الخيارات السياسية الأمريكية في الشرق الأوسط
هناك أسس إستراتيجية في السياسة الأمريكية لا تستطيع في الغالب النخبة السياسية في أمريكا الحياد عنها و هذه الثلاث هي ضمان أمن إسرائيل و الحرب على الإسلام تحت دعوى مكافحة الإرهاب و تأمين منابع النفط
و بعد أن يتم تحديد الإستراتيجيات الأساسية التي لا تحيد عنها أي إدارة أمريكية سواء كانت جمهورية أو ديموقراطية يبدأ الفريق التنفيذي داخل كل إدارة في رسم السياسات الخاصة به لتنفيذ تلك الإستراتيجية و بتتبع السياسات الأمريكية بالنسبة للصراع بين العرب و اليهود نجد أنها لا تخرج أو لا تتجاوز خيارين :
الخيار الأول : هو التدخل الكامل لإيجاد إطار أو آلية يمكن التوفيق بمقتضاها بين أطراف الصراع و ذلك مثل ماحدث في كامب ديفيد عام 1978 في عهد إدارة كارتر عندما نجح في إقناع السادات ليوقع ما يسمى بمعاهدة كامب ديفيد مع مناحيم بيجين رئيس الوزارء الإسرائيلي حينئذ و هو أيضا ما فعله جورج بوش الأب في مؤتمر مدريد عام 1991 في أعقاب حرب الخليج الثانية و هو نفسه خيار كلينتون في كامب ديفيد الثانية عام 2000 عندما قام بجمع إيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي و ياسر عرفات رئيس ما يعرف بالسلطة الوطنية الفلسطينية .
الخيار الثاني : هو الإنعزال الجزئي عن مجريات أحداث الصراع اليومية و الإكتفاء بالمراقبة عن بعد و الإبقاء على مستوى معين من التصعيد و التدخل إذا تجاوز الصراع حدا معينا.
و تمثل ذلك الخيار واضحا في زمن حكم ريجان في الثمانينات و بعض الفترات في رئاسة كلينتون و هذه الأيام أثناء تولي بوش الإبن مقاليد الأمور في السياسة الأمريكية .
كما تمثل في جولات هنري كيسنجر بعد حرب اكتوبر 1973 وجولات المبعوث الأمريكي فيليب حبيب ابان الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982 و جولات باول الآن .
و لكن ما هي المحددات التي تجعل الإدارة الأمريكية تميل لأي خيار منهما ؟
بتتبع السلوك السياسي للإدارات الأمريكية المتعاقبة تبين أن هناك محددان على ضوءهما يتضح ميل الإدارة الأمريكية لإستعمال أحدهما عند تطبيق سياستها على أرض الواقع :
1. إعادة خلط الخيارات الإستراتيجية بالنسبة لأمريكا في المنطقة :
فقبل أحداث 11 سبتمبر كانت نصيحة اللجنة التي شكلها بوش لرسم خياراته الإستراتيجية و أولويات السياسة الأمريكية تدور حول ضرورة الفصل بين التوجهات الإستراتيجية الثلاث : النفط و الإرهاب و الصراع العربي الإسرائيلي لأنه لابد أن يظل كل منهم مستقلا بذاته وبعيدا عن الآخر: الخليج وما حوله ناحية وفلسطين وما حولها ناحية أخرى و الإرهاب كوجهة ثالثة لأن المزج بين الثلاثة يخلق تفاعلات تنشأ عنها شحنات خطر يصعب تقديرها.
يضاف إلى ذلك أن الفصل بين هذه النطاقات هو الضمان لإحكام السيطرة على إدارة كل واحد منهما في حدوده المعينة وفي إطار المحسوب.
أما بعد أحداث بعد 11 سبتمبر من تنامي الإتجاه داخل الإدارة الأمريكية لجعل موضوع مكافحة الإرهاب في سلم أولويات هذه الإدارة لإستعادة الهيمنة المفقودة و تنفيذ أجندات مؤجلة فقد شكلت تلك الاحداث صدمة أمنية نالت من هيبة أمريكا وشكلت إطارا عاماً لرسم السياسة الخارجية بل والداخلية واعادت رسم اولويات الادارة الامريكية الحالية.
لقد شكلت أحداث سبتمبر الماضي إطارا نظرياً وفكرياً جديداً يتم الاسترشاد به في رسم السياسية الخارجية الامريكية وبعلاقات امريكا باشخاص المجتمع الدولي، وعليه فقد قسم بوش الدول اما معنا أو ضدنا وبذلك فقد أعاد للعلاقات الدولية أطر الحرب الباردة بما تضمنته تلك التصورات من تأزيم للعلاقات الدولية وتفجير الصراعات الدولية وهيمنة ظاهرة الصراع الدولي على مظاهر التعاون في العلاقات الدولية، كما أسهمت تلك النظرة بتأجيج حده التوترات الدولية لاسيما في البؤر المشتعلة اصلاً والتي اهمها على الاطلاق بؤرة الصراع العربي الاسرائيلي.
و أسهمت هذه الأحداث كثيراً في تعظيم الدعم المقدم لاسرائيل في عدوانها ضد الشعب الفلسطيني وعلى أعلى المستويات. فعلى مستوى الرئاسة فان الرئيس الامريكي لم يتورع عن اظهار تحيزه السافر للسياسات الارهابية الصهيونية، كما انه لم يتوقف عن كيل التهم ضد الشعب الفلسطيني واصفاً أعمال المقاومة بالإرهاب ولعل ما يفسر ذلك المرارة التي منى بها من جراء أحداث سبتمبر الماضي وتعثر جهود مقاومة الارهاب في افغانستان واستئصال جذوره أما على المستوى الشعبي فأصبح الأمريكيون لا يريدون السماع بعمليات انتحارية, حتى لو كانت موجهة ضد العسكريين الإسرائيليين لأنها تذكرهم بـ11 سبتمبر .
و سربت جهات أمنية أمريكية إلى أن بن لادن قد قام بتدريب عشرات الآلاف من أنصاره، وأن هؤلاء ينتشرون في أكثر من ستين دولة! ووصف بوش هؤلاء بأنهم قتلة خطرون ينتشرون في مختلف أنحاء العالم ويمثلون قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أية لحظة. وما دام هؤلاء موجودين فإن الحرب على الارهاب لا تزال في بدايتها. وستواصل أمريكا تعقب هؤلاء الارهابيين في كل مكان في العالم.. وعلى جميع الدول أن تساعدها في هذه المهمة، وفي مقدمتها بالطبع تلك الدول التي يوجد بها الارهابيون. وأضاف مهددا: إذا لم يتحركوا فإن أمريكا ستتحرك!! و بذلك تعطي الولايات المتحدة لنفسها حرية التدخل في أكثر من ستين دولة تفترض وجود جماعات اسلامية متطرفة على أراضيها. إذا لم تقم هذه الدولة بتصفية تلك الجماعات بالطريقة التي تراها واشنطن مقنعة! وهكذا فإنه إذا لم يتحرك عرفات لتصفية حماس والجهاد فإن واشنطن ستطلق يد تل أبيب في تخريب البنية التحتية للسلطة الفلسطينية، وقتل كوادر تنظيمات المقاومة والمواطنين الأبرياء والأطفال والشيوخ على السواء.
و يأتي في هذا الإطار قول شارون أثناء زيارة باول الأخيرة للمنطقة إن إسرائيل تقوم بحملتها في اطار الحرب الأمريكية ضد الارهاب وانه يرحب بالسيد كولن باول في القدس الموحدة كعاصمة لاسرائيل، فما كان من الوزير الأمريكي الا قال مبتسما انه يتحدث كصديق مقرب لاسرائيل، ثم أطلق تصريحه مما يعني أن المخطط الأمريكي قارب مداه بالتناغم مع المخطط الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني وتجاه القدس، مسقطا بذلك ما يقال حول القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المنتظرة، بل ومسقطا ما جاء باتفاقيات أوسلو.
و ارتبط باحداث سبتمبر الماضي ادعاءات امريكا انها لا تستطيع ان تضغط على اسرائيل لوقف حربها ضد ما اسمته بالارهاب طالما ان امريكا تفعل ذلك، ولديها التزام ليس فقط بدعم الدول التي تواجه الارهاب، بل والاسهام ميدانيا في المعارك الجارية ضد الارهاب كما هو الحال في الفلبين وكشمير وفلسطين وغيرها، وبالطبع فان مسرح العمليات دائما البلاد العربية والاسلامية والاقليات المسلمة حيثما كانت، وبذلك فانه وبالرغم من معارضة العالم أجمع لما يحدث من قمع وارهاب بحق الشعب الفلسطنيي تأتي امريكا وتجد لها المبررات الكافية للاستمرار في عدوانها كما تعطيها الغطاء السياسي والدبلوماسي والمادي والعسكري اللازم لتنفيذ مخططاتها.
و اختلطت أوراق الصراع الدائر بين اليهود و المسلمين في فلسطين بأوراق النفط أيضا بعد أحداث 11 سبتمبر فالاعتماد الأميركي على النفط العربي تحول, في أذهان القادة الأميركيين, إلى معضلة قومية واستراتيجية منذ حرب تشرين الأول اكتوبر عام 1973, فبعد الحرب أعلن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون عزم إدارته على تنفيذ سياسة نفطية جديدة خلال السبعينات, بحيث تكون بلاده قد وفرت قدرات كافية لتأمين حاجاتها من النفط من دون الاعتماد على أي مصدر أجنبي. بالطبع فشل نيكسون في تحقيق هذه الغاية, كما فشل في تحقيقه كافة الرؤساء الذين جاؤوا من بعده. فلقد انشأ جيرالد فورد الاستراتيجي الاحتياطي النفطي وانشأ جيمي كارتر وزارة الطاقة,
و في عام 1991 استطاعت الإدارة الأمريكية تحت إدارة جورج بوش تأليب الرأي العام العالمي ضد العراق وأعلنت أنه يملك رابع قوة عسكرية في العالم وحشدت في مواجهته أكبر حشد عسكري بعد الحرب الكونية الثانية، كما تقول بذلك أدق مصادر المعلومات الغربية، واستخدمت تلك القوة لقهر العراق و إبعاده عن التحكم في النفط أو طرق إمداداته .
ونفذ بيل كلينتون قانون سياسة الطاقة الذي وضع في عهد سلفه جورج بوش الأب, إلا أن هذه التدابير والسياسات لم تنجح في تحقيق هدف تحرير الولايات المتحدة من الاعتماد على النفط العربي. الدليل الحاسم على هذا الفشل قدمه الرئيس الأميركي الحالي جورج بوش خلال شهر أيار مايو من العام الماضي عندما أعلن سياسة الطاقة القومية وقدم لها بقوله: الاعتماد على مصدر واحد للطاقة, خصوصاً أي مصدر أجنبي, يتركنا عرضة لتقلبات الأسعار المفاجئة, وانقطاع التموين, وفي أسوأ الأحوال للابتزاز.
ولقد أوضحت سياسة الطاقة القومية الجديدة حجم الابتزاز الذي تخشاه إدارة بوش, إذ جاء فيها إن الولايات المتحدة تستورد حالياً قرابة 53 في المائة من حاجاتها من النفط من الخارج. ولهذه المستوردات النفطية أهمية بالغة لتأمين حاجات المواصلات ولتشغيل حوالي 200 مليون سيارة وشاحنة يملكها ويستخدمها الأميركيون.
ونسبة الاعتماد على النفط العربي في تزايد مستمر نظراً لما هو معروف من تضاؤل حجم احتياط النفط في الدول العربية التي تستورد منها الولايات المتحدة نفطها. ويجدر بالذكر ان البلد العربي الذي يحتل المصدر الثاني في صادراته النفطية إلى الولايات المتحدة بعد المملكة العربية السعودية, هو العراق. وهذا يكفي, لوحده, لتفسير المخاوف الأميركية من انقطاع أو عرقلة مستورداتها النفطية من المنطقة العربية.
هناك أسس إستراتيجية في السياسة الأمريكية لا تستطيع في الغالب النخبة السياسية في أمريكا الحياد عنها و هذه الثلاث هي ضمان أمن إسرائيل و الحرب على الإسلام تحت دعوى مكافحة الإرهاب و تأمين منابع النفط
و بعد أن يتم تحديد الإستراتيجيات الأساسية التي لا تحيد عنها أي إدارة أمريكية سواء كانت جمهورية أو ديموقراطية يبدأ الفريق التنفيذي داخل كل إدارة في رسم السياسات الخاصة به لتنفيذ تلك الإستراتيجية و بتتبع السياسات الأمريكية بالنسبة للصراع بين العرب و اليهود نجد أنها لا تخرج أو لا تتجاوز خيارين :
الخيار الأول : هو التدخل الكامل لإيجاد إطار أو آلية يمكن التوفيق بمقتضاها بين أطراف الصراع و ذلك مثل ماحدث في كامب ديفيد عام 1978 في عهد إدارة كارتر عندما نجح في إقناع السادات ليوقع ما يسمى بمعاهدة كامب ديفيد مع مناحيم بيجين رئيس الوزارء الإسرائيلي حينئذ و هو أيضا ما فعله جورج بوش الأب في مؤتمر مدريد عام 1991 في أعقاب حرب الخليج الثانية و هو نفسه خيار كلينتون في كامب ديفيد الثانية عام 2000 عندما قام بجمع إيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي و ياسر عرفات رئيس ما يعرف بالسلطة الوطنية الفلسطينية .
الخيار الثاني : هو الإنعزال الجزئي عن مجريات أحداث الصراع اليومية و الإكتفاء بالمراقبة عن بعد و الإبقاء على مستوى معين من التصعيد و التدخل إذا تجاوز الصراع حدا معينا.
و تمثل ذلك الخيار واضحا في زمن حكم ريجان في الثمانينات و بعض الفترات في رئاسة كلينتون و هذه الأيام أثناء تولي بوش الإبن مقاليد الأمور في السياسة الأمريكية .
كما تمثل في جولات هنري كيسنجر بعد حرب اكتوبر 1973 وجولات المبعوث الأمريكي فيليب حبيب ابان الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982 و جولات باول الآن .
و لكن ما هي المحددات التي تجعل الإدارة الأمريكية تميل لأي خيار منهما ؟
بتتبع السلوك السياسي للإدارات الأمريكية المتعاقبة تبين أن هناك محددان على ضوءهما يتضح ميل الإدارة الأمريكية لإستعمال أحدهما عند تطبيق سياستها على أرض الواقع :
1. إعادة خلط الخيارات الإستراتيجية بالنسبة لأمريكا في المنطقة :
فقبل أحداث 11 سبتمبر كانت نصيحة اللجنة التي شكلها بوش لرسم خياراته الإستراتيجية و أولويات السياسة الأمريكية تدور حول ضرورة الفصل بين التوجهات الإستراتيجية الثلاث : النفط و الإرهاب و الصراع العربي الإسرائيلي لأنه لابد أن يظل كل منهم مستقلا بذاته وبعيدا عن الآخر: الخليج وما حوله ناحية وفلسطين وما حولها ناحية أخرى و الإرهاب كوجهة ثالثة لأن المزج بين الثلاثة يخلق تفاعلات تنشأ عنها شحنات خطر يصعب تقديرها.
يضاف إلى ذلك أن الفصل بين هذه النطاقات هو الضمان لإحكام السيطرة على إدارة كل واحد منهما في حدوده المعينة وفي إطار المحسوب.
أما بعد أحداث بعد 11 سبتمبر من تنامي الإتجاه داخل الإدارة الأمريكية لجعل موضوع مكافحة الإرهاب في سلم أولويات هذه الإدارة لإستعادة الهيمنة المفقودة و تنفيذ أجندات مؤجلة فقد شكلت تلك الاحداث صدمة أمنية نالت من هيبة أمريكا وشكلت إطارا عاماً لرسم السياسة الخارجية بل والداخلية واعادت رسم اولويات الادارة الامريكية الحالية.
لقد شكلت أحداث سبتمبر الماضي إطارا نظرياً وفكرياً جديداً يتم الاسترشاد به في رسم السياسية الخارجية الامريكية وبعلاقات امريكا باشخاص المجتمع الدولي، وعليه فقد قسم بوش الدول اما معنا أو ضدنا وبذلك فقد أعاد للعلاقات الدولية أطر الحرب الباردة بما تضمنته تلك التصورات من تأزيم للعلاقات الدولية وتفجير الصراعات الدولية وهيمنة ظاهرة الصراع الدولي على مظاهر التعاون في العلاقات الدولية، كما أسهمت تلك النظرة بتأجيج حده التوترات الدولية لاسيما في البؤر المشتعلة اصلاً والتي اهمها على الاطلاق بؤرة الصراع العربي الاسرائيلي.
و أسهمت هذه الأحداث كثيراً في تعظيم الدعم المقدم لاسرائيل في عدوانها ضد الشعب الفلسطيني وعلى أعلى المستويات. فعلى مستوى الرئاسة فان الرئيس الامريكي لم يتورع عن اظهار تحيزه السافر للسياسات الارهابية الصهيونية، كما انه لم يتوقف عن كيل التهم ضد الشعب الفلسطيني واصفاً أعمال المقاومة بالإرهاب ولعل ما يفسر ذلك المرارة التي منى بها من جراء أحداث سبتمبر الماضي وتعثر جهود مقاومة الارهاب في افغانستان واستئصال جذوره أما على المستوى الشعبي فأصبح الأمريكيون لا يريدون السماع بعمليات انتحارية, حتى لو كانت موجهة ضد العسكريين الإسرائيليين لأنها تذكرهم بـ11 سبتمبر .
و سربت جهات أمنية أمريكية إلى أن بن لادن قد قام بتدريب عشرات الآلاف من أنصاره، وأن هؤلاء ينتشرون في أكثر من ستين دولة! ووصف بوش هؤلاء بأنهم قتلة خطرون ينتشرون في مختلف أنحاء العالم ويمثلون قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أية لحظة. وما دام هؤلاء موجودين فإن الحرب على الارهاب لا تزال في بدايتها. وستواصل أمريكا تعقب هؤلاء الارهابيين في كل مكان في العالم.. وعلى جميع الدول أن تساعدها في هذه المهمة، وفي مقدمتها بالطبع تلك الدول التي يوجد بها الارهابيون. وأضاف مهددا: إذا لم يتحركوا فإن أمريكا ستتحرك!! و بذلك تعطي الولايات المتحدة لنفسها حرية التدخل في أكثر من ستين دولة تفترض وجود جماعات اسلامية متطرفة على أراضيها. إذا لم تقم هذه الدولة بتصفية تلك الجماعات بالطريقة التي تراها واشنطن مقنعة! وهكذا فإنه إذا لم يتحرك عرفات لتصفية حماس والجهاد فإن واشنطن ستطلق يد تل أبيب في تخريب البنية التحتية للسلطة الفلسطينية، وقتل كوادر تنظيمات المقاومة والمواطنين الأبرياء والأطفال والشيوخ على السواء.
و يأتي في هذا الإطار قول شارون أثناء زيارة باول الأخيرة للمنطقة إن إسرائيل تقوم بحملتها في اطار الحرب الأمريكية ضد الارهاب وانه يرحب بالسيد كولن باول في القدس الموحدة كعاصمة لاسرائيل، فما كان من الوزير الأمريكي الا قال مبتسما انه يتحدث كصديق مقرب لاسرائيل، ثم أطلق تصريحه مما يعني أن المخطط الأمريكي قارب مداه بالتناغم مع المخطط الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني وتجاه القدس، مسقطا بذلك ما يقال حول القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المنتظرة، بل ومسقطا ما جاء باتفاقيات أوسلو.
و ارتبط باحداث سبتمبر الماضي ادعاءات امريكا انها لا تستطيع ان تضغط على اسرائيل لوقف حربها ضد ما اسمته بالارهاب طالما ان امريكا تفعل ذلك، ولديها التزام ليس فقط بدعم الدول التي تواجه الارهاب، بل والاسهام ميدانيا في المعارك الجارية ضد الارهاب كما هو الحال في الفلبين وكشمير وفلسطين وغيرها، وبالطبع فان مسرح العمليات دائما البلاد العربية والاسلامية والاقليات المسلمة حيثما كانت، وبذلك فانه وبالرغم من معارضة العالم أجمع لما يحدث من قمع وارهاب بحق الشعب الفلسطنيي تأتي امريكا وتجد لها المبررات الكافية للاستمرار في عدوانها كما تعطيها الغطاء السياسي والدبلوماسي والمادي والعسكري اللازم لتنفيذ مخططاتها.
و اختلطت أوراق الصراع الدائر بين اليهود و المسلمين في فلسطين بأوراق النفط أيضا بعد أحداث 11 سبتمبر فالاعتماد الأميركي على النفط العربي تحول, في أذهان القادة الأميركيين, إلى معضلة قومية واستراتيجية منذ حرب تشرين الأول اكتوبر عام 1973, فبعد الحرب أعلن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون عزم إدارته على تنفيذ سياسة نفطية جديدة خلال السبعينات, بحيث تكون بلاده قد وفرت قدرات كافية لتأمين حاجاتها من النفط من دون الاعتماد على أي مصدر أجنبي. بالطبع فشل نيكسون في تحقيق هذه الغاية, كما فشل في تحقيقه كافة الرؤساء الذين جاؤوا من بعده. فلقد انشأ جيرالد فورد الاستراتيجي الاحتياطي النفطي وانشأ جيمي كارتر وزارة الطاقة,
و في عام 1991 استطاعت الإدارة الأمريكية تحت إدارة جورج بوش تأليب الرأي العام العالمي ضد العراق وأعلنت أنه يملك رابع قوة عسكرية في العالم وحشدت في مواجهته أكبر حشد عسكري بعد الحرب الكونية الثانية، كما تقول بذلك أدق مصادر المعلومات الغربية، واستخدمت تلك القوة لقهر العراق و إبعاده عن التحكم في النفط أو طرق إمداداته .
ونفذ بيل كلينتون قانون سياسة الطاقة الذي وضع في عهد سلفه جورج بوش الأب, إلا أن هذه التدابير والسياسات لم تنجح في تحقيق هدف تحرير الولايات المتحدة من الاعتماد على النفط العربي. الدليل الحاسم على هذا الفشل قدمه الرئيس الأميركي الحالي جورج بوش خلال شهر أيار مايو من العام الماضي عندما أعلن سياسة الطاقة القومية وقدم لها بقوله: الاعتماد على مصدر واحد للطاقة, خصوصاً أي مصدر أجنبي, يتركنا عرضة لتقلبات الأسعار المفاجئة, وانقطاع التموين, وفي أسوأ الأحوال للابتزاز.
ولقد أوضحت سياسة الطاقة القومية الجديدة حجم الابتزاز الذي تخشاه إدارة بوش, إذ جاء فيها إن الولايات المتحدة تستورد حالياً قرابة 53 في المائة من حاجاتها من النفط من الخارج. ولهذه المستوردات النفطية أهمية بالغة لتأمين حاجات المواصلات ولتشغيل حوالي 200 مليون سيارة وشاحنة يملكها ويستخدمها الأميركيون.
ونسبة الاعتماد على النفط العربي في تزايد مستمر نظراً لما هو معروف من تضاؤل حجم احتياط النفط في الدول العربية التي تستورد منها الولايات المتحدة نفطها. ويجدر بالذكر ان البلد العربي الذي يحتل المصدر الثاني في صادراته النفطية إلى الولايات المتحدة بعد المملكة العربية السعودية, هو العراق. وهذا يكفي, لوحده, لتفسير المخاوف الأميركية من انقطاع أو عرقلة مستورداتها النفطية من المنطقة العربية.