بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وأهلك أعدائهم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، عليه نتوكل وعنده مفاتح القلوب، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المظلومين المكرمين الهداة المهديين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى لقاء يوم الدين.
قال الله الحكيم في كتابه العزيز:
﴿ إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين(33) ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم (34) إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم (35) فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم (36) فتقبلها ربها بقبول حسن، وأنبتها نباتاً حسناً وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب (37) هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء(38)﴾ صدق الله العظيم.
مسألة المرأة ودورها في الأسرة وفي المجتمع مسألة توجهنا إليها في عصرنا هذا أكثر من قبل، خصوصاً بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران طرحت هذه المسألة بأبعاد كبيرة وموسعة وأيضاً، وبعد انتصارات حزب الله على عدوه في لبنان كثرت الأسئلة حول مسألة المرأة ودورها من جهة نظر الإسلام ومن جهة نظر القرآن . الغفلة عن هذه المسألة تؤدي الخسارات، لأنّ الكثير من شعوب العالم المتعطشة لمعرفة وجهة نظر الإسلام بالنسبة لهذه المسألة ، تكليفنا ومسؤوليتنا ووظيفتنا اليوم معرفة هذه المسألة بشكل معمق وعلى مستوى عال، هذه الآيات التي أوردناها بداية تتضمن مجموعة نقاط حول مسؤولية المرأة من وجهة نظر القرآن.
يفهم من هذه الآيات عدة نقاط:
النقطة الأولى: أن التربية مسؤولية المرأة لا تبدأ فقط من لحظة ولادة الطفل ، ومن ظن وزعم أن مسؤوليتها تبدأ بعد ذلك فهو مخطيء.
الطفل الذي يولد ليس خالياً من كل شيء ليس كالشريط يمكنك أن تسجل عليه كل شيء تريده، الطفل كالبذرة، كالحبة، كالنوى الذي له استعداد خاص يريد أن يتربى في المسلك الذي استوجب استعداده ، و في الطريق الذي دعاه إليه باطنه وظروفه التي في داخله ، لا ننتظر مثلاً من حب التفاح أن تعطينا فاكهة أخرى، هذا "زعم الذين كفروا" إن استعدادات الطفل تتحقق قبل الولادة بل من حين انعقاد النطفة، بعض خصوصيات أبيه وبعض خصوصيات أمه تتشكل وتتركب فتنتج نطفة ، إن استعدادات النطفة ليست أمراً خارجاً عن استعدادات الوالد والوالدة فلا بد أن تبدأ تربية الجيل وتربية الولد قبل الولادة.
القرآن الكريم يقول: ﴿ والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً ﴾ الأعراف[58] يشبه الإنسان بالأرض ،يعني هذه الأرض لها استعداد خاص حينما ينزل عليها المطر ينمو استعدادها سواء كان ذلك المطر في حديقة أو صحراء.
ترجمة شعر فارسي : المطر الذي كان لطيفاً جداً حينما ينزل على الأرض يربى الورود والنباتات في الحديقة، والشوك في الصحراء.
﴿ والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً*رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً"﴾ الأعراف[58_59]
هذا الذي يعلمنا إياه القرآن الكريم، وهذا الذي ثبت اليوم في العلوم الصحية وقوانين الوراثة فيما يتعلق بالكروموزومات … وغيرها من المسائل التي يتحدث عنها القرآن الكريم منذ قرون .
نعم أيتها الأخوات، مسألة صيرورة الإنسان والدة أو والداً ليست شيئاً بسيطاً، للأسف الشديد البعض يعتقد أن كل إنسان إذا بلغ سناً خاصاً لا بد له أن يتزوج أي شخص وكيفما اتفق! وبعد شهور أوسنوات ينجبان الأولاد، نعتقد أن هذه هي وظيفتهم وانتهى الأمر . والبعض من المثقفين يعتقدون لزوم برمجة الولادة ليكون الطفل ذكراً أو أنثى. ليس هذا منطق القرآن، منطق القرآن أنكم قبل الزواج عليكم أن تبرمجوا من هو هذا الشخص الذي تختارونه ، ذُكر في التاريخ أن لإمامنا موسى بن جعفر سلام الله عليهما ثمانية عشر ابنة لم تتزوج أي منهن لأنهن ما وجدن كفواً مناسباً لهن، يعنى لا بد أن يتزوج المؤمن من المؤمنة ، والمؤمنة من المؤمن، لينجبوا أولاداً صالحين ، ولكن للأسف نرى الآن أن الوالدة أو الوالد يضغطان على أولادهما ليتزوجوا بسرعة كأن مسؤوليتهما أن يزوجوا أولادهما فقط.
إن تصميم تربية النسل يبدأ من قبل الزواج، وبعده لا بد من وجود برنامج يسبق ولادة الطفل.
النبي صلى الله عليه وآله وسلم صام أربعين يوماً قبل أن تنعقد نطفة الصديقة الطاهرة .
بعض شبابنا في إيران عملوا هكذا والله سبحانه وتعالى رزقهم أولاداًً معنويين إلهيين لا يحتاجون إلى تذكير بالصلاة خصوصاً لصلاة الفجر بل يقومون بأنفسهم يتشوّقون للصلاة ويجدون في أنفسهم حالات معنوية . هناك فرق بين التحميل والتربية، نحن نحمّل على أولادنا أخلاقاً وصفات ولا نربيهم . التربية تعني إظهار ما في ضمير الطفل، وإخراج استعداداته من القوة إلى الفعل (الفعلية) ، فلا بد قبل مرحلة التربية أن يجعلوا في باطنه استعدادات صحيحة وجميلة ولطيفة ثم بعد الولادة يخرجون تلك الاستعدادات تدريجياً من القوة إلى الفعل، ولكن من لم يهيء استعداداً مناسباً للطفل ، أيُّ شيء يريد أن يخرج بعد الولادة ؟ قد يهيء خبثاً ﴿ والذي خبث لا يخرج إلا نكداً ﴾، ومن ثم يُخرج نكداً فلا بد قبل هذه المرحلة أن يزرع الوالد والوالدة بذرة الإستعدادات العالية والجميلة واللطيفة في باطن الطفل ثم إن شاء الله يحصدون حصاداً كاملاً وكبيراً، هذا يحتاج إلى برنامج، فالمرأة التي لا تنسجم مع زوجها كيف يمكنها أن تصمم وتبرمج كل هذا ؟ كما ترون ترجع هذه المسألة إلى مرحلة ما قبل الزواج، لذلك لا تستعجلوا في هذه المرحلة أبداً.
من النقاط التي توجد في هذه الآية أيضاً برنامج امرأة عمران قبل ولادة مولودها ﴿ رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً"﴾ يعني برمجت مستقبل الطفل الذي في بطنها وهي لا تعلم أنه ذكر أو أنثى لا بد لنا أن نطرح هذه المسائل القرآنية في العالم كله، لا في دائرة صغيرة، كما قال إمامنا الراحل في وصيته رضوان الله عليه : " نحن نفتخر بالقرآن لأنه يعلمنا حياة طيبة وعيشةً حيويةً".
هناك بحث بين المثقفين حول مسألة تحديد النسل في إيران، هذه المسألة طرحت منذ خمسة عشر سنة، وقال بعض أطبائنا أنه لا بد من إجراء عملية جراحية للرجل والمرأة حتى يتحدد النسل يعني في الواقع قطع النسل ، ويصرون أن هذه المسألة مباحة في الشرع. والحال أن الإسلام قبل أن يؤكد على عدد النفوس، يؤكد ويركز على تربية النسل، فإن كنتم تستطيعون تربية أولاد صالحين فليكونوا مئة وإلا فتربية ولدٌ واحد كثيرٌ عليكم .
نحن نحتاج _كما في رواياتنا_ إلى شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وإلى كل من يخطو خطوة ويسير في مسلك سيد الأوصياء (عليه السلام) ولهذا قال رسول الله (صلّى الله عليه و آله) : " أنا أفتخر بأولاد أمتي ولو بالسقط " " وإني أباهي بكم الأمم ولو بالسقط" .
لابد أن نتعلم كيف نستفيد من الآيات ونفهم المطالب والمعارف والمفاهيم والمضامين الواردة فيها. هل كان قول امرأة عمران فقط للولد الذي تنجبه أم للأجيال؟
كيف نفهم هذه المسألة من الآية؟ هل تدبرتم الآيات؟ ﴿ وإني أعيذها بك وذريتها﴾ الله أكبر من هذا الفكر الرفيع والرأي المنيع ﴿رفع سمكها فسواها﴾النازعات[28]، لا يقصد السماء فقط بل سقف سماء ذهننا لا بد أن يكون مرتفعاً إن هذه المرأة الكريمة لها همة عالية .
وغير هذه الآيات، توجد آيات في سورة البقرة : قوله تعالى: ﴿ وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي﴾البقرة[124]، يعني يصمم للمستقبل . ﴿ رب إني أسكنت ذريتي بواد غير ذي زرع﴾إبراهيم[37] يعني دائماً يفكر بذريته وكيف يتعامل معهم ﴿ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل﴾ البقرة[127] يعني كلاهما يرفعان القواعد جانب من هذه القواعد على عاتق الولد اسماعيل وجانب آخر على عاتق الوالد ابراهيم ﴿ربنا تقبل منا﴾ يعني الدعاء خلال العمل وليس بعده يعني إذا كنتِ تعملين في الأسرة وتشعربن حينها بالسآمة والانزعاج، ادعي الله تعالى خلال هذا العمل وليس بعده ﴿ وإذ يرفع لإبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا﴾ لاحظوا أن الله سبحانه وتعالى لا يتم الجملة يعني يتبين دعاءه خلال العمل.
النقطة الثانية : نتوجه كثيراً في تربية الأولاد إلى طعامهم وإلى شرابهم ويمكن أن نعبر بأننا نتوجه إلى جسد الطفل وحاجاته المادية أكثر مما نتوجه إلى حاجاته المعنوية والروحية، والقرآن يؤكد على العكس، يعني في بداية ولادة هذا الطفل وقبل أن يشرب الحليب مثلاً تقول زوجة عمران﴿ وإني سميتها مريم وإني أعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم﴾.هذه المسألة مسألة روحية يعني قبل أن تتوجه إلى الحاجات المادية توجهت إلى الحاجات الروحية فالمرأة الحامل تحتاج إلى المعنويات التي تكتسبها من خلال صلاة الليل، والطفل الذي في بطنها هو أحوج إلى هذه المعنويات وعندما تواظب المرأة على طعامها وشرابها لا يحصل خلل في نمو الطفل، ولكنها لا تلتفت إلى أن ما في بطنها أحوج إلى صلاة ليلها، يعني لا بد أن تتوجه إلى تحصيل المسائل الروحية قبل المسائل الجسدية المادية.
النقطة الثالثة: يُستفاد من الآيات، أن بعض النساء أوبعض الرجال يحبون أن يقضي الله سبحانه وتعالى بعض حوائجهم هذا واضح ولكي يصلوا إلى حاجاتهم في بعض الأحيان ينذرون النذور. وقد لا تتحقق حاجاتهم بعد النذور مما يؤثر على عقائدهم فيظنون بالله ظن السوء، وهناك نماذج من هذا النوع موجودة فعلاً.
إن امرأة عمران تخيلت أن ولدها ذكراً فلما وضعت "قالت رب إني وضعتها أنثى" أي على خلاف ما ظنت لكن ماذا عملت ؟ لم تتراجع بل وعرفت موقعها وموقفها، زمانها، وعصرها وظروفها وأخذت قراراً مناسباً للظروف. المؤمن هكذا بعد أن يواجه أمراً مخالفاً لما يتوقعه لا ييأس بل يعمل للتصحيح والخروج بالقرار المناسب لظروفه، نحن نعيش في دار بلاء محفوف بالمخاطر، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) "الدهر يومان يوم لك ويوم عليك إذا أتى يوم عليك فاصبر" اعرف وافهم الظروف الجديدة.
والعجيب أن امرأة عمران بعد أن عرفت أن ولدها ليس ذكراً بل أنثى مضافاً إلى أنها لم ترجع عن عقيدتها، أخذت قراراً مناسباً لهذا الطفل لكي يكون قائماً مقام الذكر وهذا عجيب أيضاً.
من تسمية هذا الولد نفهم همتها جعلت اسمها مريم، ما معنى مريم؟ معناها خادمة وعابدة بدون أن ترجع عن عقيدتها بل صممت برنامجاً مناسباً، نستطيع أن نفهم همة هذه المرأة من تسمية ولدها، جعلت اسمها مريم، يعني خادمة وعابدة، يشير هذا الاسم أن امرأة عمران كانت على ميثاقها وعهدها مع الله سبحانه وتعالى ولو كانت الظروف لا تسمح لها لأن تحقق برنامجها كما أن الإمام الحسين (عليه السلام) سلام الله عليه جعل اسم أولاده علياً ليحيي اسم أمير المؤمنين (عليه السلام) مع أن الظروف لا تسمح له لأن يحيي آراء وأفكار أمير المؤمنين (عليه السلام) وحينما سألت السلطة الإمام الحسين (عليه السلام) لماذا سميت أسماء أولادك علي؟ قال: " أنا أحب اسم والدي " بهذه الوسيلة كافح السلطة . فكان الناس دائماً ينادون أولاد الإمام الحسين (عليه السلام) : يا علي، يا علي، بهذه الوسيلة أحيا اسم أمير المؤمنين (عليه السلام). المؤمن لا بد أن يكون عهده وميثاقه كامرأة عمران التي لم تيأس بعد أن رأت أن ولدها أنثى وليس ذكراً، بل فكرت وعملت واتخذت القرار المناسب .
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين .
المصدر / مختارات قرآنية - شرح سورة آل عمران:الآيتان[35]-[36]/الشيخ علي سائلي
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وأهلك أعدائهم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، عليه نتوكل وعنده مفاتح القلوب، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المظلومين المكرمين الهداة المهديين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى لقاء يوم الدين.
قال الله الحكيم في كتابه العزيز:
﴿ إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين(33) ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم (34) إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم (35) فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم (36) فتقبلها ربها بقبول حسن، وأنبتها نباتاً حسناً وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب (37) هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء(38)﴾ صدق الله العظيم.
مسألة المرأة ودورها في الأسرة وفي المجتمع مسألة توجهنا إليها في عصرنا هذا أكثر من قبل، خصوصاً بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران طرحت هذه المسألة بأبعاد كبيرة وموسعة وأيضاً، وبعد انتصارات حزب الله على عدوه في لبنان كثرت الأسئلة حول مسألة المرأة ودورها من جهة نظر الإسلام ومن جهة نظر القرآن . الغفلة عن هذه المسألة تؤدي الخسارات، لأنّ الكثير من شعوب العالم المتعطشة لمعرفة وجهة نظر الإسلام بالنسبة لهذه المسألة ، تكليفنا ومسؤوليتنا ووظيفتنا اليوم معرفة هذه المسألة بشكل معمق وعلى مستوى عال، هذه الآيات التي أوردناها بداية تتضمن مجموعة نقاط حول مسؤولية المرأة من وجهة نظر القرآن.
يفهم من هذه الآيات عدة نقاط:
النقطة الأولى: أن التربية مسؤولية المرأة لا تبدأ فقط من لحظة ولادة الطفل ، ومن ظن وزعم أن مسؤوليتها تبدأ بعد ذلك فهو مخطيء.
الطفل الذي يولد ليس خالياً من كل شيء ليس كالشريط يمكنك أن تسجل عليه كل شيء تريده، الطفل كالبذرة، كالحبة، كالنوى الذي له استعداد خاص يريد أن يتربى في المسلك الذي استوجب استعداده ، و في الطريق الذي دعاه إليه باطنه وظروفه التي في داخله ، لا ننتظر مثلاً من حب التفاح أن تعطينا فاكهة أخرى، هذا "زعم الذين كفروا" إن استعدادات الطفل تتحقق قبل الولادة بل من حين انعقاد النطفة، بعض خصوصيات أبيه وبعض خصوصيات أمه تتشكل وتتركب فتنتج نطفة ، إن استعدادات النطفة ليست أمراً خارجاً عن استعدادات الوالد والوالدة فلا بد أن تبدأ تربية الجيل وتربية الولد قبل الولادة.
القرآن الكريم يقول: ﴿ والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً ﴾ الأعراف[58] يشبه الإنسان بالأرض ،يعني هذه الأرض لها استعداد خاص حينما ينزل عليها المطر ينمو استعدادها سواء كان ذلك المطر في حديقة أو صحراء.
ترجمة شعر فارسي : المطر الذي كان لطيفاً جداً حينما ينزل على الأرض يربى الورود والنباتات في الحديقة، والشوك في الصحراء.
﴿ والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً*رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً"﴾ الأعراف[58_59]
هذا الذي يعلمنا إياه القرآن الكريم، وهذا الذي ثبت اليوم في العلوم الصحية وقوانين الوراثة فيما يتعلق بالكروموزومات … وغيرها من المسائل التي يتحدث عنها القرآن الكريم منذ قرون .
نعم أيتها الأخوات، مسألة صيرورة الإنسان والدة أو والداً ليست شيئاً بسيطاً، للأسف الشديد البعض يعتقد أن كل إنسان إذا بلغ سناً خاصاً لا بد له أن يتزوج أي شخص وكيفما اتفق! وبعد شهور أوسنوات ينجبان الأولاد، نعتقد أن هذه هي وظيفتهم وانتهى الأمر . والبعض من المثقفين يعتقدون لزوم برمجة الولادة ليكون الطفل ذكراً أو أنثى. ليس هذا منطق القرآن، منطق القرآن أنكم قبل الزواج عليكم أن تبرمجوا من هو هذا الشخص الذي تختارونه ، ذُكر في التاريخ أن لإمامنا موسى بن جعفر سلام الله عليهما ثمانية عشر ابنة لم تتزوج أي منهن لأنهن ما وجدن كفواً مناسباً لهن، يعنى لا بد أن يتزوج المؤمن من المؤمنة ، والمؤمنة من المؤمن، لينجبوا أولاداً صالحين ، ولكن للأسف نرى الآن أن الوالدة أو الوالد يضغطان على أولادهما ليتزوجوا بسرعة كأن مسؤوليتهما أن يزوجوا أولادهما فقط.
إن تصميم تربية النسل يبدأ من قبل الزواج، وبعده لا بد من وجود برنامج يسبق ولادة الطفل.
النبي صلى الله عليه وآله وسلم صام أربعين يوماً قبل أن تنعقد نطفة الصديقة الطاهرة .
بعض شبابنا في إيران عملوا هكذا والله سبحانه وتعالى رزقهم أولاداًً معنويين إلهيين لا يحتاجون إلى تذكير بالصلاة خصوصاً لصلاة الفجر بل يقومون بأنفسهم يتشوّقون للصلاة ويجدون في أنفسهم حالات معنوية . هناك فرق بين التحميل والتربية، نحن نحمّل على أولادنا أخلاقاً وصفات ولا نربيهم . التربية تعني إظهار ما في ضمير الطفل، وإخراج استعداداته من القوة إلى الفعل (الفعلية) ، فلا بد قبل مرحلة التربية أن يجعلوا في باطنه استعدادات صحيحة وجميلة ولطيفة ثم بعد الولادة يخرجون تلك الاستعدادات تدريجياً من القوة إلى الفعل، ولكن من لم يهيء استعداداً مناسباً للطفل ، أيُّ شيء يريد أن يخرج بعد الولادة ؟ قد يهيء خبثاً ﴿ والذي خبث لا يخرج إلا نكداً ﴾، ومن ثم يُخرج نكداً فلا بد قبل هذه المرحلة أن يزرع الوالد والوالدة بذرة الإستعدادات العالية والجميلة واللطيفة في باطن الطفل ثم إن شاء الله يحصدون حصاداً كاملاً وكبيراً، هذا يحتاج إلى برنامج، فالمرأة التي لا تنسجم مع زوجها كيف يمكنها أن تصمم وتبرمج كل هذا ؟ كما ترون ترجع هذه المسألة إلى مرحلة ما قبل الزواج، لذلك لا تستعجلوا في هذه المرحلة أبداً.
من النقاط التي توجد في هذه الآية أيضاً برنامج امرأة عمران قبل ولادة مولودها ﴿ رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً"﴾ يعني برمجت مستقبل الطفل الذي في بطنها وهي لا تعلم أنه ذكر أو أنثى لا بد لنا أن نطرح هذه المسائل القرآنية في العالم كله، لا في دائرة صغيرة، كما قال إمامنا الراحل في وصيته رضوان الله عليه : " نحن نفتخر بالقرآن لأنه يعلمنا حياة طيبة وعيشةً حيويةً".
هناك بحث بين المثقفين حول مسألة تحديد النسل في إيران، هذه المسألة طرحت منذ خمسة عشر سنة، وقال بعض أطبائنا أنه لا بد من إجراء عملية جراحية للرجل والمرأة حتى يتحدد النسل يعني في الواقع قطع النسل ، ويصرون أن هذه المسألة مباحة في الشرع. والحال أن الإسلام قبل أن يؤكد على عدد النفوس، يؤكد ويركز على تربية النسل، فإن كنتم تستطيعون تربية أولاد صالحين فليكونوا مئة وإلا فتربية ولدٌ واحد كثيرٌ عليكم .
نحن نحتاج _كما في رواياتنا_ إلى شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وإلى كل من يخطو خطوة ويسير في مسلك سيد الأوصياء (عليه السلام) ولهذا قال رسول الله (صلّى الله عليه و آله) : " أنا أفتخر بأولاد أمتي ولو بالسقط " " وإني أباهي بكم الأمم ولو بالسقط" .
لابد أن نتعلم كيف نستفيد من الآيات ونفهم المطالب والمعارف والمفاهيم والمضامين الواردة فيها. هل كان قول امرأة عمران فقط للولد الذي تنجبه أم للأجيال؟
كيف نفهم هذه المسألة من الآية؟ هل تدبرتم الآيات؟ ﴿ وإني أعيذها بك وذريتها﴾ الله أكبر من هذا الفكر الرفيع والرأي المنيع ﴿رفع سمكها فسواها﴾النازعات[28]، لا يقصد السماء فقط بل سقف سماء ذهننا لا بد أن يكون مرتفعاً إن هذه المرأة الكريمة لها همة عالية .
وغير هذه الآيات، توجد آيات في سورة البقرة : قوله تعالى: ﴿ وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي﴾البقرة[124]، يعني يصمم للمستقبل . ﴿ رب إني أسكنت ذريتي بواد غير ذي زرع﴾إبراهيم[37] يعني دائماً يفكر بذريته وكيف يتعامل معهم ﴿ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل﴾ البقرة[127] يعني كلاهما يرفعان القواعد جانب من هذه القواعد على عاتق الولد اسماعيل وجانب آخر على عاتق الوالد ابراهيم ﴿ربنا تقبل منا﴾ يعني الدعاء خلال العمل وليس بعده يعني إذا كنتِ تعملين في الأسرة وتشعربن حينها بالسآمة والانزعاج، ادعي الله تعالى خلال هذا العمل وليس بعده ﴿ وإذ يرفع لإبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا﴾ لاحظوا أن الله سبحانه وتعالى لا يتم الجملة يعني يتبين دعاءه خلال العمل.
النقطة الثانية : نتوجه كثيراً في تربية الأولاد إلى طعامهم وإلى شرابهم ويمكن أن نعبر بأننا نتوجه إلى جسد الطفل وحاجاته المادية أكثر مما نتوجه إلى حاجاته المعنوية والروحية، والقرآن يؤكد على العكس، يعني في بداية ولادة هذا الطفل وقبل أن يشرب الحليب مثلاً تقول زوجة عمران﴿ وإني سميتها مريم وإني أعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم﴾.هذه المسألة مسألة روحية يعني قبل أن تتوجه إلى الحاجات المادية توجهت إلى الحاجات الروحية فالمرأة الحامل تحتاج إلى المعنويات التي تكتسبها من خلال صلاة الليل، والطفل الذي في بطنها هو أحوج إلى هذه المعنويات وعندما تواظب المرأة على طعامها وشرابها لا يحصل خلل في نمو الطفل، ولكنها لا تلتفت إلى أن ما في بطنها أحوج إلى صلاة ليلها، يعني لا بد أن تتوجه إلى تحصيل المسائل الروحية قبل المسائل الجسدية المادية.
النقطة الثالثة: يُستفاد من الآيات، أن بعض النساء أوبعض الرجال يحبون أن يقضي الله سبحانه وتعالى بعض حوائجهم هذا واضح ولكي يصلوا إلى حاجاتهم في بعض الأحيان ينذرون النذور. وقد لا تتحقق حاجاتهم بعد النذور مما يؤثر على عقائدهم فيظنون بالله ظن السوء، وهناك نماذج من هذا النوع موجودة فعلاً.
إن امرأة عمران تخيلت أن ولدها ذكراً فلما وضعت "قالت رب إني وضعتها أنثى" أي على خلاف ما ظنت لكن ماذا عملت ؟ لم تتراجع بل وعرفت موقعها وموقفها، زمانها، وعصرها وظروفها وأخذت قراراً مناسباً للظروف. المؤمن هكذا بعد أن يواجه أمراً مخالفاً لما يتوقعه لا ييأس بل يعمل للتصحيح والخروج بالقرار المناسب لظروفه، نحن نعيش في دار بلاء محفوف بالمخاطر، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) "الدهر يومان يوم لك ويوم عليك إذا أتى يوم عليك فاصبر" اعرف وافهم الظروف الجديدة.
والعجيب أن امرأة عمران بعد أن عرفت أن ولدها ليس ذكراً بل أنثى مضافاً إلى أنها لم ترجع عن عقيدتها، أخذت قراراً مناسباً لهذا الطفل لكي يكون قائماً مقام الذكر وهذا عجيب أيضاً.
من تسمية هذا الولد نفهم همتها جعلت اسمها مريم، ما معنى مريم؟ معناها خادمة وعابدة بدون أن ترجع عن عقيدتها بل صممت برنامجاً مناسباً، نستطيع أن نفهم همة هذه المرأة من تسمية ولدها، جعلت اسمها مريم، يعني خادمة وعابدة، يشير هذا الاسم أن امرأة عمران كانت على ميثاقها وعهدها مع الله سبحانه وتعالى ولو كانت الظروف لا تسمح لها لأن تحقق برنامجها كما أن الإمام الحسين (عليه السلام) سلام الله عليه جعل اسم أولاده علياً ليحيي اسم أمير المؤمنين (عليه السلام) مع أن الظروف لا تسمح له لأن يحيي آراء وأفكار أمير المؤمنين (عليه السلام) وحينما سألت السلطة الإمام الحسين (عليه السلام) لماذا سميت أسماء أولادك علي؟ قال: " أنا أحب اسم والدي " بهذه الوسيلة كافح السلطة . فكان الناس دائماً ينادون أولاد الإمام الحسين (عليه السلام) : يا علي، يا علي، بهذه الوسيلة أحيا اسم أمير المؤمنين (عليه السلام). المؤمن لا بد أن يكون عهده وميثاقه كامرأة عمران التي لم تيأس بعد أن رأت أن ولدها أنثى وليس ذكراً، بل فكرت وعملت واتخذت القرار المناسب .
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين .
المصدر / مختارات قرآنية - شرح سورة آل عمران:الآيتان[35]-[36]/الشيخ علي سائلي
تعليق