تعيين الامام:
لما كانت الشيعة تتبنى عقيدة خاصة في الامام، فمن ثم فان مسالة اختياره تعتمد على النص في المقام الاول، ثم على العقل بعد ذلك. والنص اما ان يكون من اللّه تعالى.. او من رسوله..
او من امام ثابتة امامته بالنص. اما العقل فيقول ان الناس في كل وقت محتاجون الى عالم بكل
ما كلف اللّه تعالى به عباده وجا به الرسول من عنده من حلال او حرام.. ولان نصب الامام لطف واللطف واجب على اللّه عز وجل(264).
ان تعيين الامام بالنص انما يؤكد اهمية منصب الامامة وضرورته وكونه مسالة شرعية في المقام الاول لا مجال لتدخل اجتهادات الناس فيها. فهي امتداد لمهمة الرسول ومرجع الامة من بعده، فلا بد ان تكونمنصوصا عليها حتى تاخذ صفة المرجعية المطلقة، ولو كان منصب الامامة بالترشيح والاختيار لتنازع الناس عليها واختلفوا حولها وبالتالي ينتفي الغرض من وجودها.
ولاجل ذلك وقع الخلاف على الاخرين الذين احلوا انفسهم مكان الامام من الخلفا والحكام من بعدهم. ومن قال ان الامة قد اجتمعت عليهم فالتاريخ والوقائع تكذب قوله، وان مثل هذا القول الهدف منه تخديرالاجيال القادمة. اما الجيل المعاصر لعملية اختيار هؤلاء الحكام فقد دب بينهم الخلاف حول مشروعيتهم واجماع الامة عليهم(265).
والعقل الذي يقول بان الامام الذي يلي امر الامة من بعد الرسول لا بد ان تتوافر فيه المؤهلات العلمية التي تؤهله لسد الفراغ الذي احدثه غياب الرسول. هذا العقل يحكم بان الذين حكموا الامة بعد الرسول لميكونوا يملكون من هذه المؤهلات
شيئا. وذلك بقليل من النظر في سيرة هؤلاء الحكام ومواقفهم وممارساتهم.
ومن هنا يتبين لنا ان الامامة منصب اختصت به فئة معينة كانت تملك هذه المؤهلات. وان هذه الفئة لا بد ان تكون محل قبول ورضا المسلمين. فالنص على امامتهم لاجل توافر هذه المؤهلات فيهم. وتوافر هذهالمؤهلات فيهم يجعلهم محل رضا
وقبول المسلمين.
يقول الدكتور علي شريعتي: الامامة لدى الشيعة هي استمرار لامامة محمد دون نبوته والامامة عندهم هي بمعنى القدوة اي النموذج السامي للمدرسة والمنهج والانسان القدوة كذلك بمعنى القائد اي تواصلامامة محمد. ان نبوة محمد ختمت به، اما امامته فبدات به وانتهت في عترته (آل البيت). ان الشيعة ينكرون مبدا الشورى والبيعة. ويعتقدون بدلا عنه بمبدا الوصاية. اما السنة فينكرون مبدا الوصاية ويستندون الى الشورى في الخلافة، هذا الطرح التقليدي السائد. اما في نظري
فلا يوجد تناقض بينالمبداين. ولا يمكن اعتبار احدهما بدعة مصطنعة وغير اسلامية. ان الشورى والبيعة تعنيان الديمقراطية، وفي القرآن اشارات واضحة لصحة مبدا الشورى.
لكن اي مؤرخ منصف لا يمكنه انكار وصية الرسول لعلي. والوصاية هي ليست بالتعيين ولا بفرض القائد بطريقة فوقية. كما انها ليست انتخابا او وراثة، او نتيجة لترشيح احد الناس. فالامامة ليست هذه الصيغالسياسية.. لهذا نعتقد بان الوصاية
هي مبدا بديهي بينما الشورى اي البيعة واجماع الناس مبدا اسلامي. ان الوصاية هي مبدا استثنائي لظرف استثنائي، بينما
الشورى والبيعة هما مبدآن طبيعيان ودائمان.. مبدا الوصاية هو فوق مبدا الشورى.
كان يجب ان تستمر الوصاية بعد موت الرسول، الى ان تتحقق رسالة محمد في بنا الامة، لكن فاجعة (السقيفة) غيرت مجرى ومصير التاريخ الاسلامي. فقد تم الاستناد لحق في الغا حق آخر. لو حدثت (السقيفة) في عام 250ه فترة غيبة الامام الثاني عشر بدلا من العام الحادي عشر للهجرة لكان مسير التاريخ شيئا آخر. الا ان الامر حدث على ذلك النحو: استندوا على الديمقراطية ومبدا الشورى فيوقت كانت المرحلة لا تزال هي مرحلة الوصاية. اي القيادة الثورية.
لقد ادى ذلك الى ضياع الديمقراطية نفسها. والقضا على مبدا الشورى نفسه. بينما لو تم العمل بمبدا الوصاية والقيادة الثورية بعد وفاة النبي لكنا قد وصلنا الى مرحلة الشورى والديمقراطية بعد ذلك.
هكذا حرم الناس بعد وفاة النبي من القيادة الثورية الوصاية والامامة ومن القيادة الديمقراطية البيعة والشورى وادى ذلك الى ان تتجه الامور خلاف ما استهدفه الاسلام. فالخلافة الاسلامية المستندة للبيعةتحولت الى سلطنة عربية وراثية. والامامة بعد قرنين ونصف قرن من الجهاد والشهادة انتهت للغيبة وتغيرت فلسفة التاريخ. واصبحت فلسفة الانتظار(266).
ان فكرة الامامة عند الشيعة لا تتناقض مع الشورى. فتعيين الامام بالنص لا يعني الحجر على الشورى لان الامام لا يوحى
اليه كما هو حال الرسول وهو لا يبلغ الامة دينا جديدا وانما هو يحافظ على الدين الذي ورثهمن الرسول ويعبر عن صورته
الحقيقية. هذه هي مهمته الاساسية التي لا ينازعه فيها احد. اما ما يتعلق بشؤون الناس وادارة المجتمع فمجال الاجتهاد فيها مفتوح والشورى فيها واردة. فليس هناك من ينكر ان الشورى كانت مطروحة في حياة الرسول المعصوم والرسول هو اعلى من الامام. واذا كانت مهمة الامام هي الحفاظ على الدين واقامة الحجة على الناس بنصوصه، فان من بين نصوصه ما يحض على الشورى.
فاذا كان الرسول صلى اللّه عليه و آله وسلم قد طبق الشورى في حياته، فيجب على الامام ان يطبق الشورى، الا ان السياسة حالت دون ان يقوم الامام بمهمته في واقع المسلمين. وفترة حكم الامام علي جات بغير ترتيب، فهي قد فرضت عليه في ظل ظروف واوضاع مهزوزة سياسيا وغير مستقرة اجتماعيا ومتقلبة اقتصاديا، فهو لم يختر لكونه اماما وانما اختير لكونه حاكما.
لقد ارادت الامة من الامام على ان يكون حاكما لا ان يكون اماما منصوصا عليه، ومن هنا كثر الخلاف عليه. وقد كانت الموروثات الفكرية والقبلية التي خلفها عصر الخلفا الثلاثة قبله تحول دون بروزه كامام.
ولو كانت الامة قد تعاملت مع علي كامام ما كان يمكن لها ان تعترف بمعاوية وتبرر جريمته بشق عصا الطاعة وتعتبره مجتهدا، كما بررت من قبل موقف عائشة التي تسبب خروجها في اراقة دما آلاف المسلمين.وموقف الصحابة الذين رفضوا
بيعته ثم هم بايعوا بعد ذلك معاوية وولده. ان فترة حكم الامام علي هي جزء من مهمته ودوره كامام يقيم الحجة على الناس وهو مستمر في اقامة هذه الحجة بعد وفاة الرسول. وليس الحكم الا وسيلة لاظهار هذه الحجة وشيوعها وهو الامر الذي افتقدتمقوماته في المدينة التي هيمنت عليها القبلية ودفع بالامام الى الانتقال للكوفة لتكون مركزا لدعوته. والامام علي رغم كون السلطة في يده فقد فتح حوارا مع عائشة وطلحة والزبير الذين خرجوا عليه في وقعة الجمل.
وفتح حوارا مع معاوية على الرغم من قناعته بان الحوار معه لا يجدي وانه ماض الى تحقيق اطماعه على حساب الاسلام. وفتح حوارا مع الخوارج وارسل اليهم ابن عباس ليحاورهم رغم كونهم ليسوا اهل حوار ولا يفقهون سوى لغة واحدة هي لغة السيف والتمرد.
وان مثل هذه الممارسات من قبل الامام لهي تعد قمة العمل الديمقراطي في مواجهة اناس يشهرون في وجهه السيوف ويسعون لقتل الشورى. فعائشة وحزبها خرجوا للدفاع عن مصالح قبلية متمثلة في عثمان.
والخوارج قطاع متحجر من المسلمين لا يفهم الا السيف والنص على ظاهره. ومعاوية يريدها مملكة لبني امية.
امامة علي:
ترتكز قضية الامامة على النص والعقل كما ذكرنا. وتطبيق هذين الامرين يكون في الاساس على الامام علي، فهو الذي تدور حوله جميع نصوص الامامة. وبانطباق هذه النصوص عليه تنهض فكرة الامامة باعتبارهالامام الاول من بعد الرسول فهو وصيه، والائمة من بعده انما يستمدون درجتهم منه. وعلى قدر المكانة الشرعية للامام علي تكون مكانة الائمة التالين له، فمن ثم يتركز الحديث دائما حول نصية الامامة على الامام علي وحده.
وعندما تثبت بالنصوص امامة علي تثبت بالتالي امامة الاخرين، ومن جهة اخرى تبطل امامة الاخرين من الخلفا. والشيعة عندما تعتقد ان عليا هو الامام بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم انما يقودها الى هذا الاعتقاد النصوص، فالشيعة في الاصل تتعبد بالنصوص لا باقوال الرجال. وهي عندما تقول بتميز الامام علي عنغيره وخصوصيته وكونه وصي الرسول تقول ذلك بحكم النصوص. فمسالة الامامة مسالة مصيرية يرتبط بها مستقبل الامة ووجودها لا مجال للاجتهاد فيها لانها من مقررات الشرع الذي جا لصالح الناس ولا يجوزان يغفل قضية اساسية كالامامة تقوم على اساسها مصالح الناس وامنهم.
اما اهل السنة فالراجح في مذهبهم اقوال الرجال على النصوص، وهم قد قاموا بتاويل النصوص الواردة حول الامامة وصرفها عن معناها الحقيقي واجمعوا على انها لا تختص باحد بعينه وطبقوها على الحكام على ماسوف نبين. وهم على حد قول العلامة الحلي قد خالفوا المعقول والمنقول: اما المعقول فهي الادلة الدالة على امامة امير المؤمنين(ع) من حيث العقل وهي من وجوه: الاول: شرط الامام ان لا يسبق منه معصية. والمشايخ يقصد ابو بكر وعمر والصحابة قبل الاسلام كانوا يعبدون الاصنام فلا يكونون ائمة. فتعين علي لعدم الفارق. الثاني: الامام يجب ان يكون منصوصا عليه، وغير علي من الثلاثة ليس منصوصا عليه فلا يكون اماما.
الثالث: الامام يجب ان يكون افضل من رعيته، وغير علي لم يكن كذلك. الرابع: الامامة رئاسة عامة وانما تستحق بالزهد والعلم والعبادة والشجاعة والايمان وعلي هو الجامع لهذه الصفات على الوجه الاكمل الذي لم يلحقه غيره. اما المنقول فالقرآن والسنة المتواترة(267).
ويقول السيد شبر: ان العقل السليم والفهم المستقيم يحيل على العزيز الحكيم والرسول الكريم مع كونه مبعوثا الى كافة الانام وشريعته باقية الى يوم القيامة ان يهمل امته مع نهاية رافته وغاية شفقته بهم وعليهم،ويترك بينهم كتابا في غاية الاجمال ونهاية الاشكال له وجوه عديدة ومحامل يحمله كل منهم على هواه ورايه، واحاديث كذلك لم يظهر لهم منها الا القليل وفيها مع ذلك المكذوب والمفترى والمحرف. ولا يعينلهذا الامر العظيم رئيسا يعول في المشكلات عليه ويركن في سائر الامور اليه. ان هذا مما يحيل العقل على رب العالمين وعلى سيد المرسلين.. وكيف يوجب اللّه تعالى على الانسان الوصية والايصا عند الموتلئلا يموت ميتة الجاهلية ولئلا يدع اطفاله ومتروكاته بغير قيم وولي وحافظ ولا يوجب على النبي
صلى اللّه عليه و آله وسلم الايصا والوصية مع ان رافة اللّه بخلقه ورافة النبي بامته لا نسبة لها بذلك.. وقد اعترفجمهور المخالفين بجريان عادة اللّه تعالى من آدم الى خاتم الانبيا انه لم يقبض نبيا حتى عين له خليفة ووصيا. وجرت عادة نبينا انه متى سافر عين خليفة في المدينة فكيف تخلفت هذه السنة بالنسبة الى خاتمالانبيا المرسل الى هذه الامة المرحومة بان يهملها ويتركها سدى. هذا كله مع انقطاع الانبيا والرسل وبقا التكليف الى يوم القيامة.. وان مرتبة الامامة كالنبوة، فكما لا يجوز للخلق تعيين نبي فكذا لا يجوز لهمتعيين امام(268).
اذن ما هي النصوص الدالة على امامة علي؟ ان النصوص الدالة على امامة علي ووجوب الامامة وكونها اصلا من اصول الدين عند الشيعة اكثر من ان تحصى. وهي نصوص ليست حكرا على الشيعة وحدهم وانما هي نصوص اهل السنة ايضا خاصة الاحاديثالنبوية منها التي تذخر بها كتب السنن. الا ان موقف اهل السنة من هذه النصوص يقوم على التاويل والتبرير بحيث تبعد دلالات هذه النصوص واهدافها عن مراد الشيعة. وسوف يظهر لنا هذا الامر بوضوح ونحن نعرض النصوص الخاصة بالامام علي في القرآن والاحاديث. ونبدا بعرض النصوص القرآنية:
قوله تعالى: (انما وليكم اللّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) «المائدة/55». فقد شرك اللّه سبحانه رسوله معه في الولاية وكذلك الذين آمنوا والمقصود بهم هنا الامام علي لنزول الاية فيه(269). قوله تعالى: (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك..) «المائدة/67».
وهذا النص نزل على الرسول صلى اللّه عليه و آله وسلم في حجة الوداع حيث امر بابلاغ الامة ولاية علي على ما اجمعت على ذلك الروايات(270).
قوله تعالى: (قل لا اسالكم عليه اجرا الا المودة في القربى..) «الشورى/23».
وهذا نص يوجب على المؤمنين مودة قرابة الرسول، ولا شك ان وجوب مودتهم ينتج عنه وجوب طاعتهم كائمة للهدى(271). قوله تعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاك من العلم فقل تعالوا ندع ابنانا وابناكم. ونسانا ونساكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين..). فهذا النص يخص الامام علي والحسن والحسين وفاطمة. فان (ابنانا) الحسن والحسين و(نسانا) تعني فاطمة. و(انفسنا) تعني علي. مما يدل على علو مكانة الامام علي، ومساواته بالرسول الاكمل تعني كماله هوايضا(272).
قوله تعالى: (اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي..) «البقرة/124».
ومن هذا النص يتبين لنا ان الامامة غير الرسالة او غير الرسول. فقد كان ابراهيم رسولا ثم جعله اللّه اماما. ثم جعل الامامة في ذريته واستثنى الظالمين منهم ومن المعروف ان النبي صلى اللّه عليه و آله وسلم وعليمن ذرية ابراهيم وكلاهما لم يسجد لصنم(273).
قوله تعالى: (انما انت منذر ولكل قوم هاد..) «الرعد/7».
فهذا النص يشير الى دور الرسول ودور الامام. فالرسول هو المنذر، والامام هو الهادي. فالانذار يقتضي المواجهة اي مواجهة الرسول لقومه وابلاغه دعوته لهم وجها لوجه. اما الهداية فلا تقتضي المواجهة وهو دورالامام الذي يكون سببا لهداية الاقوام التي تاتي بعد الرسول(274).
قوله تعالى: (والسابقون السابقون اولئك المقربون..) «الواقعة/10 11».
ومن المعروف ان الامام عليا هو سابق امة محمد الى الاسلام. وهذا السبق يعطيه ميزة خاصة ترفعه فوق الجميع(275).
قوله تعالى: (ان اللّه وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما..) «الاحزاب /56».
ان الصلاة على الرسول تقتضي الصلاة على آل بيته كما في التشهد. وهذه دلالة قطعية على المكانة الشرعية للامام علي
على راس آل البيت(276).
قوله تعالى: (.. وصالح المؤمنين) «التحريم /4».
ان المقصود بصالح المؤمنين هنا هو علي، فهو افضل الصحابة وسيف الرسول وصهره وحامل علمه وصفيه(277).
قوله تعالى: (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) «المائدة/3». نزلت هذه الاية على الرسول في حجة الوداع وهو يخطب بما قرب المدينة يسمى غدير خم معلنا ولاية علي. ومن المعروف ان الدين كان كاملا قبل نزول هذه الاية كعقيدة ولم يكن كاملا كاحكام وقد ظلتالاحكام تتنزل بعد هذه الاية مما يدل على ان المقصود بكمال الدين شيء آخر وهو امامة علي(278).
قوله تعالى: (انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا).. «الاحزاب /33». وهذا النص يفيد طهارة آل البيت طهارة تكوينية ليست مكتسبة. والرجس هو كل صور المعاصي والتجاوزاتالاخلاقية وغيرها مما لم يثبت على الامام علي منه شيء. فدل هذا على امامته. وقد ذكر الفقها اكثر من مئة آية نزلت في حق علي لا يتسع المجال لذكرها هنا ويمكن مراجعة ذلك في كتب التفسير(279).
النصوص النبوية: ان النصوص النبوية التي ذكرها الرسول صلى اللّه عليه و آله وسلم في الامام علي اكثر من ان تحصى وهي تفوق النصوص الاخرى الواردة في الاخرين والتي هي من صنع السياسة في الاصل بهدف زعزعة مكانةالامام. وقد امتدت يد السياسة الى النصوص الواردة فيه فشككت فيها وحاولت تضعيفها. وما عجزت عن هدمه منها بددت معناه وموهت عليه حتى يضلوا المسلمين عن حقيقة مكانة الامام ودوره ورسالته التيتسلمها من الرسول.
ولا شك ان سيادة الخط الاموي المعادي لال البيت والامام علي بعد وقعة صفين والذي تزعمه معاوية قد عمل جاهدا على ما هو ثابت ومعروف على سب الامام والطعن في آل البيت واختراع الروايات التيتضفي المشروعية عليه وعلى ممارساته ومواقفه وتحط من الخط الاخر خط آل البيت وتثير الشبهات من حوله. وقد اعانه على هذا كله الكثير ممن ينتسب الى الاسلام من مدعي الصحبة والتابعين. واول النصوص النبوية قول الرسول صلى اللّه عليه و آله وسلم لعلي: (اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي)(280).
وقوله صلى اللّه عليه و آله وسلم: (اني تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي الثقلين واحدهما اكبر من الاخر. كتاب اللّه حبل ممدود من السما الى الارض. وعترتي اهل بيتي. الا وانهما لن يفترقا حتى يرداعلي الحوض)(281).
وفي رواية: (ايها الناس. انما انا بشر يوشك ان ياتيني رسول ربي فاجيب. واني تارك فيكم الثقلين. اولهما كتاب اللّه فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب اللّه واستمسكوا به. فحث على كتاب اللّه ورغب فيه. ثم قال: واهلبيتي. اذكركم اللّه في اهل بيتي. اذكركم اللّه في اهل بيتي. اذكركم اللّه في اهل بيتي)(282).
وقول علي: عهد الي النبي الامي ان لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق(283).
وقول الرسول صلى اللّه عليه و آله وسلم: (اني دافع الراية غدا الى رجل يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله، كرار غير فرار، لا يرجع حتى يفتح اللّه له. واعطاها عليا ففتح اللّه على يديه)(284).
وقول الرسول صلى اللّه عليه و آله وسلم: (علي مني وانا منه. ولا يؤدي عني الا انا او علي)(285).
وقول الرسول صلى اللّه عليه و آله وسلم لعلي: (اللهم وال من والاه. وعاد من عاداه. وانصر من نصره. واخذل من خذله)(286).
وقول الرسول صلى اللّه عليه و آله وسلم: (ان منكم من يقاتل على تاويل القرآن كما قاتلت على تنزيله. فقال ابو بكر: انا هو يا رسول اللّه؟ قال: لا. قال عمر: انا هو يا رسول اللّه؟ قال: لا. ولكنه خاصف النعل وكان علييخصف نعل رسول اللّه في الحجرة عند فاطمة)(287).
وفي رواية اخرى: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم: (لتنتهن معشر قريش، او ليبعثن اللّه عليكم رجلا مني امتحن اللّه قلبه للايمان، يضرب اعناقكم على الدين. قيل يا رسول اللّه ابو بكر؟ قال: لا. قيل: عمر.قال: لا. ولكن خاصف النعل في الحجرة)(288).
وقول الرسول صلى اللّه عليه و آله وسلم لعلي: (انت مني وانا منك)(289).
وتروي عائشة ان النبي صلى اللّه عليه و آله وسلم خرج غداة وعليه مرط مرحل من شعر اسود، فجا الحسنبن علي فادخله. ثم جا الحسين فدخل معه ثم جات فاطمة فادخلها، ثم جا علي فادخله ثم قال: (انمايريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل
البيت ويطهركم تطهيرا)..(290).
ولما نزل قوله تعالى: (فقل تعالوا ندع ابنانا وابناكم..) دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا. فقال: اللهم هؤلاء اهلي..(291).
وقال له ايضا: (انت اخي في الدنيا والاخرة)(292).
وقال: (من سب عليا فقد سبني..)(293).
264 - انظر حق اليقين وكتب العقائد لدى الشيعة.
265 - انظر لنا السيف والسياسة. وانظر السقيفة للمظفر.
266 - هكذا تكلم علي شريعتي. ط. بيروت.
267 - نهج الحق وكشف الصدق. ط. بيروت.
268 - حق اليقين، ج1.
269 - انظر كتب التفسير واسباب النزول.
270 - انظر المراجع السابقة وحديث غدير خم فيما بعد.
271 - انظر المراجع السابقة ونهج الحق وحق اليقين وعلي في القرآن.
272 - انظر نهج الحق وحق اليقين وعلي في القرآن واسباب النزول.
273 - انظر المراجع السابقة.
274 - انظر المراجع السابقة.
275 - المراجع السابقة.
276 - المراجع السابقة.
277 - المراجع السابقة.
278 - المراجع السابقة.. وانظر حديث غدير خم.
279 - انظر المراجع السابقة. وكتب التفسير..
280 - البخاري كتاب فضائل الصحابة باب مناقب الامام علي.
281 - رواه ابو داود..
282 - مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي..
283 - مسلم، كتاب الايمان. باب حب الانصار وعلي من الايمان..
284 - البخاري ومسلم كتاب فضائل الصحابة..
285 - البخاري ومسند احمد..
286 - مسند احمد..
287 - الترمذي واحمد..
288 - المرجعين السابقين..
289 - البخاري..
290 - مسلم واحمد كتاب فضائل الصحابة باب فضائل علي..
291 - المرجع السابق..
292 - مسند احمد..
293 - المرجع السابق..
لما كانت الشيعة تتبنى عقيدة خاصة في الامام، فمن ثم فان مسالة اختياره تعتمد على النص في المقام الاول، ثم على العقل بعد ذلك. والنص اما ان يكون من اللّه تعالى.. او من رسوله..
او من امام ثابتة امامته بالنص. اما العقل فيقول ان الناس في كل وقت محتاجون الى عالم بكل
ما كلف اللّه تعالى به عباده وجا به الرسول من عنده من حلال او حرام.. ولان نصب الامام لطف واللطف واجب على اللّه عز وجل(264).
ان تعيين الامام بالنص انما يؤكد اهمية منصب الامامة وضرورته وكونه مسالة شرعية في المقام الاول لا مجال لتدخل اجتهادات الناس فيها. فهي امتداد لمهمة الرسول ومرجع الامة من بعده، فلا بد ان تكونمنصوصا عليها حتى تاخذ صفة المرجعية المطلقة، ولو كان منصب الامامة بالترشيح والاختيار لتنازع الناس عليها واختلفوا حولها وبالتالي ينتفي الغرض من وجودها.
ولاجل ذلك وقع الخلاف على الاخرين الذين احلوا انفسهم مكان الامام من الخلفا والحكام من بعدهم. ومن قال ان الامة قد اجتمعت عليهم فالتاريخ والوقائع تكذب قوله، وان مثل هذا القول الهدف منه تخديرالاجيال القادمة. اما الجيل المعاصر لعملية اختيار هؤلاء الحكام فقد دب بينهم الخلاف حول مشروعيتهم واجماع الامة عليهم(265).
والعقل الذي يقول بان الامام الذي يلي امر الامة من بعد الرسول لا بد ان تتوافر فيه المؤهلات العلمية التي تؤهله لسد الفراغ الذي احدثه غياب الرسول. هذا العقل يحكم بان الذين حكموا الامة بعد الرسول لميكونوا يملكون من هذه المؤهلات
شيئا. وذلك بقليل من النظر في سيرة هؤلاء الحكام ومواقفهم وممارساتهم.
ومن هنا يتبين لنا ان الامامة منصب اختصت به فئة معينة كانت تملك هذه المؤهلات. وان هذه الفئة لا بد ان تكون محل قبول ورضا المسلمين. فالنص على امامتهم لاجل توافر هذه المؤهلات فيهم. وتوافر هذهالمؤهلات فيهم يجعلهم محل رضا
وقبول المسلمين.
يقول الدكتور علي شريعتي: الامامة لدى الشيعة هي استمرار لامامة محمد دون نبوته والامامة عندهم هي بمعنى القدوة اي النموذج السامي للمدرسة والمنهج والانسان القدوة كذلك بمعنى القائد اي تواصلامامة محمد. ان نبوة محمد ختمت به، اما امامته فبدات به وانتهت في عترته (آل البيت). ان الشيعة ينكرون مبدا الشورى والبيعة. ويعتقدون بدلا عنه بمبدا الوصاية. اما السنة فينكرون مبدا الوصاية ويستندون الى الشورى في الخلافة، هذا الطرح التقليدي السائد. اما في نظري
فلا يوجد تناقض بينالمبداين. ولا يمكن اعتبار احدهما بدعة مصطنعة وغير اسلامية. ان الشورى والبيعة تعنيان الديمقراطية، وفي القرآن اشارات واضحة لصحة مبدا الشورى.
لكن اي مؤرخ منصف لا يمكنه انكار وصية الرسول لعلي. والوصاية هي ليست بالتعيين ولا بفرض القائد بطريقة فوقية. كما انها ليست انتخابا او وراثة، او نتيجة لترشيح احد الناس. فالامامة ليست هذه الصيغالسياسية.. لهذا نعتقد بان الوصاية
هي مبدا بديهي بينما الشورى اي البيعة واجماع الناس مبدا اسلامي. ان الوصاية هي مبدا استثنائي لظرف استثنائي، بينما
الشورى والبيعة هما مبدآن طبيعيان ودائمان.. مبدا الوصاية هو فوق مبدا الشورى.
كان يجب ان تستمر الوصاية بعد موت الرسول، الى ان تتحقق رسالة محمد في بنا الامة، لكن فاجعة (السقيفة) غيرت مجرى ومصير التاريخ الاسلامي. فقد تم الاستناد لحق في الغا حق آخر. لو حدثت (السقيفة) في عام 250ه فترة غيبة الامام الثاني عشر بدلا من العام الحادي عشر للهجرة لكان مسير التاريخ شيئا آخر. الا ان الامر حدث على ذلك النحو: استندوا على الديمقراطية ومبدا الشورى فيوقت كانت المرحلة لا تزال هي مرحلة الوصاية. اي القيادة الثورية.
لقد ادى ذلك الى ضياع الديمقراطية نفسها. والقضا على مبدا الشورى نفسه. بينما لو تم العمل بمبدا الوصاية والقيادة الثورية بعد وفاة النبي لكنا قد وصلنا الى مرحلة الشورى والديمقراطية بعد ذلك.
هكذا حرم الناس بعد وفاة النبي من القيادة الثورية الوصاية والامامة ومن القيادة الديمقراطية البيعة والشورى وادى ذلك الى ان تتجه الامور خلاف ما استهدفه الاسلام. فالخلافة الاسلامية المستندة للبيعةتحولت الى سلطنة عربية وراثية. والامامة بعد قرنين ونصف قرن من الجهاد والشهادة انتهت للغيبة وتغيرت فلسفة التاريخ. واصبحت فلسفة الانتظار(266).
ان فكرة الامامة عند الشيعة لا تتناقض مع الشورى. فتعيين الامام بالنص لا يعني الحجر على الشورى لان الامام لا يوحى
اليه كما هو حال الرسول وهو لا يبلغ الامة دينا جديدا وانما هو يحافظ على الدين الذي ورثهمن الرسول ويعبر عن صورته
الحقيقية. هذه هي مهمته الاساسية التي لا ينازعه فيها احد. اما ما يتعلق بشؤون الناس وادارة المجتمع فمجال الاجتهاد فيها مفتوح والشورى فيها واردة. فليس هناك من ينكر ان الشورى كانت مطروحة في حياة الرسول المعصوم والرسول هو اعلى من الامام. واذا كانت مهمة الامام هي الحفاظ على الدين واقامة الحجة على الناس بنصوصه، فان من بين نصوصه ما يحض على الشورى.
فاذا كان الرسول صلى اللّه عليه و آله وسلم قد طبق الشورى في حياته، فيجب على الامام ان يطبق الشورى، الا ان السياسة حالت دون ان يقوم الامام بمهمته في واقع المسلمين. وفترة حكم الامام علي جات بغير ترتيب، فهي قد فرضت عليه في ظل ظروف واوضاع مهزوزة سياسيا وغير مستقرة اجتماعيا ومتقلبة اقتصاديا، فهو لم يختر لكونه اماما وانما اختير لكونه حاكما.
لقد ارادت الامة من الامام على ان يكون حاكما لا ان يكون اماما منصوصا عليه، ومن هنا كثر الخلاف عليه. وقد كانت الموروثات الفكرية والقبلية التي خلفها عصر الخلفا الثلاثة قبله تحول دون بروزه كامام.
ولو كانت الامة قد تعاملت مع علي كامام ما كان يمكن لها ان تعترف بمعاوية وتبرر جريمته بشق عصا الطاعة وتعتبره مجتهدا، كما بررت من قبل موقف عائشة التي تسبب خروجها في اراقة دما آلاف المسلمين.وموقف الصحابة الذين رفضوا
بيعته ثم هم بايعوا بعد ذلك معاوية وولده. ان فترة حكم الامام علي هي جزء من مهمته ودوره كامام يقيم الحجة على الناس وهو مستمر في اقامة هذه الحجة بعد وفاة الرسول. وليس الحكم الا وسيلة لاظهار هذه الحجة وشيوعها وهو الامر الذي افتقدتمقوماته في المدينة التي هيمنت عليها القبلية ودفع بالامام الى الانتقال للكوفة لتكون مركزا لدعوته. والامام علي رغم كون السلطة في يده فقد فتح حوارا مع عائشة وطلحة والزبير الذين خرجوا عليه في وقعة الجمل.
وفتح حوارا مع معاوية على الرغم من قناعته بان الحوار معه لا يجدي وانه ماض الى تحقيق اطماعه على حساب الاسلام. وفتح حوارا مع الخوارج وارسل اليهم ابن عباس ليحاورهم رغم كونهم ليسوا اهل حوار ولا يفقهون سوى لغة واحدة هي لغة السيف والتمرد.
وان مثل هذه الممارسات من قبل الامام لهي تعد قمة العمل الديمقراطي في مواجهة اناس يشهرون في وجهه السيوف ويسعون لقتل الشورى. فعائشة وحزبها خرجوا للدفاع عن مصالح قبلية متمثلة في عثمان.
والخوارج قطاع متحجر من المسلمين لا يفهم الا السيف والنص على ظاهره. ومعاوية يريدها مملكة لبني امية.
امامة علي:
ترتكز قضية الامامة على النص والعقل كما ذكرنا. وتطبيق هذين الامرين يكون في الاساس على الامام علي، فهو الذي تدور حوله جميع نصوص الامامة. وبانطباق هذه النصوص عليه تنهض فكرة الامامة باعتبارهالامام الاول من بعد الرسول فهو وصيه، والائمة من بعده انما يستمدون درجتهم منه. وعلى قدر المكانة الشرعية للامام علي تكون مكانة الائمة التالين له، فمن ثم يتركز الحديث دائما حول نصية الامامة على الامام علي وحده.
وعندما تثبت بالنصوص امامة علي تثبت بالتالي امامة الاخرين، ومن جهة اخرى تبطل امامة الاخرين من الخلفا. والشيعة عندما تعتقد ان عليا هو الامام بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم انما يقودها الى هذا الاعتقاد النصوص، فالشيعة في الاصل تتعبد بالنصوص لا باقوال الرجال. وهي عندما تقول بتميز الامام علي عنغيره وخصوصيته وكونه وصي الرسول تقول ذلك بحكم النصوص. فمسالة الامامة مسالة مصيرية يرتبط بها مستقبل الامة ووجودها لا مجال للاجتهاد فيها لانها من مقررات الشرع الذي جا لصالح الناس ولا يجوزان يغفل قضية اساسية كالامامة تقوم على اساسها مصالح الناس وامنهم.
اما اهل السنة فالراجح في مذهبهم اقوال الرجال على النصوص، وهم قد قاموا بتاويل النصوص الواردة حول الامامة وصرفها عن معناها الحقيقي واجمعوا على انها لا تختص باحد بعينه وطبقوها على الحكام على ماسوف نبين. وهم على حد قول العلامة الحلي قد خالفوا المعقول والمنقول: اما المعقول فهي الادلة الدالة على امامة امير المؤمنين(ع) من حيث العقل وهي من وجوه: الاول: شرط الامام ان لا يسبق منه معصية. والمشايخ يقصد ابو بكر وعمر والصحابة قبل الاسلام كانوا يعبدون الاصنام فلا يكونون ائمة. فتعين علي لعدم الفارق. الثاني: الامام يجب ان يكون منصوصا عليه، وغير علي من الثلاثة ليس منصوصا عليه فلا يكون اماما.
الثالث: الامام يجب ان يكون افضل من رعيته، وغير علي لم يكن كذلك. الرابع: الامامة رئاسة عامة وانما تستحق بالزهد والعلم والعبادة والشجاعة والايمان وعلي هو الجامع لهذه الصفات على الوجه الاكمل الذي لم يلحقه غيره. اما المنقول فالقرآن والسنة المتواترة(267).
ويقول السيد شبر: ان العقل السليم والفهم المستقيم يحيل على العزيز الحكيم والرسول الكريم مع كونه مبعوثا الى كافة الانام وشريعته باقية الى يوم القيامة ان يهمل امته مع نهاية رافته وغاية شفقته بهم وعليهم،ويترك بينهم كتابا في غاية الاجمال ونهاية الاشكال له وجوه عديدة ومحامل يحمله كل منهم على هواه ورايه، واحاديث كذلك لم يظهر لهم منها الا القليل وفيها مع ذلك المكذوب والمفترى والمحرف. ولا يعينلهذا الامر العظيم رئيسا يعول في المشكلات عليه ويركن في سائر الامور اليه. ان هذا مما يحيل العقل على رب العالمين وعلى سيد المرسلين.. وكيف يوجب اللّه تعالى على الانسان الوصية والايصا عند الموتلئلا يموت ميتة الجاهلية ولئلا يدع اطفاله ومتروكاته بغير قيم وولي وحافظ ولا يوجب على النبي
صلى اللّه عليه و آله وسلم الايصا والوصية مع ان رافة اللّه بخلقه ورافة النبي بامته لا نسبة لها بذلك.. وقد اعترفجمهور المخالفين بجريان عادة اللّه تعالى من آدم الى خاتم الانبيا انه لم يقبض نبيا حتى عين له خليفة ووصيا. وجرت عادة نبينا انه متى سافر عين خليفة في المدينة فكيف تخلفت هذه السنة بالنسبة الى خاتمالانبيا المرسل الى هذه الامة المرحومة بان يهملها ويتركها سدى. هذا كله مع انقطاع الانبيا والرسل وبقا التكليف الى يوم القيامة.. وان مرتبة الامامة كالنبوة، فكما لا يجوز للخلق تعيين نبي فكذا لا يجوز لهمتعيين امام(268).
اذن ما هي النصوص الدالة على امامة علي؟ ان النصوص الدالة على امامة علي ووجوب الامامة وكونها اصلا من اصول الدين عند الشيعة اكثر من ان تحصى. وهي نصوص ليست حكرا على الشيعة وحدهم وانما هي نصوص اهل السنة ايضا خاصة الاحاديثالنبوية منها التي تذخر بها كتب السنن. الا ان موقف اهل السنة من هذه النصوص يقوم على التاويل والتبرير بحيث تبعد دلالات هذه النصوص واهدافها عن مراد الشيعة. وسوف يظهر لنا هذا الامر بوضوح ونحن نعرض النصوص الخاصة بالامام علي في القرآن والاحاديث. ونبدا بعرض النصوص القرآنية:
قوله تعالى: (انما وليكم اللّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) «المائدة/55». فقد شرك اللّه سبحانه رسوله معه في الولاية وكذلك الذين آمنوا والمقصود بهم هنا الامام علي لنزول الاية فيه(269). قوله تعالى: (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك..) «المائدة/67».
وهذا النص نزل على الرسول صلى اللّه عليه و آله وسلم في حجة الوداع حيث امر بابلاغ الامة ولاية علي على ما اجمعت على ذلك الروايات(270).
قوله تعالى: (قل لا اسالكم عليه اجرا الا المودة في القربى..) «الشورى/23».
وهذا نص يوجب على المؤمنين مودة قرابة الرسول، ولا شك ان وجوب مودتهم ينتج عنه وجوب طاعتهم كائمة للهدى(271). قوله تعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاك من العلم فقل تعالوا ندع ابنانا وابناكم. ونسانا ونساكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين..). فهذا النص يخص الامام علي والحسن والحسين وفاطمة. فان (ابنانا) الحسن والحسين و(نسانا) تعني فاطمة. و(انفسنا) تعني علي. مما يدل على علو مكانة الامام علي، ومساواته بالرسول الاكمل تعني كماله هوايضا(272).
قوله تعالى: (اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي..) «البقرة/124».
ومن هذا النص يتبين لنا ان الامامة غير الرسالة او غير الرسول. فقد كان ابراهيم رسولا ثم جعله اللّه اماما. ثم جعل الامامة في ذريته واستثنى الظالمين منهم ومن المعروف ان النبي صلى اللّه عليه و آله وسلم وعليمن ذرية ابراهيم وكلاهما لم يسجد لصنم(273).
قوله تعالى: (انما انت منذر ولكل قوم هاد..) «الرعد/7».
فهذا النص يشير الى دور الرسول ودور الامام. فالرسول هو المنذر، والامام هو الهادي. فالانذار يقتضي المواجهة اي مواجهة الرسول لقومه وابلاغه دعوته لهم وجها لوجه. اما الهداية فلا تقتضي المواجهة وهو دورالامام الذي يكون سببا لهداية الاقوام التي تاتي بعد الرسول(274).
قوله تعالى: (والسابقون السابقون اولئك المقربون..) «الواقعة/10 11».
ومن المعروف ان الامام عليا هو سابق امة محمد الى الاسلام. وهذا السبق يعطيه ميزة خاصة ترفعه فوق الجميع(275).
قوله تعالى: (ان اللّه وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما..) «الاحزاب /56».
ان الصلاة على الرسول تقتضي الصلاة على آل بيته كما في التشهد. وهذه دلالة قطعية على المكانة الشرعية للامام علي
على راس آل البيت(276).
قوله تعالى: (.. وصالح المؤمنين) «التحريم /4».
ان المقصود بصالح المؤمنين هنا هو علي، فهو افضل الصحابة وسيف الرسول وصهره وحامل علمه وصفيه(277).
قوله تعالى: (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) «المائدة/3». نزلت هذه الاية على الرسول في حجة الوداع وهو يخطب بما قرب المدينة يسمى غدير خم معلنا ولاية علي. ومن المعروف ان الدين كان كاملا قبل نزول هذه الاية كعقيدة ولم يكن كاملا كاحكام وقد ظلتالاحكام تتنزل بعد هذه الاية مما يدل على ان المقصود بكمال الدين شيء آخر وهو امامة علي(278).
قوله تعالى: (انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا).. «الاحزاب /33». وهذا النص يفيد طهارة آل البيت طهارة تكوينية ليست مكتسبة. والرجس هو كل صور المعاصي والتجاوزاتالاخلاقية وغيرها مما لم يثبت على الامام علي منه شيء. فدل هذا على امامته. وقد ذكر الفقها اكثر من مئة آية نزلت في حق علي لا يتسع المجال لذكرها هنا ويمكن مراجعة ذلك في كتب التفسير(279).
النصوص النبوية: ان النصوص النبوية التي ذكرها الرسول صلى اللّه عليه و آله وسلم في الامام علي اكثر من ان تحصى وهي تفوق النصوص الاخرى الواردة في الاخرين والتي هي من صنع السياسة في الاصل بهدف زعزعة مكانةالامام. وقد امتدت يد السياسة الى النصوص الواردة فيه فشككت فيها وحاولت تضعيفها. وما عجزت عن هدمه منها بددت معناه وموهت عليه حتى يضلوا المسلمين عن حقيقة مكانة الامام ودوره ورسالته التيتسلمها من الرسول.
ولا شك ان سيادة الخط الاموي المعادي لال البيت والامام علي بعد وقعة صفين والذي تزعمه معاوية قد عمل جاهدا على ما هو ثابت ومعروف على سب الامام والطعن في آل البيت واختراع الروايات التيتضفي المشروعية عليه وعلى ممارساته ومواقفه وتحط من الخط الاخر خط آل البيت وتثير الشبهات من حوله. وقد اعانه على هذا كله الكثير ممن ينتسب الى الاسلام من مدعي الصحبة والتابعين. واول النصوص النبوية قول الرسول صلى اللّه عليه و آله وسلم لعلي: (اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي)(280).
وقوله صلى اللّه عليه و آله وسلم: (اني تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي الثقلين واحدهما اكبر من الاخر. كتاب اللّه حبل ممدود من السما الى الارض. وعترتي اهل بيتي. الا وانهما لن يفترقا حتى يرداعلي الحوض)(281).
وفي رواية: (ايها الناس. انما انا بشر يوشك ان ياتيني رسول ربي فاجيب. واني تارك فيكم الثقلين. اولهما كتاب اللّه فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب اللّه واستمسكوا به. فحث على كتاب اللّه ورغب فيه. ثم قال: واهلبيتي. اذكركم اللّه في اهل بيتي. اذكركم اللّه في اهل بيتي. اذكركم اللّه في اهل بيتي)(282).
وقول علي: عهد الي النبي الامي ان لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق(283).
وقول الرسول صلى اللّه عليه و آله وسلم: (اني دافع الراية غدا الى رجل يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله، كرار غير فرار، لا يرجع حتى يفتح اللّه له. واعطاها عليا ففتح اللّه على يديه)(284).
وقول الرسول صلى اللّه عليه و آله وسلم: (علي مني وانا منه. ولا يؤدي عني الا انا او علي)(285).
وقول الرسول صلى اللّه عليه و آله وسلم لعلي: (اللهم وال من والاه. وعاد من عاداه. وانصر من نصره. واخذل من خذله)(286).
وقول الرسول صلى اللّه عليه و آله وسلم: (ان منكم من يقاتل على تاويل القرآن كما قاتلت على تنزيله. فقال ابو بكر: انا هو يا رسول اللّه؟ قال: لا. قال عمر: انا هو يا رسول اللّه؟ قال: لا. ولكنه خاصف النعل وكان علييخصف نعل رسول اللّه في الحجرة عند فاطمة)(287).
وفي رواية اخرى: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم: (لتنتهن معشر قريش، او ليبعثن اللّه عليكم رجلا مني امتحن اللّه قلبه للايمان، يضرب اعناقكم على الدين. قيل يا رسول اللّه ابو بكر؟ قال: لا. قيل: عمر.قال: لا. ولكن خاصف النعل في الحجرة)(288).
وقول الرسول صلى اللّه عليه و آله وسلم لعلي: (انت مني وانا منك)(289).
وتروي عائشة ان النبي صلى اللّه عليه و آله وسلم خرج غداة وعليه مرط مرحل من شعر اسود، فجا الحسنبن علي فادخله. ثم جا الحسين فدخل معه ثم جات فاطمة فادخلها، ثم جا علي فادخله ثم قال: (انمايريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل
البيت ويطهركم تطهيرا)..(290).
ولما نزل قوله تعالى: (فقل تعالوا ندع ابنانا وابناكم..) دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا. فقال: اللهم هؤلاء اهلي..(291).
وقال له ايضا: (انت اخي في الدنيا والاخرة)(292).
وقال: (من سب عليا فقد سبني..)(293).
264 - انظر حق اليقين وكتب العقائد لدى الشيعة.
265 - انظر لنا السيف والسياسة. وانظر السقيفة للمظفر.
266 - هكذا تكلم علي شريعتي. ط. بيروت.
267 - نهج الحق وكشف الصدق. ط. بيروت.
268 - حق اليقين، ج1.
269 - انظر كتب التفسير واسباب النزول.
270 - انظر المراجع السابقة وحديث غدير خم فيما بعد.
271 - انظر المراجع السابقة ونهج الحق وحق اليقين وعلي في القرآن.
272 - انظر نهج الحق وحق اليقين وعلي في القرآن واسباب النزول.
273 - انظر المراجع السابقة.
274 - انظر المراجع السابقة.
275 - المراجع السابقة.
276 - المراجع السابقة.
277 - المراجع السابقة.
278 - المراجع السابقة.. وانظر حديث غدير خم.
279 - انظر المراجع السابقة. وكتب التفسير..
280 - البخاري كتاب فضائل الصحابة باب مناقب الامام علي.
281 - رواه ابو داود..
282 - مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي..
283 - مسلم، كتاب الايمان. باب حب الانصار وعلي من الايمان..
284 - البخاري ومسلم كتاب فضائل الصحابة..
285 - البخاري ومسند احمد..
286 - مسند احمد..
287 - الترمذي واحمد..
288 - المرجعين السابقين..
289 - البخاري..
290 - مسلم واحمد كتاب فضائل الصحابة باب فضائل علي..
291 - المرجع السابق..
292 - مسند احمد..
293 - المرجع السابق..
تعليق