بسم الله الرحمن الرحيم
القى الباحث الشاعر المرحوم (محمد عباس الدراجي) المؤسس ورئيس التحرير لمجلة الكوثر التي تصدر في النجف الاشرف والذي اغتالته الايدي الاثمة في زمن النظام السابق ... القى الباحث محاضرة بعنوان (غزل الفقهاء) في امسية ادبية في مجلس الكاظمية الثقافي ، استهل المحاضر محاضرته بقوله :
من اريج الذكوات البيض ومن عبير الغري الفواح جئتكم احمل انفاس الحبوبي وعبق الفرطوسي وتنهدات مصطفى جمال الدين ... غزلا عفيفا يمطر نقاءاً ويتوهج اصالة ، الشعر الغزلي احتل مواطن خيال بعض علماء الدين الافاضل فاستسلموا لطغيانه وانسابت قوافي الغزل شلالات فضية رائعة على منحدرات مواهبهم الخضراء فكانت الصورة ساحرة وخلابة تنبض بالحنين وتتدفق بالشوق . . شوق العذري مؤطرة بالوان العفاف والطهارة والنبل ترسم ربيعها الدائم على قصائد ذلك النفر الذي جمع التقوى والعلم والشعر وخاصة الشعر الغزلي .
هؤلاء عاشوا في بقاع مختلفة ترعرع فيها الشعر والفقه والعلوم الدينية حيث فرضت عليهم (العمامة) قيودا اجتماعية وهيبة خاصة لاتسمح برؤية الاماكن التي تضج بالجمال وتغرق بالحسن بل عاشوا في بيئات خاصة كالنجف الاشرف وكربلاء المقدسة والكاظمية وسامراء .. الاماكن التي حرم فيها كشف مفاتن المرأة ووجهها فظل الشاعر اسيراً لحرمانه ومعتقلا داخل عطشه لبريق الخدود في وهج الشمس ولمعان الجمال تحت ظل القمر وسحر ميلان الخصر وهو يصيب قلب غصن البان ... فأجج هذا الحرمان ناراً مشبوبة من الصور فوهج شموسا من الخيال فخلدوا لنا اروع قصائد الغزل التي لم يصل الى سمو صورها وترافة مفرداتها كبار الشعراء الذين انغمسوا في ملذات الجمال ومفاتنه ... انها عبقرية الخيال وتحليقه في سماوات الابداع .
فهذا هو شاعرنا الكبير الشريف الرضي الفقيه العالم الذي اتحف المكتبة العربية بالعديد من الاسفار الجليلة نراه وقد سالت قريحته سواقي ملونة من الغزل الرقيق :
ياظبية البان ترعى في خمائله ...... ليهنك اليوم ان القلب مرعاك
الماء عندك مبذول لشاربه .... وليس يرويك الا مدمعي الباكي
وهذا الشيخ عبدالكريم الجزائري :
فضحت بطلعتها الغزالة بالضحى ... وحكت بناظرها الكحيل غزالة
عانقتها ورشفت ريقة ثغرها .... فجنيت ورداً وارتشفت زلالا
وموشحات السيد رضا الهندي المعجب بسحر عيني حبيبته فيها طرافة الموضوع وحلاوته ومهارة العرض والابداع يقول فيه :
سحر عينيك ارى الناس العجاب ... من ضعيفين يصيدان الاسود
وبخديك جرى ماء الشباب ... فذكت موجته ذات الوقود
وذرت المسك في البئر المذاب .... وهو الخال على ورد الخدود
وثنيت فماس الخيزران
اما موشحات السيد محمد سعيد الحبوبي فقد تألقت الصياغة الفنية وبرع فيها الشاعر في صوره المختارة ، فعندما يتغزل بضبية في جانب الكرخ فان الحبوبي يشب به الغرام العفيف :
ياغزال الكرخ وا وجدي عليك ... كاد سري فيك ان ينهتكا
هذه الصهباء والكاس لديك ... وغرامي في هواك احتنكا
فأسقني كأساً وخذ كاساً اليك .. فلذيذ العيش ان نشتركا
ومن ارض لبنان المضيئة بالجمال والمتجملة بالضياء يشب الشوق في انفاس الشيخ ابراهيم العاملي وتزدحم روحه بالعشق الطاهر البرئ فينزف موشحه :
انت روحي ياحبيبي والحشا ... وضياء العين مني يا رشا
يامليك الحسن فافعل ماتشاء ... لاارى عما تراه مذهبا
وقيامي في هواك والقعود ... راعياً عهدك من عهد الصبا
وقال الشيخ سلمان الخاقاني :
هلمي فتنة القلب ... وغنيني باشعاري
وصوغي لحنك الشادي ... على دقات اوتاري
ففي لحنك اسعادي ... وفي صوتك ارشادي
ومنك قمري الهادي ... فغني واترك القلب
يغنيك ايا سلمى
واما الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء بمركزه الروحي المرموق يتجه في لحظة من وقته المزدحم بالعمل الفقهي والقيادي والارشادي ليستحم خياله بنعاس الاجفان :
ناعس الاجفان ساجي المقل .... حرج الخلخال جوال الوشاح
اسيل الفرع كليل اليل .... فوق وضاح جبيناً كالصباح
ان مشا اهتز اهتزاز الاسل .. بقوام فيه بدر التم لاح
او رنا تحسبه ريماً رنا ..... بلحاظ ريشها يسمي القلوب
فضح البدر سناء وسنا .... بمحيا كلف الشمس الغروب
واما السيد مصطفى جمال الدين بعرائس قوافي وهو يدللها برشاقة الفاظه وجنون خياله يخاطب حبيبته بان روحها رقيقة وان النار في دمه المتفجر تتجدد غراماً :
قربي روحك الرقيقة مني ... ودعيني انسى مصارع فني
انا ياحلوتي شجياً ومن الانغام ... هيمان لم يمتع اذني
أيه فيروزتي خذي جارة الوادي ... خذيني ذودي رؤى الموت عني
وانا بالهوى صعدت الى مجدي ... وبالحب قدبنيت وابني .
وهكذا رحلنا في غزل الفقهاء ومعذرة لعدم ذكر باقي الفقهاء لضيق الوقت والمساحة فكانت رحلة ممتعة الى شعر العلماء والفقهاء ورجال الدين حيث تحس باناقة العبارة واشراقة الصورة وروعة المناجاة مع الحبيب مع الاحتفاظ بعذرية الهوى وعفاف المقصد وخوف الله ، انه غزل ابيض كالثلج وطاهر كطهر الصلاة .
وفي الختام طلب الحاضرون من الاستاذ المحاضر ان يقرأ شيئا من نظمه في الغزل فأمتع الاسماع وكانت امسية ذات نكهة تعانق فيها التراث والمعاصرة .
منقول عن مجلة الكوثر العدد 54 لسنة 2002
http://www.iraq2000.com/alkauther
http://www.iraq2000.com/alkauther
تحياتي
تعليق