إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

لبنان غدا

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لبنان غدا

    لبنان غداً: جدلية الإصلاح والمقاومة


    يعتمد السجال اللبناني الراهن، تفكيكاً غير مسوغ لثلاثة مسارات يفترض أن تكون مترابطة: إعادة بناء الدولة، وتثبيت الاستقلال، والحفاظ على تموضع استراتيجي فعال. وفي هذه المرحلة الانتقالية بالذات تتأكد أهمية إحكام الصلة بين مسألتي الاصلاح والسيادة، لكن على قاعدة تحديد رصين ودقيق للمسألتين، وفي إطار فهم غير عابر للمتغيرات الخارجية والتحديات المحلية.
    المؤسف هو أن الحراك اللبناني الواعد، لم يهيئ لمراجعة ثورية كان مقدراً لها أن تطال مروحة واسعة من الوقائع والمفاهيم الموروثة، لولا ان وقعت في مصيدة <<الجيولوجيا>> اللبنانية الراسخة، فما إن اصطدمت الصفائح التقليدية بعضها ببعض، حتى تشظت الوعود الخلابة، واستدعيت من أعماق الوعي، أخطاء تاريخية ما زالت حتى الآن تمنع العبور من شبه الدولة الى الدولة.
    لكن حزمة موحدة من الخيارات المحلية والاقليمية، تعد إضافة ملائمة لسيرورة التغيير المنشود، وهذا ما يمكن للمقاومة أن تؤديه بكفاءة، كونها قادرة أكثر من غيرها على تحقيق تسوية مستقرة وحميدة، بين الاحتياجات الاستراتيجية، والتطلب الاصلاحي والديموقراطي الداخلي، وهذه الاضافة تحققت الى حد ما في التسعينيات قبل أن يستهلكها الفشل المتعدد الأوجه لجمهورية الطائف.
    أما خلط تاريخ المقاومة الحافل والمتنوع باللحظة الراهنة المتضخمة، كما تدأب أدبيات المراجعة، فإنه نقطة انكسار للنقاش الداخلي لا نقطة بداية له، ويتجاهل ان الوضع الراهن يحتمل تأويلات شتى، وفيه من السيولة ما يكفي للاعتقاد أنا بعيدون عن خط انطلاق يشكل لحظة مرجعية، وأن التقلبات المحلية التي نشهدها غداة كل يوم تتصل بقوة القديم لا بحيوية الجديد، وبضعف الداخل لا بسطوة الخارج.
    بيد أن التمدد الفعلي والمبيت لهذا الخارج، يستحث أشد دوافع الممانعة عمقاً، لفرط ما هو عاصف ومتطلب ومليء بالتناقضات، أخطر ما فيه انه يندمج ببيئة المنطقة شيئاً فشيئاً، يتلون بألوانها ويستلهم روحها المغيبة في أعماق فشل سياسي حاد، وسواء سُمي هذا الفشل تخلفاً أو استبداداً أو استتباعاً أو أصولية، فإنما يجري استغلاله على نحو يضع الاصلاح في وجه الاصلاح، والتغيير في وجه التغيير، والأمرين معا في مقابل السيادة والهوية.
    إن إعادة تعريف القضية الوطنية يقتضي تجميع روافد الاسئلة في مجرى واحد، وصولا الى المصب: أي مشروع للدولة؟ وفي أي عقد اجتماعي سياسي؟ وضمن أي نظام إقليمي؟ وتحت أية مظلة دولية؟ وذلك في غير تعويل واهم على عزلة آمنة داخل هذا الطوق الاقليمي المتفجر، فإغلاق أبواب السفينة وملء الاشرعة بالهواء لا يتيحان رد غائلة بحر متلاطم.
    إن إمعان النظر في الحقل السياسي الذي بنته المقاومة ونمت فيه، والمهام التي أدتها حتى اليوم، مفيد في ضبط الاتجاه. فقد كان اتفاق الطائف حدثاً محورياً في تاريخها، فيما كانت ركناً من أركانه، وبقدر ما وفر لها السلم الاهلي بيئة متكيفة ومطمئنة، بقدر ما كان استمرارها شرطاً لديمومته. يكفي انها ضاعفت الاهمية الاستراتيجية للبنان فأتاحت له حصانة ما في بيئة المخاطر المتصاعدة في المنطقة، وأقامت له صلة حذرة بتحولاتها، تحول بينه وبين الانغماس في أزماتها أو العزلة عن قضاياها.
    داخل ثنائية المقاومة والسلم الاهلي، توفرت للبنان خصوصيتان، داخلية هي استواء المقاومة عامل توازن في الصيغة اللبنانية المستجدة، يقع في قلب عملية استعادة الدولة لدورها وتكريس سيادتها بالردع، وخارجية تتمثل باعتماد خيارات متقدمة ومتمايزة تجاه التسوية تتناسب مع تطلعاتنا الخاصة، على خلاف ما جرت عليه الامور مع دول عربية اخرى.
    بالتالي فإن وظائف المقاومة وأدوارها المستمرة لم ترسم ارتجالاً أو دفعة واحدة، بل على نحو تراكمي ومتكيف مع الاحتياجات الوطنية، وهذه نقطة جوهرية للرد على السؤال التالي: هل فقدت المقاومة مبرر وجودها مع تحرير كل أو غالبية الاراضي اللبنانية؟
    في التسعينيات تطورت وظيفة الردع، لتكون من جهة ضمانة الاستمرار في مجابهة الاحتلال، ومن جهة اخرى وسيلة لتثبيت الاستقرار الداخلي وتهدئة الموجات الصادرة عن تحولات البيئة المجاورة وتفسخ النظام الاقليمي.
    التحرير كان ثمرة التقاطع الوظيفي بين الابعاد الوطنية والاستراتيجية للمقاومة، ما أتاح للبنان إدارة صراعه مع العدو بنجاح وفي إطار مقاربة داخلية وخارجية غنية بالبدائل، فظلت قضيته حية، ولم يصبح احتلال أراضيه واقعاً إقليمياً مستداماً كما هو حال الاراضي العربية المحتلة الاخرى.
    هل ثمة تناقض بين دور المقاومة و<<الدولة السيدة>>؟
    على قاعدة الوظائف والحيثيات السياسية التي حكمت قواعد الاشتباك مع العدو، ترسخت ببطء لكن بعمق معادلة تعاون ومن ثم تكامل مع السلطة، كان هذا ثمرة مسار خلاق لم يخل من لحظات أزمة وأعناق اختناق، لكنه انتهى والمقاومة جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن الوطنية، وعقيدة قتالية أعادت الحياة نسبياً الى مبدأ الدفاع العربي المشترك. صحيح ان <<حماية الارض ورد العدوان هي من اختصاصات الدولة>>، لكن بمقاييس عالم عادي، حيث السيادة ناجزة، والتدخلات الخارجية في حدها الادنى، وموازين القوى متكافئة. ثم أين هي قواعد العمل البديلة للتأكد من أن المهام السيادية والدفاعية التي تقوم بها المقاومة اليوم ستبقى في الخدمة، من سيقوم بذلك؟ وضمن أية رؤية؟ وعلى من ستقع الاعباء؟ وبأي ثمن؟
    السؤال الاخير يلخص المشكلة، فالسياسات المحلية مرسومة برمتها من دون تحسب للأثمان المفترض تكبدها للتعامل مع استمرار الصراع وتأخر التسوية، المقاومة حتى اليوم تأخذ على عاتقها امتصاص أكبر المخاطر، فتسير الحياة وراء الخطوط على منوالها الطبيعي، وتتولى هي تعبئة مجتمعها لتحمل التكاليف، لكن أي تعبئة بديلة تكفل استمرار التوازن الراهن، حيث لا توافق شاملاً على تحمل التبعات، الى حد إلغاء خدمة العلم! وأين هي السياسات التي تضمن الستاتيكو الراهن؟ إلا إذا راهنّا على أن العالم يضج بأصحاب النوايا الحسنة.
    ماذا عن المرحلة القادمة؟
    التطورات الاخيرة على ما حملته من وعود، لم تحمل معها بوادر الاستقلال العتيد، ولعلنا نغادر اليوم وصاية اتكأت على تسوية داخلية ما، شملت كتلة معتبرة من اللبنانيين (بدليل انها تفككت مع انفكاكها)، الى وصاية تستند فقط الى احتياجات فرض <<النظام>> في المنطقة، وهذه الوصاية لفرط قوتها الدولية، أكثر تصرفاً بالمصير الوطني، وأبعد ما يكون عن احترام الشروط الحرجة للصيغة اللبنانية.
    وبالنسبة الى دولة صغيرة ذات تكوين هش كلبنان، فإن الوقائع الجديدة التي ظهرت بعد الخروج السوري ترتب مخاطر مضاعفة، فقد يدعى لاحقاً الى تقديم مساهمة <<مفيدة>>، للحرب الاميركية في العراق، أو في معركة بناء الشرق الاوسط الكبير أو في مجابهة الدول المارقة، بحيث تكون مغادرة قطار الصراع العربي الاسرائيلي بالنسبة له، معبراً الى صراعات اخرى أشد فتكاً كتلك التي تدور على تخوم قريبة. إن مهمة المقاومة هنا، هي رفع قيمة الرصيد الاقليمي للبنان وتكثيف مكانته الاستراتيجية، بحيث يغدو محصناً من الهزات العنيفة في ظروف متدحرجة، ومسيطراً أكثر على تموضعه الاقليمي وسياساته الداخلية والخارجية. ولنفترض جدلاً أن النقاش مشروع حول مدى صوابية خيارات لبنان الحالية، فإن إعادة التموضع في مناخات محلية وخارجية حرجة، لن يكون إلا حافلاً بالمصاعب ومليئاً بالاهوال.
    المقاومة من هذا المنظور مكوّن حيوي من مكونات السيادة المطلوب استرجاعها، فالتوازن الذي أنشأته، يمنح الدولة فرصة الامساك بقرارات الحرب والسلم، ومن دون بيئة الردع القائمة ستكون هذه القرارات ليس فقط خارج يد السلطة، بل خارج الحدود بالكامل، بالتالي فإن استمرار القواعد الراهنة هي للبنان مسألة حيوية، من جهة لحماية استقلالية قراره في مسألة التسوية وحماية نفسه من مترتبات عدم الاستتباع، ومن جهة اخرى لكي يحافظ على دور محسوب في الصراع مع العدو، يؤمن له مقعداً في النظام الاقليمي، فالخيارات الاخرى تتراوح بين التورط المفتوح والحياد التام، أي انها إما متطرفة وإما انها مدعاة الى تقويض السلام الداخلي.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X