إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

البابا الخفي !

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • البابا الخفي !

    البابا الخفي !


    بقلم :عادل حمودة

    في جنازة البابا يوحنا بولس الثاني «كارول فويتيلا» كان الرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف واحداً من 200 شخصية رسمية تقدمت المشيعين الذين اقترب عددهم من الثلاثة ملايين نسمة، ونقلت شبكات التلفزيون صورته وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة خفيفة لا تخلو من الشعور بالانتصار.


    فلم يكن أحد يتخيل أن يمشي إسرائيلي مهما كان شأنه في جنازة الحبر الأعظم بابا الفاتيكان الذي يمثل أكثر من مليار مسيحي «كاثوليكي» ويحمل أحزان وآلام يسوع التي سببها له اليهود.


    لم يكن الرئيس الإسرائيلي متطفلاً على الجنازة ولا جاء فارضاً نفسه عليها ولكنه شارك فيها بدعوة علنية مباشرة وضعته في الصفوف الأولى بجوار حكام العالم وممثليهم، ففي 29 يوليو أعلن البابا: «أن الفاتيكان سوف تعترف بإسرائيل.. اعترافا كاملا.. وغير مشروط» وبعد نحو العامين.


    وبالتحديد في 15 يوليو وقعت الدولتان الاتفاق.. وكان ذلك الاتفاق كفيلاً بأن تحظى الدولة العبرية باعتراف40 دولة أخرى كانت تنتظر إشارة البابا وقراره ومباركته.


    لقد كان دم المسيح يقف عائقا بين إسرائيل والفاتيكان.. وهو عائق وصفه البابا الأسبق بولس السادس بأنه أصعب من عبور نهر عريض تسيطر عليه التماسيح الشرسة.. لا ينجو من أنيابها القاطعة كل من يقترب من مياهه.. وهو ما جعله لا ينطق بكلمة إسرائيل عندما زار المناطق المقدسة في فلسطين..وعندما وجد في استقباله رئيس الدولة في المطار لم يخاطبه بالجملة الدبلوماسية المعتادة: «سيادة الرئيس»®. بل خاطبه بجملة فاترة: «عزيزي فلان ».


    لكن.. في العام التالي للزيارة أصدر المجمع المقدس في الفاتيكان 117 كاردينالاً وثيقة براءة اليهود من دم المسيح «نوسترا إيتاتا »®. وإن لم تتضمن تلك الوثيقة اعترافاً بإسرائيل.. ولم تذكرها بالاسم.. بل.. تجاهلتها تماما.. وكأن لا وجود لها على أرض الواقع.. وفي خرائط الجغرافيا..وبقيت العلاقة بين الديانتين «المسيحية واليهودية» متفجرة بالشك والريبة وعدم الاطمئنان.. وفي تلك الفترة كان الفاتيكان منحازاً للفلسطينيين ويعتبر قضيتهم عادلة.. ومقاومتهم للاحتلال الصهيوني شريفة وشرعية.


    قلب أكثر من سبب تلك الأوضاع رأساً على عقب.. زيارة الرئيس أنور السادات للقدس «في 19 نوفمبر 1977»®.وجلوس يوحنا بولس الثاني على العرش الباباوي «في 16 أكتوبر 1978»®. ومسرحية كوميدية مثلها كارول فويتيلا على خشبة فرقة فنية بولندية ريفية صغيرة «في 18 أغسطس 1938 »®. وشاركه فيها رفيق طفولته وصباه اليهودي البولندي جيرزي كليجور في بلدة وودوفيسك. حيث ولدا.


    في كتابها «البابا الخفي» الذي كتبته دورسي أوبرين وحصلت على نسخة منه وأنا في روما أتابع عن قرب الجنازة تكشف أسرار تلك العلاقة بين الصديقين الصغيرين كارول فويتيلا وجيرزي كليجور الذي هاجر من بولندا إلى إيطاليا هربا من الحكم الشيوعي بعد الحرب العالمية الثانية وهزيمة النازية ليصبح رجل أعمال ثريا يتبرع بثلث أرباحه السنوية للدولة الصهيونية دون أن يفكر في الهجرة إليها والإقامة الدائمة فيها.


    كان جيرزي كليجور ممدداً على كرسي طبيب أسنان في روما عندما هب فجأة كمن لدغته عقرب. وتصور الطبيب الذي لم يكن قد بدأ عمله بعد أن زبونه يخشى الشعور بالألم.. لكن.. كان هناك سبب آخر لما فعل.. لقد شاهد في التلفزيون المعلق أمامه وهو يبث خبر اختيار صديق طفولته كارول فويتيلا ليكون على رأس الكنيسة الكاثوليكية.. فقال الطبيب وكان يهوديا أيضا ساخراً: «وما الذي يفرحك إلى هذا الحد.. هل سيعينك كاردينا لا؟!»®. ولم يلتفت الرجل للعبارة الساخرة.. ومد يده إلى التليفون القريب منه ليتصل بصديقه البابا الذي كان يسميه لوليك.


    في ذلك الوقت كان من السهل أن يتصل جيرزي كليجور بملكة بريطانيا أو بالرئيس الأميركي على أن يتصل بقداسة البابا.. لكنه.. أصر على الاتصال.. وترك للجانب الآخر على الخط اسمه وعنوانه وأرقام تليفوناته.. ولم تمر عدة ساعات حتى تلقى دعوة لزيارة البلاط البابوي. وبعد أسبوع كان ستالسلاوي ديزتيري سكرتير البابا يحدد له موعداً للمقابلة.


    كانت المرة الأولى التي يدخل فيها يهودي المجمع المسيحي المقدس للفاتيكان.. فهل كانت الصداقة القديمة هي السبب.. لقد لعبا معاً الكرة في الشارع.. ومثلا مسرحيات هزلية.. وألفا قصائد شعر متواضعة.. وعملا في المحاجر المظلمة.. وعانيا من صرامة النازية.. لكن.. هل ذلك كله يكفي لتحطيم القواعد والأصول السائدة منذ مئات السنين..


    إن هذه القواعد والأصول تسببت في خروج إنجلترا من رحمة الكنيسة الكاثوليكية قبل 450 سنة عندما قطع الملك هنري الثامن علاقته بها واعتنق البروتستانتية.. فهل لعب الكرة في عرض الطريق وإلقاء النكات على جمهور ريفي واقتسام رغيف خبز بعد يوم شاق في محجر معتم أسباب مناسبة لكسر كل الإشارات الضوئية.. والسير عكس العلامات المرورية ؟


    إن هواة نظرية المؤامرة لا يصدقون تلك الأسباب الإنسانية.. والرومانسية. ويقولون بصريح العبارة إن كارول فويتيلا أختير لمنصبه المقدس كي يلعب دوراً سياسياً إنقلابياً رسم له ضد الشيوعية وضد معاداة السامية ومع الدولة الصهيونية.. ويشيرون للطريقة الغريبة التي رحل بها سلفه ألينو لوتشاني البابا يوحنا بولس الأول الذي مات بعد 33 يوما فقط من جلوسه على عرش الفاتيكان.. وكان سبب الوفاة انسداد في الشريان التاجي.. وهو مرض أصبح علاجه أسهل من علاج البرد.


    فور لقاء البابا وصديقه اليهودي القديم التقى جيرزي كليجور بطاقم الدبلوماسيين في السفارة الإسرائيلية في روما.. وما إن جلسوا معه حتى سارعوا باستفزازه: «نحن نؤمن بأن صديقك البابا يعادي السامية» فرد عليهم غاضباً: «مستحيل.. مستحيل.. لقد تسلقنا الجبال معاً.. كيف يكون ضد السامية؟» وكان السؤال التالي متوقعاً: «إذن متى تفاتحه في مسألة الاعتراف بدولتنا؟».


    كانت الرحلة الأولى للبابا الذي حكم أكثر من 26 سنة إلى المكسيك وقد تبعتها رحلات أخرى إلى 129 دولة قطع خلالها 775231 ميلا.. وخلال تلك الرحلات التي لم يقم بها غيره من قبل أعلن: أن الكاثوليكية لا تمتلك الحقيقة الدينية كلها.. وليس من حقنا أن نوجه لوماً لديانة أخرى غير المسيحية.


    ومرة أخرى كان تفسير هواة المؤامرة أن ذلك التسامح لم يكن لوجه الله وان كان التقارب بين الكاثوليكية واليهودية تمهيداً للاعتراف بإسرائيل.. وهو اعتراف سعى اليهود إليه بضغوط هائلة وصلت إلى حد اتهام البابا بأنه لم يفعل شيئاً لحماية اليهود من الاضطهاد والقتل خلال المرحلة النازية وسكت على حمامات الدم الهولوكوست وتعاطف مع الفاشية..


    وجاءت هذه الاتهامات على لسان ناحوم جولدمان رئيس المؤتمر اليهودي العالمي.. ورد البابا عليه قائلا: «أنا ذاهب إلى بولندا لإحياء ذكرى اليهود الذين راحوا ضحية الهولوكوست».قبل السفر طلب البابا من صديق الطفولة اليهودي أن يرافقه في رحلته ليستعيدا معا ذكرياتهما القديمة. ومنها عطف والد جيرزي كليجور وكان محامياً عليه..


    فقد كان ثرياً ومهاباً وينحني الناس له وهم يمرون أمامه.. وسافر التاجر والحبر الأعظم إلى بلدهما معا.. في وقت كانت ثورة عمال نقابات التضامن برئاسة ليخ فاليسا في حاجة لدعم روحي في مواجهة الحزب الشيوعي الحاكم..وكانت الزيارة المقدسة دعماً لا يحلم به أحد.. فبعد عشر سنوات منها سقطت الإمبراطورية السوفييتية الحمراء وتهمشت وجرى تفتيتها وأصبحت تاريخاً لا يمت للواقع بصلة.


    وفور عودته إلى روما لم يتردد البابا في الاعتذار لليهود عن المعاداة المسيحية للسامية.. وفي عام 1986 أصبح أول بابا يزور كنيسة روما القديمة.. وبعد 7 سنوات اعترف بإسرائيل.. وبعد 7 سنوات أخرى زارها.. واعتبر تلك الزيارة من أعظم إنجازاته الشخصية.. ورد كبار حاخامات إسرائيل له الزيارة.. ودخلوا الفاتيكان.. وقبل رحيله.. وافق على قبول راهبة من أصل يهودي ضمن القديسات الكاثوليكيات.


    ولا ينسى اليهود صورته وهو يقف مثلهم أمام حائط المبكى وتكاد الدموع تفر من عينيه، وهو يدس رسالة إلى الرب بين حجارته لعله يغفر له وللمسيحيين ما فعلوه باليهود (!!) وكانت هذه الصورة دليلاً لا يقبل الشك على أن الوهم يمكن أن يتجاوز الحقيقة والظلم يمكن أن يصبح هو العدالة.. المهم الإصرار على ذلك.


    كاتب مصري
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X