الشيخ بيار الجميل
و<<البنطلون المفخوت>>
محمد ابراهيم العبد الله
تتطور الأحداث في لبنان وتتسارع بشكل ليس له مثيل، فهذا الكم الهائل من المعلومات اليومية التي يتبادلها ويتقاذف بها اهل السياسة والقيادة، جعلت جيل الشباب في حيرة من أمره.
هذا الجيل، رغم ثقافة الحرب والسلم والموالاة والمعارضة والسلطة والدولة، المقاومة والعمالة، لم يعد باستطاعته ربط الامور ببعضها، لا سيما الاحداث التي حصلت قبل ولادته، او في سنين طفولته.
هذا الجيل، جيل العلم، الذي تربى على قاعدة <<من البيت للمدرسة ومن المدرسة للبيت>>، هذا الجيل والذي معظمه من الطبقة الفقيرة، لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب، لم يولد ويجد بانتظاره إرثا سياسيا او اقطاعيا او ماليا. هذا الجيل لا يعرف شيئا عن <<البنطلون المفخوت>>.
أولادنا من هذا الجيل، بدأوا حديثا يتلمسون ألاعيب السياسة والسياسيين، ويلزمهم دورات ومحاضرات وندوات لكي يربطوا الامور ببعضها، والكلام بمعانيه التاريخية، لكي يلحقوا باللعبة السياسية وزواريبها حيث كثيرا ما يتعجبون من امر هذا الزعيم او السياسي المسؤول الذي كان في هذه الزاوية فانتقل الى الزاوية الاخرى. او كان يحمل البندقية في هذه الكتف فنقلها الى كتف اخرى.
اولادنا الذين أعجبوا بالمقاومة وأكبروا تضحياتها التي حصدت التحرير، هالتهم رائحة العمالة تفوح من الزوايا المظلمة.
اولادنا يريدون ان يعيشوا بسلام: يتعلموا... يتوظفوا... ويبنوا مستقبلهم، شرط ان تكون كرامتهم محفوظة ودولتهم معهم لا ضدهم. يشعرون ويتلمسون الحرية والسيادة والاستقلال، يمارسون ويتكلمون عنها وعن السياسيين ويعطون رأيهم وصوتهم... يغيرون... حتى لو كانوا يلبسون <<بنطلونا مفخوتا>>.
أتكلم عن <<البنطلون المفخوت>>، لأن ولدي سألني عنه في معرض الحوار الذي اجراه مارسيل غانم في برنامجه <<كلام الناس>>.
لقد احتدم النقاش والحوار الساخن والصدام بين الضيفين: الوزير وئام وهاب والنائب بيار الجميل.
تعجب ولدي من هبوط هذا المستوى في الحوار واستوقفه غضب وحدة النائب بعد ان أثار حفيظته الوزير فقال النائب <<هلق كل واحد لابس بنطلون مفخوت بدو يحكي بالسياسة>>.
فمرة أخرى، الطبع غلب التطبع فنطق النائب بما يؤمن به، وبما لا يستطيع إخفاءه، المرة الاولى عندما تكلم عن النوعية والكمية وحاول تبرئة نفسه مرارا وتكرارا، لكنه وقع في الفخ مرة ثانية.
نقول للنائب ان عصر <<البنطلون المفخوت>> ولّى منذ ما يزيد عن اكثر من نصف قرن، وربما كان متداولا ايام جده الشيخ بيار، يومها كان معظم اللبنانيين فقراء، وهم على سبيل التذكير كانوا من العمال والفلاحين وصغار الملاكين والتجار، لم يكن يومها لبنان غنيا، وجاءت الحرب العالمية الاولى والجراد فوقع الجميع في ضيقة مادية. يومها اصبحت ترى رجالا ترتدي بنطلونا مفخوتا.
ويومها اضطرت السيدة الفاضلة زلفا شمعون ان تقلب قماش جاكيت زوجها كميل شمعون لتعيد خياطتها يوم كان موظفا صغيرا في احدى الشركات وقبل ان يصبح رئيسا للجمهورية بزمن طويل. قالت ذلك في احدى المقابلات التلفزيونية ولم تستح بقول هذه الواقعة لأن الفقر ليس عيبا ولأن الفقير وحده قادر على التغيير ومن كبد المعاناة تشرق شمس الحرية وليس من ارتداء البنطلون <<السموكن>>. ونذكره بما قاله المرحوم الرئيس رفيق الحريري في هذا السياق عن حالته المادية الصعبة.
فكأن الشيخ بيار الجميل ما زال يعيش في ذاكرة حفيده النائب بيار أمين الجميل، حيث ان هذا الأخير ما زال في دائرة التسلط والفوقية والماضي الغابر، ولم يطله التغيير.
موجود جسديا في الألفية الثالثة وأفكاره ورؤيته تعود الى الألفية الثانية وعبثا يحاول التوفيق بين الماضي والحاضر لكنه <<لا بدمر عيّد ولا بالشام سيلحق العيد>>.
فبئس العبارات المحنطة، وبئس الجيل الجديد الذي يتكلم بلسان الماضي الغابر ولم يدركه التطور والمدنية والعولمة.
وأخيرا نريدك، رغم ذلك، ألا تنسى يا سمو الشيخ بيار الجميل ان البنطلون المفخوت اصبح الآن موضة وسعره يفوق سعر البنطلون السموكن الذي يرتديه اولاد الذوات.
و<<البنطلون المفخوت>>
محمد ابراهيم العبد الله
تتطور الأحداث في لبنان وتتسارع بشكل ليس له مثيل، فهذا الكم الهائل من المعلومات اليومية التي يتبادلها ويتقاذف بها اهل السياسة والقيادة، جعلت جيل الشباب في حيرة من أمره.
هذا الجيل، رغم ثقافة الحرب والسلم والموالاة والمعارضة والسلطة والدولة، المقاومة والعمالة، لم يعد باستطاعته ربط الامور ببعضها، لا سيما الاحداث التي حصلت قبل ولادته، او في سنين طفولته.
هذا الجيل، جيل العلم، الذي تربى على قاعدة <<من البيت للمدرسة ومن المدرسة للبيت>>، هذا الجيل والذي معظمه من الطبقة الفقيرة، لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب، لم يولد ويجد بانتظاره إرثا سياسيا او اقطاعيا او ماليا. هذا الجيل لا يعرف شيئا عن <<البنطلون المفخوت>>.
أولادنا من هذا الجيل، بدأوا حديثا يتلمسون ألاعيب السياسة والسياسيين، ويلزمهم دورات ومحاضرات وندوات لكي يربطوا الامور ببعضها، والكلام بمعانيه التاريخية، لكي يلحقوا باللعبة السياسية وزواريبها حيث كثيرا ما يتعجبون من امر هذا الزعيم او السياسي المسؤول الذي كان في هذه الزاوية فانتقل الى الزاوية الاخرى. او كان يحمل البندقية في هذه الكتف فنقلها الى كتف اخرى.
اولادنا الذين أعجبوا بالمقاومة وأكبروا تضحياتها التي حصدت التحرير، هالتهم رائحة العمالة تفوح من الزوايا المظلمة.
اولادنا يريدون ان يعيشوا بسلام: يتعلموا... يتوظفوا... ويبنوا مستقبلهم، شرط ان تكون كرامتهم محفوظة ودولتهم معهم لا ضدهم. يشعرون ويتلمسون الحرية والسيادة والاستقلال، يمارسون ويتكلمون عنها وعن السياسيين ويعطون رأيهم وصوتهم... يغيرون... حتى لو كانوا يلبسون <<بنطلونا مفخوتا>>.
أتكلم عن <<البنطلون المفخوت>>، لأن ولدي سألني عنه في معرض الحوار الذي اجراه مارسيل غانم في برنامجه <<كلام الناس>>.
لقد احتدم النقاش والحوار الساخن والصدام بين الضيفين: الوزير وئام وهاب والنائب بيار الجميل.
تعجب ولدي من هبوط هذا المستوى في الحوار واستوقفه غضب وحدة النائب بعد ان أثار حفيظته الوزير فقال النائب <<هلق كل واحد لابس بنطلون مفخوت بدو يحكي بالسياسة>>.
فمرة أخرى، الطبع غلب التطبع فنطق النائب بما يؤمن به، وبما لا يستطيع إخفاءه، المرة الاولى عندما تكلم عن النوعية والكمية وحاول تبرئة نفسه مرارا وتكرارا، لكنه وقع في الفخ مرة ثانية.
نقول للنائب ان عصر <<البنطلون المفخوت>> ولّى منذ ما يزيد عن اكثر من نصف قرن، وربما كان متداولا ايام جده الشيخ بيار، يومها كان معظم اللبنانيين فقراء، وهم على سبيل التذكير كانوا من العمال والفلاحين وصغار الملاكين والتجار، لم يكن يومها لبنان غنيا، وجاءت الحرب العالمية الاولى والجراد فوقع الجميع في ضيقة مادية. يومها اصبحت ترى رجالا ترتدي بنطلونا مفخوتا.
ويومها اضطرت السيدة الفاضلة زلفا شمعون ان تقلب قماش جاكيت زوجها كميل شمعون لتعيد خياطتها يوم كان موظفا صغيرا في احدى الشركات وقبل ان يصبح رئيسا للجمهورية بزمن طويل. قالت ذلك في احدى المقابلات التلفزيونية ولم تستح بقول هذه الواقعة لأن الفقر ليس عيبا ولأن الفقير وحده قادر على التغيير ومن كبد المعاناة تشرق شمس الحرية وليس من ارتداء البنطلون <<السموكن>>. ونذكره بما قاله المرحوم الرئيس رفيق الحريري في هذا السياق عن حالته المادية الصعبة.
فكأن الشيخ بيار الجميل ما زال يعيش في ذاكرة حفيده النائب بيار أمين الجميل، حيث ان هذا الأخير ما زال في دائرة التسلط والفوقية والماضي الغابر، ولم يطله التغيير.
موجود جسديا في الألفية الثالثة وأفكاره ورؤيته تعود الى الألفية الثانية وعبثا يحاول التوفيق بين الماضي والحاضر لكنه <<لا بدمر عيّد ولا بالشام سيلحق العيد>>.
فبئس العبارات المحنطة، وبئس الجيل الجديد الذي يتكلم بلسان الماضي الغابر ولم يدركه التطور والمدنية والعولمة.
وأخيرا نريدك، رغم ذلك، ألا تنسى يا سمو الشيخ بيار الجميل ان البنطلون المفخوت اصبح الآن موضة وسعره يفوق سعر البنطلون السموكن الذي يرتديه اولاد الذوات.