إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الصراع على لبنان

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الصراع على لبنان

    الصراع على لبنان
    محمد نور الدين




    منذ أن تأسس في العام 1920، بقرار من الانتداب الفرنسي، لم يستطع لبنان أن يكون وطناً بالمعنى المتعارف والمتفق عليه. وبدا كما لو أنه تأسس ليكون فقط <<ساحة>> أخرى، تنفذ عبرها قوى الخارج الغربي، لتمارس نفوذاً ودوراً، حين تحين ساعة الاستقلال التي أذنت عام 1943.
    منذ العام 1840، وليس فقط أعوام 1920 و1943 و1952 و1958 و1975، كان تاريخ لبنان حلقات شبه متصلة من الحروب والمنازعات والفتن، تتخللها فترات سلم هي أقرب الى هدنات تحضيرية للفتنة التي ستلي، كانت تمتلئ بالتوترات السياسية.
    وكي يؤدي لبنان الدور الذي يتفق مع مبرر وجوده ووظيفته ك<<ساحة>> أو مقر أو ممر للتأثير الغربي على المنطقة العربية، كان لا بد من تفخيخ <<الصيغة>> أي النظام السياسي. فكانت الطائفية السياسية الركن الركين الذي لا يهتز ولا يتزحزح مهما تعاقبت الحروب والصراعات. حتى اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية عام 1989، رسّخ الطائفية نصّاً بعدما كانت عُرفا.
    لم يكن لبنان يوماً حرّاً سيداً مستقلا. كان مرآة لتوازنات القوى الاقليمية والدولية. ومهما اتخذت الشعارات المرفوعة في مرحلة ما أبعاداً داخلية فإن في أساسها البعد الخارجي الذي قد ينعكس، كاستتباع، تحوّلات داخلية. هكذا كان تاريخ الصراعات في لبنان منذ التأسيس فالاستقلال وحتى اليوم. وعلى هذا فإن جوهر الصراع على لبنان وفيه كان حول هويته وانتمائه. فبعدما ضعفت الدولة العثمانية وانفتحت نوافذ منطقة جبل لبنان أمام رياح الغرب، تحوّل لبنان الى ساحة تجاذب واشتباك حول هويته: هل هو بلد ينتمي الى محيطه العربي (بمسلميه ومسيحييه) أم هو جزء من نفوذ غربي يؤدي أغراضَ التدخل الخارجي في المنطقة، ويبقيها عرضة للتأثيرات السلبية وعدم الاستقرار. وبعد الحرب العالمية الأولى وانحسار الحكم العثماني، تجلى الصراع على هوية لبنان بين فرنسا داعمة لسلخه عن محيطه والقوى العروبية في سوريا ولبنان الداعية الى ابقائه جزءاً من هذا المحيط. وبعد قيام دولة اسرائيل عام 1948، أضحى لبنان أكثر تأثراً وانكشافاً، بوجود كيان عنصري غريب يسعى الى شرذمة المنطقة والسيطرة عليها، بدعم مطلق من الغرب الاستعماري المتمثل بالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. وكانت أحداث 1958 فاتحتها، ثم أحداث نهاية الستينات ثم أحداث 1975 التي استمرت حتى 1989.
    ومع العدوان الأميركي على العراق عام 2003 تكثفت الضغوط الغربية، بالقوى نفسها، لاستكمال كسر شوكة القوى التي لا تزال ممانعة لمشاريع السيطرة الغربية الدموية، ولمحاولات تعزيز أمن الكيان العبري.
    ومع اختلال موازين القوى الدولية والاقليمية، انتقل الغرب الى تنفيذ المحطة التالية بعد احتلال العراق وهي اخضاع سوريا ولبنان، عبر لبنان، من خلال تلبيس العدوان لبوس الشرعية الدولية المتمثلة بالقرار 1559 الذي يدعو الى اخراج القوات السورية من لبنان لتنكشف الخاصرة الغربية لسوريا أمام الجيش الاسرائيلي، وإلى نزع سلاح الفلسطينيين في المخيمات اللبنانية ليسهل تمرير توطينهم وعدم عودتهم الى أرضهم الأصلية في فلسطين، وإلى نزع سلاح المقاومة في جنوب لبنان، التي حرّرت الأرض من دون قيد أو شرط وألحقت بالكيان العبري أول هزيمة له في تاريخه، لينكشف لبنان (وبالتالي سوريا) أمام الخطر الاسرائيلي مجدداً، وهذه كلها مصلحة اسرائيلية أكيدة، لم يُخفِ وزير الخارجية الاسرائيلي، سيلفان شالوم، عند صدور القرار 1559 في مطلع أيلول 2004 أن بلاده كانت وراء صدور القرار. واعترف الرئيس الأميركي جورج بوش بأن الرئيس الفرنسي جاك شيراك تحدث معه حول استصدار قرار دولي ضد سوريا ولبنان في شهر حزيران 2004.
    وما كان لمحاولة تنفيذ القرار لتتم من دون أدوات داخلية، وجدت في اخراج السوريين من لبنان ونزع سلاح المقاومة فرصة لاستعادة هيمنة عمرها على الأقل سبعون سنة (منذ العام 1920 وحتى العام 1989). وعلى هذا كانت الدعوة لإسقاط اتفاق الطائف (1989) واعتباره ميتاً وتجاوزته الأحداث، من قبل أقطاب أساسيين في المعارضة واعتبار الفترة من 1990 إلى 2005 كأنها <<هجينة>> وطارئة على تاريخ لبنان ولا بد بالتالي من شطب هذه المرحلة من تاريخ لبنان ليعود <<صافيا>> لمن يعتبر نفسه أنه أرقى وأعلى من شركائه الآخرين في البلد، وأنه يمثل <<النوعية>> (الاستعلائية العنصرية) في مواجهة العروبيين <<البرابرة>> (مسلمين ومسيحيين). بل ذهب رئيس سابق للجمهورية اللبنانية، ينتمي الى هذه <<النوعية>>، بالافتخار بأن اتفاق 17 أيار (1983) بين لبنان وإسرائيل الذي كان سيُخضع لبنان للهيمنة الصهيونية (والذي اسقطته القوى الوطنية في الشارع وفي البرلمان)، هو <<إنجاز نادر>> ولن يتردد في محاولة العودة لإنجازه مجددا. كذلك لم يتردد <<مجلس المطارنة الموارنة>> الراعي الروحي لقوى المعارضة في القول انه يعوّل على الرياح الخارجية المؤاتية (القرار 1559) ويجب المسارعة لاستغلالها قبل فوات الأوان. وفي هذا السياق، كان اغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق، رفيق الحريري، مفصلاً في ذرّ الفتن وتوسيع التوتر وعدم الاستقرار، ما جعل الساحة اللبنانية أكثر مطواعية لتنفيذ مخططات نزع لبنان من خياره العربي.
    لكن ما يجدر التوقف عنده هو أنه اذا كان مطلبُ معاقبة منفذي جريمة اغتيال الحريري والمحرّضين المباشرين عليها، يحظى بإجماع لبناني وعربي، فإن البعد المتصل بالعلاقات اللبنانية السورية في مرحلة الاستعداد للانسحاب السوري من لبنان، اتخذ مضامين ومظاهر لن تفيد البلدين.
    لقد منع السوريون عام 1976تقسيم لبنان، وحموا خطّه العربي بعد عام 1982 ووحدوا البلاد ونزعوا سلاح الميليشيات وأرسوا السلم الأهلي بعد الطائف 1989، كما كانوا ظهيراً أساسياً لتحرير الجنوب على يد المقاومة عام 2000. وفي المقابل اعترت مرحلة الوجود السوري ما بعد الطائف وحتى اليوم، أخطاء كثيرة اعترف بها الرئيس بشار الأسد، وأدى تراكمها الى خلل غير متكافئ أبعدَ العلاقات من أن ترسو على أسس سليمة وبنّاءة ودائمة.
    لكن أن تنحو فئات لبنانية، عشية الانسحاب السوري وأثناءه، الى اعتبار الوجود السوري احتلالاً ثانياً ووضع سوريا على قدم المساواة مع اسرائيل، وإطلاق شعارات عنصرية ضد سوريا وصلت الى حدّ قتل العديد من العمال السوريين في لبنان، فإن في ذلك افتئاتاً على الحقائق والوقائع، ويؤسس لحقبة من الكراهية والعداء بين البلدين. وأولى هذه الحقائق أنه اذا كانت بعض ممارسات حقبة 1989 2005 خاطئة ومؤذية، فإن الطبقة السياسية اللبنانية التي مرّت على السلطة في بيروت منذ الطائف وحتى اليوم، وبعضها من أبرز رموز المعارضة اليوم، كانت شريكة في تلك الممارسات بالتكافل والتضامن والرضا وتوزيع الحصص والمغانم وإيصال البلاد الى مديونية تقارب الأربعين مليار دولار. ومهما كانت الأخطاء، وهي مشتركة، تبقَ سوريا العمق العربي والتاريخي والجغرافي والاجتماعي والثقافي للبنان. ولبنان، الصغير الهشّ البنية، و<<الساحة>> الدائمة، سيكون المتضرر الأكبر مما يُراد أن تؤسس عليه العلاقات اللبنانية السورية من بعض الفئات.
    أما بالنسبة الى سلاح المقاومة في جنوب لبنان، فإن مطلب نزعه وتسليمه لقمة سائغة للإملاءات الاسرائيلية هو انتحار للبنان. فلبنان لا يستطيع أن يفقد ورقة قوته الوحيدة تجاه اسرائيل، ما لم يتم التوصل الى سلام نهائي وشامل وعادل لكل قضية الشرق الأوسط. ثم ان سلاح المقاومة أثبت جدواه فحرّر الأرض أو معظمها وردع العدو عن العدوان بعد العام 2000.
    وأظهرت التجارب أن لبنان لا يستطيع الدفاع عن حدوده بالصيغة الكلاسيكية أي عبر جيش نظامي، نظرا الى اختلال موازين القوى بين لبنان وإسرائيل. ثم ان هناك ملفات عديدة عالقة بين لبنان وإسرائيل مثل الترسيم النهائي للحدود ومزارع شبعا المحتلة والخلاف على المياه والانتهاكات اليومية من قبل اسرائيل للسيادة اللبنانية جواً وبحراً وأحياناً برّا. ومن يَقُل بالعودة الى اتفاق الهدنة عام 1949 ينسَ أن هذا الاتفاق لم يحمِ لبنان أبداً من اعتداءات اسرائيل ومذابحها وتدمير الطائرات المدنية في مطار بيروت عام 1968 وما الى ذلك. كذلك فإن سلاح المقاومة لم يتوجه يوماً ليكون أداة ابتزاز أو استغلال في السياسة الداخلية. وحين كانت الظروف مؤاتية بالكامل بعد العام 2000 لم تستخدم المقاومة سلاحها في الداخل، فكيف بها اليوم وقد ازدادت التعقيدات الداخلية والضغوط الدولية التي تجعل المقاومة أكثر حرصاً على نبْلِ الاستخدام في اتجاه واحد هو العدو الاسرائيلي؟ وفقط بحمايته لسلاح المقاومة يكون لبنان آمناً ومستقرا.
    يمر لبنان بمرحلة بالغة الصعوبة وهو مدعوّ بكل فئاته الى تغليب لغة العقل والحوار، وادراك كل طرف أن أحداً لا يستطيع أن يلغي أحداً. وإذا كان هناك من اللبنانيين من يتطلع الى مكاسب آنية، فإن التاريخ لن يغفر وسيدلّ بإصبعه على من ارتضى الانقلاب على بني قومه ومحيطه وبيئته، والتعاون، في لحظة فائقة الخطورة، مع قوى الخارج التي لا هدف لها سوى تمزيق ما بقي من ممانعة وهوية عربية، من أجل حماية مصالح الغرب والمزيد من الأمن للكيان العنصري الصهيوني. ان لبنان هو بعروبته وانتمائه لمحيطه في السرّاء والضراء. وبقدر ما يدافع عن هذا الانتماء ويحميه بقدر ما يقترب ليكون <<وطناً>> حرّاً سيداً مستقلا.
    () أستاذ جامعي
    الملفات المرفقة
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
ردود 2
12 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ibrahim aly awaly
بواسطة ibrahim aly awaly
 
يعمل...
X