بسم الله الرحمن الرحيم...
اللهم صل على محمد و آله الطاهرين.
السعادة الزوجية-الشيخ نعيم قاسم.
ركز الإمام السجاد على خمسة عناوين رئيسة، واعتبرها ضوابط الحق التي تسعد الحياة الزوجية، وتجعلها في المسار الصحيح، وهي:
أ ـ الزوجة أُنس وواقية: فهي التي تضفي على الحياة الزوجية حالة الاستقرار والسكن والراحة، وهي التي تقي الرجل من الوقوع في الحرام بسبب متطلبات شهوته، «فأن تعلم أن الله جعلها سكناً ومستراحاً وأنساً وواقية».
ب ـ كلاهما نعمة الله للآخر: فعطاء الله للطرفين بتوفيقهما ليجتمعا في الحياة الزوجية، فلا فضل لأحد على الآخر بشكل مميز، ليحمد كل منهما ربه على زوجه، «وكذلك كل واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبهن ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها».
ج ـ القوامية للزوج: وهي عبء ثقيل، لكنها مقيدة بالاستقامة، وبالتالي فعلى الزوجة الطاعة فيما أوجبه الله تعالى عليها للزوج، «وإن كان حقك عليها أغلظ، وطاعتك بها ألزم، فيما أحببت وكرهت ما لم تكن معصية».
د ـ للزوجة الرحمة والمؤانسة: فعلى الزوج أن يضفي على علاقته مع زوجته طابع الرحمة في سلوكه ومعاملاته، وأن يؤانسها ويريحها فلا يكتفي بما تؤنسه به، فلها حقوق عليه، «فإن لها حق الرحمة والمؤانسة».
ﻫ ـ أهمية العلاقة الجنسية: فهي أساس في العلاقة الزوجية، وهي مطلب أصلي للرجل، ولا يُستهان بأهميتها فيما تضفيه على حياة الزوجين، فلا بد من ايلاء هذه العلاقة مكانتها والاهتمام بحُسن أدائها، لأنها تؤدي إلى السكون والراحة فهذا أمر عظيم ودعامة كبرى للبناء الزوجي، «وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لابد من قضائها وذلك عظيم».
إن الأسئلة الموجودة على المستوى الإجتماعي في العلاقة بين الزوجين كثيرة جداً، وغالباً ما لا تجد الإجابات الصريحة والصحيحة، أو يحاول كل واحد منهما أن يفسر الأمور على طريقته وبما ينسجم مع رغبته، ما يوجد جواً من التباين والاختلاف الحاد في داخل الأسر، فإذا ما أضفنا ضعف الثقافة الزوجية، فإننا سنصطدم بوعي ضعيف يرتب آثاراً سلبية في عدم فهم حقيقة وطبيعة ومتطلبات العلاقة الزوجية وكيفية التعاطي بين الزوجين.
أما في التطبيق العملي فالمشكلة أكبر، إذ يستخدم كل من الرجل والمرأة سلطته وإمكاناته وطريقته في الأداء ليفرض مسلكه على الطرف الآخر، ويحاول توجيه الأمور الى حيث يرغب ويريد، لا إلى حيث يجب أن تكون بحسب الأوامر الشرعية. وأرى من الطبيعي أن تكون التساؤلات كثيرة لأنها مسألة حياتية حيوية يومية يبتلى بها كل بيت، فإذا أضفنا الموروثات والعادات والتقاليد التي تراكمت مع الزمن ولم تستند الى الشريعة، فإننا نجد أنفسنا أمام عقبات تتطلب توضيحاً ومواجهة لتصحيح الخلل وإعادة البوصلة الى الطريق السليم. ولطالما حصل الالتباس في تحميل النظرية خطأ التطبيق، أو تحميلها خطأ فهمها وتفسيرها، ومع كل المحاولات التوضيحية لأحكام الإسلام في الزواج، فإننا بحاجة الى الكثير من المؤلفات للإجابة على الأسئلة المعاشة والمستجدة، وهذا أمر طبيعي نتحمل مسؤولية مواكبته ومعالجته.
التأهيل للزواج
إن طبيعة الحياة العامة تتطلب وجود التزاوج، ونحن لا نريد تعقيد الأمور، فهل المطلوب أن نُدخل من يريدون الزواج الى جامعة، ونخضعهم لمناهج خاصة، ونرعى سلوكهم بالمراقبة لفترة طويلة من الزمن، حتى نقرر بعدها إذا كانوا مهيئين للزواج أم لا؟ ! هذه النتيجة تعني تعطيل الحياة الزوجية واقتصارها على عدد قليل، ما يدخلنا في مشاكل اجتماعية لا حصر لها.
إن الزواج أمر سهل، يتطلب منا أن نهيئ له الشباب والفتيات، وهم يمتلكون القابلية لذلك خاصة مع وصولهم الى سن البلوغ، فالتغيرات الجسدية والنفسية والعقلية، وكذلك النمو الاجتماعي والثقافي والتعليمي، إضافة الى التجربة التي يعيشها كل فرد، تؤهلهم للاستعداد للزواج. إن المطلوب هو التوعية على الأحكام الشرعية وما تتضمنه من حقوق وواجبات، وعلى ما يتميز به كل من الشاب والفتاة من خصائص، وتوجيههم للاستفادة من التجارب، وحسن التطبيق العملي ومواكبة متطلبات وتطورات الحياة.
إن التعقيدات التي تواجه الشاب والفتاة لها علاقة بالموروثات الخاطئة والتربية الخاطئة والتجارب الخاطئة للوالدين وللمجتمع، ونحن نعلم أن العلاج مردُّه الى التربية، فحبذا لو يلتفت المعنيون من العلماء والمبلغين والمربين والمعلمين والأهل الى ضرورة تقديم التوجيهات السليمة، ومواكبة هذه التجربة في حياة النشء الجديد، فإذا افتقر الأهل الى قدرة التوجيه إما لنقص عندهم أو لعدم تقبل الأولاد منهم، فليوجهوا أولادهم الى أصحاب المعرفة والخبرة، الذي تقع على عاتقهم مسؤولية إثارة هذه القضايا بين الشباب، كي يتكون لديهم المخزون الكافي الذي يساعدهم في حياتهم الزوجية. وأتمنى لو تهتم بعض الجهات أو الجمعيات لإقامة دورات تثقيفية توجيهية، لاطلاع المقبلين على الحياة الزوجية على طبيعة كل من المرأة والرجل، وخصائصهما البيولوجية ومتطلباتهما، وأسرار الحياة الجديدة، ومفاتيح السعادة فيها والعقبات التي تواجهها، والنظام الحقوقي الإسلامي للزوجين، ما يوفر تجارب وعقبات كثيرة في حياة الاسرة الناشئة. كما تقع على عاتق كل شاب وفتاة مسؤولية أن يتعرف ويسأل ويُكوّن رصيداً معرفياً يساعده لبناء الحياة الأفضل.
الفروقات بين الرجل والمرأة
توجد فروقات طبيعية في خلق كل من الرجل والمرأة، وهي قليلة، ولكن لها انعكاسات على حياة وأداء كل منهما:
فالرجل له جسد أقوى ويتحمل الأعمال التي تحتاج الى جهد عضلي، وهو اكثر عقلانية في مواجهة الأمور بحيث يميل الى الشدة والحسم والضبط مع قلة تأثر عاطفي، وهو قادر على حماية الأسرة والدفاع عنها.
أما المرأة فجسدها أضعف، وتمر بحالات جسدية شهرية تؤثر عليها، وكذا عند الولادة وما يصاحبها من مقدمات الحمل، وهي أكثر عاطفة وأحاسيسها مرهفة، بحيث تتأثر عند مواجهة الأمور فتكون أحياناً أكثر تسامحاً ولطفاً، وأحياناً أخرى أكثر انفعالاً وتوترا، وهي تشعر بالحاجة الى من يحميها، لكنها الأقدر على التربية وبث المودة والحنان والعاطفة في دائرة الأسرة وفي غيرها، وهي الأنجح في تعليم وتربية الأطفال، والأنجح فيما يتطلب سكوناً وهدوءاً ولطافة.
عند الرجل غريزة جنسية أكثر تطلباً، وهي رغبة جسدية مباشرة، وهو الذي ينشدّ عادة الى الجنس الآخر ويرغب بالاستحواذ عليه.
أما المرأة فأقل تطلباً ابتداءً، وهي تتميز بجاذبية للطرف الآخر، وترغب بإبرازها والاحساس بها تجاهه، وتطلب التعبير العاطفي أكثر من العلاقة الجسدية المباشرة.
ومما ذكره العلامة مرتضى مطهري في هذا المجال:
«فالرجل أسير شهوته، والمرأة أسيرة حب الرجل.
المرأة أقدر في السيطرة على الشهوة من الرجل.
شهوة الرجل بدوية وهجومية، وشهوة المرأة انفعالية وتدريجية.
الرجل أكثر عدواناً وصخباً، والمرأة أهدأ.
تميل المرأة بشدة الى الجمال والزينة والأزياء المختلفة على عكس الرجل.
المرأة أكثر حيطة من الرجل، وأكثر تديناً، وألسن، وأكثر خوفاً، وأكثر تقيداً بالعرف.
عواطف المرأة أمومية، ويظهر هذا الاحساس منذ مرحلة الطفولة، وللمرأة علاقة أكبر بالأسرة، وهي تلتفت بشكل لا شعوري لأهمية محيط الأسرة قبل الرجل.
لا تصل المرأة حد الرجل في العلوم البرهانية والمسائل العقلية الجافة، إلا أنها لا تقل عنه في مجال الأدب والفن وسائر المسائل المرتبطة بالذوق والعاطفة».
هذه أبرز الفروقات وهي مؤثرة على الدور والقدرة، وإن كانت المشتركات كثيرة جداً، من وجود العقل والمشاعر والحاجة الى الطعام والشراب، وما في التكوين الجسدي من دورة دموية وخلايا وغيرها، والارتباط بين الروح والجسد، والتكوين الفطري في الذكاء والنمو التدريجي للقدرات الكامنة، ومسؤولية الاختيار والرغبة بالحياة الأفضل، ... الخ، علماً بأن هذه المشتركات تتفاوت بين الأفراد رجالاً كانوا أم نساءً، بصفتهم أفراداً مخلوقين لا لخصوصية جنسهم، ولذا نجد القوي والضعيف، الذكي والعادي، الصحيح والسقيم، الطويل والقصير... الخ، وما بين هذه الصفات من تفاوت.
لقد بين رب العالمين سبب التفاوت بين الأفراد في الخلق ومقوماته، الذي يشمل التفاوت في المشتركات، والتفاوت بين الرجل والمرأة فقال: ﴿وهو الذي جعلكم خلئف في الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما ءاتكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم﴾، وقال: ﴿أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحيوة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمت ربك خير مما يجمعون﴾. فمهمة البشر هي خلافة الأرض، التي تتم بالعمل وإعمار الأرض، باستمرار الجنس البشري من خلال التناسل،ولا تستقيم الحياة مع التشابه التام في مقومات أفراد البشر، لذا رفع الله البعض فوق البعض الآخر درجات، أي ميز في خلقهم وأوجد الفروقات الفردية والتفاوت بينهم، ليكونوا بحاجة إلى بعضهم البعض، ﴿ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً﴾، وهكذا يتحقق التكامل بينهم. ولا سلبية لهذا التمايز، لأنه سبب للاختبار والابتلاء الدنيوي الذي ينتج عنه حساب عادل يرتبط بمقدار ما أودع الله في البشر، ﴿ليبلوكم في ما ءاتكم﴾، فيتحمل الإنسان مسؤولية قيامه بواجباته ضمن قدرته، ثم يترتب عليه عقاب مع الانحراف، وغفران وثواب مع الاستقامة. فعلة التمايز ترتكز على قاعدتين: تكامل الطاقات لاعمار الأرض، والابتلاء بحب القدرة ليوم الحساب.
إن موقف الشريعة المقدسة من حقوق وواجبات كل من الرجل والمرأة مبني على اساس طبيعة خلقهما، وبما أن الفروقات موجودة فلابد أن تتمايز بعض الحقوق والواجبات بما ينسجم مع تكوينهما، وبما يؤدي الى صلاح الحياة الزوجية المشتركة بينهما. كما تتأثر سلامة مسار الأسرة بتوزيع الأدوار التي يجب أن تتناغم مع القدرات المتوفرة، ويأتي في الطليعة تحديد مسؤولية الإدارة، وهذا هو ديدن كل المجتمعات بل كل المواقع العملية، وقد أعطاها الإسلام للرجل، كقاعدة عامة منسجمة مع طبيعة لتخلق، فإذا فشل بعض الرجال في القيام بمسؤولياتهم، فالأمر يعود لتقصيرهم، ولكل قاعدة تطبيقات خاطئة لا تضر بها، ولا يصح إخضاع التنظيم الأسري للاستنساب أو التجارب أو الحالات الخاصة والاستثنائية في المجتمع.
علماً بأن تمايز بعض الحقوق والواجبات في إطار الحياة الزوجية، لا يعفي أياً من الزوجين من الالتزام بالقواعد الإسلامية التي تشمل جميع المكلفين ومنهم الزوجان، فيما يتعلق بالعبادات والمعاملات والأخلاقيات، لتكون الأسرة مجالاً من مجالات تطبيق السلوك الإسلامي العام لكل من الرجل والمرأة.
بين البيت والعمل الإسلامي
للمرأة دور مهم في النشاطات العامة، وقد ذكر الإمام الخميني (قده) هذه الخصوصية: قائلاً: «نحن نفخر بمشاركة نسائنا من عجائز وفتيات وصغار وكبار إلى جانب الرجال، أو بحضور أفضل، في الميادين الثقافية والاقتصادية والعسكرية من أجل رفعة الإسلام وتحقيق أهداف القرآن الكريم».
وقال الإمام الخامنئي (حفظه الله): «يمكن القول إنه لولا مشاركة النساء لكان من المحتمل أن لا يُكتب النصر (للثورة) بتلك الكيفية أو لا تنتصر أساساً، أو تعترضها مشاكل أخرى. وعلى هذا الأساس أدى حضور النساء الى تهافت المعوقات أمام طريق الثورة، وهكذا كان موقفها أيضاً طال فترة الحرب، وفي قضايا الثورة الأخرى كافة منذ انطلاقتها وحتى الآن».
وإذا أردنا تبيان الحدود المناسبة بين اهتمام المرأة بأسرتها واهتمامها بالعلم الإسلامي والنشاط العام، فإن القاعدة إعطاء الأولوية للحياة الزوجية بحسب الضوابط الشرعية ثم للمجتمع، وعلى أساس هذه القاعدة فإن مساعدة الاهتمام تختلف من امرأة لأخرى بحسب طبيعة واقعها وظروفها، ولا يصح أن نقلب القاعدة بإعطاء الأولوية للمجتمع وبعدها للزوج والأسرة، فهذا مخالف للبنيان الأساس الذي انطلق منه الإسلام في دور كل من الرجل والمرأة داخل الأسرة بما ينعكس على بنية المجتمع. وعندما تكون المشاكل والعقبات قائمة في المنزل، فمن الصعب تقديم إنتاج فعلي ومؤثر في المجتمع، وهل ينفع الاهتمام بالمجتمع مع خراب ما يحيط بالمرأة من أمور متعلقة بها ومتلازمة معها خلال حياتها؟.
إن التوازن الذي يتناسب مع القدرة واحتياجات الحياة الزوجية مطلوب، وذلك بالتفاهم بين الرجل والمرأة، وعندما تنشأ ضرورة فعلية لنشاط ما يتوقف على هذه المرأة، فإن المناسب من الزوج إعطاء الفرصة المعقولة لقيامها بهذا النشاط كتضحية ومساهمة في المسؤولية العامة.
مع ذلك نقول للزوج: إحرص على عدم استعمال الحق القانوني بحذافيره، وادرس خيارات المصلحة العامة وأهميتها، وتحمل متعاوناً مع الزوجة ما يحقق هدفاً مهماً في المجتمع، واستفد من صلاحيتك باستخدامها بما يؤدي إلى الراحة النفسية للزوجة، وبما ينعكس على الأسرة من إيجابيات. وخذ بعين الاعتبار بأن تنمية قدرات الزوجة العملية والثقافية والاجتماعية، والاستفادة من طاقاتها المختلفة، لها نتائج إيجابية خاصة وعامة، فمع رعاية التوازن يمكن الوصول إلى النتيجة الأفضل.
ونقول للزوجة: انتبهي للتوازن المطلوب بين الحياة الزوجية كأولوية ومتطلبات المجتمع، ولا تكوني مندفعة أكثر من الحاجة الفعلية لك، وقدمي التفاهم والإقناع للزوج على الضغط النفسي، وكوني مهيأة لأي حل، واعملي أن الأجر كبير عندما تتصرفين بحسب ما سمح لك الشرع به، فإذا تم التفاهم على حل فاستفيدي...
اللهم صل على محمد و آله الطاهرين.
السعادة الزوجية-الشيخ نعيم قاسم.
ركز الإمام السجاد على خمسة عناوين رئيسة، واعتبرها ضوابط الحق التي تسعد الحياة الزوجية، وتجعلها في المسار الصحيح، وهي:
أ ـ الزوجة أُنس وواقية: فهي التي تضفي على الحياة الزوجية حالة الاستقرار والسكن والراحة، وهي التي تقي الرجل من الوقوع في الحرام بسبب متطلبات شهوته، «فأن تعلم أن الله جعلها سكناً ومستراحاً وأنساً وواقية».
ب ـ كلاهما نعمة الله للآخر: فعطاء الله للطرفين بتوفيقهما ليجتمعا في الحياة الزوجية، فلا فضل لأحد على الآخر بشكل مميز، ليحمد كل منهما ربه على زوجه، «وكذلك كل واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبهن ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها».
ج ـ القوامية للزوج: وهي عبء ثقيل، لكنها مقيدة بالاستقامة، وبالتالي فعلى الزوجة الطاعة فيما أوجبه الله تعالى عليها للزوج، «وإن كان حقك عليها أغلظ، وطاعتك بها ألزم، فيما أحببت وكرهت ما لم تكن معصية».
د ـ للزوجة الرحمة والمؤانسة: فعلى الزوج أن يضفي على علاقته مع زوجته طابع الرحمة في سلوكه ومعاملاته، وأن يؤانسها ويريحها فلا يكتفي بما تؤنسه به، فلها حقوق عليه، «فإن لها حق الرحمة والمؤانسة».
ﻫ ـ أهمية العلاقة الجنسية: فهي أساس في العلاقة الزوجية، وهي مطلب أصلي للرجل، ولا يُستهان بأهميتها فيما تضفيه على حياة الزوجين، فلا بد من ايلاء هذه العلاقة مكانتها والاهتمام بحُسن أدائها، لأنها تؤدي إلى السكون والراحة فهذا أمر عظيم ودعامة كبرى للبناء الزوجي، «وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لابد من قضائها وذلك عظيم».
إن الأسئلة الموجودة على المستوى الإجتماعي في العلاقة بين الزوجين كثيرة جداً، وغالباً ما لا تجد الإجابات الصريحة والصحيحة، أو يحاول كل واحد منهما أن يفسر الأمور على طريقته وبما ينسجم مع رغبته، ما يوجد جواً من التباين والاختلاف الحاد في داخل الأسر، فإذا ما أضفنا ضعف الثقافة الزوجية، فإننا سنصطدم بوعي ضعيف يرتب آثاراً سلبية في عدم فهم حقيقة وطبيعة ومتطلبات العلاقة الزوجية وكيفية التعاطي بين الزوجين.
أما في التطبيق العملي فالمشكلة أكبر، إذ يستخدم كل من الرجل والمرأة سلطته وإمكاناته وطريقته في الأداء ليفرض مسلكه على الطرف الآخر، ويحاول توجيه الأمور الى حيث يرغب ويريد، لا إلى حيث يجب أن تكون بحسب الأوامر الشرعية. وأرى من الطبيعي أن تكون التساؤلات كثيرة لأنها مسألة حياتية حيوية يومية يبتلى بها كل بيت، فإذا أضفنا الموروثات والعادات والتقاليد التي تراكمت مع الزمن ولم تستند الى الشريعة، فإننا نجد أنفسنا أمام عقبات تتطلب توضيحاً ومواجهة لتصحيح الخلل وإعادة البوصلة الى الطريق السليم. ولطالما حصل الالتباس في تحميل النظرية خطأ التطبيق، أو تحميلها خطأ فهمها وتفسيرها، ومع كل المحاولات التوضيحية لأحكام الإسلام في الزواج، فإننا بحاجة الى الكثير من المؤلفات للإجابة على الأسئلة المعاشة والمستجدة، وهذا أمر طبيعي نتحمل مسؤولية مواكبته ومعالجته.
التأهيل للزواج
إن طبيعة الحياة العامة تتطلب وجود التزاوج، ونحن لا نريد تعقيد الأمور، فهل المطلوب أن نُدخل من يريدون الزواج الى جامعة، ونخضعهم لمناهج خاصة، ونرعى سلوكهم بالمراقبة لفترة طويلة من الزمن، حتى نقرر بعدها إذا كانوا مهيئين للزواج أم لا؟ ! هذه النتيجة تعني تعطيل الحياة الزوجية واقتصارها على عدد قليل، ما يدخلنا في مشاكل اجتماعية لا حصر لها.
إن الزواج أمر سهل، يتطلب منا أن نهيئ له الشباب والفتيات، وهم يمتلكون القابلية لذلك خاصة مع وصولهم الى سن البلوغ، فالتغيرات الجسدية والنفسية والعقلية، وكذلك النمو الاجتماعي والثقافي والتعليمي، إضافة الى التجربة التي يعيشها كل فرد، تؤهلهم للاستعداد للزواج. إن المطلوب هو التوعية على الأحكام الشرعية وما تتضمنه من حقوق وواجبات، وعلى ما يتميز به كل من الشاب والفتاة من خصائص، وتوجيههم للاستفادة من التجارب، وحسن التطبيق العملي ومواكبة متطلبات وتطورات الحياة.
إن التعقيدات التي تواجه الشاب والفتاة لها علاقة بالموروثات الخاطئة والتربية الخاطئة والتجارب الخاطئة للوالدين وللمجتمع، ونحن نعلم أن العلاج مردُّه الى التربية، فحبذا لو يلتفت المعنيون من العلماء والمبلغين والمربين والمعلمين والأهل الى ضرورة تقديم التوجيهات السليمة، ومواكبة هذه التجربة في حياة النشء الجديد، فإذا افتقر الأهل الى قدرة التوجيه إما لنقص عندهم أو لعدم تقبل الأولاد منهم، فليوجهوا أولادهم الى أصحاب المعرفة والخبرة، الذي تقع على عاتقهم مسؤولية إثارة هذه القضايا بين الشباب، كي يتكون لديهم المخزون الكافي الذي يساعدهم في حياتهم الزوجية. وأتمنى لو تهتم بعض الجهات أو الجمعيات لإقامة دورات تثقيفية توجيهية، لاطلاع المقبلين على الحياة الزوجية على طبيعة كل من المرأة والرجل، وخصائصهما البيولوجية ومتطلباتهما، وأسرار الحياة الجديدة، ومفاتيح السعادة فيها والعقبات التي تواجهها، والنظام الحقوقي الإسلامي للزوجين، ما يوفر تجارب وعقبات كثيرة في حياة الاسرة الناشئة. كما تقع على عاتق كل شاب وفتاة مسؤولية أن يتعرف ويسأل ويُكوّن رصيداً معرفياً يساعده لبناء الحياة الأفضل.
الفروقات بين الرجل والمرأة
توجد فروقات طبيعية في خلق كل من الرجل والمرأة، وهي قليلة، ولكن لها انعكاسات على حياة وأداء كل منهما:
فالرجل له جسد أقوى ويتحمل الأعمال التي تحتاج الى جهد عضلي، وهو اكثر عقلانية في مواجهة الأمور بحيث يميل الى الشدة والحسم والضبط مع قلة تأثر عاطفي، وهو قادر على حماية الأسرة والدفاع عنها.
أما المرأة فجسدها أضعف، وتمر بحالات جسدية شهرية تؤثر عليها، وكذا عند الولادة وما يصاحبها من مقدمات الحمل، وهي أكثر عاطفة وأحاسيسها مرهفة، بحيث تتأثر عند مواجهة الأمور فتكون أحياناً أكثر تسامحاً ولطفاً، وأحياناً أخرى أكثر انفعالاً وتوترا، وهي تشعر بالحاجة الى من يحميها، لكنها الأقدر على التربية وبث المودة والحنان والعاطفة في دائرة الأسرة وفي غيرها، وهي الأنجح في تعليم وتربية الأطفال، والأنجح فيما يتطلب سكوناً وهدوءاً ولطافة.
عند الرجل غريزة جنسية أكثر تطلباً، وهي رغبة جسدية مباشرة، وهو الذي ينشدّ عادة الى الجنس الآخر ويرغب بالاستحواذ عليه.
أما المرأة فأقل تطلباً ابتداءً، وهي تتميز بجاذبية للطرف الآخر، وترغب بإبرازها والاحساس بها تجاهه، وتطلب التعبير العاطفي أكثر من العلاقة الجسدية المباشرة.
ومما ذكره العلامة مرتضى مطهري في هذا المجال:
«فالرجل أسير شهوته، والمرأة أسيرة حب الرجل.
المرأة أقدر في السيطرة على الشهوة من الرجل.
شهوة الرجل بدوية وهجومية، وشهوة المرأة انفعالية وتدريجية.
الرجل أكثر عدواناً وصخباً، والمرأة أهدأ.
تميل المرأة بشدة الى الجمال والزينة والأزياء المختلفة على عكس الرجل.
المرأة أكثر حيطة من الرجل، وأكثر تديناً، وألسن، وأكثر خوفاً، وأكثر تقيداً بالعرف.
عواطف المرأة أمومية، ويظهر هذا الاحساس منذ مرحلة الطفولة، وللمرأة علاقة أكبر بالأسرة، وهي تلتفت بشكل لا شعوري لأهمية محيط الأسرة قبل الرجل.
لا تصل المرأة حد الرجل في العلوم البرهانية والمسائل العقلية الجافة، إلا أنها لا تقل عنه في مجال الأدب والفن وسائر المسائل المرتبطة بالذوق والعاطفة».
هذه أبرز الفروقات وهي مؤثرة على الدور والقدرة، وإن كانت المشتركات كثيرة جداً، من وجود العقل والمشاعر والحاجة الى الطعام والشراب، وما في التكوين الجسدي من دورة دموية وخلايا وغيرها، والارتباط بين الروح والجسد، والتكوين الفطري في الذكاء والنمو التدريجي للقدرات الكامنة، ومسؤولية الاختيار والرغبة بالحياة الأفضل، ... الخ، علماً بأن هذه المشتركات تتفاوت بين الأفراد رجالاً كانوا أم نساءً، بصفتهم أفراداً مخلوقين لا لخصوصية جنسهم، ولذا نجد القوي والضعيف، الذكي والعادي، الصحيح والسقيم، الطويل والقصير... الخ، وما بين هذه الصفات من تفاوت.
لقد بين رب العالمين سبب التفاوت بين الأفراد في الخلق ومقوماته، الذي يشمل التفاوت في المشتركات، والتفاوت بين الرجل والمرأة فقال: ﴿وهو الذي جعلكم خلئف في الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما ءاتكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم﴾، وقال: ﴿أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحيوة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمت ربك خير مما يجمعون﴾. فمهمة البشر هي خلافة الأرض، التي تتم بالعمل وإعمار الأرض، باستمرار الجنس البشري من خلال التناسل،ولا تستقيم الحياة مع التشابه التام في مقومات أفراد البشر، لذا رفع الله البعض فوق البعض الآخر درجات، أي ميز في خلقهم وأوجد الفروقات الفردية والتفاوت بينهم، ليكونوا بحاجة إلى بعضهم البعض، ﴿ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً﴾، وهكذا يتحقق التكامل بينهم. ولا سلبية لهذا التمايز، لأنه سبب للاختبار والابتلاء الدنيوي الذي ينتج عنه حساب عادل يرتبط بمقدار ما أودع الله في البشر، ﴿ليبلوكم في ما ءاتكم﴾، فيتحمل الإنسان مسؤولية قيامه بواجباته ضمن قدرته، ثم يترتب عليه عقاب مع الانحراف، وغفران وثواب مع الاستقامة. فعلة التمايز ترتكز على قاعدتين: تكامل الطاقات لاعمار الأرض، والابتلاء بحب القدرة ليوم الحساب.
إن موقف الشريعة المقدسة من حقوق وواجبات كل من الرجل والمرأة مبني على اساس طبيعة خلقهما، وبما أن الفروقات موجودة فلابد أن تتمايز بعض الحقوق والواجبات بما ينسجم مع تكوينهما، وبما يؤدي الى صلاح الحياة الزوجية المشتركة بينهما. كما تتأثر سلامة مسار الأسرة بتوزيع الأدوار التي يجب أن تتناغم مع القدرات المتوفرة، ويأتي في الطليعة تحديد مسؤولية الإدارة، وهذا هو ديدن كل المجتمعات بل كل المواقع العملية، وقد أعطاها الإسلام للرجل، كقاعدة عامة منسجمة مع طبيعة لتخلق، فإذا فشل بعض الرجال في القيام بمسؤولياتهم، فالأمر يعود لتقصيرهم، ولكل قاعدة تطبيقات خاطئة لا تضر بها، ولا يصح إخضاع التنظيم الأسري للاستنساب أو التجارب أو الحالات الخاصة والاستثنائية في المجتمع.
علماً بأن تمايز بعض الحقوق والواجبات في إطار الحياة الزوجية، لا يعفي أياً من الزوجين من الالتزام بالقواعد الإسلامية التي تشمل جميع المكلفين ومنهم الزوجان، فيما يتعلق بالعبادات والمعاملات والأخلاقيات، لتكون الأسرة مجالاً من مجالات تطبيق السلوك الإسلامي العام لكل من الرجل والمرأة.
بين البيت والعمل الإسلامي
للمرأة دور مهم في النشاطات العامة، وقد ذكر الإمام الخميني (قده) هذه الخصوصية: قائلاً: «نحن نفخر بمشاركة نسائنا من عجائز وفتيات وصغار وكبار إلى جانب الرجال، أو بحضور أفضل، في الميادين الثقافية والاقتصادية والعسكرية من أجل رفعة الإسلام وتحقيق أهداف القرآن الكريم».
وقال الإمام الخامنئي (حفظه الله): «يمكن القول إنه لولا مشاركة النساء لكان من المحتمل أن لا يُكتب النصر (للثورة) بتلك الكيفية أو لا تنتصر أساساً، أو تعترضها مشاكل أخرى. وعلى هذا الأساس أدى حضور النساء الى تهافت المعوقات أمام طريق الثورة، وهكذا كان موقفها أيضاً طال فترة الحرب، وفي قضايا الثورة الأخرى كافة منذ انطلاقتها وحتى الآن».
وإذا أردنا تبيان الحدود المناسبة بين اهتمام المرأة بأسرتها واهتمامها بالعلم الإسلامي والنشاط العام، فإن القاعدة إعطاء الأولوية للحياة الزوجية بحسب الضوابط الشرعية ثم للمجتمع، وعلى أساس هذه القاعدة فإن مساعدة الاهتمام تختلف من امرأة لأخرى بحسب طبيعة واقعها وظروفها، ولا يصح أن نقلب القاعدة بإعطاء الأولوية للمجتمع وبعدها للزوج والأسرة، فهذا مخالف للبنيان الأساس الذي انطلق منه الإسلام في دور كل من الرجل والمرأة داخل الأسرة بما ينعكس على بنية المجتمع. وعندما تكون المشاكل والعقبات قائمة في المنزل، فمن الصعب تقديم إنتاج فعلي ومؤثر في المجتمع، وهل ينفع الاهتمام بالمجتمع مع خراب ما يحيط بالمرأة من أمور متعلقة بها ومتلازمة معها خلال حياتها؟.
إن التوازن الذي يتناسب مع القدرة واحتياجات الحياة الزوجية مطلوب، وذلك بالتفاهم بين الرجل والمرأة، وعندما تنشأ ضرورة فعلية لنشاط ما يتوقف على هذه المرأة، فإن المناسب من الزوج إعطاء الفرصة المعقولة لقيامها بهذا النشاط كتضحية ومساهمة في المسؤولية العامة.
مع ذلك نقول للزوج: إحرص على عدم استعمال الحق القانوني بحذافيره، وادرس خيارات المصلحة العامة وأهميتها، وتحمل متعاوناً مع الزوجة ما يحقق هدفاً مهماً في المجتمع، واستفد من صلاحيتك باستخدامها بما يؤدي إلى الراحة النفسية للزوجة، وبما ينعكس على الأسرة من إيجابيات. وخذ بعين الاعتبار بأن تنمية قدرات الزوجة العملية والثقافية والاجتماعية، والاستفادة من طاقاتها المختلفة، لها نتائج إيجابية خاصة وعامة، فمع رعاية التوازن يمكن الوصول إلى النتيجة الأفضل.
ونقول للزوجة: انتبهي للتوازن المطلوب بين الحياة الزوجية كأولوية ومتطلبات المجتمع، ولا تكوني مندفعة أكثر من الحاجة الفعلية لك، وقدمي التفاهم والإقناع للزوج على الضغط النفسي، وكوني مهيأة لأي حل، واعملي أن الأجر كبير عندما تتصرفين بحسب ما سمح لك الشرع به، فإذا تم التفاهم على حل فاستفيدي...
تعليق