أعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم
توكلت على الله رب العالمين
وصلى الله على خير خلقه محمد والها أجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
في هذه الخطبة أحب أن اذكر لكم بعض ما نقلت من أحاديث وروايات عن حسن الخلق، ويمكننا أن نفسره بكيفية التعامل مع الآخرين سواء في ذلك العدو أو الصديق، فانك إن أردت هداية العدو أو كسبه فلا يكون إلا بالأخلاق الحسنه وان أردت هلاكه ليأسك من استمالته للحق فهذا أيضا لا يستدعي غلظة الخلق وقبحه، وأما الصديق فلا بد من معاملته بما يستحق من حسن الخلق، حيث انك وحسب المفروض لم تتخذه صديقا إلا لكونه حسن الخلق وهذا يستدعي معاملته بالمثل، والا كانت الطامة الكبرى.
إذا نستنتج من ذلك كله إن عليك معاملة الناس اجمع بالأخلاق الحسنه التي لا يشوبها أي شك ولا ريب، وطبعا هذا يعم كل الأوقات والأزمان أو بتعبير آخر في الشدة والرخاء، حتى لو كنت في حرب مع كل الأطراف يجب أن تتعامل بما يمليه عليك الدين الحنيف وليس الزجر والنتر كما يعبرون.
وليس هذا فقط بل إن حسن الخلق يعم كل أعضاء الجسد، اقصد أن تعاملك مع الناس يجب أن يكون باللسان الطيب والتصرفات الجسدية التي لا تجلب الشك والريبة، فقبل أن تتصرف أي تصرف عليك أن تحسب له ألف حساب لكي تكون من المتورعين الذين لا يقدمون على الأمر إلا وهم متيقنون بان هذا العمل يرضي الله جل جلاله ورسوله (صلوات الله عليه وأهل بيته سلام الله عليهم أجمعين ).
وحسن الخلق يمكن أن يكون حجة على الغير فانك إن عاملته بأحسن الخلق ألزمته الحجة ولا حجة له عليك على الإطلاق، والا كنت من النادمين، وهذا يعم حتى على من ظلمك، فان المهم كل المهم أن تتيقن بأنه يجب أن تتطبق هذه ألمقوله وهي: ((كن مظلوما ولا تكن ظالما ))، فانك لو تعديت على ظالمك قد تتحول من المظلوم إلى الظالم من حيث تعلم أو من حيث لا تعلم وسيضيع حقك من بين يديك ولا من معين لك ولا ناصر حتى الله سبحانه وتعالى، عموما تذكر انه من صفعك على خدك الأيمن فقدم له الأيسر، هذا واذكر بقوله تعالى:-( فقولا له قولا لينا لعلهم يتذكر أو يخشى) ( طه 44) طبعا الضمير عائد على نبي الله موسى وأخيه هارون (عليهما السلام)، أي قولا لفرعون قولا لينا، وهو ما قد يستدعي تذكيره أو خشيته من الله، والا فانتم قد ألقيتم الحجة عليه ولم تخطئا فتكونا ظالمين وحاشاهما، فان كان فرعون قد يستجيب بالقول اللين فما بال غيره. وان قلت انه لم يستجب قلنا انهما لم يستعملا إلا الخلق الحسن حتى بعد غرقه.
عموما سأنقل بعض مما نقل في الأحاديث والروايات، منها: انه لا ورع ينفع من تجنب محارم الله، والكف عن أذى المؤمن، ولا عيش اهنأ من حسن الخلق، ولا مال انفع من القنوع، ولا جهل اضر من العجب، وعن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) انه قال: إنكم لن تسعوا بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم، وقال صلوات الله عليه وعلى اله أيضا: ما يوضع في ميزان المرء يوم ألقيامه أفضل من حسن الخلق وكذلك: أكثر ما تلج به أمتي ألجنه تقوى الله وحسن الخلق. ويااخوتي ليست هذه الكلمات للسماع فقط بل للتطبيق وما هي صادرة مني بل هي من الله ورسوله وأهل بيته فاني انقل لكم الآيات والأحاديث والروايات وما هي بالخطبة الاستدلالية التي يصعب عليكم فهمها أو ما شابه ذلك، ولستم ممن يقول ماذا قال آنفا فاني أجلكم عن مثل ذلك، ولا تقولوا إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقتضي قبح الخلق وتدنيه ومعاملته الآخرين بالغضب والضرب والكلام البذيء وغيرها من الأمور المشاعة في مجتمعنا، فو الله هذا هو الباطل بعينه، ومراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مرتب ترتيبا فقهيا معينا، وليس منها ما تفعلون، بل إن حتى ألمرتبه الاخيره منها، لاتسدعي شيئا مما قلنا اقصد إن المراد منها إصلاح الفرد لا جعله ينفر، فلو كانت أي من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير مؤثرة أو أنها تنتج أمرا عكسيا حرمت ولا يجوز فعلها على الإطلاق.
وهذا ما ينتج من تصرفات البعض في زماننا هذا، كما اسمع وارى فان البعض يحسبون إنهم يحسنون صنعا والبعض الآخر يريد تشويها لسمعة الحق وأهل الحق، فلم يكن يوما من الأيام التعدي على الآخرين أمر مستحبا، والا أي انه إذا كان مستحبا فلم تجزع إذا تعدي عليك، بل انك تدان كما تدين الآخرين، وهذا ما الله يريده أكيدا، فلعل الله يعاقبك في الدنيا قبل الآخرة.
عموما نحن لا نريد تذكر ما سبق من ذنوب ولا نريد نسيانها أيضا فهي قد خطت في اللوح المحفوظ وإنا لله وإنا إليه راجعون، وإذا شاء الله عاقبك عليها وان شاء غفر، لكن المهم هو تدارك ما فعلت وأوله الندم وبعدها التوبة النصوح، أي إن تعاهد الله بينك وبين نفسك أن لا تعود لمثل هذه الأمور القبيحة بعد الآن، والا فان التوبة مرة بعد مرة والتي يتخللها ألاثم والعدوان والرجوع إلى الذنب قد يقتضي الانتقام الم تسمع قوله تعالى: ( عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام ) ( المائدة: من الايه 95 ).
فلذا فان أي فرد منا. قد أخطئ بحق أخيه المسلم أيا كان فعليه إبراء ألذمه بالتحلل منه كما يعبرون، والذهاب إليه وإرضاءه، وان كان الحق معنويا فيراضيه معنويا ويعتذر منه بأي صورة ترضيه وترضي الله قبل ذلك، ومن لم يتقبل ذلك فحاول مرارا، إلى أن يخشع قلبه وان كان الحق ماديا، فعليك بالمسارع لتأديته والا قد يكون من الكبائر والعياذ بالله كالسرقة والكذب والظلم وغيرها من الأمور، ومن يطبق ذلك اقصد الاعتذار وطي صفحة الماضي لفتح باب جديد مع الجميع فأهلا به كفرد من أتباع حوزة رسول الله صلى الله عليه واله وحوزة أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين وحوزة المراجع الناطقين بالحق.

بهم وبنا ويأتي بقوم آخرين يحبهم ويحبونه أذله على المؤمنين أعزه على الكافرين, ألم تسمع قوله تعالى في محكم كتابه العزيز: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذله على المؤمنين أعزه على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ) (المائدة:54)
هذا وفي نهاية المطاف أقول اللهم اشهد. أني قد بلغت اللهم أشهد أني قد بلغت, لكن يا ربي أن الكثير من أهل الدنيا محبين للدنيا ومبغضين للآخرة, فأنها – أي الدنيا – قد أعمت أبصارهم وقست قلوبهم فهي كالحجارة أو اشد قسوة وان من الحجارة لما يتفجر منها الأنهار, ولكن قلوبهم لا تؤثر فيها معاول الأيمان ولا انهار الحق ولا شمس الحقيقة.

(( سورة التوحيد ))


مقتدى الصدر