أفكار ووقائع اتصالات حول استحقاق رئاسي مبكر (2)
جنبلاط طلب رأي الفرنسيين وصفير يخشى الفراغ وبديلاً يشبه لحود
إبراهيم الأمين
إثر تراجع النائب وليد جنبلاط عن اقتراحه استقالة الرئيس اميل لحود وانتخاب بديل من المجلس النيابي الحالي، توجه اليه بعض الذي عملوا معه على هذه الفكرة، وسألوه باستغراب عن السبب وعن الخطوة التالية، وهو كرر حديثه عن اهمية وحدة المعارضة، ولكنه لم يقفل الباب أمام أصل الفكرة. ولما سمع جنبلاط احتجاجا على توريط هؤلاء في اتصالات وارتباطات سياسية مع جهات بارزة لاجل إخراج الفكرة الاولى الى حيز التنفيذ، قال انه يعرف ان الموقف الاميركي رافض لاي خطوة قبل الانتخابات النيابية. لكنه شدد على ان الموقف الاميركي كان قد نقل اليه في وقت سابق على موعده مع الرئيس المصري حسني مبارك. لافتا انتباه محدثيه الى ضرورة البحث في الامر بصورة مختلفة دون الاستسلام. وكرر جنبلاط خشيته من ان يكون المجلس المقبل محسوم القرار بيد مجموعة متطرفة من هذا الاتجاه او ذاك. كما ان محدثيه فهموا مرة اخرى جوهر دعوته لانتخاب شخصية من نواب المعارضة الحاليين.
فجأة قال له محدثه: حسنا، ماذا لو ان سوريا ومن معها من قوى جدية مثل <<حزب الله>> قد أقنعوا الرئيس لحود بالاستقالة الآن؟ هل نعيش الفراغ بانتظار الانتخابات النيابية أم عندنا خطة واضحة؟ وإذا كان صحيحا ان لسوريا اغلبية واضحة في المجلس الحالي، فهل يمكننا مقاومة دعوة المجلس الى انتخاب رئيس جديد قد يتم اختياره من مجموعة لا تستفز المسيحيين بقوة، ويكون لسوريا حصتها الكبيرة فيه. ثم هل بمقدورنا تعطيل عملية دستورية بهذا الحجم ام لدينا ما نقوله؟
استمع جنبلاط وشرد قليلا قبل ان يجيب محدثه، بأنه لم يتخل كليا عن فكرته، ولكنه لن يقود جبهة لاجلها، وإذا كان هناك فعلا من يفكر باستقالة لحود الآن، فمن الافضل البحث في صيغة جديدة للعمل. وانتهى الى الطلب من محدثه ان يجري على الفور اتصالا بالفرنسيين وبالبطريرك الماروني ويناقش مع آخرين من بين قوى المعارضة الامر. خرج الضيف من المختارة وتوجه الى بيروت، وعلى الطريق اجرى اتصالا بالسفير الفرنسي برنار ايمييه واتفق معه على موعد سريع، ثم حجز موعدا له في اليوم التالي مع البطريرك الماروني.
قبل الاجتماع، كان هناك نقاش حول واقع المجلس الحالي وحول المجلس المقبل. وكان هناك تقاطع بين فئة من الأقطاب المعارضين المصنفين في خانة <<الاعتدال>> وبين قوى وشخصيات مثل جنبلاط نفسه، حول ان استمرار الموجة الحالية من التوتر السياسي قد يأتي بمجلس تسيطر عليه قوى سوف تجد لنفسها أطراً جديدة خارج التحالف المعارض القائم، وأن الامر لا بد أن ينعكس مباشرة على ملف تشكيل الحكومة الجديدة وعلى الانتخابات الرئاسية اذا طرحت بصورة مبكرة. لا سيما ان مرجعا بارزا في المعارضة من الذين يلحون على الانتخابات النيابية الآن، قال ردا على استفسارت عما اذا كان مع بقاء لحود في الرئاسة حتى تنتهي ولايته الممددة: لن نتركه يحتفل بالذكرى الأولى للتمديد.
ووسط هذه المناخات، عقد ضيف جنبلاط اجتماعا مطولا مع السفير الفرنسي وأثار معه احتمال إقدام الطرف الآخر على استقالة فورية لرئيس الجمهورية، واحتمال حصول فراغ من شأنه تعطيل قيام حكومة جديدة وتعطيل الانتخابات النيابية أيضا. وبالطبع تناول الحديث مخاطر ترك امر الانتخابات الى المجلس المقبل الذي قد يأتي برئيس لا يحظى بتوافق جدي بين كافة اللبنانيين، وهذا يعني أن البلاد سوف تكون مقبلة على مشكلة بما في ذلك تجاهل سوريا دفعة واحدة. ورد السفير الفرنسي مركزا على ان بلاده لا تريد الفراغ، وهي تخشاه فعلا، وهي لم تضع سيناريو لمواجهة احتمال من هذا النوع، في ما يبدو انه إشارة منها لاستبعاد فكرة إقدام لحود أو سوريا على هذه الخطوة. ولكن السفير الخبير والساعي إلى إظهار نقاط تمايز عن زميله الاميركي، لفت إلى انه لا يجب اللعب بوحدة المعارضة وتعريضها لخطر الانقسام. كذلك لا يجب الدخول في مغامرة من شأنها تعطيل عملية الانسحاب السوري من لبنان. وشدد السفير الفرنسي على ان بلاده ليست واثقة حتى اللحظة من أن سوريا سوف تلتزم بقرار الانسحاب التام العسكري والأمني قبل موعد الانتخابات النيابية. ومع أن الضيف ألح على السفير الفرنسي مناقشة الامر بصورة جدية، فإن الاخير لم يقترح حلا او علاجا بقدر ما ابدى اهتماما، مركزا على امر الانسحاب السوري كأولوية مطلقة.
في وقت لاحق، اعاد ضيف جنبلاط الاتصال بالمختارة وأبلغ اليه نتائج الاجتماع. ثم توجه في اليوم التالي الى بكركي حاملا الهواجس ذاتها الى البطريرك الماروني نصر الله صفير، سائلا اياه رأيه في الامر إذا حصل على النحو المذكور. بالطبع، عاد صفير ليدافع عن فكرة رفضه دعوة لحود الى الاستقالة الآن، لانه لا يريد ان يكون هناك فراغ في موقع مهم طالما ان الحكومة مستقيلة، ثم انه لا يريد صراحة ان يعود المجلس الحالي <<شبه المعين>> من سوريا ان يختار رئيسا من صنف لحود نفسه لولاية كاملة ما يعطل فرصة حقيقية للتغيير. ثم هناك ضرورة لان لا يتجاهل احد المعركة القائمة الآن لضمان انسحاب سوري كامل من لبنان قبل موعد الانتخابات. وأن صفير يخشى ان يؤثر امر كبير كهذا على هذه العملية وأن تتذرع سوريا بأي تطورات متصلة بهذا الاستحقاق وتعمل على تأجيل انسحابها.
ولكن صفير، أبلغ إلى هذه الشخصية أنه وإن كان لا يوافق على تبني الفكرة، ولا ينوي التراجع عن موقفه بإعطاء الاولوية لتشكيل الحكومة و إجراء الانتخابات النيابية، فهو لن يكون سلبيا مع أي مبادرة توافقية في حال حصلت خطوة الاستقالة من جانب لحود. وهو لا يمانع حوارا حقيقيا بين القوى البارزة والممثلة لاختيار رئيس جديد.
وحسب هذه الشخصية فإن ثمة تقاطعا جديا بين السفير الفرنسي وبين البطريرك الماروني لناحية عدم القيام بأي خطوة عدائية او استفزازية لسوريا، وكذلك عدم دعم مرشحين من النوع الذي يقود لبنان الى مشكلات داخلية وإقليمية كبيرة. وإن ما يهتم به الاميركيون قد لا يعبر عن اولويات الآخرين. ويبدو ان الحديث يدور هنا عن مخاوف لدى جنبلاط ومرشحين للرئاسة من بين اقطاب في المعارضة، من ان تكون الولايات المتحدة الاميركية في وارد دعم ترشيح الرئيس أمين الجميل او العماد ميشال عون، علما ان الاخير لا تمكن مقارنته بالأول لا على الصعيد الشعبي، ولا على صعيد التمثيل السياسي، ثم انه قد يكون اكثر انفتاحا من غيره على ما يقع تحت عنوان مشروع الدولة، وهو شخصية لن يكون بمقدور أمراء الطوائف السيطرة عليها، لا من المسلمين ولا من المسيحيين، ومشكلته الوحيدة عند القوى الاسلامية البارزة، في غياب <<واقعية تخص دور لبنان الاقليمي وتوزع المسؤوليات السياسية المرتبطة بعلاقات لبنان مع الخارج>>.
وبحسب الشخصية الجوالة، فإن نافذة البحث في الملف الرئاسي قد فتحت لاجل مقاربة مختلفة للاحداث، لكن الشرط كان وما يزال هو هو: استقالة فورية لرئيس الجمهورية. وهو امر لا يزال في علم الغيب!.
جنبلاط طلب رأي الفرنسيين وصفير يخشى الفراغ وبديلاً يشبه لحود
إبراهيم الأمين
إثر تراجع النائب وليد جنبلاط عن اقتراحه استقالة الرئيس اميل لحود وانتخاب بديل من المجلس النيابي الحالي، توجه اليه بعض الذي عملوا معه على هذه الفكرة، وسألوه باستغراب عن السبب وعن الخطوة التالية، وهو كرر حديثه عن اهمية وحدة المعارضة، ولكنه لم يقفل الباب أمام أصل الفكرة. ولما سمع جنبلاط احتجاجا على توريط هؤلاء في اتصالات وارتباطات سياسية مع جهات بارزة لاجل إخراج الفكرة الاولى الى حيز التنفيذ، قال انه يعرف ان الموقف الاميركي رافض لاي خطوة قبل الانتخابات النيابية. لكنه شدد على ان الموقف الاميركي كان قد نقل اليه في وقت سابق على موعده مع الرئيس المصري حسني مبارك. لافتا انتباه محدثيه الى ضرورة البحث في الامر بصورة مختلفة دون الاستسلام. وكرر جنبلاط خشيته من ان يكون المجلس المقبل محسوم القرار بيد مجموعة متطرفة من هذا الاتجاه او ذاك. كما ان محدثيه فهموا مرة اخرى جوهر دعوته لانتخاب شخصية من نواب المعارضة الحاليين.
فجأة قال له محدثه: حسنا، ماذا لو ان سوريا ومن معها من قوى جدية مثل <<حزب الله>> قد أقنعوا الرئيس لحود بالاستقالة الآن؟ هل نعيش الفراغ بانتظار الانتخابات النيابية أم عندنا خطة واضحة؟ وإذا كان صحيحا ان لسوريا اغلبية واضحة في المجلس الحالي، فهل يمكننا مقاومة دعوة المجلس الى انتخاب رئيس جديد قد يتم اختياره من مجموعة لا تستفز المسيحيين بقوة، ويكون لسوريا حصتها الكبيرة فيه. ثم هل بمقدورنا تعطيل عملية دستورية بهذا الحجم ام لدينا ما نقوله؟
استمع جنبلاط وشرد قليلا قبل ان يجيب محدثه، بأنه لم يتخل كليا عن فكرته، ولكنه لن يقود جبهة لاجلها، وإذا كان هناك فعلا من يفكر باستقالة لحود الآن، فمن الافضل البحث في صيغة جديدة للعمل. وانتهى الى الطلب من محدثه ان يجري على الفور اتصالا بالفرنسيين وبالبطريرك الماروني ويناقش مع آخرين من بين قوى المعارضة الامر. خرج الضيف من المختارة وتوجه الى بيروت، وعلى الطريق اجرى اتصالا بالسفير الفرنسي برنار ايمييه واتفق معه على موعد سريع، ثم حجز موعدا له في اليوم التالي مع البطريرك الماروني.
قبل الاجتماع، كان هناك نقاش حول واقع المجلس الحالي وحول المجلس المقبل. وكان هناك تقاطع بين فئة من الأقطاب المعارضين المصنفين في خانة <<الاعتدال>> وبين قوى وشخصيات مثل جنبلاط نفسه، حول ان استمرار الموجة الحالية من التوتر السياسي قد يأتي بمجلس تسيطر عليه قوى سوف تجد لنفسها أطراً جديدة خارج التحالف المعارض القائم، وأن الامر لا بد أن ينعكس مباشرة على ملف تشكيل الحكومة الجديدة وعلى الانتخابات الرئاسية اذا طرحت بصورة مبكرة. لا سيما ان مرجعا بارزا في المعارضة من الذين يلحون على الانتخابات النيابية الآن، قال ردا على استفسارت عما اذا كان مع بقاء لحود في الرئاسة حتى تنتهي ولايته الممددة: لن نتركه يحتفل بالذكرى الأولى للتمديد.
ووسط هذه المناخات، عقد ضيف جنبلاط اجتماعا مطولا مع السفير الفرنسي وأثار معه احتمال إقدام الطرف الآخر على استقالة فورية لرئيس الجمهورية، واحتمال حصول فراغ من شأنه تعطيل قيام حكومة جديدة وتعطيل الانتخابات النيابية أيضا. وبالطبع تناول الحديث مخاطر ترك امر الانتخابات الى المجلس المقبل الذي قد يأتي برئيس لا يحظى بتوافق جدي بين كافة اللبنانيين، وهذا يعني أن البلاد سوف تكون مقبلة على مشكلة بما في ذلك تجاهل سوريا دفعة واحدة. ورد السفير الفرنسي مركزا على ان بلاده لا تريد الفراغ، وهي تخشاه فعلا، وهي لم تضع سيناريو لمواجهة احتمال من هذا النوع، في ما يبدو انه إشارة منها لاستبعاد فكرة إقدام لحود أو سوريا على هذه الخطوة. ولكن السفير الخبير والساعي إلى إظهار نقاط تمايز عن زميله الاميركي، لفت إلى انه لا يجب اللعب بوحدة المعارضة وتعريضها لخطر الانقسام. كذلك لا يجب الدخول في مغامرة من شأنها تعطيل عملية الانسحاب السوري من لبنان. وشدد السفير الفرنسي على ان بلاده ليست واثقة حتى اللحظة من أن سوريا سوف تلتزم بقرار الانسحاب التام العسكري والأمني قبل موعد الانتخابات النيابية. ومع أن الضيف ألح على السفير الفرنسي مناقشة الامر بصورة جدية، فإن الاخير لم يقترح حلا او علاجا بقدر ما ابدى اهتماما، مركزا على امر الانسحاب السوري كأولوية مطلقة.
في وقت لاحق، اعاد ضيف جنبلاط الاتصال بالمختارة وأبلغ اليه نتائج الاجتماع. ثم توجه في اليوم التالي الى بكركي حاملا الهواجس ذاتها الى البطريرك الماروني نصر الله صفير، سائلا اياه رأيه في الامر إذا حصل على النحو المذكور. بالطبع، عاد صفير ليدافع عن فكرة رفضه دعوة لحود الى الاستقالة الآن، لانه لا يريد ان يكون هناك فراغ في موقع مهم طالما ان الحكومة مستقيلة، ثم انه لا يريد صراحة ان يعود المجلس الحالي <<شبه المعين>> من سوريا ان يختار رئيسا من صنف لحود نفسه لولاية كاملة ما يعطل فرصة حقيقية للتغيير. ثم هناك ضرورة لان لا يتجاهل احد المعركة القائمة الآن لضمان انسحاب سوري كامل من لبنان قبل موعد الانتخابات. وأن صفير يخشى ان يؤثر امر كبير كهذا على هذه العملية وأن تتذرع سوريا بأي تطورات متصلة بهذا الاستحقاق وتعمل على تأجيل انسحابها.
ولكن صفير، أبلغ إلى هذه الشخصية أنه وإن كان لا يوافق على تبني الفكرة، ولا ينوي التراجع عن موقفه بإعطاء الاولوية لتشكيل الحكومة و إجراء الانتخابات النيابية، فهو لن يكون سلبيا مع أي مبادرة توافقية في حال حصلت خطوة الاستقالة من جانب لحود. وهو لا يمانع حوارا حقيقيا بين القوى البارزة والممثلة لاختيار رئيس جديد.
وحسب هذه الشخصية فإن ثمة تقاطعا جديا بين السفير الفرنسي وبين البطريرك الماروني لناحية عدم القيام بأي خطوة عدائية او استفزازية لسوريا، وكذلك عدم دعم مرشحين من النوع الذي يقود لبنان الى مشكلات داخلية وإقليمية كبيرة. وإن ما يهتم به الاميركيون قد لا يعبر عن اولويات الآخرين. ويبدو ان الحديث يدور هنا عن مخاوف لدى جنبلاط ومرشحين للرئاسة من بين اقطاب في المعارضة، من ان تكون الولايات المتحدة الاميركية في وارد دعم ترشيح الرئيس أمين الجميل او العماد ميشال عون، علما ان الاخير لا تمكن مقارنته بالأول لا على الصعيد الشعبي، ولا على صعيد التمثيل السياسي، ثم انه قد يكون اكثر انفتاحا من غيره على ما يقع تحت عنوان مشروع الدولة، وهو شخصية لن يكون بمقدور أمراء الطوائف السيطرة عليها، لا من المسلمين ولا من المسيحيين، ومشكلته الوحيدة عند القوى الاسلامية البارزة، في غياب <<واقعية تخص دور لبنان الاقليمي وتوزع المسؤوليات السياسية المرتبطة بعلاقات لبنان مع الخارج>>.
وبحسب الشخصية الجوالة، فإن نافذة البحث في الملف الرئاسي قد فتحت لاجل مقاربة مختلفة للاحداث، لكن الشرط كان وما يزال هو هو: استقالة فورية لرئيس الجمهورية. وهو امر لا يزال في علم الغيب!.