانسان "قدرة ذاتية" تمكنه من احداث معجزات ولو بصورة محدودة! وينسبون مثل هذه الـ "قدرة ذاتية" المحدودة في سعتها ومرات تكرارها للمسيح (عليه السلام) ثم ينطلقون منها لينسبونها بنحو اوسع لآل البيت الأطهار (صلوات الله عليهم)!! وهنا هو مربط الفرس، فأولئك يريدون اتخاذ الغلو بالمسيح (عليه السلام) منطلقاً للغلو بآل البيت الأطهار (عليهم السلام) بإعتبارهم أفضل منه، فما يكون له يكون لهم بصورة اوكد لأنهم أفضل منه.
فإن قيل لماذا يستحيل ان يكون للمسيح (عليه السلام) ولا لأحد من البشر المعصومين (عليهم السلام) "قدرة ذاتية" على الخلق؟ الجواب يكمن في أنَّ الذين قالوا ان للمسيح (عليه السلام) "قوة ذاتية" وهبها الله تبارك وتعالى له لتمكِّنه من الخلق والاحياء الخ لازم قولهم أنَّ هذه القوة هي "قوة الهية" لان القدرة على صنع المعجزات بالاصل هي من قدرات الإله الذاتية، واصبحت بحسب زعمهم جزءً من قوى المسيح (عليه السلام) وبها يصنع تلك المعجزات! فتكون لديه قوى بشرية كسائر القوى والى جانبها "قوة إلهية" تفرد بها عن البشر يصنع بها المعجزات! فما اشد شبه قولهم هذا بقول النصارى في أنَّ المسيح له طبيعة لاهوتية (إلهية) الى جانب طبيعة ناسوتية (بشرية)!!
وضمن نفس السياق فكل الذين يقولون ان للأئمة الاطهار (عليهم السلام) "قوى ذاتية" بها يصنعون المعجزات يكون لازم قولهم ان لهم طبيعة الهية (لاهوت) يتمثل بتلك "القوة الذاتية" التي يزعمون ان الله سبحانه وضعها فيهم كما وضعها قبلهم في المسيح (عليه السلام)!!
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ
الذين يقرأون هاتين الآيتين الكريمتين، قوله تعالى

فهل يصح القول عندهم أنَّ الاله يخلق الهاً مثله!! أو أنَّه تبارك وتعالى يخلق كائناً يعطيه بعد حين جَنبَة أو طبيعة الهية جزئية او كلية!! استغفر الله من هذا البهتان.
وبناءً على مطلبهم بوجود "قوة ذاتية" عند المعصوم (عليه السلام) سواء كان ذلك المعصوم المسيح (عليه السلام) أو واحداً من الأئمة الأطهار (عليهم السلام) فهل يكون في حال استعماله تلك "القوة الإلهية" المزروعة فيه - على حد مزاعمهم - ذو طبيعة لاهوتية أم ناسوتية؟! وهل يصح ان يقال له في تلك اللحظة انَّه إله أم لا يصح وقد تلبس بصفة إلهية حين إحداثه المعجزة!!! ام قد يقولون انه إنسان يستعمل قوة إلهية موضوعة فيه من قبل الله وبإذن الله!! فيكون وحاله هذا إنسان بقوة إلهية تصنع ما يصنع الله تعالى رغم قوله تعالى: ((وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)). وأما قول هؤلاء بأنَّه يصنع ما يصنع الله بإذن الله فلازمه أن يكون مكافئاً لله بإذن الله في إحداث تلك المعجزة!! فهل يتخذ الله من شريك في خلق معجزة معينة أم يكون هناك شريك لله في إحداثها بإذنه!! مالكم كيف تحكمون!! أم يكون هناك من يماثل الله تعالى في خلقه ولو لمرة واحدة!!؟
ومن جهة اخرى، من قال لهم أنَّ عبارة "إذن الله" هي بمعنى تفويضه احداً من مخلوقاته ان تكون له "قوة إلهية" كقوته وهو الجبار المتكبر، قال تعالى: ((مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ۖ سُبْحَانَهُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)) {مريم: 53}.
وقال تعالى: ((وَقُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً)) {الاسراء:111}. وهؤلاء يريدون ان يقولوا ان الله اتخذ له شريك في صنع معجزة معينة! وهذا مفاد قولهم انَّ المعجزات تحدث "بقوة ذاتية بإذن الله" أي بتفويضه للمعصوم (عليه السلام) إحداثها، وليس لها معنى آخر!!
انَّ القائلين بوجود "قوة ذاتية" في المعصوم (عليه السلام) تمكِّنه من فعل المعجزات يعني أنَّ اولئك اضافوا الى بشرية المعصوم (عليه السلام) درجة لاهوتية (الهية) فيكون له جانب الهي بمقدار ما اضيفت له من "قوة إلهية"!! فهل يقبل مسلم موحد بأن يكون لله شريك ولو شريك جزئي، في إلوهيته ام هل يقبل مسلم أن يقال انَّ لله "شريكاً بإذنه" بإعتبار تفسيرهم بالرأي لقوله تعالى على لسان المسيح (عليه السلام): ((فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ ... وَأُحْيِي المَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ)) بأنَّه "قوة إلهية" خلقها الله في المسيح (عليه السلام) لصنع هاتين المعجزتين، فهي بإذن الله اي بتفويض منه للمسيح (عليه السلام)!!
أم انَّ المؤمن يجب ان يعتقد جازماً بأنَّه ليس لله (تبارك وتعالى) شريك ولا جزء شريك، ولا كفؤ ولا مماثل، لا كُلاً ولا جزءً ولا لـ "قدرة إلهية واحدة محدودة" حتى لو كانت لمرة واحدة فقط!
فليحذر المؤمنون من التشبه بالنصارى بالقول باللاهوت والناسوت في شخص واحد مهما كانت درجة اللاهوت ضئيلةً والناسوت كثيراً، فلا لاهوت في البشر لأنه ((مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)){مريم:35} فليس هناك مخلوق يمكنه ان يقول "كن فيكون"، ولا يأذن الله بذلك لأنه إذن بوجود مكافىء له في خلق تلك المعجزة بكن فيكون، ولا حتى لمرة واحدة، ولا يمكن أن يكون، لأن القوة والقدرة الإلهية لا يمكن ان يحملها مخلوق فقير ليكون مكافئاً لله في خلق معجزة.
اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ ، الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ
قال تعالى: ((لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ)) {الزمر:4}. سبحان الله ان يتخذ ولداً او يصطفي مما يخلق ولداً، وفي هذا جواب للذين يقولون انَّ الله على كل شيء قدير ومن قدرته ان يضع في المعصوم (عليه السلام) قدرة على خلق بعض المعجزات! والجواب هو (سبحان الله ان يفعل ذلك)، أي أن الله نزّه نفسه عن ذلك لأنه مما لا يليق به وبقهريته وجبروته وكبريائه، ولاحظ كيف أنهى سبحانه الآية الكريمة بقوله ((الوَاحِدُ القَهَّارُ)) فمن قهره للخلق انَّ لا يتخذ من خلقه اولاداً وبطريق اولى أن لا يتخذ مخلوقاتٍ بصفات إلهية تصنع كما يصنع. تعالى الله عمّا يصفون، لعموم قهّاريته وشمولها وأبديتها. ولو تدبرنا آيات القرآن الكريم لوجدنا نفي الشريك لله تبارك وتعالى مرتبط في العديد من الآيات الكريمة بذكر قهاريّته سبحانه وتعالى، كما اشرنا اليه آنفاً في سورة الزمر، وكما في الآيات الكريمة التالية:
قال تعالى في سورة الرعد: ((أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ (16))).
وفي سورة إبراهيم (عليه السلام): ((يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ (48))).
وفي سورة ص: ((قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ (65))).
وفي سورة غافر: ((يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لِلَّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ (16))).
وفي سورة يوسف (عليه السلام): (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ (39)).
أمّا كبرياؤه سبحانه وتعالى فقد ذُكرت في قوله تعالى في سورة الجاثية: ((وَلَهُ الكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (37))).
فإذا كانت القهّارية له والكبرياء له (سبحانه وتعالى) فهل يعقل مسلم أنَّ القهار الذي له الكبرياء في السموات والأرض يعطي التفويض والسماح لبشر مخلوق فقير بأن يكون مثله في خلق معجزة معينة بأن يمدَّه بـ "قوة ذاتية" لإحداث تلك المعجزة التي تقهر المادة والقوانين الطبيعية، فيكون الإنسان مماثلاً ومكافئاً للقهّار في قهره المادة وقوانينها الطبيعية!!
ثم نقرأ قوله تعالى في سورة الحشر: ((هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23))).
فالله الجبار المتكبّر كيف يعقل مسلم أن يتنازل عن جبروته وتكبره ليعطي لمخلوق "قدرة إلهية" يشاركه فيها في إحداث معجزة معينة!!؟ أيكون الإله جبّاراً متكبراً وهو يشرك مخلوقه الفقير في قوته الإلهية!!؟؟
من دلالات قصة المسيح (عليه السلام) في القرآن الكريم
أ.قصة المسيح الواردة في سورة آل عمران (عليهم السلام):
من الآية (45) الى الآية (53)، قال تعالى:
((إِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبِينَ (45)
وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي المَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)
قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (47)
وَيُعَلِّمُهُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (48)
وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَأُحْيِي المَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49)
وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50)
إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (51)
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)
رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53))).
من هذه الآيات الكريمة يمكن ان نستفيد التالي:
1- قوله تعالى: ((وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي المَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ))، فتكلم عيسى (عليه السلام) في المهد من الواضح انها معجزة من قبل الله تعالى، اذ كان عيسى (عليه السلام) رضيعاً ولم تكن له قدرة في ذلك العمر على الاتيان بمعجزة التكلم في المهد. فكانت معجزة الله سبحانه بكن فيكون. ثم بعد ذلك جرت المعجزات على يد عيسى (عليه السلام) بعدما بعثه الله تبارك وتعالى، مثل خلق الطير من الطين وإحياء الموتى وغيرها، فهل يكون عيسى (عليه السلام) شريكاً لله تعالى في احداث المعجزات، بعضها يحدثها الله وحده وبعضها يحدثها عيسى (عليه السلام) وحده!! حتى لو كان على سبيل التفويض وفق تفسيرهم لعبارة (بإذن الله)!! وحاشى لله عزَّ وجلَّ ان يكون ذلك وهو ليس من عقيدتنا بلا شك.
2- قوله تعالى: ((اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ))، فإذا اراد الله تبارك وتعالى حدوث معجزة فإنما يقول كن فتكون، ولا يحتاج لإحداثها عن طريق واسطة بشر مخلوقين فقراء، حتى إن كانوا من المعصومين (الانبياء والأئمة الأطهار صلوات الله عليهم) فالجميع فقراء الى الله عزَّ وجلَّ. فإن قيل أنَّ الموضوع ليس موضوع حاجة بل هو تكريم لهم بإظهار المعجزة على أيديهم (عليهم السلام) فنعم يكون الاكرام لهم من هذا العنوان عن طريق ان تجري المعجزة على ايديهم ظاهراً والفاعل الحقيقي لها هو الله سبحانه الذي تجري المعجزات بأمره، كما في شق البحر لموسى (عليه السلام) وفي خلق الطير لعيسى (عليه السلام) وفي رمي الحصى لنبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله) كما في قوله تعالى: ((وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ)) {الانفال:17}. لا أن يكون تكريمهم عن طريق اعطائهم "قوى الهية" لتكون "قوى ذاتية" فيهم فيكون لهم لاهوت وناسوت كما يدعي النصارى!! فيكونوا مماثلين ومكافئين لله تعالى في الخلق والقهر.
3- إنَّ معجزات المسيح (عليه السلام) هي آيات من الله تبارك وتعالى، قال تعالى: ((أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ))، فما تلاها في قوله تعالى: ((أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَأُحْيِي المَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ)) لا يمكن فصلها عن انها آيات من قبل الله تبارك وتعالى، فإذا كانت هي آيات الله والله يقول للشيء الذي يريده كن فيكون، كما في الآية السابقة، فكيف يزعمون ان المسيح (عليه السلام) هو المنفِّذ والصانع والخالق لآيات الله فقط يزعمون أنها بإذن الله وكأنهم بذلك يخرجون عن الإشكال!!! فيفهمون عبارة ((بِإِذْنِ اللَّهِ)) وكأنها بمعنى "تفويض الله"!! ألا يعلم هؤلاء أنَّ هناك روايات معتبرة عن آل البيت الأطهار (عليهم السلام) تنهى عن القول بالتفويض!! وأن معنى ((بِإِذْنِ اللَّهِ)) هو (بأمر الله) سبحانه وتعالى، وأمر الله هو ((كُن فَيَكُونُ)) فتكون هذه الآية منسجمة مع ما قبلها من الآيات الكريمة. فتكون المعجزة من قبل الله تبارك وتعالى موافقة للفعل الظاهري للمسيح (عليه السلام)، كما في قوله تعالى: ((وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ)){الانفال:17}.
4- أقوال المفسرين في قوله تعالى: ((بِإِذْنِ اللَّهِ)): فمن مراجعة تفاسير العلماء الذين فسروا الآيات الكريمة وفق الاصول التفسيرية المعتبرة عندهم، وليس منها التفسير بالرأي، نجد أنهم قالوا ان معنى الأذن في الآية الكريمة هو (الأمر).
قال الشيخ الطوسي في تفسيره التبيان: (والاذن في اللغة على ثلاثة اقسام: احداها: بمعنى العلم وذكرنا شاهده [قال في نص سابق: قوله: ((فاذنوا بحرب من الله)) معناه اعلموا، بلا خلاف]. والثاني: الاباحة والاطلاق كقوله ((فانكحوهن بإذن اهلهن))، وقوله: ((يا ايها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت ايمانكم)). والثالث: بمعنى الامر، كقوله: ((أنزله على قلبك بإذن الله)))[4].
وقال الشيخ الطوسي: (وقوله: ((وأحيي الموتى بإذن الله)) على وجه المجاز إضافة الى نفسه وحقيقته ادعوا الله بإحياء الموتى فيحييهم الله فيحيون بإذنه)[5].
وقال الشيخ الطوسي عن قوله تعالى: ((وما ارسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله)) قال: (والاذن على وجوه: يكون بمعنى اللطف، كقوله: ((وما كان لنفس ان تؤمن إلا بإذن الله)). ومنها: الامر، مثل هذه الاية[6]. ومنها التخلية نحو ((وما هم بضارين به من احد إلا بإذن الله)))[7].
وعن قوله تعالى ((وما كان لنا أن ناتيكم بسلطان الا بإذن الله)) قال الشيخ الطوسي ان فيهما قولان (الثاني: ان ما اتيناكم به بإذن الله، لأنه مما لا يقدر عليه البشر، ونحن بشر)[8].
ومن الروايات التي ورد فيها كلمة (الاذن) نختار التالي:
في كتاب التوحيد للشيخ الصدوق في باب (باب العرش وصفاته) عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال: (فأرسل محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فكان الدليل على الله بإذن الله عز وجل حتى مضى دليلاً هادياً فقام من بعده وصيه عليه السلام دليلاً هادياً على ما كان هو دل عليه من أمر ربه من ظاهر علمه، ثم الائمة الراشدون عليهم السلام)[9].
وفي (باب المشيئة والارادة) روى الشيخ الصدوق عن امير المؤمنين (عليه السلام) انه قال: (ان اهل الارض لا يستطيعون لي شيئاً إلا بإذن الله عز وجل).[10]
وفي نفس الباب روى الشيخ الصدوق في معنى قوله تعالى ((وما كان لنفس ان تؤمن إلا بإذن الله)) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (فليس ذلك على سبيل تحريم الايمان عليها ولكن على معنى أنها ما كانت لتؤمن إلا بإذن الله، وإذنه أمره لها بالايمان ما كانت مكلفة متعبدة، وإلجاؤه إياها الى الايمان عند زوال التكليف والتعبد عنها)[11].
وفي (باب الاستطاعة) روى الشيخ الصدوق في توحيده: عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال: (إن الله عز وجل خلق الخلق فعلم ما هو صائرون إليه، وامرهم ونهاهم، فما أمرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل الى الاخذ به، وما نهاهم عنه فقد جعل لهم السبيل الى تركه، ولا يكونوا آخذين ولا تاركين إلا بإذن الله عزَّ وجل، يعني بعلمه[12])[13].
وروى الكليني في الكافي بسنده عن الامام الصادق (عليه السلام) ان امير المؤمنين (عليه السلام) قال: (كلوا ما يسقط من الخوان فإنه شفاء من كل داء بإذن الله تعالى لمن أراد أن يستشفي به)[14].
وفي الكافي بسنده عن ابان بن تغلب وغيره عن الامام الصادق (عليه السلام) انه سُئِلَ هل كان عيسى بن مريم أحيا أحداً بعد موته حتى كان له رزق ومدة وولد؟ فقال (عليه السلام): (نعم إنه كان له صديق مواخ له في الله تعالى وكان عيسى عليه السلام يمر به وينزل عليه وإن عيسى غاب عنه حيناً ثم مر به ليسلم عليه فخرجت إليه أمه فسألها عنه فقال له: مات يا رسول الله، فقال: اتحبين ان تراه، قالت: نعم، فقال لها: فإذا كان غداً أتيتك حتى احييه لك بإذن الله تعالى، فلما كان من الغد اتاها فقال لها: انطلقي معي إلى قبره فانطلقا حتى أتيا قبره فوقف عليه عيسى عليه السلام ثم دعا الله تعالى فانفرج القبر وخرج ابنها حياً فلما رأته امه ورآها بكيا فرحمهما عيسى عليه السلام فقال له عيسى: أتحب أن تبقى مع امك في الدنيا، فقال: يا نبي الله بأكل ورزق ومدة أم بغير أكل ولا رزق ولا مدة ن فقال له عيسى عليه السلام: بأكل ورزق ومدة وتعمر عشرين سنة وتزوج ويولد لك، قال: نعم، فدفعه عيسى عليه السلام إلى امه فعاش عشرين سنة وتزوج وولد له)[15].
وفي العيون بسنده عن الامام الرضا (عليه السلام) في رواية جاء فيها: (فقال عز وجل: ((وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله)) أي ما المتعلمون بذلك بضارين أحد إلا بإذن الله يعنى بتخلية الله وعلمه فإنه لو شاء لمنعهم بالجبر والقهر)[16].
وهكذا تجد انَّ كلمة (الأذن) وردت في الأيات الكريمة والروايات الشريفة بمعاني متعددة، وليست بمعنى واحد. والمعنى الذي ورد في قوله تعالى: ((أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ)) يكون معناها: بأمر الله. أي أنَّ الله تبارك وتعالى هو الذي يخلق وهو الذي يحيي الموتى وما للأنبياء (عليهم السلام) سوى مقام الدعاء المستجاب. ولا ننسى ان للمعصوم (عليه السلام) أيضاً مقام تسخير الكائنات له، فيمكن أنَّ الله سبحانه وتعالى سخّر كل طين مصنوع من قبل المسيح (عليه السلام) بهيئة طير أن تركبه الروح ويصبح طيراً بحول الله وقوته. أما أن يقال انَّ للمعصوم (عليه السلام) "قوة ذاتية" على الأتيان بالمعجزات فهذا أمر بعيد عن العقيدة السليمة.
معنى اطلاق لفظ "خالق" على غير الله تبارك وتعالى:
يستند البعض في تفسيره قوله تعالى على لسان المسيح (عليه السلام): ((أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم)) {آل عمران (عليهم السلام):49}. فيقولون أنَّ المسيح هو خالق على نحو الحقيقة لا المجاز! وقد اشار علماؤنا المفسرون الى أن هذا اللفظ مستعمل هنا على نحو المجاز لا الحقيقة، وبذلك يتناغم مع عقيدتنا التي تقول بأنَّ المعجزات هي من قبل الله تبارك وتعالى وتظهر على أيدي الأنبياء والمعصومين (عليهم السلام)، والفاعل لها على نحو الحقيقة هو اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (عزَّ وجلَّ).
وفيما يلي نستعرض أقوال بعض علمائنا الأبرار حول هذا الموضوع:
روى الشيخ الصدوق في كتابه (التوحيد) بسنده، عن الإمام ابي الحسن الرضا (صلوات الله عليه) حديثاً طويلاً مفيداً ننصح بمراجعته لما فيه من فوائد جمّة، مما جاء فيه: (إن الله تبارك وتعالى يقول: (تبارك الله أحسن الخالقين) فقد أخبر أن في عباده خالقين منهم عيسى ابن مريم، خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله فنفخ فيه فصار طائرا بإذن الله، والسامري خلق لهم عجلا جسدا له خوار)[17].
قال الشيخ المفيد في اوائل المقالات: (القول في كراهة إطلاق لفظ (خالق) على أحد من العباد وأقول: إن الخلق يفعلون ويحدثون ويخترعون ويصنعون ويكتسبون، ولا أطلق القول عليهم بأنهم يخلقون ولا أقول إنهم خالقون، ولا أتعدى ذكر ذلك فيما ذكر الله تعالى، ولا أتجاوز به مواضعه من القرآن، وعلى هذا القول إجماع الإمامية والزيدية والبغداديين من المعتزلة وأكثر المرجئة وأصحاب الحديث. وخالف فيه البصريون من المعتزلة وأطلقوا على العباد أنهم خالقون، فخرجوا بذلك من إجماع المسلمين)[18].
وقال الشيخ الطوسي في التبيان: (الخلق في حقيقة اللغة هو التقدير والاتقان في الصنعة وفعل الشئ لا على وجه السهو والمجازفة بدلالة قوله "وتخلقون إفكا" وقوله "وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير" وقوله "أحسن الخالقين" كما لا يجوز أنه أعظم الآلهة لما لم يستحق الآلهية غيره، وقال زهير :
ولانت تفري ما خلقت وبعض * القوم يخلق ثم لا يفري
وقال الججاج : لا أعد إلا وفيت ولا أخلق إلا فريت
وقال الشاعر :
ولا يئط بأيدي الخالقين ولا * أيدي الخوالق الاجبد الادم
فعلمنا بذلك جواز تسمية غيره بأنه خالق إلا انا لا نطلق هذه الصفة إلا لله تعالى، لان ذلك توهم)[19].
وقال في موضع آخر: (وقوله " أحسن الخالقين " فيه دلالة على أن الانسان قد يخلق على الحقيقة، لأنه لو لم يوصف بخالق إلا الله، لما كان لقوله " أحسن الخالقين " معنى. وأصل الخلق التقدير، كما قال الشاعر : ولانت تفري ما خلقت وبعض * القوم يخلق ثم لا يفري)[20].
قال الشيخ الطبرسي في مجمع البيان: ((وأحيي الموتى بإذن الله) إنما أضاف الإحياء إلى نفسه، على وجه المجاز والتوسع، ولأن الله تعالى كان يحيي الموتى عند دعائه)[21].
وقال الشيخ الطبرسي في تفسيره: ((أحسن الخالقين) لأنه لا تفاوت في خلقه. وأصل الخلق التقدير، يقال : خلقت الأديم : إذا قسته لتقطع منه شيئا. وقال حذيفة في هذه الآية : (تصنعون ويصنع الله وهو خير الصانعين). وفي هذا دليل على أن اسم الخلق قد يطلق على فعل غير الله تعالى، إلا أن الحقيقة في الخلق لله سبحانه فقط. فإن المراد من الخلق إيجاد الشئ مقدرا تقديرا، لا تفاوت فيه. وهذا إنما يكون من الله سبحانه وتعالى، ودليله قوله (ألا له الخلق والأمر))[22].
وقال الشيخ الحويزي (متوفى 1112هـ) في تفسيره (نور الثقلين) حول قوله تعالى: ((أحسن الخالقين)): (و زعموا ان هيهنا خالقين غير الله عز وجل، ومعنى الخلق هيهنا التقدير مثل ذلك قول الله عز وجل لعيسى عليه السلام)[23]. يشير إلى قوله تعالى في الآية (110) من سورة المائدة: ((وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فننفخ فيها فتكون طيرا بإذني)).
وقال شبّر في تفسيره: ((فتبارك الله أحسن الخالقين) المقدرين)[24].
وقال الشيخ ناصر مكارم الشيرزي في تفسيره (الأمثل): (وجدير بالذكر أن كلمة "الخالق" مشتقة من " الخلق " وتعني بالأصل التقدير، حيث تطلق هذه الكلمة عندما يراد تقطيع قطعة من الجلد فينبغي على الشخص أن يقيس أبعاد القطعة المطلوبة ثم يقطعها، فيستخدم لفظ "الخلق" بمعنى التقدير، لأهمية تقدير أبعاد الشئ، قبل قطعه. أما عبارة أحسن الخالقين فتثير هذا التساؤل : هل يوجد خالق غير الله؟! وضع بعض المفسرين تبريرات لهذه الآية في وقت لا حاجة فيه لهذه التبريرات، لأن كلمة "الخلق" بمعنى التقدير والصنع، ويصح ذلك بالنسبة لغير الله، إلا أن هناك اختلافا جوهريا بين الخلقين... يخلق الله المواد وصورها، بينما يصنع الإنسان أشياءه مما خلق الله، فهو يغير صورها. كمن يبني دارا حيث يستخدم موادا أولية كالجص والآجر، أو يصنع من الحديد سيارة أو ماكنة. ومن جهة أخرى لا حدود لخلق الله الله خالق كل شئ - سورة الرعد الآية (16) - في وقت نجد ما صنعه الإنسان محدودا جدا، وفي كثير من الأحيان يجد الإنسان فيما خلقه هو نقصا يجب سده فيما بعد، إلا أن الله يبدع الخلق دون أي نقص أو عيب. ثم إن قدرة الإنسان على صنع الأشياء جاءت بإذن من الله، حيث كل شئ في العالم يتحرك بإذن الله، حتى الورق على الشجر، كما نقرأ في سورة المائدة الآية (110) عن المسيح (عليه السلام) وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني)[25].
وقال في موضع آخر: (وعبارة أحسن الخالقين رغم أنها تشير إلى أن الله سبحانه وتعالى خالق هذا الكون ولا يوجد خالق سواه، فهي تشير أيضا حسب الظاهر إلى الأشياء المصنوعة، أي التي يصنعها الإنسان بعد أن يغير شكل المواد الطبيعية، ومن هنا سمي بالخالق، رغم أنه تعبير مجازي)[26].
ب.قصة عيسى (عليه السلام) الواردة في سورة المائدة:
قال تعالى: ((إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِين))، {المائدة:110}.
انظر لقوله تعالى كيف يبين ان دور عيسى (عليه السلام) انتهى عند نفخه في هيئة الطير، اما صيرورتها طيراً فهو بإذن الله تعالى أي بأمره: ((فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي)). والله اعلم.
رواية إحياء عيسى (عليه السلام) الموتى بالدعاء
روى الشيخ الكليني (رضوان الله عليه) في الكافي بسنده عن ابان بن تغلب وغيره عن الامام الصادق (عليه السلام) انه سُئِلَ هل كان عيسى بن مريم أحيا أحداً بعد موته حتى كان له رزق ومدة وولد؟ فقال (عليه السلام): (نعم إنه كان له صديق مواخ له في الله تعالى وكان عيسى عليه السلام يمر به وينزل عليه وإن عيسى غاب عنه حيناً ثم مر به ليسلم عليه فخرجت إليه أمه فسألها عنه فقال له: مات يا رسول الله، فقال: اتحبين ان تراه، قالت: نعم، فقال لها: فإذا كان غداً أتيتك حتى احييه لك بإذن الله تعالى، فلما كان من الغد اتاها فقال لها: انطلقي معي إلى قبره فانطلقا حتى أتيا قبره فوقف عليه عيسى عليه السلام ثم دعا الله تعالى فانفرج القبر وخرج ابنها حياً فلما رأته امه ورآها بكيا فرحمهما عيسى عليه السلام فقال له عيسى: أتحب أن تبقى مع امك في الدنيا، فقال: يا نبي الله بأكل ورزق ومدة أم بغير أكل ولا رزق ولا مدة، فقال له عيسى عليه السلام: بأكل ورزق ومدة وتعمر عشرين سنة وتزوج ويولد لك، قال: نعم، فدفعه عيسى عليه السلام إلى امه فعاش عشرين سنة وتزوج وولد له)[27].
موسى (عليه السلام) والمعجزات
قال تعالى في سورة الاسراء: ((وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً(101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (102))).
فالآيات تبين بوضوح انَّ الآيات التسع التي سبقت شق البحر كان الله تبارك وتعالى قد آتاها الى موسى (عليه السلام) فهي من فعل الله عزَّ وجلَّ، فهل يعقل ان يقال أن شق البحر بضرب موسى (عليه السلام) للبحر كان من فعل موسى (عليه السلام) وليس من فعل الله تعالى موافقاً للفعل الظاهري لموسى (عليه السلام)؟! فهل يتخذ الله تعالى شريكاً في صنع المعجزات تارة يصنعها هو سبحانه وتارة يصنعها موسى (عليه السلام)!!
قال تعالى: ((لَهُۥ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَبۡصِرۡ بِهِۦ وَأَسۡمِعۡۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِيّٖ وَلَا يُشۡرِكُ فِي حُكۡمِهِۦٓ أَحَدٗا)){الكهف:26}.
تعليق