التحقيق في نفي التّحريف
عن القرآن الشريف
http://www.rafed.net/books/olom-qura...ref/index.html
بقلم
السيّد علي الحسيني الميلاني
انتشارات الشريف الرّضي
الفصل الأول
كلمات أعلام الشيعة في نفي التحريف
--------------------------------------------------------------------------------
( 14 )
--------------------------------------------------------------------------------
( 15 )
من الواضح أنّه لا يجوز إسناد عقيدة أو قول إلى طائفة من الطوائف إلاّ على ضوء كلمات أكابر علماء تلك الطائفة ، وبالإعتماد على مصادرها المعتبرة .
ولقد تعرض علماء الشيعة منذ القرن الثالث إلى يومنا الحاضر لموضوع نفي التحريف في كتبهم في عدة من العلوم ، ففي كتب الإعتقادات يتطرقون إليه حيثما يذكرون الإعتقاد في القران الكريم ، وفي كتب الحديث حيث يعالجون الأحاديث الموهمة للتحريف بالنظر في أسانيدها ومداليلها ، وفي بحوث الصلاة من كتب الفقه في أحكام القراءة ، وفي مسألة وجوب قراءة سورة كاملة من القرآن في الصلاة بعد قراءة سورة الحمد ، وغيرها من المسائل ، وفي كتب اصول الفقه حيث يبحثون عن حجّيّة ظواهر الفاظ الكتاب .
وهم في جميع هذه المواضع ينصّون على عدم نقصان القرآن الكريم ، وفيهم من يصرح بأنّ من نسب إلى الشيعة أنّهم يقولون بأنّ القرآن أكثر من هذا الموجود بين الدفّتين فهو كاذب ، وفيهم من يقول بأنّ عليه إجماع علماء الشيعة بل المسلمين ، وفيهم من يستدلّ على النفي بوجوه من الكتاب والسنّة وغيرهما ، بل لقد أفرد بعضهم هذا المواضع بتأليف خاص .
وعلى الجملة ، فإنّ الشيعة الإمامية تعتقد بعدم تحريف القرآن ، وأنّ الكتاب الموجود بين أيدينا هو جميع ما أنزله الله عزّ وجلّ على نبيّنا محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم من دون أيّ زيادة أو نقصان .
هذه عقيدة الشيعة في ماضيهم وحاضرهم ، كما جاء التصريح به في كلمات
--------------------------------------------------------------------------------
( 16 )
كبار علمائها ومشاهير مؤلفيها ، منذ أكثر من ألف عام حتى العصر الأخير .
* يقول الشيخ محمد بن علي بن بابويه القمي ، الملقّب بالصدوق ـ المتوفّى سنة 381 ـ : « إعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله على نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس باكثر من ذلك ، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشر سورة ، وعندنا أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة ، ولإيلاف وألم تر كيف سورة واحدة . ومن نسب إلينا أنا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب . وما روي ـ من ثواب قراءة كلّ سورة من القرآن ، وثواب من ختم القرآن كلّه ، وجواز قراءة سورتين في ركعة والنهي عن القران بين سورتين في ركعة فريضة ـ تصديق لما في قلناه في أمر القرآن ، وأن مبلغه ما في أيدي الناس . وكذلك ما روي من النهي عن قراءة القرآن كله في ليلة واحدة ، وأنه لا يجوز أن يختم القرآن في أقل من ثلاثة أيام تصديق لما قلناه أيضاً .
بل تقول : إنه قدر نزل من الوحي الذي ليس من القرآن ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه مقدار سبع عشرة ألف آية ، وذلك مثل ... كلّه وحي ليس بقرآن ، ولو كان قرآناً لكان مقروناً به وموصولاً إليه غير مفصول عنه كما قال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام لمّا جمعه ، فلما جاء به فقال لهم : هذه كتاب الله ربكم كما أنزل على نبيكم لم يزد فيه حرف ولم ينقص منه حرف فقالوا : لا حاجة لنا فيه ، عندنا مثل الذي عندك ، فانصرف وهو يقول : فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون . وقال الصادق عليه السلام : القرآن واحد ، نزل من عند واحد ، على نبي واحد ، وإنما الإختلاف من جهة الرواة ... » (1) .
____________
(1) رسالة الإعتقادات ، المطبوعة مع شرح الباب الحادي عشر ص 93 .
--------------------------------------------------------------------------------
( 17 )
* ويقول الشيخ محمد بن محمد بن النعمان ، الملقّب بالمفيد ، البغدادي ـ المتوفّى سنة 413 ـ : « وقد قال جماعة من أهل الإمامة : إنه لم ينقص من كلمة ، ولا من آية ، ولا من سورة ، ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السّلام من تأويله ، وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتاً منزلاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز .
وعندي أنّ هذا القول أشبه من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل ، وإليه أميل ، والله أسأل توفيقه للصواب » (1) .
* ويقول الشريف المرتضى على بن الحسين الموسوي ، الملقّب بعلم الهدى ـ المتوفّى سنة 436 ـ : « إنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبدان ، والحوادث الكبار ، والوقائع الوقائع العظام ، والكتب المشهورة ، واشعار العرب المسطورة ، فإنّ العناية اشتدّت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته ، وبلغت إلى حدّ لم يبلغه في ما ذكرناه ، لأنّ القرآن معجزة النبوّة ، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينيّة ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية ، حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد ؟! » .
وقال : « إنّ العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته ، وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورةً من الكتب المصنّفة ككتابي سيبويه والمزني ، فإنّ أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمونه من جملتها ، حتى لو أنّ مدخلاً أدخل في كتاب سيبويه باباً في النحو ليس من الكتاب لعرف وميزّ ، وعلم أنّه ملحق وليس في أصل الكتاب ، وكذلك القول في كتاب المزني ، ومعلوم
____________
(1) أوائل المقالات في المذاهب المختارات : 55 ـ 56 .
--------------------------------------------------------------------------------
( 18 )
أن العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء » .
وقال : « إنّ القرآن كان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مجموعاً مؤلّفاً على ما هو عليه الآن ... » .
« واستدلّ على ذلك بأنّ القرآن كان يدرّس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان ، حتى عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له ، وأنّه كان يعرض على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ويتلى عليه ، وأنّ جماعة من الصحابة مثل عبدالله بن مسعود واُبيّ بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عدّة ختمات .
كل ذلك يدلّ بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتورٍ ولا مبثوت » .
« وذكر أنّ من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتدّ بخلافهم ، فإنّ الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث ، نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا بصحّتها ، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته » (1) .
ولقد عرف واشتهر هذا الرأي عن الشريف المرتضى حتى ذكر ذلك عنه كبار علماء أهل السنّة ، وأضافوا أنّه كان يكفّر من قال بتحريف القرآن ، فقد نقل ابن حجر العسقلاني عن ابن حزم قوله فيه : « كان من كبار المعتزلة الدعاة ، وكان إمامياً ، لكنّه يكفّر من زعم أنّ القرآن بدّل أو زيد فيه ، أو نقص منه ، وكذا كان صاحباه أبو القاسم الرازي أبو يعلى الطوسي » (2) .
____________
(1) نقل هذا في مجمع البيان 1 : 15 ، عن المسائل الطرابلسيات للسيد المرتضى .
(2) لسان الميزان 4 : 224 ، ولا يخفى ما فيه الخلط والغلط .
--------------------------------------------------------------------------------
( 19 )
* ويقول الشيخ محمد بن الحسن أبو جعفر الطوسي ، الملقّب بشيخ الطائفة ـ المتوفّى سنة 460 ـ في مقدّمة تفسيره : «والمقصود من هذا الكتاب علم معانيه وفنون أغراضه ، وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق به أيضاً ، لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى ـ رحمة الله تعالى ـ وهو الظاهر من الروايات .
غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصّة والعامّة بنقصان كثير من آي القرآن ، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً ، والأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها لأنّه يمكن تأويلها ، ولو صحّت لما كان ذلك طعناً على ما هو موجود بين الدفّتين ، فإنّ ذلك معلوم صحّته لا يعترضه أحد من الامّة ولا يدفعه » (1) .
* ويقول الشيخ الفضل بن الحسن أبو علي الطبرسي ، الملقّب بامين الإسلام ـ المتوفّى سنة 548 ـ ما نصّة : « ... ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ، فإنّه لا يليق بالتفسير ، فأمّا الزيادة فمجمع على بطلانها ، وأمّا النقصان منه فقه روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة : إنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً ...
والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه ، وهو الذي نصره المرتضى ـ قدّس الله روحه ـ واستوفي الكلام فيه غاية الإستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات » (2) .
____________
(1) التبيان في تفسير القرآن 1 : 3 .
(2) مجمع البيان 1 : 15 .
--------------------------------------------------------------------------------
عن القرآن الشريف
http://www.rafed.net/books/olom-qura...ref/index.html
بقلم
السيّد علي الحسيني الميلاني
انتشارات الشريف الرّضي
الفصل الأول
كلمات أعلام الشيعة في نفي التحريف
--------------------------------------------------------------------------------
( 14 )
--------------------------------------------------------------------------------
( 15 )
من الواضح أنّه لا يجوز إسناد عقيدة أو قول إلى طائفة من الطوائف إلاّ على ضوء كلمات أكابر علماء تلك الطائفة ، وبالإعتماد على مصادرها المعتبرة .
ولقد تعرض علماء الشيعة منذ القرن الثالث إلى يومنا الحاضر لموضوع نفي التحريف في كتبهم في عدة من العلوم ، ففي كتب الإعتقادات يتطرقون إليه حيثما يذكرون الإعتقاد في القران الكريم ، وفي كتب الحديث حيث يعالجون الأحاديث الموهمة للتحريف بالنظر في أسانيدها ومداليلها ، وفي بحوث الصلاة من كتب الفقه في أحكام القراءة ، وفي مسألة وجوب قراءة سورة كاملة من القرآن في الصلاة بعد قراءة سورة الحمد ، وغيرها من المسائل ، وفي كتب اصول الفقه حيث يبحثون عن حجّيّة ظواهر الفاظ الكتاب .
وهم في جميع هذه المواضع ينصّون على عدم نقصان القرآن الكريم ، وفيهم من يصرح بأنّ من نسب إلى الشيعة أنّهم يقولون بأنّ القرآن أكثر من هذا الموجود بين الدفّتين فهو كاذب ، وفيهم من يقول بأنّ عليه إجماع علماء الشيعة بل المسلمين ، وفيهم من يستدلّ على النفي بوجوه من الكتاب والسنّة وغيرهما ، بل لقد أفرد بعضهم هذا المواضع بتأليف خاص .
وعلى الجملة ، فإنّ الشيعة الإمامية تعتقد بعدم تحريف القرآن ، وأنّ الكتاب الموجود بين أيدينا هو جميع ما أنزله الله عزّ وجلّ على نبيّنا محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم من دون أيّ زيادة أو نقصان .
هذه عقيدة الشيعة في ماضيهم وحاضرهم ، كما جاء التصريح به في كلمات
--------------------------------------------------------------------------------
( 16 )
كبار علمائها ومشاهير مؤلفيها ، منذ أكثر من ألف عام حتى العصر الأخير .
* يقول الشيخ محمد بن علي بن بابويه القمي ، الملقّب بالصدوق ـ المتوفّى سنة 381 ـ : « إعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله على نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس باكثر من ذلك ، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشر سورة ، وعندنا أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة ، ولإيلاف وألم تر كيف سورة واحدة . ومن نسب إلينا أنا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب . وما روي ـ من ثواب قراءة كلّ سورة من القرآن ، وثواب من ختم القرآن كلّه ، وجواز قراءة سورتين في ركعة والنهي عن القران بين سورتين في ركعة فريضة ـ تصديق لما في قلناه في أمر القرآن ، وأن مبلغه ما في أيدي الناس . وكذلك ما روي من النهي عن قراءة القرآن كله في ليلة واحدة ، وأنه لا يجوز أن يختم القرآن في أقل من ثلاثة أيام تصديق لما قلناه أيضاً .
بل تقول : إنه قدر نزل من الوحي الذي ليس من القرآن ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه مقدار سبع عشرة ألف آية ، وذلك مثل ... كلّه وحي ليس بقرآن ، ولو كان قرآناً لكان مقروناً به وموصولاً إليه غير مفصول عنه كما قال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام لمّا جمعه ، فلما جاء به فقال لهم : هذه كتاب الله ربكم كما أنزل على نبيكم لم يزد فيه حرف ولم ينقص منه حرف فقالوا : لا حاجة لنا فيه ، عندنا مثل الذي عندك ، فانصرف وهو يقول : فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون . وقال الصادق عليه السلام : القرآن واحد ، نزل من عند واحد ، على نبي واحد ، وإنما الإختلاف من جهة الرواة ... » (1) .
____________
(1) رسالة الإعتقادات ، المطبوعة مع شرح الباب الحادي عشر ص 93 .
--------------------------------------------------------------------------------
( 17 )
* ويقول الشيخ محمد بن محمد بن النعمان ، الملقّب بالمفيد ، البغدادي ـ المتوفّى سنة 413 ـ : « وقد قال جماعة من أهل الإمامة : إنه لم ينقص من كلمة ، ولا من آية ، ولا من سورة ، ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السّلام من تأويله ، وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتاً منزلاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز .
وعندي أنّ هذا القول أشبه من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل ، وإليه أميل ، والله أسأل توفيقه للصواب » (1) .
* ويقول الشريف المرتضى على بن الحسين الموسوي ، الملقّب بعلم الهدى ـ المتوفّى سنة 436 ـ : « إنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبدان ، والحوادث الكبار ، والوقائع الوقائع العظام ، والكتب المشهورة ، واشعار العرب المسطورة ، فإنّ العناية اشتدّت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته ، وبلغت إلى حدّ لم يبلغه في ما ذكرناه ، لأنّ القرآن معجزة النبوّة ، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينيّة ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية ، حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد ؟! » .
وقال : « إنّ العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته ، وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورةً من الكتب المصنّفة ككتابي سيبويه والمزني ، فإنّ أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمونه من جملتها ، حتى لو أنّ مدخلاً أدخل في كتاب سيبويه باباً في النحو ليس من الكتاب لعرف وميزّ ، وعلم أنّه ملحق وليس في أصل الكتاب ، وكذلك القول في كتاب المزني ، ومعلوم
____________
(1) أوائل المقالات في المذاهب المختارات : 55 ـ 56 .
--------------------------------------------------------------------------------
( 18 )
أن العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء » .
وقال : « إنّ القرآن كان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مجموعاً مؤلّفاً على ما هو عليه الآن ... » .
« واستدلّ على ذلك بأنّ القرآن كان يدرّس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان ، حتى عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له ، وأنّه كان يعرض على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ويتلى عليه ، وأنّ جماعة من الصحابة مثل عبدالله بن مسعود واُبيّ بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عدّة ختمات .
كل ذلك يدلّ بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتورٍ ولا مبثوت » .
« وذكر أنّ من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتدّ بخلافهم ، فإنّ الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث ، نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا بصحّتها ، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته » (1) .
ولقد عرف واشتهر هذا الرأي عن الشريف المرتضى حتى ذكر ذلك عنه كبار علماء أهل السنّة ، وأضافوا أنّه كان يكفّر من قال بتحريف القرآن ، فقد نقل ابن حجر العسقلاني عن ابن حزم قوله فيه : « كان من كبار المعتزلة الدعاة ، وكان إمامياً ، لكنّه يكفّر من زعم أنّ القرآن بدّل أو زيد فيه ، أو نقص منه ، وكذا كان صاحباه أبو القاسم الرازي أبو يعلى الطوسي » (2) .
____________
(1) نقل هذا في مجمع البيان 1 : 15 ، عن المسائل الطرابلسيات للسيد المرتضى .
(2) لسان الميزان 4 : 224 ، ولا يخفى ما فيه الخلط والغلط .
--------------------------------------------------------------------------------
( 19 )
* ويقول الشيخ محمد بن الحسن أبو جعفر الطوسي ، الملقّب بشيخ الطائفة ـ المتوفّى سنة 460 ـ في مقدّمة تفسيره : «والمقصود من هذا الكتاب علم معانيه وفنون أغراضه ، وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق به أيضاً ، لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى ـ رحمة الله تعالى ـ وهو الظاهر من الروايات .
غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصّة والعامّة بنقصان كثير من آي القرآن ، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً ، والأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها لأنّه يمكن تأويلها ، ولو صحّت لما كان ذلك طعناً على ما هو موجود بين الدفّتين ، فإنّ ذلك معلوم صحّته لا يعترضه أحد من الامّة ولا يدفعه » (1) .
* ويقول الشيخ الفضل بن الحسن أبو علي الطبرسي ، الملقّب بامين الإسلام ـ المتوفّى سنة 548 ـ ما نصّة : « ... ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ، فإنّه لا يليق بالتفسير ، فأمّا الزيادة فمجمع على بطلانها ، وأمّا النقصان منه فقه روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة : إنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً ...
والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه ، وهو الذي نصره المرتضى ـ قدّس الله روحه ـ واستوفي الكلام فيه غاية الإستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات » (2) .
____________
(1) التبيان في تفسير القرآن 1 : 3 .
(2) مجمع البيان 1 : 15 .
--------------------------------------------------------------------------------
تعليق