بسمه تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد ، فيا أيها الإخوة المؤمنون :
في زحمة الأحداث والكوارث والمخاوف والاضطرابات والرعب المزروع هنا وهناك والخوف وضَنْكِ العيش وشظف الحياة وقسوة المعيشة ، في تلك الزحمة التي تكاد تذهب بالإنسان من جذوره ، في تلك الزحمة التي يشعر الإنسان منها بشيءٍ من الضياع ، بشيءٍ من التيه ، بكثيرٍ من الحيرة ، بشيءٍ من الضياع لا أعني القلة ولكني نكرته لزيادة احتمال كثرته ، بشدةٍ أو بكثيرٍ من الحيرة يبحث الإنسان عن مأوى لقلبه يَسْتَروِح فيه ، وعن ملاذٍ لعقله يجد فيه طمأنينة ، وعن موئلٍ لكُله من أجل أن يغادر مساحات القهر والخوف ، مساحات الذل ، مساحات الاضطراب إلى هذا المأوى علَّه يتنفس كما كان يريد أن يتنفس ، من أجل ذلك كله أحببت في هذا الأسبوع أن لا أحدثكم عن ذلك الزلزال وتلك الكارثة ، وعن الاضطراب في العراق ، وعن ما يجري في فلسطين ، وعن ما يمكن أن يحدث في بلادنا ، وعن ما كان قد جرى في السودان ، وعن ما يمكن أن يكون متوقَّعاً ، وهو خَطِر وسيء ، في الهند وباكستان ، أحببت أن لا أحدثكم عن هذا كله ، وقلت بيني وبين نفسي : هيّا فحدث الناس عن زيارة الحبيب الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، هيا حدث الناس عن هذه الزيارة التي ينوي بعضٌ منا أن يقوم بها وقد جهَّز نفسه ، ولعلَّ بعضاً آخر كان ينوي إلا أن نيته لم تتحول إلى شروع وفعل ، لذلك أتوجه بهذا الحديث عن الزيارة اللطيفة العظيمة ، عن الزيارة الحانية الرحيمة ، أتوجه إلى الذين سيذهبون وإلى الذين لم يُكتب لهم أن يذهبوا من أجل أن نعيش بعض الوقت مع هذه الزيارة آملين أن يكون الحديث عنها واحة فيحاء ، وظلاً ظليلاً نلتجئ إليها ، لأن هجير الحياة قد لَفَحنا ، ولأن هجير الكوارث والمصائب أصاب منا دواخلنا ، والمشكلة حين يصيب ما يصيب دواخلنا وأفئدتنا وقلوبنا ، فتَرانا نضطرب ، وترانا نميل ميل إنسان هزه الخوف والرعب فراح غير متوازن في حياته .
سيدي رسولَ الله صلى الله عليك وآلك وسلم ما أروع الحديث عن زيارتك من أجل أن يكون هذا الحديث راحة لنا ولقلوبنا ولعقولنا .
سيدي رسولَ الله : من كان حبيبه بعد الله غير رسوله فقد أخطأ لُبّه ، ومن كان وصاله مع غير ابن عبد الله بعد الله فقد انحاز عن الصواب قلبه . أوليس الإنسان رهين نعمة وأسير فضل ، إذاً فمن أولى بنا بعد الله غير رسوله ، ومن المتفضل علينا بعد الله أكثر من رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ﴿ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم . فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ﴾ التوبة : 138-139 ﴿ ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً ﴾ النساء : 64 فزيارته صلى الله عليه وآله وسلم سنة مُجمَعٌ عليها ، هذا القاضي عياض يقول : وزيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم من سنة المسلمين مجمع عليها ، وفضيلة مرغب فيها . ويقول ابن حجر في فتح الباري : إنها أفضل الأعمال وأجلُّ القربات الموصلة إلى ذي الجلال وإن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع . ويقول القسطلاني في مواهبه : اعلم أن زيارة قبره الشريف من أفضل القربات وأرجى الطاعات والسبيل إلى أعلى الدرجات ، ومن اعتقد غير هذا فقد انخلع من ربقة الإسلام ، وخالف الله ورسوله ، وجماعة العلماء الأعلام . وقد وردت أحاديث تشكل بمجموعها برهان سعي ودليل عمل فيه البر والخير والإحسان ، فقد روى الدار قطني وأبو يعلى والبيهقي والطبراني في الأوسط أن سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : " من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي " وروى الدار قطني والبيهقي والطبراني وابن خزيمة في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " من زار قبري وجبت له شفاعتي " انوِ الزيارة فمسجده صلى الله عليه وآله وسلم أحد المساجد التي تُشَدُّ الرحال إليها.
الحديثان اللذان ذكرناهما لا يخلوان من ضعف ، لكنها – أي الأحاديث – بمجموعها ومقرونة بالحديث الصحيح الذي يرويه البخاري ومسلم : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى " تشكل دليلاً على سنية الزيارة كما قلنا ونقلنا عن العلماء الأعلام الفقهاء رحمهم الله . أقول هذا من أجل أن ننهي الخلاف حتى لا نعود إلى ساحة الاضطراب ، من أجل أن ننهي الخلاف القائم بين فئتين من فئات المسلمين ، تقول إحدى هاتين الفئتين : إن الزيارة بحد ذاتها ، إن زيارة قبر النبي بحد ذاتها غير مشروعة ، وتقول فئة أخرى ونحن ننتمي إليها إن زيارته مشروعة . نقول للفئة التي لا تقول بمشروعية زيارة قبر النبي : إن لدينا من الأدلة ما ذكرناه من أجل أن يكفي لمشروعية الزيارة ، فإن خالفتمونا فلكم الرأي غير أننا لا نريد أن نكثر من الجدال والحديث عن هذا الأمر ، هذا رأيكم وذا رأينا ، والإسلام يتسع لرأيينا معاً ولا نريد أن يشكل هذا الأمر مساحة اختلاف تؤدي إلى نزاع ، والنزاع يؤدي إلى فشل ، والفشل يؤدي إلى هزيمة ، فكفانا هزيمة ، وكفانا ملاحقات من قبل أعدائنا كان من أسباب هذه الهزائم أننا اختلفنا ، وحوّلنا النزاع إلى فرقة ، وكانت الفرقة سبيلاً من سبل الهزيمة التي حلت بساحاتنا ، وحلت ديارنا ، وحلت دواخلنا وظواهرنا.
فإذا وصلت أخي الزائر – إن بجسمك أو بقلبك – يمكنك أن تزور إن لم تزر بجسمك وقلبك أن تزور بقلبك ، اسرح مع الخيال ، اجلس بينك وبين قلبك ، وتصور بأنك زائر هذا النبي الكريم عليه وآله الصلاة والسلام ، فإذا عاينت المدينة المنورة صل على النبي عليه وآله الصلاة والسلام وقل : اللهم هذا حرم نبيك – يا من تزور بقلبك وجسمك ، ويا من تزور بقلبك فقط ، عاين المدينة بقلبك ، وقل : اللهم هذا حرم نبيك ، فاجعله وقاية لي من النار ، وأماناً من العذاب وسوء الحساب ، ويستحب أن تغتسل وتلبس أفضل الثياب ، وتستحضر شرف المدينة :
أقبل على أعتابه متأدباً مستعطفاً متلطفاً متحبباً
متنظفاً متطهراً متطيباً ومصلياً ومسلماً تسليماً
صلى الله عليه وآله وسلم ، فإذا وصلت باب المسجد النبوي فادخله ذاكراً خاشعاً وصل ركعتين ثم ولِّ وجهك نحو الحجرة الشريفة التي فيها قبره الشريف وروضه الطاهر ، استقبل الروض والقبر ، وقف أمام النافذة الدائرية اليسرى وابتعد شيئاً قليلاً تأدباً :
واسكن هناك محاسن العبراتِ واغسل مساوي سالف الزلاتِ
واخلع ذنوبك والبس الخلعاتِ فلقد قصدت أخا الرجاء كريماً
صلوا عليه وسلموا تسليماً
سلم عليه ، سلم على النبي ، فأنت أمام روضه ، أمام قبره ، أمام هذا المكان الذي عَدَّه بعض من العلماء أشرف بقعة على الإطلاق ، أشرف بقعة في الأرض كلها ونحن مع هذا الرأي ، فالبقعة التي ضمت جسد النبي عليه وآله الصلاة والسلام هي أشرف بقعة في الكون كله ، لأن نبينا أشرف مخلوق ، فالبقعة التي ضمت أشرف مخلوق ستكون أشرف بقعة لا شك في ذلك ولا ريب . سلم عليه وقل : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا نبي الله ، السلام عليك يا صفي الله ، السلام عليك يا نبي الرحمة ، السلام عليك يا شفيع الأمة ، السلام عليك يا سيد المرسلين ، السلام عليك يا خاتم النبيين ، السلام عليك يا مزمل ، السلام عليك يا مدثر ، السلام عليك يا محمد ، السلام عليك يا أحمد ، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، جزاك الله عنا أفضل ما جزى نبياً عن قومه ، ورسولاً عن أمته ، أشهد أن لا إله الله ، وأنك رسول الله ، قد بلغت الرسالة ، وأديت الأمانة ، ونصحت الأمة ، وأوضحت الحجة ، وجاهدت في الله حق جهاده ، اللهم آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، وآته نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون ، اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد .
وإذا كان أحد أوصاك بالسلام - وأكرر يا أخي ، قل هذا وأنت متخيل إن لم تكن أمامه إن كنت زائراً بقلبك ، بل أحضك على أن تفعل هذا وأنت تتخيل الروض الشريف والقبر الشريف حتى ولو لم تزر بجسمك وقلبك – وإن كان أحد قد أوصاك بالسلام عليه فقل : السلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان ، ثم تأخر قليلاً وسلم على الصديق سيدنا أبي بكر قائلاُ : السلام عليك يا خليفة رسول الله ، السلام عليك يا صاحب رسول الله في الغار ، السلام عليك يا رفيقه في الغار ، جزاك الله أفضل ما جزى خليفة عن أمته التي استُخلف عليها ، فالسلام عليك ورحمة الله وبركاته ، ثم تنحَّ قليلاً وسلم على الفاروق عمر قائلاً : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام عليك يا فاروق فلقد نصرت الإسلام وكفلت الأيتام ووصلت الأرحام وكنت للمسلمين إماماً مَرضياً وهادياً وداعياً فجزاك الله خير الجزاء . ثم عُد إلى النبي الكريم العظيم محمد سيدي وقرة عيني وقل : يا رسول الله : نحن وفدك ، جئناك من بلادٍ واسعة شاسعة ، ونَواحٍ عديدة ، قاصدين قضاء حقك والنظر إلى مآثرك وأن نستشفع بك إلى ربنا ، فأنت الشافع المشفع الموعود بالشفاعة والمقام المحمود ، فالشفاعة الشفاعة يا رسول الله :
يا رب إني في جوارك لائذُ وبحصن عفوك من عذابك عائذُ
ولديك جاه المصطفى هو نافذ فله التجأت فلن أرى محروماً
صلوا عليه وسلموا تسليماً
امكث في المدينة . أُذكرك يا من ستزور بقلبك لا بجسمك ، ويا من ستزور بجسمك وقلبك : امكث في المدينة متخيلاً - ما المانع أن تقضي بعض الوقت متخيلاً كونك في المدينة ، أن تقضي بعض الوقت في خيالٍ تسبح فيه ، تتخيل أنك هناك في المدينةالمنورة ، بل إني لأحضك على ذلك حتى تغني تصوّرك ، وحتى يمتلئ شعورك بالخير ، بالأمانة ، بالصدق ، بالوعي ، بالفهم ، بالذوق ، لأنني أرى كثيراً من شبابنا قد طغت على تصوراتهم مناظر العهر والفجور والفسوق وتخيلات الساحات التي امتلأت فجوراً وفسوقاً ، أزل كل هذا بتصور تستحضره للمدينة المنورة ، لقبر النبي الأعظم من خلال الصلاة والسلام عليه . يا شبابنا ، يا أبناء أمتي ، يا طلابنا ، يا طالباتنا ، يا مدرسينا ، إن تصوراتنا إما أن تكون قد ملئت رعباً أو فجوراً ، أو ملئت منهما معاً ، إن تصورات أبنائنا قد حطت فيها مناظر العري والفساد ويساعد على ذلك وسائل إعلام ، تلفاز ، مجلة ، إعلانات هنا وهناك ، يصلي مَنْ يصلي من شبابنا لكن تخيلاته موزعة منتَزعة منه لصالح الفساد ، لصالح العُري والخوف ، لذلك أقول : في هذه الأيام القادمة لتكن لك أيها الشاب ، أيتها الشابة ، أيها الرجل جلسة تخيل وملء تصور من أجل أن يكون هذا التخيل بالخير ومع الخير ، مع سيد الكائنات ، مع الأماكن المقدسة ، مع الأماكن الطاهرة ، فإذا ما صلح تصورك كان ذلك دافعاً لإصلاح عملك ، لإصلاح مسيرتك ، أنت أيها الشاب الذي تمكث أمام التلفاز وترى مناظر لا تسر الفؤاد لكنها تلذذ العين التي ستفسد فيما بعد ، لكنها ستمكث في تصورك بعد ساعات تقضيها أمام فيلم لا فائدة فيه بل كل الضرر فيه ، أمام مسلسل لا نفع فيه بل كل الشر فيه ، ما الذي ستجنيه حينما تنظر حفلة إلا الفساد والضياع والخراب والدمار ، لذلك اقول : في هذه الأيام القادمة : حاول أن تحمي ساحة تصورك من فساد يتسلل إليها ، حاول أن تمنع كل شر يمكن أن يلتهم ويقتحم ساحة خيالك وذلك بملء ساحة الخيال والتصور بأشياء نافعة وها أنا قدمت لك مثالاً رائعاً عن أشياء النافعة .
امكث قليلاً في المدينة ملاحظاً جلالها وأدِّ صلواتك في المسجد النبوي ، فصلاة – هكذا قال سيدي رسول الله كما في البخاري ومسلم - : " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " وتحرَّ الصلاة في الروضة الشريفة بين القبر والمنبر ، بين البيت والمنبر ، فـ : " ما بين بيتي ومنبري روض من رياض الجنة " كما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الصحيح الذي يرويه في الصحيح الذي يرويه البخاري مسلم . تفكر في الرسالة والرسول وأنك شاهد مع الرسول عليه وآله الصلاة والسلام ، وحاول أن تكون زيارتك دافعاً لدوام الاتباع والاقتداء على أساسٍ من حب عميق ، لأنني قلت فيما سبق : إن ربنا قال لنا : ﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ﴾ الأحزاب : 21 ولم يقل قدوة ، والفرق بين القدوة والأسوة أن الأسوة تتبعها وتقتدي بها مع الحب ، وأما القدوة فيجب أن تتبعها وتقتدي بها ويمكن أن يكون ذلك من غير حب ﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ﴾ الأحزاب : 21 اتباع مع الحب ، لذلك حاول أن تكون زيارتك دافعاً لدواعي الاتباع والاقتداء على اساسٍ من حبٍ عميق ، فما أجمل التأسي على قاعدة الوداد والوفاء والحب والولاء .
وأنت في المدينة إن بقلبك وفكرك وخيالك ، وإن بجسمك مع قلبك وخيالك لا تنس أن تزور البقيع ، ما أجمل البقيع ، فيه أصحاب رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام ، فيه جيل رائد ، فيه أناس تطهروا ، فيه أناس قدموا كل ما يملكون من أجل أن يرضى ربهم عنهم ، وفوا عهد ربهم معهم ، زر البقيع ففي البقيع الزهراء ، وما أدراك ما الزهراء ؟ سيدة نساء العالمين ، بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، في البقيع الحسن ، في البقيع علي بن الحسين وجعفر ، زر وقل : السلام عليكم آل البيت ، السلام عليكم من طهركم الله تطهيراً ، السلام عليكم من أذهب عنكم الرجس ، طبتم أصلاً وفرعاً ونسباً ، السلام على أمكم الزهراء سيدة نساء الدنيا ، وعلى أبيكم فارس الهيجاء زين المؤمنين ، ورحمة الله وبركاته ، يا مكامن الأسرار يا منابع الأنوار يا قدوة الأبرار ، قل السلام عليكم أيها الصحابة الأطهار ، يا من علمتمونا كيف يكون الحب والافتداء والاقتداء ، السلام عليكم يا أصحاب رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام ، وزر شهداء أحد مبتدئاً بعم النبي حمزة رضي الله عنه وأرضاه ، وسلم عليه وعلى الشهداء معه ، على شهداء أحد ، ثم زر مسجد قباء ، وهو أول مسجد في الإسلام ، فقد روى البخاري ومسلم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأتي قباء كل سبت فيصلي فيه ركعتين " وقل في قباء : يا صريخ المستصرخين ، يا غياث المستغيثين ، يا مفرج كرب المكروبين ، يا مجيب دعوة المضطرين ، صل على محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً ، واكشف كربي وحزني ، واكشف كربنا وحزننا وقلقنا واضطرابنا وحيرتنا يا رب . لقد طغت علينا الحيرة والقلق والاضطرابات فاكشف كل ذلك يا رب كما كشفتَ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كربَه وحزنه في هذا المقام يا حَنَّان يا منان يا كثير الإحسان ، يا أرحم الراحمين .
وحينما تغادر المدينة قل : اللهم لا تجعله آخر العهد بحرم رسولك وسهل لي العودَ إلى الحرمين تسهيلاً مباركاً ، وارزقني العفو والعافية في الدنيا والآخرة وردَّنا عليه سالمين غانمين منصورين مرحومين مُكَرَّمين .
عِش دائماً متذكراً المحبين وردد بينك وبين نفسك ما قاله شاعرنا الشيخ يوسف النبهاني رحمه الله :
هجروني ولست أنكر أني لم أزل مذنباً وكلي خطاءُ
غير أني التجأت قدماً إليهم وعزيز على الكرام التجاء
وطلبت النوال منهم وظني بل يقيني أن لا يخيب الرجاءُ
ادع لوطنك ، للمسلمين ، لبلادك ، لإخوانك ، ادع أن يفرج الله عن الإنسانية جمعاء ، ادع الله أن يفرج عن كل هم ألمَّ بالإنسانية من مشرقها إلى مغربها ، فنحن – ولا نريد أن نتلكأ في قول هذا الذي أقول – نحن رحمة للعالمين ، لأن نبينا أُرسل رحمة للعالمين ، فنحن لا نفكر إذ نساعد الناس أن نميز بين إنسان وإنسان لأننا ننطوي وننضوي تحت جناح من أرسله الله رحمة للعالمين ، لكل الناس ، لكل المخلوقات . هيا فافعلوا الخير وأغنوا تصوراتكم فنريدكم هكذا معطائين في الخير كفافين عن الشر ، نريد أن نعيش الحياة بانتماء صادق لله ، وبمحبة لسيدي رسول الله ، وبوحدة مع كل دعاة الخير للإنسانية كلها ، نريد أن نتَّحد مع كل الذين يريدون الخير ، وأما الذين يريدون الشر فنسأل الله أن يجعل كيدهم في نحرهم ، وأن يسومهم العذاب ، وأن يجعل دائرة السوء عليهم ، إن ربي سميع الدعاء ، أقول هذا القول وأستغفر الله .
من خطبة الشيخ محمودعكام.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد ، فيا أيها الإخوة المؤمنون :
في زحمة الأحداث والكوارث والمخاوف والاضطرابات والرعب المزروع هنا وهناك والخوف وضَنْكِ العيش وشظف الحياة وقسوة المعيشة ، في تلك الزحمة التي تكاد تذهب بالإنسان من جذوره ، في تلك الزحمة التي يشعر الإنسان منها بشيءٍ من الضياع ، بشيءٍ من التيه ، بكثيرٍ من الحيرة ، بشيءٍ من الضياع لا أعني القلة ولكني نكرته لزيادة احتمال كثرته ، بشدةٍ أو بكثيرٍ من الحيرة يبحث الإنسان عن مأوى لقلبه يَسْتَروِح فيه ، وعن ملاذٍ لعقله يجد فيه طمأنينة ، وعن موئلٍ لكُله من أجل أن يغادر مساحات القهر والخوف ، مساحات الذل ، مساحات الاضطراب إلى هذا المأوى علَّه يتنفس كما كان يريد أن يتنفس ، من أجل ذلك كله أحببت في هذا الأسبوع أن لا أحدثكم عن ذلك الزلزال وتلك الكارثة ، وعن الاضطراب في العراق ، وعن ما يجري في فلسطين ، وعن ما يمكن أن يحدث في بلادنا ، وعن ما كان قد جرى في السودان ، وعن ما يمكن أن يكون متوقَّعاً ، وهو خَطِر وسيء ، في الهند وباكستان ، أحببت أن لا أحدثكم عن هذا كله ، وقلت بيني وبين نفسي : هيّا فحدث الناس عن زيارة الحبيب الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، هيا حدث الناس عن هذه الزيارة التي ينوي بعضٌ منا أن يقوم بها وقد جهَّز نفسه ، ولعلَّ بعضاً آخر كان ينوي إلا أن نيته لم تتحول إلى شروع وفعل ، لذلك أتوجه بهذا الحديث عن الزيارة اللطيفة العظيمة ، عن الزيارة الحانية الرحيمة ، أتوجه إلى الذين سيذهبون وإلى الذين لم يُكتب لهم أن يذهبوا من أجل أن نعيش بعض الوقت مع هذه الزيارة آملين أن يكون الحديث عنها واحة فيحاء ، وظلاً ظليلاً نلتجئ إليها ، لأن هجير الحياة قد لَفَحنا ، ولأن هجير الكوارث والمصائب أصاب منا دواخلنا ، والمشكلة حين يصيب ما يصيب دواخلنا وأفئدتنا وقلوبنا ، فتَرانا نضطرب ، وترانا نميل ميل إنسان هزه الخوف والرعب فراح غير متوازن في حياته .
سيدي رسولَ الله صلى الله عليك وآلك وسلم ما أروع الحديث عن زيارتك من أجل أن يكون هذا الحديث راحة لنا ولقلوبنا ولعقولنا .
سيدي رسولَ الله : من كان حبيبه بعد الله غير رسوله فقد أخطأ لُبّه ، ومن كان وصاله مع غير ابن عبد الله بعد الله فقد انحاز عن الصواب قلبه . أوليس الإنسان رهين نعمة وأسير فضل ، إذاً فمن أولى بنا بعد الله غير رسوله ، ومن المتفضل علينا بعد الله أكثر من رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ﴿ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم . فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ﴾ التوبة : 138-139 ﴿ ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً ﴾ النساء : 64 فزيارته صلى الله عليه وآله وسلم سنة مُجمَعٌ عليها ، هذا القاضي عياض يقول : وزيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم من سنة المسلمين مجمع عليها ، وفضيلة مرغب فيها . ويقول ابن حجر في فتح الباري : إنها أفضل الأعمال وأجلُّ القربات الموصلة إلى ذي الجلال وإن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع . ويقول القسطلاني في مواهبه : اعلم أن زيارة قبره الشريف من أفضل القربات وأرجى الطاعات والسبيل إلى أعلى الدرجات ، ومن اعتقد غير هذا فقد انخلع من ربقة الإسلام ، وخالف الله ورسوله ، وجماعة العلماء الأعلام . وقد وردت أحاديث تشكل بمجموعها برهان سعي ودليل عمل فيه البر والخير والإحسان ، فقد روى الدار قطني وأبو يعلى والبيهقي والطبراني في الأوسط أن سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : " من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي " وروى الدار قطني والبيهقي والطبراني وابن خزيمة في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " من زار قبري وجبت له شفاعتي " انوِ الزيارة فمسجده صلى الله عليه وآله وسلم أحد المساجد التي تُشَدُّ الرحال إليها.
الحديثان اللذان ذكرناهما لا يخلوان من ضعف ، لكنها – أي الأحاديث – بمجموعها ومقرونة بالحديث الصحيح الذي يرويه البخاري ومسلم : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى " تشكل دليلاً على سنية الزيارة كما قلنا ونقلنا عن العلماء الأعلام الفقهاء رحمهم الله . أقول هذا من أجل أن ننهي الخلاف حتى لا نعود إلى ساحة الاضطراب ، من أجل أن ننهي الخلاف القائم بين فئتين من فئات المسلمين ، تقول إحدى هاتين الفئتين : إن الزيارة بحد ذاتها ، إن زيارة قبر النبي بحد ذاتها غير مشروعة ، وتقول فئة أخرى ونحن ننتمي إليها إن زيارته مشروعة . نقول للفئة التي لا تقول بمشروعية زيارة قبر النبي : إن لدينا من الأدلة ما ذكرناه من أجل أن يكفي لمشروعية الزيارة ، فإن خالفتمونا فلكم الرأي غير أننا لا نريد أن نكثر من الجدال والحديث عن هذا الأمر ، هذا رأيكم وذا رأينا ، والإسلام يتسع لرأيينا معاً ولا نريد أن يشكل هذا الأمر مساحة اختلاف تؤدي إلى نزاع ، والنزاع يؤدي إلى فشل ، والفشل يؤدي إلى هزيمة ، فكفانا هزيمة ، وكفانا ملاحقات من قبل أعدائنا كان من أسباب هذه الهزائم أننا اختلفنا ، وحوّلنا النزاع إلى فرقة ، وكانت الفرقة سبيلاً من سبل الهزيمة التي حلت بساحاتنا ، وحلت ديارنا ، وحلت دواخلنا وظواهرنا.
فإذا وصلت أخي الزائر – إن بجسمك أو بقلبك – يمكنك أن تزور إن لم تزر بجسمك وقلبك أن تزور بقلبك ، اسرح مع الخيال ، اجلس بينك وبين قلبك ، وتصور بأنك زائر هذا النبي الكريم عليه وآله الصلاة والسلام ، فإذا عاينت المدينة المنورة صل على النبي عليه وآله الصلاة والسلام وقل : اللهم هذا حرم نبيك – يا من تزور بقلبك وجسمك ، ويا من تزور بقلبك فقط ، عاين المدينة بقلبك ، وقل : اللهم هذا حرم نبيك ، فاجعله وقاية لي من النار ، وأماناً من العذاب وسوء الحساب ، ويستحب أن تغتسل وتلبس أفضل الثياب ، وتستحضر شرف المدينة :
أقبل على أعتابه متأدباً مستعطفاً متلطفاً متحبباً
متنظفاً متطهراً متطيباً ومصلياً ومسلماً تسليماً
صلى الله عليه وآله وسلم ، فإذا وصلت باب المسجد النبوي فادخله ذاكراً خاشعاً وصل ركعتين ثم ولِّ وجهك نحو الحجرة الشريفة التي فيها قبره الشريف وروضه الطاهر ، استقبل الروض والقبر ، وقف أمام النافذة الدائرية اليسرى وابتعد شيئاً قليلاً تأدباً :
واسكن هناك محاسن العبراتِ واغسل مساوي سالف الزلاتِ
واخلع ذنوبك والبس الخلعاتِ فلقد قصدت أخا الرجاء كريماً
صلوا عليه وسلموا تسليماً
سلم عليه ، سلم على النبي ، فأنت أمام روضه ، أمام قبره ، أمام هذا المكان الذي عَدَّه بعض من العلماء أشرف بقعة على الإطلاق ، أشرف بقعة في الأرض كلها ونحن مع هذا الرأي ، فالبقعة التي ضمت جسد النبي عليه وآله الصلاة والسلام هي أشرف بقعة في الكون كله ، لأن نبينا أشرف مخلوق ، فالبقعة التي ضمت أشرف مخلوق ستكون أشرف بقعة لا شك في ذلك ولا ريب . سلم عليه وقل : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا نبي الله ، السلام عليك يا صفي الله ، السلام عليك يا نبي الرحمة ، السلام عليك يا شفيع الأمة ، السلام عليك يا سيد المرسلين ، السلام عليك يا خاتم النبيين ، السلام عليك يا مزمل ، السلام عليك يا مدثر ، السلام عليك يا محمد ، السلام عليك يا أحمد ، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، جزاك الله عنا أفضل ما جزى نبياً عن قومه ، ورسولاً عن أمته ، أشهد أن لا إله الله ، وأنك رسول الله ، قد بلغت الرسالة ، وأديت الأمانة ، ونصحت الأمة ، وأوضحت الحجة ، وجاهدت في الله حق جهاده ، اللهم آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، وآته نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون ، اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد .
وإذا كان أحد أوصاك بالسلام - وأكرر يا أخي ، قل هذا وأنت متخيل إن لم تكن أمامه إن كنت زائراً بقلبك ، بل أحضك على أن تفعل هذا وأنت تتخيل الروض الشريف والقبر الشريف حتى ولو لم تزر بجسمك وقلبك – وإن كان أحد قد أوصاك بالسلام عليه فقل : السلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان ، ثم تأخر قليلاً وسلم على الصديق سيدنا أبي بكر قائلاُ : السلام عليك يا خليفة رسول الله ، السلام عليك يا صاحب رسول الله في الغار ، السلام عليك يا رفيقه في الغار ، جزاك الله أفضل ما جزى خليفة عن أمته التي استُخلف عليها ، فالسلام عليك ورحمة الله وبركاته ، ثم تنحَّ قليلاً وسلم على الفاروق عمر قائلاً : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام عليك يا فاروق فلقد نصرت الإسلام وكفلت الأيتام ووصلت الأرحام وكنت للمسلمين إماماً مَرضياً وهادياً وداعياً فجزاك الله خير الجزاء . ثم عُد إلى النبي الكريم العظيم محمد سيدي وقرة عيني وقل : يا رسول الله : نحن وفدك ، جئناك من بلادٍ واسعة شاسعة ، ونَواحٍ عديدة ، قاصدين قضاء حقك والنظر إلى مآثرك وأن نستشفع بك إلى ربنا ، فأنت الشافع المشفع الموعود بالشفاعة والمقام المحمود ، فالشفاعة الشفاعة يا رسول الله :
يا رب إني في جوارك لائذُ وبحصن عفوك من عذابك عائذُ
ولديك جاه المصطفى هو نافذ فله التجأت فلن أرى محروماً
صلوا عليه وسلموا تسليماً
امكث في المدينة . أُذكرك يا من ستزور بقلبك لا بجسمك ، ويا من ستزور بجسمك وقلبك : امكث في المدينة متخيلاً - ما المانع أن تقضي بعض الوقت متخيلاً كونك في المدينة ، أن تقضي بعض الوقت في خيالٍ تسبح فيه ، تتخيل أنك هناك في المدينةالمنورة ، بل إني لأحضك على ذلك حتى تغني تصوّرك ، وحتى يمتلئ شعورك بالخير ، بالأمانة ، بالصدق ، بالوعي ، بالفهم ، بالذوق ، لأنني أرى كثيراً من شبابنا قد طغت على تصوراتهم مناظر العهر والفجور والفسوق وتخيلات الساحات التي امتلأت فجوراً وفسوقاً ، أزل كل هذا بتصور تستحضره للمدينة المنورة ، لقبر النبي الأعظم من خلال الصلاة والسلام عليه . يا شبابنا ، يا أبناء أمتي ، يا طلابنا ، يا طالباتنا ، يا مدرسينا ، إن تصوراتنا إما أن تكون قد ملئت رعباً أو فجوراً ، أو ملئت منهما معاً ، إن تصورات أبنائنا قد حطت فيها مناظر العري والفساد ويساعد على ذلك وسائل إعلام ، تلفاز ، مجلة ، إعلانات هنا وهناك ، يصلي مَنْ يصلي من شبابنا لكن تخيلاته موزعة منتَزعة منه لصالح الفساد ، لصالح العُري والخوف ، لذلك أقول : في هذه الأيام القادمة لتكن لك أيها الشاب ، أيتها الشابة ، أيها الرجل جلسة تخيل وملء تصور من أجل أن يكون هذا التخيل بالخير ومع الخير ، مع سيد الكائنات ، مع الأماكن المقدسة ، مع الأماكن الطاهرة ، فإذا ما صلح تصورك كان ذلك دافعاً لإصلاح عملك ، لإصلاح مسيرتك ، أنت أيها الشاب الذي تمكث أمام التلفاز وترى مناظر لا تسر الفؤاد لكنها تلذذ العين التي ستفسد فيما بعد ، لكنها ستمكث في تصورك بعد ساعات تقضيها أمام فيلم لا فائدة فيه بل كل الضرر فيه ، أمام مسلسل لا نفع فيه بل كل الشر فيه ، ما الذي ستجنيه حينما تنظر حفلة إلا الفساد والضياع والخراب والدمار ، لذلك اقول : في هذه الأيام القادمة : حاول أن تحمي ساحة تصورك من فساد يتسلل إليها ، حاول أن تمنع كل شر يمكن أن يلتهم ويقتحم ساحة خيالك وذلك بملء ساحة الخيال والتصور بأشياء نافعة وها أنا قدمت لك مثالاً رائعاً عن أشياء النافعة .
امكث قليلاً في المدينة ملاحظاً جلالها وأدِّ صلواتك في المسجد النبوي ، فصلاة – هكذا قال سيدي رسول الله كما في البخاري ومسلم - : " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " وتحرَّ الصلاة في الروضة الشريفة بين القبر والمنبر ، بين البيت والمنبر ، فـ : " ما بين بيتي ومنبري روض من رياض الجنة " كما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الصحيح الذي يرويه في الصحيح الذي يرويه البخاري مسلم . تفكر في الرسالة والرسول وأنك شاهد مع الرسول عليه وآله الصلاة والسلام ، وحاول أن تكون زيارتك دافعاً لدوام الاتباع والاقتداء على أساسٍ من حب عميق ، لأنني قلت فيما سبق : إن ربنا قال لنا : ﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ﴾ الأحزاب : 21 ولم يقل قدوة ، والفرق بين القدوة والأسوة أن الأسوة تتبعها وتقتدي بها مع الحب ، وأما القدوة فيجب أن تتبعها وتقتدي بها ويمكن أن يكون ذلك من غير حب ﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ﴾ الأحزاب : 21 اتباع مع الحب ، لذلك حاول أن تكون زيارتك دافعاً لدواعي الاتباع والاقتداء على اساسٍ من حبٍ عميق ، فما أجمل التأسي على قاعدة الوداد والوفاء والحب والولاء .
وأنت في المدينة إن بقلبك وفكرك وخيالك ، وإن بجسمك مع قلبك وخيالك لا تنس أن تزور البقيع ، ما أجمل البقيع ، فيه أصحاب رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام ، فيه جيل رائد ، فيه أناس تطهروا ، فيه أناس قدموا كل ما يملكون من أجل أن يرضى ربهم عنهم ، وفوا عهد ربهم معهم ، زر البقيع ففي البقيع الزهراء ، وما أدراك ما الزهراء ؟ سيدة نساء العالمين ، بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، في البقيع الحسن ، في البقيع علي بن الحسين وجعفر ، زر وقل : السلام عليكم آل البيت ، السلام عليكم من طهركم الله تطهيراً ، السلام عليكم من أذهب عنكم الرجس ، طبتم أصلاً وفرعاً ونسباً ، السلام على أمكم الزهراء سيدة نساء الدنيا ، وعلى أبيكم فارس الهيجاء زين المؤمنين ، ورحمة الله وبركاته ، يا مكامن الأسرار يا منابع الأنوار يا قدوة الأبرار ، قل السلام عليكم أيها الصحابة الأطهار ، يا من علمتمونا كيف يكون الحب والافتداء والاقتداء ، السلام عليكم يا أصحاب رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام ، وزر شهداء أحد مبتدئاً بعم النبي حمزة رضي الله عنه وأرضاه ، وسلم عليه وعلى الشهداء معه ، على شهداء أحد ، ثم زر مسجد قباء ، وهو أول مسجد في الإسلام ، فقد روى البخاري ومسلم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأتي قباء كل سبت فيصلي فيه ركعتين " وقل في قباء : يا صريخ المستصرخين ، يا غياث المستغيثين ، يا مفرج كرب المكروبين ، يا مجيب دعوة المضطرين ، صل على محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً ، واكشف كربي وحزني ، واكشف كربنا وحزننا وقلقنا واضطرابنا وحيرتنا يا رب . لقد طغت علينا الحيرة والقلق والاضطرابات فاكشف كل ذلك يا رب كما كشفتَ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كربَه وحزنه في هذا المقام يا حَنَّان يا منان يا كثير الإحسان ، يا أرحم الراحمين .
وحينما تغادر المدينة قل : اللهم لا تجعله آخر العهد بحرم رسولك وسهل لي العودَ إلى الحرمين تسهيلاً مباركاً ، وارزقني العفو والعافية في الدنيا والآخرة وردَّنا عليه سالمين غانمين منصورين مرحومين مُكَرَّمين .
عِش دائماً متذكراً المحبين وردد بينك وبين نفسك ما قاله شاعرنا الشيخ يوسف النبهاني رحمه الله :
هجروني ولست أنكر أني لم أزل مذنباً وكلي خطاءُ
غير أني التجأت قدماً إليهم وعزيز على الكرام التجاء
وطلبت النوال منهم وظني بل يقيني أن لا يخيب الرجاءُ
ادع لوطنك ، للمسلمين ، لبلادك ، لإخوانك ، ادع أن يفرج الله عن الإنسانية جمعاء ، ادع الله أن يفرج عن كل هم ألمَّ بالإنسانية من مشرقها إلى مغربها ، فنحن – ولا نريد أن نتلكأ في قول هذا الذي أقول – نحن رحمة للعالمين ، لأن نبينا أُرسل رحمة للعالمين ، فنحن لا نفكر إذ نساعد الناس أن نميز بين إنسان وإنسان لأننا ننطوي وننضوي تحت جناح من أرسله الله رحمة للعالمين ، لكل الناس ، لكل المخلوقات . هيا فافعلوا الخير وأغنوا تصوراتكم فنريدكم هكذا معطائين في الخير كفافين عن الشر ، نريد أن نعيش الحياة بانتماء صادق لله ، وبمحبة لسيدي رسول الله ، وبوحدة مع كل دعاة الخير للإنسانية كلها ، نريد أن نتَّحد مع كل الذين يريدون الخير ، وأما الذين يريدون الشر فنسأل الله أن يجعل كيدهم في نحرهم ، وأن يسومهم العذاب ، وأن يجعل دائرة السوء عليهم ، إن ربي سميع الدعاء ، أقول هذا القول وأستغفر الله .
من خطبة الشيخ محمودعكام.
تعليق