لكي نبني حياةً طيّبةً
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ 1.
عندما تتصدَّر الآية عبارة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ... ﴾ 1 فهذا يعني أنَّ مضمون الآية الكريمة هو أمور خاصة بالمؤمنين بالذات، وأنَّ الآية تتضمن إحدى فقرات المنهج الإلهي للمؤمنين في الحياة، وبالتالي يكون المؤمنون مطالَبين بالأخذ بمضمون الآية وتطبيقه في الحياة قبل غيرهم.
نلاحظ أولاً أنَّ الخطاب في الآية جاء بصيغة الجمع وليس بصيغة المفرد، فلم يقل الباري عزَّ وجل: يا أيها المؤمن، أو يا أيها الذي آمن، بل لم نجد في القران كله خطابا من هذا النوع، بل قال سبحانه:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ... ﴾ 1. وهذا يدل على أنَّ المؤمن ينطلق في تطبيق مناهج الله تعالى في الحياة جنباً الى جنب مع سائر المؤمنين وليس لوحده، فالفردية ليس لها موقع في قاموس المجتمع الإيماني، بل التجمع والتعاون والتعاضد هي سمات المجتمع المؤمن، ذلك لأنَّ التعاون قوة، والتجمع سلاح فعال، والتعاضد سُلَّم التقدم.
تأمر الآية الكريمة المؤمنين أنْ:﴿ ... اسْتَعِينُوا ... ﴾ 1. فالمؤمنون مأمورون بالإستعانة، والإستعانة تأتي عند التحديات والمصاعب والإبتلاءات. وبالطبع فإنَّ الحياة الدنيا التي هي دار الإبتلاء مليئة بالصعاب والمشاق والمشاكل التي ينبغي على الإنسان مواجهتها شاء أم أبى. ولكن كيف؟
يقول الجواب القرآني:﴿ ... اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ ... ﴾ 1.
وواضح أنَّ المقصود من الصبر هنا ليس هو الصبر السلبي، والإستسلام للمصاعب، والخضوع أمام التحديات، وإنما الصبر يعني: مواجهة المصاعب، والوقوف أمام المشاكل، والصمود والمقاومة في وجه التحديات.
فبالصبر يتطلَّع المؤمنون لبناء مستقبلٍ مزدهر، وبالصبر قد يضحِّي المؤمنون ببعض المكاسب الحاضرة لكي يوفَّقوا لإقامة حضارة الإيمان المشرقة.
والقران الكريم يهتم بالصبر ويؤكد عليه كثيرا، فهناك حوالي 70 اشارة في كتاب الله المجيد الى هذه الصفة الهامة. وفي سورة العصر نجد أنَّ التواصي بالصبر هو أحد أهم ميزات المؤمن التي تحميه من أن يكون في خُسر:﴿ ... وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ 2.
تعليق