احتجاج سلمان الفارسي - رضوان الله عليه
على عمر بن الخطاب في
جواب كتاب كتبه إليه ، كان حين هو عامله على المدائن بعد حذيفة بن اليمان
بسم الله الرحمن الرحيم
من سلمان مولى رسول الله ص
إلى عمر بن الخطاب
أما بعد
فإنه قد أتاني منك كتاب يا عمر ، تؤنبني فيه وتعيّرني وتذكر فيه
أنك بعثتني أميراً على أهل المدائن ، وأمرتني أن أقصّ أثر حذيفة
وأستقصي أيام أعماله وسيره ، ثم أُعلمك قبيحها وحسنها
وقد نهاني الله عن ذلك يا عمر ، في محكم كتابه ، حيث قال
يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا
تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا
فكرهتموه واتقوا الله
وما كنت لأعصي الله في أثر حذيفة وأطيعك
وأما ما ذكرت أني أقبلت على سفّ (أي نسج ) الخوص وأكل الشعير
فما هما مما يُعيّر به مؤمن ويُؤنّب عليه ، وأيم الله يا عمر !.. لأكل
الشعير وسفّ ا لخوص والاستغناء به عن ريع المطعم والمشرب ، وعن
غصب مؤمن حقه ، وادعاء ما ليس له بحق ، أفضل وأحبّ إلى الله عزّ
وجلّ وأقرب للتقوى ، ولقد رأيت رسول الله (ص) إذا أصاب الشعير
أكله وفرح به ولم يسخط ، وأما ما ذكرت من عطائي فإني قدّمته ليوم
فاقتي وحاجتي . . وربّ العزّة يا عمر !. ما أُبالي إذا جاز طعامي
لهواتي وساغ لي في حلقي ، أُلبَاب البُرّ ومخّ المعز كان أو خشارة ( أي
بقيّة المائدة ) الشعير
وأما قولك
إني أضعفت سلطان الله وأوهنته ، وأذللت نفسي وامتهنتها حتى جهل
أهل المدائن أمارتي ، فاتخذوني جسراً يمشون فوقي ، ويحملون عليّ
ثقل حمولتهم ، وزعمت أنّ ذلك مما يوهن سلطان الله ويذلّه ، فاعلم أنّ
التذلّل في طاعة الله أحبّ إليّ من التعزّز في معصية الله ، وقد علمتَ أنّ
رسول الله (ص) يتألف الناس ويتقرّب منهم ، ويتقرّبون منه في نبوته
وسلطانه ، حتى كأنّه في الدنو منهم ، وقد كان يأكل الجشب ويلبس
الخشن ، وكان الناس عنده قرشيهم وعربيهم وأبيضهم وأسودهم سواءً
في الدين
فأشهدُ أني سمعته يقول
" من وليَ سبعة من المسلمين بعدي ثم لم يعدل فيهم ، لقي الله وهو عليه غضبان "
فليتني يا عمر أسلم من أمارة المدائن مع ما ذكرتَ أني ذلّلت نفسي
وامتهنتها ، فكيف يا عمر حال من وليَ الأمة بعد رسول الله (ص) ؟
!.. وإني سمعت الله يقول
تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فسادا
والعاقبة للمتقين
اعلم أني لم أتوجه - أسوسهم وأُقيم حدود الله فيهم - إلا بإرشاد دليل
ٍعالم ٍ، فنهجت فيهم بنهجه ، وسرت فيهم بسيرته
الاحتجاج ص71
تعليق