واشنطن ومستنقع إيران النووي.. دعوة للتريث!
يمكن اعتبار إيران مثل عاصفة نموذجية بالنسبة لأية أمة، فهناك النفط وهناك الموقع الجغرافي، وأضف الى كل ذلك هذا السعي المتقدم والمحموم للحصول على تكنولوجيا الأسلحة النووية، ويمنح كل ذلك طهران القدرة على دفع الأمم المتحدة ونظام منع انتشار الأسلحة النووية، الذي تشرف عليه المنظمة الدولية، إلى مأزق عميق خلال الأشهر المقبلة.
بالتأكيد لم يسع صنّاع السياسة الكبار في إدارة واشنطن نحو الوصول إلى مثل هذه النقطة التي تقترب من أن تأخذ سمة التخريب، لكنهم قادرون على أن يتصوروا الناتج النهائي الآن، وهم يستعدون لتقبله كما يبدو لي من خلال تصريحاتهم العلنية أو تعليقاتهم الخاصة للدبلوماسيين والمسؤولين الأجانب وغيرهم.
في المقابل، من الصعب أن تختلف مع المشاعر الميالة لتحقيق الإصلاح للأمم المتحدة، عند النظر بحجم الفساد الفاضح الموجود داخلها، والذي تم تسليط الضوء عليه بواسطة تحقيق أجرته المنظمة الدولية نفسها، جنبا إلى جنب مع التحقيقات التي قام بها الكونغرس، فيما يخص برنامج النفط مقابل الغذاء في العراق.
إنه المنطق الذي يصعب القبول به أو اتباعه، وإدارة بوش الآن على وشك أن تطلب من مجلس الأمن الدولي فرض عقوبات اقتصادية ضد بلد نفطي آخر من بلدان الخليج هو إيران، بينما لم تتم بعد إزالة بقايا الحطام التي خلفتها العقوبات الدولية على العراق، فهل يتمتع مجلس الأمن الدولي بوضع إصلاحي كاف، يجعله مؤهلا كي يأخذ إجراء مماثلا الآن؟ وهل لآيات الله الإيرانيين حساسية تجاه أي موقف مضاد يتخذه العالم ضد نظامهم؟ أم تراني قد نسيت طرح سؤال جوهري آخر؟
دعونا نبقي السؤال الأخير مفتوحا ونحن ننظر إلى المأزق الذي تواجهه إدارة بوش:
فالمعنى الجوهري لفضيحة النفط مقابل الغذاء لا يتعلق بالدرجة الأولى بأفراد فقط، وإنما بالضرورة أيضا «بفساد سلامة الآليات التي تعمل الأمم المتحدة وفقها» بحسب كلمات أحد صنّاع السياسة الأميركية. فصدام حسين كان يستخدم رشاوى النفط التي سُمح له بإقحامها كجزء أساسي من أسس برنامج النفط مقابل الغذاء، من أجل تدمير نظام العقوبات الدولية المفروضة على العراق، وشراء الدعم الدولي لرفعها كليا، وهذا هدف تمكن من تحقيق قسط كبير منه قبل الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
من جهة أخرى، ومن جانبها ناورت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية بشكل بارع منذ فبراير الماضي لجعل إيران، لا الولايات المتحدة، مركز الاهتمام ونقطة الانتقاد للمأزق القائم في المفاوضات التي ظلت بريطانيا وفرنسا وألمانيا تجريها مع طهران حول تخصيب اليورانيوم. وقد وافقت رايس على طلب الاتحاد الأوروبي لتقديم دعم علني لتنازلات تجارية صغيرة ورمزية لإيران، وذلك أمر ساعد الرئيس بوش على احراز تعهدات غير معلنة من الدول الأوروبية الثلاث للانضمام الى الولايات المتحدة في السعي الى عقوبات من مجلس الأمن اذا ما أخفقت المفاوضات، وفقا لمصادر أميركية ودبلوماسية. وقد اشار الأوروبيون الى ذلك الاتفاق الأسبوع الماضي، عبر تحذير طهران من أنها ستواجه الانتقام اذا ما استأنفت معالجة اليورانيوم. وهكذا تقف الادارة أقرب الى مجابهة المخاطر التي يتعين على اللاعبين بشأن ايران الرد عليها. فالولايات المتحدة ليس لديها تعهد من روسيا أو الصين، المرتبطتين اقتصاديا مع ايران على نحو متزايد، بعدم استخدام الفيتو ضد قرار العقوبات في مجلس الأمن.
ولنا أن نذكر في المقابل أن ايرادات النفط وامداداته أسلحة فعالة في ظروف واسعار السوق العالمية الراهنة، أقول بذلك وربما يكون قد غاب عن بالي أن الادارة الأميركية، استنتجت انه في عالم معولم، يعتمد الى حد كبير على النفط، بأنه ليست هناك خيارات فعالة بشأن ايران، الأمر الذي يجعل من خيارها يتجه الى دفع الأمور بطريقة متخبطة نحو نتيجة مفضلة، عبر محاولة التهديد بالعقوبات مرة أخرى.
ولكن علينا ألا نغفل أن الطريقة أو التجربة العراقية المريرة تشير الى أن نجاح العقوبات الاقتصادية قد يكون كارثيا أيضا مثله في ذلك مثل فشلها، فيما يمكن للأوليغاركية النفطية ان تحيا (بل تزدهر في الواقع) في ظل المصاعب المفروضة، في ذات الوقت الذي يجري فيه تدمير بنية البلاد التحتية ونسيجها الاجتماعي.
وتتواصل الإشارة الى حقيقة أخرى، وهي أن النفط هو جذر مما يكفي من الشر لتبرير مراقبة وضوابط دولية جديدة، على صناعة هي النفط، تطرح الآن مخاطر معينة على استقرار العالم ورخائه، وكذلك على البيئة. ومن هنا تحتاج الادارة الأميركية الى أن تحدد سياستها المعتدلة في مجال الطاقة، وأن تحدد أيضا دوافعها لعزل واحتواء ايران في سياق أوسع كثيرا من نظرتها الحالية، مثل عملية كيوتو التي ابتدأت عملية إعادة النظر فيها جذريا بما أفضى الى وعود برعايتها ودعمها.
وسيتطلب هذا الأمر مزيدا من الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي والوقت، قبل الفرض أو التوصل الى حسم للنزاع، وتلك آفاق يتعين ألا ترفضها الادارة الأميركية. ان كسب سنة أخرى من توقف برنامج ايران لتخصيب اليورانيوم، مقابل امتيازات اجرائية بشأن المفاوضات، هو هدف ثمين يستحق أن تسعى اليه الولايات المتحدة ومعها شركاؤها الأوروبيون.
ان تاريخ ايران كلاعب هام في قضايا المنطقة والعالم، وقربها من القوات الأميركية التي تسعى الى اقامة النظام في العراق وافغانستان، يجعلان من طهران مشكلة بالنسبة للاستقرار العالمي، وبصورة أكبر وأعظم من مشكلة كوريا الشمالية، فذلك النظام المعزول والمنبوذ الذي يمكن أن يعجل من نهايته بنفسه عبر تنفيذ تهديداته، يمكن احتواؤه اقليميا.
ولكن تحدي ايران موجه للقواعد العالمية للعبة النووية كما هي مطبقة خلال العقود الأربعة الماضية، في اطار معاهدة الحد من الانتشار، ومن هنا يتعين على واشنطن ان تتحرك بأسرع ما يمكن من أجل اشراك مجلس الأمن الدولي في هذه العملية.
يمكن اعتبار إيران مثل عاصفة نموذجية بالنسبة لأية أمة، فهناك النفط وهناك الموقع الجغرافي، وأضف الى كل ذلك هذا السعي المتقدم والمحموم للحصول على تكنولوجيا الأسلحة النووية، ويمنح كل ذلك طهران القدرة على دفع الأمم المتحدة ونظام منع انتشار الأسلحة النووية، الذي تشرف عليه المنظمة الدولية، إلى مأزق عميق خلال الأشهر المقبلة.
بالتأكيد لم يسع صنّاع السياسة الكبار في إدارة واشنطن نحو الوصول إلى مثل هذه النقطة التي تقترب من أن تأخذ سمة التخريب، لكنهم قادرون على أن يتصوروا الناتج النهائي الآن، وهم يستعدون لتقبله كما يبدو لي من خلال تصريحاتهم العلنية أو تعليقاتهم الخاصة للدبلوماسيين والمسؤولين الأجانب وغيرهم.
في المقابل، من الصعب أن تختلف مع المشاعر الميالة لتحقيق الإصلاح للأمم المتحدة، عند النظر بحجم الفساد الفاضح الموجود داخلها، والذي تم تسليط الضوء عليه بواسطة تحقيق أجرته المنظمة الدولية نفسها، جنبا إلى جنب مع التحقيقات التي قام بها الكونغرس، فيما يخص برنامج النفط مقابل الغذاء في العراق.
إنه المنطق الذي يصعب القبول به أو اتباعه، وإدارة بوش الآن على وشك أن تطلب من مجلس الأمن الدولي فرض عقوبات اقتصادية ضد بلد نفطي آخر من بلدان الخليج هو إيران، بينما لم تتم بعد إزالة بقايا الحطام التي خلفتها العقوبات الدولية على العراق، فهل يتمتع مجلس الأمن الدولي بوضع إصلاحي كاف، يجعله مؤهلا كي يأخذ إجراء مماثلا الآن؟ وهل لآيات الله الإيرانيين حساسية تجاه أي موقف مضاد يتخذه العالم ضد نظامهم؟ أم تراني قد نسيت طرح سؤال جوهري آخر؟
دعونا نبقي السؤال الأخير مفتوحا ونحن ننظر إلى المأزق الذي تواجهه إدارة بوش:
فالمعنى الجوهري لفضيحة النفط مقابل الغذاء لا يتعلق بالدرجة الأولى بأفراد فقط، وإنما بالضرورة أيضا «بفساد سلامة الآليات التي تعمل الأمم المتحدة وفقها» بحسب كلمات أحد صنّاع السياسة الأميركية. فصدام حسين كان يستخدم رشاوى النفط التي سُمح له بإقحامها كجزء أساسي من أسس برنامج النفط مقابل الغذاء، من أجل تدمير نظام العقوبات الدولية المفروضة على العراق، وشراء الدعم الدولي لرفعها كليا، وهذا هدف تمكن من تحقيق قسط كبير منه قبل الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
من جهة أخرى، ومن جانبها ناورت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية بشكل بارع منذ فبراير الماضي لجعل إيران، لا الولايات المتحدة، مركز الاهتمام ونقطة الانتقاد للمأزق القائم في المفاوضات التي ظلت بريطانيا وفرنسا وألمانيا تجريها مع طهران حول تخصيب اليورانيوم. وقد وافقت رايس على طلب الاتحاد الأوروبي لتقديم دعم علني لتنازلات تجارية صغيرة ورمزية لإيران، وذلك أمر ساعد الرئيس بوش على احراز تعهدات غير معلنة من الدول الأوروبية الثلاث للانضمام الى الولايات المتحدة في السعي الى عقوبات من مجلس الأمن اذا ما أخفقت المفاوضات، وفقا لمصادر أميركية ودبلوماسية. وقد اشار الأوروبيون الى ذلك الاتفاق الأسبوع الماضي، عبر تحذير طهران من أنها ستواجه الانتقام اذا ما استأنفت معالجة اليورانيوم. وهكذا تقف الادارة أقرب الى مجابهة المخاطر التي يتعين على اللاعبين بشأن ايران الرد عليها. فالولايات المتحدة ليس لديها تعهد من روسيا أو الصين، المرتبطتين اقتصاديا مع ايران على نحو متزايد، بعدم استخدام الفيتو ضد قرار العقوبات في مجلس الأمن.
ولنا أن نذكر في المقابل أن ايرادات النفط وامداداته أسلحة فعالة في ظروف واسعار السوق العالمية الراهنة، أقول بذلك وربما يكون قد غاب عن بالي أن الادارة الأميركية، استنتجت انه في عالم معولم، يعتمد الى حد كبير على النفط، بأنه ليست هناك خيارات فعالة بشأن ايران، الأمر الذي يجعل من خيارها يتجه الى دفع الأمور بطريقة متخبطة نحو نتيجة مفضلة، عبر محاولة التهديد بالعقوبات مرة أخرى.
ولكن علينا ألا نغفل أن الطريقة أو التجربة العراقية المريرة تشير الى أن نجاح العقوبات الاقتصادية قد يكون كارثيا أيضا مثله في ذلك مثل فشلها، فيما يمكن للأوليغاركية النفطية ان تحيا (بل تزدهر في الواقع) في ظل المصاعب المفروضة، في ذات الوقت الذي يجري فيه تدمير بنية البلاد التحتية ونسيجها الاجتماعي.
وتتواصل الإشارة الى حقيقة أخرى، وهي أن النفط هو جذر مما يكفي من الشر لتبرير مراقبة وضوابط دولية جديدة، على صناعة هي النفط، تطرح الآن مخاطر معينة على استقرار العالم ورخائه، وكذلك على البيئة. ومن هنا تحتاج الادارة الأميركية الى أن تحدد سياستها المعتدلة في مجال الطاقة، وأن تحدد أيضا دوافعها لعزل واحتواء ايران في سياق أوسع كثيرا من نظرتها الحالية، مثل عملية كيوتو التي ابتدأت عملية إعادة النظر فيها جذريا بما أفضى الى وعود برعايتها ودعمها.
وسيتطلب هذا الأمر مزيدا من الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي والوقت، قبل الفرض أو التوصل الى حسم للنزاع، وتلك آفاق يتعين ألا ترفضها الادارة الأميركية. ان كسب سنة أخرى من توقف برنامج ايران لتخصيب اليورانيوم، مقابل امتيازات اجرائية بشأن المفاوضات، هو هدف ثمين يستحق أن تسعى اليه الولايات المتحدة ومعها شركاؤها الأوروبيون.
ان تاريخ ايران كلاعب هام في قضايا المنطقة والعالم، وقربها من القوات الأميركية التي تسعى الى اقامة النظام في العراق وافغانستان، يجعلان من طهران مشكلة بالنسبة للاستقرار العالمي، وبصورة أكبر وأعظم من مشكلة كوريا الشمالية، فذلك النظام المعزول والمنبوذ الذي يمكن أن يعجل من نهايته بنفسه عبر تنفيذ تهديداته، يمكن احتواؤه اقليميا.
ولكن تحدي ايران موجه للقواعد العالمية للعبة النووية كما هي مطبقة خلال العقود الأربعة الماضية، في اطار معاهدة الحد من الانتشار، ومن هنا يتعين على واشنطن ان تتحرك بأسرع ما يمكن من أجل اشراك مجلس الأمن الدولي في هذه العملية.