في باريس بدلاً من دمشق يتم اختيار رؤساء للحكومات... وللجمهورية أيضاً!
جنبلاط يذكّر الشركاء المسيحيين: لستم من يختار خليفة الحريري
إبراهيم الأمين
سيكون أمراً مثيراً للسخرية أن يخرج أحد في لبنان معترضاً على ما أعلنه وليد جنبلاط صراحة من أن تسمية نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة جاءت نتيجة توافق سعودي فرنسي دولي. علماً ان ثمة من يضيف العنصر السوري ايضاً. ومرد السخرية، أن أحداً في الفريق السياسي الناشط لبنانياً، في الموالاة او في المعارضة، إلا ويعرف انه في نهاية المطاف، ليس ثمة مجال لتحقيق تسوية من هذا النوع إلا بتوفير الغطاء الخارجي. اللهم ما عدا سذّج من الذين كتبوا او قالوا أو صدّقوا بان <<انتفاضة الارز>> من شأنها منع التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية.
وإذا كان مثيراً للاهتمام أن اللبنانيين عاشوا ساعات طويلة في حيرة من أمرهم لناحية اسم الرئيس المكلف، فإن ثمة من ذهب بعيداً في تفسير ما حصل على انه انقسام داخل سوريا نفسها، والا فما معنى أن يصوّت موالون لعبد الرحيم مراد ويصوّت آخرون من الحلفاء لميقاتي كما هي حال المعارضة. علما ان الانباء الواردة من الخارج، تفيد بان مسؤول ملف لبنان في الخارجية السورية السفير وليد المعلم كان على الخط طوال الوقت، وأنه كان في صلب ما تم التفاهم عليه في الرياض وفي باريس ومع الأمم المتحدة ايضاً. خصوصاً وان المبعوث الدولي تيري رود لارسن كان قد شجع كثيرين من أقطاب المعارضة، ولا سيما وليد جنبلاط على دعم ترشيح ميقاتي. والأمر ليس له علاقة بالطائرة الخاصة التي كان ميقاتي قد وضعها في تصرّف المبعوث الدولي لتسهيل جولاته في المنطقة. بل هو انعكاس لفهم سياسي خاص، لطبيعة المرحلة الانتقالية التي تواجه لبنان الآن. حتى ان لارسن نفسه كان مهتما بان يكون هناك إجماع في جانبي المعارضة والموالاة على الفكرة. حتى ان الرئيس نبيه بري اهتم بالامر وهو سارع الى التفاعل معه ليس ربطاً بموقع ميقاتي في دمشق او في قصر المهاجرين تحديداً، بل لكونه يعرف بحنكته ودهائه ما هو المقصود من إشارات لارسن.
وفي جانب قوى المعارضة، بدت الصورة معقدة كما هي حال الموالين، والذين انقسموا بطريقة أكدت ان دمشق لم تكن مستنفرة بقوة كاملة لمصلحة الوزير عبد الرحيم مراد. وأن من صوّت من الحلفاء لميقاتي، كان يأخذ بعين الاعتبار ان الاخير هو من اقرب المقربين من الرئيس السوري بشار الاسد. وهو أمر التفت اليه معارضون من الذين قالوا أشياء كثيرة في سرّهم. بعضهم وخصوصاً في <<قرنة شهوان>> كان يحتج صارخاً على عدم إشراكه كفاية في الصفقة او التسوية، لكنه كان قد أدار محرك سيارته باتجاه بعبدا للتصويت. سيما بعد ان وفّرت بكركي التغطية المطلوبة ولو من دون شرح مسهب. ولكن ما هو مثير للمتابعة، أن فريق المعارضة تحوّل إلى شبيه كامل لفريق الموالاة: مساء يكون هناك رأي وقرار وعندما تصل كلمة السر تعيد صياغة الموقف والخطاب.. وبأسرع مما كان يفعل الآخرون من أنصار سوريا وحملة كلمة سرها لعقد ونصف!
كان اللافت أن من اعترض من نواب المعارضة كان ينطق بلسان البقية. وهذا ما فعله مصباح الأحدب او بطرس حرب او نايلة معوض. علماً أن الثلاثة يُضاف اليهم غالبية نواب السنة من الشمال قد صوّتوا معترضين على ميقاتي. ولكل أسبابه. فمنهم من يرى فيه خصماً سياسياً من الدرجة الاولى، ومنهم مَن يراه شريكاً في المسؤولية في الحقبة اللحودية، ومنهم من يراه حليفاً لخصم مثل سليمان فرنجية. لكن ذلك لم يكن كافياً لفرض الحرم الشمالي على الرئيس المكلف. ولو ان الأخير يواجه اختباراً صعباً وجديداً في بلد مثل لبنان: هل يعزف فعلياً عن خوض الانتخابات النيابية؟
وبحسب فريق كبير من المعارضين، فإن ما تمّ لم يكن هناك إمكانية لمقاومته. وهذا يعني أمراً واحداً: إن القرار جاء من سلطة لا تردّ كلمتها. وساعتها لا يهم القول بأنها من فرنسا او السعودية او الولايات المتحدة. بل المهم ان احداً من كافة قوى المعارضة لا يملك الفرصة او الحيثية التي تتيح له مقاومة هذه الوصاية الجديدة، خصوصا وان الغالبية الساحقة من قوى المعارضة تعرف تماماً انها ليست حرة في موقفها ولا هي بقادرة على القيام بأي خطوة خارج ما تقرره <<الإدارة الدولية الجديدة>> للبنان.
الامر الآخر الذي يواجه المعارضة، ولا سيما المسيحية منها على وجه التحديد، هو ان جنبلاط الذي يظهر مع الوقت انه قادر على الإمساك بأكثر من خيط في الوقت نفسه، بات يترجم بعض مخاوفه وهواجسه من حصول انقلاب سياسي بواسطة قوى محلية تعمل فقط وفق البرنامج الاميركي. وهو الذي سعى مع لارسن او مع السعودية وفرنسا للتوصّل الى التسوية الاخيرة، كان يعرف ان الامر لن يتم لولا توفر شرطين: غطاء ودعم من أميركا وسوريا على حد سواء. ولو أنه حاول تغليف ما حصل بقماشة كُتب عليها: إن اللعب عند الفرنسيين أفضل من الحضور قسراً الى الملعب الأميركي!
وما قام به جنبلاط بالاتفاق مع آل الحريري، تجاوز أمر التسوية الكفيلة بكسر الحلقة المفرغة. ليعيد تذكير اللبنانيين والمسيحيين على وجه الخصوص بأن ما حصل، لا يمكن ان يؤدي الى تبدلات كاملة في إدارة اللعبة. وان غياب الرئيس رفيق الحريري عن المسرح، لا يعني خسارة ورثته ما كان عنده من علاقات ونفوذ في الخارج. وان رئاسة الحكومة لا يزال أمر اختيارها رهن قرار الفريق المسلم، سواء أكان في المعارضة او في السلطة. وهي خطوة يُراد منها خلق أمر واقع بعدما تحولت زيارة البطريرك الماروني نصرالله صفير الى البيت الابيض، بمثابة إشعار الى مركز القرار اللبناني الجديد. وهو الامر الذي لا يتحمله لا جنبلاط ولا آل الحريري ولا الآخرون من حلفاء سوريا ايضاً.. والرسالة الأهم التي اراد جنبلاط توجيهها باسم الفريق المسلم في المعارضة، بأنه يمكن لهذا الفريق ان يكون له دوره الحاسم في اختيار الرئيس الجديد للجمهورية أيضاً.. تُرى هل راقب الجميع نشاط فارس بويز؟
جنبلاط يذكّر الشركاء المسيحيين: لستم من يختار خليفة الحريري
إبراهيم الأمين
سيكون أمراً مثيراً للسخرية أن يخرج أحد في لبنان معترضاً على ما أعلنه وليد جنبلاط صراحة من أن تسمية نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة جاءت نتيجة توافق سعودي فرنسي دولي. علماً ان ثمة من يضيف العنصر السوري ايضاً. ومرد السخرية، أن أحداً في الفريق السياسي الناشط لبنانياً، في الموالاة او في المعارضة، إلا ويعرف انه في نهاية المطاف، ليس ثمة مجال لتحقيق تسوية من هذا النوع إلا بتوفير الغطاء الخارجي. اللهم ما عدا سذّج من الذين كتبوا او قالوا أو صدّقوا بان <<انتفاضة الارز>> من شأنها منع التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية.
وإذا كان مثيراً للاهتمام أن اللبنانيين عاشوا ساعات طويلة في حيرة من أمرهم لناحية اسم الرئيس المكلف، فإن ثمة من ذهب بعيداً في تفسير ما حصل على انه انقسام داخل سوريا نفسها، والا فما معنى أن يصوّت موالون لعبد الرحيم مراد ويصوّت آخرون من الحلفاء لميقاتي كما هي حال المعارضة. علما ان الانباء الواردة من الخارج، تفيد بان مسؤول ملف لبنان في الخارجية السورية السفير وليد المعلم كان على الخط طوال الوقت، وأنه كان في صلب ما تم التفاهم عليه في الرياض وفي باريس ومع الأمم المتحدة ايضاً. خصوصاً وان المبعوث الدولي تيري رود لارسن كان قد شجع كثيرين من أقطاب المعارضة، ولا سيما وليد جنبلاط على دعم ترشيح ميقاتي. والأمر ليس له علاقة بالطائرة الخاصة التي كان ميقاتي قد وضعها في تصرّف المبعوث الدولي لتسهيل جولاته في المنطقة. بل هو انعكاس لفهم سياسي خاص، لطبيعة المرحلة الانتقالية التي تواجه لبنان الآن. حتى ان لارسن نفسه كان مهتما بان يكون هناك إجماع في جانبي المعارضة والموالاة على الفكرة. حتى ان الرئيس نبيه بري اهتم بالامر وهو سارع الى التفاعل معه ليس ربطاً بموقع ميقاتي في دمشق او في قصر المهاجرين تحديداً، بل لكونه يعرف بحنكته ودهائه ما هو المقصود من إشارات لارسن.
وفي جانب قوى المعارضة، بدت الصورة معقدة كما هي حال الموالين، والذين انقسموا بطريقة أكدت ان دمشق لم تكن مستنفرة بقوة كاملة لمصلحة الوزير عبد الرحيم مراد. وأن من صوّت من الحلفاء لميقاتي، كان يأخذ بعين الاعتبار ان الاخير هو من اقرب المقربين من الرئيس السوري بشار الاسد. وهو أمر التفت اليه معارضون من الذين قالوا أشياء كثيرة في سرّهم. بعضهم وخصوصاً في <<قرنة شهوان>> كان يحتج صارخاً على عدم إشراكه كفاية في الصفقة او التسوية، لكنه كان قد أدار محرك سيارته باتجاه بعبدا للتصويت. سيما بعد ان وفّرت بكركي التغطية المطلوبة ولو من دون شرح مسهب. ولكن ما هو مثير للمتابعة، أن فريق المعارضة تحوّل إلى شبيه كامل لفريق الموالاة: مساء يكون هناك رأي وقرار وعندما تصل كلمة السر تعيد صياغة الموقف والخطاب.. وبأسرع مما كان يفعل الآخرون من أنصار سوريا وحملة كلمة سرها لعقد ونصف!
كان اللافت أن من اعترض من نواب المعارضة كان ينطق بلسان البقية. وهذا ما فعله مصباح الأحدب او بطرس حرب او نايلة معوض. علماً أن الثلاثة يُضاف اليهم غالبية نواب السنة من الشمال قد صوّتوا معترضين على ميقاتي. ولكل أسبابه. فمنهم من يرى فيه خصماً سياسياً من الدرجة الاولى، ومنهم مَن يراه شريكاً في المسؤولية في الحقبة اللحودية، ومنهم من يراه حليفاً لخصم مثل سليمان فرنجية. لكن ذلك لم يكن كافياً لفرض الحرم الشمالي على الرئيس المكلف. ولو ان الأخير يواجه اختباراً صعباً وجديداً في بلد مثل لبنان: هل يعزف فعلياً عن خوض الانتخابات النيابية؟
وبحسب فريق كبير من المعارضين، فإن ما تمّ لم يكن هناك إمكانية لمقاومته. وهذا يعني أمراً واحداً: إن القرار جاء من سلطة لا تردّ كلمتها. وساعتها لا يهم القول بأنها من فرنسا او السعودية او الولايات المتحدة. بل المهم ان احداً من كافة قوى المعارضة لا يملك الفرصة او الحيثية التي تتيح له مقاومة هذه الوصاية الجديدة، خصوصا وان الغالبية الساحقة من قوى المعارضة تعرف تماماً انها ليست حرة في موقفها ولا هي بقادرة على القيام بأي خطوة خارج ما تقرره <<الإدارة الدولية الجديدة>> للبنان.
الامر الآخر الذي يواجه المعارضة، ولا سيما المسيحية منها على وجه التحديد، هو ان جنبلاط الذي يظهر مع الوقت انه قادر على الإمساك بأكثر من خيط في الوقت نفسه، بات يترجم بعض مخاوفه وهواجسه من حصول انقلاب سياسي بواسطة قوى محلية تعمل فقط وفق البرنامج الاميركي. وهو الذي سعى مع لارسن او مع السعودية وفرنسا للتوصّل الى التسوية الاخيرة، كان يعرف ان الامر لن يتم لولا توفر شرطين: غطاء ودعم من أميركا وسوريا على حد سواء. ولو أنه حاول تغليف ما حصل بقماشة كُتب عليها: إن اللعب عند الفرنسيين أفضل من الحضور قسراً الى الملعب الأميركي!
وما قام به جنبلاط بالاتفاق مع آل الحريري، تجاوز أمر التسوية الكفيلة بكسر الحلقة المفرغة. ليعيد تذكير اللبنانيين والمسيحيين على وجه الخصوص بأن ما حصل، لا يمكن ان يؤدي الى تبدلات كاملة في إدارة اللعبة. وان غياب الرئيس رفيق الحريري عن المسرح، لا يعني خسارة ورثته ما كان عنده من علاقات ونفوذ في الخارج. وان رئاسة الحكومة لا يزال أمر اختيارها رهن قرار الفريق المسلم، سواء أكان في المعارضة او في السلطة. وهي خطوة يُراد منها خلق أمر واقع بعدما تحولت زيارة البطريرك الماروني نصرالله صفير الى البيت الابيض، بمثابة إشعار الى مركز القرار اللبناني الجديد. وهو الامر الذي لا يتحمله لا جنبلاط ولا آل الحريري ولا الآخرون من حلفاء سوريا ايضاً.. والرسالة الأهم التي اراد جنبلاط توجيهها باسم الفريق المسلم في المعارضة، بأنه يمكن لهذا الفريق ان يكون له دوره الحاسم في اختيار الرئيس الجديد للجمهورية أيضاً.. تُرى هل راقب الجميع نشاط فارس بويز؟