اللهم صل علي محمد وال محمد والعن اعدائهم
كيف اغتيل خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!من متى كيف؟؟!!!
لم يزل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ بدء الدعوة النبوية المباركة يتعرض لمؤامرات عدة حاكتها أياد اجتمعت في أوكار الشرك والضلال والنفاق، وكان الهدف من تلك المؤامرات وأد دعوة التوحيد واغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولربما يجهل كثير من المسلمين أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) تعرض لعشرات المحاولات التي استهدفت قتله. ولربما لا تحضر في أذهان عامة الناس إلا تلك المحاولة التي اجتمع فيها ستون فارسا ليلة الهجرة لغرض قتل الرسول صلوات الله عليه وآله، وهي الليلة المعروفة التي بات فيها أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام على فراش النبي عليه وآله السلام.
وحيث حمى الله تعالى نبيه وحصنه من الكافرين والمنافقين؛ فشلت كل تلك المحاولات باستثناء آخرها، عند ما دسوا السم للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقتلوه بعدما اتهموه بأنه يهجر والعياذ بالله! وهكذا استشهد خير خلق الله وسيد الكائنات وخاتم الأنبياء والمرسلين، لتبدأ بعد ذلك ترتيبات نزع الخلافة من صاحبها الشرعي وإقامة نظام الانقلاب وتغيير شريعة الله سبحانه وتعالى.
وهذه لمحة سريعة عن بعض محاولات الاغتيال التي تعرض لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، مع تفصيل دقيق للمحاولة الأخيرة وما جرى فيها مما تهتز له السماوات والأرضون.
أول تلك المحاولات كانت قبل ولادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! إذ حاول اليهود مرات عديدة قتله يوم كان في صلب جده، ثم في صلب أبيه، ثم عندما أصبح في رحم أمه، ثم عندما ولد، ثم عندما بعث، وإلى آخر أيام حياته الشريفة! وذلك لأن علماء اليهود كانوا يعلمون بأمر رسول الله، وأن هذا الرسول الذي هو خاتم الرسل سيظهر في قريش، وهو من هاشم، ومن بيت عبد المطلب خاصة، وكيف لا يعرفون هذا وهم المشهورون بقتل الأنبياء والأولياء والقديسين!
لقد حاول أحد أحبار اليهود وكان يدعى (ربيان) قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من خلال قتل جده عبد المطلب عليه الصلاة والسلام، وذلك قبل أن يولد والد الرسول عبد الله بن عبد المطلب عليهم السلام. وتقول الروايات أن الحاخام (ربيان) كان قد دس السم في طعام من الأطعمة، ثم بعث فيه مع نساء مبرقعات إلى بيت عبد المطلب عليه السلام، وكانت تلك النساء قد أهدين الطعام وادعين أنهن من عبد مناف. فلما قام عبد المطلب ليأكل، نطق الطعام بلسان فصيح وقال: لا تأكلوا مني فإني مسموم. وهكذا امتنع عبد المطلب عن الأكل و خرج في طلب النسوة فلم يجد لهن أثراً. وقد كانت هذه من دلائل نبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعجزاته. (بحار الأنوار ج 15 ص 90).
وعندما ولد سيدنا عبد الله، والد رسول الله، خطط اليهود ثانية لقتله، فجاءوا من الشام إلى مكة بصفة تجار، ومعهم سيوف مسمومة، وفي مكة تحينوا الفرصة لقتل عبد الله بن عبد المطلب عليه السلام، فسنحت لهم الفرصة أثناء خروج عبد الله إلى الصيد خارج مكة. وانطلق اليهود وحاصروا عبد الله (عليه السلام) وأوشكوا على قتله، ولكن الله تعالى نجّاه منهم بمساعدة بني هاشم، فانقلب السحر على الساحر، وقتل بعض الأحبار وأسر آخرون منهم. (بحار الأنوار ج 15 ص 91).
وبناء على هذا يرى بعض المحققين أن سيدنا عبد الله (عليه السلام) كان قد قتل بواسطة اليهود، عندما جاء إلى يثرب (المدينة) بعد زواجه من السيدة آمنة عليها السلام، التي حبلت برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فاستشهد عبد الله عليه السلام وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان الضحية لاستهداف اليهود الرسول.
وبعدما شع نور رسول البشرية، (صلى الله عليه وآله وسلم)، جرت عدة محاولات لقتله صلوات الله عليه وآله، وكان من بين تلك المحاولات محاولة عمر بن الخطاب. حيث جاء بأن عمر خرج متقلدا سيفه، فلقيه رجل من بني زهرة، فقال له: أين تعمد يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمدا! قال: وكيف تأمن في بني هاشم، وبني زهرة، وقد قتلت محمدا؟! فأجاب عمر: ما أراك إلا صبوت وتركت دينك الذي أنت عليه. فقال رجل: أفلا دلك على العجب يا عمر؟ إن ختنك (زوج أختك) وأختك قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه!
وبعد عراك جرى بينه وبين أخته وزوجها، انطلق عمر إلى دار الأرقم مستهدفا اغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعندما وصل إلى هناك وشاهده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متقلدا سيفه، أخذ الرسول بمجامع ثيابه وقال له بغضب: (أما أنت منته يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة)؟! فارتعب عمر رعبا شديدا من هيبة رسول الله الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ووقع على قدمي النبي وهو يرتعد خوفا، وعندما لاحظ أن الرسول وبني هاشم وعلى الأخص حمزة أسد الله عليه السلام جاءوا نحوه ليلقنوه درسا لا ينساه، نطق عمر بالشهادتين كي يحصن نفسه. ويذكر ابن اسحق وهو من علماء السنة أن مشركي قريش كانوا هم من بعث عمر لقتل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). (مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر ج 18 ص 269 وسيرة ابن إسحاق ج 2 ص 181 والطبقات لابن سعد ج 3 ص 268).
ولم يكن لزعيم ملة الكفر، أبو سفيان بن حرب لعنة الله عليهما، أن يتخلف عن الظلمة الذين يريدون اغتيال رسول رب السماء. ويذكر البيهقي أن أبا سفيان لعنه الله قال لنفر من قريش بمكة: ما أحد يغتال محمدا؟ فإنه يمشي في الأسواق فندرك ثأرنا! فأتاه رجل من العرب ودخل عليه منزله وقال له: إن أنت قويتني خرجت إليه حتى أغتاله، فإني هادٍ بالطريق خِريت، ومعي خنجر مثل خافية النسر. فقال له أبو سفيان: أنت صاحبنا! فأعطاه بعيرا ونفقه، وقال له: إطو أمرك فإني لا آمن أن يسمع هذا أحد فينمه (يبلغه) إلى محمد.
فخرج هذا الوضيع ليلا على راحلته، وعندما وصل المدينة، سال عن رسول الله فوجده عند جماعة من أصحابه يحدثهم في المسجد، وعندما دخل رآه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لأصحابه: إن هذا الرجل يريد غدرا، والله حائل بينه وبين ما يريد.
فوقف الرجل وقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فأجاب النبي: أنا ابن عبد المطلب. وعندها حاول الرجل أن يوحي للنبي أنه يريد التحدث معه على انفراد، أي يساره، ولكن الله تعالى كشف عما كان يخبئه تحت عباءته حيث كان الخنجر، فانقض الحاضرون عليه وكبلوه، فصاح يطلب من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأمان، فعفا عنه النبي ضاربا أروع أمثلة العفو عند المقدرة، وعندما شاهد الرجل ذلك شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله! (دلائل النبوة للبيهقي ج 3 ص 337 وتاريخ الطبري ج 2 ص 217 والبداية والنهاية ج 4 ص 79).
وهذه ليست المحاولة الوحيدة من قبل أبي سفيان لاغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل أعقبتها محاولات كثيرة أخرى، ربما هي لا تعد ولا تحصى. فهو مؤسس حزب الشيطان ورأس الكفر ومعول الشرك والضلال وجذر الشجرة الملعونة في القرآن!
وبعد فتح مكة: أسلم مجموعة من الطلقاء كرها بعدما رأوا أن الإسلام قد عم البلاد، وأن نور محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أنار الكون كله، فدخلوا في الإسلام كيدا وهم يسعون إلى قتل النبي. وتحينوا فرصا كثيرة لذلك، إلى أن جاءت إحدى أهم فرصهم يوم معركة حنين.
في تلك المعركة التي كانت بوادرها تشير إلى انتصار العدو تمنى أبو سفيان لعنه الله هزيمة المسلمين فقال: لا تنتهي والله هزيمتهم دون البحر! وقال كلدة بن حنبل لعنه الله: اليوم بطل السحر! وقال شيبة بن عثمان لعنه الله: اليوم أقتل محمدا!
وفي معمعة المعركة؛ أخذ شيبة الملعون حربة وتوجه بها نحو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد قتله، وعندما التقى به، تعارك معه الرسول وانتصر عليه جاعلا إياه خاسئا ذليلا، وأخذ الرسول منه الحربة التي كانت بيده، وأشعرها فؤاده، أي لامسها بقلبه ولكن عفوه (صلى الله عليه وآله وسلم) عنه سبق قتله له لعنه الله.
وبعدئذ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للعباس: (صح يا للأنصار، وصح يا أهل بيعة الرضوان، صح يا أصحاب سورة البقرة، يا أصحاب السّمرة). فصاح العباس وانفض الناس وفتح الله على نبيه وأيده بجنود من الملائكة، ومضى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما الصلاة والسلام إلى صاحب راية العدو (راية هوازن) فقتله شر قتله، وتحقق النصر والعزة للمسلمين. (تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 62).
ولعل من أخطر محاولات اغتيال سيد الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم)، تلك المحاولة التي خطط لها عدد من الأصحاب المنافقين في العقبة. فحينما كان النبي في طريقه إلى المدينة عائدا من غزوة تبوك، اقترب ليلا من العقبة وهو جبل شاهق يمر الطريق من أعلاه. وكان الأصحاب المنافقون قد تآمروا وخططوا لاغتياله (صلى الله عليه وآله وسلم) بإلقائه من أعلى العقبة، لذا فإنهم عمدوا إلى السير معه حتى يصل إلى تلك النقطة.
ويبدو أنه لم يدر بخلد هؤلاء الجهلة أن رسول الله يعلم الغيب! وأن الله تعالى سينجيه من مكرهم، إذ يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
لقد أراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكشف هؤلاء، ويسجل للتاريخ أنهم كادوا لقتله صلوات الله عليه وآله، فدعا النبي المسلمين إلى أن يأخذوا الطريق الذي يمر أسفل الجبل، أي الوادي، فيما أمر حذيفة بن اليمان وعمّار بن ياسر أن يسيرا معه على العقبة من الأعلى، فأخذ المسلمون جميعا الطريق السفلي، بينما أخذ المنافقون الطريق العلوي بهدف تنفيذ مؤامرتهم. وكان عمار يأخذ بزمام الناقة، وحذيفة يسوقها، فينما هم يسيرون مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ سمعوا وقع أقدام القوم من ورائهم وقد كانوا ملثمين. فأمر رسول الله حذيفة أن ينظر إليهم ليتعرف عليهم، فرجع ومعه محجن، فاستقبل وجوه رواحلهم وضربها بالمحجن فابصر القوم وهم متلثمون. فانتابهم الرعب حين أبصروا حذيفة، وظنوا أن مكرهم قد ظهر وانكشف للرسول، فأسرعوا بالرجوع إلى الطريق السفلي وخالطوا الناس.
وعندما عاد حذيفة إلى الرسول وأدركه، قال (صلى الله عليه وآله وسلم) له: (اضرب الناقة يا حذيفة، وامش أنت يا عمار). فأسرعوا واجتازوا العقبة، وانتظروا الناس.
وقال النبي لحذيفة: (يا حذيفة.. هل عرفت أحدا منهم؟) فأجاب: عرفت راحلة فلان وفلان، وكانت ظلمة الليل قد غشيتهم وهم متلثمون. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (هل عرفت ما شأنهم وما يريدون؟) فأجاب حذيفة: لا يا رسول الله. قال الرسول: (فإنهم فكروا أن يسيروا معي، حتى إذا صرت في العقبة طرحوني فيها)! فقال حذيفة: أفلا تبعث إليهم لتقتلهم؟ فأجاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في منتهى العطف والرأفة: (أكره أن يتحدث الناس ويقولوا: إن محمدا قتل أصحابه، ولكن دعهم يا حذيفة فإن الله لهم بالمرصاد).
وبعد ذلك أخبر النبي عمارا وحذيفة بأسماء هؤلاء المنافقين المتآمرين على قتله، ودعاهما إلى كتمان الأمر فترة من الزمن تغليبا لمصلحة الإسلام والمسلمين. وكان حذيفة يعرف في حياته بأنه (صاحب سر النبي) لأنه كان يعلم هؤلاء وكان قد رأى وجوههم بمعجزة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد كان أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام يقول عن حذيفة بن اليمان: (ذلك امرؤ علم المعضلات والمفصلات، وعلم أسماء المنافقين، إن تسألوه عنها تجدوه بها عالما). وكان حذيفة يتحاشى ذكر تلك الأسماء تنفيذا لوصية رسول الله في ذلك الزمان، وكان يقول: لو كنت على شاطئ نهر، وقد مددت يدي لأغرف، فحدثتكم بكل ما أعلم، ما وصلت يدي إلى فمي حتى أقتل! أي أنه لو أخبر بأسماء المنافقين لقتلوه.
وكانت المفاجأة بعد استشهاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بسنوات، إذ شاع بين المسلمين أن الذي لا يصلي عليه حذيفة عند وفاته، هو من المنافقين الذين شاركوا في مؤامراة العقبة، وقد كانوا اثنا عشر رجلا على بعض الأقوال، وخمسة عشر على أقوال أخرى. وهكذا انكشف السر.. حيث أثبت المؤرخون أن حذيفة بن اليمان لم يصل على الرجلين (الاستيعاب لابن عبد البر ج 1 ص 278 وابن الأثير ج 1 ص 468 والسيرة الحلبية ج 3 ص 144). وفي زمن حكم عثمان، صرح حذيفة بالأسماء وكان منها أسماء الرجال الثلاثة وسعد بن أبي وقاص وأبا موسى الاشعري وأبو سفيان بن حرب وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف (المحلى لابن حزم الأندلسي ج 11 ص 225 ومنتخب التواريخ ص 63). ولكن لم يفت ابن حزم الأندلسي وهو من أكابر علماء السنة أن يبرر ذكر حذيفة لتلك الأسماء وفيهم الخلفاء والأصحاب الذي يعتبرهم القوم من أئمة الدين، فقال في كتابه الاستيعاب: لو صح هذا الحديث لكان بلا شك على ما بيّنا من أنهم صح نفاقهم، ثم عاذوا بالتوبة، ولم يقطع حذيفة ولا غيره على باطن أمرهم، فتورع عن الصلاة عليهم. (المحلى ج 11 ص 226).
ولقد اعتاد المؤرخون على وضع كلمتي (فلان وفلان) مكان اسمي الرجلين. ولذلك فإن حذيفة في الروايات المشار إليها عندما قال: (عرفت راحلة فلان وفلان) فإن معنى ذلك أنه عرف راحلة الرجلين. ولا ننسى أن حذيفة بعد بوحه بأسماء المنافقين في زمن الثالث، كانت النتيجة الطبيعية لذلك أنه قتل!
وإذا كان هؤلاء قد فشلوا في العقبة في اغتيال خاتم الأنبياء عليه وآله الصلاة والسلام، فإنهم نجحوا أخيرا في إتمام خطتهم ومؤامرتهم بعد ما تيقنوا من أن الخليفة الشرعي والوريث الوحيد للنبي هو الوصي علي بن أبي طالب عليهم السلام.
هنالك دلائل ومؤشرات من الكتاب والسنة، تؤكد أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) مات مقتولا. ففي القرآن الحكيم: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم)، ونلاحظ أن الآية الشريفة فسحت المجال أمام الاعتقاد بمقتل رسول الله (مات أو قتل) وذلك لحكمة إلهية بليغة. كما أن الآية أوضحت أن هناك من سينقلب على عقبيه بعد مقتل رسول الله، بمعنى أنه ينقلب إلى الكفر وإن أظهر الإيمان.
وفي السنة الشريفة نلاحظ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (ما من نبي أو وصي إلا شهيد). (بصائر الدرجات ص 148 وبحار الأنوار ج 17 ص 405). كما يقول الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما الصلاة والسلام: (ما منا إلا مسموم أو مقتول). (كفاية الأثر للخراز القمي ص 162 وبحار الأنوار ج 45 ص 1 ومن لا يحضره الفقيه ج 4 ص 17).
وهنالك كثير من الروايات التي تشابه هذه المعاني، وكلها تؤكد أن أهل البيت عليهم الصلاة والسلام والأنبياء والأوصياء لا يموتون إلا مقتولين أو مسمومين، ويفدون على الرب الجليل شهداء.
من هذا المنطلق نعرف أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مات مقتولا مسموما. ويؤيد هذه الحقيقة عدة روايات وردت في كتب السنة، منها ما روي عن عبد الله بن مسعود إذ قال: لئن أحلف تسعا أن رسول الله قتل قتلا أحب إلي من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل، وذلك لأن الله اتخذه نبيا واتخذه شهيدا. (السيرة النبوية لابن كثير الدمشقي ج 4 ص 449). وقال الشعبي: والله لقد سم رسول الله. (مستدرك الحاكم ج 3 ص 60).
ومما يؤيد هذه الحقيقة أيضا: أن أعراض السم ظهرت على وجه وبدن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) قبيل وبعيد وفاته، إذ تذكر كتب السيرة أن درجة حرارة رسول الله ارتفعت ارتفاعا خطيرا في مرضه الذي توفي فيه، وأن صداعا عنيفا في رأسه المقدس الشريف قد صاحب هذا الارتفاع في الحرارة. ومن المعروف طبياً أن ارتفاع حرارة الجسم والصداع القوي هو من نتاج تجرع السم. يذكر ابن سعد: فلما كان يوم الأربعاء بدأ برسول الله المرض فحم وصدع. (الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 249). وفي عيون الأثر مثله. (عيون الأثر لابن سيد الناس ج 2 ص 281). وكانت أم البشر بن البراء قد قالت للرسول: ما وجدت مثل هذه الحمى التي عليك على أحد. (الطبقات الكبرى ج 2 ص 236) وهذا النص يثبت بدلالة قاطعة أن الحمى التي اعترت المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تكن حمى طبيعية، بل كانت من أثر السم.
ولكن.. من الذي سم رسول الله وقام باغتياله؟!
إجابة هذا السؤال تحتاج إلى تركيز على المعطيات الواردة في كتب التاريخ والسير حول اللحظات الأخيرة لوفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
إن جلّ علماء المسلمين، شيعة وسنة، لا يختلفون على أن رسول الله قد مات بالسم، ولكنهم مختلفون في مصدر ذلك السم وتوقيته، فهناك من يقول أن السم الذي تجرعه النبي كان سم خيبر، عندما أهدت امرأة يهودية شاة إلى النبي وكانت قد دست فيها السم، فأكل النبي من الشاة وأدى ذلك بعد سنوات إلى وفاته!
إلا أن الموثق من التاريخ فضلا عن المنطق ينفيان ذلك، وذلك لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يأكل من الطعام المسموم أصلا، بل إنه تحاشاه لأنه كان يعلم أنه مسموم، هذا أولا؛ وأما ثانيا؛ فعلى فرض أن الرسول كان قد أكل من تلك الشاة المسمومة، فكيف للسم أن يستمر بجسده الشريف أكثر من أربع سنوات دون أي تأثير، ثم بعد ذلك يتوفى بسببه؟!
تقول الرواية: في السنة السابعة وبعد معركة خيبر أهدت زينب بنت الحارث (وهي أخت مرحب الذي قتله الإمام علي عليه السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شاة مصلية مسمومة. فقال النبي لأصحابه: (أمسكوا فإنها مسمومة). واستدعى النبي المرأة اليهودية وقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: أردت أن أعلم إن كنت نبيا فسيطلعك الله عليه، وإن كنت كاذبا أريح الناس منك! فعفا عنها رسول الرحمة (صلى الله عليه وآله وسلم). (تاريخ ابن كثير ج 4 ص 209 وفتح الباري ج 7 ص 497).
ويستنتج من ذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يأكل من ذلك الطعام المسموم. ثم إنه توفي في السنة الحادية عشرة للهجرة الشريفة، وتلك الحادثة كانت في السنة السابعة، فهل يعقل أن يتوفى النبي بذلك السم القديم الذي تجرعه قبل أكثر من أربع سنوات؟! هذا وطبيعة السموم أنها تقتل متناولها في مدة وجيزة، وإذا لم تقتله فيكون الذي تناولها قد تغلب عليها ولم يعد لها من أثر، إذ يستحيل أن يبدأ مفعول السم بعد سنوات.
وبعد هذه النتيجة يعاود السؤال طرح نفسه ثانية: من الذي اغتال رسول الله ومتى وكيف؟
هذه مجموعة من المعطيات الروائية التي تكشف الحقيقة:
جاء عن عائشة: لددنا (قمنا بتطعيم) رسول الله في مرضه. فقال: (لا تلدوني). فقلنا: كراهية المريض للدواء. فلما أفاق قال (لا يبقى منكم أحد إلا لد غير العباس فإنه لم يشهدكم). (تاريخ الطبري ج 2 ص 438). وجاء أيضا: إنا لنرى برسول الله ذات الجنب فهلموا فلنلده ، فلدوه. فلما أفاق رسول الله قال: (من فعل بي هذا)؟ قالوا: عمك العباس تخوّف أن يكون بك ذات الجنب. فقال رسول الله: (إنها من الشيطان، وما كان الله ليسلطه علي، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العباس فإنه لم يشهدكم). (معجم ما استعجم لعبد الله الأندلسي ص 142). وجاء أيضا: قالت عائشة: لددنا رسول الله في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني فقلنا: كراهية المريض للدواء. فقال: (لا يبقى أحد في البيت إلا لد، وأنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم). (صحيح البخاري ج 7 ص 17 وصحيح مسلم ج 7 ص 24 و ص 198). ويقول السندي في شرح البخاري: معنى قوله (صلى الله عليه (وآله) وسلم): (لا يبقى أحد في البيت إلا لد) عقوبة لهم بتركهم امتثال نهيه عن ذلك. (شرح السندي لصحيح البخاري ج 3 ص 95). وكان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أمر القوم بأن لا يلدوه، إذ روي أنه قال لهم بعد سقيه إياهم ذلك الدواء المزعوم: (ألم أنهكم أن لا تلدوني)؟! (الطب النبوي لابن القيم الجوزي ج 1 ص 66). وبعد قيامهم بلد النبي، قال (صلى الله عليه وآله وسلم) عن عائشة: (ويحها لو تستطيع ما فعلت)! (الطبقات لابن سعد ج 2 ص 203).
وهذه الروايات الموثقة في كتب الحديث عند أهل السنة تكشف أن هناك مؤامرة كبرى دبرها المخططون لقلب النظام الإسلامي، وذلك لاغتيال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتجريعه سما على أنه دواء للتطعيم!
والتحليل المنطقي للأحداث يرسم لنا صورة مأساوية لما جرى، فعندما كان النبي نائما، قام المتآمرون بوضع جرعة من السم في فم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت ذريعة أنه دواء للتطعيم من المرض رغم أن النبي كان قد نهاهم قبل نومه عن فعل مثل ذلك لأنه الأعلم والأدرى بحاله، وعندما أفاق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سأل عمّن فعل به ذلك، فألقوا بالجريمة على عمه العباس في محاولة مكشوفة للتخلص من تبعاتها، ولكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعلم بالأمور كلها لعلمه بالغيب، فبرأ ساحة عمه العباس واستنكر فعلتهم، ووصفها بأنها كانت من الشيطان. وكل هذه المعطيات تكشف أن ثمة جريمة كبرى قد وقعت، فلو كان الأمر مجرد دواء سقي للنبي، لماّ صوّره صلوات الله عليه وآله على أنه فعل من أفعال الشيطان، فهو الذي لا ينطق عن الهوى.
وهنالك معطيات أخرى لابد من أخذها بالاعتبار لتأكيد الأمر، فميقات السم كان بالضبط بعد ما أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جيش أسامة بن زيد بالنفاذ إلى الروم، وكان قد كلف أبا بكر وعمر وعثمان وكثيرا من وجوه قريش بالانخراط في ذلك الجيش تحت إمرة أسامة، بينما هو أبقى أمير المؤمنين (عليه السلام) عنده حتى يهيئ له زمام الخلافة.
ولطالما أشار النبي إلى مسكن عائشة وقال: (هاهنا الفتنة. هاهنا الفتنة. هاهنا الفتنة. من حيث يطلع قرن الشيطان)! (صحيح البخاري ج 4 ص 92 وسنن الترمذي ج 2 ص 257 وصحيح مسلم ج 8 ص 172).
كما تمنى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) موت زوجته قبله، حتى لا تجرعه الدواء المزعوم، وحتى لا تنخرط في محاربة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في موقعة الجمل التي راح ضحيتها الآلاف من المسلمين. ففي السيرة النبوية أن النبي قال موجها كلامه إلى عائشة: (و ما عليك لو مت قبلي فوليت أمرك وصليت عليك وواريتك)! فقالت عائشة: واثكلاه! والله إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذلك لظللت إلى آخر يومك معرسا ببعض أزواجك! (السيرة النبوية لابن كثير ج 4 ص 446 والبداية والنهاية ج 5 ص 244 وصحيح البخاري ج 9 ص 190).
وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد لعن المتخلفين عن جيش أسامه إذ قال: (لعن الله المتخلفين عن جيش أسامة). وقد ثبت أن الرجلين كانا من الذين تخلفوا عن الجيش. (شرح النهج لابن أبي الحديد ج 6 ص 52). وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قال لشهداء أحد: (هؤلاء أشهد عليهم). فقال أبو بكر: ألسنا يا رسول الله إخوانهم، أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا؟ فرد عليه الرسول عليه وآله الصلاة والسلام: (بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي). وفي هذا دلالة واضحة على أن خاتم الأنبياء صلوات الله عليه وآله لم يستثن أصحابه من النكوص على أعقابهم بعده. (الموطأَ للإمام مالك ص 236).
وإذا ما عدنا إلى المعطيات والحقائق، نجد أن الرسول كان قد جزم بأنه ما من نبي أو وصي إلا شهيد. ونجد أن عوارض السم قد ظهرت على وجهه وبدنه الشريف. ونجد أن سم يوم خيبر لم تكن له أية مدخلية في استشهاد رسول الله لأنه لم يتناول الطعام المشتمل عليه أساسا. ونجد أنه طعن فيمن قام بلده واصفا تلك الفعلة الشنيعة بأنها من الشيطان. وحينما نجمع بين هذه المعطيات نستنتج بأن العصابة التي خططت للانقلاب على خاتم الأنبياء وإزاحة خليفته الشرعي هي التي دبّرت قتله عن طريق تجريعه السم بأبي هو وأمي. وهذه الحقيقة كشف عنها أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام حيث جاء عن الصادق عليه السلام: (فسم قبل الموت.. إنهما سقتاه). (البحار للعلامة المجلسي ج 22 ص 516 وتفسير العياشي ج 1 ص 200). كما تذكر روايات أخرى أن الأربعة اجتمعوا على سم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). (البحار للعلامة المجلسي ج 22 ص 239). ولكن المتآمرين حيث رأوا أنه لا مجال لإنكار استشهاد رسول الله بالسم، ألقوا بتبعة ذلك على سم خيبر القديم!
ويتبادر إلى الذهن سؤال يقول: إذا كان في مصلحة النبي أن يتناول هذا الدواء المزعوم ويجري لده، فلماذا لم يشترك أهل بيته في ذلك وهم الأقرب منه والأكثر معرفة بحاله صلوات الله عليه وآله؟ كما يتبادر سؤال آخر وهو: لماذا نجد كل هذه القرائن على أن ثمة عصابة تسير وفق مخطط مدروس للانقلاب على السلطة الإلهية؟ كيف لهم - مثلا - أن يقولوا في محضر الرسول: إن النبي ليهجر!.. هكذا بكل جرأة ووقاحة لولا أنهم يعلمون علم اليقين أن رسول الله سيموت إثر تجرعه السم القاتل فيأمنون من العقوبة؟!
ولقد أجاد المحقق نجاح الطائي في توضيح الحقيقة في كتابه (هل اغتيل رسول الله.؟) إذ سرد الأحداث وحللها للوصول إلى نتيجة أن من اغتال سيد الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس هم سوى أهل العقبة، وأهل السقيفة.
ولفت الطائي إلى نقطة مهمة، وهي أن عدم تصريح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأسماء من قاموا باغتياله وسقيه السم، إنما كان ينم عن حكمة إلهية خاصة، للحفاظ على القدر الضروري من الحالة الإسلامية، وحتى لا تندرس الدعوة في ذلك الوقت الحساس. فالناس كانوا حديثي عهد بالجاهلية، وهذا بحد ذاته يشكل أكثر من محذور تجاه تعريض المجتمع المسلم لأي هزة عميقة من هذا النوع. كما ذكر الطائي بأن هذه الحكمة هي ذاتها التي جعلت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتغاضى عن المتآمرين عليه في العقبة، وهي ذاتها التي جعلت الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه يمتنع عن التصريح بمن سمه، وقد كانت زوجته الخبيثة جعدة بنت الأشعث قد سقته السم بإيعاز من معاوية بن أبي سفيان عليهم جميعا لعنة الله.
وهكذا ضحى أهل بيت الوحي والعصمة والنبوة في سبيل دين الله تعالى، فسموا وقتلوا واضطهدوا بدءا من سيدهم رسول الله وحتى إمامنا صاحب الزمان صلوات الله وسلامه عليه، إذ تذكر الروايات أنه (عجل الله فرجه الشريف) بعد أن يظهر ويقيم دولته الإلهية العادلة، فإنه سيحكم سنين ثم سيقتل أيضا!!
وحقا.. ما منهم إلا مسموم أو مقتول
مقال للكاتب : ناصر عبد الامير الطاهر
كيف اغتيل خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!من متى كيف؟؟!!!
لم يزل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ بدء الدعوة النبوية المباركة يتعرض لمؤامرات عدة حاكتها أياد اجتمعت في أوكار الشرك والضلال والنفاق، وكان الهدف من تلك المؤامرات وأد دعوة التوحيد واغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولربما يجهل كثير من المسلمين أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) تعرض لعشرات المحاولات التي استهدفت قتله. ولربما لا تحضر في أذهان عامة الناس إلا تلك المحاولة التي اجتمع فيها ستون فارسا ليلة الهجرة لغرض قتل الرسول صلوات الله عليه وآله، وهي الليلة المعروفة التي بات فيها أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام على فراش النبي عليه وآله السلام.
وحيث حمى الله تعالى نبيه وحصنه من الكافرين والمنافقين؛ فشلت كل تلك المحاولات باستثناء آخرها، عند ما دسوا السم للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقتلوه بعدما اتهموه بأنه يهجر والعياذ بالله! وهكذا استشهد خير خلق الله وسيد الكائنات وخاتم الأنبياء والمرسلين، لتبدأ بعد ذلك ترتيبات نزع الخلافة من صاحبها الشرعي وإقامة نظام الانقلاب وتغيير شريعة الله سبحانه وتعالى.
وهذه لمحة سريعة عن بعض محاولات الاغتيال التي تعرض لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، مع تفصيل دقيق للمحاولة الأخيرة وما جرى فيها مما تهتز له السماوات والأرضون.
أول تلك المحاولات كانت قبل ولادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! إذ حاول اليهود مرات عديدة قتله يوم كان في صلب جده، ثم في صلب أبيه، ثم عندما أصبح في رحم أمه، ثم عندما ولد، ثم عندما بعث، وإلى آخر أيام حياته الشريفة! وذلك لأن علماء اليهود كانوا يعلمون بأمر رسول الله، وأن هذا الرسول الذي هو خاتم الرسل سيظهر في قريش، وهو من هاشم، ومن بيت عبد المطلب خاصة، وكيف لا يعرفون هذا وهم المشهورون بقتل الأنبياء والأولياء والقديسين!
لقد حاول أحد أحبار اليهود وكان يدعى (ربيان) قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من خلال قتل جده عبد المطلب عليه الصلاة والسلام، وذلك قبل أن يولد والد الرسول عبد الله بن عبد المطلب عليهم السلام. وتقول الروايات أن الحاخام (ربيان) كان قد دس السم في طعام من الأطعمة، ثم بعث فيه مع نساء مبرقعات إلى بيت عبد المطلب عليه السلام، وكانت تلك النساء قد أهدين الطعام وادعين أنهن من عبد مناف. فلما قام عبد المطلب ليأكل، نطق الطعام بلسان فصيح وقال: لا تأكلوا مني فإني مسموم. وهكذا امتنع عبد المطلب عن الأكل و خرج في طلب النسوة فلم يجد لهن أثراً. وقد كانت هذه من دلائل نبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعجزاته. (بحار الأنوار ج 15 ص 90).
وعندما ولد سيدنا عبد الله، والد رسول الله، خطط اليهود ثانية لقتله، فجاءوا من الشام إلى مكة بصفة تجار، ومعهم سيوف مسمومة، وفي مكة تحينوا الفرصة لقتل عبد الله بن عبد المطلب عليه السلام، فسنحت لهم الفرصة أثناء خروج عبد الله إلى الصيد خارج مكة. وانطلق اليهود وحاصروا عبد الله (عليه السلام) وأوشكوا على قتله، ولكن الله تعالى نجّاه منهم بمساعدة بني هاشم، فانقلب السحر على الساحر، وقتل بعض الأحبار وأسر آخرون منهم. (بحار الأنوار ج 15 ص 91).
وبناء على هذا يرى بعض المحققين أن سيدنا عبد الله (عليه السلام) كان قد قتل بواسطة اليهود، عندما جاء إلى يثرب (المدينة) بعد زواجه من السيدة آمنة عليها السلام، التي حبلت برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فاستشهد عبد الله عليه السلام وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان الضحية لاستهداف اليهود الرسول.
وبعدما شع نور رسول البشرية، (صلى الله عليه وآله وسلم)، جرت عدة محاولات لقتله صلوات الله عليه وآله، وكان من بين تلك المحاولات محاولة عمر بن الخطاب. حيث جاء بأن عمر خرج متقلدا سيفه، فلقيه رجل من بني زهرة، فقال له: أين تعمد يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمدا! قال: وكيف تأمن في بني هاشم، وبني زهرة، وقد قتلت محمدا؟! فأجاب عمر: ما أراك إلا صبوت وتركت دينك الذي أنت عليه. فقال رجل: أفلا دلك على العجب يا عمر؟ إن ختنك (زوج أختك) وأختك قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه!
وبعد عراك جرى بينه وبين أخته وزوجها، انطلق عمر إلى دار الأرقم مستهدفا اغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعندما وصل إلى هناك وشاهده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متقلدا سيفه، أخذ الرسول بمجامع ثيابه وقال له بغضب: (أما أنت منته يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة)؟! فارتعب عمر رعبا شديدا من هيبة رسول الله الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ووقع على قدمي النبي وهو يرتعد خوفا، وعندما لاحظ أن الرسول وبني هاشم وعلى الأخص حمزة أسد الله عليه السلام جاءوا نحوه ليلقنوه درسا لا ينساه، نطق عمر بالشهادتين كي يحصن نفسه. ويذكر ابن اسحق وهو من علماء السنة أن مشركي قريش كانوا هم من بعث عمر لقتل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). (مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر ج 18 ص 269 وسيرة ابن إسحاق ج 2 ص 181 والطبقات لابن سعد ج 3 ص 268).
ولم يكن لزعيم ملة الكفر، أبو سفيان بن حرب لعنة الله عليهما، أن يتخلف عن الظلمة الذين يريدون اغتيال رسول رب السماء. ويذكر البيهقي أن أبا سفيان لعنه الله قال لنفر من قريش بمكة: ما أحد يغتال محمدا؟ فإنه يمشي في الأسواق فندرك ثأرنا! فأتاه رجل من العرب ودخل عليه منزله وقال له: إن أنت قويتني خرجت إليه حتى أغتاله، فإني هادٍ بالطريق خِريت، ومعي خنجر مثل خافية النسر. فقال له أبو سفيان: أنت صاحبنا! فأعطاه بعيرا ونفقه، وقال له: إطو أمرك فإني لا آمن أن يسمع هذا أحد فينمه (يبلغه) إلى محمد.
فخرج هذا الوضيع ليلا على راحلته، وعندما وصل المدينة، سال عن رسول الله فوجده عند جماعة من أصحابه يحدثهم في المسجد، وعندما دخل رآه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لأصحابه: إن هذا الرجل يريد غدرا، والله حائل بينه وبين ما يريد.
فوقف الرجل وقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فأجاب النبي: أنا ابن عبد المطلب. وعندها حاول الرجل أن يوحي للنبي أنه يريد التحدث معه على انفراد، أي يساره، ولكن الله تعالى كشف عما كان يخبئه تحت عباءته حيث كان الخنجر، فانقض الحاضرون عليه وكبلوه، فصاح يطلب من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأمان، فعفا عنه النبي ضاربا أروع أمثلة العفو عند المقدرة، وعندما شاهد الرجل ذلك شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله! (دلائل النبوة للبيهقي ج 3 ص 337 وتاريخ الطبري ج 2 ص 217 والبداية والنهاية ج 4 ص 79).
وهذه ليست المحاولة الوحيدة من قبل أبي سفيان لاغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل أعقبتها محاولات كثيرة أخرى، ربما هي لا تعد ولا تحصى. فهو مؤسس حزب الشيطان ورأس الكفر ومعول الشرك والضلال وجذر الشجرة الملعونة في القرآن!
وبعد فتح مكة: أسلم مجموعة من الطلقاء كرها بعدما رأوا أن الإسلام قد عم البلاد، وأن نور محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أنار الكون كله، فدخلوا في الإسلام كيدا وهم يسعون إلى قتل النبي. وتحينوا فرصا كثيرة لذلك، إلى أن جاءت إحدى أهم فرصهم يوم معركة حنين.
في تلك المعركة التي كانت بوادرها تشير إلى انتصار العدو تمنى أبو سفيان لعنه الله هزيمة المسلمين فقال: لا تنتهي والله هزيمتهم دون البحر! وقال كلدة بن حنبل لعنه الله: اليوم بطل السحر! وقال شيبة بن عثمان لعنه الله: اليوم أقتل محمدا!
وفي معمعة المعركة؛ أخذ شيبة الملعون حربة وتوجه بها نحو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد قتله، وعندما التقى به، تعارك معه الرسول وانتصر عليه جاعلا إياه خاسئا ذليلا، وأخذ الرسول منه الحربة التي كانت بيده، وأشعرها فؤاده، أي لامسها بقلبه ولكن عفوه (صلى الله عليه وآله وسلم) عنه سبق قتله له لعنه الله.
وبعدئذ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للعباس: (صح يا للأنصار، وصح يا أهل بيعة الرضوان، صح يا أصحاب سورة البقرة، يا أصحاب السّمرة). فصاح العباس وانفض الناس وفتح الله على نبيه وأيده بجنود من الملائكة، ومضى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما الصلاة والسلام إلى صاحب راية العدو (راية هوازن) فقتله شر قتله، وتحقق النصر والعزة للمسلمين. (تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 62).
ولعل من أخطر محاولات اغتيال سيد الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم)، تلك المحاولة التي خطط لها عدد من الأصحاب المنافقين في العقبة. فحينما كان النبي في طريقه إلى المدينة عائدا من غزوة تبوك، اقترب ليلا من العقبة وهو جبل شاهق يمر الطريق من أعلاه. وكان الأصحاب المنافقون قد تآمروا وخططوا لاغتياله (صلى الله عليه وآله وسلم) بإلقائه من أعلى العقبة، لذا فإنهم عمدوا إلى السير معه حتى يصل إلى تلك النقطة.
ويبدو أنه لم يدر بخلد هؤلاء الجهلة أن رسول الله يعلم الغيب! وأن الله تعالى سينجيه من مكرهم، إذ يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
لقد أراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكشف هؤلاء، ويسجل للتاريخ أنهم كادوا لقتله صلوات الله عليه وآله، فدعا النبي المسلمين إلى أن يأخذوا الطريق الذي يمر أسفل الجبل، أي الوادي، فيما أمر حذيفة بن اليمان وعمّار بن ياسر أن يسيرا معه على العقبة من الأعلى، فأخذ المسلمون جميعا الطريق السفلي، بينما أخذ المنافقون الطريق العلوي بهدف تنفيذ مؤامرتهم. وكان عمار يأخذ بزمام الناقة، وحذيفة يسوقها، فينما هم يسيرون مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ سمعوا وقع أقدام القوم من ورائهم وقد كانوا ملثمين. فأمر رسول الله حذيفة أن ينظر إليهم ليتعرف عليهم، فرجع ومعه محجن، فاستقبل وجوه رواحلهم وضربها بالمحجن فابصر القوم وهم متلثمون. فانتابهم الرعب حين أبصروا حذيفة، وظنوا أن مكرهم قد ظهر وانكشف للرسول، فأسرعوا بالرجوع إلى الطريق السفلي وخالطوا الناس.
وعندما عاد حذيفة إلى الرسول وأدركه، قال (صلى الله عليه وآله وسلم) له: (اضرب الناقة يا حذيفة، وامش أنت يا عمار). فأسرعوا واجتازوا العقبة، وانتظروا الناس.
وقال النبي لحذيفة: (يا حذيفة.. هل عرفت أحدا منهم؟) فأجاب: عرفت راحلة فلان وفلان، وكانت ظلمة الليل قد غشيتهم وهم متلثمون. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (هل عرفت ما شأنهم وما يريدون؟) فأجاب حذيفة: لا يا رسول الله. قال الرسول: (فإنهم فكروا أن يسيروا معي، حتى إذا صرت في العقبة طرحوني فيها)! فقال حذيفة: أفلا تبعث إليهم لتقتلهم؟ فأجاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في منتهى العطف والرأفة: (أكره أن يتحدث الناس ويقولوا: إن محمدا قتل أصحابه، ولكن دعهم يا حذيفة فإن الله لهم بالمرصاد).
وبعد ذلك أخبر النبي عمارا وحذيفة بأسماء هؤلاء المنافقين المتآمرين على قتله، ودعاهما إلى كتمان الأمر فترة من الزمن تغليبا لمصلحة الإسلام والمسلمين. وكان حذيفة يعرف في حياته بأنه (صاحب سر النبي) لأنه كان يعلم هؤلاء وكان قد رأى وجوههم بمعجزة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد كان أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام يقول عن حذيفة بن اليمان: (ذلك امرؤ علم المعضلات والمفصلات، وعلم أسماء المنافقين، إن تسألوه عنها تجدوه بها عالما). وكان حذيفة يتحاشى ذكر تلك الأسماء تنفيذا لوصية رسول الله في ذلك الزمان، وكان يقول: لو كنت على شاطئ نهر، وقد مددت يدي لأغرف، فحدثتكم بكل ما أعلم، ما وصلت يدي إلى فمي حتى أقتل! أي أنه لو أخبر بأسماء المنافقين لقتلوه.
وكانت المفاجأة بعد استشهاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بسنوات، إذ شاع بين المسلمين أن الذي لا يصلي عليه حذيفة عند وفاته، هو من المنافقين الذين شاركوا في مؤامراة العقبة، وقد كانوا اثنا عشر رجلا على بعض الأقوال، وخمسة عشر على أقوال أخرى. وهكذا انكشف السر.. حيث أثبت المؤرخون أن حذيفة بن اليمان لم يصل على الرجلين (الاستيعاب لابن عبد البر ج 1 ص 278 وابن الأثير ج 1 ص 468 والسيرة الحلبية ج 3 ص 144). وفي زمن حكم عثمان، صرح حذيفة بالأسماء وكان منها أسماء الرجال الثلاثة وسعد بن أبي وقاص وأبا موسى الاشعري وأبو سفيان بن حرب وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف (المحلى لابن حزم الأندلسي ج 11 ص 225 ومنتخب التواريخ ص 63). ولكن لم يفت ابن حزم الأندلسي وهو من أكابر علماء السنة أن يبرر ذكر حذيفة لتلك الأسماء وفيهم الخلفاء والأصحاب الذي يعتبرهم القوم من أئمة الدين، فقال في كتابه الاستيعاب: لو صح هذا الحديث لكان بلا شك على ما بيّنا من أنهم صح نفاقهم، ثم عاذوا بالتوبة، ولم يقطع حذيفة ولا غيره على باطن أمرهم، فتورع عن الصلاة عليهم. (المحلى ج 11 ص 226).
ولقد اعتاد المؤرخون على وضع كلمتي (فلان وفلان) مكان اسمي الرجلين. ولذلك فإن حذيفة في الروايات المشار إليها عندما قال: (عرفت راحلة فلان وفلان) فإن معنى ذلك أنه عرف راحلة الرجلين. ولا ننسى أن حذيفة بعد بوحه بأسماء المنافقين في زمن الثالث، كانت النتيجة الطبيعية لذلك أنه قتل!
وإذا كان هؤلاء قد فشلوا في العقبة في اغتيال خاتم الأنبياء عليه وآله الصلاة والسلام، فإنهم نجحوا أخيرا في إتمام خطتهم ومؤامرتهم بعد ما تيقنوا من أن الخليفة الشرعي والوريث الوحيد للنبي هو الوصي علي بن أبي طالب عليهم السلام.
هنالك دلائل ومؤشرات من الكتاب والسنة، تؤكد أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) مات مقتولا. ففي القرآن الحكيم: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم)، ونلاحظ أن الآية الشريفة فسحت المجال أمام الاعتقاد بمقتل رسول الله (مات أو قتل) وذلك لحكمة إلهية بليغة. كما أن الآية أوضحت أن هناك من سينقلب على عقبيه بعد مقتل رسول الله، بمعنى أنه ينقلب إلى الكفر وإن أظهر الإيمان.
وفي السنة الشريفة نلاحظ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (ما من نبي أو وصي إلا شهيد). (بصائر الدرجات ص 148 وبحار الأنوار ج 17 ص 405). كما يقول الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما الصلاة والسلام: (ما منا إلا مسموم أو مقتول). (كفاية الأثر للخراز القمي ص 162 وبحار الأنوار ج 45 ص 1 ومن لا يحضره الفقيه ج 4 ص 17).
وهنالك كثير من الروايات التي تشابه هذه المعاني، وكلها تؤكد أن أهل البيت عليهم الصلاة والسلام والأنبياء والأوصياء لا يموتون إلا مقتولين أو مسمومين، ويفدون على الرب الجليل شهداء.
من هذا المنطلق نعرف أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مات مقتولا مسموما. ويؤيد هذه الحقيقة عدة روايات وردت في كتب السنة، منها ما روي عن عبد الله بن مسعود إذ قال: لئن أحلف تسعا أن رسول الله قتل قتلا أحب إلي من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل، وذلك لأن الله اتخذه نبيا واتخذه شهيدا. (السيرة النبوية لابن كثير الدمشقي ج 4 ص 449). وقال الشعبي: والله لقد سم رسول الله. (مستدرك الحاكم ج 3 ص 60).
ومما يؤيد هذه الحقيقة أيضا: أن أعراض السم ظهرت على وجه وبدن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) قبيل وبعيد وفاته، إذ تذكر كتب السيرة أن درجة حرارة رسول الله ارتفعت ارتفاعا خطيرا في مرضه الذي توفي فيه، وأن صداعا عنيفا في رأسه المقدس الشريف قد صاحب هذا الارتفاع في الحرارة. ومن المعروف طبياً أن ارتفاع حرارة الجسم والصداع القوي هو من نتاج تجرع السم. يذكر ابن سعد: فلما كان يوم الأربعاء بدأ برسول الله المرض فحم وصدع. (الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 249). وفي عيون الأثر مثله. (عيون الأثر لابن سيد الناس ج 2 ص 281). وكانت أم البشر بن البراء قد قالت للرسول: ما وجدت مثل هذه الحمى التي عليك على أحد. (الطبقات الكبرى ج 2 ص 236) وهذا النص يثبت بدلالة قاطعة أن الحمى التي اعترت المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تكن حمى طبيعية، بل كانت من أثر السم.
ولكن.. من الذي سم رسول الله وقام باغتياله؟!
إجابة هذا السؤال تحتاج إلى تركيز على المعطيات الواردة في كتب التاريخ والسير حول اللحظات الأخيرة لوفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
إن جلّ علماء المسلمين، شيعة وسنة، لا يختلفون على أن رسول الله قد مات بالسم، ولكنهم مختلفون في مصدر ذلك السم وتوقيته، فهناك من يقول أن السم الذي تجرعه النبي كان سم خيبر، عندما أهدت امرأة يهودية شاة إلى النبي وكانت قد دست فيها السم، فأكل النبي من الشاة وأدى ذلك بعد سنوات إلى وفاته!
إلا أن الموثق من التاريخ فضلا عن المنطق ينفيان ذلك، وذلك لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يأكل من الطعام المسموم أصلا، بل إنه تحاشاه لأنه كان يعلم أنه مسموم، هذا أولا؛ وأما ثانيا؛ فعلى فرض أن الرسول كان قد أكل من تلك الشاة المسمومة، فكيف للسم أن يستمر بجسده الشريف أكثر من أربع سنوات دون أي تأثير، ثم بعد ذلك يتوفى بسببه؟!
تقول الرواية: في السنة السابعة وبعد معركة خيبر أهدت زينب بنت الحارث (وهي أخت مرحب الذي قتله الإمام علي عليه السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شاة مصلية مسمومة. فقال النبي لأصحابه: (أمسكوا فإنها مسمومة). واستدعى النبي المرأة اليهودية وقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: أردت أن أعلم إن كنت نبيا فسيطلعك الله عليه، وإن كنت كاذبا أريح الناس منك! فعفا عنها رسول الرحمة (صلى الله عليه وآله وسلم). (تاريخ ابن كثير ج 4 ص 209 وفتح الباري ج 7 ص 497).
ويستنتج من ذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يأكل من ذلك الطعام المسموم. ثم إنه توفي في السنة الحادية عشرة للهجرة الشريفة، وتلك الحادثة كانت في السنة السابعة، فهل يعقل أن يتوفى النبي بذلك السم القديم الذي تجرعه قبل أكثر من أربع سنوات؟! هذا وطبيعة السموم أنها تقتل متناولها في مدة وجيزة، وإذا لم تقتله فيكون الذي تناولها قد تغلب عليها ولم يعد لها من أثر، إذ يستحيل أن يبدأ مفعول السم بعد سنوات.
وبعد هذه النتيجة يعاود السؤال طرح نفسه ثانية: من الذي اغتال رسول الله ومتى وكيف؟
هذه مجموعة من المعطيات الروائية التي تكشف الحقيقة:
جاء عن عائشة: لددنا (قمنا بتطعيم) رسول الله في مرضه. فقال: (لا تلدوني). فقلنا: كراهية المريض للدواء. فلما أفاق قال (لا يبقى منكم أحد إلا لد غير العباس فإنه لم يشهدكم). (تاريخ الطبري ج 2 ص 438). وجاء أيضا: إنا لنرى برسول الله ذات الجنب فهلموا فلنلده ، فلدوه. فلما أفاق رسول الله قال: (من فعل بي هذا)؟ قالوا: عمك العباس تخوّف أن يكون بك ذات الجنب. فقال رسول الله: (إنها من الشيطان، وما كان الله ليسلطه علي، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العباس فإنه لم يشهدكم). (معجم ما استعجم لعبد الله الأندلسي ص 142). وجاء أيضا: قالت عائشة: لددنا رسول الله في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني فقلنا: كراهية المريض للدواء. فقال: (لا يبقى أحد في البيت إلا لد، وأنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم). (صحيح البخاري ج 7 ص 17 وصحيح مسلم ج 7 ص 24 و ص 198). ويقول السندي في شرح البخاري: معنى قوله (صلى الله عليه (وآله) وسلم): (لا يبقى أحد في البيت إلا لد) عقوبة لهم بتركهم امتثال نهيه عن ذلك. (شرح السندي لصحيح البخاري ج 3 ص 95). وكان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أمر القوم بأن لا يلدوه، إذ روي أنه قال لهم بعد سقيه إياهم ذلك الدواء المزعوم: (ألم أنهكم أن لا تلدوني)؟! (الطب النبوي لابن القيم الجوزي ج 1 ص 66). وبعد قيامهم بلد النبي، قال (صلى الله عليه وآله وسلم) عن عائشة: (ويحها لو تستطيع ما فعلت)! (الطبقات لابن سعد ج 2 ص 203).
وهذه الروايات الموثقة في كتب الحديث عند أهل السنة تكشف أن هناك مؤامرة كبرى دبرها المخططون لقلب النظام الإسلامي، وذلك لاغتيال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتجريعه سما على أنه دواء للتطعيم!
والتحليل المنطقي للأحداث يرسم لنا صورة مأساوية لما جرى، فعندما كان النبي نائما، قام المتآمرون بوضع جرعة من السم في فم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت ذريعة أنه دواء للتطعيم من المرض رغم أن النبي كان قد نهاهم قبل نومه عن فعل مثل ذلك لأنه الأعلم والأدرى بحاله، وعندما أفاق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سأل عمّن فعل به ذلك، فألقوا بالجريمة على عمه العباس في محاولة مكشوفة للتخلص من تبعاتها، ولكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعلم بالأمور كلها لعلمه بالغيب، فبرأ ساحة عمه العباس واستنكر فعلتهم، ووصفها بأنها كانت من الشيطان. وكل هذه المعطيات تكشف أن ثمة جريمة كبرى قد وقعت، فلو كان الأمر مجرد دواء سقي للنبي، لماّ صوّره صلوات الله عليه وآله على أنه فعل من أفعال الشيطان، فهو الذي لا ينطق عن الهوى.
وهنالك معطيات أخرى لابد من أخذها بالاعتبار لتأكيد الأمر، فميقات السم كان بالضبط بعد ما أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جيش أسامة بن زيد بالنفاذ إلى الروم، وكان قد كلف أبا بكر وعمر وعثمان وكثيرا من وجوه قريش بالانخراط في ذلك الجيش تحت إمرة أسامة، بينما هو أبقى أمير المؤمنين (عليه السلام) عنده حتى يهيئ له زمام الخلافة.
ولطالما أشار النبي إلى مسكن عائشة وقال: (هاهنا الفتنة. هاهنا الفتنة. هاهنا الفتنة. من حيث يطلع قرن الشيطان)! (صحيح البخاري ج 4 ص 92 وسنن الترمذي ج 2 ص 257 وصحيح مسلم ج 8 ص 172).
كما تمنى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) موت زوجته قبله، حتى لا تجرعه الدواء المزعوم، وحتى لا تنخرط في محاربة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في موقعة الجمل التي راح ضحيتها الآلاف من المسلمين. ففي السيرة النبوية أن النبي قال موجها كلامه إلى عائشة: (و ما عليك لو مت قبلي فوليت أمرك وصليت عليك وواريتك)! فقالت عائشة: واثكلاه! والله إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذلك لظللت إلى آخر يومك معرسا ببعض أزواجك! (السيرة النبوية لابن كثير ج 4 ص 446 والبداية والنهاية ج 5 ص 244 وصحيح البخاري ج 9 ص 190).
وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد لعن المتخلفين عن جيش أسامه إذ قال: (لعن الله المتخلفين عن جيش أسامة). وقد ثبت أن الرجلين كانا من الذين تخلفوا عن الجيش. (شرح النهج لابن أبي الحديد ج 6 ص 52). وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قال لشهداء أحد: (هؤلاء أشهد عليهم). فقال أبو بكر: ألسنا يا رسول الله إخوانهم، أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا؟ فرد عليه الرسول عليه وآله الصلاة والسلام: (بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي). وفي هذا دلالة واضحة على أن خاتم الأنبياء صلوات الله عليه وآله لم يستثن أصحابه من النكوص على أعقابهم بعده. (الموطأَ للإمام مالك ص 236).
وإذا ما عدنا إلى المعطيات والحقائق، نجد أن الرسول كان قد جزم بأنه ما من نبي أو وصي إلا شهيد. ونجد أن عوارض السم قد ظهرت على وجهه وبدنه الشريف. ونجد أن سم يوم خيبر لم تكن له أية مدخلية في استشهاد رسول الله لأنه لم يتناول الطعام المشتمل عليه أساسا. ونجد أنه طعن فيمن قام بلده واصفا تلك الفعلة الشنيعة بأنها من الشيطان. وحينما نجمع بين هذه المعطيات نستنتج بأن العصابة التي خططت للانقلاب على خاتم الأنبياء وإزاحة خليفته الشرعي هي التي دبّرت قتله عن طريق تجريعه السم بأبي هو وأمي. وهذه الحقيقة كشف عنها أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام حيث جاء عن الصادق عليه السلام: (فسم قبل الموت.. إنهما سقتاه). (البحار للعلامة المجلسي ج 22 ص 516 وتفسير العياشي ج 1 ص 200). كما تذكر روايات أخرى أن الأربعة اجتمعوا على سم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). (البحار للعلامة المجلسي ج 22 ص 239). ولكن المتآمرين حيث رأوا أنه لا مجال لإنكار استشهاد رسول الله بالسم، ألقوا بتبعة ذلك على سم خيبر القديم!
ويتبادر إلى الذهن سؤال يقول: إذا كان في مصلحة النبي أن يتناول هذا الدواء المزعوم ويجري لده، فلماذا لم يشترك أهل بيته في ذلك وهم الأقرب منه والأكثر معرفة بحاله صلوات الله عليه وآله؟ كما يتبادر سؤال آخر وهو: لماذا نجد كل هذه القرائن على أن ثمة عصابة تسير وفق مخطط مدروس للانقلاب على السلطة الإلهية؟ كيف لهم - مثلا - أن يقولوا في محضر الرسول: إن النبي ليهجر!.. هكذا بكل جرأة ووقاحة لولا أنهم يعلمون علم اليقين أن رسول الله سيموت إثر تجرعه السم القاتل فيأمنون من العقوبة؟!
ولقد أجاد المحقق نجاح الطائي في توضيح الحقيقة في كتابه (هل اغتيل رسول الله.؟) إذ سرد الأحداث وحللها للوصول إلى نتيجة أن من اغتال سيد الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس هم سوى أهل العقبة، وأهل السقيفة.
ولفت الطائي إلى نقطة مهمة، وهي أن عدم تصريح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأسماء من قاموا باغتياله وسقيه السم، إنما كان ينم عن حكمة إلهية خاصة، للحفاظ على القدر الضروري من الحالة الإسلامية، وحتى لا تندرس الدعوة في ذلك الوقت الحساس. فالناس كانوا حديثي عهد بالجاهلية، وهذا بحد ذاته يشكل أكثر من محذور تجاه تعريض المجتمع المسلم لأي هزة عميقة من هذا النوع. كما ذكر الطائي بأن هذه الحكمة هي ذاتها التي جعلت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتغاضى عن المتآمرين عليه في العقبة، وهي ذاتها التي جعلت الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه يمتنع عن التصريح بمن سمه، وقد كانت زوجته الخبيثة جعدة بنت الأشعث قد سقته السم بإيعاز من معاوية بن أبي سفيان عليهم جميعا لعنة الله.
وهكذا ضحى أهل بيت الوحي والعصمة والنبوة في سبيل دين الله تعالى، فسموا وقتلوا واضطهدوا بدءا من سيدهم رسول الله وحتى إمامنا صاحب الزمان صلوات الله وسلامه عليه، إذ تذكر الروايات أنه (عجل الله فرجه الشريف) بعد أن يظهر ويقيم دولته الإلهية العادلة، فإنه سيحكم سنين ثم سيقتل أيضا!!
وحقا.. ما منهم إلا مسموم أو مقتول
مقال للكاتب : ناصر عبد الامير الطاهر
تعليق