إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

على سبيل <<التفاهة>>

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • على سبيل <<التفاهة>>

    على سبيل <<التفاهة>>
    جوزف سماحة




    سُئل ديفيد ساترفيلد عمّا إذا كانت <<القيادة انتقلت من عنجر إلى عوكر>>. أجاب: <<أريد أن أكون مهذباً، إن ذلك تافه>>. لن نعرف ماذا كان أجاب لو لم يجعله التهذيب يضبط أعصابه. قد لا تكون <<القيادة>> انتقلت من مكان إلى مكان، ولكن ساترفيلد لن يمانع إذا اجتهد لبنانيون في إيجاد صفة للدور الذي يلعبه في لبنان ممثلاً لحكومة بلاده وقائماً مقام أحد مرؤوسيه. ما من تفاهة تذكر في هذا الاجتهاد.
    لنقل إن ساترفيلد ينفذ في بيروت سياسة واشنطن. وليعترف معنا السفير بأن هذه السياسة ترفع شعارات وتعمل على تطبيقها. ولنتفق على أن العقيدة الجديدة تقوم على مبدأ <<حق التدخل الديموقراطي>>، أي حق التدخل لنشر الديموقراطية. ولنقرأ المواقف الأخيرة الصادرة من واشنطن والتي تزعم معاملة الحكومات المحلية حسب تعامل هذه الأخيرة مع شعوبها. بناء على ذلك نكون أمام <<اضطرار>> أي مبعوث رسمي أميركي إلى التدخل كحد أدنى وإلى القيادة إن استطاع إلى ذلك سبيلاً.
    سيوافق ساترفيلد على أن العقيدة الأميركية تنهض على فرضية الرسالة التي يتوجب على أميركا تعميمها على العالم كله والشرق الأوسط الكبير، وهي رسالة الحرية وحقوق الإنسان والحكم الصالح والمحاسبة والسيادة الشعبية. وسيوافق ساترفيلد على أن مسؤولين أميركيين كباراً، منهم الرئيس جورج بوش نفسه، قاموا بنقد ذاتي حين قالوا إنهم لم يتدخلوا في منطقتنا كفاية لدعم الديموقراطية. ولا شك أن ساترفيلد يحفظ غيباً وعد رئيسه بعمل المستطاع من أجل القضاء على الطغيان في العالم وبأنه، بذلك، يكون أميناً للرسالة الأميركية وللدور القيادي الواقعة مسؤوليته على هذه الأمة المختارة. ما العيب، إذاً، أو ما التفاهة، في أن يتولى الموظفون الأميركيون دوراً قيادياً، إن استطاعوا، من أجل ترجمة هذه الأقوال إلى أفعال.
    لقد اطلعنا، كما اطلع ساترفيلد، على التقرير الصادر قبل أيام عن وزارة الخارجية الأميركية بعنوان: <<استراتيجية الولايات المتحدة للديموقراطية وحقوق الإنسان>>. ولهذا التقرير الذي يصدر للمرة الأولى خاصية مميزة. فهو لا يستعرض أوضاع الديموقراطية وحقوق الإنسان والحريات الدينية في العالم، كلا. إنه يقدم كشفاً تفصيلياً بما قامت به حكومة الولايات المتحدة من أجل نشر الديموقراطية وحقوق الإنسان في كل بلد من بلدان العالم. ولبنان من هذه البلدان. وقد أفرد له التقرير فقرات عديدة تستعرض كلها أوجه التدخل الأميركي من أجل نصرة هذه الأهداف. ويبدأ هذا بإصدار <<قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان>> ولا ينتهي بالدعم المادي إلى مئات البلديات وجمعيات المعوقين مروراً باستعراض للقطاعات المدعومة أميركياً والعاملة في المجتمع المدني، وإعادة تأهيل النساء والشباب، وتدريب مراقبين، وانتداب صحافيين لدورات تدريبية. إن قدراً من الشفافية، في هذا المجال، ربما كان مطلوباً طالما أنه شرط من شروط الديموقراطية المرتجاة. والقدر من الشفافية مطلوب أكثر لأن الولايات المتحدة نفسها لا تعتبر هذه الأنشطة أعمالاً خيرية تدعم سياستها وإنما تعتبرها في جوهر سياستها وصلبها، وجزءاً من مساعيها لتحقيق مصالحها الوطنية. ليس في ما تقدم أي اتهام. هذا تقرير لواقع نستمده من عشرات الخطب والوثائق الرسمية الأميركية بما في ذلك المقدمة التي كتبتها كونداليسا رايس للتقرير المشار إليه. فوزيرة الخارجية الأميركية تعتبر أن التدخل في شؤون دول العالم من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان <<واجب كوني>> وليس <<تفاهة>>. هل الوزيرة أكثر إخلاصاً لرئيسها من مساعد نائبها؟
    ربما تتوجب مشاركة ساترفيلد استغرابه من استغراب لبنانيين تدخله في شؤونهم وصولاً إلى ترفيعه إلى مرتبة <<القيادة>>. فعندما يستمع المندوب الأميركي إلى مصطلحات <<السيادة>>، و<<رفض التدخل الأجنبي>>، و<<ضرورة التساؤل عن طبيعة المهمة>>، إلخ... يحق له أن يسخر من هذه الادعاءات وهو يرى ما يرى في لبنان، كما يحق له أن يعتقد أنه إنما يستمع إلى أحاديث <<أهل كهف>> يعتبرون أنهم يكشفون مؤامرة خطيرة في حين أن <<مؤامرة التدخل>> هذه هي، وحسب رايس، وغيرها، <<حجر الأساس>> في السياسة الخارجية الأميركية. بكلام آخر، من حق ساترفيلد الاعتقاد أنه يواجه في لبنان وسوريا خصوماً سهلين.
    إن السجال الفعلي معه هو حول صحة الشعارات المرفوعة، الديموقراطية وحقوق الإنسان، كمبرّر للتدخل. وتقتضي الأمانة هنا القول بأن ثمة جديداً في السياسة الخارجية الأميركية حيال منطقتنا، وهذا الجديد هو التركيز على هذه العناوين. لم يعد يفيد القول إن أميركا لا تهتم بالديموقراطية لأنها تهتم بمصالحها فقط. لم يعد هذا القول مفيداً لأن الولايات المتحدة باتت تؤكد أن الديموقراطية في الشرق الأوسط الكبير هي جزء من مصالحها الوطنية على المدى البعيد.
    إن أخذ هذا المعطى الجديد بالاعتبار لا يلغي واقع أن الهمّ الديموقراطي ليس هو العنصر المسيطر أو المتحكّم بالسياسة الخارجية الأميركية في منطقتنا. وقبل أن يبادر ساترفيلد إلى إشهار <<التفاهة>> نقول له إن هذه الملاحظة مستمدة من الاطلاع على وقائع المؤتمر الصحافي الذي عقده مساعد رايس لشؤون الديموقراطية وحقوق الإنسان مايكل كوزاك من أجل شرح التقرير المعني.
    لقد طرح عليه زملاؤنا الأميركيون كل ما يخطر، أو معظم ما يخطر، في بال أي شخص يملك وعياً نقدياً حيال الولايات المتحدة. سألوه عن تسليح الباكستان غير الديموقراطية، وعن الانفتاح على ليبيا دون أن تغيّر سجلها حيال حقوق الإنسان، وعن أبو غريب وغوانتانامو، وعن تجاوزات أجهزة الأمن العراقية بإشراف أميركي، وعن الصين وروسيا، وعن التشدد المبالغ فيه حيال كوبا مقارنة بغيرها، وعن إرسال سجناء إلى الاستجواب في دول متهمة بالطغيان، وعن بورما، وفنزويلا، وعن...
    والمحور العام للأسئلة هو أن المزاعم حول أولوية الديموقراطية كعنصر محدد للسياسة الخارجية الأميركية غير مقنعة. ولقد كان كوزاك، بالفعل، مرناً. شرح ضرورة تسليح الباكستان بتلعثم، ووجد مبرّرات لغض النظر عن سياسة القذافي، ودعا إلى استيعاب الصين عبر الانفتاح مشيراً إلى حجم العلاقات التاريخية، وبرّر النهج حيال روسيا بأنها دولة نووية، إلخ... المهم أنه وجد لكل حالة علّة، وأظهر براغماتية عالية ليس من شيم دعاة <<الوضوح الأخلاقي>>، وقال ما معناه إن على الولايات المتحدة أن تعرف ترتيب الأولويات، وأن لا مجال لسياسة كل شيء أو لا شيء، وأنه لا بد من جمع العصا والجزرة. إلا أن ما بقي عالقاً في الذهن، وهذا ما يمكن إثباته بدقة وعند استعراض حالة البلدان المشار إليها بلداً بلداً، هو أن درجة التطلب الديموقراطي الأميركي ترتفع بقدر ابتعاد أنظمة سياسية معينة عن أن تكون مطواعة في التجاوب مع أهداف السياسة الخارجية الأميركية. يعني ذلك، ببساطة، أن الديموقراطية، على أهميتها، وأهميتها المستجدة في الشرق الأوسط الكبير، ليست هي الهمّ الطاغي أو المنظار الذي تُقاس به الأمور.
    لم يخفِ كوزاك أن التدخل لنشر الديموقراطية كان محكوماً بقضايا أخرى تتمنى الولايات المتحدة أن تسنح لها فرصة التدخل فيها لجعلها تلائم سياستها. ويعني ذلك أنه حيث كان التدخل ناقصاً فإن الرغبة هي في استكماله. ولا يعني ذلك سوى أن واشنطن تريد أن تكون في موقع القيادة الإجمالية.
    تفيد هذه المقدمات أن لا مبرّر فعلياً لغضب ساترفيلد. إلا إذا كان مصدر الغضب رفض المقارنة بين أسلوبي عنجر وعوكر، وإلا إذا كان المقصود أن الولايات المتحدة تعرف كيفية التعاطي مع حلفاء وكيفية ملاقاتهم.
      
    نُشر في وسائل الإعلام أمس أن سكوت كاربنتر قد يحلّ محل ديفيد ساترفيلد ريثما يعود جيفري فيلتمان. أمضى كاربنتر معظم حياته المهنية كدبلوماسي في مواقع على صلة بقضايا حقوق الإنسان والديموقراطية، وعلى مقربة من مراكز التنسيق الأميركي الأوروبي في هذا الشأن حيال الشرق الأوسط. إذا صدق النبأ ووصل كاربنتر فهذه إشارة إلى الموقع الاستثنائي الذي تعطيه واشنطن لإجراء الانتخابات النيابية في لبنان. على المعنيين بهذا الأمر أن يضعوا هذا المعطى في حسابهم.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X