جنبلاط يقود تحالفاً يختار الحكومة والرئاسة ويرسم السياسة الخارجية للبنان
14 آذار اختفى.. وعود على بدء في الحروب الطائفية.. انتخابياً!
إبراهيم الأمين
هل هي 92 مقلوبة؟
قد لا يكون السؤال معبرا بدقة عما يجري الآن سياسيا. باعتبار أن خلطة التحالفات السياسية والانتخابية قائمة بصورة لا تتصل أبدا بالصورة التي قامت عليها الحركة السياسية خلال الشهرين الماضيين. وليس هناك ما يشير إلى إمكانية التوافق الجدي بين القوى ذات النفوذ الاستثنائي، بقدر ما هو تسويات جارية يوما بيوم. وهي تقود إلى أرضية سياسية من نوع مختلف. وهو ما يثير القلق بين أوساط سياسية تعتبر نفسها المنتصر الأكبر بالتطورات التي حصلت مؤخرا ولا سيما إنجاز الانسحاب السوري كاملا في مدة زمنية قصيرة.
ببساطة، تناقش القوى كافة حقيقة ما حصل خلال الأسبوع المنصرم، وما حقيقة التسويات التي أدت إلى التوافق الذي أنتج تمديد ولاية المجلس لعشرين يوما وبقاء القانون العام ألفين. والاستنتاج الأول الذي يخشى كثيرون تفسيره بوضوح، هو ان أساس الصيغة الحالية هو نفسه أساس الصيغة السياسية التي قامت في العام 1992 والتي شملت قوى: حزب الله وحركة أمل في الشيعة، ووليد جنبلاط في الدروز والرئيس رفيق الحريري في السنة ولو بواسطة بدلاء في حينه، كانت رافعة الوضع السياسي الذي أنتج سلطة كان الخاسر فيها أطراف المعارضة المسيحية الأساسية، وهي التيار الوطني الحر قبل تشكله كإطار، والقوات اللبنانية قبل حلها ومجموعات كبيرة من القوى الصغيرة والشخصيات التي عادت وتجمعت لاحقا مع آخرين في لقاء <<قرنة شهوان>> او في لقاءات المعارضة الموسعة.
ومعنى ذلك، ان التبدل على مستوى الاحجام او على مستوى الحضور السياسي والمناطقي لكل من القوى البارزة في الطائفة الاسلامية، لم يكن سببا حائلا دون اعادة تركيب هذا التحالف لاسباب لا تتصل فقط بوضعية المجلس النيابي المقبل، بل بمستقبل التركيبة السياسية المقبلة. واذا كان لوليد جنبلاط دوره المميز في تركيب هذه التسوية من جديد، فان اللافت للانتباه كان في التجاوب الكبير من جانب تيار الرئيس الحريري من جهة، واستعداد عملي من جانب حزب الله وامل للدخول في تركيبة لها بالنسبة لهما ابعادها المتنوعة من جهة ثانية.
لكن الفريق السياسي هذا، كان يعرف منذ اللحظة الاولى، انه من غير الممكن قيادة تحول من هذا النوع، كما ان تجاوز الكثير من <<علامات 14 آذار وعناوينه>> ما كان ليتم من دون توفير غطاء إقليمي ودولي له. وهذا ما يفسر التغطية الجدية التي توفرت من عواصم عربية واقليمية ودولية لهذه التسوية، وهو الغطاء الذي قام أصلا يوم تم الاتفاق على تسمية الرئيس نجيب مقياتي لتشكيل الحكومة الجديدة. ويبدو أن في الولايات المتحدة من يحتاج إلى إنجاز الانتخابات فورا، وفي سوريا من يحتاج إلى كسر حلقة الضغوط القائمة ما يتطلب منها المساعدة على تسهيل هذه الخطوة، وفي إيران من يبحث عن <<تنفيسة>> للاحتقان الداخلي والخارجي القائم على خلفية ما يجري في لبنان، وفي فرنسا من يحتاج إلى تركيبة له فيها الحضور المستقبلي وفي الأمم المتحدة من يحتاج الى حاضنة تمنح المنظمة الدولية دورا أضافيا في مرحلة ما بعد الانسحاب السوري وما بعد التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الحريري. وأدى تقاطع المصالح بين كل هذه القوى إلى ما نحن أمامه اليوم.
واستمرار هذا التحالف <<القانوني>> لجهة إقرار الصيغة التي مرت في مجلس النواب أمس الأول، يفتح الباب عمليا إلى تحالف <<انتخابي>> سوف يقوم بين الأطراف الأربعة في بيروت وجبل لبنان والبقاع والجنوب. وإذا ما سارت الأمور بحسب ما هو متوقع، فان هذا التحالف قد يفتح الباب أيضا إلى تحالف <<سياسي>> في مرحلة ما بعد الانتخاب. وهو بيت القصيد، وهو ما يعرفه بالضبط أقطاب المعارضة الآخرون. عدا عن أن هذه الخطوة يمكن أن تأخذ بعين الاعتبار تنازلات غير قليلة من خلال أضعاف تمثيل قوى قيل دائما أن حصتها في المجلس <<منفوخة>> وهي تشمل أحزابا وقوى مثل القوميين والبعثيين وشخصيات من حلفاء سوريا المقربين أو الذين كانوا يعتبرون من <<حصة دمشق>> في المجلس أو في الحكومة. وذلك لأجل استعمال بعض مقاعدهم سواء لأجل ما يفترضونه <<تحسين النسل>> أو للمقايضة مع أقطاب في المعارضة المسيحية ومع مرجعيات بارزة في الوسط المسيحي.
وعدا عن ان جنبلاط يذكر رفاقه من المعارضة المسيحية بان زمن ارجحية المسلمين على الحكم لا يزال قائما، ومثلما قال لهم بان تسمية ميقاتي تقول بان المسلمين هم من يختار خليفة رفيق الحريري، فهو يقول ما سبق ان رفضوه منه قبل اسابيع عندما دعا الى انتخابات رئاسية مبكرة. وان المجلس المقبل، سوف يقول بحماية المقاومة بصورة كاملة سياسيا ودستوريا وخلاف ذلك، وان المجلس المقبل سوف يثبت الارجحية الاسلامية في تركيب الحكومات، واكثر من ذلك، فان هذه الغالبية النيابية التي سوف تحملها نتائح هذه التحالفات الانتخابية والسياسية تكون قادرة على اختيار رئيس الجمهورية المقبل، سواء من خلال انتخابات مبكرة، او من خلال انتخابات رئاسية في موعدها الدستوري، علما ان هذا الفريق لن يختار رئيسا من خارج النادي المسيحي الذي يتمتع بتمثيل، وربما يتم الامر من خلال معادلة جديدة: المسيحيون يرشحون والمسلمون يختارون. وهو الامر الذي يتصل ايضا برسم السياسة الخارجية للبنان في المرحلة المقبلة.
ويبدو من محصلة اولية لنتائج مرتقبة للانتخابات اذا جرت على اساس قانون الالفين (بالمناسبة فقد سمي هذا القانون في حينه بقانون جميل السيد وكان محل احتجاج من قوى اختلفت يومها وعادت وتحالفت اليوم)، ان الصورة قاتمة لجهة التوزع السياسي للقوى نيابيا، اذ أن <<امل>> و<<حزب الله>> سوف يسيطران على دوائر الجنوب كافة، وتحالفهما مع الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار <<المستقبل>> سوف يسيطر على مقاعد البقاع الغربي وبعلبك الهرمل، ويتحول هؤلاء الى صوت مرجح في دائرة زحلة. كذلك الحال في الشوف وفي عالية وبعبدا عدا عن بيروت وعكار وقسم كبير من مقاعد طرابلس. وهذا يعني أنه بمقدور هذا التجمع أن يمد يد التحالف إلى مسيحيين من فئات معينة، كما بمقدوره ترك الدوائر الأخرى فريسة تنهشها خلافات بين حشد المرشحين من قوى المعارضة، لا سيما في دوائر جبل لبنان المسيحي الثلاث.
وعليه، فان التحذير الذي اطلقه نسيب لحود في مداخلته في الجلسة النيابية ولو بصوت خافت، يشبه حالة الحذر الشديد الموجودة لدى التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وقسم غير قليل من قوى ونواب المعارضة.. ما يفتح الباب امام اسئلة من نوع قديم جديد: هل هناك من عاد الى فكرة مقاطعة الانتخابات، وان كانت هذه المرة بوجه الوصاية الدولية والجديدة وليس بمواجهة سوريا؟
قد يكون صعبا على سمع ومرأى معارضين كثر انه بعد كل الذي حصل ثمة بين الاعلاميين من يستشهد برأي او قول لناصر قنديل، ومع ذلك، فهو قدم صورة معبرة عن لوحة الامس بالقول: في مجلس الوزراء يختلف <<حزب الله>> لاول مرة مع الرئيس اميل لحود على هوية طائفة المدير العام للامن العام. وفي مجلس النواب تكون الصورة اقسى، حيث يتحالف مسيحيو المعارضة مع مسيحي الموالاة ضد قانون الالفين، فيصبح بطرس حرب وسليمان فرنجية في مركب واحد، ويتحالف مسلمو المعارضة مع مسلمي الموالاة مع قانون الألفين: اذا كنا امام اشتباك اسلامي مسيحي فمعنى ذلك انه تخبز بالعافية.. وقمح!.
14 آذار اختفى.. وعود على بدء في الحروب الطائفية.. انتخابياً!
إبراهيم الأمين
هل هي 92 مقلوبة؟
قد لا يكون السؤال معبرا بدقة عما يجري الآن سياسيا. باعتبار أن خلطة التحالفات السياسية والانتخابية قائمة بصورة لا تتصل أبدا بالصورة التي قامت عليها الحركة السياسية خلال الشهرين الماضيين. وليس هناك ما يشير إلى إمكانية التوافق الجدي بين القوى ذات النفوذ الاستثنائي، بقدر ما هو تسويات جارية يوما بيوم. وهي تقود إلى أرضية سياسية من نوع مختلف. وهو ما يثير القلق بين أوساط سياسية تعتبر نفسها المنتصر الأكبر بالتطورات التي حصلت مؤخرا ولا سيما إنجاز الانسحاب السوري كاملا في مدة زمنية قصيرة.
ببساطة، تناقش القوى كافة حقيقة ما حصل خلال الأسبوع المنصرم، وما حقيقة التسويات التي أدت إلى التوافق الذي أنتج تمديد ولاية المجلس لعشرين يوما وبقاء القانون العام ألفين. والاستنتاج الأول الذي يخشى كثيرون تفسيره بوضوح، هو ان أساس الصيغة الحالية هو نفسه أساس الصيغة السياسية التي قامت في العام 1992 والتي شملت قوى: حزب الله وحركة أمل في الشيعة، ووليد جنبلاط في الدروز والرئيس رفيق الحريري في السنة ولو بواسطة بدلاء في حينه، كانت رافعة الوضع السياسي الذي أنتج سلطة كان الخاسر فيها أطراف المعارضة المسيحية الأساسية، وهي التيار الوطني الحر قبل تشكله كإطار، والقوات اللبنانية قبل حلها ومجموعات كبيرة من القوى الصغيرة والشخصيات التي عادت وتجمعت لاحقا مع آخرين في لقاء <<قرنة شهوان>> او في لقاءات المعارضة الموسعة.
ومعنى ذلك، ان التبدل على مستوى الاحجام او على مستوى الحضور السياسي والمناطقي لكل من القوى البارزة في الطائفة الاسلامية، لم يكن سببا حائلا دون اعادة تركيب هذا التحالف لاسباب لا تتصل فقط بوضعية المجلس النيابي المقبل، بل بمستقبل التركيبة السياسية المقبلة. واذا كان لوليد جنبلاط دوره المميز في تركيب هذه التسوية من جديد، فان اللافت للانتباه كان في التجاوب الكبير من جانب تيار الرئيس الحريري من جهة، واستعداد عملي من جانب حزب الله وامل للدخول في تركيبة لها بالنسبة لهما ابعادها المتنوعة من جهة ثانية.
لكن الفريق السياسي هذا، كان يعرف منذ اللحظة الاولى، انه من غير الممكن قيادة تحول من هذا النوع، كما ان تجاوز الكثير من <<علامات 14 آذار وعناوينه>> ما كان ليتم من دون توفير غطاء إقليمي ودولي له. وهذا ما يفسر التغطية الجدية التي توفرت من عواصم عربية واقليمية ودولية لهذه التسوية، وهو الغطاء الذي قام أصلا يوم تم الاتفاق على تسمية الرئيس نجيب مقياتي لتشكيل الحكومة الجديدة. ويبدو أن في الولايات المتحدة من يحتاج إلى إنجاز الانتخابات فورا، وفي سوريا من يحتاج إلى كسر حلقة الضغوط القائمة ما يتطلب منها المساعدة على تسهيل هذه الخطوة، وفي إيران من يبحث عن <<تنفيسة>> للاحتقان الداخلي والخارجي القائم على خلفية ما يجري في لبنان، وفي فرنسا من يحتاج إلى تركيبة له فيها الحضور المستقبلي وفي الأمم المتحدة من يحتاج الى حاضنة تمنح المنظمة الدولية دورا أضافيا في مرحلة ما بعد الانسحاب السوري وما بعد التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الحريري. وأدى تقاطع المصالح بين كل هذه القوى إلى ما نحن أمامه اليوم.
واستمرار هذا التحالف <<القانوني>> لجهة إقرار الصيغة التي مرت في مجلس النواب أمس الأول، يفتح الباب عمليا إلى تحالف <<انتخابي>> سوف يقوم بين الأطراف الأربعة في بيروت وجبل لبنان والبقاع والجنوب. وإذا ما سارت الأمور بحسب ما هو متوقع، فان هذا التحالف قد يفتح الباب أيضا إلى تحالف <<سياسي>> في مرحلة ما بعد الانتخاب. وهو بيت القصيد، وهو ما يعرفه بالضبط أقطاب المعارضة الآخرون. عدا عن أن هذه الخطوة يمكن أن تأخذ بعين الاعتبار تنازلات غير قليلة من خلال أضعاف تمثيل قوى قيل دائما أن حصتها في المجلس <<منفوخة>> وهي تشمل أحزابا وقوى مثل القوميين والبعثيين وشخصيات من حلفاء سوريا المقربين أو الذين كانوا يعتبرون من <<حصة دمشق>> في المجلس أو في الحكومة. وذلك لأجل استعمال بعض مقاعدهم سواء لأجل ما يفترضونه <<تحسين النسل>> أو للمقايضة مع أقطاب في المعارضة المسيحية ومع مرجعيات بارزة في الوسط المسيحي.
وعدا عن ان جنبلاط يذكر رفاقه من المعارضة المسيحية بان زمن ارجحية المسلمين على الحكم لا يزال قائما، ومثلما قال لهم بان تسمية ميقاتي تقول بان المسلمين هم من يختار خليفة رفيق الحريري، فهو يقول ما سبق ان رفضوه منه قبل اسابيع عندما دعا الى انتخابات رئاسية مبكرة. وان المجلس المقبل، سوف يقول بحماية المقاومة بصورة كاملة سياسيا ودستوريا وخلاف ذلك، وان المجلس المقبل سوف يثبت الارجحية الاسلامية في تركيب الحكومات، واكثر من ذلك، فان هذه الغالبية النيابية التي سوف تحملها نتائح هذه التحالفات الانتخابية والسياسية تكون قادرة على اختيار رئيس الجمهورية المقبل، سواء من خلال انتخابات مبكرة، او من خلال انتخابات رئاسية في موعدها الدستوري، علما ان هذا الفريق لن يختار رئيسا من خارج النادي المسيحي الذي يتمتع بتمثيل، وربما يتم الامر من خلال معادلة جديدة: المسيحيون يرشحون والمسلمون يختارون. وهو الامر الذي يتصل ايضا برسم السياسة الخارجية للبنان في المرحلة المقبلة.
ويبدو من محصلة اولية لنتائج مرتقبة للانتخابات اذا جرت على اساس قانون الالفين (بالمناسبة فقد سمي هذا القانون في حينه بقانون جميل السيد وكان محل احتجاج من قوى اختلفت يومها وعادت وتحالفت اليوم)، ان الصورة قاتمة لجهة التوزع السياسي للقوى نيابيا، اذ أن <<امل>> و<<حزب الله>> سوف يسيطران على دوائر الجنوب كافة، وتحالفهما مع الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار <<المستقبل>> سوف يسيطر على مقاعد البقاع الغربي وبعلبك الهرمل، ويتحول هؤلاء الى صوت مرجح في دائرة زحلة. كذلك الحال في الشوف وفي عالية وبعبدا عدا عن بيروت وعكار وقسم كبير من مقاعد طرابلس. وهذا يعني أنه بمقدور هذا التجمع أن يمد يد التحالف إلى مسيحيين من فئات معينة، كما بمقدوره ترك الدوائر الأخرى فريسة تنهشها خلافات بين حشد المرشحين من قوى المعارضة، لا سيما في دوائر جبل لبنان المسيحي الثلاث.
وعليه، فان التحذير الذي اطلقه نسيب لحود في مداخلته في الجلسة النيابية ولو بصوت خافت، يشبه حالة الحذر الشديد الموجودة لدى التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وقسم غير قليل من قوى ونواب المعارضة.. ما يفتح الباب امام اسئلة من نوع قديم جديد: هل هناك من عاد الى فكرة مقاطعة الانتخابات، وان كانت هذه المرة بوجه الوصاية الدولية والجديدة وليس بمواجهة سوريا؟
قد يكون صعبا على سمع ومرأى معارضين كثر انه بعد كل الذي حصل ثمة بين الاعلاميين من يستشهد برأي او قول لناصر قنديل، ومع ذلك، فهو قدم صورة معبرة عن لوحة الامس بالقول: في مجلس الوزراء يختلف <<حزب الله>> لاول مرة مع الرئيس اميل لحود على هوية طائفة المدير العام للامن العام. وفي مجلس النواب تكون الصورة اقسى، حيث يتحالف مسيحيو المعارضة مع مسيحي الموالاة ضد قانون الالفين، فيصبح بطرس حرب وسليمان فرنجية في مركب واحد، ويتحالف مسلمو المعارضة مع مسلمي الموالاة مع قانون الألفين: اذا كنا امام اشتباك اسلامي مسيحي فمعنى ذلك انه تخبز بالعافية.. وقمح!.