لماذا تجريد لبنان من السلاح والانتماء؟
إدراج الخليج الاماراتية بتاريخ 19/03/2005الساعة 05:46.
كتب د.عصام نعمان في صحيفة "الخليج الاماراتية"
في تدخلها المتزايد في أزمة لبنان المستفحلة، تركّز الولايات المتحدة على ثلاثة أغراض إستراتيجية: انسحاب كامل وشامل للقوات العسكرية والمخابراتية السورية، وتجريد المقاومة اللبنانية (حزب الله) من السلاح، وتجويف انتماء لبنان الى محيطه العربي.
أفلحت أمريكا او كادت في تحقيق الغرض الأول، وهي تسعى الى استكماله بإلزام لبنان وسوريا بالتخلي عن بند في اتفاق الطائف يولي البلدين حق استبقاء قوات سورية في نقاط محددة داخل لبنان (منطقة البقاع) يتّم تحديد حجمها ومدة وجودها وعلاقتها مع سلطات الدولة اللبنانية في أماكن تموضعها بموجب اتفاق خاص.
لتحقيق الغرض الثاني، تصرّ أمريكا على وصف حزب الله بأنه تنظيم إرهابي، وقام بأنشطة إرهابية في الماضي، ويعمل على تقويض عملية السلام بين “إسرائيل” والفلسطينيين. كما “تأمل أمريكا في أن يثبت حزب الله انه ليس إرهابيا من خلال تخليه عن سلاحه وتوقفه عن تهديد السلام”.
هذا الكلام قاله الرئيس جورج بوش لمحاوره اللبناني البطريرك مار نصر الله بطرس صفير في خلال لقائه معه مؤخرا. وهو يأمل في إقناع الزعيم الروحي للموارنة، كما سائر القادة اللبنانيين، بأن لا مانع لدى أمريكا في ترك مسألة نزع سلاح حزب الله لحكومة لبنانية تؤلف بعد الانتخابات النيابية. كما أوضح انه في هذه الحال لن تمانع واشنطن في مشاركة الحزب في أية حكومة جديدة. ولعله صارح البطريرك أيضاً بأن امتناع حكومة لبنان عن نزع سلاح الحزب قد يؤدي الى تدخل عسكري “إسرائيلي” وبالتالي الى تدخل مجلس الأمن لمعالجة النزاع بنشر قوات دولية في مناطق الجنوب والبقاع وضواحي العاصمة بيروت.
إذا ما تمكّنت أمريكا من تحقيق الغرضين الأول والثاني، تكون قد نجحت مبدئياً في مباشرة تحقيق الغرض الثالث وهو تجويف انتماء لبنان الى محيطه العربي بتعطيل التزامه بواجباته القومية إزاء حقوق العرب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإخراجه تاليا من دائرة الصراع العربي - “الإسرائيلي”.
لماذا تسعى أمريكا الى تحقيق الأغراض الثلاثة؟ لأن المقاومة اللبنانية أضحت قوة رادعة ومؤذية
لـ"إسرائيل" في حال اعتدائها على لبنان او تكريس استيلائها على منطقة شبعا الجنوبية المحتلة حيث يكمن مخزون هائل من المياه الجوفية. وليس أدل على ذلك من أن “إسرائيل” امتنعت، بعد اضطرارها إلى سحب قواتها المحتلة من الجنوب اللبناني العام 2000 عن القيام بهجومات برية، بالمشاة أو بالمدرعات، على المناطق الحدودية اللبنانية. كل ذلك مخافة أن ترّد المقاومة اللبنانية بقصف صاروخي أو بعمليات فدائية تلحق بالغ الأذى بالمستعمرات الصهيونية في منطقة الجليل المحتل.
الى ذلك، فإن المقاومة باتت ورقة سياسية ثمينة بيد حكومتي لبنان وسوريا تمكنّهما من استخدامها في أية مفاوضات قادمة مع "إسرائيل". من دونها، لا يبقى لهما أية اداة ضغط ملائمة لإكراه "إسرائيل" على إخلاء منطقة شبعا والتخلي عن مستعمراتها في الجولان السوري المحتل في إطار العودة إلى اتفاقيات الهدنة للعام 1949 أو في إطار تسوية سلمية متوازنة.
فوق ذلك، يؤلم "إسرائيل" أن تبقى المقاومة اللبنانية بنصرها الرائع على "جيشها الذي لا يقهر" العام 2000 شاهداً على القدرات العربية في حال تفعيل الإرادة السياسية والقتالية وقدوةً لافتة للشعوب العربية الرازحة تحت احتلال أجنبي او المهددة بحرب او عدوان.
كيف يمكن الحؤول دون تحقيق أغراض أمريكا و"إسرائيل" في تجريد لبنان من السلاح والقوة الرادعة والأوراق التفاوضية والانتماء العربي والوفاء بموجباته القومية، من دون الإساءة الى الجهود السياسية المبذولة من اجل إخراجه من أزمته الوطنية المزمنة.
ثمة توافق او شبه إجماع بين الأطراف اللبنانيين المتصارعة على حماية المقاومة ورفض تجريد حزب الله من السلاح كونه ليس ميليشيا بالمعنى المقصود في اتفاق الطائف. هذا التوافق يمكن تدعيمه سياسيا إزاء القوى السياسية المتنافسة في الداخل بجعل المقاومة جزءا من المنظومة الدفاعية اللبنانية من طريق ترتيب يحدد أهدافها الاستراتيجية والتكتيكية وعلاقتها بالسلطة اللبنانية ووجوه نشاطها وذلك في إطار المجلس الوطني للدفاع. إن من شأن هذا الترتيب السياسي والإداري المقترح تشريع المقاومة ووضعها تحت مظلة الشرعية اللبنانية وفي حمى حكم القانون والسيادة الوطنيين. وغني عن البيان انه يقتضي، لضمان شرعية هذا الترتيب وصدقيته والتزام جميع القوى السياسية احترامه وتنفيذه، ان يكون بندا ميثاقيا يضاف الى اتفاق الطائف أو أن يكون ميثاقاً قائماً بذاته.
ستعترض أمريكا و"إسرائيل"، بطبيعة الحال، على هذا التشريع للمقاومة اللبنانية الذي يبقيها قوةً رادعة وورقةً تفاوضية بيد لبنان. لكن إجماع اللبنانيين او توافقهم الواسع على ضرورة حمايتها وفائدتها الاستراتيجية والسياسية للبلد واقترن ذلك كله بقرار إجماعي من مؤتمر القمة العربية، عاجلاً او آجلاً، من شأن ذلك كله تعطيل مفاعيل الممانعة الأمريكية وتجاوز تهديدات “إسرائيل” وردّ اعتداءاتها المحتملة.
تقتضي الإشارة أخيراً وليس آخراً إلى ان حماية المقاومة ليست قضية وطنية تتعلق بالشأن الدفاعي وبتوفير أدوات الردع اللازمة ضد “إسرائيل” والأوراق القوية اللازمة في المفاوضات المرتقبة وحسب بل هي قضية سياسية داخلية أيضا تتعلق بحقوق شريحة واسعة من اللبنانيين وتطلعاتهم المشروعة. من هنا تنبع ضرورة مقاربتها ومعالجتها في إطار وطني ومن ضمن إيجاد الأسس والقواعد والترتيبات اللازمة لاجتراح تسوية تاريخية للأزمة الوطنية المزمنة، تكون من صنع اللبنانيين أنفسهم، بعيداً عن تدخلات القوى الأجنبية الطامعة، وبما يؤمّن تخليص لبنان من الانفجارات السياسة والأمنية شبه الدورية التي أخذت بخناقه منذ استقلاله العام 1943.
نقلا عن الانتقاد
إدراج الخليج الاماراتية بتاريخ 19/03/2005الساعة 05:46.
كتب د.عصام نعمان في صحيفة "الخليج الاماراتية"
في تدخلها المتزايد في أزمة لبنان المستفحلة، تركّز الولايات المتحدة على ثلاثة أغراض إستراتيجية: انسحاب كامل وشامل للقوات العسكرية والمخابراتية السورية، وتجريد المقاومة اللبنانية (حزب الله) من السلاح، وتجويف انتماء لبنان الى محيطه العربي.
أفلحت أمريكا او كادت في تحقيق الغرض الأول، وهي تسعى الى استكماله بإلزام لبنان وسوريا بالتخلي عن بند في اتفاق الطائف يولي البلدين حق استبقاء قوات سورية في نقاط محددة داخل لبنان (منطقة البقاع) يتّم تحديد حجمها ومدة وجودها وعلاقتها مع سلطات الدولة اللبنانية في أماكن تموضعها بموجب اتفاق خاص.
لتحقيق الغرض الثاني، تصرّ أمريكا على وصف حزب الله بأنه تنظيم إرهابي، وقام بأنشطة إرهابية في الماضي، ويعمل على تقويض عملية السلام بين “إسرائيل” والفلسطينيين. كما “تأمل أمريكا في أن يثبت حزب الله انه ليس إرهابيا من خلال تخليه عن سلاحه وتوقفه عن تهديد السلام”.
هذا الكلام قاله الرئيس جورج بوش لمحاوره اللبناني البطريرك مار نصر الله بطرس صفير في خلال لقائه معه مؤخرا. وهو يأمل في إقناع الزعيم الروحي للموارنة، كما سائر القادة اللبنانيين، بأن لا مانع لدى أمريكا في ترك مسألة نزع سلاح حزب الله لحكومة لبنانية تؤلف بعد الانتخابات النيابية. كما أوضح انه في هذه الحال لن تمانع واشنطن في مشاركة الحزب في أية حكومة جديدة. ولعله صارح البطريرك أيضاً بأن امتناع حكومة لبنان عن نزع سلاح الحزب قد يؤدي الى تدخل عسكري “إسرائيلي” وبالتالي الى تدخل مجلس الأمن لمعالجة النزاع بنشر قوات دولية في مناطق الجنوب والبقاع وضواحي العاصمة بيروت.
إذا ما تمكّنت أمريكا من تحقيق الغرضين الأول والثاني، تكون قد نجحت مبدئياً في مباشرة تحقيق الغرض الثالث وهو تجويف انتماء لبنان الى محيطه العربي بتعطيل التزامه بواجباته القومية إزاء حقوق العرب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإخراجه تاليا من دائرة الصراع العربي - “الإسرائيلي”.
لماذا تسعى أمريكا الى تحقيق الأغراض الثلاثة؟ لأن المقاومة اللبنانية أضحت قوة رادعة ومؤذية
لـ"إسرائيل" في حال اعتدائها على لبنان او تكريس استيلائها على منطقة شبعا الجنوبية المحتلة حيث يكمن مخزون هائل من المياه الجوفية. وليس أدل على ذلك من أن “إسرائيل” امتنعت، بعد اضطرارها إلى سحب قواتها المحتلة من الجنوب اللبناني العام 2000 عن القيام بهجومات برية، بالمشاة أو بالمدرعات، على المناطق الحدودية اللبنانية. كل ذلك مخافة أن ترّد المقاومة اللبنانية بقصف صاروخي أو بعمليات فدائية تلحق بالغ الأذى بالمستعمرات الصهيونية في منطقة الجليل المحتل.
الى ذلك، فإن المقاومة باتت ورقة سياسية ثمينة بيد حكومتي لبنان وسوريا تمكنّهما من استخدامها في أية مفاوضات قادمة مع "إسرائيل". من دونها، لا يبقى لهما أية اداة ضغط ملائمة لإكراه "إسرائيل" على إخلاء منطقة شبعا والتخلي عن مستعمراتها في الجولان السوري المحتل في إطار العودة إلى اتفاقيات الهدنة للعام 1949 أو في إطار تسوية سلمية متوازنة.
فوق ذلك، يؤلم "إسرائيل" أن تبقى المقاومة اللبنانية بنصرها الرائع على "جيشها الذي لا يقهر" العام 2000 شاهداً على القدرات العربية في حال تفعيل الإرادة السياسية والقتالية وقدوةً لافتة للشعوب العربية الرازحة تحت احتلال أجنبي او المهددة بحرب او عدوان.
كيف يمكن الحؤول دون تحقيق أغراض أمريكا و"إسرائيل" في تجريد لبنان من السلاح والقوة الرادعة والأوراق التفاوضية والانتماء العربي والوفاء بموجباته القومية، من دون الإساءة الى الجهود السياسية المبذولة من اجل إخراجه من أزمته الوطنية المزمنة.
ثمة توافق او شبه إجماع بين الأطراف اللبنانيين المتصارعة على حماية المقاومة ورفض تجريد حزب الله من السلاح كونه ليس ميليشيا بالمعنى المقصود في اتفاق الطائف. هذا التوافق يمكن تدعيمه سياسيا إزاء القوى السياسية المتنافسة في الداخل بجعل المقاومة جزءا من المنظومة الدفاعية اللبنانية من طريق ترتيب يحدد أهدافها الاستراتيجية والتكتيكية وعلاقتها بالسلطة اللبنانية ووجوه نشاطها وذلك في إطار المجلس الوطني للدفاع. إن من شأن هذا الترتيب السياسي والإداري المقترح تشريع المقاومة ووضعها تحت مظلة الشرعية اللبنانية وفي حمى حكم القانون والسيادة الوطنيين. وغني عن البيان انه يقتضي، لضمان شرعية هذا الترتيب وصدقيته والتزام جميع القوى السياسية احترامه وتنفيذه، ان يكون بندا ميثاقيا يضاف الى اتفاق الطائف أو أن يكون ميثاقاً قائماً بذاته.
ستعترض أمريكا و"إسرائيل"، بطبيعة الحال، على هذا التشريع للمقاومة اللبنانية الذي يبقيها قوةً رادعة وورقةً تفاوضية بيد لبنان. لكن إجماع اللبنانيين او توافقهم الواسع على ضرورة حمايتها وفائدتها الاستراتيجية والسياسية للبلد واقترن ذلك كله بقرار إجماعي من مؤتمر القمة العربية، عاجلاً او آجلاً، من شأن ذلك كله تعطيل مفاعيل الممانعة الأمريكية وتجاوز تهديدات “إسرائيل” وردّ اعتداءاتها المحتملة.
تقتضي الإشارة أخيراً وليس آخراً إلى ان حماية المقاومة ليست قضية وطنية تتعلق بالشأن الدفاعي وبتوفير أدوات الردع اللازمة ضد “إسرائيل” والأوراق القوية اللازمة في المفاوضات المرتقبة وحسب بل هي قضية سياسية داخلية أيضا تتعلق بحقوق شريحة واسعة من اللبنانيين وتطلعاتهم المشروعة. من هنا تنبع ضرورة مقاربتها ومعالجتها في إطار وطني ومن ضمن إيجاد الأسس والقواعد والترتيبات اللازمة لاجتراح تسوية تاريخية للأزمة الوطنية المزمنة، تكون من صنع اللبنانيين أنفسهم، بعيداً عن تدخلات القوى الأجنبية الطامعة، وبما يؤمّن تخليص لبنان من الانفجارات السياسة والأمنية شبه الدورية التي أخذت بخناقه منذ استقلاله العام 1943.
نقلا عن الانتقاد