كانت قبيلة غفّار من قبائل العرب الوثنية، تسكن في المناطق القريبة من المدينة المنوّرة (يثرب)، حيث تمرّ قوافل مكّة التجارية.
وأفراد قبيلة غفار يعبدون صنماً اسمه "مناة" و يعتقدون أن "مناة" بيده القضاء والقدر والحظ، ولذلك فإنّ أفراد القبيلة يذهبون إليه ويقدّمون له القرابين.
وذات يوم توجّه شاب من قبيلة "غفار" إلى مناة وكان فقيراً فقدّم إلى مناة "اللبن"، وراح ينظر إليه ولكن مناة لم يحرّك ساكناً ولم يشرب اللبن فظلّ ينتظر. وفي الأثناء مرّ ثعلب لم ينتبه إلى وجود "جندب" فشرب اللبن. ولم يكتف بذلك بل رفع قدمه وبال في اُذن "مناة"، وظلّ مناة جامداً.
ضحك الشابّ ساخراً من "مناة" ومن نفسه لأنّه يعبد صخرة صمّاء لا تفهم ولا تعي شيئاً.
وفي طريق عودته الى القبيلة تذكّر "جندب" كلمات سمعها ذات يوم وهو يمشي في سوق "عكاظ" في مدينة مكّة.. تذكّر كلمات "قيس بن ساعدة" وهو يهتف بها في السوق:
أيُّها الناس اسمعوا وعوا
إنّ من عاش مات
ومن مات فات
كلّ ماهو آتٍ آت
ليل داج
وسماء ذات ابراج.
مالي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون؟!
أرضوا بالمقام فأقاموا؟
أم تركوا هناك فناموا؟!
نظر "جندب" إلى السماء الزرقاء الصافية، وإلى الصحراء الممتدة بتلالها ورمالها، وتذكّر ما فعله الثعلب ب "مناة"، فآمن بأنّ لهذا العالم إلهاً كبيراً أكبر من مناة ومن هبل ومن اللات ومن كلّ الأوثان.
ومنذ ذلك الوقت وجندب بن جنادة يتوجّه بقلبه إلى السماء والأرض.
طلوع الشمس
كان أهل الكتاب يبشّرون بظهور نبي جديد أطلّ زمانه، وكانت القبائل العربية تتناقل هذه الأخبار. وكان الذين يسخرون من الأصنام والأوثان يتشوّقون لرؤية النبي الجديد.
وذات يوم مرّ رجل قادم من مكّة فقال لجندب:
ـ ان رجلاً في مكة يقول: لا إله إلاّ الله ويدّعى انّه نبي.
وسال جندب: من أي قبيلة هو؟
قال الرجل: من قريش.
فقال جندب: من أي قريش؟
أجاب الرجل: من نبي هاشم.
سأل جندب: وماذا فعلت قريش؟
قال الرجل: كذّبته وقالت انّه ساحر ومجنون.
انصرف الرجل، وظلّ "جندب" يفكّر ويفكّر.
أنيس
فكّر "جندب" أن يرسل أخاه أنيساً إلى مكّة ليأتيه بأخبار النبيّ الجديد، وانطلق أنيس يقطع مئات الأميال الى مكّة، وسرعان ما عاد ليخبر أخاه:
ـ رأيت رجلاً يأمر بالخير وينهى عن الشرور ويدعو إلى عبادة الله وحده.
ورأيته يصلّي عند الكعبة وإلى جانبه فتى اسمه علي بن أبي طالب وهو ابن عمّه، وخلفهما امرأة وهي زوجته خديجة.
وسأل جندب أخاه: وماذا رأيت بعد؟
أجاب أنيس: هذا ما رأيته ولم أجرؤ على الاقتراب منه خوفاً من زعماء قريش.
إلى مكّة
لم يقنع جندب بما سمعه، فانطلق نفسه إلى مكّة ليتعرّف على النبيّ.
مالت الشمس إلى المغيب عندما وصل الشاب الغفاري مكّة فطاف حول الكعبة، ثم جلس في زاوية من الحرم ليستريح ويفكّر في طريقة يلتقي فيها النبي.
حلّ الظلام وأقفرت الكعبة من الناس، وفي الأثناء دخل فتىً ساحة المسجد الحرام وراح يطوف حول الكعبة بخشوع، وانتبه الفتى إلى وجود الرجل الغريب فتقدّم إليه وسأله بأدب: كأنّك غريب؟
أجاب الغفاري: نعم.
قال الفتى: انهض معي إلى المنزل.
وشكر جندب في نفسه الفتى وهو يتبعه إلى المنزل صامتاً.
وفي الصباح ودّع جندب الفتى وانطلق إلى بئر زمزم لعلّه يتعرّف على النبيّ.
ومرّت الساعات وجندب يترقّب وينتظر إلى أن حلّ الظلام.
اللقاء
مرّةً أُخرى جاء الفتى وطاف حول الكعبة كعادته ورأى الرجل الغريب في مكانه فقال له: أما آن للغريب أن يعرف منزله؟
أجاب جندب: لا.
قال الفتى: انطلق معي الى المنزل.
نهض "جندب" مع الفتى إلى منزله، كان صامتاً أيضاً.
قال الفتى: أراك تفكّر، فما هي حاجتك؟
قال جندب بحذر: إذا كتمت عليّ أخبرتك.
قال الفتى: أكتم عليك إن شاء الله.
وارتاح جندب إلى ذكر الله فقال بصوت خافت: سمعت بظهور نبي في مكة فأردت أن ألقاه.
قال الفتى وهو يبتسم: لقد أرشدك الله.. سأدلّك على منزله فاتبعني من بعيد. فإن رأيتُ أحداً أخافه عليك، وقفت كأنّي أصلحُ نعلي، فلا تقف وامض في طريقك.
ومضى الفتى إلى منزل سيّدنا محمّد وجندب يتبعه إلى أن وصلا.
الإيمان
ويدخل جندب منزل النبي ويلتقي سيّدنا محمّد (صلى الله عليه وآله)، فاذا هو أمام إنسان يجسّد كلّ مكارم الأخلاق.
سأل سيّدُنا محمّد ضيفه: ممّن الرجل؟
أجاب جندب: من قبيلة غفار.
وسأل النبيّ: ما هي حاجتك؟
قال جندب: أعرض عليّ الإسلام.
قال النبيّ: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله.
وبعد؟
أن تنتهي عن الفحشاء والمنكر وتسلك مكارم الأخلاق، وتترك عبادة الأوثان إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وان لا تسرف ولا تظلم..
وامتلأ الشابّ إيماناً بالله ورسوله، فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله.. رضيت بالله ربّاً وبك نبيّاً.
وفي تلك اللحظة ولدت شخصية اُخرى هي شخصية الصحابي الكبير أبي ذر الغفاري جُندب بن جنادة.
نهض أبو ذر وهتف بحماس: والذي بعثك لأصرخنّ بها.
وقبل أن يغادر المنزل سأل أبو ذر سيّدنا محمّداً: من هذا الفتى الذي دلّني عليك.
أجاب النبيّ باعتزاز: هو ابن عمّي عليّ.
وأوصاه سيّدنا محمّد قائلاً: يا أبا ذر اكتم هذا الأمر وارجع إلى بلادك.
وأدرك أبو ذر أن رسول الله يخشى عليه انتقام قريش فقال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً لأصرخن بها بينهم ولتفعل قريش ما تريد.
وفي الصباح انطلق أبو ذر إلى الكعبة بيت الله الحرام، كانت الأصنام جامدة في أماكنها لا تتحرّك وأبو ذر يشقّ طريقه، وجبابرة قريش جالسون يفكّرون بأمر الدين الجديد.
وفي تلك اللحظات دوّت صرخة جريئة: يا معشر قريش.. إني أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمداّ رسول الله.
واهتزت الأوثان وقلوب المشركين.
وصاح قرشي: من هذا الذي يسبّ آلهتنا.
وركضوا نحوه وانهالوا عليه ضرباً حتى فقد وعيه والدماء تنزف منه.
وتدخّل العباس عمّ سيّدنا محمّد (صلى الله عليه وآله) وأنقذه قائلاً: ويلكم يا معشر قريش تقتلون رجلاً من "غفار"! وطريق قوافلكم على قبيلته.
وأفاق أبو ذر وذهب إلى "زمزم" فشرب من مائها وغسل من جسمه الدماء.
ومرّة اُخرى أراد أبو ذر أن يتحدّى قريش بإيمانه، فانطلق نحو الكعبة ودوّت صرخته: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمّداً رسول الله.
وهجموا عليه مثل الذئاب وراحوا يكيلون له الضربات.
وسقط على الأرض فاقداً وعيه، وأنقذه العباس أيضاً.
العودة
وأفراد قبيلة غفار يعبدون صنماً اسمه "مناة" و يعتقدون أن "مناة" بيده القضاء والقدر والحظ، ولذلك فإنّ أفراد القبيلة يذهبون إليه ويقدّمون له القرابين.
وذات يوم توجّه شاب من قبيلة "غفار" إلى مناة وكان فقيراً فقدّم إلى مناة "اللبن"، وراح ينظر إليه ولكن مناة لم يحرّك ساكناً ولم يشرب اللبن فظلّ ينتظر. وفي الأثناء مرّ ثعلب لم ينتبه إلى وجود "جندب" فشرب اللبن. ولم يكتف بذلك بل رفع قدمه وبال في اُذن "مناة"، وظلّ مناة جامداً.
ضحك الشابّ ساخراً من "مناة" ومن نفسه لأنّه يعبد صخرة صمّاء لا تفهم ولا تعي شيئاً.
وفي طريق عودته الى القبيلة تذكّر "جندب" كلمات سمعها ذات يوم وهو يمشي في سوق "عكاظ" في مدينة مكّة.. تذكّر كلمات "قيس بن ساعدة" وهو يهتف بها في السوق:
أيُّها الناس اسمعوا وعوا
إنّ من عاش مات
ومن مات فات
كلّ ماهو آتٍ آت
ليل داج
وسماء ذات ابراج.
مالي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون؟!
أرضوا بالمقام فأقاموا؟
أم تركوا هناك فناموا؟!
نظر "جندب" إلى السماء الزرقاء الصافية، وإلى الصحراء الممتدة بتلالها ورمالها، وتذكّر ما فعله الثعلب ب "مناة"، فآمن بأنّ لهذا العالم إلهاً كبيراً أكبر من مناة ومن هبل ومن اللات ومن كلّ الأوثان.
ومنذ ذلك الوقت وجندب بن جنادة يتوجّه بقلبه إلى السماء والأرض.
طلوع الشمس
كان أهل الكتاب يبشّرون بظهور نبي جديد أطلّ زمانه، وكانت القبائل العربية تتناقل هذه الأخبار. وكان الذين يسخرون من الأصنام والأوثان يتشوّقون لرؤية النبي الجديد.
وذات يوم مرّ رجل قادم من مكّة فقال لجندب:
ـ ان رجلاً في مكة يقول: لا إله إلاّ الله ويدّعى انّه نبي.
وسال جندب: من أي قبيلة هو؟
قال الرجل: من قريش.
فقال جندب: من أي قريش؟
أجاب الرجل: من نبي هاشم.
سأل جندب: وماذا فعلت قريش؟
قال الرجل: كذّبته وقالت انّه ساحر ومجنون.
انصرف الرجل، وظلّ "جندب" يفكّر ويفكّر.
أنيس
فكّر "جندب" أن يرسل أخاه أنيساً إلى مكّة ليأتيه بأخبار النبيّ الجديد، وانطلق أنيس يقطع مئات الأميال الى مكّة، وسرعان ما عاد ليخبر أخاه:
ـ رأيت رجلاً يأمر بالخير وينهى عن الشرور ويدعو إلى عبادة الله وحده.
ورأيته يصلّي عند الكعبة وإلى جانبه فتى اسمه علي بن أبي طالب وهو ابن عمّه، وخلفهما امرأة وهي زوجته خديجة.
وسأل جندب أخاه: وماذا رأيت بعد؟
أجاب أنيس: هذا ما رأيته ولم أجرؤ على الاقتراب منه خوفاً من زعماء قريش.
إلى مكّة
لم يقنع جندب بما سمعه، فانطلق نفسه إلى مكّة ليتعرّف على النبيّ.
مالت الشمس إلى المغيب عندما وصل الشاب الغفاري مكّة فطاف حول الكعبة، ثم جلس في زاوية من الحرم ليستريح ويفكّر في طريقة يلتقي فيها النبي.
حلّ الظلام وأقفرت الكعبة من الناس، وفي الأثناء دخل فتىً ساحة المسجد الحرام وراح يطوف حول الكعبة بخشوع، وانتبه الفتى إلى وجود الرجل الغريب فتقدّم إليه وسأله بأدب: كأنّك غريب؟
أجاب الغفاري: نعم.
قال الفتى: انهض معي إلى المنزل.
وشكر جندب في نفسه الفتى وهو يتبعه إلى المنزل صامتاً.
وفي الصباح ودّع جندب الفتى وانطلق إلى بئر زمزم لعلّه يتعرّف على النبيّ.
ومرّت الساعات وجندب يترقّب وينتظر إلى أن حلّ الظلام.
اللقاء
مرّةً أُخرى جاء الفتى وطاف حول الكعبة كعادته ورأى الرجل الغريب في مكانه فقال له: أما آن للغريب أن يعرف منزله؟
أجاب جندب: لا.
قال الفتى: انطلق معي الى المنزل.
نهض "جندب" مع الفتى إلى منزله، كان صامتاً أيضاً.
قال الفتى: أراك تفكّر، فما هي حاجتك؟
قال جندب بحذر: إذا كتمت عليّ أخبرتك.
قال الفتى: أكتم عليك إن شاء الله.
وارتاح جندب إلى ذكر الله فقال بصوت خافت: سمعت بظهور نبي في مكة فأردت أن ألقاه.
قال الفتى وهو يبتسم: لقد أرشدك الله.. سأدلّك على منزله فاتبعني من بعيد. فإن رأيتُ أحداً أخافه عليك، وقفت كأنّي أصلحُ نعلي، فلا تقف وامض في طريقك.
ومضى الفتى إلى منزل سيّدنا محمّد وجندب يتبعه إلى أن وصلا.
الإيمان
ويدخل جندب منزل النبي ويلتقي سيّدنا محمّد (صلى الله عليه وآله)، فاذا هو أمام إنسان يجسّد كلّ مكارم الأخلاق.
سأل سيّدُنا محمّد ضيفه: ممّن الرجل؟
أجاب جندب: من قبيلة غفار.
وسأل النبيّ: ما هي حاجتك؟
قال جندب: أعرض عليّ الإسلام.
قال النبيّ: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله.
وبعد؟
أن تنتهي عن الفحشاء والمنكر وتسلك مكارم الأخلاق، وتترك عبادة الأوثان إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وان لا تسرف ولا تظلم..
وامتلأ الشابّ إيماناً بالله ورسوله، فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله.. رضيت بالله ربّاً وبك نبيّاً.
وفي تلك اللحظة ولدت شخصية اُخرى هي شخصية الصحابي الكبير أبي ذر الغفاري جُندب بن جنادة.
نهض أبو ذر وهتف بحماس: والذي بعثك لأصرخنّ بها.
وقبل أن يغادر المنزل سأل أبو ذر سيّدنا محمّداً: من هذا الفتى الذي دلّني عليك.
أجاب النبيّ باعتزاز: هو ابن عمّي عليّ.
وأوصاه سيّدنا محمّد قائلاً: يا أبا ذر اكتم هذا الأمر وارجع إلى بلادك.
وأدرك أبو ذر أن رسول الله يخشى عليه انتقام قريش فقال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً لأصرخن بها بينهم ولتفعل قريش ما تريد.
وفي الصباح انطلق أبو ذر إلى الكعبة بيت الله الحرام، كانت الأصنام جامدة في أماكنها لا تتحرّك وأبو ذر يشقّ طريقه، وجبابرة قريش جالسون يفكّرون بأمر الدين الجديد.
وفي تلك اللحظات دوّت صرخة جريئة: يا معشر قريش.. إني أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمداّ رسول الله.
واهتزت الأوثان وقلوب المشركين.
وصاح قرشي: من هذا الذي يسبّ آلهتنا.
وركضوا نحوه وانهالوا عليه ضرباً حتى فقد وعيه والدماء تنزف منه.
وتدخّل العباس عمّ سيّدنا محمّد (صلى الله عليه وآله) وأنقذه قائلاً: ويلكم يا معشر قريش تقتلون رجلاً من "غفار"! وطريق قوافلكم على قبيلته.
وأفاق أبو ذر وذهب إلى "زمزم" فشرب من مائها وغسل من جسمه الدماء.
ومرّة اُخرى أراد أبو ذر أن يتحدّى قريش بإيمانه، فانطلق نحو الكعبة ودوّت صرخته: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمّداً رسول الله.
وهجموا عليه مثل الذئاب وراحوا يكيلون له الضربات.
وسقط على الأرض فاقداً وعيه، وأنقذه العباس أيضاً.
العودة
تعليق